خصائصها السحرية معروفة منذ القدم.. فيوليت داغر
تتسبب الملاريا بما لا يقل عن مليون وفاة في العام، 90%
منهم في القارة الأفريقية
وأغلبهم أطفال، ولا من يتحدث عن ذلك. بينما "قامت الدنيا
ولم تقعد" لما تسببت به الكوفيد 19 ولعدد، ما زال وسيبقى،
أقل من ذلك بكثير. الملاريا منشأها طفيلي ينتقل عبر لدغات
البعوض، ينتج عنها احترار شديد وتعرّق وأحياناً غيبوبة قد
تصل للوفاة.
عندما كان الجنود الأمريكيون يحاربون في فيتنام، كان الذين
يصابون منهم بالملاريا يعتمدون على جرعات "الكلوروكين"
للنجاة منها. بالمقابل، الجنود الفيتكونغ كانوا يتوفون
بكثرة حيث لا علاجات تنقذهم. إلى أن اتصل الرئيس الفيتنامي
هو شي مينه بالرئيس الصيني ماوتسيتونغ وطلب منه الامداد
بكميات من نبتة "الارتميزيا آنيا"، المتوفرة بكثرة في
الصين ومعروفة الفوائد منذ قديم الزمان. وهكذا بفضلها
تتوقف الملاريا عن الفتك بالمقاومين وينتصروا في الحرب ضد
الأمريكان.
عام 1967، طلب الرئيس الصيني، الذي أراد القضاء على
الملاريا في بلاده، من العالمة يويو تو العمل على هذه
النبتة التي تشكل، بأصنافها الخمسين، عائلة كبيرة ذات
خصائص طاردة للديدان ومضادة للتشنج. بعد عقود وتحديداً في
2015 تتصدر هذه العالمة أحاديث الإعلام لحصولها، ولها من
العمر 84 عاماً، على جائزة نوبل للطب لاكتشافها "الأرتيميزينين"،
الذي هو جزيء من تنوع النبتة الكبير تم الاعتماد عليه
لتركيب دواء
ACT.
لكن مع الوقت، لم يعد عقار
ACT
يؤمن الشفاء بفعل تشكل مقاومة له في جسم البشر. إلى جانب
أن أسعاره تضاعفت عندما أوصت به منظمة الصحة العالمية. أما
في الوقت الحالي، فمعظم الأدوية المضادة للملاريا
الاصطناعية تسبب آثاراً جانبية، بينما نبتة "الارتيميزيا"
ليس لها هذه الآثار.
لقد استخدمت على نطاق واسع في الصين خلال الوباء التاريخي
لفيروس كورونا عام 2003، كما ضد الوباء الحالي. وما أن
تأكدت السلطات الصحية بأن "الارتميزيا" أعطت نتائج جيدة ضد
الكوفيد 19، حتى خرجت ببيان رسمي لمستشفياتها يتضمن
بروتوكولاً واضحاً ودقيقاً يحتوي على مزيج من الأعشاب
المخصصة لعلاج الفيروس. والنتيجة أن
91,5 %
من الذين أصيبوا بالفيروس التاجي وتجرعوا محاليل الأعشاب
اختفت تماماً أو تراجعت عوارض المرض لديهم.
أضيفت هذه النبتة في البروتوكول لنبتة الاستراغالوس
Astragale
والتي هي من النباتات النادرة التي تساعد الجهاز المناعي
دون أن تحفزه بشدة، كي لا يتضرر من يعاني من مرض المناعة
الذاتية. هي تقي من الإصابة بالفيروس، وفي حال الإصابة
تساعد الجهاز المناعي للتخلص سريعاً منه، كما وتجنب من
مضاعفاته في الخلايا وحدوث عاصفة السيتوكين.
عرفت "الارتيميزيا" منذ قديم الزمان بخصائصها السحرية حيث
كانت مخصصة لعبادة أرتميس، إحدى آلهة اليونان للصيد وحماية
المواليد، والتي منها اشتق اسمها. في العصور القديمة، كان
التزين بها على الخصر يحمي من الأرواح الشريرة، كما كانت
تعلق على أبواب المنازل لطرد الأوبئة. وفي العصور الوسطى،
كان المحتفون بالقديس يوحنا يصنعون منها تاجاً يضعونه على
رؤوسهم ويرقصون به قبل رميه في اللهب لضمان صحة جيدة طوال
السنة.
مؤخراً، دخلت "الارتيميزيا" الى أفريقيا بعد أن جرى تبنيها
من رئيس جزيرة مدغشقر، أندريه رجولينا، الذي عرضها
لمواطنيه في خطاب رسمي في 19 أبريل الماضي، بعدما كانت
السلطات قبلاً قد زرعتها واختبرتها وعملت على إقناع دول
أفريقية بتبنيها. وفي 9 مايو تبناها السنغال. بلدان
إفريقية أخرى منها: بنين وتوغو وجمهورية الكونغو
الديمقراطية بدأت بزراعتها. كما أن غينيا بيساو وغينيا
الاستوائية والنيجر وحتى تنزانيا لجأت لها. مما يفسر على
الأرجح لماذا البلدان الأفريقية هي أقل تأثراً بجائحة
الفيروس التاجي من البلدان الأوروبية. وهي تعالج بفعالية
أيضاً الأمراض الخطيرة مثل الملاريا والبلهارسيا والسل
وقرحة بورولي وغيرها.
في وثائقي بثته قناة فرنسية، تناول العرض كيميائي من
اللوكسمبورغ وجه اهتمامه لهذه النبتة، بدعم من جمعية تعمل
على أفريقيا وأمريكا اللاتينية وتساهم في نشر برامج لزراعة
"الارتيميزيا آنيا" بمساعدة وزارة التعاون في اللوكسمبورغ.
إلى أن زارهم مبعوثون من منظمة الصحة العالمية وشركات
أدوية ومؤسسة مختصة بالأمراض الاستوائية، ليتوقف الدعم
للجمعية. فوق ذلك تعمم منظمة الصحة ارشادات تحض على
استعمال دواء "لاريام" الخطير بدل النبتة المفيدة، بحجة
أنه لا يوجد دراسات عن هذه الأخيرة. لكن دواء "لاريام"،
عرف عنه أنه أعطى لجنود في العراق وتسبب لهم بوفيات وأمراض
عقلية.
رئيسة جمعية "بيت الارتميزيا"، الطبيبة الفرنسية لوسيل
كورنيه-فرنيه، التي تقوم منذ عام 2013 بتمويل دراسات
سريرية في أفريقيا للبحث عن الأدلة العلمية لفعاليتها، ترد
بالقول: "هل نعرف كيف تعمل 70٪ من الأدوية التي تباع في
الصيدليات، ومع ذلك نواصل استخدامها، الشيء المهم هو أن "الارتيميزيا"
أثبتت جدارتها منذ 2000 عام، أليس هذا كافيا؟"
نبتة "الارتميزيا" التي دخلت أفريقيا كان للباحث الأفريقي،
جيروم مينيانغ، وضع برتوكول لاستهلاكها، وقد عرضه على رئيس
جزيرة مدغشقر الذي آمن به وتبناه. قبل ذلك، كان يجري
أبحاثه حول النبتة في جامعة باريسية. لكن ما أن توصل
لنتائج إيجابية حتى منعه مسؤول المختبر من نشر نتائجه
وصادر العينات التي بحوزته وأوقف أطروحته. بعد ذلك استدعي
للمشاركة في ندوة علمية في كينشاسا لعرض نتائج أبحاثه،
وعندما عاد إلى الفندق ليلاً حاصره رجال أمن وألقوا القبض
عليه ليبقى محتجزاً ثلاثة أيام لاجباره على التخلي عن
مشروعه، إلى أن تدخلت منظمة حقوقية دولية متقدمة بشكوى
توقيف اعتباطي ليطلق سراحه. يلفت الباحث أيضاً في حديث
تلفزي إلى منظمة الصحة التي وضعت العراقيل في وجهه كي لا
يعمم البروتوكول الذي اقترحه.
يعود مينيانغ إلى بلده الأصلي الكونغو الديمقراطية ويبدأ
تجاربه على أطفال قريته، باعطاء قسم من العينة شراب النبتة
الكاملة والقسم الآخر دواء
ACT.
يحضر لمؤتمر صحفي ليعلن نتائجه لكنه يلغى، والطبيب المسؤول
الذي سمح بالدراسة يقال من عمله. النتائج المقارنة كانت
ايجابية بنسبة 97% "للارتيميزيا" و80% لل
ACT.
فكما هو الحال مع جميع النباتات، الجزئيات المتعددة التي
تحتويها النبتة تضاعف من امتصاص مادة "الأرتيميزينين" 27
مرة أكثر مما لو تم تجرعها بمفردها.
بعدما باتت النبتة تزرع في أفريقيا أصبحت تسمى "ارتميزيا
أفرا". وإن كانت ليست بقوة "الارتميزيا أنيا"، لكنها تعطي
النتائج المأمولة. فمكون "الأرتيميزينين" غير موجود في "الارتيميزيا
أفرا"، ومع ذلك يشفي المريض بنفس الفعالية، كونها تحتوي
ليس أقل من خمسين من الزيوت الأساسية والكثير من الزنك
واشياء أخرى يجري العمل لاكتشافها. دراسة مقارنة تجرى على
الإثنين في 2016، والنتيجة تخرج متشابهة لكليهما.
في 2019
دراسة مقارنة مع الأدوية هذه المرة
وجدت أن النبتة تشفي
99,5 %
من إصابات الملاريا، في حين أن الأدوية الكلاسيكية كانت
نسبتها
79,5 %،
علماً
أن ثمنها خمس مرات أقل من الأدوية المستعملة للملاريا.
وهذا بالطبع لا يصب في مصلحة شركات الأدوية، وربما يفسر أن
تخرج قبل سنة الاكاديمية الوطنية للطب في فرنسا - التي ما
زالت تمنع بيعها- لتطلب وقف العمل الدعائي لها. ذلك رغم أن
النبتة واقية للمعرضين للاصابة بالكوفيد 19 ومفيدة قبل
تضاعف الفيروسات في الخلايا، كونها تتيح للمستقبلات على
جدران الخلايا منع دخول الفيروس اليها وتجنب حصول الهبة
الفيروسية. ويمكن أن تستعمل بمفردها أو مع نباتات أخرى
مختصة في الجهاز المناعي والاصابات الصدرية. لكن في
المرحلة الثالثة من الإصابة، تعطى إلى جانب علاجات
كيميائية لتسريع شفاء المريض دون آثار سلبية.
تباع "الارتميزيا" في أفريقيا بأثمان زهيدة لا يمكن تصورها
( 37 سنتاً من الأورو) وتشرب بعد غليها كمشروب الشاي
الساخن، وتوزع مجاناً في المدارس حيث الأطفال يصابون بنسب
كبيرة بالأيبولا. يحضر مشروب الارتيميزيا من 5 غرامات من
أوراقها الجافة وأعوادها، توضع في لتر من الماء المغلي 100
درجة مئوية، تغطى وتترك لمدة 15 دقيقة قبل تصفيتها، ويمكن
أخذها من 3 إلى 4 مرات في اليوم. هذا العلاج يوصف لأسبوع
في حالة الملاريا، لكن الحمى وآلام الجسم والصداع تختفي
منذ اليوم الثاني.
"الارتيميزيا أنيا"، موجودة في بلدان البحر المتوسط والشرق
الأوسط، وتسمى في لبنان نبتة "الشيح". فحبذا لو أن وزارات
الصحة في بلداننا تلجأ لتسويقها وتشجيع المزارعين على
زراعتها بشكل أوسع، على غرار القرار الذي اتخذته السلطات
اللبنانية بخصوص نبتة القنب لأغراض التداوي. لكن يمكن
زراعتها في حديقة المنزل أو على الشرفة للاستفادة من
فوائدها التي تتعدى الملاريا والكورونا لأمراض السرطان
وغيره. كما وتغني عن الأدوية التي ما زالت غير متوفرة
للفيروس التاجي، وإن توفرت ستكون عالية الكلفة. كذلك تجنب
تجربة أخرى من الحجر الصحي والمنزلي وتوقف الأقتصاد، علاوة
على أنها توفر من أكلاف الفحوصات والعلاجات، والأهم من
الوفيات.
لكن شركات الأدوية العشر الأكبر في العالم التي جنت فقط في
2017 ما يتعدى 400 مليار دولار هي من ستحاربها، كما كل ما
يتعلق بطب الأعشاب لأن بذلك خطر على أرباحها. ففي فرنسا
يُحظر بيع "الارتيميزيا" في الصيدليات ومتاجر بيع الأعشاب،
والرئيس الفرنسي لا يتكلم سوى عن "اللقاح الذي سيضع حداً
لآلامنا الحالية"، على حد قوله. أما منظمة الصحة العالمية
فتكرر "تحذيراتها" ضد استخدامها داعية القادة الأفارقة أن
لا ينساقوا لإغراء "الترويج للنبتة بدون اختبارات علمية،"
وما زالت تفضل "الحل الوحيد الجدي" أي اللقاح.
على غرار ما حصل في قضية "الهيدروكسيكلوروكين" (الذي
تراجعت بعد أيام عن نتائج دراستها بخصوصه إدارة مجلة "ذي
لانست" وانسحاب ثلاثة من الأربعة الذين كتبوا التقرير
المهزلة- من لم يطلع على القصة يمكن أن يعود لمقالي السابق
بالموضوع المنشور في نفس الموقع)، يحصل للأسف في قضايا
أخرى عديدة. ودوماً تقدم حجج واهية لسحب عقارات وتراكيب
نباتية من الأسواق كان الناس يعتمدون عليها في شفائهم من
أمراض كثيرة. من ذلك مرض "لايم" الناجم عن قرص حشرة تسمى
التيك
Tique
التي تفرز باكتيريا البورليوز
Borélioseوتتسبب
بتسمم يصعب اكتشافه بعد انتشاره في جسم الإنسان وتعطيل
وظائف حيوية كثيرة مع آلام شديدة. يوجد مستحضر من زيوت
أساسية ثبتت فائدته للمصابين بهذه البكتيريا يسمى "تيك
توكس"، لكنه منع في فرنسا منذ سنة 2012. فأي توصيف يطلق
على هذه القرارات الاعتباطية إن لم يكن إجراماً بحق المرضى
للتداوي بما يرونه مناسباً دون تدخل وعسف قرارات سلطوية لا
تخدم الصالح العام؟
نشر على موقع الميادين نت في 9/06/2020
|