تقديم
بالنظر لوضع حقوق الانسان في مصر المتدهور بشدة
من ناحية وللمساندة المنقوصة من طرف الجمعيات
الحقوقية المصرية والدولية لملف الأربعين قيادياً
من الاخوان المسلمين المحالين للقضاء العسكري،
اتخذت اللجنة العربية قراراً مبكراً بمتابعة
المحاكمة المذكورة. لقد خصصت وقتاً وجهداً للتعريف
بالانتهاكات الجسيمة التي تتجسد من خلالها ضد
المجتمعين المدني والسياسي في مصر، وحضرت عبر
رئيستها ومفوضين منها عدة مرات خلال السنة الفائتة
إلى القاهرة من أجل المراقبة. لكن تم منعها كبقية
المراقبين الدوليين الذين قدموا لمصر لهذا الغرض.
غني عن القول أنه وفقا للقانون الدولي: لكل فرد
الحق في محاكمة عادلة. أما الدستور المصري فينص
على استقلال القضاء وعلى أنه يحق لكل مواطن محاكمة
عادلة ومستقلة ومحايدة
أمام قاضيه الطبيعي. لقد صدقت
مصر على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية منذ 14 يناير/كانون الثاني 1982. كما
أنها أكدت حينما باتت عضواً في مجلس حقوق الانسان
في 18 نيسان/ابريل 2007، على التزامها بالتعاون
النشط مع منظومة الاجراءات الخاصة للأمم المتحدة.
لا وبل تعهدت بتعزيزها خلال فترة عضويتها الممتدة
لثلاث سنوات.
مصر طرف مشارك في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان
والشعوب الذي ورد فيه: "يكون الفرض الوحيد من
المحاكم العسكرية هو البت في الجرائم ذات الطبيعة
العسكرية البحتة التي يرتكبها موظفون عسكريون ..
وينبغي ألا تكون للمحاكم العسكرية في أي ظرف من
الظروف ولاية قضائية على المدنيين". مع ذلك حوّل
40 شخصا من قياديي الأخوان لمحكمة العسكرية بناءا
على قرار غير موقّع من رئيس الجمهورية.
من ناحية أخرى، تؤكد المادة 14 من العهد الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه: "من حق
كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل
محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون"،
لكن هذه العلنية لم تحترم. لم يمنع فقط جميع
المراقبين الدوليين من حضور الجلسات، بل أيضاً حرم
أعضاء وممثلو منظمات حقوق الإنسان المصرية من
ممارسة دورهم الطبيعي. وعومل مثلهم الحقوقيين
والمحامين والصحفيين والإعلاميين وعموم أفراد
الشعب المصري الراغبين بمتابعة المحكمة، بحيث لم
يسمح بالحضور سوى للمحامين الموكلين وعدد محدود من
أقارب المتهمين من الزوجات والأشقاء والأبناء.
لكن حيث للضغط المضاد على السلطات السياسية أشكال
مختلفة، فقد عملت اللجنة العربية على محاور متعددة
منها اقامة ندوات واجراء لقاءات صحفية وتلفزيونية
كما مقابلات مع رسميين مصريين إلى جانب التدخلات
عبر آليات الأمم المتحدة باعتبار أن للجنة العربية
صفة استشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وقد
توقفنا في هذا التقرير على بعض النقاط الهامة
بالاعتماد على ما وفره فريق محامي الدفاع من
معطيات، بما يعوض منعنا من مراقبة المحاكمة من
داخل المحكمة العسكرية.
ملابسات القضية
من المعروف أن المحاكم العسكرية في مصر، ووفقًا
لقانون إنشائها سنة 1966 وتعديلاته سنة 2007، غير
مستقلة كونها إحدى إدارات القوات المسلحة التي
يرأسها وزير الدفاع. فجميع ضباطها قابلون للعزل أو
النقل الإداري (بما يتنافى مع عدم قابلية القضاء
العادي للعزل) أو للتجديد بعد سنتين بقرار من وزير
الدفاع، الذي يخضع للرئيس الأعلى للقوات المسلحة
الذي هو بالطبع رئيس الجمهورية. كما أن الأحكام
الصادرة عن هذه المحكمة لا تخضع لاشراف محكمة عليا
تراقب سلامة تطبيقها للقانون. وقد تم تعيين أفراد
هيئة المحكمة العسكرية التي شكلت للنظر بقضية
الأخوان بقرار عكسري غير معلن وبعيد عن الأسس
القضائية كما في حالة القضاء المدني، ورفضت هذه
الهيئة طلب الدفاع الإطلاع على قرار تشكيلها.
بعد تشكيل المحكمة صدر على الفور، أي بعد 48 ساعة
فقط، قرار بانعقاد أولى جلساتها. مما حرم المتهمين
من إبلاغ محاميهم بالجلسة، وغاب جميع المحامون عن
الجلسة الأولى. كذلك لم يسمح للدفاع بالحصول على
صور من محاضر جلسات المحاكمة التي زاد عدد أوراقها
عن الألف صفحة. إلى جانب أن عدداً هاماً من
المحامين لم يتمكن من مقابلة موكليهم داخل السجن
واقتصر اتصالهم بهم أثناء فترة الاستراحة في جلسات
المحاكمة.
أما حول
اشكاليات التعامل مع الموقوفين وقضيتهم، فهناك
خروقات كثيرة حدثت من طرف نيابة أمن الدولة ومن
قضاة المحكمة العسكرية قبل واثناء المحاكمة نذكر
منها :
اقتحام عدد من ضباط وجنود لمنازل المتهمين بعد
منتصف الليل وترويع الأطفال والاستيلاء على
مستندات وأموال. وكذلك اقتحام الشركات التي
يديرونها أو يعملون بها ووضع اليد على أموال وعقود
ومستندات ودفاتر شيكات ودفاتر حسابات وأجهزة حاسوب
وغيره. مع تفتيش المحلات التجارية بشكل همجي ورمي
المحتويات أرضاً وايقاع خسائر مادية كبيرة دون
التزام بالقواعد القانونية المعمول بها في الضبط
والتفتيش. ذلك إلى جانب عدم وجود إذن بالقبض
والتفتيش وعدم عرض الأحراز على أصحابها. وفي حال
وجدت أذونات بالتفتيش فلم تكن مسجلة في الدفاتر
الرسمية أو مختومة بخاتم الدولة، بما سمح لجهاز
مباحث أمن الدولة بالتلاعب فيها من مثل كتابة اسم
الشخص بعد القاء القبض عليه أو التأكد من وظيفته
أو عنوانه أو وضع تاريخ مغاير. وحيث أن مذكرة
التحريات التي وجههوها لكل الأشخاص هي نفسها. وقد
خلت المحاضر من توقيع المطلوبين. كما أن هوية
القوة التي القت بالقبض عليهم وتفتيشهم لم يفصح
عنها.
لقد وجهت تهمة غسيل الأموال لبعض المتهمين بالرغم
من عدم وجود أي دليل يؤيد هذه التهمة التي أضيفت
لاحقاً. وقد اعترف المدعي العام العسكري أن
التقرير المالي الذي تستند له لم ينته اعداده وتم
تسليمه بعد خمسة أشهر من توجيهها. وعمدت النيابة
لاغلاق 68 شركة منها 15 شركة مساهمة دون سند
قانوني وطلبت من النائب العام التحفظ على أموال
المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر دون دليل على
الاتهامات الموجهة لهم. ذلك على الرغم من أن
المادة القانونية التي احيل بموجبها المتهمون
للمحكمة العسكرية مطعون بدستوريتها وكذلك طلب
معاقبتهم. علاوة على عدم قيام المدعي العام
العسكري بالتحقيق مع 16 شخصا من المدعى عليهم حيث
كانوا رهن الاعتقال، كما لم يسمح بمقابلتهم أو
الاستماع لدفاعهم. وحيث أن قسما منهم كان خارج
البلاد، لم يعلن عن اسمائهم لعدم معرفة عناوينهم
وتم اعتبارهم هاربين رغم ذلك، في حين ان القانون
يحدد 30 يوما على الأقل الفترة التي تسبق البدء
بالمحاكمة.
يضاف لذلك بطلان قرارات الحبس الاحتياطي قبل
الاحالة للمحكمة بسبب سرية جلسات تحديد الحبس ومنع
الأهالي والاعلام من حضورها. أما عندما تقدم
المدعى عليهم بطعون على الحبس الاحتياطي نظرت
بالأمر نفس الدائرة التي أصدرت قرار الحبس،
وأحيانا دائرة أقل رتبة منها. وقد جدد الحبس
الاحتياطي أكثر من خمس مرات بداعي استكمال
التحقيقات (لا يحدد القانون العسكري المدة القصوى
للحبس الاحتياطي). أما التهم التي وجهت للمدعى
عليهم فهي استخدام الارهاب والعنف، والانضمام
لجماعة محظورة مؤسسة على خلاف أحكام القانون تعمل
على تعطيل الدستور والقانون، وتلقّي وغسيل
الأموال، وحيازة ذخيرة.
خلال الجلسات سجل محامو الدفاع
كذب 51 ضابط من مباحث أمن الدولة عندما قالوا أنهم
حصلوا من المقدم عاطف الحسيني على اذن بالتفتيش عن
طريق الفاكس، لكن لم يقدموا أية صورة عنه. وزيادة
في الإساءة للمتهمين قام 19 ضابط بالتزوير في
محاضر رسمية. كما تم العبث بالأحراز وتبديل بعضها،
إلى جانب سرقة الأموال من بعض منازل المتهمين حين
القاء القبض عليهم أو من أحرازهم المضبوطة، وسرقت
أجهزة وجرى تبديل بعضها بأخرى قديمة. أما سرقة
خزينة حسن مالك وما تحتويه من أموال نقدية
ومجوهرات تقدر بمليون جنيه لزوجته وبناته فهي
معروفة. كل هذه المخالفات إضافة لعدم التحريز
بحضور المتهمين كان لها أن توقف الدعوى ضدهم وتفرض
محاسبة جهاز أمن الدولة. لكن من يحاكم من،
فالمهزلة استمرت وطال أمدها وما زال كابوسها
جاثماً على الصدور بأبشع أشكاله.
لقد وجه المدعي العام العسكري اتهامات للمتهمين
بالرغم من عدم قيامه بالتحقيق معهم.
ورغم علمه
بقيام المدعى عليهم برفع دعوى أمام محكمة القضاء
الإداري لوقف قرار رئيس الجمهورية في إحالة القضية
إلى القضاء العسكري، حدد الجلسة بتاريخ 26/4/2007.
ثم رغم علمه بأن المدعى عليهم رفعوا دعوى أمام
المحكمة الدستورية العليا لفض التنازع بين
القضائين المدني والعسكري للنظر في الدعوى وحددت
الجلسة في 6/5/2007، فقد أحالهم للمحكمة العسكرية.
في حين أنه طبقًا للمادة 30 من قانون المحكمة
الدستورية العليا يتوجب ايقاف النظر بالدعوى لحين
الفصل في القضية وتحديد الجهة المختصة وخلال ذلك
يتم الإفراج الفوري عن المدعى عليهم لتاريخ البت
بولاية أحد القضائين.
بالطبع رفضت المحكمة العسكرية تطبيق وتنفيذ حكم
محكمة القضاء الإداري الصادر في 8/5/2007 بوقف
تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة القضية للقضاء
العسكري وإخلاء سبيل المتهمين، وبعدما نقضت
المحكمة الإدارية العليا الحكم بناء على استئناف
الحكومة. الأمر الذي يستوجب محاسبة أعضاء هذه
المحكمة قانونياً بتهمة الامتناع عن تنفيذ حكم
قضائي. كذلك رفضت المحكمة المذكورة الفصل الذي صدر
في عدم اختصاصها وفي عدم دستورية قرار رئيس
الجمهورية بالإحالة إلى القضاء العسكري، استناداً
للمادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية المطعون
بدستوريتها.
جرت جلسات المحاكمة رغم منع المتهمين من الحصول
على مستنداتهم التي بقيت في الشركات التي أغلقت
ولم يسمح باستخراجها بناء على طلب الدفاع. ورفضت
المحكمة استدعاء شهود النفي الذين طلبهم الدفاع
واستدعاء باقي شهود الإثبات الذين لم يمثلوا
أمامها ومنهم المتهمين بسرقة الأموال. فلم يمثل
سوى شاهد اثبات واحد (المقدم عاطف الحسيني). وهو
لم يتمكن خلال 30 ساعة من الاستجواب من اثبات أية
تهمة أو تقديم دليل واحد، بالرغم من كونه، بناء
لما ذكر وفي محاولة تستر على رؤسائه، هو وحده من
تابع تحركات الأربعين شخصاً الموزعين على 8 دول في
ثلاث قارات وبين 9 محافظات مصرية.
كذلك رفضت المحكمة العسكرية استدعاء وزير الداخلية
للشهادة، وسماع شهادة المختصين الأمنيين في جهاز
مباحث أمن الدولة، واستدعاء مدير المخابرات العامة
أو نائبه لسؤاله عن المتهمين الموجودين بالخارج.
وبالطبع استدعاء رئيس الجمهورية للشهادة أمامها،
والذي كان قراره إلى القضاء العسكري قد صدر بدون
توقيعه.
أيضاً رفضت المحكمة ضم محاضر التحقيق والدعاوى
التي طلبها الدفاع أو تسليمهم أية صورة رسمية من
محاضر الجلسات أو إعطائهم نسخة من شرائط الفيديو
التي صورت الجلسات. كما رفضت سماع شهادة الفنيين
الذين قاموا بتفريغ محتويات أجهزة الكمبيوتر
المضبوطة. إلى جانب رفض اتخاذ أي إجراء بشأن أي من
الطعون بالتزوير التي قدمها الدفاع والتي تربو على
العشرات. ومنها قيام أحد الضباط بتحرير محضرين
مختلفين في نفس الوقت في محافظتين مختلفتين، أو
وجود توقيعين مختلفين منسوبين لضابط واحد، أو وجود
محضرين بخطين مختلفين لضابط واحد، أو وجود نفس
التوقيع لضابطين مختلفين، أو وجود خطابات بإرسال
أحراز الدعوى بتاريخ سبق تاريخ القبض على
المتهمين. ورغم قيام الدفاع بتوجيه الاتهام
بالتزوير لبعض رؤساء نيابة أمن الدولة المذكورين
بالأسماء في محاضر الجلسات، وفي وقائع تزوير ثبت
صحتها أمام المحكمة العسكرية، لم تتم احالتهم إلى
النيابة العسكرية للتحقيق. كذلك رفضت إحالة خبراء
وزارة العدل إلى النيابة العسكرية للتحقيق معهم
بتهمة التزوير. فإدارة الكسب غير المشروع
واالأموال العامة في وزارة العدل هي من شكلت لجنة
اعداد التقرير المالي. وذلك في مخالفة للقانون
الذي يعزي المهمة في مثل هذه الحالة لوحدة غسل
الأموال بالبنك المركزي.
بالمقابل، ورغم ثبوت عدم وجود أي دليل على تهمة
غسل الأموال الموجهة للمدعى عليهم، وحيث تمت تبرئة
جميع الشركات من هذه التهمة حسب التقرير المالي
الذي قدمه خبراء الكسب غير المشروع بوزارة العدل،
لم تعط المحكمة العسكرية الإذن بفتح ال 68 شركة
المغلقة. لا بل قامت بتعديل الاتهامات وإضافة
اتهامات جديدة لم تكن موجودة من قبل ودون أي دليل
عليها.
وحيث تنتفي الأدلة على التهم الموجهة للمدعى عليهم
فقرارات المحكمة العسكرية باستمرار حبس المتهمين
تصبح بالتالي بحكم الباطلة، وكذلك استمرار غلق
الشركات. خاصة بعدما أكد رئيس اللجنة المالية في
الجلسة 17 على عدم وجود علاقة بين الشركات وبين
الجماعة، وأنها لم تموّل أنشطة طلابية أو تتلقى
أموالاً من الخارج أو تقوم بغسل أموال، بل أن
معظمها ساهمت في دفع الاقتصاد المصري.
اعتقالات جديدة
نحن اليوم بانتظار ما سيؤول اليه هذا الوضع
اللاعقلاني وهذه المحاكمة السياسية المهزلة. فبعد
تأجيل النطق بالحكم لشهر، يمكن أن يؤجل من جديد
إلى أن تنتهي الانتخابات المحلية في شهر نيسان
المقبل. هذه الانتخابات التي شهدت حملة اعتقالات
شديدة الشراسة، حيث خلال شهر واحد، أي بين 14
فبراير و15 مارس، تم توقيف أكثر من 830 قيادياً
وعضواً ومتعاطفاً مع الاخوان المسلمين كان
غالبيتهم قد اعلنوا نيتهم بالترشح لانتخابات
المجالس البلدية المزمع قيامها في 8 ابريل القادم،
ولم يسمح بترشح سوى ستين منهم على 4500 دائرة.
وكما في السابق يعمد النظام المصري هذه المرة لوضع
كل العراقيل الممكنة أمام ترشحهم وانتخابهم والقبض
على المرشحين ولتزوير النتائج للاستفراد بالقرار
السياسي.
وكون هذه الانتخابات تحظى باهتمام السلطات الكبير
بعد تعديل المادة 76 من الدستور والتي تنص على
ضرورة حيازة المترشحين لرئاسة الجمهورية (المقبلة
في 2011 ) على موافقة 250 نائباً على الأقل من
مجلس الشعب ومجلس الشورى ومجالس البلديات، فهذه
التوقيفات لها ما يبررها عند السلطات المصرية التي
تريد أن لا يشغل الساحة سواها. فهي تفعل كما في
انتخابات مايو 2007 لمجلس الشورى حيث منعت نجاح أي
مرشح من الأخوان بعدما ألقت القبض على القيادات
وأحالتهم للقضاء العسكري. كما ألغت الإشراف
القضائي على الانتخابات وتسعى لتوجيه ضربات
استباقية لإجهاض عملية وصول مرشحي الأخوان للمجالس
المحلية. فالأخوان المسلمون قوة سياسية لا يستهان
بها حيث أظهرت الانتخابات البرلمانية أواخر 2005
وفوز 60% من مرشحيهم ودخول 88 نائباً لمجلس الشعب
ورغم كل الشوائب التي اعترضت عملية الانتخاب، انهم
الكتلة المعارضة التي تقف بمواجهة الحزب الحاكم في
البرلمان المصري. وكان دورهم في الحراك السياسي قد
برز بالخصوص مع الاعلان عن تعديل المادة 76 من
الدستور المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية.
هذه التعديلات الدستورية التي تحظر تشكيل أحزاب
ذات مرجعية دينية وتحظر النشاط السياسي وتمهد
لاصدار قانون مكافحة الارهاب ليحل محل قانون
الطوارئ المطبق منذ أكثر من ربع قرن والذي يستهدف
كل معارضة سياسية. بحيث تستكمل تهيئة الأرضية
لإنهاء عملية التوريث دون معارضة قوية، حيث أنه
عندما يضرب الأخوان تضرب المعارضة ويتم ارهاب
الشارع المصري.
مثال خالد حمزة
بنفس الطريقة السابقة، تم توقيف معظم هؤلاء
الأشخاص دون مذكرة احضار وتعرضوا لاهانات حاطة
للكرامة كما وحجزت ممتلكاتهم الشخصية أو وضع رجال
الأمن يدهم على بعضها. من هؤلاء الموقوفين المهندس
خالد حمزة رئيس تحرير موقع اخوان ويب الانكليزي،
المولود في 28 اكتوبر 1963، والذي نظم تحركات
المراقبين الدوليين الذين قدموا لمصر لمتابعة
محاكمة المحالين أمام المحكمة العسكرية. ألقي
القبض على الاستاذ خالد صباح
20 فبراير عند خروجه من مكتبه وبعد مقابلة كنت قد
طلبتها منه عند وصولي للقاهرة ومقابلة مسئولين من
وزارتي العدل والخارجية. طبعاً كغيره من الذين تم
توفيقهم لم يقدم له أية ورقة احضار قضائية، وعندما
طلبها اجابه رجال المباحث بأنهم غير محتاجين لذلك.
ثم جروه الى سيارة الشرطة معصوب العينين ومكبل
واقتادوه الى مركزهم الرئيسي حيث خضع للتحقيق عدة
ساعات. لم يراع وضع السيد حمزة الصحي حيث يشكو من
عدة مشاكل صحية ومنها قلبية مع ارتفاع في ضغط الدم
وانزلاق غضروفي. وبالطبع تعرض مكتبه كما منزله
للتفتيش ووضعت اليد على موجودات المكتب وقسم من
وثائقه وكتبه واجهزته الالكترونية وغيرها من
ممتلكات شخصية تم الاستيلاء عليها من منزله. بعد
التحقيق اودع خالد حمزة في سجن طرة مع جنائيين في
ظروف شديدة السوء، مما جعل وضعه الصحي يتراجع.
الأمر الذي اضطر الادارة لتحويله لمستشفى قصر
العيني في 9 مارس.
كمثال للاعتقال التعسفي بحق المئات من أمثاله في
مصر، يشكل توقيف خالد حمزة انتهاكاً صارخاً للعهد
الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية. وخاصة
المادة التاسعة المتعلقة بظروف اعتقاله والتي لا
لبس على أنها اعتقال تعسفي بكل معنى الكلمة، وحيث
تم اتهامه بالانضمام لجماعة الاخوان المسلمين
وبانتقاد سياسة الرئيس مبارك وشجب انتهاكات حقوق
الانسان في مصر والتنسيق مع منظمات حقوق الانسان.
وهذه كلها تؤكد على انتهاك مصر للعهد المشار له
اعلاه في مادته التاسعة، كما تنتهك المادة 19 التي
تنص على الحق بالتعبير وحرية الرأي لناشط سياسي
وحقوقي.
لذا نحن نطالب السلطات المصرية باطلاق سراحه
فوراً، كما كل من هم في مثل حاله. علاوة على اطلاق
سراح المحالين للمحكمة العسكرية خاصة وأن حالة
بعضهم الصحية تهدد حياتهم، ومنهم السيد حسن زلط.
كما والاحتفاظ بحقهم في المطالبة بالتعويض المادي
والمعنوي لما لحقهم من أضراروسنكثف تحركاتنا من
أجل اطلاق سراح جميع معتقلي الرأي في مصر. من أجل
أن يستعيد المواطن حقه في حياة كريمة ويشارك في
ادارة الشأن العام دون وجل. لينعم بخيرات بلده
التي يضع يده عليها بعض المتحكمين بمقدرات الأمور
وكأنها حكرا لهم دون سواهم من أبناء بلدهم. من أجل
أن يستعيد الشعب المصري دوره الريادي في الحضارة
البشرية ولا تتوقف حياة الناس على الجري وراء لقمة
العيش واشغالهم بها لتحييدهم عن الاهتمام بصناعة
حاضرهم ومستقبلهم. ولمنعهم من المشاركة في صنع
القرار السياسي والفضاء العام الذي يخص كل إنسان
بغض النظر عن انتمائه وجنسه وخياراته. هذا الدور
المواطني هو اليوم حق وواجب، ولا يمكن مصادرته من
أي سلطة كانت.
ذلك على الرغم من التواطؤ الغربي وسكوت الأنظمة
المسماة ديمقراطية على الانتهاكات الجسيمة
والمتكررة والممتدة في الزمن، بزعم أن هذه الجماعة
وهؤلاء المحالين للمحكمة العسكرية اتخذوا من
الارهاب وسيلة لتحقيق أغراضهم. ونحن نعلم مدى
الحساسية الكبيرة التي يتعامل معها هذا الغرب عند
كل ما يمت للاسلام والمسلمين بصلة. أما بما يخص
الأنظمة العربية فحدّث ولا حرج، حيث "على شكله
شكشكله" كما يقول المثل. هناك قرارات تتخذ سوية
وتطبق عند الجميع كل على طريقته. لكن الهدف واحد:
تكميمم الأفواه وقطف الرؤوس التي أينعت والتي يخشى
منها تعكير صفو الهدوء والمشاغبة على الاستئثار
بالسلطة والقروة إلى الأبد. لذا تتفتق الأذهان عن
ابتكارات أمنية جديدة في انتهاك فظيع لحقوق
الإنسان. وليست التعديلات الأخيرة على قانون
الأحكام العسكرية سوى محاولة تحسين صورة القضاء
العسكري وتأهيله لاستيعاب المزيد من قضايا سترفع
أمامه.
د. فيوليت داغر
رئيسة اللجنة العربية لحقوق الانسان
|