ولدت فيوليت داغر في تنورين- لبنان في منتصف الخمسينيات وتعيش في فرنسا منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي متزوجة ولها ابنة. تلقت دراستها الجامعية في فرنسا بعدما غادرت وطنها الأصل مع بدايات الحرب الأهلية، حيث حازت على دكتوراه في علم النفس الاجتماعي ودبلوم دراسات عليا مختصة في علم النفس السريري والباتولوجي من جامعة باريس الخامسة. درّست علم النفس عدة سنوات في معهد عالي لتأهيل العاملين الاجتماعيين وفي جامعة أفري في الضاحية الباريسية، وتركت التعليم لتعمل على برنامج تلفزيوني مختص بحقوق الإنسان. ذلك إضافة لعملها التطوعي في اللجنة العربية لحقوق الإنسان، التي هي من مؤسسيها وحالياً رئيستها.
إلى جانب نشاطها الميداني، من مهمات مراقبة انتخابات ومراقبة قضائية وتحقيق في أوضاع حقوق الإنسان في عدة بلدان عربية، كتبت فيوليت داغر تقارير تناولت فيها العقوبات الاقتصادية على العراق وأوضاع اللاجئين العراقيين في سوريا، وحقوق الإنسان الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس وأراضي 48 وعن حق المقاومة والجولان المحتل، كما كتبت عن لبنان والمغرب وتونس وموريتانيا والسودان وغيره. وبمعزل عن التقارير أو المقالات العديدة التي نشرت في صحف عربية ومواقع الكترونية، وعن المحاضرات والاسهام بندوات أو مقابلات تلفزيونية نقلت عبرها وجهة نظرها وموقف جمعيتها من قضايا حقوق الإنسان عموماً، وجدت فيوليت داغر الوقت لإصدار كتب أيضاً: منها كتابها الأخير باللغتين العربية والفرنسية حول ظاهرة الهجرة وإشكالياتها انطلاقا من النموذج الفرنسي.
كان قد سبقه آخر عن حقوق المرأة بالفرنسي، وعن جريمة العدوان، والطائفية بالعربي. كذلك أشرفت و/ أو ساهمت في عدة كتب جماعية من مثل "الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا"، و"المرأة والأسرة في المجتمعات العربية"، و"اللاجئون الفلسطينيون في لبنان"، و"الحق بالصحة"، و"موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان"، و"التعذيب في العالم العربي- سلامة النفس والجسد" الخ. وللاطلاع على كتاباتها يمكن تصفح موقع اللجنة العربية www.achr.nu أو موقعها الشخصي www.achr.nu/vd.htm
- هل لك أن تعطينا نبذة عن نشأتك وكيف أثرت فى تكوينك الشخصى ؟
ما من جدل حول تأثير التنشئة على التكوين الشخصي، لكن ليس من السهل تقديم صورة وافية عن هذا الموضوع كجواب على سؤال في بعض أسطر، خصوصاً وأن الأمر يحتاج لتحليل نفسي لم أقم به لالتقاط النقاط الأساسية التي كان لها أكثر من غيرها تأثيراً في تكوين شخصيتي. على أي حال، اعتقد أن كوني أول مولود لوالدي وأنثى، ومن ثم تربيتي وتعليمي حيث كنت مبرزة بين أترابي، قد طبع شخصيتي في بعض جوانبها، ومنها الشعور بالمسؤولية الذي تعدى شخصي، وصورة عن الذات لا تقبل الخنوع والخضوع، وبحث عن العدل والمساواة بفعل الإحساس بالتمييز بين الجنسين، وجرأة بتحدي السلطة ومقارعة النظم الاجتماعية، وتنطح لتغيير الواقع عبر الانخراط بالشأن العام لحد التضحية بالأمور الشخصية من أجل الصالح العام ولما هو أعلى قيمة بنظري وما يعطي معنى لوجودي.
- ما هو سر إهتمام وتركيز الدكتورة فيوليت داغر على قضايا المرآة خاصةً والحياة الأسريه عامةً للعرب فى الشرق الأوسط و الغرب ؟
للدقة، يمكن أن نقول اهتمام وليس تركيز، كون اهتماماتي تنوعت وطالت قضايا مختلفة شملت فيما شملت الجماعات المستضعفة ومنها بالطبع المرأة. عندما أتناول المرأة لا شك أن الصورة تتضمن الجزء المهم من حياتها الذي يتمركز حول الرجل أكان زوجاً أو أباً أو ابناً أو صديقاً، وتتوسع للأسرة وتأثيرات العلاقات بين الجنسين على تنشئة الأطفال. وإن كانت المرأة العربية تحصل على حيز هام من الاهتمام والدراسة، فالمرأة بشكل عام تبقى في صلب الموضوع بما تتعرض له من تمييز حتى في أعرق الديمقراطيات.
لا آتي بجديد أن ذكرت أنه حتى في أوروبا على سبيل المثال يشكل العنف الأسري الذي يطال النساء بين 16 و44 سنة السبب الأول للوفياة والاعاقة وأن هذه الآفة تطال كل الشرائح المجتمعية بما فيها المثقفة. أما في حقل العمل فالمرأة هي أول من يسرح من العمل ولا تتمتع بأجور مساوية للرجل ولو تساوت المرتبة، كما أن الأكثرية لا تصل لمواقع القرار ولا تحوز على التعليم أو العمل أو العناية الصحية كما الرجل.
يكفي أن أعطي هذه الأرقام للتدليل على أوضاع المرأة التي ما زالت متردية عموماً. فعلى مستوى العالم لا تتمتع النساء إلا بواحد بالمائة من خيرات البشرية، وفي حين يسهمن ب70% من ساعات العمل، فهن لا يقبضن إلا 10% من ثمن ما يقدمن. أما في بلدان العالم الثالث، فالحمل والولادة هما السبب الأول للوفياة بسبب تباطؤ النمو وغياب العناية الصحية اللازمة. وهذا الواقع يتسبب حسب احصائيات الأمم المتحدة بوفاة 515 ألف امرأة سنوياً، مقابل 10 الى 15 ضعف من حالات الاعاقة، وهذا الخطر يتربص بهن بشكل أكبر بالطبع مع تعدد الولادات. الأمر الذي ينتج عنه مليون يتيم سنوياً، وخطر وفاة هؤلاء الأطفال خاصة في السنتين الأولين بعد وفاة الأم الذي يرتفع من 3 إلى 10 مرات نسبة للأطفال الذين يعيشون مع والديهم. فلو فكرنا فقط بتأثيرات كل هذه المعاناة التي تعيشها المرأة على ذريتها لربما تنبهنا لخطر الممارسات الحاطة بكرامتها على المجتمع برمته.
- هل لك أن تعطينا نبذة عن كتابك الأخير و الذى يتحدث عن ظاهرة الهجرة ؟
أحببت كتابي الأخير ففيه الكثير من ذاتي. لكن أيضاً من تجربة من عايشت من حولي حيث كنت التقط معاناتهم بعيداً عن أوطانهم وخصوصاً الذين حرموا من العودة لها. لم اكتف بتسجيل الملاحظات، بل عملت على ضوء تعمقي بعلم النفس على تفسير وتحليل هذه الظاهرة، والسلوكيات الفردية التي ترتبط بها، ما هو ظاهر منها طبعاً، وما قد يخفى على الفهم.
لقد توسعت عبر ستة فصول على ميادين عدة، لكن ما اعتبر أنه الأقرب لي هو القراءة النفسية التي تناولت عبرها الكثير من المواضيع من مثل الاندماج والمعاناة والحنين والعلاقة بالبلد الأم والمستقبِل وقضايا العودة والموت وتربية الأبناء وأمور متشعبة اترك لمن يرغب بالاطلاع عليها البحث عنها واكتشافها بالعودة لكتابي.
خلال عملي الذي اضطرني للتفرغ له ثلاث سنوات لإخراجه بلغتين، كنت أرى ما أكتب رسالة موجهة للذين يحلمون بترك أوطانهم من أجل العيش في الغربة دون أن يدركوا نتائج قرارتهم على حياتهم وأيضاً على تفريغ بلدانهم من ثرواتها البشرية ومن العقول التي تخسرها. كما تخسر قسماً لا بأس منها بلدان الاستقبال عندما لا تعطيهم حقهم ولا تقدم لهم ما يتوجب عليها مقابل إسهاماتهم، أو حتى تستفيد مما يمكن أن يقدموه. من هذه الزاوية أعتقد أنها رسالة للمسؤولين السياسيين أكان في بلدان الاغتراب أو في بلدان المنشأ. فهؤلاء بالأخص خسروا معركتي التنمية والديمقراطية وعملوا على تهجير ابناء وبنات بلدانهم بالقوة مباشرة أو بشكل غير مباشر، فأجرموا بحق هذه الطاقات التي كان بإمكانها أن تخدم بلدانها وتعمل على تطويرها ورفعة شأنها.
إن المهاجر ليس من أراد، وهو يتميز عن غيره بأنه مع الحقيبة التي أودع فيها أغراضه، يحمل امكانيات وقدرات لا تتوفر عند أي كان، أقلها روح المغامرة التي يتحلى بها والرغبة في صناعة المستقبل وليس تلقيه عاجزاً عن التأثير به. فلماذا تهدر طاقات ولا يستثمر كل من لديه ما يقدمه لهذه البشرية، في حين أن الحكومات تفشل او لا تهتم بتأمين الحماية اللازمة في أحيان كثيرة؟ فيسامون العذاب من اساءة معاملة وحرمان من الحقوق الأساسية، وعدم الالتزام بالعقود الموقعة، وتقديم اجوبة وحلول غير نظامية او اخلاقية، والمنع من العطل او حجز الجوازات أو الرواتب لشهور، والاعتداءات النفسية والجسدية والجنسية. ذلك مقابل عدم القدرة على اللجوء لنظام العدالة في بعض البلدان العربية، هذا إن لم نضف نظام الكفالة الذي يتحكم بوجود العمال والعاملات برمته وليس فقط عملهم.
لهذا اعتقد جازمة بأن قضية الهجرة يفترض أن لا تترك ليتلاعب بها هؤلاء المسؤولين السياسيين غير المسؤولين، انطلاقاً من نظرتهم الضيقة للعالم ومصالحهم الشخصية وتدني وعيهم. يجب أن يكون هناك جسم دولي يعنى بهذا الشأن يتكون أيضاً من ذوي الشأن والمعنيين الاوائل بالأمر، أي المهاجرين. فهذه الثروات البشرية معدة لأن تتنقل مع مصدر العمل وليس لأن يُحجر عليها. خاصة وأن النظام العالمي، واحتياجاته المتزايدة ليد عاملة غير موجودة بما فيه الكفاية في البلدان المتطورة، سيؤول لتفريغ بلدان العالم الثالث من الطاقات التي تحتاج لمعارفها وتكوينها العلمي والتقني، وأوطانها أولى بها. وهذا ما جعل السلطات الفرنسية تلجأ منذ عدة سنوات لتشريع الهجرة المنتقاة، في الوقت الذي تقفل أبواب بلدها على آخرين لا حاجة لها مبدئياً بهم.
- هل من الممكن أن تشرحى لنا الأهداف الأساسية للجنة العربية لحقوق الإنسان و ما منها تم تحقيقه و ما الذى تصبو إليه؟
في البدء كانت الرغبة في العمل على ميدان نفتقر له في بلداننا العربية، مع قناعتنا بأن الوضع فيها يتوجب وجود مئات الجمعيات التي يجب ان تتشكل لتقوم بسد حاجات مجتمع، ليس فقط لا تلبيها الحكومات وإنما تقف سداً منيعاً منها. وكان هناك أيضاً يقين بأن مشاكل هذه البلدان تتعاظم مع وضع يد الأجنبي بشكل متزايد على مقدراتها وثرواتها. ذلك إلى جانب الاحساس بالدَين تجاه هذه الأوطان التي اُرغمنا نحن المؤسسين للجنة العربية لحقوق الإنسان على تركها، أكان بسبب التهجير القسري واللجوء أو الحروب والاعتداءات الخارجية.
وحيث قدّرنا أنه باستطاعتنا التوفيق بين عملنا المهني والعمل التطوعي فيها، بدأنا هذه المغامرة مع اصرار على تقديم المثل بأن التمويل الخارجي ليس شرطاً للعمل الحقوقي. كذلك حرصنا على استقلالية الكلمة والحركة والموقف، دون أي تناقض مع تعداد المهام والعمل على مجمل العالم العربي دون كلل. ما كان رصيداً لنا، إضافة لقناعاتنا وعزيمتنا، هو شعورنا بنوع من الحرية حيث نعيش في بلدان ديمقراطية تتيح هذا النوع من النشاط، وإن كان ميدانه يقع في منطقة أخرى لا تساعد عليه. تصميمنا هذا ساعدنا على تخطي العوائق التي وضعت في طريقنا حتى من طرف اناس ينتمون للمجال نفسه.
وهكذا بدأنا وما زلنا حتى اليوم بعد أكثر من عشر سنوات نقوم بما نعتقد أنه واجبنا، دون منة من أحد على أحد، ورغم كل التضحيات والصعوبات التي تحيط بنا من كل صوب. بكل تواضع وباختصار، ساهمنا بالكثير من الانتصارات التي تحققت على أرض الواقع، وإن كانت تبدو لنا كنقطة في بحر. وجمعنا بين العمل الميداني والفكري، حيت أصدرنا الكثير بين كتب وتقارير تعدت ال70 عنواناً إضافة للمقالات والمداخلات. أعتقد أنه لو كان هناك عدد أكبر ممن يشعرون بالمسؤولية عما سيؤول له وضع هذا العالم إن بقي متروكاً بين أيادي من يعمل معاول الهدم فيه، لما كنا نمرغ في هذه المستنقعات ونبقى موضوعاً للتفكيك والتقسيم والفقر وكأن لا حول لنا ولا قوة.
وعليه، مهما حققنا من اهداف طمحنا لها، يبقى الكثير مما يجب عمله. فمنطقتنا العربية حبلى بالصراعات والأحداث وكل ما تزرعه الأطماع الخارجية فيها من تفكيك لبنيتها الاجتماعية بعد الدمار والافقار، من أجل أن لا تستطيع مقاومة من له مطامع بخيراتها ومكانتها وإمكانياتها. لذا الكل مسؤول عن هذه الأوضاع لأنه يستطيع فعل شئ ضمن الحيز الذي يشغله للمساهمة بتغييرها.
- هل هنالك حقاً حقوق للإنسان العربى ؟
يجب أن يكون هناك حقوق للإنسان العربي كما لغيره انطلاقاً من المساواة بين البشر ومن أن المبادئ التي كرّستها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان هي عالمية الطابع وتشمل كل الشعوب، دون تفرقة أو تنازل عن بعضها أو انتقاص منها بإسم الخصوصيات التي تتشدق بها بعض الأنظمة التي تتعدى على حقوق شعوبها. إنها معركة يجب أن تخاض، وهي تخاض من طرف أفراد ومجموعات قبلت التضحية برفاهها الشخصي من أجل رفعة شأن حقوق الإنسان والدفاع عن قيم نبيلة صنعت الحضارات البشرية. التكلفة كبيرة لا شك، لكنها تصغر مع انتزاع انتصارات تراكم مع الوقت انجازات كفيلة بالانتقال بالشعوب لعالم أكثر تمدناً وحضارة.
لكن لنا أن نتساءل في الوقت عينه عن حقوق الإنسان ومدى تطبيقها حتى في العالم الصناعي الذي يعتمد على أنظمة ديمقراطية، أخذاً بعين الاعتبار أن هذه الحقوق هي اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ومدنية وبيئية. هناك من الدول من يقترب أكثر من غيره مما وضعته مجتمعة كمعايير يفترض الالتزام بها واقتباسها في القوانين المحلية، لكن المدينة الفاضلة لم تتجسد بعد واقعاً. وإذا ما تأملنا في الواقع الراهن، نجد أن من يمارس حكماً تسلطياً هو رأسمال مالي معولم. فأكبر 500 شركة خاصة عابرة للحدود تسيطر على أكثر من نصف الناتج الإجمالي الخام عالمياً. في حين أن طفلاً يموت كل 5 ثوان بسبب الجوع، وما معدله 47 ألف شخص يومياً لنفس السبب، رغم أن الأرض التي نعيش عليها يمكن أن تطعم ضعف سكانها.
- أين تكمن أسباب تواجد الخلافات الطائفية بين أبناء الوطن الواحد و تضخمها في زمن قياسي في بقاع الوطن العربي رغم حداثتها ؟
التخلف وقصور الوعي هي من أسباب تشظي المجتمعات وتواجد الانقسامات الطائفية داخل نسيجها. لكن ما نعاني منه بشكل أشد هو الاستهداف الخارجي. لقد لعب الغرب دوراً كبيراً في تصفية القادة الوطنيين الذين اعتبروا خطرين على مصالحه في العالم الثالث. ومن تبقى يعمل لهم كي يستفرد بشعبه وينهب ثرواته. والفساد والتسلط كفيل بافقار وافساد المجتمعات، خاصة مع الشعور بغياب المحاسبة والافلات من العقاب. هناك مطامع كبيرة في منطقة تسبح فوق بحر من النفط والغاز وثروات طبيعية كثيرة بامكانها أن تعيل 3 أضعاف عدد سكانها لو تركت هذه البلدان لشأنها دون تدخلات وحروب ولو رعى مصالحها قادة وطنيون. وما لم تستطع الأطماع الخارجية الحصول عليه بالسيف كان باللجوء لوسائل أخرى ولحروب من نوع مختلف، منها العقوبات الاقتصادية والحصار واشعال الفتن وتذرير المجتمعات لطوائف حرضوها على بعضها بأساليب عدة. فهناك من يدرس ويخطط ويعمل بشكل ممنهج للوصول لغاياته ولو بعد عشرات السنوات، في حين أننا نشغل أنفسنا بالقشور لنصحو على كوارث تنزل بنا تباعاً.
لكن يجب أن لا يغيب عن الذهن أن هناك شرائح بشرية في هذه المجتمعات تضحي بالذات من أجل أوطانها وتدفع الأثمان الغالية لمقاومة المطامع الخارجية. هي متنبهة لما يخطط لها، ومن الصعب أن تكون موضوعاً للتلاعب بها ضد الآخرين من أبناء جلدتها. بفضل هذه المقاومات رأينا كيف تمرغت أنوف من هم وراء الاحتلالات والتعديات على شعوب المنطقة في كل من العراق أو فلسطين أو لبنان وغيرها. بالتأكيد المعركة قاسية وهي لا تخاض بقوى متعادلة بامكانياتها. لكن عندما تستباح الحقوق فالعين يمكن أن تقاوم المخرز، ولو أن في أي من المجتمعات البشرية من يبيع ضميره لمن يدفع أكثر، ومن يرهن مستقبل شعبه لمصالح ضيقة بفعل ضحالة في البنيان الفكري وفي القيم الإنسانية.
في وضع اليد على ارادات هذه الشعوب داخلياً وخارجياً وهدم الكرامة وهدر الحقوق، مضافاً لتربية عنفية عموماً، ما سهّل من الفتك بها من داخلها وتذريرها لمجموعات تشكلت على أساس الدين أو الطائفة وما شابه. والإنسان الذي لا يشعر بأن دولته تحميه يلتجئ للنظام الاجتماعي الذي يعتقد أنه يؤمن له هذه الحماية، خاصة عندما يتم توجيهه ليكون كما يراد له أن يكون. من هنا ليس من حل إلا بمقاومات وطنية تحشد قواها بمساعدة ودعم من أحرار العالم، في مواجهة تكالب المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية التي باتت تشكّل نظاماً عالمياً، يسخر من سيادة الدول واستقلالها ويسخّر ما يستطيع للوصول لأهدافه. والمعركة طويلة لكنها ليست خاسرة سلفاً.
- الديمقراطية .... أين موقعها من الوطن العربى ؟
إنها مشروع غير منجز وللبنيان حجراً حجراً. هي تبدأ من السلوك الشخصي قبل أن تدرّس في الكتب، أو على الأقل يفترض بعد أن يتلقفها الوعي تحويل دروسها لسلوكيات. أما السلوك الفردي فهو مرتبط ليس فقط بما هو واعي، ولكن أيضاً بما لا يدخل حيز الوعي المباشر. وهنا يجب التنبه لما يبقى في هذا اللاوعي من ترسبات تأتي من التربية والطفولة وعلاقة الجنسين التي تتجسد بالأهل وما ينقلنه للأطفال الذين يأخذونهم كنماذج تحتذى. لذا نرى أن هناك الكثير مما ينتقل من جيل لجيل دون تبديل، وكأن العالم لا يتغير. وحتى لو كان هناك تطور في مجال العلم أو بعض المظاهر والقشور، فاللب غالباً ما يحتاج لوقت طويل وعمل جدي قبل أن تحدث تحولات جديرة بالاعتبار.
- هل كان لخبرتك فى مجال علم النفس تأثير فعال فى حياتك الأسرية ؟
لا يمكن أن تبقى المعارف في دائرة العقل منفصلة عن الجوانب الأخرى التي تشكل شخصية الكائن البشري. هذه الشخصية التي تجعله متفرداً، وفي الحين نفسه له مشتركات مع الآخرين من بني البشر. وإن كان هناك من أهمية لما تعلمته في هذا الميدان، فهو قد خدمني بشكل خاص في تربيتي لأبنتي. أعتقد أنني لم أفشل معها كما قد يشعر البعض من الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع جيل ولد وعاش في بلد له معاييره وثقافته المختلفة عن الثقافة التي عاشوا هم فيها. ثقافة كان لها أن تطبعهم بشكل جعل المسافات بين الثقافتين تتسع عند البعض لتصبح أحياناً هوة تفصل بين مهاجري الجيل الأول وأبنائهم. فهؤلاء لم يتعرفوا فعلياً على ما عرفه من هم مدانون لهم بوجودهم. لقد شهدت مآسي وعاينت معاناة شديدة عند بعض هذه العوائل، بحيث أعتقد أن علم النفس ومن تخصصوا به يمكن أن يكونوا عامل مساعدة كبير وحاسم في زمن الأزمات. لكن هذا لا يعني أن من يدرس علم النفس ليس من طينة الذين يتألمون ويعانون من صعوبات الحياة من بني البشر. كما أن هذا الميدان لم يصبح للأسف التعامل معه ومع من تخصص به شيئاً عادياً كما هو الأمر مع الذين تخصصوا بأمراض الجسد.
- بماذا تنصحين جيل الشباب العاملين فى مجال علم النفس ؟
- بالعمل على الذات قبل العمل على الغير ومع الغير، وبالتواضع ووضع أنفسهم مكان الآخر لفهمه لينجحوا في مهمتهم ومهنتهم. وهذه لا تعد نصيحة في الحقيقة لأن ما أذكره هو النتيجة الحتمية التي يفترض أن يتوصل لها كل من يدخل هذا الميدان ويتعمق به.
- وأخيراً ما الذى تتمنيه للمرآة العربية بوجة خاص و الأسرة العربية بوجة عام؟
هناك الكثير، فالطريق ما زال طويلاً للوصول لما نطمح أن نكون عليه في عالمنا العربي. ربما ما يمكن أن أنهي به هو أن الثورة ليست هي الشكل الأفضل للعمل يداً بيد. بمعناها السلبي هي تعني نوعاً من التحطيم وتأكيد الذات بمواجهة الآخر وعلى حساب الآخر. لكن هذا العالم نبنيه نساءاً ورجالاً جنباً إلى جنب، وإن كان هناك من معشر الرجال من يعتقد أنه الأحق والأجدر وينتفع في واقعه من التمييز ضد المرأة الذي تجيزه له ثقافتنا العربية الذكورية. مساره سيوصله بالتأكيد آجلاً أم عاجلاً للاستنتاج بأن ما يؤخذ بالقوة من الغير ليس ربحاً صافياً وثمنه قد يكون غالي جداً عليه.
ذلك إلى جانب أن تأثيراته قد تظهر سلباً على فلذات الأكباد. فمن يتشرب منذ نعومة أظفاره القهر الذي تعاني منه من كانت سبب وجوده وسهرت على تربيته، لن يستطيع أن يشعر بالثقة بنفسه وبالسعادة في حياته عندما يراها ضحية التخلف والجهل والتمييز. فإذا كانت المرأة-الأم مثله الأعلى الذي يتكئ عليه لبناء هويته وشخصيته، كيف لهذا البناء أن يكون سليماً عندما تكون الأسس غير صحيحة والدعائم النفسية غير متينة بفعل هذا النمط من التربية التمييزي والعنفي؟ فما أتمناه للمرأة هو بالنهاية ما أتمناه لسائر افراد المجتمع، لأن العلاقة جدلية بين مختلف الوحدات التي يتشكل منها. وإن كانت السعادة هي حلم الجميع، لا يمكن أن تتعزز كرامة طرف بإهدار حقوق الطرف الآخر.
*نشر في مجلة مقاربات الثقافية في 06/10/2010
|