french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr

International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations


حوار حول المغرب مع الدكتورة فيوليت داغر

 

2009-09-29

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

                

 

السؤال 1 : ما هو تعليقكم على الأحكام الصادرة بحق السياسيين الستة؟

هي أشبه ببكائية هزلية سُمِحَ لنا ولغيرنا ممن طلب من جمعيات حقوقية محلية ودولية دخول قاعة المحكمة وحضور الجلسات وتسجيل المداولات، لتظهر مفارقات وتناقضات وخروقات من طرف المدعي العام والقضاة على مدار سنة ونصف. إلى أن أخرجوا في النهاية من منديلهم أحكاماً ظالمة وغير مبررة لم تستطع هيئة المحكمة أن تقدم ولو دليل واحد على صحة الادعاء والاتهامات التي نسبتها للمحكوم عليهم جوراً وبهتاناً. جرى ذلك ضمن عملية اخراج أريد لها أن تعطي الانطباع بأن الأحكام لم تكن جاهزة وتتناسب مع ما اقترفه كل من المتهمين من ذنوب وبأن القضاء مستقل ونزيه. عملياً قال المحامون والمتهمون ما شاءوا، لكن القضاة حكموا بما طلبته منهم السلطات السياسية التي وضعت يدها على هذا الملف منذ البداية من لحظة اعداد السيناريو في وزارة الداخلية. ومنذ أن اخرجته على الملأ بشكل مشهدي، ضمن تهديدات بمتابعة كل من تسوّل له نفسه التشكيك في الرواية الرسمية وتخويف من يتعاطف مع المتهمين، واستعمال الصحافة وعدد من الصحفيين كبوق لأغراضها المبيتة، مسيئة لاستقلالية ونزاهة وموضوعية هذه المهنة. فكان الترويج لمؤامرة تستهدف المغرب ولأخبار عن محاولة إيران زعزعة الأوضاع، وعن حركة تشيع ودور لحزب الله وقناة المنار وربطها بالارهاب. الأمر الذي ما فتئت تصّر عليه الحملة الديبلوماسية والأمنية التي شهدناها في الأشهر الأخيرة بالحديث عن الشيعة والتشيع والكتب الشيعية في المغرب. أما من طالب بحق الرد والدفاع عن نفسه فلم يمنح ذلك الحق، ما عدا الصحف المستقلة التي تركت المجال للرأي والرأي الآخر.

لذا تساءلنا في التقرير الذي أصدرناه في اللجنة العربية لحقوق الانسان عن المستفيد من تحويل أبرياء لضحايا من خلال تلفيقات لا يمكن أن تحفظ أمن شعب المغرب من أخطار الإرهاب عندما ترتكب باسمه المظالم والخطايا من طرف من يدعي محاربة الارهاب. بل على العكس من ذلك، نحن نرى أن من شأنها أن تزيد من الشعور بالمهانة وانعدام العدالة، وتكذّب ما يشاع عن عملية إنماء المغرب الاجتماعي والاقتصادي، وتجهض سيرورة التحول الديمقراطي فيه بعد سنوات الرصاص والجمر التي أرّخت لحقبة من المعاناة انطبعت عميقاً في ذاكرة ووجدان وعقل وجسد الإنسان المغربي. ففي حالة ظلم تجمع بين غياب خطورة الشخص وهلامية خطورة الفعل، وتحرم أبرياء من حقهم في الحرية والعمل والتعويض على الاساءة، لا نرى كيف يمكن أن يكون هناك انفراج سياسي يتيح انخراط أفراد المجتمع ببنائه ومبارزة شعوب الأرض التي تعمل على الدفع بمسيرة الحضارة البشرية. ذلك علاوة على أن محاكم صورية من هذا النوع لا شك أنها تضرب في الصميم صورة قضاء يفترض أن يكون نزيهاً ومستقلاً ويحافظ على كرامة المواطن ويضمن حقوقه.

 

السؤال 2:  هل كنتم تتوقعون هذه الأحكام؟

 

كنا نخشى أن تكون استراتيجية ترهيب الحركات السياسية الإصلاحية برواسب ما سمي بالحرب على الإرهاب عملية ممتدة في الزمن، حيث من الصعب ان تتوقف بين ليلة وضحاها مع رحيل فريق السياسيين الذين دشنوا بها سنوات حكمهم في البيت الأبيض. لكن كنا نحلم بتخفيف وتيرة هذه الحملة الهستيرية على شعوب العالم، وخاصة العالمين العربي والاسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، مع قدوم الطاقم الجديد. لقد افترضنا أن هذه القوة القطبية، ومن لف لفها من حركة صهيونية ومؤسسات دولية ومصالح اقتصادية وعسكرية عابرة للحدود تتحكم في النظام الدولي وتصنع السياسات في دولنا وليس فعلاً الشخوص التي تظهر في الصف الأمامي، قد فهمت الدرس من خلال المقاومات التي تصدت لها في أكثر من مكان وأجبرتها على مراجعة خططها. لكن يبدو أنها ليست بعد في هذا الوارد أو لم تتمكن من تغيير اتجاه التيار المنفلت من عقاله، لاسيما وأن "مجنوناً يرمي حجراً في بئر يحتاج لأكثر من أربعين لإخراجه" كما يقول المثل الشعبي. هذا لو افترضنا أنهم أرادوا فعلاً أو استطاعوا حقاً أن يضعوا أيديهم في هذه الخلطة العجيبة لترشيدها كي لا تذهب بالجميع إلى الجحيم في نهاية المطاف.

من ناحية أخرى إذا كان "الثلم الأعوج من الثور الكبير"، لا حاجة للتعويل على أي أحد "ليشيل الزير من البير" طالما أننا نحن في هذه المنطقة منخورين من داخلنا، حيث هناك من يشعر أن استقرار المغرب ونمائه الاجتماعي والتعاون والتضامن والحوار بين مكونات المجتمع المدني خطر عليه وعلى مصالحه ومستقبله. علاوة على أن الكثيرين ممن يمثلون شعوبهم يصلحون أن يلعبوا دور حاجب الآغا الذي ينفذ بأمان ما يطلب منه، لا بل وأكثر ليرضي أولياء أمره ومن يقررون سيرورته. يبدو أن هناك منظومة مصلحية براغماتية تجرف في تيارها جميع شخوصها، بما في ذلك من احتفظوا ببقايا من ضمير مهني ومشاعر انسانية وشعور بالمسؤولية تجاه الوطن ونسيجه الاجتماعي. وإلا لكانت ستقض مضاجع هؤلاء كوابيس لما اقترفوه من آثام وغلو تجاه أبرياء ومظلومين ومن مراكمة اخطاء بحق مجتمعاتهم. كان بامكانهم تحويل المسارات الخاطئة ورفض القرارات "القرقوشية" لدرء المغلوب على أمرهم من عوامل الاحتقان، بالاستناد لتحركات شرفاء وأحرار ومؤمنين بالحريات وحقوق الناس والشعوب من داخل وخارج المغرب. لكن صولات وجولات من أجرم بحق مجتمعه ما زالت تمعن فساداً في الأرض، ولا يبدو التغيير قريباً طالما لم يجبروا على المثول أمام المحاكم التي تسببوا بها لغيرهم. مع ذلك، مهما طال زمن الهزائم والنكسات يوم الانتصار على الظلم لا بد آت، مع قيامتنا كشعوب مهزومة ومهانة داخلياً وخارجياً من هذا الواقع المزري الذي طال أمده وهذه الحقبة الرديئة التي ما زلنا نراوح في مستنقعاتها الراكدة حتى الساعة. تعويلنا في ذلك على ذواتنا وعلى المقاومة المدنية لكل من يشعر بالمسئولية وبالذنب لو صمت، كي تدق ساعة التغيير المدني الديمقراطي قبل أن يصبح من الصعب التحكم في كمونات العنف المجتمعية ونشهد فورات وثورات ومقاومات مسلحة منفلتة من عقالها في أرجاء المشهد.  

 

السؤال 3: ما هي الاختلالات التي وقفتم عليها بعد تتبع المحاكمة ؟

منذ القراءة الأولى للاعتقالات وبالاستناد للتقارير الأولية التي صدرت عن جمعيات مغربية لحقوق الإنسان ولتقييم فريق المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن المعتقلين الست، تم استنتاج أن الاعتقال تعسفي والقرار سياسي أتى من وزراء لهم سلطانهم، ثم طلب من القضاء ان يكون شاهد زور على أحكام اتخذت مسبقاً. هذه القراءة كان لها أن تتأكد مع تبيان أن المحضر المؤرخ بتاريخ 18/2/2008، والذي قيل فيه أن السيد عبد القادر بلعيرج المتهم الرئيسي والذي حكم بالمؤبد دون دليل جدي والذي عزي له أنه ورّط المعتقلين السياسيين الستة باعترافاته، هذا المحضر ظهر أنه صيغ خصيصاً لتوفير سند الاعتقال. في حين أن خبر وجود القرار بمنع المرواني والمعتصم من السفر على سبيل المثال قد تسرب للصحافة قبل تاريخ تحرير المحضر المذكور، وأن المحضر الأول لم يكن فيه ذكر لأسماء المعتقلين السياسيين. علاوة على أن قاضي التحقيق لم يبدأ بعملية الاستنطاق سوى بعد مضي ثلاثة أشهر، كما أن تقديم المتهمين للمحكمة لم يتم إلا بدءا من يوم 28 فبراير / شباط 2009.

فإذا كان بلعيرج لم يرتكب ما اتهم به وإذا كانت المحكمة البلجيكية لم تتابعه لأنه لم يرتكب ما اتهم هو بالاسم به، بل أن المحاضر تحدثت عن "اكس"، فكيف يمكن أن نتهم هؤلاء السياسيين أو نصدق ما حبك من تلفيقات بحقهم أو حتى بحق جميع المظلومين ال35 في هذه القضية؟ هؤلاء المساكين الذين منهم كبير العمر الذي لا يستطيع الحراك والحالات المرضية والمنسيون الذين يقبعون في المعتقل دون ذنب اقترفوه ودون أن يطلعوا على كامل الملفات أو يفهموا كنه الكثير منها أو أن يجدوا من يدافع عن حقوقهم حتى من الجمعيات الحقوقية، خاصة وأنه لم يظهر ما يدينهم بالفعل حيث بان في جلسات المحكمة وقائع تدل على التلاعب بالعديد من الوثائق وعدم تماسك التهم. مثال على ذلك وجود بيانات بالعربية من متهم لا يتحدثها، واتهامات للتآمر بين أشخاص لم يتقابلوا قط، واعتبار أن «الاختيار الإسلامي» نشأ عام 1992 كما جاء في المحاضر بينما يعود إلى 1981. أيضاً في هذه القضية تمت متابعة ثلاثة أشخاص لا يعرفون كتابة أو قراءة اللغة العربية (أمازيغي واثنان يتكلمان الفرنسية)، لم يتوفر في البداية لأي منهم مساعدة مترجم لفهم اللغة العربية التي صيغت بها محاضر الضابطة القضائية، وخلال الإستنطاق التفصيلي لدى قاضي التحقيق، فوقَّّعوا على المحاضر دون أن يستطيعوا قراءة ما جاء فيها. أما المتهم الرئيسي فقد تم اختطافه قبل شهر من تاريخ إعلان السلطات المغربية إلقاء القبض عليه وعزل عن العالم وعن بقية المساجين خلال سنة وثمانية اشهر، استطاعت فقط والدته ان تزوره بعد ان عرف مكان اعتقاله. لقد تعرض للتعذيب كي يدلي باعترافات، ولم تعط وزارة العدل موافقتها على طلب توكيل محامين من بلجيكا سواء عنه أو ضده أو تقبل حتى استقبال محاميه الذي قدم للمغرب، وجرى تزوير في محاضره التي لا وجود بينها لمحاضر الاستماع اليه من طرف اللجنة البلجيكية التي أتت للمغرب والتي لم يشر القضاة لمحتوياتها.

إذا ما بقينا في ملف "المعتقلين السياسيين الستة" الذي تابعناه، من المعروف أن الوكيل العام قد لجأ لكل الأساليب لمنع محامي الدفاع من زيارة موكليهم، وعندما استطاعوا زيارة مصطفى المعتصم أجمعوا كما أدلوا على أن التزوير قد وقع. كما تم رفض طلب إطلاق سراح موكليهم المؤقت بعد الانتهاء من التحقيق معهم رغم توفرهم على صفات إطلاق السراح الشرطي (المتهم عديم السوابق، معيل لأسرة وأطفال قّصر، انهى مرحلة الاعتقال والاستجواب، مستعد للمثول قضائياً في أي وقت ولدفع كفالة مادية أو معنوية، من حقه قرينة البراءة الدستورية والقانونية، لا يتسبب الإفراج عنه بعرقلة الإجراءات المسطرية أو بأي خطر على الأمن العام). فالنيابة العامة رأت أن طلبات الافراج المؤقت لا تستند لمسوغ قانوني، على الرغم من أن قرينة البراءة هي الاصل في القانون المغربي وتفسر دائماً لفائدة المتهم.

عند مثول المتهمين أمام هيئة المحكمة وتصريحهم بأنهم أكرهوا على الادلاء بوقائع تحت التعذيب بالمخفر السري بتمارة، طلبت هيئة الدفاع بحثاً تكميلياً للإستماع لقاضي التحقيق ولمعاينة مقر التعذيب هذا، لكن طلباتهم رُفضت. وحين التمس الدفاع إيقاف البت في القضية لحين البت في الشكاية ضد قاضي التحقيق بتزوير المحاضر و"دس" مستندات الإنابة القضايئة الدولية التي انجزت ببلجيكا (وهي باللغة الفرنسية) بملف القضية خلسة وبطريقة غير قانونية بعد الإنتهاء من الإستنطاق التفصيلي، كان الالتماس دون جدوى. كذلك لم يحصل الدفاع على حق الاستماع للشهود عندما طالب بذلك، فالشهود بقوا بعيدين عن قاعة المحكمة بينما كان يمكن ان يقدموا الأدلة التي زعمت المحكمة أنها بحوزتها.

أما المحجوزات فلم تحضر للمحكمة بناء على طلب الدفاع، بل الأسلحة النارية التي قيل أنها كانت بحوزة المتهمين. فقد وضعت على طاولة في قاعة المحكمة قبل دخول المحامين ودون أن تكون مختومة بالشمع الأحمر أو أن يقدم إسم الضابط الذي قام بعملية الحجز أو تاريخ الحجز أو اسم الشخص الذي ضبطت بحوزته أو يجري استدعاء خبراء لفحص البصمات. المسدس الوحيد الذي عرض والذي هو من مصدر تشيكي لم يكن منه الرصاص الذي اطلق. فعملية السطو المسلح التي تمت في 1994 ومحاولة قتل ناقل الأموال اليهودي من بنك مغربي التي نسب للمتهمين تورطهم فيها تظهر أن الخرطوش الذي استعمل كان من مصدر برازيلي. كذلك ظهر اختلاف بين الأسلحة الموجودة في الصور التي نشرتها الصحافة المغربية وتلك التي عرضت في المحكمة. ورغم عدم وجود أية إشارة في الصحف آنذاك لمشاركة طرف آخر في العملية غير الذي جرى الحديث عنه في حينها وقدمت أوصافه التي لا تشبه أوصاف أحد من المتهمين، عادت محاضر هذا الملف لتنسبها مجدداً لهؤلاء المعتقلين دون تغيير في الرواية والوقائع.

بكل الأحوال يبدو جلياً تخبط السلطات الرسمية في هذا الملف وتكذيبها لنفسها، لاسيما عندما يقول مسئول في وزارة الداخلية للأستاذ محمد المرواني- حسب ما أدلى به في شهادته أمام المحكمة- كان قد زاره أثناء التحقيق معه في مقر الشرطة القضائية : "نحن نعرف أن لا علاقة لكم بهذا الملف". في حين أن وزير الداخلية كان قد نسب له أنه أمير التنظيم في ندوة صحفية استبقت المحكمة وأدان فيها المتهمين قبل أن يشرع القضاء بالقيام بعمله. لذلك لم يكن بامكان هيئة المحكمة سوى تقديم اجابات مختزلة واعطاء الانطباع بحسن الاستماع للمحامين وعدم مقاطعتهم، لكن دون الاستجابة لطلباتهم أو تقديم ما يدعم ما نطقت به كما سبق وأشرت. وحيث أن التفريد والتشخيص هو الأساس في القانون، ردود الإدعاء كان التعميم والإجمال والاستخفاف بالعقول وبالمعطيات القانونية، كونه لا يجوز رفض الطلبات دون تعليل الأسباب.

  

السؤال 4: بالنسبة لكم في اللجنة العربية لحقوق الإنسان هل تأخذون هذه الأحكام كمقياس للحكم على القضاء المغربي؟

بالتأكيد لا نستطيع ولا يحق لنا التعميم كون القضاء المغربي لا يختزل في عدد من القضاة المكلفين بالملفات السياسية والساخنة، والذين قبلوا مبدأ "قضاء التعليمات لا قضاء الحريات". هناك تراث وخبرة متراكمة وغنى وتنوع في الجهاز القضائي المغربي. لكن أخشى ما أخشاه هو أنه من غير تعديل دستوري يعترف بسلطة قضائية مستقلة، ولا يسمح بتغول السلطة التنفيذية على ما عداها من سلطات، ويحاكم من يقوم بافساد هذا الجهاز وظلم من يقع فريسته، لا يمكن أن نفترض وجود أبطال كثر يغامرون بلقمة عيالهم لترشيد هذه الآلة الجهنمية التي يمكن أن تسحق من تمر عليه لو أراد لها ذلك أصحاب التجمع المصلحي الذين يديرون دفة الحكم.

 

السؤال 5: ما هي أصداء الأحكام التي وصلتكم من لدن الجهات والمحافل الدولية التي ترتبطون معها بعلاقات تعاون؟

أقولها بصراحة أن الحكومة المغربية نجحت نوعاً ما في اختراق أوساط حقوق الإنسان وتدجين وتوظيف وتبادل الخدمات مع العديد من المسؤولين حتى في منظمات غير حكومية. وهي تلعب على وتر البديل الطالباني والخطر الإسلامي المتشدد والعداء لإسرائيل في أوساط المعارضة لتحييد العديد من الأصوات في أوروبا. وكما نعلم يوجد في الغرب اتجاه قوي، خاصة في الأوساط اليمينية، يعتبر الحكومة الحالية الصديق الأكثر ضمانا من أي بديل ضبابي غير موثوق به، لاسيما مع موجة الاسلاموفوبيا الهستيرية التي تجتاحه. من هنا نوجه التحية لكل المنظمات غير الحكومية التي تبصر السياسة المغربية من خلال احترامها لحقوق وكرامة الإنسان والمواطنة، وليس عبر اعتبارات مصلحية آنية. كما ندعوها لمشاركتنا بحملة دولية آن أوانها من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والمظلومين وتنظيف السجون وملاحقة ومحاكمة من اقترفوا جرائم بحق شعبوهم بما فيها عبر التعذيب.

 

السؤال6: كيف تقيمون في اللجنة العربية لحقوق الإنسان تدبير القضاء المغربي لعشرات الملفات التي أحيلت عليه في إطار قانون الإرهاب خلال             السنوات الأخيرة؟

كل ما يسمى بملفات محاربة الإرهاب يحتاج المغرب حقاً لمراجعته على الأقل بمعايير الحد الأدنى. إنه لمن المؤسف أن يستمر المغرب إلى اليوم بوشياً أكثر من بوش الإبن. هناك مظالم في السجون المغربية تقشعر لها الأبدان ويندى لها جبين كل شريف وتكذّب كل من تحدث أو صدّق المصالحة والاصلاح. لا بد من وقفة صادقة مع النفس وطرح جريء لفكرة مصالحة وطنية واسعة وجدية، ترفض الاقصاء والحكم المسبق وتقرير مصير الآخر عبر القوانين الاستثنائية والمحاكمات المسيسة من الألف إلى الياء، كما وطمر الماضي سريعاً بذرّ التراب عليه بدل نبشه ومعالجته وإحقاق الحق والاعتراف بالمسؤولية. فالذاكرة لا تنسى ما عانت منه وما ترك حفراً فيها وأخاديد لا بد من معالجتها لتبرأ وتُطوى الصفحة فعلياً وليس شكلياً فقط.

 

السؤال 7: ما هي أهم الخلاصات التي خرجتم بها في هذا الملف؟

 

اعتقد أني اجبت اعلاه باسهاب على ما جاء في هذا السؤال. لكن يمكن أن اضيف لها شيئاً أراه مهماً جداً، ألا وهو خشيتي من خطورة ما فعله القضاة في هذه القضية ليس فقط على سمعة القضاء في المغرب فحسب، بل ونتائج ذلك على عائلات بكاملها. على الجيل الصاعد الذي يشاهد آباءه وراء القضبان ويدرك أن ذلك ظلم وحيف وقع عليهم، مما يؤثر بالتأكيد على الصورة التي تتشكل لدى الأطفال عن بلدهم ومؤسساته وسياسييه. كما أن معاناتهم هم أنفسهم طوال هذه المدة باستهداف صورة الأب لا بد أن تترك عقابيل على بنيانهم النفسي، خاصة لمن هم في عمر التكوين وهذا حال غالبهم. أضف لذلك تراكم المسئوليات على ربة البيت التي هي معيلة الأسرة في الوقت نفسه تعمل خارج المنزل وعليها أن لا تضعف أو تمرض أو تشتكي، بل أن تصمد وتقاوم وتلعب كل الأدوار وتؤمن كل المتطلبات وكأنها تتحلى بقدرات فوق طاقات البشر في ظرف اقتصادي محلي ودولي ليس بالسهل بتاتاً. هذا الوضع قد يترك بصماته على تماسك الخلية الأسرية، كما على شعور الأطفال بالحصول على الرعاية والحنان الكافيين. وذلك بغياب دور لمؤسسات الدولة أو تخلّفها عن اسناد المواطن ورعاية مصالحه، في الوقت الذي يبحث القائمون عليها عن ضمانات لهم بحرمان هذا المواطن من حقه في الحماية والحرية والكرامة.

 

السؤال8: تتابعون بالتأكيد محاكمات مشابهة لمتهمين في إطار"خلايا إرهابية" في   بعض البلدان العربية، هل هناك من تمايز، وهل القضاء العربي مؤهل  للنظر في قضايا الإرهاب بحياد تام واستقلالية عن السلطات

الحكومية والأجهزة الأمنية؟

 

إن القضاء الاستثنائي في الدول ذات السلطات القضائية الهشة والمقيدة بتضخم صلاحيات السلطة التنفيذية يكرر نفسه في الكثير من الأحيان بشكل مأساوي إن لم يكن بمهازل. لكننا في اللجنة العربية لحقوق الإنسان متأثرين لحد كبير بمدرسة فرنكفورت للفكر النقدي التي تعتبر أن التقييم الأفضل للأوضاع في بلد ما ينطلق من جملة التجارب والخبرات التي يعيشها البلد نفسه، وإن كان الاتعاظ من الآخرين مسألة مفيدة لمن يريد قراءة التاريخ والتجارب البشرية بعين بصيرة. أنا أرى بتفاؤل نتائج حراك المجتمع المدني المغربي الذي بات مضرب مثل والذي توآزره تحركات المجتمع المدني الدولي التي لا بد من تصعيد وتيرتها لتعطي النضالات المطلبية أكلها من أجل نماء وهناء البشر.

حوار نشر في جريدة الجريدة في المغرب بتاريخ 19-20 سبتمبر/أيلول 2009

 

 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها

الصفحة الرئيسة