العنف في المجتمعات العربية:

 آليــات تكوينه وإعادة إنتــاجه

الدكتورة فيوليت داغر*

 

مـدخــــل

 

تعطي إتفاقية مناهضة التعذيب  وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية او المهينة التي إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وفتحت باب التوقيع والتصديق والإنضمام اليها في القرار 39/46 المؤرخ في 10/12/1984 لكلمة التعذيب التعريف التالي: "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول منه أو من شخص ثالث على معلومات او على إعتراف، أو معاقبته على عمل إرتكبه او يشتبه أنه إرتكبه هو او شخص ثالث او تخويفه او إرغامه هو او أي شخص ثالث، او عندما يلحق مثل هذا الألم او العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه او يحرض عليه او يوافق عليه او يسكت عنه موظف رسمي او أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم او العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية او الملازم لهذه العقوبات او الذي يكون نتيجة عرضية لها".

إن قراءة متفحصة لهذا التعريف ومراجعة مدققة لجملة النقاشات التي أوصلت اليه تقودنا الى ضرورة تجاوز المفهوم السطحي والإختزالي لهذه الكلمة الى مفهوم شامل ومتعدد الميادين. فالتخلص من التعذيب لا ينحصر في منعه القانوني، كما لا يمكن إختزاله بممارسات أجهزة الأمن. من هنا حرصنا على تناول جملة أشكال عنفية تمارس بحق الإنسان  تجعل من كلمة التعذيب، ليس فقط الجسدي وإنما أيضا العقلي والنفسي، معاناة يومية تسلك طرقا مختلفة وتترك آثارها السلبية بشكل مباشر وغير مباشر على الفرد والمجتمع والدولة.

 

من هذا المنطلق، إن مفهوم العنف كما نفهمه هو كل ضغط لا يُحتمل يمُارس ضد الحرية الشخصية ومجمل أشكال التعبير عنها بهدف إخضاع طرف لصالح طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا او غيره، أكان هذا الإختلاف قائما على الجنس او المنشأ او العرق او السن او ما عدا ذلك. إنه مساس بالشخصية الإنسانية وبالتالي عائق لنموها وانعتاقها ولأنسنة الوجود البشري.

لكن هناك ضروبا من الإكراه لا تسمى عنفا وتعتبر طبيعية في مجتمع ما بينما ينظر لها كعنف في مجتمعات أخرى، حيث أن تعريف العنف نسبي. ألا يطالب المجتمع افراده بالرضوخ لمعاييره ويمارس الإكراه بفرض قواعد سلوكية تلزمهم بالتلاؤم معها، معتبرا من يرفضها منحرفا ؟

ما نود التشديد عليه هنا خاصة هو أن الإكراه والقمع لا بد أن يولّدا بالمقابل حالة عدوانية قد تتحول عنفا عند من يتحسسها كعنف ممارس ضده. فالى جانب آليات التصعيد المختلفة التي يلجأ لها المرء لتصريف العدوانية، يمكن لهذه ان ترتد على الذات بحركة مازوشية او على الغير بحركة سادية وتصبح مرضية محدثة حالات عصابية. فالعنف إذاً لا بد وأن يستدعي:

1 - عملية رد فعل لإعادة شئ من التوازن بحكم "مبدأ الثبات"، 2- إن آلية رد الفعل لا تكون بالضرورة آنية وميكانيكية حيث قد تخضع لقانون التراكم،  3- يمكن لرد الفعل أن يتخذ أشكالا مستترة ومنحرفة تبدو أحيانا دون علاقة مباشرة وواضحة بالمنشأ.  

يأخذ العنف الممارس على الآخر وردود الأفعال العنفية إزاءه أشكالا متعددة  نتطرق لها من خلال دراسة نظرية حول تشكل آليات العنف وإعادة إنتاجه (القسم الأول)، مدعومة بنماذج عيانية من عدة بلدان عربية (القسم الثاني) لثلاث فئات مستضعفة (الطفل والمرأة والعمال الأجانب). نرى هذه الأشكال العنفية بتعبيراتها الأكثر حدة في بلدان الخليج العربي التي ستحتل مساحة لا بأس بها من بحثنا، نظرا لأهميتها كنموذج ولندرة ما ينشر عنها خاصة باللغة العربية.

 

 

القســـم الأول

 

أنماط العلاقات الأسرية

تعيش مجتمعاتنا العربية منذ عقود مراحل إنتقال تدريجية من ثقافة تقليدية لأشكال ثقافية أكثر معاصرة. فالعولمة الزاحفة اليوم والتداخل مع ثقافات العالم الصناعي أدخلا تغييرات وظواهر جديدة تتسارع تعبيراتها الحالية. ينتج عن الإختلاط هذا وتداخل الجديد بالقديم غالبا محاولات توفيقية بين مرجعيات متناقضة تتراوح المسافة من كل منها بإختلاف الأفراد ومعاييرهم الشخصية والإجتماعية. فتغدو قيمة الفرد أقل تعلقا بالدور والمكانة الإجتماعية والجنس والعمر. كما ويتراجع دور الدين وما هو غيبي مع إزدياد العقلانية وإحتلال القوانين مساحة أكبر على حساب الأعراف والتقاليد. مما يحوّل تدريجيا ولو ببطء الفرد لمواطن ويخفف من حدة التمايز الإجتماعي (1).

لكن عملية التثاقف (Acculturation) هذه تحدث إختلافات وتضاربات يسفر عنها أزمات في النمو وإختلالات في السلوك والمعايير والقيم تختلف حدتها من بيئة ثقافية لأخرى. فالمعاناة النفسية التي ترافقها قد تكون مؤلمة، حيث من تعبيراتها ظواهر العنف المختلفة وإنقطاع  قد يكون كبيرا بين الأجيال. فالأجيال الجديدة تعيش ظروفا وأنماطا تربوية مختلفة عما عاشه جيل الأهل الذي يجد صعوبة بالتعرف على نفسه من خلال أبنائه.

لا بد من الإشارة الى أن هذا الإختلاط بين الثقافات لم يحصل بشكل متكافئ وإنما عبر أشكال مختلفة من التبعية والإستلاب وعلاقات إنتاجية مشوهة فرضتها السيطرة الإقتصادية والسياسية للنظام الرأسمالي الإستعماري بشكليه القديم والمعاصر. كذلك تفرض الأنماط التربوية والتقاليد وممارسات المؤسسات السلطوية  نفسها عبر عملية التكييف المستمرة للأفراد بشكل يجعل من الصعوبة بمكان مقاومة التقليدكلية لصالح التجديد. لهذا تأخذ عملية الجمع بين الأضداد على حساب الحفاظ على وحدة الذات الشكل الأكثر بروزا.

أما بما يخص البطريركية (الأبوية) العائلية تتوزع  السلوكات عامة بين الرضوخ لها وللجماعة من جهة وبين تحقيق الذات ومواجهة المجتمع بالإمكانات الفردية والخيارات الذاتية من جهة أخرى. لكن بما أن التغييرات التي دخلت على الهيكلية الأبوية للأسرة العربية بقيت سطحية ولم تمس مضمونها وجوهرها، فهي إن أثرت على شكل الأسرة ودورها الإجتماعي والثقافي لم تؤثر على نوعية العلاقات داخلها. ففي ظل ظروف التخلف الإقتصادي والإجتماعي والقهر السياسي كرس العنف تهميش فئات واسعة  لصالح الطرف الذي يملك موازين القوى.

على صعيد علاقات الجنسين كان التقدم في العديد من معالمه لصالح الرجل الذي فُتحت أمامه إمكانات جديدة وحصل على حريات لم يُسمح بها للنساء. مما كرس سيطرته على الأصعدة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والقانونية والسياسية. في هذا الوضع لم تحظ المرأة بقدر كاف من التعليم والعمل المهني بما يسمح لها بتحقيق ذاتها وبتغيير موازين القوى بشكل أكثر تكافئا. مما زاد من التفرقة بالمستوى بين الزوجين وبين أفراد العائلة ومن التوتر في العلاقات التي يحكمها منطق القوة والسيطرة والإستغلال التي يكرسها الدين والثقافة والقانون (2).

عندما تضاعف عمل المرأة في المنزل مع عمل آخر خارجه بسبب الأزمة الإقتصادية لم يشارك الرجل المرأة بالأعمال المنزلية. كذلك لم يسمح لها العمل المأجور بتحقيق نفسها بقدر ما كان من أجل مساعدة الأسرة على تحسين مستوى معيشتها. وتجسد المرأة الريفية التي تؤدي أدورا عدة، منها الإنتاجية الزراعية، ذروة واقع القهر والإستغلال الذي تتعرض له النساء في إطار تقسيم العمل.

لقد بقيت العلاقات داخل الأسرة العربية محكومة ببقايا من علاقات العبودية التي نشأت تاريخيا في ظل سيادة النظام الأبوي. هذا النظام الذي أعطى السلطة المطلقة للرجل وفرض على المرأة والأبناء الخضوع له بالقوة. فكونهم إمتداد طبيعي لملكيته يحق له أن يتصرف معهم كيفما شاء، مكرسا لديهم الشعور بالتسامح تجاه بعض أفعاله غير المقبولة بإعتبارها سلوكا طبيعيا. والرجل إن أخطأ بحق المرأة لا يتعرض بسهولة للعقاب كونه "وقع ضحيتها". فهي فقط التي تدفع الثمن أو أكثر منه.

واليوم، رغم أن فرص التعليم والعمل بالنسبة للفتيات قد أصبحت أكثر شيوعا، فهي للأسف لا تهدف في غالب الأحيان لأكثر من تحسين فرصها في الزواج ورعاية الزوج وتربية الأبناء. فهي تعد منذ طفولتها لهذا الدور وتشجع على إبراز أنوثتها وتعيش في الوقت نفسه حالة قمع وإستلاب نفسي وجسدي في ظل أسرة الأب ومن ثم أسرة الزوج.

يحصل ذلك ضمن قوانين صارمة في ظل التحريم الديني والقانوني وجو من القهر الإجتماعي. ويكون للرجل أبا أو أخا أو زوجا أو إبنا الحق بالتحكم بحريتها وحركتها وكيانها حفاظا على شرف العائلة كونه يُنظر لها كأداة للجنس والمتعة والإنجاب. ذلك رغم أن المعاملة المهينة للفتيات وتفضيل الذكور عليهن وتدجينهن على القبول بهذا الواقع يترك أثارا جد سيئة على تكوينهن النفسي وبالتالي على مستقبلهن وعلى ذريتهن من بعد. وهذه الظاهرة أكثر بروزا عند الشرائح الإجتماعية الأكثر فقرا والأقل مكانة إجتماعية، ما يجعلها أقل حماية قانونية وإجتماعية وأكثر تأثرا بالثقافة السائدة.

أما الإيديولوجية الرسمية للدولة فلا يمكن إلا أن تكون على صورة منظومة القيم السائدة في المجتمع الذي تنبثق عنه. ما يسهل  تلمسه من خلال تعامل أجهزتها ومؤسساتها بما يخص موضوع النساء والفئات المستضعفة وما تعكسه وسائل إعلامها التي تهدف لخدمة أغراضها. ويكون هذا بتزييف الوعي وتعميق فكرة دونية المرأة بالتركيز على دورها كأم متفانية وزوجة خاضعة أو كأنثى وكموضوع تشيؤ وجنس وإثارة في خدمة الملكوت الرجالي (3).

لقد غدت العدوانية والفحولة والتسلطية والقوة البدنية وإستعباد الآخرين وحب الإمتلاك والتبجح بالمقتنيات والمظاهر وممارسة الرياء والزيف والتناقض بين ما هو معلن وما هو مبيت سماتا بارزة تغرس جذورها في الثقافة السائدة والتراث الشعبي والدين والقوانين. ذلك، ضمن علاقة جدلية بين العنف السياسي والمجتمعي والأسري وإعادة إنتاجه وتوزيعه تبع موازين القوى. مما عمق عند الفئات المستضعفة حالة الشعور بالدونية والإغتراب على جميع الأصعدة وخلق أجواء محمومة من الكبت والعنف والعنف المضاد.

 

 

 

العنــف السيــاسي

قبل التطرق لأشكال عنفية أخرى تمارس من قمة الهرم الإجتماعي، تجدر الإشارة  لأنواع من العلاقات الدولية التي تترك تأثيراتها على الشعوب برمتها. فالى جانب الهيمنة في العلاقات الإقتصادية، هنالك الهيمنة السياسية لدول على أخرى، بما يأخذ شكل عقوبات إقتصادية وإحتلالات عسكرية قد لا تسمى بإسمها. هناك خاصة الإحتلال الإسرائيلي لأراض عربية والعنف الواقع على شعوبها وبشكل خاص على الشعب الفلسطيني. يضاف لهذه الأرضية تزايد سكاني هائل وتفاوت لا يطاق في توزيع الثروات ومظالم صارخة في ظل تواطؤ المصالح الفئوية للشرائح الحاكمة. ذلك ضمن أنظمة إستبدادية ذات طبيعة تقليدية او زعامية أكثر منها عقلانية وديمقراطية.

إذا كان أصلا مرمى المجتمع السياسي السعي وراء الخير الجماعي، ففي البلدان العربية -كما هو حال البلدان النامية - هو المولد الأول للعنف. فنشهد تآلف السلطات السياسية البوليسية بالإعتماد على السيطرة الإقتصادية وعنف أساليب القمع ووسائط الضغط المادية والقانونية والإعلامية والى ما هنالك. ذلك،  بهدف الحؤول دون أي إعتراض فعّال من أجل الإبقاء طويلا على نفوذها الذي لا تتخلى عنه تلقائيا (4). هذه السلطات تفرض نظامها هي لا النظام الذي يريده المواطنون، حيث عند معظمها إن لم يكن جلّها كان لإستعمال العنف والقوة الفضل بوجودها. هل من قبيل الصدفة أن تكون مدة البقاء في السلطة في هذه البلدان أطول مما عداها في انحاء العالم وأن تكون بالمقابل نسبة الإنتاج الثقافي أقل بكثير من أي مكان آخر ؟

إن القوانين الوضعية التي تعكس بشكل جدلي أنماط العلاقات السائدة في المجتمعات العربية وعقلية القوى المهيمنة إجتماعيا التي تستعملها لتنفيذ أغراضها ولخدمة مصالحها هي بالضرورة أبوية. نستبين ذلك من دراسة قوانين الأحوال الشخصية السائدة، ذلك رغم بعض القفزات النوعية التي حققتها أكثر من دولة عربية في هذا المضمار (تونس) وفي ظروف إستثنائية. مما يفسر حدة المعارك الدائرة حول تعديل أو وضع قوانين جديدة للأحوال الشخصية (في الجزائر ولبنان مثلا) (5) تكفل إعادة تنظيم وتحديد العلاقات بما يضمن تحقيق المساواة بين الجنسين. ذلك تمشيا مع اتفاقية القضاء على جميع اشكال  التمييز ضد المرأة ومن أجل تحقيق رفاهية الأسرة والنهوض بالمجتمع والإسهام على قدم المساواة بعمليات التنمية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية.

أما مسألة حقوق الإنسان في هذه المنطقة فما زالت تطرح إشكالات للأجهزة الحاكمة والسلطات التسلطية  التي لم  تحسن بعد التعامل معها ولا التغلب على مخاوفها منها بالسماح للنشطاء بالوجود وبحرية الحركة. كأن هؤلاء بدعة غريبة وغربية ينظر اليهم كدخلاء يجب تحجيم مكانهم وتشويه دورهم. ذلك كون المبادرات التحتية غير الحكومية لمراقبة التجاوزات السلطوية والتنديد بها تتعارض مع سياسات الحزب الواحد والقبيلة الواحدة والزعيم الأوحد. إنها تخيف الطاغية الذي يهمه من مؤسسات المجتمع  التمجيد بشخصه وخدمة "عظمة النظام" بدل بناء مجتمع مدني قائم على أسس سوية وعادلة وديمقراطية.

إن الإعتياد والتدجين على الطاعة والقبول بما يفرض من الأقوى يؤدي بدوره للأسف للإذعان  لمن يحتل قمة الهرم السياسي والخنوع لممارساته المرَضية وغير العقلانية في سلبية لا تليق بالكائن البشري. فبهذه الممارسات السلطوية والأشكال القمعية ما يشلّ الإمكانيات الفردية عن القيام بعمل خلاق بهدف إحداث تغييرات جدية وبناءة. حيث تخضع الحاجات الإنسانية العميقة للكبت والتحويل وتعلو لغة الكسب وتقديم المصالح الآنية والحاجة للإشتراك في لعبة الأنظمة من أجل الإستمرار.

تجاه الأبواب الموصدة والمساس بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية قد تتأجج فورات عنفية غالبا ما تزداد بإزدياد المقاومة التي تلقاها، تقوم بها فئات ترفض العيش غريبة عن الواقع او الإستسلام له. فهؤلاء يحلمون بالمشاركة في تنظيم الحياة الإجتماعية على أساس التعددية السياسية وممارسة الديمقراطية بما يسهم بضبط العنف وإنقاذ المواطنين من ضياعهم الوجودي ويسمح بتطور المجتمع وإطلاق فعالياته وإمكاناته الحبيسة. لكن غالبا ما يكون خيار هذه القلة من المناضلين بين العمل السري أو شبه الشرعي في ظروف شديدة الصعوبة أو النفي القسري عندما لا تختبر تجربة الزنازين أو تنجو من التصفية الجسدية.

تظهر دراسة تناولت طفولة شخصيات معروفة في التاريخ نشأت على كراهية وإهانة وقساوة أهلها لها - حيث أن أية فكرة جديدة أو مبادرة لم تكن إلا لتقمع في التربية على الطاعة والنظام والإنضباط- كيف أن المعاناة التي عاشتها في طفولتها لم تنتج سوى أشخاص مستبدين حاقدين على الغير. لقد إستغلوا فرصة وصولهم للسلطة لتدمير المجتمع والتضحية بألوف الأبرياء لتحقيق مآربهم بإسم الدفاع عن الوطن والنهوض به (6). ربما لا توجد دراسات نفسية معروفة تناولت شخصيات عربية تصلح كمثل في هذا المضمار. لكن بالنظر للتراث الثقافي الذي هو غالبا محكي، هناك قصص تروى حول نشأة اكثر من عسكري او غيره إستحوذ على مقاليد السلطة واصبح دكتاتورا في عدة دول عربية مقترفا المظالم بحق الإنسان والمجتمع العربيين. لم يكن تبوء هؤلاء سدة الحكم ليحل بالضرورة مشكلاتهم النفسية ومعاناة طفولتهم بل على العكس. كان الإستيلاء على السلطة العليا الفرصة التي سمحت لهم بمضاعفة أشكال التعبير عن هذه العقد عبر آليات الإكراه في تكرار الممارسات العدوانية(mécanisme de compulsion de répétition). يتم ذلك بالإنتقام ليس ممن كانوا المسبب المباشر لهذه الآلام، وإنما نزولا لمنطق آليات النقل العاطفية (déplacement)، عبر عملية التحويل على مواطنين بدائل ليس لهم أية علاقة بآلامهم سوى أنهم قد يرمزوا لموضوع التركيز العاطفي الأول (premier objet d’investissement) وبذلك يصلحوا أن يكونوا كبش المحرقة.

إن مجرد ممارسة العمل السياسي او التعبير عن الاختلاف مع نهج الحاكم هو مصدر قلق لهذا الأخير وتهديد لشرعيته. ذلك ضمن عقلية اختزالية سائدة تبرر الإنقضاض على الآخر عبر توجيه الأوامر بمس كرامته والتنكيل به بوسائل لا يهم ان تجاوزت ما يقبله العقل والمنطق. إن ما يبرر أفعال السلطان من منطلقه إيهام نفسه ان كل تنظيم مستقل خصم له وأن كل معارض فوضوي أو متطرف يريد إحداث الخراب أو كذلك خائن ومأجور للأجنبي.

إنه نتاج المخاوف والشعور بالقلق الكامن لدى هذه الفئة من الحكام. فهم بحاجة لأوهامهم تلك حتى ولو أمكن القول أنهم في أكثر الأحيان واعين ما يفعلون. هم يعتقدون أنهم المؤتمنون الوحيدون على مصير البلد  بحيث تنزع هيمنتهم لأن تشمل جميع الفعاليات. فيصبح الدستور قابلا للتأويل وتعدّل القوانين على مقاسهم وتضحى السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية نموذجا نظريا للتدريس وليس للتطبيق. ومن أجل التضييق على العدالة ومنعها من القيام بعملها بشكل طبيعي، يتم اللجوء لإجراءات قانونية خاصة ولمحاكم إستثنائية في أكثر من نصف البلدان العربية حسب إحصاءات منظمة العفو الدولية.

إن في خوفهم المرضي هذا من الآخر على سلطتهم وجنون العظمة لديهم ما يدفعهم لإطلاق آلة القمع دون حدود مهيئين الأرضية للإنفجار الذي ينتهي يوما بالقضاء عليهم.

لو توقفنا لحظة وتأملنا هذا "الأب -المثل الأعلى" وتفرسنا بملامحه وسبرنا أغوار نفسه لاستنتجنا أنه لم يكن يصلح حقيقة أن يكون حاكما. لكننا تصرفنا معه كما تصرفنا أطفالا تجاه آبائنا، فصدقناه وأغدقنا عليه من الفضائل ما ليس له به صلة. لقد ربعناه على العرش وصفقنا له ليفعل ما يشاء حتى ولو كان في ذلك قيادتنا نحو الهلاك. فعلنا ما فعلناه  ليحمينا، فما كان منه سوى الإستئثار بكل ما مكنته سلطته للقضاء علىكرامة الشعب وحقوقه والتمتع مع حاشيته بمقدّراته وأقداره. لكن المصلحة العامة تستبعد الشك بالأب الأكبر والتجاسر على من يمثل الدستور والشرعية بنقد نظامه وزبانيته. أليس المعيار التسلطي لتعريف الوطنية هو مصادرة عصبة السلطة للدولة والغاء المواطنة، مما يبرر الطعن بوطنية وشرف وكرامة من يجرؤ على النقد ومن يعارض ؟ هذا الوضع يجعل من التعدي على الحريات الأساسية وقمع الأفراد والمجتمع مسألة مباحة بغياب مؤسسات الدولة وتجمعات المجتمع المدني الكفيلة بحماية المواطن من عسف الحكام ومخابراتهم وأجهزة قمعهم وتجمعاتهم المصلحية.

إن اليوم الذي تصبح فيه نسبة المتعلمين من بنات وشبان مرتفعة وتعامل الأجيال الناشئة بإحترام وتجد مكانها الطبيعي كمواطنين لهم حقوقهم ويحق لهم النقاش بأمورهم وإبداء آرائهم دون وجل وخوف، اليوم الذي يبدأ العصيان فيه على من يرمز للسلطة المدمرة للنفس والوقوف بوجه القوة والمطالبة بعالم يسمح بالحرية والتنفس والإختلاف والعيش دون قمع وضغوط واكراه، اليوم الذي تصبح فيه منظمات وجمعيات المجتمع المدني متواجدة بشكل مستقل وفعلي وبنّاء، يومها يمكن أن نؤسس لدولة حقوق ولمجتمع متنوع ومتنور تسعى به القوى الحية نحو آفاق جديدة  يطلق فيها الخيار الحر والواع  وقوة الإدراك والنظرة المستقيمة. مجتمع الانعتاق من الفساد والدجل والرياء والخلاص من مستنقع التخلف والعبودية والإنتصار على التبعية والإستلاب وعدم الثقة بالنفس. مجتمع لا يبقى فيه المرء أسير خوفه من القمع وغرائزه المكبوتة وتعقيدات تربيته المحافظة  التي ما كان منها الا أن تجمّد ملكاته العقلية وتمنعه من النمو قابعا دهورا  في ظلمات الجهل والتخلف.

إن تخلفنا هو نتاج تربيتنا القائمة على تعطيل طاقات الإبداع لدينا وهدر كرامتنا الإنسانية. فمنذ تفتّح أعيننا على الحياة تبدأ عملية التدجين التي تطفئ النور في العيون وشعلة الحياة في النفوس. فإلى متى نقبل إستمرار القهر والإستبداد والإستغلال ونراوح ضمن منطق التكرار في لعبة القامع والمقموع ؟ إن ضرورة التغيير تنبع ليس فقط من حقنا بذلك، وإنما أيضا من واجبنا تجاه أبنائنا ومجتمعنا ضنّاً بطاقات هائلة يمكن بدلا من إهدارها أن تساهم بنهضته إن أطلقت إيديها للخوض بالتجربة من أجل مستقبل أكثر شروقا.

 

في تربـيــة النا شـئـــة

يقبل طفل الإنسان على الحياة ولديه من الامكانات الفطرية والكفاءات الذاتية ما يجعل من الضرورة لكي تتفتح وتنمو الإعتماد على والديه ومحيطه ضمن علاقة متميزة مع الأم (7). فيتطور من كائن لا يميز ذاته عن العالم الخارجي- الموجود بالنسبة له من أجل سد حاجاته- الى فرد مستقل له شخصيته الخاصة به. يتم ذلك عبرعملية تفاعل مستمرة يؤثر فيها على من حوله كما يتأثر بهم ضمن قوانين حفظ التوازن والثبات والحاجة للتغيير. يجتاز من أجل ذلك مراحل متتابعة ومتداخلة يحقق خلالها قدرا كبيرا من نموه العقلي والجسدي والنفسي والإجتماعي. فمن خلال سلوك والديه ونوعية علاقتهما به ونمط تعاملهما معه تتكون الأنا لديه وصورته عن نفسه وفكرته عن قيمته وشعوره بالأمن التي تحدد أشكال علاقته بنفسه وبالآخرين فيما بعد.

من خلال اللعب أيضا يطور الطفل عقله وجسده ويحقق التكامل بين وظائفه الإجتماعية والإنفعالية والعقلية التي تتضمن التفكير والمحاكمات وحل المشكلات والحديث والتخيل وتكوين معايير خلقية. فينمي اللعب مهاراته وطاقاته الخلاقة، ومن خلاله يكتشف نفسه ويصرف التوتر الذي يعاني منه والإنفعالات العدوانية المكبوتة لديه.

كذلك يطرح الطفل، خاصة حوالي السنة الثالثة من عمره، أسئلة كثيرة على والديه وظيفتها تحقيق توازنه النفسي وتكوين تفكيره الإستنباطي والتعرف على المحيط والبيئة والقيم الخلقية والسلوكية المرتبطة بها. فيشعره الإصغاء له والصدق بالإجابة على أسئلته والدقة بإستعمال التعابير المألوفة لديه بالإطمئنان وبإحترامه ومشاركته همومه بما يحقق له توازنه النفسي. لكن تشكل أحيانا كثرة الأسئلة وعدم إدراك كيفية الإجابة عنها أو وعي أهميتها وعدم تيسر الوقت الكاف المخصص للطفــل عوامــلا لإهمال الأجوبة وعدم تشــجيعه الإستمرار بطرحـها.

بالمقابل، قد يدرك الطفل بعفويته وبراءته أشياء يمكن ان يعبر عنها بطرق مختلفة دون أن ينتبه  لها الراشد. ذلك نظرا لآليات الدفاع عن النفس والكبت والتحوير وغيره التي تتحكم بهذا الأخير وتحول دون إدراكه الاصح والانسب. وهناك من المسائل التي يتكتم عنها الراشد او ينقلها محورة للطفل ما هو كفيل بخلق جو من القلق لدى هذا الأخير.

عادة ما يجهد الأهل في سبيل تربية أبنائهم، لكن عدم إلمامهم  بخصائص هذه المراحل ومتطلباتها وبحقائق التكوين النفسي والتطور الإجتماعي الملازم للنمو البيولوجي للطفل، يجعلهم يخطئون بالتعامل معهم. فيسلكون سلوكات تتعارض مع المبادئ التربوية، بينما هم في الوقت نفسه مقتنعين بصحة ما يفعلون. فعبرهم يقدم المجتمع نماذج ثقافية تخضع إمكانات الطفل الفطرية لعملية إنتقاء عبر التربية تحتم عليه تبنّيها كي يتبنّاه مجتمعه ويرضى به أهله.

قد يشكو الأهل مثلا من حركة زائدة عند الطفل، لكن خوفا من الإنقياد لنزواته ورغباته، يلجأون الى القمع والمعاقبة. في الحين الذي تدل فيه هذه الظاهرة على وجود قلق كامن لديه ومعاناة نفسية تتطلب الحل. بانتظار ذلك وفي جو من عدم التفهم والقمع، لا بد ان تأخذ المشكلة أبعادا غير محسوبة وان تجد مسربا لها في سلوكات تنحى منحا غير مفهوما. فتكرر نفسها بشكل متواتر يظهر مع الوقت في سلوكات باثولوجية (مرضية) موجهة نحو النفس والآخر.

عندما يقبل الطفل على الحياة  في جو غير سليم من عدم الإحترام والتفاهم والإنسجام بين الوالدين وغياب العلاقات الديمقراطية وإشكالات إجتماعية وإقتصادية وغيره،  يُخشى حينها أن يطرأ خلل في البنية العامة لشخصيته نتيجة الصدمات والأزمات التي يعيشها. وقد يكون التوتر على درجة تتعدى قدرة الطفل على السيطرة عليه والتحكم به، مما يمكن أن يكوّن عقدا تهدد نموه النفسي. نذكر على سبيل المثال عقدة الذنب والرغبة في العقاب الذاتي أو عقدة النقص والشعور المرضي بالخوف من مواجهة الآخرين بسبب اللوم والإستهزاء والتحقير او الحماية الشديدة، وعقدة التنافس التي تشيع البغضاء بين الأخوة وتنعكس على العلاقات الإجتماعية، والى ما هنالك من إشكالات تترك آثارها السلبية على مستقبله إن لم تعالج في حينها.

إن الحاجة للأم في تربية أبنائها حاجة ماسة، يترتب على نوعية العلاقة القائمة معها (من محبة وتفهّم وإرشاد او عدم إهتمام وتعنيف وعدم إحترام) نتائج مستقبلية هامة (من تفاؤل وتوفيق وإقبال على الحياة أو إنزواء عن المجتمع وتشاؤم وفشل وغيره). إن قرب الطفل من أمه وسلطتها المتناهية عليه قد تكون سيئة العواقب عندما يعتريها الخلل والتشويه. فالأم تمرر عبر أطفالها كل القمع والعدونية والمعاناة التي قاستها بحياتها(8).

نظرا للإعتبارات الثقافية والتقاليد المتوارثة وكذلك لإختلال العلاقات الزوجية، غالبا ما يوكل دور تربية الأطفال برمته الى الأم ويتخلى الأب عن القيام بدوره - أو يغيّب رمزيا من هذا الميدان من قبل الزوجة في عملية رد فعل واعية او لا واعية على التسلطية الرجالية والإستلاب الذي تعاني منه ضمن دونيتها الإجتماعية -.  مما يؤدي لخلل في التعامل مع الأطفال ويعرّض صحتهم النفسية وعلاقاتهم ببعضهم وبذويهم للخطر. إن أكثر من يقع عرضة لخطر إختلاط الأدوار بين الأجيال الولد البكر وخاصة الصبي الذي يحل رمزيا مكان أبيه بشكل لا يتماشى مع سنه وموقعه. بينما أظهرت الدراسات الحديثة مدى أهمية دور الأب في تنشئة أطفاله وقربه منهم والتفاعل معهم في بناء شخصيتهم بشكل أكثر توازنا (9).

 عند الصغر يكون الآباء موضع خوف وإعجاب من قبل أبنائهم الذين لا يضعون كلامهم موضع الشك ويسبغون عليهم صفات الخلود والجبروت، بسبب غريزة الشعور بالأمن والإطمئنان وصون الذات. فحرصا من الولد على محبة أهله له، غالبا ما يؤثر إدانة نفسه من غير حق على إدانة أهله بحق. فيحاول أن يكبح جماح نزعته الفطرية نحو الإستقلال الذاتي والإستكشاف وحب الإستطلاع وأن يكبت مشاعره ومشاكله لحمايتهم. فيأخذ تشويه النمو النفسي عند الطفل أشكالا عديدة من ضمنها ما نراه في محاولته الدفاع عن أهله وتبرير سلوكهم والشعور بالذنب تجاههم. وينقلب بنظر نفسه من ضحية الى مسؤول عن سلوكاتهم المرضية. فقواه النفسية والعقلية لا تسمح بعد بفهم مسببات ومبررات سلوكات الكبار ومحاكمة الأحداث. وعندما يكبر، يبقى الطفل الذي لم يعش طفولته مغمورا بالعطف والحنان، قابعا في داخله يستفيق عند كل إهتزاز وكل تجربة. فيعيشها كصدمة ويهتز كيانه ووجوده منها دون أن يفهم كنهها وسببها ودون القدرة على مواجهتها والتأقلم معها. إنه لا يدرك ان ذلك صدى لما هو مكبوت ومنسي ضمن دائرة  لاوعيه.

غالبا ما يكرر المرء الآليات السلوكية التي نشأ عليها. لكن كيف له أن يدرك أنه يكرر رغما عنه ما عانى منه عندما ينجب أطفالا وأنه لن يكون بإمكانه أن يعطيهم ما حرم هو منه ويربيهم على ما لم يتعرف عليه ؟ فيدخل من جديد في دوامة العنف والعنف المضاد، حيث أن شعوره بالقلق وعدم الإطمئنان يجعله يخاف من نفسه ومن الآخرين على نفسه. وكائن كهذا لا يمكنه أن يتعرف على السعادة والإكتفاء الذاتي. فالأنا العليا تكونت تحت ضغط المحرّمات والممنوعات والشعور بالذنب ومفاهيم الخطيئة والحرام. مما حوّل طاقاته للخلق والإبداع الى سلوكات سلبية وجعل نظرته للوجود يكتنفها التشاؤم والحذر والحقد (10).

تتعدى سوء المعاملة الضرب ومظاهر العنف الجسدية الى سلوكات قد تكون أكثر أذى كونها أقل ظاهرية. يكون ذلك ليس فقط عبر إستعمال قنوات الكلام وإنما بتغييبها وبالإهمال وعدم الإهتمام. كما يمكن أن يكون عبر إعطاء أجوبة والقيام بتصرفات لا تتناسب مع المطلوب وحاجة الطفل، وعبر التدخل السافر بشؤونه وخصوصياته وإغتصاب إستقلاليته. كذلك، وبسبب التشدد الجنسي ولإرضاء رغبات "الراشدين" بأقل كلفة لهم، هناك حالات أكثر شيوعا مما نتصور من الإبتزاز الجنسي للأطفال من قبل ذويهم. مما يفقد الأمل بالخير والمستقبل ويحلل الشعور بالعار والذنب والنقص ويبرر التشاؤم والتدمير الذاتي ويعرض للأمراض والإضطرابات النفسية الشديدة.

جرى في عدة مستشفيات فرنسية بحث (11) تناول عينة شملت (300) من الشباب والفتيات تتراوح أعمارهم من 18 الى 35 سنة تعرضوا لحوادث سير متكررة كانوا هم سببها أثناء قيادتهم السيارة. وقد بانت العلاقة وثيقة جدا بين الإصابة بهذه الحوادث وبين مدة وتواتر التعرض للضرب والقسوة والتعنيف في طفولتهم. كذلك كشفت الدراسة عن وجود صلة وطيدة بين هذه الحوادث وأمراض متعددة وأحيانا خطيرة عانوا منها سابقا، وعن علاقة النتائج الدراسية السيئة بالضرب لمدة زمنية أطول. في معرض تفسيرها للنتائج تتحدث الباحثة عن مسؤولية رد الفعل المشروط. فقد تسبب التعرض للضرب وعدم إمكانية الهرب او الدفاع عن النفس بردع إمكانيات الجملة العصبية العضلية المسؤولة عن رد الفعل في المواقف التي تتطلب ذلك، وحين التعرض للحادث.

يمكن أن ننظر لحوادث السير هذه بإعتبارها أيضا عملية مفتعلة لاشعوريا غرضها إختبار حدود الذات والتلاعب مع القدر ومقارعة الموت. كما يمكن أن تكون أشكالا مساوية للمحاولات الإنتحارية التي تفشل والتي هي غالبا ما تكون صرخة إستغاثة لطلب المساعدة والإنقاذ من الضياع يطلقها غريق قدر لم يمنح من الحب والعطف ما يكفي للانفصال عمن يجسّـــد شاطيء الأمان.

إن السلوكات المنحرفة عند الأطفال غالبا ما تظهر أشكالها الأكثر حدة وخطرا في فترة المراهقة، عندما يتصاعد التوتر بشكل إستثنائي وتنقلب المقاييس. فتجد التربية الصارمة محاسبة لها بضرب القوانين والقواعد بعرض الحائط ورد الصاع صاعين. ويصل ذلك لأوجه عند غياب تفهم من الأهل وخاصة لما يتعلق بهذه المرحلة من مراحل النضج. في حين ان وظيفة هذه الأساليب بالتعبير هي المطالبة، التي قد تكون  لا واعية، بالحنان والتفهم والمساعدة في مرحلة إنتقالية صعبة لها متطلباتها النفسية والجسدية والإقتصادية والإجتماعية. فيمكن أن تتحول النقمة والرغبة بالإنتقام لثورة على كل ما ومن يمثل هذه السلطة. وقد تلجأ أحيانا للسلاح عندما تسمح الفرصة بذلك، بما يمكنها  من تنفيس المكبوتات تحت ذرائع عقائدية.

إن إتباع  قواعد تربوية صارمة مع الناشئة وعدم التعامل معهم بإحترام وكأفراد يتمتعون بكيان خاص وحرية شخصية وحق بالإختلاف، والسماح بالقيام بمبادرات فردية قد لا تستجيب بالضرورة لقواعد الجماعة، والنظر اليهم كقاصرين  يجب تنشئتهم وفق مقاييس تطالب بالتشبّه والتقليد وتقوم على الإذعان والطاعة وعدم فتح المجال أمامهم للتعبير عن مشاعرهم وما يراود ذهنهم من خواطر وتساؤلات، هو كما نستنتج من أخطر ما يكون على صحتهم النفسية.

 

الإكراه والعنف في السلوكات التربوية السائدة

غالبا ما يُعدّ الأطفال الذين يشكّلون أكثر من نصف عدد سكان مجتمعاتنا العربية ممتلكات شخصية لأهلهم وبشكل اكثر تحديدا لرب البيت (12). فيما يعبر عنه بحديث ينسب للنبي محمد "انت ومالك  لأبيك". ومن أجل "تنشئتهم تنشئة صالحة" و"حسن تربيتهم" يعاملون معاملة قاسية تأخذ طابع التطويع. يتم ذلك خلف أبواب موصدة وبغياب ضوابط وقوانين  تمنع ممارسة العنف على ممن هم أضعف. ويعتقد الآباء أن الأساليب التربوية العنيفة التي إستعملت معهم تصلح مع أبنائهم وينسون الآلام التي سببتها لهم. فيعودون لتكرار ما خبروه دون الأخذ بعين الإعتبار التغيرات الزمنية والتربوية ودون إدراك أن هذه الطريقة تعرض علاقتهم معهم لأخطار شديدة، حيث أن المشاعر المكبوتة اثناء الطفولة تبقى فاعلة طوال العمر.

بإسم المبادئ التربوية التي نشأوا عليها،  يحاول الأهل أن يربّوا أولادهم بنفس الشاكلة. فآليات الدفاع القوية التي كانت وظيفتها كبت آلامهم جعلتهم ينسون أنهم عانوا من آبائهم ما يعاني أولادهم منهم. فهم ربما لا يدركون أنهم بسلوكهم هذا يطفئون شعلة الحياة فيهم كما اطفأها أهلهم فيهم من قبل. وبإنعدام دقة التمييز والروح النقدية يصبح كل شئ ونقيضه ممكن. ولا عجب أن تجتمع الأضداد في سلوك يوهم بأنه متجانس لكسب الأشياء بالرياء والنفاق الإجتماعي حيث يتفادى المرء المواجهة مع الحقيقة لأنها مؤلمة ولأنه غير قادر على إجتياز هذا الإمتحان العسير.

بالمقابل، هناك من الأهل من يتجنب القصاص كرد فعل على سوء معاملته في طفولته، ويترك الولد يتصرف حسب ما يحلو له دون إرشاد وتوجيه واضح او ألفاظ مفهومة وحركات دالة عندما يكون صغيرا. لكن الإفراط بالتدليل وتلبية جميع الرغبات والتساهل بكل شئ ليس بديلا للتربية الصارمة. فهو يمنع إدراك الحدود بين ما هو ممكن وما هو غير معقول، ولا يلبث أن يولد تذمرا وتمردا عند الطفل.

غالبا ما يكون الأهل متطلبين ويريدون أبناءهم في أعلى المستويات ليحققوا ما لم يحققوه هم بهدف الصعود الإجتماعي. فيطلبون منهم ما هو فوق إمكاناتهم النفسية والعقلية والجسدية.  مما يجعلهم يتعرفون على مرارة الفشل ويتذوقون خيبة الأمل ويضيفون حواجز داخل الأسرة توتر أو تلغي التواصل بين أفرادها. ومن الآباء من يكون ضعيف البناء النفسي، عديم الثقة بنفسه، ذو حساسية مفرطة للأمور، ما يجعله ضمن علاقات القوة مع أبنائه يطلب الطاعة والإذعان لرأيه ولا يتحمل أي تفرّد وإختلاف بالرأي عنه. فالأب الظالم والمستبد لا يأخذ برأي طفله بالأمر الذي يعنيه وإنما يقرر هو وحده ما يتعلق به ولا يقبل مناقشة أو معارضة، دون تقدير الضرر الذي ينتج عن هذه الطريقة بالتعامل.

تتخذ ردود الفعل على ذلك مناحي متعددة منها عدم الثقة بالنفس والهرب من المواقف الإجتماعية والفشل في الدراسة، كما تسفر عن نوبات غضب للتعبير عن عدم الرضى عن القيود المفروضة على الحرية في العمل والقول والحركة وعن الحرمان العاطفي والجنسي.

 

عندما تكون العلاقات السلطوية لصالح فرد من هذا النوع لا بد وأن تكون مدمرة للآخرين لأنه سيطارد ما يعتبره خطأ وما لا يتماشى مع رأيه. فهو يخشى المعرفة ويتوجس من كل ما ومن يمكن أن يكشف له جوانب في شخصيته ومن طفولته قد تؤلمه وتحرمه من أوهامه وشعوره بالطمأنينة. هذه الآليات تتحكم بالمرء من أسفل الهرم الإجتماعي الى أعلاه دون تمييز، مع فارق أنها قد تكون مقنّعة وأن تسلك معابر أكثر تعقيدا في أعلاه. فبقدر ما يمتلك من سلطات بقدر ما يمكنه ان يحد من إمكانيات من عداه  ويغيّب دورهم  باللجوء للترغيب والترهيب وللوسائل الأكثر قمعا وعسفا. إن علم النفس التحليلي قد أوضح بما فيه الكفاية ان ممارسة السلطة، أية سلطة كانت، قد تؤدي لإستعمالها كوسيلة للتصريف وللهرب الى الأمام عبر تدمير او إستعمال وإستعباد الآخرين. بينما يبقى الحل في محاولة فهم المسببات وإكتشاف منابع الآلام التي تقبع في خبايا اللاوعي وتجارب سنوات الطفولة الأولى (13).

إنه من الصعب جدا أن يمارس فرد ما أو جماعة أعمالا مهينة بحق آخرين، خاصة عندما يكونوا أطفالا، دون أن يقدّروا مغبة ما إقترفت أيديهم. لكنهم يلجأون لتبرير ذلك لسبب أو لآخر. والأسهل عندما يقدم لهم المجتمع هذا التبرير حيث تصبح هذه الممارسات جماعية الطابع، عامة ومألوفة وغير إستثنائية. لكن عندما تأخذ التربية طابع الترويض وتسود القوة العلاقات الإجتماعية ويصبح العنف مبررا من المجتمع ومؤسساته بإسم المحبة والغيرة على المصلحة، يختلط بذهن الطفل الحب باللجوء للعنف. وويل له إن لم يجد من ينتصر له ويواسيه في أحزانه ويفهم معاناته لينقذه من توجيه قوى التدمير ضد نفسه والآخرين.

إن المجتمعات العربية لا تتعاطى عموما بشكل واع مع مشاكل الناشئة ولا تواجه مواجهة جدية مسببات هذه الممارسات السلوكية الباثولوجية. فتتكرر آليات العنف ويعاد إنتاجها من جيل لآخر على قاعدة الهرب للأمام والنفي والإلغاء واللجوء لآليات دفاع عن النفس فيها من التصلب أو الخفة بالتعامل مع الأمور أو الشعور بالعجز والأخفاق عن مواجهتها، ما هو كفيل بتأجيجها.

نظرا للمهمات الملقاة على عاتق العائلة من ناحية تربية الناشئة في مجتمعاتنا النامية وإنعدام أو قلة تواجد مؤسسات السلطة السياسية المكلفة برعايتهم، تبقى الأسرة هي الخلية الأساسية بالنظر للأدوار المختلفة المناطة بها. فهي بالتالي مصونة ومقدسة وحرمتها لا تمس. وهي حرة التصرف بأفرادها كما تشاء ولا يمكن أن يُنظر لها بعين الشك والتجريح.  لهذا يبقى جدار الصمت مطبقا طويلا على ما يدور داخلها، وما من يعترض أو يشتكي أو يراقب أو يحاسب من خارجها. وأين لرجال الشرطة أو المحاكم أن تقوم بأكثر من دور رمزي في هذا المضمار طالما أنها ثقافة الجميع يتداولها ويربى عليها جميع أفراد المجتمع ؟

من جهة أخرى، يوكل المجتمع للمدرسة والمؤسسات التي تشرف على تربية الطفل - إن وجدت-  مسؤولية القيام بالدور المكمل للأسرة في عملية الترويض هذه. والمدرسة التي هي وليدة زمانها ومكانها ليست بأفضل حال. فهي تأتي بعد الأهل لتعيد إنتاج نفس نمط الأساليب التربوية القائمة على التطويع والتغييب والعنف. والأنظمة المدرسية لا تشجع غالبا على الإكتشاف وتنمية الطاقات الإبداعية وتطوير القدرات الذاتية بما فيه الكفاية. فيعوّد الطفل منذ الصغر على التلقين والقبول بما يقدمه المدرّس دون تغليب حس نقدي والتعود على طرح الأسئلة بما فيه الكفاية. إن بهذا ما يحدّ من قدراته العقلية بدل أن ينميها ويجعله أسير أسلوب غير ديمقراطي في التعليم. فالإنسان الذي تعود على الطاعة وعدم إستعمال النقد وفقد قوة الملاحظة  لا يمكنه أن يبصر الأشياء الا بشكل غير مستقيم. وهو حتى إن أبصر شيئا ما جيدا فلا بد أن يشك بقدرته على التمييز حيث يكون ذلك شيئا غير مألوف لديه.

هكذا وكما رأينا تتضافر في السنوات الأولى الدراسية عوامل بيئية (ثقافية، إجتماعية، إقتصادية) ونفسية-عاطفية مع عوامل جسمية (إضطرابات في النمو وأمراض) لتكتمل السلسلة التي من شأنها أن تهدد مستقبل الطفل وتدخله في حلقة مفرغة (14).

عبر مجموع الآليات التي أوردناها سابقا يمكن أن نفهم كيف يوّلد المجتمع بهيكليته ومؤسساته العنف ويعيد إنتاجه ويشرّع له ويبرر سادية "الراشدين" وشذوذهم المسلكي ويجعله سمة بارزة له. فتتقونن تفاصيل الحياة ويصبح كل فرد رقيب وحسيب للآخر ولا يفلت من رقابته وعدوانيته، كما وتخضع حرية الفكر والجسد والجنس والتعامل مع الجنس الآخر لضوابط صارمة. فتكثر بالتالي آليات الدفاع المرضية ويشتدّ تطويع الأنا غير العادي تحت رقابة الأنا العليا التي تأخذ على عاتقها مهمة الضبط والرقابة.

 

لحسن الحظ، توجد في مجتمعاتنا العربية شرائح أكثر حظا من أترابها تعرف معنى السعادة توفرها لها حماية أسرية ناجعة. لكن تبقى الحماية الفعلية المجدية والعامة تلك التي يضمنها لأطفال العالم الالتزام الفعلي بالإتفاقية العالمية لحقوق الطفل. فهذه الإتفاقية تدعو الدول التي صدّقت عليها أن تتيح للأطفال الظروف التي تسمح لهم بالمشاركة في الحياة الإجتماعية والسياسية لبلدهم.  وقد أقرّت بعدم إمكان الفصل بين الحقوق، مسلمة بوجوب حماية الطفل من جميع أشكال الإستغلال. كما وفتحت مجالا جديدا بإعترافها بحقه في أن يكون عنصرا فاعلا في نموه وبأن تؤخد آراءه بعين الإعتبار عند إتخاذ القرارات المتصلة بحياته.

تشعرنا قراءة كهذه أن الهوة مرعبة بين ما ذكرنا ووضع نسبة واسعة من الأطفال العرب، خاصة اولئك الذين يعيشون ظروفا جد سيئة في ظل فقر مدقع معرّضين للأمراض والإعاقة والحصار والتشرّد. فهناك منهم من يجبر على التسوّل او إرتكاب الجرائم او إستخدام المخدرات او بيع أجسادهم، وكثير منهم  محرومون من التعليم والوقاية الصحية او مضطرون للعمل بشروط قاسية أقرب ما تكون للعبودية.

رغم كل التقصير والحرمان بمختلف أنواعه يبقى الأطفال غير متساوين أمام الشدائد والشقاء. فهناك من يجد بداخله من طاقات غير منتظرة ما يساعده على مواجهة المحن دون إلحاق ضرر ذي قيمة على نموه. إن وجود دعامة إجتماعية حقيقية له يمكن أن تساعده على مقاومة الوحدة والعنف والقابلية للتأثر الشديد، كما وتدعم جهوده وتقديره لنفسه وتوجهه الإجتماعي الإيجابي.

 

 

 

القســــم الثانــي

حـالات عيانيــة

 

 حــول ســوء معاملــة الأطفــال

نبدأ من تونس من خلال دراستين أجراهما أطباء حول سوء معاملة الأطفال. يقول الفريق الذي أعد إحديهما (15) أنه يبدو للمراقب للوهلة الأولى أن سوء معاملة الطفل ليست ظاهرة جديرة بالإهتمام. فمراكز العناية الصحية وأطباء الأطفال لا يجدون ما يدلون به حول هذا الموضوع عندما يُسألون عن سوء معاملة الطفل وعن وجود حالات يترك فيها العنف آثارا جسدية (16) ونفسية تستوجب المعاينة الطبية. لكن يبدو بعد التحقيق الذي أجري مع الأهل الذين يرتادون هذه المراكز أن العنف ضد الطفل هو من المرتكزات التربوية في العائلة التقليدية حيث عدد الذين يتذكرون أنهم لم يضربوا في طفولتهم قليل جدا مقارنة بالآخرين الذين في غالبيتهم يبررون هذه الطريقة في تربيتهم على أساس أنها مفيدة وإيجابية. أما بالنسبة لإستعمالها بدورهم مع أبنائهم فان الأكثرية تلجأ لها لتطويع الطفل على السلوكات الحسنة ومن أجل الحصول على نتائج دراسية أفضل وكذلك بهدف تعويد الناشئة على الطاعة وترهيبها.

يرى الدكتور المرزوقي أن هذه المسألة مبررة كما هو مبرر ضرب المرأة حيث هنالك أمثال شعبية عديدة تتغنى بإيجابيات إستعمال العصا. ويظهر أن الأطفال الذكور ما دون الثانية عشر سنة هم أكثر من يضربون بالمقارنة بالبنات. أكثر من يتعرض لذلك هو الأبن البكر حيث أنه أكثر أهمية وقيمة بنظر المجتمع. تكثر هذه الممارسات على الطفل حسب الدراسة حوالي السنوات الثالثة والسابعة من عمره. وتكون جميع أجزاء الجسد عرضة للضرب دون فارق، فيما عدا منطقة الرأس. يأتي الأب في مقدمة المؤدبين وتتبعه الأم ثم المدرسين، بينما لا يذكر الأقارب والأجداد كمسؤولين عن هكذا سلوكات نظرا للوظيفة المناطة بهم التي هي حماية الطفل.

يخلص الباحثون للقول أن اللجوء للعنف الذي لا يرافقه أي شعور بالذنب او الخجل سواء من قبل الأهل او المدرسين، يبدو أكثر شيوعا في المدرسة. ذلك، نظرا لدورها الرئيسي في توفير فرص الإرتقاء الإجتماعي، ولأن العائلة تقبل بالتضحية بما يسمح للطفل بتسلق سلم المعرفة والسلطة.

في الدراسة الثانية (17) قامت الباحثة بدراسة وتحليل 354 حالة طفل ما دون الخامسة عشر من العمر كانوا قد أدخلوا قسم الطوارئ الجراحية في أحد المشافي التونسية (من 1994الى 1996) نتيجة تعرضهم لإعتداءات جسدية وجنسية. من النتائج التي توصلت لها الدراسة النسبة الكبرى من الذكور الذين تعرضوا للإعتداءات الجنسية حيث أكثر من نصفهم تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة، جلهم من سكان المدينة وقد وقعوا ضحية أشخاص معروفين منهم في أكثر من نصف الحالات ( يتراوح عمر الجاني عند معظمهم من 10 الى 29 سنة). وقعت الإعتداءات بشكل كبير في أواخر النهار والنصف الأول من الليل وخلال عطلة نهاية الأسبوع على الطريق العام غالبا بما يخص الذكور وفي المنازل بما يتعلق بالفتيات، بينما تمثل الإعتداءات التي حصلت في المدرسة أو أماكن اللهو  نسبة قليلة جدا.

مما يجدر الإشارة له هو أن نسبة البنات اللواتي تعرضن للضرب كانت أكبر من نسبة الذكور، وحصل ذلك في أكثر الأحيان على يد الآباء. تراوحت أعمارهن من 1 الى 15سنة، وكانت جروحهن  شديدة نسبيا، مما إستوجب تعطيلا بحوالي عشرة أيام كمعدل وسطي. بينما شوهدت الإعتداءات الجنسية على الأطفال الذكور الذين تراوحت أعمار معظمهم من 7 الى 15 سنة، وكان الجاني معروفا من ضحيته في أكثر من ثلث الحالات.

 

ختان البنــات

في مصر، هناك عادة شائعة بشكل لا مثيل له في غالبية الدول العربية هي عادة ختان البنات. هذه العادة تشكل بؤرة لعدد من الإنتهاكات لحقوق المرأة الأساسية وتترك آثارا فيزيائية ونفسية وجنسية على مدى العمر. لقد تعرضت حسب التقديرات الأكثر تداولا ما بين 85 -114 مليون فتاة في العالم  لهذا الإنتهاك،  أي ما يعادل مليوني فتاة كل سنة و6000 كل يوم. وهن من أكثر من30 بلدا معظمهم في شرقي وغربي افريقيا. يرجع ذلك لأسباب ثقافية وإجتماعية وإقتصادية ومعتقدات دينية بما هو تكريس للسلطة الأبوية المهيمنة والعقلية الرجالية السائدة (18).

تعكس هذه الظاهرة الخلل الواضح في تطبيق الإتفاقيات الدولية وبخاصة ما يتعلق منها بحقوق الطفل وبالتمييز ضد المرأة. فقد أدانت الإتفاقية العالمية لحقوق الطفل هذه الممارسة بإعتبارها تعذيبا وإنتهاكا جنسيا للطفلة وطالبت في المادة 24 الحكومات بإتخاذ التدابير اللازمة لمنع هذه الممارسات التقليدية الضارة بصحة الأطفال. وقد بدأ القاء الضوء على هذه القضية بشكل متزايد منذ التحرك العالمي للتصدي للعنف ضد النساء في السنوات الأخيرة والإهتمام المتزايد بقضايا المرأة وصحتها. كما طالب مؤتمر بكين للمرأة سنة 1995 حكومات الدول المعنية بهذا الأمر بمنع بتر الأعضاء الجنسية عند النساء وبإتخاذ إجراءات من شأنها معاقبة المسؤولين عن هذه الأعمال. يجدر بالذكر أن معظم هذه الدول قد وقعت على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة التي تتعرض في مادتها الخامسة لهذه المسألة مطالبة بالقيام بما يلزم للقضاء على هذه الممارسات التقليدية القائمة على مفهوم دونية المرأة. لكن رغم منعها في بعض الدول الإفريقية ووضع برامج توعية سكانية ما زالت هذه الممارسات قائمة بشدة.

في مصر، تبدو مسألة بتر الأعضاء التناسلية للمرأة عادة تقليدية عميقة الجذور في العادات والتقاليد. هناك تضارب بالآراء حول بداياتها، لكن منهم من يقول أنها لم تكن معروفة عند الفراعنة ثم إنتشرت قبل المسيحية والإسلام بإحتلال مصر من وافدين من أفريقيا. ما زالت هذه العادة تمارس حتى اليوم بشكل واسع بين المسلمين والمسيحيين على حد سواء. لقد ساعد على ذلك تضافر عوامل ثقافية وإجتماعية وإقتصادية ودينية ومفاهيم أبوية سائدة منعت الجمعيات الأهلية والهيئات الحكومية الى سنوات خلت من التصدي لها بشكل فعال وطرحها أولويات "أهم" في العمل مع النساء.

يفسر لنا هذا الواقع الرقم المرتفع جدا للنساء المصريات المختونات الذي تدل عليه إحصائية أجراها المجلس الوطني للسكان المنبثق عن وزارة الصحة المصرية التي تجري التحقيق عادة كل 3 سنوات (19). لكنها المرة الأولى التي يشمل فيها هذا العدد ويتناول الختان بشكل منفرد. وقد أبانت الإحصائية التي تناولت حالة 14779 إمرأة متزوجة تتراوح أعمارهن من 15 الى 49 سنة أن 97% منهن مختونات. كذلك أظهرت في نفس البحث دراسة سريرية أجريت على نساء من عدة مناطق مصرية أنه في أكثر من نصف الحالات (64%) تعدى الختان إزالة البظر فقط.

إن هذه العملية التي تتم وسط طقوس إحتفالية، يقوم بها غالبا أفراد غير مؤهلين وفي ظروف صحية سيئة بإستعمال آلات غير صالحة او مطهرة وبدون مخدر. مما يحدث صدمة نفسية، ويؤدي لنزيف والتهابات قد تكون حادة تسبب الوفاة. تعتبر هذه العملية "جريمة طبية بكل معنى الكلمة تركن وراء جانب كبير من المشاكل الإجتماعية والصحية والنفسية التي يعاني منها المجتمع المصري" (20).

إنها تنقسم من حيث قسوتها الى عدة أنواع : بدءا بقطع غلفة البظر، مرورا بإزالة حشفة البظر أو البظر بأكمله بالإضافة لشفرا الفرج جزئيا او كليا، وانتهاءا بإزالة الشفرين الخارجيين إضافة للبظر والأنسجة المجاورة مع خياطة حافتي الجروح معا وترك فتحة صغيرة جدا للتبول وللدورة الشهرية. أما المضاعفات الحاصلة عن ذلك فتنقسم الى أربعة أقسام أساسية : بولية، نسائية، متعلقة بالتوليد ونفسية-جنسية. الى جانب  المضاعفات الفورية التي ذكرت فيما قبل، يمكن أن تحدث مضاعفات أخرى بسبب إحتباس البول في الأيام التالية نتيجة الألم الذي يحدثه الخوف من التبوّل وبسبب تورم الأنسجة. كما وتظهر بشكل خاص بعد الزواج آلام ومشاكل صحية وزوجية وبرود جنسي وحرمان من المتعة وعقم مرده صعوبة الإيلاج، بالإضافة لإشكالات الوضع والولادة وما يلي كل ذلك من توتر وإنهيار عصبي وغيره من مشاكل نفسية.

إن التقاليد القديمة السائدة في ظل غياب قانوني وإنتشار الأمية والجهل وعدم الصراحة والتحرج في مواجهة هذا الموضوع وشيوع مفاهيم خاطئة وتناقضات في الآراء حوله وعدم وعي كافي وتصور مغلوط لموقف الدين ووجود إتجاهات متطرفة تتخذ منه ذريعة لمقاومة التغيير السلوكي، كذلك عدم التعرض لهذه المسألة في المناهج الدراسية بالإضافة لنظام سياسي له موقف سلبي من القضية يقبل بالمساومات وعدم وجود نساء في مراكز قضائية عليا تواجه تحكّم المفهوم الرجالي باستصدار القوانين، كلها عوامل تفسر إستمرار هذه الممارسات الشنيعة والمنحطة والأفكار المحافظة التي تعمل للإبقاء على دونية المرأة وإستلابها.

بما يخص العنف الواقع على النساء

نبقى في مصر لنتطرق لأشكال أخرى من العنف ضد المرأة. فبمعزل عن العوامل البنيوية من إقتصادية وإجتماعية وثقافية وقانونية سائدة في المجتمع تحرّض على العنف وتبرر إستخدامه، تبدأ أشكال العنف عمليا حسب دراسة ميدانية (21) من الإعتداء على المرأة باللفظ من سب وشتم مرورا بالهجر او الإمتناع عن الإنفاق الى الإعتداء بالضرب والطرد من المنزل او الإعتداء الجنسي وصولا الى القتل بالرصاص أو ذبحا أو حرقا أو خنقا. هذا التقسيم كما تنبه له الباحثة يمكن أن يكون أحيانا إعتباطيا حيث تتداخل أنواع الأذى المختلفة من مادي وجسدي مع النفسي والمعنوي الذين لا يمكن قياس نسبتهما ولا يتم الإعتراف بهما في الإجراءات القانونية. في حين أن تأثيرهما يمكن أن يكون أعمق على شخصية المرأة وخاصة على المدى البعيد.

تظهرالدراسة أن غالبية ضحايا العنف الأسري هن من الزوجات، تليهن الأمهات ثم الأبناء الإناث فالأخوات وتمتد أخيرا الى نساء ذات صلات قربى كالحماة وزوجة الأب وإبنة الخالة او العم. برغم تعدد أسباب العنف، تحتل الأسباب الإقتصادية المكانة الأولى : من سوء الأحوال المعيشية الى رغبة الرجل في الإستيلاء على ممتلكات المرأة. أما من بين أهم الأسباب الإجتماعية تبرز مسألة تعدد الزوجات وإجبار المرأة على ترك بيت الزوجية او التنازل عن حقوقها ما قبل الزواج. كذلك تظهر مسألة إجبار الفتاة على الزواج بغير رضاها أو زواجها بدون رضى الأسرة. أما الأسباب الثقافية كالشك في سلوك وأخلاق المرأة فتبدو من أقل الأسباب تأثيرا.

من جهة أخرى، تظهر العلاقة واضحة بين إنتشار العنف ضد المرأة في الأسرة وإنخفاض المستوى التعليمي والثقافي للزوج والزوجة. كما ويكثر العنف بشكل ملحوظ بين أبناء الطبقة العاملة من فلاحين وعمال وحرفيين وصغار موظفين. مما يؤكد على إزدواجية القهر الذي تتعرض له النساء في الطبقات الفقيرة. غالبية النساء الضحايا لا يعملن خارج المنزل، بغض النظرعن دور المرأة الريفية الزراعي والإنتاجي الذي يعتبر جزءا من دورها العائلي طالما هي لا تتقاضى أجرا. ويمر العنف الذي يمارسه الرجل على المرأة بمعظم مراحل العمر أي إبتداء من فترة مراهقته، بينما تقع المرأة ضحيته في جميع مراحل عمرها إبتداء من الطفولة حتى الشيخوخة، لكن في الحالتين يتركز في مراحل شباب الجاني والضحية.

إن إنتشار ظاهرة العنف ضد المرأة لم يظهر حسب الدراسة فروقا بين الريف والحضر، لكن ما يلفت النظر هو تكاثرها في الحضر الشعبي الفقير والمكتظ بالسكان في العاصمة. أما ردود أفعال المرأة من العنف الواقع عليها فتتدرج بين الإذعان والإستسلام للرجل وشروطه (وغالبا ما يظهر بين النساء الفقيرات اللواتي لا سند لهن مادي أو عائلي) إلى رد الفعل في إطار القانون عندما تلجأ للقضاء لطلب حمايتها او حقوقها (وهذا غير متوفر لجميع النساء من كل الطبقات) أو عندما ترد على العنف بعنف مضاد قد يصل لإرتكاب جريمة قتل. هذه الظاهرة بدأت تتزايد خاصة في السنوات الأخيرة كما أثبتتها دراسة عيانية لنفس الباحثة (22).

أما فيما يتعلق بالأحكام الصادرة على الرجال الذين لجأوا للضرب، فهي تتميز بالضعف وتتركز معظمها على الحبس من شهر الى ثلاثة أشهر او دفع غرامة مع وقف التنفيذ. مما يثني المرأة عن اللجوء للقضاء ويشجعها على الرد بإستخدام العنف. إن ما يلفت النظر كذلك وجود تناقضات في الأحكام الصادرة بخصوص دعاوى متشابهة وقضايا لا تختلف ظروفها وملابساتها. مما يترك الجواب حائرا فيما إذا كان السبب يتعلق بمكانة المرأة المدعية ووضعها الإجتماعي والطبقي أو بغموض القوانين وتحيزها، أم أنها مسألة تعود للقاضي الذي يحكم في القضية ؟

 

أما في الجزائر، فالعنف داخل نطاق الأسرة لا يظهر البتة إذا ما إعتمدنا على الأعلام الذي يتعرض للأسرة بإحترام متناه ويعتبرها وحدة مقدسة. لكن رغبة التعمق بالموضوع تكشف، من خلال بحث أجري في الجزائر العاصمة (23)، فظاعة الوضع في مجتمع تعمم فيه العنف وتداخلت أشكاله العائلية بالإجتماعية والسياسية. مع ذلك يسود نوع من العمى الاجتماعي تجاه العنف المنزلي الذي يعتبر مسألة عادية وبديهية وموضوعا مبتذلا لا يجدر التطرق له. ذلك رغم أنه يطال كل الفئات الإجتماعية وكل الأعمار وحيث ان الضرب والإذلال يخرج من نطاق المنزل الى دائرة المدرسة التي تربي على الحق بممارسة العنف كمبدأ يشرّع له الدين. تجدر الإشارة الى إستعمال العنف  أيضا كشكل من أشكال العلاج في طرد الارواح الشريرة والشياطين، كما ويلقى رواجا في السنوات الأخيرة رغم الحوادث التي تسبب بها.

 

إن العائلة بمفهومها الواسع التي لم يعد بإمكانها أن تضمن الدعم لأفرادها قد إنحسرت الى الاسرة الصغيرة وتخلت عن حمايتها للنساء فارضة عليهن القبول بكل أشكال العنف بما فيها الأكثر بشاعة. في الوقت عينه ألقت باللوم على المرأة معتبرة إياها مسؤولة عن كل ما يمس العائلة : من زيادة النسل التي تهدد الحياة الإقتصادية الى الإخفاق في المدرسة وتراجع صحة أفراد العائلة او تدهور العلاقات فيها وغيره.

إستنادا للأطباء وللقابلات في الأقسام النسائية الذين أجري معهم التحقيق (24) لقد أصبح العنف الجنسي والسفاح واغتصاب الفتيات الصغيرات كما المراهقات من قبل الأخوة والآباء ورجال الأسرة الآخرين شيئا مألوفا جدا. كما وان الإعتداءات الجنسية على الفتيات  لا تستلزم بالضرورة  اللجوء للطبيب إلا في الحالات القصوى، أي خطر فض البكارة. بينما تبقى الصدمات النفسية الناتجة عن ذلك والتي تترك آثارا لا تمحى مدى العمر غير ذات أهمية. في حالات الحمل التي يسببها إغتصاب محرّم يساعد الأطباء الفتيات على الإجهاض عندما يكون ذلك ممكنا، لكن فيما عدا ذلك لا يسمح بالإجهاض البتة.

كثيرة هي أيضا حالات الإعتداء الجنسي الذي تتعرض له الزوجات من قبل أزواجهن بما فيهن الحاملات. ويلاحظ هذا النوع من العنف على العروس أيضا إثر الليلة الأولى لزواجها. وطبعا ما من يكترث لما قد يخلّفه هذا السلوك من آثار ليس فقط جسدية وإنما بالأخص نفسية على مستقبل العلاقة الزوجية وإمكانية الحمل والتوازن النفسي للمرأة وغيره.

إن المضايقات الجنسية المصحوبة بإعتداءات على النساء أصبحت أيضا مألوفة في الأماكن العامة ووسائل النقل، وما من يحرك ساكنا. إنها تستهدف النساء غير المصحوبات بهدف تحديد إرتيادهن قدر الإمكان للأماكن العامة ومراقبة طريقة عيشهن. فالعنف الإجتماعي يحل محل العنف العائلي ما أن تخرج المرأة من السجن البطريركي الى الأماكن العامة حيث تصبح عرضة لرغبات الرجال الآخرين وحقهم بتقويم سلوكها. عليها وحدها ان تتحمل مسؤولية ذلك وأن  تستنتج أنها غير معتبرة ككائن إنساني. إنها لا تملك أي حق لا يطرح للنقاش، وشهاداتها او مكانتها الإجتماعية ليست لهما إعتبار أمام حقوق أي رجل عليها. فالعنف الذي يطالها مبرر دوما.

 

هذا الوضع لا يختلف تجاهها في المؤسسات العامة. فقسم الطب الشرعي مثلا لا يسمح بالتحقق من الأرقام. وفي كل الأحوال لا تتضمن السجلات أي دليل على هوية المعتدي وجنسه، لأن العنف الذي يطال المرأة ليس موضوعا يستحق التوقف عنده. فيجري اتلاف  الملفات  بعد مرور سنة عليها دون إبقاء أي أثر لها. إن الرقابة على سلوك النساء مسألة تهم السلطات الحكومية أيضا التي تتعرض بالمعاكسات والإزعاجات للمرأة التي تشاهد برفقة رجل من غير زواج. فهي تهان وتساء معاملتها وتقاد الى مخافر الشرطة كما وتهدد بإدراج إسمها في سجلات بائعات الهوى.

في مكاتب الشرطة تستقبل المرأة كمصدر إزعاج ولا تشجع ابدا على متابعة الملاحقة لأنها بذلك "ستزيد من إشكالات وضعها". إن الحالة الوحيدة التي يتم فيها للتو توقيف الجاني هي إعتداء الابن على والدته التي لا تحتاج لإثبات. فيما عدا ذلك، على الضحية أن تقدم شهادة طبية من الطب الشرعي تثبت ان الحادث أدى لتعطيلها أكثر من 15 يوما. بينما في التوقف من 8 الى 15 يوم لا ينال المذنب أكثر من دفع غرامة مالية. لكن ما يجدر ذكره انه مع بدء حالة الحرب منذ عدة سنوات لم تعد معظم مخافر الشرطة تتلقى شكاوى بسبب مخاوف من يتوجه اليها من ان يعتبر مخبرا. منذ ذلك الحين أصبحت المشاكل العائلية تسجّل في خانة العنف الإرهابي.

إن أي شكل من أشكال العنف المنزلي او الإجتماعي في الجزائر لا يتم التصدي له حسب الدراسة بأحكام قانونية أو الوقاية أو المحاربة من قبل الدولة او القوى السياسية او الإجتماعية. بل بالعكس يصار لتبريره والشك بمسؤولية الضحية، اضافة لاعتباره غير كاف لرفع شكوى أمام المحاكم. فالمحامون من ناحيتهم غالبا ما يتعاملون مع القضايا هذه ضمن منطق قانون العائلة والإيديولوجية السائدة.

بالرغم من خطورة عواقب العنف على الضحايا يتفق الجزائريون وبمعزل عن إختلاف مسؤولياتهم ومكانتهم بوجوب عدم التدخل بشؤون العائلة. يعني هذا ضرورة إستسلام المرأة للواقع كي لا ترمى في الشارع. فالزواج ما زال للأغلبية العظمى من النساء الإطار الوحيد الذي يؤمن لها عيشها وسقفا تحتمي به ووضعا إجتماعيا. مما يثني المرأة عن المغامرة بمعارضة مفتوحة، حيث يصبح التشجيع على التمرد بوجه الخضوع دعوة للمخاطرة بالإرتماء بأحضان الدعارة خاصة وان البغاء أصبح ظاهرة واسعة الإنتشار في العاصمة.

تخلص الدراسة للقول أن العنف ضد النساء لم يكن في يوم من الأيام مسألة مقلقة لأحد، لكن عندما طال عناصر النظام الأبوي والسياسي كان لا بد ان يلقى مواجهة. حينها أصبح هتك أعراض النساء وقتلهن موضوعات تستعمل لمحاربة الإسلاميين وأصبح اعتبار الضحايا شهداء "القضية". فزواج المتعة الذي إستعمله الإسلاميون، والذي يغلّف الإغتصاب، يتعرض "لشرف" الرجال. في البداية لم يتم التوقف عنده كثيرا ولم يشكل موضوع إحتجاج شديد من قبلهم الى حين إتسعت دائرة الخطف والإغتصاب والقتل. فقد أصبح يُنظر للمرأة كموضوع حقوق من اليوم الذي لم تعد وحدها ضحية العنف الذي بدأ يطال كل الفئات الإجتماعية بما فيها الأطفال والشيوخ، أي الفئات ذات الطابع "المحرم" في المقاييس الإجتماعية. عندها بدأ المجتمع يتلمس كيف أن عبادة القوة والرجولية والتشدد الأخلاقي السطحي التي حازت طويلا على تواطؤ مختلف الأطراف قد تعدت الحدود المحتملة لنطاق أوسع.

العنف الموجه ضد المرأة والناشئة في المجتمع الخليجي

يرزح المجتمع الخليجي بكامله وإن بدرجات مختلفة تحت كابوس الكبت والتزمت وأشكال القمع البدائية. ذلك بشكل أساسي على أساس التشريع والدين الذي يُستعمل بشكل لا يترك غالبا مجالا لأي هامش من الحرية والتعبير عن النفس إلا بأشكال ملتوية. فالإمتزاج بالثقافات الغربية لم يحصل إلا حديثا وبشكل سطحي، على أرضية من التركيبة العشائرية القوية  ومن التزمت الديني وفق قراءة سلفية مختزلة. كما ويلجأ أصحاب التشريع والمتنفذين في أعلى هرم السلطة  الى الإستقاء من الحديث والقرآن بما يتناسب مع مواقفهم الضيقة الأفق ومصالحهم الإجتماعية السياسية. وهم لا يتورعون عن إجتزاء الآيات أحيانا وإضفاء معان عليها بما يكرس الإيديولوجية الذكورية.

تأتي الأسرة لتعيد إنتاج هذه العلاقات والقيم من خلال التمييز بين الجنسين ولتقوم بعمليات التنشئة والتطويع الإجتماعية في جو تعصف به التناقضات والمشاكل البنوية الخانقة. فيصبح الإنسان مصنوعا بدل أن يكون صانعا لمصيره ضمن آليات الرقابة والضغط الشديدتين. ويزداد الضياع بمقدار ما يفقد المرء القدرة على نقد الحاجات والأهداف التي تغرسها الأنظمة والبنى السياسية والإقتصادية والدينية التي تكبح الأمل بالتغيير الديمقراطي. تتم بعض عمليات تصريف وتحويل القمع بجعل الإثراء والتنعم الإستهلاكي من الأهداف الأساسية وتضخيم الرغبات وتوليد حاجات متجددة عبر الإغراءات التي توفرها هذه المجتمعات الحديثة الثراء. فتجد غريزة المتعة ومبدأ اللذة فرصتهما للإنطلاق والتعويض، بما يكثر من مظاهر الشذوذ الجنسي والمسلكي خاصة عند الناشئة التي تبحث عن نفسها بالهرب الى عالم ليس له علاقة بعالمها المعاش.

إن الفصل التعسفي بين الجنسين والكبت الجنسي الشديد في مجتمع  أفراده بصلة مباشرة مع اشكال متعددة للاختلاط عبر السفر ومتابعة احدث تقنيات الإتصال، من شأنه أن يخلق عدوانية قوية ناجمة عن التناقض بين وعي العالم المعاش وطريقة عيشه. وبدلا من ان توجه هذه العدوانية بإتجاه السلطات الدينية والسياسية المسؤولة عن هذا الوضع تحوّل بإتجاه كبش محرقة، كما يمكن ان تنعكس في الوقت عينه على الذات وعلى المقرّبين. إنها غالبا ما تجد متنفسا لها عبر سلوكات أكثر ما تكون سادية ضد جماعات ليست من ذات الطبيعة العرقية أو الثقافية تلصق بها صفات سلبية. يتركز ذلك إجمالا على كل الضعفاء في السلم الاجتماعي (25) وبخاصة المستخدمين الآسيويين الذين يشكلون حقل ممارسة الحرام بالقوة.

يرى باحثون أن القيم والأفكار والمثل والأخلاق والعادات والتقاليد تختلف من مكان وزمان لآخر وتتأثر بالظروف الإجتماعية والحالة الإقتصادية التي تحددها علاقات الإنتاج السائدة في كل من هذه المجتمعات. فتلقى أفكار التيار السلفي المحافظ رواجا رسميا وشعبيا أكثر في المجتمعات المغلقة التي تتميز أوضاعها بالتخلف أكان إقتصاديا ام سياسيا واجتماعيا وثقافيا (26).

أرسلت لي من الإمارات العربية الباحثة زينة العربي (27) تقول "إن موضوع العنف الذي يمارس على الفئات المستضعفة في المجتمع الخليجي بلغ حدا كبيرا. لكن ما من أحد يجرؤ على التحدث بذلك بسبب الإنغلاق التام والعقوبات المشددة التي يتعرض لها من يحاول التفوه بشئ من هذا القبيل. فالمخابرات كما يتداوله البعض تنفق أموالا طائلة للسيطرة على الوضع بحيث يعتري الخوف الجميع من التطرق لما يمس "سمعة البلد". فلا يطمئن الناس لبعضهم ولا يجرؤون على إنتقاد أي شئ ويدّعون أن هناك سماعات مخفية للتنصت عليهم.

أما عن وضع المرأة، فهي ترزح بشدة تحت عبء التقاليد ومجتمع الرجال المنفصل بشكل شبه تام عن مجتمع النساء. قلما نجد مثلا إمرأة برفقة رجل في الأماكن العامة التي يرتادها الرجال بمفردهم، ونادرا ما تركب الزوجة في السيارة قرب زوجها ولا تجلس في المقعد الخلفي. وبالرغم من أن الدعارة في أوجها بوجود أجنبيات، يمكن ان يعتبر مد يد زوج على كتف زوجته في الشارع أو السيارة عملا  فاضحا.

إن المرأة الإماراتية إجمالا بسيطة وطيبة حيث لا يتجاوز عمر التحضر في الإمارات لاغلبية المواطنين أكثر من ثلاثين سنة. مما يعني أن الكثيرات من اللواتي ولدن تحت الخيام ما زلن حيّات. النساء في غالبيتهن مسيّرات، والعادات والتقاليد والدين مرجعهن في الحياة. فهناك من يفكر عنهن ويصوغ لهن النهج المفروض إتباعه. ومن لا يعجبها ذلك تحاول ان تجد متنفسا لها بالطريقة  التي تراها مناسبة.

تختلف أوضاع المرأة نسبيا بإختلاف العمر: من هن فوق الخمسين يتمسكن تمسكا تاما بالتقاليد دون نقاش. جيل الأربعين والثلاثين يبقى أكثر إعتدالا وإنفتاحا، لكن بشكل نسبي بحيث يراعي التراث الثقافي والتقاليد كي لا يحارب إجتماعيا. فالرجل لا يساند المرأة إلا شكليا بما لا يعرّض مملكة رجولته. فهن قد يقمن بنشاطات خيرية وثقافية لكن بعموميات ويبتعدن عما يعتبرخصوصيات وضع.

أما الجيل العشريني فتظهر إزدواجيته واضحة حيث يبدو كمن تعب من التناقضات بين ما يحياه من واقع وما يراه بسبب ما يوفره النفط من إمكانيات سفر ودراسة في الخارج وغيره. والفتاة عليها أن تختار بين الزواج في سن مبكر من فارس أحلام أهلها أو إكمال الدراسة إن لم تكن على قسط وافر من الجمال. يتم التفاوض عليها بين عائلة أبيها وعائلة طالب يدها. وتتم المقايضة حسب أصول مرعية ودون الأخذ برأيها حيث تبقى الفتاة صامتة تترك غيرها يحدد مصيرها". غالبا تبقى بدون زواج الفتاة  المتعلمة والتي تعمل بسبب عزوف الشباب عن الزواج من جامعيات حيث باعتقادهم أنه يصعب السيطرة عليهن. فالرجل يحترم المرأة المثقفة كصديقة وزميلة عمل ولكنه عند الزواج يختار إمرأة أقل علما حيث أن الشهادة الجامعية تعني قدرة أكبر على النقاش (28). فما يحصل أحيانا هو أن تتزوج الفتاة أولا ثم تدرس فيما بعد إذا سمح لها الزوج بذلك. لكن العمل بعد الزواج نادر حيث تظهر إحصائية جديدة أن نسبة العاملات من إجمالي المتعلمات لا يتعدى 6%.

إن هذا من اسباب المشكلة المستجدة والمتفاقمة التي بدأ يعاني منها المجتمع الخليجي ويبحث لها عن حل، وهي ظاهرة عنوسة البنات المواطنات. "فالعنوسة هي تحالف ظروف أسرية وإجتماعية وشخصية تقمع رغبة الفتاة في الزواج (...). والحكم بالعنوسة يبدأ مبكرا جدا على الفتاة الخليجية لأن سن الزواج الحالية تقارن بسن الزواج في الماضي حيث كانت الفتاة تتزوج في الرابعة عشرة او الخامسة عشرة. أما اليوم فان بلوغ الفتاة سن الخامسة والعشرين يضمها فورا الى طابور العوانس. وهذا يشكل ضغطا نفسيا رهيبا على الفتاة التي تبدأ رحلة القلق والتوتر بمجرد بلوغها الثامنة عشرة.." (29).

هناك أسباب عدة للعنوسة منها : ديمغرافية ككثرة تعداد الإناث نسبة للذكور، وإقتصادية من إرتفاع كلفة تكوين الأسرة والمهور ومصاريف الزواج و"لأن طلبات الزوجة المواطنة تفوق بكثير طلبات المرأة الوافدة"، يضاف لذلك أسبابا إجتماعية مثل "إمتناع نفر من الشباب عن الزواج إكتفاء بالمتع الحرام المتاحة"، وبفعل التقاليد ومقاييس الحسب والنسب  "يتم حجز البنت لقريب معين كإبن العم أو إبن الخال بحجة أن القريب أولى بها من الغريب، وقد يعرض عنها هذا القريب ويفوت عليها الزواج بالغريب" (30).

إن كانت العنوسة من أسباب تشجيع الدين لتعدد الزوجات، فالرجل يثبت "فحولته" كلما أكثر من الزوجات. وحالما تسمح إمكاناته المادية بذلك يقوم بتكبير عائلته ويقيم عرسا فخما. لضمان مستقبل الزوجة- التي قد يليها زوجات- بشكل أفضل، يتم رفع المهر. ونظرا لإرتفاع الأسعار وعدم قدرة المواطن على القيام بما يلزم في حال تعدد الزوجات، أقر الشيخ زايد مرسوما هذا العام يقضي بإقامة حفل العرس يوما واحدا بدلا من أسبوع، كما وحدد المهر بخمسين ألف درهم مقدم ومثله مؤخر، (أي ما يعادل حوالي ثلاثة وعشرين ألف دولار)، ومنع ذبح أكثر من سبعة جمال. طبعا عند الأغنياء يتم  التعويض عن محدودية المهر بشراء المجوهرات التي أحيانا قليلا ما نجد مثيلا لها وحيث يكون حفل الزفاف للإستعراض أكثر منه للفرح.

هناك أشكال مختلفة للزواج وتعدد الزوجات كزواج المسيار الذي تكتب عنه الجرائد في السعودية هذه الأيام بين مؤيد ومعارض. وهو زواج متعة بمعنى أنه زواج مؤقت يتم خلال سفر الرجل للخارج، بحيث تأخذ مواقعته للنساء طابعا شرعيا على الأقل من وجهة نظر شيعية جعفرية. إنه لا يفترض مهرا بل أجرة يدفعها الرجل مقدما. وليس على الرجل الإلتزام بالأطفال الناتجين عن هذه العلاقة.

توجد زيجات أخرى على طريقة زواج المسيار، حيث يتم توثيق الزواج في الجهات الرسمية بعد موافقة الأطراف المعنية وحضور ولي الزوجة وعقد القران في حضور شاهدين. في هذا النوع من الزواج تتنازل الزوجة عن حقها في إنفاق زوجها عليها ويتنازل هو عن حقه في مبيت زوجته بمنزله. أي أنها تستقر في بيتها مع أولادها أو مع أسرتها ويلتقي هو بها يوميا أو كل عدة أيام. وقد يعود ذلك لظروف إجتماعية معينة تمر بالزوجة كأن تكون أرملة أو مطلقة ومعها أولاد تريد أن تتفرغ لتربيتهم (31).

أما الفئات غير الميسورة فتعاني من مشاكل الطلاق أكثر منه من تعدد الزوجات. لقد أظهرت دراسة ميدانية أجراها صندوق الزواج "أن 90% من حالات الطلاق سببها الإسراف في تكاليف الزواج. مما يضطر معظم الشبان الى الإستدانة من البنوك، طالما أنها الوسيلة الوحيدة. ولا تكاد تمر الشهور حتى يجد نفسه قد سقط في دوامة لا تنتهي من الأزمات المالية التي تحيل حياته الى جحيم. ويختار الطريق الأسهل الذي هو الطلاق وسيلة للفكاك من أسر الديون" (32).

يتم تبرير عدم إلغاء تعدد الزوجات على أساس أن المجتمع الإماراتي محتاج لمعالجة الخلل في تركيب نسبة أعداد السكان الأصليين مقابل الوافدين، حيث يشكل عدد أفراد المواطنين تقريبا ثلث تعداد السكان الإجمالي. خلال شهر رمضان تستدعى داعيات عربيات تلقي على النساء محاضرات تتحدث فيها عن إغراءات الدنيا الآخرة وما ينتظر المؤمن في الفردوس مطالبة بالتقوى وممارسة العبادات لنيل الجنة بما فيها من القصور والذهب والخمر المحرم عليهن في دنياهن. فتحارب مناهضة التعددية بالقول أنه لا يمكن للمرأة أن تعترض على التعدد طالما كان زوجها قادرا على الإنفاق عليها وعلى أولادها، وتبرر حق الرجل بالزواج إن رضيت زوجته أم لا. 

لقد حصلت نتيجة التعددية محاولات قتل أزواج على يد زوجاتهم حيث أن الزواج بهذا الشكل يمكن ان يكون طامة كبرى على الزوجات والأولاد الذين يفقدون الإهتمام والرعاية الكافيين. ففي مطلع العام 98 تم  إعدام  مواطنتين في دولة الإمارات بتهمتهما بقتل زوجيهما. وسبب الجريمتين كان  ظهور شبح الزوجة الثانية في حياة رجليهما.

بالطبع، لا تنحصر اسباب العنف النسوي في تعدد الزوجات وهناك حوادث وسلوكات رد فعلية متنوعة. فقطاع من النساء يلجأن لنفس اسلوب الفحولة الرجالية لرفع الظلم الواقع عليهن من خلال دائرة الأسرة التي يعتبرنها فضاؤهن الخاص بهن. كذلك جهلهن بالمبادئ التربوية في التنشئة يجعل من الأطفال حقل تجارب وتصريف ما يترك شروخا في بناء شخصيتهم.

هنالك من يعتبر أن المرأة الخليجية قوية وليست أبدا كما تبدو ظاهريا،  لها السطوة والكلمة الأولى في البيت وإذا قررت شيئا لابد وأن ينفذ. فالزوج لا يجرؤ على مخالفتها، كما لا يهمها اين يذهب وبما يتسلى لأنها بنفس الوقت تسلي نفسها. وكثيرة الحوادث التي يرى الزوج إمرأته مع أحد خدمه أو حتى مواطنين ورد فعله أحيانا ما يكون بتهديد الغريم بالإتصال بالشرطة إذا أعاد الكرة.

من جهتها، تعزي الدكتورة فاطمة الصايغ مدرّسة التاريخ في جامعة الإمارات الصورة السلبية للمرأة الخليجية لوسائل الإعلام الغربية "التي تستهدف إخفاء الحقائق وإظهار الجانب اللاحضاري وتسليط الضوء على السلبيات، بروح لاعلمية ومتحيزة". وهي تعتبر "ان المرأة في الخليج وعلى مدى الثلاثة عقود الماضية قد قطعت شوطا طويلا في مجال التعليم والعمل ولعبت دورا مهما في حركة التنمية الإجتماعية دون ضجيج او زخم إعلامي محلي. وقد نالت المرأة حقوقا كثيرة وحققت مكتسبات كبيرة في مدة قياسية من عمر الزمن(…) إن المرأة في الخليج لم تدخل كالمرأة الغربية في معارك طاحنة من أجل نيل حقوقها، فقد أعطاها المجتمع إياها مدركا أنها نصف المجتمع، وهذا ما يؤكد زيف الإعلام الغربي والذي حاول جاهدا أن يصور أن المرأة في الخليج هي كمّاً مهملا مسلوب الإرادة والحقوق" (33).

تقول الباحثة زينة العربي عن المرأة المتعلمة التي عاشت في الخارج وخبرت حياة أخرى أنها تتقمص بسرعة الشخصية التي يفرضها عليها المجتمع الخليجي، معتبرة سلوكها هذا طبيعيا كي لا تعيش منبوذة بين أهلها. لكن قد تحاول بالمقابل أن تحقق رغباتها على طريقتها دون الجهر بأفكارها. وكما تشيع في الجزيرة العربية (السعودية) مشكلة التشهير بالنساء التقدميات ويصل الأمر الى توزيع مناشير تحذر من مخالطتهن، ليس من الغريب في الامارات نشر شائعات عن كاتبة او مدرسة تقدمية ونصح النساء بالابتعاد عنها. لقد انتهى أمر اكثر من اسم نسائي بالاقالة من العمل أو بالانتقال الى مدينة أخرى.

 وهي تعتقد أن المتعلمات اللواتي تحتك  بهن لا يشكلن بالضرورة طبقة إنتلجنسيا لها فكرها الحر والمتطور. هن أفضل من العوام قليلا لكن الفاعلات بينهن قلة. وحتى الآن ولعدم تبلور المعاناة بسبب الوفرة الإقتصادية لم يبرز التذمر من الوضع الإجتماعي إلى السطح بشكل كاف لتحريكه. لكن سيحين الوقت الذي ستتفجر فيه التراكمات والتناقضات بشكل خطير.

تنجب المرأة الخليجية كثيرا من الأولاد نزولا عند رغبة الرجل وإعتقادا منها أن ذلك يحميها من الضرّة. ثم أنها تزداد شأنا كلما إزداد عدد أولادها (فهو يسطو عليها في شبابها وهي تسطو عليه في شيخوخته وتنتقم عبر أولادها لما عانته منه، مما يعطيه بالمقابل مجالا للبحث عن زوجة جديدة وشابة). لقد أصبح الزواج والطلاق بتزايد مستمر حيث غالبا ما يتم الطلاق بطلب من الرجل وخاصة بعد أن يزيد عدد زوجاته عن الأربعة. كثيرا ما تتم عملية تكرار تزويج الزوج على يد إحدى زوجاته بإختيارها أو مرغمة.

أما المرأة التي تطلب الطلاق فيجب أن تبرر ذلك حسب الشرع، أي أن تثبت مرضه أو عدم معاشرته لها جنسيا أو عقمه وعدم قدرته على الإنجاب. ويبدو جليا ان الحياة الزوجية منحلة ومفككة من الداخل رغم الأطر الإجتماعية التي تكبلها. فالعيب هو في أن يصل لمسمع الآخرين ما يحدث داخل الأسرة  وليس في ما يحدث والمهم التكتم على الفضائح والعمل لأن تبقى مستورة. أما الإنفصال فهو موجود كواقع في بيت الزوجية حيث يعيش النساء في قسم منه والرجال في قسم آخر، ويتم إلحاق الصبيان بقسم الرجال في عمر مبكر. ليس بالضرورة أن تكون العائلة غنية كي تملك فيلا تتسع لهذه التقسيمات، فالعائلات المتوسطة تحيا هذا الإنفصال. وكقاعدة عامة تملك أغلبية الرجال شققا ثانوية غير بيت الزوجية.

داخل مجتمع النساء هذا تقضي المرأة وقتها بما تجد فيه متنفسا  لها بغياب الرجل عن البيت. وما يسترعي الإنتباه هو إهتمام هذا المجتمع بعالم السحر والخرافات وذلك بتأثير من الحضارات الهندية والفارسية وكذلك من المغرب.

بما يخص وضع "حبيسات القصور"، يمكن القول بإيجاز أنه يحرّم على الشيخات الزواج من غير عائلات الشيوخ حتى ولو بقين عانسات طوال عمرهن. كما يحرّم على  الشيخة طلب الطلاق لأي سبب كان والزواج ثانية حتى ولو هجرها زوجها أو ترملت وهي في ريعان شبابها، او لو لم يعاشرها البتة او ينجبا أطفالا. بينما يحق للشيخ الزواج حتى من أجنبية ومن أي نسب يختاره بشرط أن تكون إحدى زوجاته مواطنة. فتبقى بنات الشيوخ تنتظر دورهن ليتقدم أحد من أبناء الشيوخ بطلب يدهن. كذلك تمنعن من الخروج سافرات كي لا يراهن الرجال، كما ويمنع عليهن إرتياد الأماكن العامة برغم إستعمال البرقع  (34). لا يجوز أيضا نشر صورهن في الجرائد أو أي مكان آخر. ولا تسمى الشيخات بإسمائهن، فهن فقط كريمة فلان أو حرم  فلان. إنهن عادة قليلات الكلام ومطيعات، يتنافس المتزوجات منهن لدى الحماة التي يجب أن لا تغضب على واحدتهن كي لا تزوج إبنها بغيرها وتعزل سيئة الطالع بعيدا عن القصر بدون أولادها، تتسلم مصروفها بإذن القصر وتحيا وحيدة برهن أوامر الشيخ الكبير.

أما فيما يخص الجيل الجديد فهو ضائع لا يعرف أين يجد قدوته أفي فتاوي الأزهر أم في الخروج عن ذلك الى جو التطرف الآخر وضرب العادات والتقاليد عرض الحائط. ما يسترعي الإنتباه فيه هو العصبية الحادة والإستعداد للدخول في مشاجرات عنيفة وبوحشية لأتفه الأسباب. لقد أفاق جيل المراهقات على حياة الترف والإستهلاك محاولا ان يستخدم الإزدواجية في التصرف لصالحه. ففي المرحلة الإعدادية تستغل الفتاة كل ما لديها من إمكانيات لإرضاء رغباتها قبل الزواج. لديها كل ما يلزم من المال ووسائل الإتصال وغيره لتحقيق ذلك. تحمل هاتفها النقال في كل مكان ولديها الكومبيوتر الذي يسمح لها بالإتصال بالأنترنيت تمضي وراءه ساعات لا يعرف أهلها بما تتسلى رغم المراقبة الدائمة من النساء والسائق.

أما من ناحية علاقتها بوالديها فيمكن القول ان العلاقة بين الفتاة ووالدها ليست إجمالا كما يجب ان تكون. فهي تتستر بعباءتها بحضرته وكأنه غريب ترهبه. وللأسف تبقى المسافة بينهما كبيرة خاصة عندما لا يتواجد مع عائلته بإستمرار. علاقتها بوالدتها ليست أفضل من ذلك بكثير حيث ما من مجال للحوار والتفاهم معها في أكثر الأحيان. غالبا ما يردّ ذلك للمسؤوليات التي توضع على عاتق المرأة في جو من الكبت والجهل والهرب للأمام والتعويض بالتسوق والزيارات.

إن الضغوط الإجتماعية الشديدة على الفتيات بالأخص وفقدانهن الحب والتفهم من قبل أسرهن تظهر لديهن أشكالا عنفية عديدة في السلوك. فقد أبدت دراسة ، وهي الأولى من نوعها، أجرتها الدكتورة يسرية أمين أستاذة الطب النفسي في دبي أن حوادث انتحار الفتيات في الدولة تبلغ ثلاثة أضعاف حالات الإنتحار عند الشباب. شمل البحث 82 حالة قمن بمحاولة إنتحار من دبي ورأس الخيمة  تراوحت أعمارهن بين 15 و24 سنة، معظمن عازبات ولم تكن تلك المحاولة الأولى لحوالي ربع عددهن. تطالب الباحثة "بصمامات أمان في شكل هامش من الحرية وبعض الأنشطة الإجتماعية وقدر من الثقة بالبنت وإشعارها بأنها محبوبة" (35).

تقول سوسن إستيتية باحثة وخبيرة تثقيف "إن البنت في هذا المجتمع تركيبة مظلومة (…)وتربية البنات في مجتمع الإمارات بكل معطياته تجربة صعبة(…) كيف ندرب الأمهات والمدرسات والاخصائيات لتقبل عنفوان تلك المرحلة بأفكارها وتغييراتها البيولوجية والنفسية ؟ للأسف أعترف لقد فشلنا في التحاور مع الفتيات(…) إن الفجوة اليوم بيننا وبين فتياتنا أصبحت عميقة حتى ولو لم يفصلنا عنهن إلا سنوات بسيطة. فالتقدم جعل الحياة سريعة، والشاب يتحدث عن ضغوطه النفسية والفتاة تصمت فيحدث الإنفجار. ففي هذا المجتمع تخاف البنت من أخيها وتفعل كل شئ من وراء ظهره(…)  وقد حان الوقت لنرفع شعار "أخي كن صديقي" (…) لقد سمعنا عن قصص الحب التي إكتشف بعدها الشاب ان من يغازلها هي أخته او زوجة أخيه…" (36).

تبدو تصرفات الفتيات غريبة تصدم من يراقبها عن كثب وتشعره بأنهن ممتلئات بالحقد ويهوين الإنتقام من الرجال ومن المجتمع ومن العادات في أقل فرصة تعطى لهن للتعبير عن أنفسهن، وكأنهن جاهزات للتحلل من تربيتهن كردة فعل. إن الشغب في مدارس البنين يبدو شيئا مقبولا بكل أشكاله وأنواعه ووسائل ممارسته، بينما يظل شغب الفتيات هاجسا مقلقا لإدارات المدارس. تقول الاخصائية الإجتماعية في مدرسة بالشارقة عائشة مسعود " أن الطالبة التي تأتي بمثل هذه التصرفات ليست بالضرورة دائما مشاغبة بل أحيانا طالبة هادئة في البيت ومنزوية على نفسها. لكن ما أن تطأ قدماها المدرسة حتى تتحول الى شخصية أخرى وتتصرف بشكل غير لائق، وقد يكون نوعا من التنفيس عن الضغوط النفسية التي تعاني منها في البيت سواء كان هذا الضغط من الوالدين او الأخ الأكبر. وقد تكون ضغوطا بسبب الأحوال المادية السيئة التي تعيشها مما يدفعها لأن تتظاهر بالثراء أمام الطالبات وهذا قد يدفعها لان تمد يدها الى ممتلكات زميلاتها…" (37).

إن العقاب الجسدي في هذه المجتمعات غيرممنوع، وتمتعض المعلمات عند توجيه ملاحظة لهن لتخفيف هذه العقوبات. وكثيرا مايتذمرن  من عدم قدرتهن على السيطرة التامة على البنات بسبب ليونة العقاب. في المباني السكنية الجامعية للإناث تحصل حوادث كثيرة من بينها محاولات الإنتحار التي تطمس معالمها ولا يسمح لأحد بذكرها. يجدر القول أن جامعات البنات التي تضطر لإستخدام مدرسين تحتاط بفصل الجنسين كاملا بحيث يتم إعطاء الدرس من وراء حاجز لا يسمح برؤية ظل المدرّس.

نأخذ كمثل جامعة العين للبنات في الإمارات ومدينتها الجامعية السكنية المعزولة خارج مدينة العين التي يمكن تسميتها بكل معنى الكلمة بـ " الحبس الجامعي "، كما تصفها زينة العربي إثر زيارتها لها. أسوارها شاهقة تعلوها أسلاك شائكة ونوافذ الغرف التي تطل على مدخل الحرم الجامعي مغلقة كلها بإطارات حديدية لايتسنى فتحها. عند بابها الخارجي تقف الحارسات والجنديات كما عند مدخل ثكنة عسكرية ويتم نقل الفتيات بالباصات المحروسة بمجموعة مشرفات إلى بناء الدراسة، حيث لا يصادف وجود اي مخلوق ذكر بعد دخول السور. تخرج الفتيات بتصريح خطي يتجدد إسبوعيا من أولياء أمورهن. تحت المراقبة يتم نقلهن بالباصات إلى حيث يستلمهن أهاليهن أو يتم تسليمهن عند البوابة الخارجية للأب. لا تستطيع الأم إصطحاب إبنتها إن لم تكن تحمل توكيلا خطيا من زوجها بذلك. لقد ورد في شهادة إحدى الفتيات التي إعتادت أن تأتيها أمها مع السائق إسبوعيا لأخذها أنها بقيت مرة شهرا كاملا حبيسة الجدران لأن أباها سافر فجأة ونسي كتابة التصاريح. ولم تفلح جهود إبن عمها ولا خالاتها وأزواجهن بفك أسرها.

تستغل البنات خروجهن في الإجازات للتنفيس عن حرمانهن وللتزود بكل الممنوعات والمحرمات في السكن. فهن يقمن بتهريب أجهزة الفيديو وشرائط البورنو والصور والكتب الجنسية والسجائر وورق اللعب والمشروبات وأجهزة الهاتف النقال وحبوب المتعة. وعادة  يخفين هذه الأشياء عن بعضهن كي لا تتم مصادرتها عند إكتشافها. يتم التفتيش حال دخول الطالبة عند الباب. لذلك فهن يتفنن بطرق التهريب والإخفاء ضمن عباءآتهن وبين أغراضهن. لا ينجو حائط في المبنى من رسومات بذيئة وداعرة تقوم البنات بحفرها تعبيرا عن قمعهن الجنسي. وغالبا ما يتم تشكيل عصابات فيما بينهن والقوية تسطو على الضعيفة التي تكون غالبا من تمارس معها شذوذها.

حسب شهادة طالبة، قلما تنجو فتاة من مداهمات الشاذات، حيث يدخلن في الليل ويهاجمن البنات أثناء نومهن. ومن الحركات العادية عصر الأثداء وقرص المؤخرة عدا التفوه بكلمات نابية لا تخلو من التلميح للجنس. تحلم  الفتيات باللحظة التي يتم فيها زفافهن، ولطالما لطخن بالكاتشب والألوان الحمراء الأوراق وعلقنها على الجدران رمزا لليلة الدخلة. هذا مع العلم أن بعضهن يصرّفن كبتهن عن طريق الخدم والسائقين منذ بداية مراهقتهن.

تمت في دبي تجربة أسميت بـ"الخط الساخن" قامت بها جمعية رعاية وتوعية الأحداث. وقد صرح أمين سرها انه "بعد مرور 15 يوما فقط على بدء التجربة وصل عدد الإتصالات الهاتفية الى 125 إتصالا تطرح مشكلات إجتماعية متعددة : 75 % منها مشكلات فعلية وخطيرة ويمثل المواطنون 76 % من نسبة المتصلين(…) وبدراسة متأنية تبين أن 80% من تلك الحالات بدأت مع التفكك الأسري الذي أدى لسوء التكيف الدراسي ومع عدم دراية بعض أولياء الأمور بأساليب التربية والتعامل مع النشء خصوصا المراهقين…" (38).

يقول مدرس علم النفس التربوي بجامعة الإمارات، الدكتور أحمد عبد العزيز النجار " أن هناك متغيرات إجتماعية وإقتصادية طرأت على الحياة الأسرية بالمجتمع وأفرزت أوضاعا إجتماعية تدفع بالأحداث للإنسياق في أنماط سلوكية إنحرافية (…) ترضي لديهم نزوة تأكيد الذات الفردية والميل للحصول على الإعتراف والتقدير من قبل الأقران في ظل غياب كامل للدور الرقابي الأسري والتربوي (…). فطغيان العامل المادي والرغبة الجامحة في الكسب والثراء جعلت رب الأسرة لا يلقي بالا ولا إهتماما لأهمية الدور التربوي والإجتماعي له تجاه أبنائه وزوجته، كما ان أجواء الأمان والثراء التي نشأ فيها جيل اليوم جعلته محاطا بكافة أنواع الرعاية المادية وأضعفت في داخله قيم العمل والإنتاج والإبتكار" (39).

إن الآفات التي تتهدد هذه المجتمعات كثيرة وخاصة على الأجيال التي تعهد تنشئتها لأسر غير مؤهلة لذلك. وكثيرا ما أصبحت  تتداول الجرائد المشاكل الناجمة عن تعاطي المخدرات التي يتم التطرق لها في مجلس التعاون الخليجي، حيث أن 50 % من المدمنين هم من الشباب ما دون السابعة عشرة. فحسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية في الكويت تبين أنه بين 1956 حالة وفاة عرضت على الطب الشرعي عام 97 كان 1090 بسبب تعاطي جرعات زائدة من المخدرات.

يقول مدير إدارة المخدرات بوزارة الداخلية في أبو ظبي بأن "الوفيات الناجمة عن الإدمان غالبيتها من المواطنين حيث في السنتين الماضيتين ضبطت 125 حالة وفاة كان منهما حالتين فقط لأجانب. ويؤم المصحات لمعالجة الإدمان سنويا معدل مئتي مواطن (…) المدمنون يزدادون يوما بعد يوم لأنه مازالت القضية مستترة بالنسبة لنا، حتى المستشفيات أعطاها القانون الحق في التستر في حالات علاج المدمنين…"(40).

أما فيما يخص السعودية، يقر قائد عام شرطة دبي بأن المملكة تعاني جدا من مشاكل الإدمان، حيث أتاه مسؤول مستشفى الأمل بالسعودية (وهي من المشافي الكبرى) وطلب الإطلاع والتزود بالدراسات الخاصة بمراكز التأهيل المقامة في الإمارات لمكافحة الإدمان لكي يتم تطبيقها في السعودية (41). أما في الشارقة فقد تمّ قبل فترة ضبط مخزن كبير لتصنيع المخدر (42).

علاوة على هذه المشاكل التي تعصف بهذا المجتمع، ليس للأسف من يهتم فعلا بمعالجة المرضى النفسيين الذين لا يعلم أحد مدى معاناتهم إلا إذا صدرت منهم ردود فعل عنيفة كالقتل والإنتحار وغيره. فالمشاكل يتم تحميل مسؤوليتها عادة للمرأة حيث تتهم بالإنصراف عن تربية الأبناء وإيكال هذه المهمة للخادمات. إن أسهل الأمور وضع الملامة على الجنس الأضعف طمعا بعجزه عن الرد والدفاع عن نفسه كما يجب.

في ندوة أقيمت حول تهدد الوضع الأسري في الخليج يستعرض الشيخ خالد مبارك المنديل قاضي الأحوال الشخصية بالكويت إحصائية بالقول: " هناك 1919 طفلا مشردا بسبب الطلاق في عام 94 بالكويت ". ونسبة الطلاق في الكويت البالغة هذا العام  35 % قد تجاوزتها الإمارات لنسبة أعلى بلغت  46%(43).

كذلك هناك أعداد هائلة من الأولاد المتبنين والأيتام في الخليج لا تنسجم أبدا نسبتها مع نسبة تعداد السكان الأصليين. ويوجد نسل ناتج عن علاقات الرجال، أزواجا أو أبناء، مع "عشيقاتهم" الآسيويات وغيرهن من الأجنبيات. ففي العائلات الميسورة، عادة ما يضم الطفل الى بقية أفراد العائلة. أما إذا كانت العائلة محدودة الدخل وأقل من المستوى الوسط يعهد بالطفل الى دور الأيتام المنتشرة ضمن المستشفيات أو المجمعات الخاصة بذلك.

ما هي مكانة الأولاد الذين هم حصيلة هذه العلاقات ؟ تبدو النظرة التي يلقيها عليهم المجتمع غير مختلفة كثيرا عن نظرته لأمهم الآسيوية، أي الدونية والإحتقار. مما ينتج بدوره مشاكل نفسية وإجتماعية عند هؤلاء الأطفال. نعطي مثالا على ذلك هذه الحالة العينية التي نقتطعها شبه كاملة من جريدة الخليج نظرا لأهميتها ولما تنضح به من عبر حول هذا النوع من الحالات (44). تحت عنوان "جعلوني مجرما" يقول نزيل دار إعادة تأهيل الأحداث في رأس الخيمة ما يلي:

"عندما كنت خارج السجن رفض الجميع التقرب مني لأني ابن الآسيوية، وعندما ضاع مستقبلي وكرهت دنياي، تهافت الجميع على زيارتي ولكن بعد أن فات الأوان (…) شاب مواطن من أبناء دولتنا الفتية أراد الهروب من تكاليف الزواج الغالية، فوجد ضالته المنشودة في فتاة آسيوية هي الآن أمي.

وبعد أن كبرت قليلا حاولت التقرب من أبناء الجيران، لكني لاحظت نفورهم مني، لم أفهم سببا لذلك، لكني إكتفيت باللعب مع أخوتي.. ودخلت المدرسة، وتكررت المأساة لا أحد يرغب بمحادثتي، ولا أحد يقبل أن ألعب معه، الى أن سمعت تلك الكلمة التي لا يزال صداها يتردد في أذني الى الآن، حيث قال أحدهم لصاحبه عني: لا يستحق ان نكلمه، انه إبن آسيوية.. دارت بي الدنيا، عرفت الآن سبب نفور الجميع مني، هربت من المدرسة، وأنا الطالب المتفوق، هربت وإتجهت الى المنزل.. نظرت الى صورة ابي وامي المعلقة على الجدار.. تجمعت في صدري مشاعر متناقضة..كره..إشفاق..رثاء..إحتقار..حقد..حنان..لم أعرف من هو الشخص الذي سأحمله المسؤولية عما أصابني(…) نظرت الى وجهي في المرآة..ملامحي آسيوية تماما..يا ليتني لم آت لهذه الدنيا..

بعد عدة أسابيع دخلت المنزل، ووجدت أمي وقد دفنت وجهها بين كفيها، وهي تنتحب بصوت يقطع نياط القلب.. سألتها: ماذا أصابك؟ ماذا حدث؟ رفعت رأسها ونظرت إلي نظرة فهمت منها أشياء كثيرة.. فهمت أنها مظلومة، فهمت انني كل أملها بعد ان تخلى عنا شخص عزيز.

مر أسبوع ولم أر أبي، بل انه لم يكلف نفسه عناء إحضار ورقة الطلاق، ولم أحضر للمدرسة..جاءت إلي أمي..وقالت لي -وبلهجة مكسرة كعادتها: يا بني.. لا تترك المدرسة.. أرجوك فأنا أعلق كل آمالي عليك، مصاريفك اعدك انني سأتكفل بها.. نظرت اليها كرهت نفسي لأنني استعريت منها في يوم من الأيام ومضت تلك السنة، وتخرجت من المرحلة المتوسطة بإمتياز، وبينما أنا عائد الى المنزل كي أبشر أمي بنتيجتي، سمعت احدهم خلفي يقول: طبعا..يجب ان ينجح أليست أمه هي التي تصرف عليه وهو جالس في المنزل..التفت الى من قال هذه الكلمات، تطاير الشرر من عيني، وضربته ضربة أفقدته توازنه فسقط على الأرض مغشيا عليه(…) لم أحب العنف في حياتي قط، ولكنني شعرت بلذة ما بعدها لذة وأنا أضرب هذا الشخص وأفقت من سعادتي الوهمية على صوت سيارة الشرطة، وكانت المرة الأولى في حياتي التي أدخل فيها قسما للشرطة، ولكنها لم تكن الأخيرة، فقد اصبحت فيما بعد زبونا دائما، وتوالت المشاكل (…)

كونت شلة من أفسد أبناء الحي، كنا، او كنت بالأصح، اضرب كل من يعترض طريقي، كنت متسلطا للغاية، احيانا كنت أشعر بالذنب، لكني ما ألبث ان أنسى هذا الشعور كلما تذكرت تلك اللذة التي أحسها وأنا أضرب أحدهم. وذات يوم اعترض احدهم طريقي، شاب من أفسد أبناء الحي وأسوأهم خلقا، وطلب العراك معي، وتعاركنا، ومات..نعم مات..ضربته ضربا مبرحا الى أن فارق الحياة، ودخلت السجن، وعاشرت أناسا لم أرهم إلا في الأفلام العربية الرديئة، وتعلمت منهم أشياء كثيرة، أبرزها شم الغراء، وخرجت من السجن بعد مدة، وكرهت العراك مع أبناء الحي، وذهبت مع الغراء لأعيش في عالم أكثر رحابة، عالم استطاع أن يتقبلني كما أنا.. إبن الآسيوية..خريج السجون.

وتم القبض علي، وها أنا الآن، يحاولون إعادة تأهيلي، يحاولون علاجي، أنا أعرف دوائي، دوائي هو مجتمع أكثر طيبة وأكثر تسامحا، دوائي هو مجتمع يرضى بي كما أنا، دوائي هو أن أعيش وسط أناس يحبونني، فلا يعيرونني بأصل أمي او بعملها، فهل هذا المجتمع موجود، لا أعتقد، إذن أتركوني أهدم حياتي، أتركوني أدمر نفسي، فأنا لم أكن - ولم أولد لأكون - مجرما ومدمنا، بل انه المجتمع الذي أعيش فيه، هو من صنع مني مجرما ومدمنا…"

 

 

 

 

 

وضع العاملات والعمال الأجانب في الخليج

تبدو المملكة العربية السعودية من أكثر البلدان إستعانة بالعمال الأجانب (الوافدين خاصة من مصر والهند وأندونيسيا وباكستان والفلبين والصومال وسيريلنكا واليمن). بيد أن سياستها الخاصة بالعمالة الأجنبية تشكو من نقص خطير في الضمانات اللازمة لحماية حقوق العمال، حسب بيان لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" ( 45). "بما يترك آثارا بعيدة تتجاوز حدود المملكة حيث تؤثر على سياسات العمل في الدول المجاورة كما تؤدي الى الحيلولة دون صدور شكاوى من البلدان المصدرة للعمالة بما تنطوي عليه من تهديد ضمني بترحيل العمال القادمين من هذه البلدان بشكل جماعي". ويشير البيان  الى أن "الإجراء 1503" السري الذي إعتمدته الأمم المتحدة لمعالجة أوجه القصور هذه لم يسفر عن أي تحسن. تبقى المشكلة جسيمة حيث من مؤشراتها أن أكثر من نصف الذي علم أنهم أعدموا منذ عام 1990 (أكثر من 630 شخصا) كانوا من العمال الأجانب.

تكفل القوانين السعودية لأرباب العمل سلطات هائلة على العمال الأجانب، بينما تكاد لا تنص على ضمانات تسمح للعمال بالحصول على تعويضات لما يلحق بهم من إنتهاكات. ويلجأ أحيانا أرباب العمل لمصادرة جوازات سفر العاملين عندهم. وفي حال تعرضوا للتوقيف يتم ترحيلهم بإعتبارهم أجانب بدون وثائق هوية. كذلك على العامل أن يحصل من كفيله على تصريح خطي إن أراد تغيير وظيفته أو إستئجار مسكن أو السفر الى خارج المدينة مكان عمله أو البلد. فأحيانا ما يرغموا  على قبول شروط عمل تختلف عما نصت عليه العقود من : عدم السماح بالعطل، العودة الى بلدهم، عدم دفع نفقات التسفير الى البلد بحال الفصل من العمل، الإجبار على قبول أجور أدنى، عدم تقاضي رواتب لأشهر، العمل لساعات أكثر، القيام بوظائف أقل مهارة أو بأعمال سخرة، الخ.

ينطبق هذا خاصة على خادمات البيوت اللائي يتعرضن فوق ذلك للإيذاء البدني والجنسي، كما ويمكن أن يطلب منهن التعهد بعدم الحمل أو بأن لا تكون حوامل عند إستلام العمل. كجميع بنات جنسهن يمنعن أيضا من قيادة السيارة (46) ودخول بعض الأماكن العامة والقيام بتصرفات تعتبر غير أخلاقية مثل عدم إرتداء الحجاب او التواجد بصحبة رجل لا يمت لهن بصلة قرابة (جريمة الخلوة) أو السير بمفردهن. تفضي هذه القيود لعقوبات شديدة منها الجلد والسجن.

ليس من السهولة فض المنازعات أمام مكتب العمل لأنه غالبا ما يكون الوصول له صعبا بالإضافة الى أن قراراته تأتي في معظمها لصالح أرباب العمل كما أن صلاحياته لا تشمل فئات الخدم والذين يعملون بصورة غير قانونية.

يتعرض المهاجرون غير الشرعيون والذين إنقضت مدة الإقامة الممنوحة لهم والذين صدر ضدهم أمر بالإبعاد لشتى صنوف المعاملة السيئة منها الإنتظار شهورا عديدة أو سنوات قيد الإعتقال في ظروف صعبة قبل أن يتسنى لهم مغادرة البلد. أما الذين يتهمون بإرتكاب جرائم فيحالون للمحاكمة أمام محاكم عادية يمكن أن تصل أحكامها لبتر اليد أو الساق أو الإعدام بقطع الرأس. تشكو المحاكم من التمييز وعدم إصدار أحكام عادلة والتحيز لفئات ضد أخرى: المسلم على حساب غير المسلم، الرجل على حساب المرأة (47). فالجلسات تعقد سرا من غير أن يكون للمتهم الحق بتوكيل محامي أو طلب مترجم أو مسؤول من سفارة بلده. غالبا ما يكون السند الوحيد لقرار الإدانة والحكم الإعترافات التي إنتزعت خلال الإستجواب أو محضرا موقعا من دون أن يفهم الأجنبي مضمونه. ورغم إمكانية إستئناف الحكم أمام محكمة أعلى فالمحكوم عليه قد يبقى بمنأى عن المشاركة في إجراء الإستئناف وحق الدفاع والعلم بصدور الحكم، بما فيه الحكم بالإعدام.

هذا ما تؤكده منظمة العفو الدولية (48) عندما تتعرض للسجل المروع للسعودية في مجال حقوق الإنسان بالقول أن نظام العدالة الجنائية فيها موجه لخدمة قوة الدولة مع التجاهل التام لحق الأفراد في المحاكمة العادلة. وخاصة ضد الفئات الأكثر عرضة للتمييز كالنساء والفقراء وبالأخص العمال الأجانب الذين يقعون ضحية إبتزاز أصحاب العمل بشتى الطرق. فالمشتبه بهم (بمن فيهم المعارضة السياسية والدينية) يتعرضون للقبض دون إذن قضائي من قبل شرطة الأمن العام والمباحث العامة التابعتان لوزارة الداخلية، وكذلك من طرف المطوعين (49) الذين من واجبهم تسليم من يحتجزوهم بعد إستجوابهم الى شرطة الأمن العام. فهم يوقفون لفترات طويلة دون إشراف قضائي بما يسمح بالقيام بكل الإنتهاكات الجسيمة الممكنة، إنطلاقا من الحرمان التعسفي من الحرية وإنتهاءا بالتعذيب وإصدار الأحكام والعقوبات الخطيرة.

 

يودع  المحتجز السجن بإنتهاك فاضح للضمانات المقبولة دوليا (حظر القبض دون إذن قضائي، ضمان الإتصال بالعائلة والمحامي،  الحق في الطعن) (50). وحتى يمثل أمام القاضي ينتظر طويلا قبل توجيه التهمة رسميا اليه ومحاكمته. كذلك قد لا تستغرق جلسة المحكمة أكثر من بضع دقائق حيث يقتصر الدفاع على الإجابة عن أسئلة القضاة في حال رفض ما يُنسب له. إذا صدر الحكم وقبِله بدأ التنفيذ وإلا يصار لإستئنافه. لكن نظرا لعدم توافر الشروط في الإستئناف القضائي يفضل الموقوف أن يقبل العقوبة حتى وإن كانت قاسية كي لا تطول مدة الحبس ويصار لفرض عقوبة أقسى. فالإجراءات المعمول بها لا تفي بالشروط الواجب توافرها في الإستئناف المستقل الذي يكفل فحص القضية بحضور من يعنيهم الأمر.

 

أما في الإمارات العربية، فكما تورد زينة العربي، يصنّف العمال الأجانب الوافدين اليها الى ثلاث درجات:

-الأولى يحتلها الخبراء والعاملون الأمريكان والأوروبيون الذين يتميزون برواتبهم العالية وبعض التسهيلات وبإحترامهم والسماح لهم ببعض التصرفات التي لا يسمح بها للغير،

-في الدرجة الثانية يأتي الوافدون العرب من بلاد الشام وشمال افريقيا ومعظمهم مهندسين وأطباء ومدرسين وأصحاب مهن حرة . رواتبهم توازي نصف رواتب الشريحة الأولى. وكما يتم تسليط أجهزة المخابرات عليهم ومحاسبتهم على كل صغيرة وكبيرة، فالسجون ملأى بهم الى أن تتم محاكمتهم وتغريمهم وترحيلهم.

-في الدرجة الثالثة يأتي الآسيويون الذين يتميزون برواتب متدنية جدا ويقومون بالأعمال الأقل شأنا من خدم البيوت الى عمال البناء وكناسي الطرقات، وهم يرضون بالقليل من الدخل. ليس لهم وزنا إجمالا ومشاعرهم لا تعني أحدا كما وليس لديهم من مجال للتعبير عن رغباتهم أو إبداء كبريائهم كي لا تنقطع أرزاقهم. والخدم كالبضاعة يمكن إجراء حسم على سعرهم. ففي مواسم الحسومات التجارية والتنزيلات تزدهر تجارتهم نظرا لبراعة مستورديهم حيث تشمل خدمات التأجير أيضا. لكل خادمة سعرها حسب الجنسية وقوة التحمل وغيره من مواصفات (51).

رغم كثرة العمالة، ليس من قانون يحدد أيام وساعات العمل والإجازة. فحقوقهم محدودة بالراتب والإجازة السنوية. أما الشروط عليهم فهي كثيرة ولا يتم ذكرها جميعها في عقد الإستخدام. فهي تنص على أنه لا يمكن للخادم أن يترك بيت سيده إن تأذى منه دون موافقته. عادة ما يحتفظ المستخدم بوثائق سفر الخدم. وحين يهرب الخادم ملتجئا الى سفارة بلده لا تستطيع السفارة من أجله شيئا، حيث يكون الحق دائما لصالح المواطن. إن أقصى ما يمكن عمله هو ترحيله ومنعه من العودة من جديد الى البلد. لذلك، على من يأتي للعمل أن يكون مستعدا لتقبل كل الظروف بغض النظر عن إختلاف التعامل معه من بيت لآخر بإختلاف مزاج مستخدميه.

ان هذا الشكل المعاصر للعبودية يولد ظواهر متعددة للعنف الاسري والعنف بين الجماعات. فهناك أمثلة لا تحصى للجنوح الجنسي والاعتداء بالضرب والتعذيب بحق الاجانب قلما يعاقب الفاعل عليها او حتى ان تشتكي منها المعتدى عليها. وفي حين تسود حالة الطغيان بحق العمال الآسيويين يقع الأوروبيون وخاصة الأمريكان في الطرف الآخر للمعادلة. فما زالت في الاذهان صورة العسكريات الامريكيات يقدن السيارة دون حجاب اثناء حرب الخليج، في حين منع الجهاز الديني ووزير الداخلية النساء السعوديات من قيادة السيارات بأنفسهن ابان الحرب. هذه التناقضات المسلكية مولدة بالضرورة للعدوانية وتترك بصماتها في النمو المضطرب للشخصية وما ينجم عنه من تظاهرات عنفية أخرى.

أخيرا، وتوخيا للموضوعية في طرح موضوع العمال الأجانب يبقى التطرق للأشكال العنفية التي تمارس عليهم لا يفي بالغرض إن لم نتعرض للجانب الآخر من ظاهرة اللجوء للخدم الأجانب بكثرة في هذه المنطقة وما سيتركه ذلك من آثار على مستقبل الأجيال القادمة. لقد بدأ التداول في الخليج بتأثيرات الخدم على الأولاد، والمشاكل الناجمة عن كثرة الزواج بأجنبيات. فقد أصبحت الخادمة الأم البديلة التي تشرف على شؤون المنزل وتقدم شتى الطلبات لكل أفراد العائلة بحيث أصبح لديها مكانة مهمة في قلوبهم. ويحار الولد بأي لغة يتكلم لغة أمه أم لغة الخادمة التي تقضي معه معظم الوقت وتعنى به. لذلك فالناشئة تتكلم عربية ركيكة مخلوطة بألفاظ أجنبية. كثيرة القصص التي تتحدث عن الأطفال الذين ينفرون من أهلهم ويحتفظون سرا بصلبان أو رموز هندوسية او يهربون مع الخادمة ويسرقون أهلهم بإيعازها.

 تحت عنوان "عصر الخدم" يتساءل مواطن  لماذا كل هذا التعلق بالمربيات ؟ مجيبا: "لأن أهلهم إبتعدوا عنهم فصاروا مشغولين بأعمالهم أكثر من تربيتهم لأطفالهم(…) غابت الأم عن  الطفل فابتعد عنها وكذلك غاب الأب في أعماله وإبتعد تفكيره عن البيت ومسؤوليته الأسرية فصار لا يأتي الى البيت الا للنوم ولا يكلف نفسه السؤال عن البيت والأسرة ولما يسأل ما دام السائق والخدم موجودين وقائمين على العمل على خير وجه…" (52).

كما تورد زينة العربي، هناك من الخدم من يعملن في دور الرجال وتنشأ أحيانا علاقات متينة بين الطرفين تصل للزواج وإنجاب الأطفال. يعلل زواج الرجل من الآسيوية  بأنها غالبا متعلمة أكثر من زوجته وهي تعنى به وتدير شؤون بيته. فيشعر معها بأنه أكثر قربا منها مقارنة بزوجته المواطنة التي ترهقه بطلباتها المادية بينما مع الآسيوية يحصل على ما يريد بكلفة أقل. النساء أيضا تقتني الخادمات لإلقاء أعباء الأسرة عليهن ولتأمين بعض الخدمات الخاصة جدا حيث يمتلكن قدرات مميزة للعناية بهن جسديا ونفسيا وجنسيا.

إن أية بيئة مولدة للعنف بهذا الشكل تتعايش مع التعذيب باعتباره امرا بديهيا. فضرب الابن او الخادمة او اهانة الزوجة تصبح جزءا من العلاقات السائدة بحيث يصعب تفهم من يناهضها او ينادي بالقضاء عليها. ليس من الغريب والحال هذا ان يتم النظر الى من يطالب بمنع ختان المرأة او ضمان حقوق الطفل او احترام القواعد الانسانية الادنى مع العمال والعاملات الأسيويات بأنه حامل لايديولوجية غريبة أو مدافع عن مصالح خارجية أو مستهتر بالقيم المحلية. فيوضع المدافع عن كرامة الانسان في خانة المتهم، والمنتهك لهذه الحقوق في خانة المدافع عن العادات والتقاليد والهوية القومية. مما يخلق للأسف هوة عميقة بين المسيرة العالمية لمنع اشكال التعذيب وجملة خصوصيات ثقافية وآليات محلية لحمايته.

 

 

 

*فيوليت داغر: دكتورة في علم النفس، الامينة العامة للجنة العربية لحقوق الانسان

 

المراجع

1-Camillieri C., Vinconneau G., Psychologie et culture: concepts et  méthodes, Armand  Colin, Paris, 1996

(2) هيثم مناع،  المرأة في الإسلام، دار الحداثة، بيروت، 1980

  (3) ليلى عبد الوهاب، العنف الأسري: الجريمة والعنف ضد المرأة، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق وبيروت، 1994.

  (4) المجتمع والعنف، كتاب جماعي صادر بالفرنسية ومترجم للعربية عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1985 .

  (5) أنظر تقرير اللجنة العربية لحقوق الإنسان حول مشروع الزواج المدني في لبنان من إعداد فيوليت داغر، 1998.

6- Miller A, La souffrance muette de l’enfant, trad. française, éd Aubier,1990, p.63

7-Brazelton B., “Comportement et compétence du nouveau-né”, in La psychiatrie de l’enfant, Vol.XXIV, 1981. 2

8- Martine Lamour, “Des nourrissons avec leurs mères psychotiques”, in La revue de pédiatrie, T.XXI, N° 7, Sep. 1985. Voir aussi Favre D, “Pathologies de mères isolées, les conséquences sur les interactions, mères-enfants”, in Publications APAMI, 1989.

9-Lamour M. et Serge Lebovici, “Les interactions du nourrisson avec ses partenaires”, in  Encyclopédie Médico-Chirurgicale, Paris, 10, 1989.

10- René Clément, Parents en souffrance, Stock, Paris, 1996.

11- Jacqueline Cornet, “Faut-il battre les enfants”, in La Revue du praticien, n° 345, 1996

  (12) الطفل العربي والمستقبل، كتاب جماعي، بيروت، إبريل  1989

13-Miller A, L’enfant sous terreur, traduit en français par Jeanne Etoré, éd.Aubier, 1986

  (14) ) الطفل العربي والمستقبل، المرجع المذكور سابقا.

15-Marzouki M.et all, “L’enfant battu et les attitudes culturelles: l’exemple de la Tunisie”, in Child Abuse & Neglect, USA, vol. 11, 1987, PP.137-141

 (16) ما يعرف بتناذر سيلفرمان. كان أول من قام بوصف الأعراض التي تسببها سوء معاملة الأهل للأطفال الطبيب الفرنسي تارديو وذلك منذ 1860. لكنه حورب بشدة من قبل الجسم الطبي الذي لم يقبل الإعتراف بهذه الحقائق الى أن وقع سيلفرمان الطبيب الأمريكي الجنسية على أعمال تارديو والوصف السريري الذي قدمه عن التشوهات التي تنتج عن الضرب. فعمل عليها، مما سمح بإدخالها مجددا الى فرنسا مع إطلاق إسمه عليها.

17-Chibi A., L’enfant victime de violences, Thèse de doctorat en médecine, Faculté de Sousse- Tunisie, 1997

 (18) هو تقليد يمثل إنتقال الفتاة من مرحلة الطفولة لمرحلة البلوغ ويتعلق بمفاهيم العفة وزواج الفتاة وحماية شرف المرأة والعائلة. وهناك من يعتقد أنه يزيد في خصوبة النساء ويمنع طفلها الاول من الوفاة. وينظر للبظر كزائدة لا نفع منها قد تضر بالطفل الذي يمكن أن يلد أعمى او يحمل مشاكل نفسية او ان يصبح عنيدا.  وينظر للمرأة غير المختونة على أنها جنسية وتشبه الصبي وتجعل من عملية إيلاجها مسألة مزعجة للرجل، بينما يؤمن الختان المتعة للزوج ويخفف الشبق الجنسي للمرأة. أنظر تقرير منظمة العفو الدولية الصادر عن مؤتمر غانا، 10-11 أبريل/نيسان 1996

19-Journal le Soir, Paris, fevrier 1998

(20) د. محمد فياض، "ختان الأنثى من وجهة النظر الطبية"، تقرير عن ورشة عمل حول ختان الإناث في مؤ تمر الصحة الإنجابية للمرأة المنعقد في مارس 1995، مطابع روز اليوسف الجديدة.

(21) ليلى عبد الوهاب، المرجع المذكور سابقا.

(22) المرجع السابق. ثبت إنتماء أسر قاتلات الأزواج الى الشرائح المهمشة من الطبقة العاملة والمعاناة من القهر الإقتصادي. أما القهر الإجتماعي فيبدو من خلال الزواج المبكر لمعظم الحالات وإختلاف فارق السن بشكل كبير  وعدم إختيار الزوج وزواج الأقارب بالإضافة للأصول الريفية أو من أسر معدمة جئن الى الحضر.كذلك بدى أن جميع الحالات لجأت للأهل ولم تجدن الحماية. أما قهر الرجل للمرأة فيأخذ شكلا حادا يفسر اللجوء للجريمة كالممارسات العنيفة جدا ضدها والإمعان في إذلالها مع رفض الطلاق. من المؤشرات الأخرى التهديد بتعدد الزوجات أو إقامة علاقات خارج إطار الزواج، يضاف لذلك عودة الأزواج من العمل في الخليج في أقل من نصف العينة وتعاطي معظمهم المخدرات والمسكرات وتبديد مدخراتهم على ملذاتهم. كذلك يذكر العمل الموسمي المتقطع للرجل وإقامته في المنزل وإستغلال زوجته بما فيه تسهيل علاقتها مع آخر يقوم بالإنفاق على البيت.

 في دراسة عن العنف ضد المرأة نشرتها (مساعدة) النشرة الصادرة عن مركز المساعدة القانونية لحقوق الانسان في مارس 1997 يتحدث عزة ابراهيم عن العنف النفسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني والسياسي والتشريعي. ومن الأمثلة على هذا الأخير، حرمان قرابة 400 الف طفل من الجنسية لكونهم من أم مصرية وأب غير مصري. في لبنان لا يختلف الوضع عن ذلك حيث لا يحق لأولاد اللبنانية بجنسية أمهم طالما ان الأب غير لبناني.

يتطرق مقال نشر في مجلة البديل الفلسطينية لحوادث قتل نساء فلسطينيات بسبب جرائم عرض على يد رجال من عائلاتهم (اخ، زوج، إبن عم، أب، الخ) متسائلا : الى متى تبقى أرواح ومصائر النساء مرهونة بأيدي رجال العائلة يمنحونها متى شاءوا ويزهقونها دون رقيب متى شاءوا أيضا، بينما قتل رجل يجر مسلسلا من الثأر بالدم وطلب الدية بين العائلتين ؟ وتظهر اللائحة المرفقة أنه فقط بين عامي 1995و1998 وصل عدد النساء المقتولات من أجل "غسل العار" عن العائلة الى 28 إمرأة.

23-Djerbal-I. D., “Violence familiale, violence sociale, violence politique”, in Droits de l’Homme et violences au Maghreb et en Europe, ouvrage collectif, Publication de l’association Hourriya, 1997, PP. 41-53

(24) يجدر التنويه الى أنه كان من الصعوبة بمكان إجراء هذه الدراسة بسبب العدائية التي قوبلت بها الباحثة من قبل العاملين ولخوف العناصر النسائية من تقديم شهاداتهن علنا. فهن يظهرن كمن أصبحن ضحية ممكنة للرجل بحيث لا يكفي وضعهن المهني لتوفير الحماية لهن. كذلك يأخذ الأطباء، رجالا ونساءا، على عاتقهم عندما يطلب اليهم التحدث عن العنف، الخطاب المألوف عن الكبت عند الرجال وحاجاتهم الجنسية التي لا تحتبس والضغوط الثقافية وضرورة الإستسلام وأن النساء التي تتعرض للعنف ليست سوى "حالات إجتماعية".

(25) بسبب ظاهرة الفقر الآخذة في الإنتشار في السعودية بدأت نسبة الممرضات السعوديات بإزدياد. وكون هذه المهنة محتقرة أصلا فقد أقرّت الدولة السماح "لطبقة الممرضات" بالزواج من أجنبي، علما أن زواج المسلمة من غير مسلم مسألة غير مستحبة أبدا.

(26) ليلى عبد الوهاب، المرجع المذكور سابقا.

 (27) أتوجه بجزيل الشكر للصديقة زينة لإقدامها على هذا العمل الجرئ ولما وفرته من معلومات من أجل إنجاز هذا القسم من البحث.

(28) درة الإمارات، العدد 92 ، يونيو/حزيران 1998.

(29) المرجع السابق

(30) البيان  26/1/98

(31) الخليج 5/6/ 98

(32) الخليج 4/3/98

 (33) البيان 16/2/98

(34) يحجب حواجبهن وأنوفهن وشفاههن والمتعصبات منهن تغطين به أيضا ذقونهن  ثم يسدلن من فوق ذلك كله  خمارا  أسودا على كامل الوجه.

(35) مجلة زهرة الخليج، شباط، عدد 988، 1998

(36) زهرة الخليج، المصدر السابق.

(37) البيان 3/2/1998

(38) زهرة الخليج، المصدر السابق.

(39) درة الإمارات، المصدر السابق

(40) البيان 3/6/98.

(41) ان سعر الكيلو الذي يبلغ 2000 درهم في المنشأ، يصل الى 6000 درهم في دبي ، 12000 في أبو ظبي،  و50000  درهم بالسعودية، علما أن كل 66, 3 درهم تساوي دولارا واحدا.

(42) ) تعتبر الشارقة الإمارة الأكثر تعصبا وتمسكا بتطبيقات الدين. حتى أن تدخين الشيشة في قهاويها محرم خوفا من إستغلال البعض وخلط التبغ بالحشيش وما شابه. تبعد الشارقة مسافة عشرة دقائق عن دبي التي تحوي العجائب من خليط بشر وإنفتاح وملاهي.

(43) البيان 9/6/98

(44) الخليج20/2/1998

(45) قدّم الى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في دورتها الرابعة والخمسون، آذار/مارس 1998.

(46) بدأ كقاعدة عرفية وعندما قامت مجموعة من النساء سنة 1990 بقيادة قافلة من السيارات في طريق رئيسية في الرياض قبض عليهن واحتجزن ساعات قبل أن يوقع أقاربهن من الرجال تعهدا بعدم خرقهن للحظر. وقد تحول من حينها الى قاعدة مكتوبة باعتباره جريمة جنائية.

(47) سجلت منظمة العفو الدولية 82 حالة بتر أطراف من عام 81 الى 95 كان منهم 59 من الأجانب و560 حالة إعدام من 1990 الى 1997 كان منها 204 مواطن سعودي وتعتبر المنظمة إن هذا الإختلاف بالنسبة ربما يعود لدور الهيكلية القبلية والاسرية في تسوية القضايا بالتعويض المالي بدلا من الإعدام والتقدم بالإلتماسات الى ذوي النفوذ.

(48) تقرير لمنظمة العفو الدولية أوردت عنه مجلة التضامن الصادرة عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، العدد 56، يناير 1998.

(49) أي الشرطة الدينية التابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يطلق عناصرها لحاهم المحناة ويرتدون الجلابيب القصيرة التي يصل طولها حتى منتصف الساق إسوة بالرسول الذي كان يجتاز الصحراء ويحملون سوطا يهددون به النساء والرجال.

(50) لقد صدّقت أخيرا المملكة العربية السعودية في شهر سبتمبر الماضي 1997 على إتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية او المهينة، مع التحفظّ على بندين.

(51) البيان 23/2/1998

(52) الإتحاد 2/3/1998