1- كيف تقيمون في اللجنة العربية قضية حقوق الانسان في العالم العربي؟
سؤال كبير والجواب عليه لا يمكن أن يختصر. حقوق الانسان في العالم العربي تبدو لي كارثية بكل معنى الكلمة، أكان بما يخص الحقوق السياسية والمدنية او الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والبيئية. فنحن أمة لا تأكل مما تزرع أو تستهلك مما تصنع أو تؤهل أجيالها الشابة لتنافس معرفياً وعلمياً وتقنياً باقي الحضارات. لا بل بلغ معدل الأمية فيها نسبة كبيرة جداً، في حين انها تزخر بثروات كثيرة ومساحات يمكنها ان تستوعب 3 اضعاف سكانها. لكنها لا تهنأ لمستقبلها بل تصدر ثرواتها البشرية كيفما استطاعت ليستفيد من طاقاتها الغير بعد أن تكون عائلاتهم في أحيان كثيرة قد صرفت عليهم المبالغ الطائلة لتأهيلهم العلمي والمهني. المصائب المتراكمة جعلت الناس لا تأمن لغدها وتترقب بحذر وقلق شديدين ما سيحمله لها هذا الغد من مفاجآت. آخرها كان حوادث التفجيرات الطائفية في مصر والعراق والاحتجاجات الشعبية على الجوع والبطالة في تونس. كل يوم ينبلج فجره يأتي بما هو أسوأ مما سبقه، حتى بات الناس يترحمون على الأيام التي ولت.
بالطبع، البلدان العربية لا تعيش بمعزل عما يجري في العالم من أزمات مالية واقتصادية وكوارث بيئية، لكنها تختص بنصيب إضافي من الاحتقان والتوتر بفعل الاحتلالات والأطماع الخارجية في أرضها وثرواتها. وهذا ليس إبن الساعة، بل ان الضغوط التي فرضتها عليها القوى العظمى منذ عقود طويلة وحتى الآن، بأشكال عدة لتحقيق مصالحها على حساب خيراتها ووحدتها، أدى لانهيار الانظمة العربية كقوى يفترض أنها فاعلة في حاضر ومستقبل شعوبها. إثر معارك ونضالات التحرر من الاستعمار، ما لبثت الآمال بالتغيير أن تجمدت مع اعتماد معظم هذه الأنظمة لاستمرار وجودها على هذه القوى الخارجية، ضمن نوع من الانتداب وشكل جديد للاستعمار. وهذا التشرذم والتآكل في قواها الحية سهّل في معظم دول المنطقة تثبيت مشاريع لتفتيت وتقسيم خريطتها الجغرافية والسكانية على اسس طائفية وقبلية واثنية. هذه القوى الخارجية عملت على زرع كيان غاصب في خاصرتها مكنته من أسباب العيش بقوة المحتل ومنحته ما ليس له من حقوق وضمانات وجود. تم ذلك بالاستئساد على القوانين الدولية وعلى التاريخ والجغرافيا وعلى مقومات الوجود البشري للشعب الفلسطيني الذي عانى من شتى الويلات، كما على شعوب المنطقة التي ما زالت تكابد وتدفع يومياً ثمن هذا التواجد بأشكال مختلفة ومنها الاقتتال الداخلي والتذرير.
فالسودان على سبيل المثال سيؤول مصيره للتقسيم مع انفصال الجنوب الوشيك وربما مطالبة قادة التمرد في دارفور بالحكم الذاتي، الصومال العليل والمدمى لم يعد يعدّ دولة بمعنى الدولة، اليمن تتجاذبه قوى تطالب بالانفصال وتمزيق الموجود حالياً، لبنان مهدد بالانفجار مجدداً وهذه المرة على خلفية المحكمة الدولية التي فرضتها بالقوة القوى الغربية، العراق الذي دمر ونهب واستباح مهدد بالانزلاق التدريجي نحو التقسيم، القضية الفلسطينة تصفى تدريجياً من جانب كل الاطراف التي وضعت يدها بما يسمى العملية السلمية، قضية الصحراء الغربية تقض المضاجع مع ضجيج الخلافات بين البلدين الشقيقين المغرب والجزائر والتي قد تتطور لما هو أعنف، البلدان الخليجية تعاني من مشاكل لا حصر لها بوجود الأطماع الخارجية في ثرواتها ومع أوضاع فيها من التناقضات ما يعد نواة لتفجيرات قادمة وتغييرات اجتماعية، مصر تئن تحت وطأة حكم يتفرد بالسلطة منذ عقود ويقصي من عداه بالقوة الصلفة وقد شهدنا مؤخراً تفجيرات كنيسة القديسين كحلقة من سلسلة تبغي ضرب وحدة هذا البلد، وأينما أدرنا وجهنا في العالم العربي نجد دواعي كثيرة للقلق مما هو قادم.
اسرائيل هذا السرطان المتمدد في جسد الأمة العربية، والمدعوم حتى العظم من القوة الدولية الأعظم والقوى الغربية عموماً، نهش قوى هذه المنطقة الحية وأبقاها أشبه بالجيفة. اللهم بعض البؤر من المقاومات هنا وهناك التي تدافع عن نفسها وتقاوم المرض العضال وتحمل الهم العام على كاهلها. أما الإدارة الأميركية التي غاصت في وحول العراق وافغانستان وعصفت بها أزمتها الاقتصادية بقوة تبدو أضعف من أن تكافئ عملائها وزبانيتها الذين اعتلوا العروش على القيام بالوظائف التي انيطت بهم. فباتوا أشد خوفاً من شعوبهم وبالتالي أكثر بطشاً بهم للحفاظ على ما غنموه خلال السنوات والعقود الماضية التي تسلطوا فيها بالقوة على رقابهم.
فالسلطة التي تبدو كغنيمة حرب لمن كسبها، ليس له أن يتركها لغيره، اللهم إلا من هم أولى بالمعروف اي ابنائه وأقرب المقربين إليه. ليواصل الحاكم العربي استئثاره بالسلطة والثروة لا بد أن يعمل على تزييف ارادة البشر بانتخابات مزورة مهما كلف الأمر. يوهم الشعب بالانجازات والبحبوحة أو يصم آذانه عن صيحات الجياع إن تململوا أو تمردوا وطالبوا بحقوقهم. وقد يدفع لهم ببعض فتات الموائد التي لا يحظى بخيراتها إلا من انتقاهم من بطانيته. أما المعترضون والمقاومون لسياساته فيختطفوا ويضربوا ويعذبوا ويهجروا لا فرق، المهم ان لا يقولوا لا لمشيئة السلطان والصنم الذي يجب ان يعبد ولا ترد كلمته. ولزرع الخوف بين البشر يجب أن لا تترك لهم حرية التنظم والتعبير والتجمع ولا أية حرية فردية أو جماعية. لا بل تُغيّب الصحافة ويُعمل على أن لا تتمكن من توصيل الراي والرأي الآخر، كون المعرفة تخيف القابع على العرش. تعطل أدوات التواصل والتخابر تفوت الفرصة على المعارضة لتشويه الصورة التي يريد الحاكم تقديمها عن نفسه لتمجيد انجازاته. لذا فهو يذرع مخابراته وعملائه وجواسيسه في كل زاوية ليحبس على الناس انفاسهم في حين عليهم أن يبقوا طائعين صاغرين امام جبروته. قمة الحذق هي ليست فقط وضع الناس في السجون، وإنما اختيار الضحايا من نخبة المجتمع كي لا يبقى هناك رؤوس ترفع المطالب وتقود الحراك الاجتماعي لو أطل برأسه. أما الاحزاب فقد ضربت وبات وجود معظمها صوريا لتكون جزءا من الديكور لا يثمن ولا يغني عن جوع. تبقى جمعيات المجتمع المدني التي تحاول بالمتاح ترقيع الأوضاع، وعندما لا توضع اليد عليها بأشكال متعددة كي لا تذهب بعيداً في تشويه الصورة وتأليب الرأي العام. تأتي تونس في قائمة البلدان التي تقدمها الصورة المذكورة، لكن القائمة طويلة للأسف وإن كان هناك بعض الاختلافات البسيطة.
ليستطيع الحاكم العربي القيام بكل هذه الانجازات بهدوء، ودون تدخلات في الشأن الداخلي وفي ما يسميه السيادة الوطنية، يكون الثمن المدفوع رفع منسوب العمالة لولي الأمر الخارجي من قوى الامبريالية والصهيونية. فهذه القوى والاطراف التي تسمى بالنظام الدولي هي التي تدير السياسات المحلية عبر برامج ومؤسسات تفرض نفسها بالقوة والطغيان وبالقفز فوق القوانين الدولية الناظمة للعلاقات البشرية. في العشرية الأخيرة، خنق الانفاس هذا واهدار الحقوق المكتسبة وجد مبرراً أو لنقل تخريجة جديدة له بما سمي الحرب على الارهاب، رغم أن الاطباق على الصدور يولد مبدئياً الانفجار والهباّت إن لم يكن الثورات. لكن الآلة القمعية أقوى من أن تتعطل أمام المجتمعات التي لم يسمح لها أن تصبح بعد مجتمعات مدنية بحق. هي لم تتعرف بعد على ماهية المواطنة لتدرك أن حقوقها تنتزع وان التداول على السلطة لا يمكن أن يتم في دولة لا تحترم النواظم القانونية ولا تفهم سوى لغة القوة. باختصار، المشهد بكائي أكثر منه اي شئ آخر والطريق طويل قبل أن تربح الشعوب العربية معركتي التنمية والديمقراطية. من أجل ذلك يتطلب الأمر أن يشعر كل انسان أنه مسؤول عما يرتكب باسمه من جرائم. أن يقوم بما عليه من الموقع الذي يشغله ومهما كان مستواه، وبالعمل لأخذ زمام المبادرة وتحمل المسؤولية التاريخية من أجل غد مغاير يستجيب لاحتياجات التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، ليستعيد الشعب الحقوق المهضومة والمنتهكة ويحاسب المسؤولين على ما اقترفوه من آثام بحق بني البشر.
2-
رسمت تقارير الجمعيات الحقوقية المغربية صورة قاتمة عن القضاء المغربي، ما رأيكم أنتم خاصة وأنه في الشهر القادم ستحل الذكرى السنوية الثالثة لاعتقال محمد المرواني ومصطفى المعتصم ومن معهما ضمن ما يعرف بخلية بليرج ولا جديد في الأفق حتى الساعة؟
من خلال متابعتي لعدة ملفات قضائية ومراقبتي لجلسات أكثر من محاكمة أجد الصورة قاتمة ومحبطة. كنت خلال لقائي ومجموعة من المراقبين الدوليين والمحامين مع مسؤول كبير في الدولة قد ناشدته بحرارة بالتدخل الجدي للمساهمة من موقعه بتغيير حقيقي في نمط التعاطي السائد مع ملفات المعتقلين السياسيين في المغرب واعادة المصداقية للقضاء المغربي وتمكينه من استقلالية وشفافية بات بأمس الحاجة لها في بلد يراد له أن يسير قدما في مسيرة الاصلاح والدمقرطة كما ونريده أن يعطي المثل للبلدان العربية التي آن الأوان أن تخرج من حقبة الظلم والظلمة الدامسة.
لا أجد غريباً أن تتوافق هذه الصورة مع ما ورد في إحدى برقيات وزارة الخارجية الأميركية التي تعود لصيف 2009 والتي ظهرت على موقع ويكيليكس. بالطبع الوثيقة لا تأتي بجديد لمن يتابع عن كثب ما يجري في المغرب على مستوى القضاء ويراقب المحاكمات الصورية لمتهمين لم تثبت المحكمة ما يدلل على مصداقية اتهاماتها لهم ولمن يسجل وقائع الجلسات وما سبقها من توقيفات وانتزاع اعترافات تحت التعذيب والترهيب. عددت الوثيقة أوجه القصور التي يعاني منها هذا القضاء واستنتجت أنه يشكل عامل عرقلة لمسيرة التقدم وجهود الإصلاح التي طالما جرى التطبيل والتزمير لها من مسؤولين حكوميين.
تشير البرقية المذكورة لانعدام الثقة بالقضاء المغربي ولعدم تمتع القضاة بالحد الأدنى من الاستقلالية عن وزارة العدل التي تتحكم في مساراتهم الوظيفية. كما أن المجلس الأعلى للقضاء، الذي يرأسه الملك والذي يضم وزير العدل كعضو فيه، هو الذي يتخذ الإجراءات التأديبية بحق القضاة. يشار ايضاً لاستشراء الفساد في صفوف القضاة وللتدخلات الخارجية في مسار عملهم وإصدار أحكام تخالف منطق العدالة. غياب الاستقلالية يحول المحاكم إلى أداة للتلاعب وللاستعمال كوسيلة للضغط السياسي، إلى جانب أن عدداً من القضاة يفتقرون لتكوين قانوني متين ولأخلاقيات المهنة بما يؤثر على تطبيقهم للقوانين كما يجب حتى من دون تدخلات.
إذن غياب الشفافية في القضاء المغربي وانتشار الفساد والافتقار للاستقلالية هي عوائق أمام تقدم المملكة. لذلك كان الملك قد دعا لاصلاح القضاء، لكن لا يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، خاصة مع عدم تنفيذ الأحكام التي تقتص من المفسدين ولاسيما المسؤولين في الدولة. في حين يزج بابرياء بالسجون وتسلب منهم حريتهم ويضيق عليهم في أرزاقهم وتستعمل لتعذيبهم اساليب وحشية وحاطة بالكرامة الانسانية ويحاكموا بأحكام جد قاسية لا تتناسب بتاتاً مع ما قاموا به من ممارسات للتعبير عن رأيهم. كما يتم أحياناً نقلهم لأماكن بعيدة عن عوائلهم وكل ما من شأنه أن يطوع من يقعوا تحت ضربات الأجهزة الأمنية والسياسية، من دون الالتفات لتأثير ذلك على أطفالهم وسائر محيطهم وعلى تمزيق النسيج المجتمعي عبر هكذا ممارسات.
لقد باتت الحرب على الارهاب تعطي المسوغ للنظم القمعية لأرتكاب كل صنوف الانتهاكات لحقوق الإنسان لمجرد الظن بالشخص ومحاربة معتقداته او جماعته او ما يمت لذلك بصلة. وقفت بنفسي من خلال مراقبات قضائية على ما يلطخ جبين هذا القضاء ويدحض مسيرة الاصلاح في المغرب. خاصة عندما تتكفل بعض الأدوات الإعلامية المأجورة بتوفير التغطية وحشد الدعاية لتشويه صورة الخصوم السياسيين بأوامر من مسؤولين يطلقون الأحكام ويبتون في الملفات قبل أن يتم دراستها والتحقق من المعطيات والاستناد للشهود والأدلة المتاحة كي لا يظلم البشر من بني جلدتهم جوراً وبهتاناً.
أما بخصوص ما سمي بملف السياسيين الستة وزملائهم في ما اطلق عليه بخلية بلعيرج، استمرار هذا الملف دون حل عادل يؤكد على ما سبق وذكر من عدم نزاهة واستقلالية القضاء. كنت اسمع من حين لآخر عن وعود بتسوية الوضع والبحث عن مخرج قريب، لكن رغم الاضرابات عن الطعام للمعتقلين ومطالباتهم بمحاكمة عادلة تتيح لهم الخروج من السجن لم يحصل حتى الساعة اي شئ ملموس في هذا الصدد. مع ذلك هناك بعض أمل يراود الضحايا بأن يأتي الفرج بشكل من الأشكال طالما لا توجد تهم مبنية على حقائق جرى التثبت منها بالشهود والأدلة القاطعة.
آمل أن نشهد قريبا مفاجأة بخصوصهم من النوع التي رأيناها مع المعتقلين السبعة لجماعة العدل والاحسان، الذين اطلق سراحهم قبل أسابيع بشكل لم يكن يتوقعه أحد، مباشرة إثر الجلسة الرابعة وبعد ما يقرب من ستة أشهر على اعتقالهم.هل أن اختلاف الظروف المتعلقة بالملفين هي ما يفسر هذا التعارض النسبي في الموقفين، أم أن القضاء المغربي الذي نطمح له بدأ يعيش حالة من الانتعاش بعد الغيبوبة التي رافقت مسارات ملفات كثيرة أخرى ومنها ملف ما سمي بخلية بلعيرج؟ نأمل جميعاً أن تكون الفرضية الثانية هي الأصح. ونترقب بفارغ الصبر أن يفضي ما تبقى من ضمير عند من يتحكمون بالقرار لاطلاق سراح المعتقلين في هذه القضية، والقضايا الأخرى التي شهدت الظلم وانعدام العدالة دون موجب حقيقي، على شكل عفو عام أو أي شئ من شأنه أن ينهي هذه الفضيحة والمأساة ويرجع الضحايا لبيوتهم وعائلاتهم بعد كل ما قاسوه من عذابات لم يفعلوا شيئا ليستحقوها. والغد لناظره قريب.
نشر على موقع المبادرة بريس المغربية في 7/01/2011
|