1-بصفتك من ابرز الناشطات والمناضلات في مجال حقوق الانسان كيف ترين وضعية المراة في العالم العربي ؟ على المستوى التعليمي والحقوقي والعمل ؟
لا بد للإجابة على سؤالك الأول من وضع الإطار العام والقول أن خروج المرأة للعمل ومساهمتها في الثروة والنمو الاقتصادي أعاد رسم صورة الشأن العام في أبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية على قاعدة رفض فكرة القيود والدونية. مما أفضى لتراجع الهيمنة البطريركية، ولو بدرجات متفاوتة باختلاف المجتمعات والثقافات، وأيضاً داخل المجتمع الواحد. تجدين اليوم شرائح واسعة من النساء تعتبر نفسها مواطنات، أي لها نفس حقوق وواجبات الرجل وليس ككائن قاصر كما أيام أمها أو جدتها. يمكن القول أن ثورتها على التقاليد والأعراف أحدثت ثغرة في الصرح البطريركي الجاثم فوق صدرها بعدما حملت صراعات القرنين الأخيرين للبشر أفكاراً تحررية تتبنى حقوق الأشخاص المتساوية بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو قومياتهم. كذلك كان للكفاح الديمقراطي دوراً كبيراً في تكريس مفاهيم جديدة عن حقوق المرأة والإنسان، وخاصة نضالات الحركة النسائية العالمية التي حققت من جملة الانتصارات الصغيرة تراكمات نوعية أعطت المرأة العربية مساحات واسعة لم تكن تعرفها من قبل. بالنتيجة، حصل تقدم على مستوى مدونات الأحوال الشخصية، بالخصوص في كل من تونس ولبنان والمغرب والاردن، لكن ما زالت المرأة غائبة عن مراكز صنع القرار. لقد بقي اندماجها في العملية الاقتصادية دون المأمول، إلى جانب أن النساء العربيات يعانين من ارتفاع مستويات الأمية بنسب تناهز السبعين في المئة في بعض الدول العربية، ومن مستويات عالية من التسرب في المراحل التعليمية المتتالية. تقارير التنمية البشرية العربية المتتالية توثق مشاركتها السياسية والاقتصادية باعتبارها الأدنى في العالم حتى الآن.
2-كيف اثرت الحروب التي شهدتها المنطقة مؤخرا على وضع المراة في عدد من الدول خاصة سوريا ، العراق ، اليمن، ليبيا؟
لا يمكن فصل قضية المرأة عن التحولات المجتمعية الكبرى، كما لا يمكن رؤية تغيرات نوعية في وضعيتها خارج المنعطفات الكبيرة في حياة الشعوب والدول. فالوضع كارثي من كافة جوانبه، حيث أن المرأة هي أكثر من يدفع ثمن الحروب. والمرأة العربية اليوم تسبى وتباع في سوق النخاسة وتشرد مع أطفالها من منزلها ومن بلدها لدرجة كاد المشهد أن يصبح اعتيادياً مع هذا الكم الهائل من الدماء والدموع والدمار في السنوات الأخيرة في عدة بلدان عربية. ذلك أن القوى المهيمنة على الساحة الدولية تعمل ومنذ أمد بعيد للاستئثار بثروات المنطقة وطرق إمدادها. كما وأن تؤمن على ربيبتها في المنطقة، الكيان الصهيوني الغاصب، الذي أراد أن يحل شعباً مكان آخر بالقوة وبتجريده من حقوقه في العيش وفي الحياة الكريمة. والطامة الكبرى أن الدول النفطية الغنية، ليس فقط تسهل لذلك بالقيام بالدور الوظيفي المطلوب منها، علماً أن اقتصادها الريعي لا يتيح لها متى تم الاستعاضة عن ثرواتها النفطية والغازية بأن تبني بلدانها وتوفر الأمن الاقتصادي لشعوبها، وإنما تساهم في تعزيز هذا التوتر وزعزعة الاستقرار في العالم العربي من خلال التدخل بحبك المؤامرات ودفع الأموال وتشجيع قدوم الجهاديين لمواجهة الجيوش وتفكيك المجتمعات، عندما لا يكون ذلك بالتدخل المباشر كما في حالة اليمن، علاوة على شراء ذمم بعض معارضات ونخب باعت ضميرها وقيمها وأخلاقها لمن يدفع أكثر.
3-بالنسبة لدول الخليج كيف تقيمون وضع المراة هناك ؟ وكيف تفسرين وجود العديد من النساء في مناصب اقتصادية هامة؟ بشكل عام يمكن القول انه لا توجد بعد حركة نسائية قوية ذات مطالب نسائية حقوقية في الدول الخليجية، (مع بعض استثناءات في البحرين والكويت وإلى حد ما في المملكة العربية السعودية). فالحركة النسائية في الخليج، التي ظهرت متأخرة كثيراُ عن مثيلتها في مصر وبلاد الشام، تعاني من إشكاليات متعددة. فهناك قوة التقاليد الإجتماعية التي حرمت على المرأة الظهور والمشاركة في الحياة العامة، وتأخر تعليم البنات مقارنة بتعليم الذكور لما بعد ظهور النفط الذي ساعد نوعاً ما على إرساء دعائم الدولة الحديثة. وإن كانت جمعيات المجتمع المدني هي العنوان الأساسي لرصد وضعيات المجتمعات، هناك انحسار كبير في العمل التطوعي وشح في الموارد البشرية للجمعيات التطوعية وضعف في إمكانياتها الفنية. الأمر الذي يعني عدم قدرتها على رسم استراتيجيات وبرامج تلائم العصر، كما أن الغالبية العظمى منها لا زالت غير قادرة على الإنفتاح على القاعدة النسائية في القرى والمناطق الأخرى كون أنشطتها تتركز في العاصمة وتبقى محصورة في النخبة المثقفة. أما حول تواجد المرأة في المجال الإقتصادي والتعليمي، فذلك يعود باعتقادي من ناحية لإنحسارها عن المجال السياسي، ومن ناحية ثانية للوفرة الاقتصادية التي أتاحت للمرأة أن تعبر عن نفسها من خلالها، كونها لا تضر مصالح السلطات الحاكمة. آمل أن تصبح هذه المناصب الاقتصادية مع الوقت الباب الرئيسي الذي تلجه المرأة الخليجية لدخول المعترك السياسي والتأثير في القرار.
4- هل تعتقدين ان القوانين والدساتير العربية اعطت المراة بعض حقوقها ؟ وهل المشكلة في القوانين ام في تطبيق هذه القوانين؟
محفزات كثيرة، منها ما ذكر سابقاً، جعلت بعض البلدان العربية تدخل تعديلات قانونية لإحراز هدف المساواة بين الجنسين. ومنها من أسست للتمييز الايجابي لدفع عجلة المساواة، مع توصيات بوجوب اتخاذ كافة التدابير من اجل تأكيد المساواة بين الجنسين بإلغاء الحواجز التي تعيق تقدمها ومشاركتها الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لكن يبقى رغم ذلك الفارق كبير بين التشريعات وبين الواقع على الأرض في هذه البلدان. كما تبقى الحواجز القانونية في بعضها الآخر عوائق كبرى أمام المساواة. وإذا أضفنا أن حوالي ثلثي الأميين، الذين يشكلون مائة مليون ونيف في العالم العربي، هن نسوة، يمكن استنتاج جزء آخر من الإشكالية. علاوة على أن نسبة تواجد المرأة في البرلمانات العربية مجتمعة هي النسبة الأقل مقارنة بأفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ. مما يفسر أيضاً لماذا أصوات النساء في مراكز القرار ما زالت خافتة جداً ولماذا تقدم مجتمعاها بطيئاً.
6-بعد مرور اكثر من 50 سنة على اصدار مجلة الاحوال الشخصية في تونس ؟كيف ترين وضع المراة في هذا البلد ؟
يمكن القول دون تردد أنه على الصعيد القانوني والتمثيلية السياسية، وضع المرأة التونسية يأتي في المرتبة الأولى على الصعيد العربي. والمفاجأة السارة كانت في الدستور الجديد الذي أدرج المساواة بين الرجل والمرأة كمواطنة تتمتع بنفس الحقوق والحريات. لأول مرة، وكأول دستور عربي، هناك نص يجعل للمرأة نصف المقاعد المنتخبة في كافة المجالس النيابية. وبقوة الدستور، وليس فقط القوانين الوضعية، تمنح الحق في تولي كافة المناصب العليا والقضائية. لكن لنقر أن الدساتير والقوانين قد تسبق نصوصها العقليات وتطبيق مضامينها على أرض الواقع. مثال بسيط على ذلك، عندما أفرزت الانتخابات التشريعية ما قبل الأخيرة نحو 30 بالمائة من النساء في المجلس الوطني التأسيسي، وكانت أغلبهن من حركة النهضة التي لا تدعم فكرة التناصف في حد ذاتها. فكانت مقترحات التيار المتعلقة بالمرأة تصب في مجملها ضد مصلحتها، ولم تتضمن المسودتين الأولى والثانية للدستور الجديد تنصيصاً صريحاً على مسألة المناصفة والمساواة التامة. فكانت المعركة كبيرة للوصول للصيغة الأخيرة. إذن فالتحول الذي أحرزته- المرأة التونسية خصوصاً والعربية عموماً- في محاربة التمييز لبنات جنسها لم يرق للكثيرين، وبقي من الرجال العدد الكبير الذي يصر على إبقاء مسافة كافية بينهما. بحيث لا يراها في حقل العمل والتعليم كما يفترض ولا في مراكز القرار. وإن وجدت، يوظف ذلك للاستعمال الدعائي، ولا يكون غالباً عن قناعة بقدراتها لشغل كل الأدوار. فتبقى مقطوعة الجذور عن القاعدة النسوية وفاقدة التمثيلية عندما تتواجد في الحقل السياسي. ثم أن المرأة هي نفسها تفتش أحياناً عن هويتها ليس بمعزل عن الصورة التي يراها الرجل من خلالها، وإن كانت لم تعد تحصر نفسها بها. بالتالي، ما برحت أولويات المرأة العاملة مختلفة عن أولويات الرجل بما يخص الحقل العام. وما زالت في موقع أقل تأثيراً وتقديراً بكفاءات مشابهة أو حتى إضافية. حتى عند حصولها على شهادات عالية ومراتب مهنية واجتماعية، ما زالت المرأة لم تخرج كفاية من نطاق الأسرة. فهي تضحي إجمالا بصعودها المهني من أجلها، وتهدر طاقات كبيرة لتوازن بين عملها المهني ووضعها العائلي. مما لا يتيح لها تحقيق إبداعات كبيرة أو طموحات عالية. ثم ألا يفترض تحقيق الإنجازات العظيمة وجود رؤيا داخلية لمشروع كبير وقدرة على نسيان الذات لتحقيقه. فكيف للمرأة أن تنسى ذاتها وهي ما زالت تبحث عنها؟ وكيف لها أن تفكر بنفسها وهي ما زالت تغلب مصالح الجماعة على مصالحها الفردية؟ ثم كيف لمجتمع يميزها عن الرجل أن يدرك منزلة المرأة عندما لم يدرك بعد صفة المواطنة ؟
7-اخيرا ما هي توصياتك وما هي الخطوات التي يجب على المراة العربية ان تتخذها لتحصل على المساواة الحقيقة والعادلة؟ بالعلم والعمل والتواجد في مواقع القرار وعدم شن الحرب على النصف الآخر، بل العمل بالتآلف وليس التنافر تتقدم المجتمعات مهما عانت من حصار وحروب وانتهاك حقوق. وبدلاً من التمسك بالمساواة بين الجنسين يجب التشديد على مكافحة التمييز بكل أشكاله، وتحول الوعي عند الجنسين لممارسات سلوكية أقل تمييزاً وأكثر ديمقراطية. يجب إدراك أن التعليم لا يعني إرساء المبادئ كسلوك عندما لا يتم التزاوج بين الإدراك الفكري والممارسة الفعلية، وأن التمييز ضد المرأة في التعليم والعمل وفي الحصول على الموارد المالية والغذائية والطبية يؤثر كثيراً على ظروف وضعها للنسل البشري. كما يؤثر بالتالي على ذريتها التي تعاني بدورها من الظروف القاهرة التي تطالها، بما في ذلك معاملتها والصورة المكونة عنها ولديها. صورة الأم ومكانتها لدى أطفالها عناصر أساسية في تكوين صورتهم عن أنفسهم وفي نمو شخصيتهم وتحقيق نجاحاتهم، كونها النموذج الذي يحتذى خلال سنواتهم الأولى. من المؤكد أن الرجل بدأ يعي أنه بقدر ما يخاف المرأة، بقدر ما يقمعها وبقدر ما يرتد ذلك سلباً عليه ويدفع ثمنه غاليا، في حين أنه بقدر ما يتعاطف معها ويتصالح مع الجزء الأنثوي في شخصيته، بقدر ما يتخلى عن العنف والتدمير ويتوازن مع ذاته ومع مجتمعه. بالتالي هو سيساعدها على تحقيق ذاتها، عندما يدرك أن هذا سيكون ليس على حسابه وإنما لصالحه. فتحقيق الذات لا يكون على حساب الآخر وإنما بمعيته. ويداً بيد، وضمن علاقات شراكة لا تغييب، يبنى مستقبل أكثر إنسانية وديمقراطية بانسجام مع الطموحات المشروعة لكل بني البشر في الحرية والانعتاق من القيود. جريدة المغرب التونسية في 13/08/2015
|
|