كورونا تفتح عيوننا على حقائق مغيبة - فيوليت داغر
إذا كان للكوفيد 19 من ايجابية، فهي أنها فتحت عيون العالم
على قضايا كانت مجهولة أو جرى التعامل معها كأنها دون كبير
أهمية، وعلى أن دراسات علمية كثيرة- إن لم يكن غالبها- يتم
التلاعب بها من شركات صناعة الأدوية. هي حالة أدوية كثيرة
عديمة الجدوى وأخرى تتسبب بالكثير من الوفيات قبل كشف
مساوئها بعد سنوات طويلة من استعمالها.
أما الأطباء المعالجون حسب الطب الكلاسيكي السائد اليوم،
فهم في العموم يداوون المرض وليس المريض. قد تكون الأعراض
متشابهة، لكن المسببات والبيئة والمحيط والأرضية الجسدية
والنفسية ليست بالضرورة هي نفسها عند الجميع. وهذا ما يقول
به الطب الصيني الذي ما زال يعتمد حتى اليوم على فلسفة
وعلاجات عرفت منذ قديم الزمان. يعترف باستور وهو على فراش
الموت بأن الفيروس ليس شيء، بل الأرضية التي يصيبها هي كل
شيء.
نوع من احباط اعتراني قبل أيام عندما استمعت، في أكثر من
برنامج بث على إحدى القنوات التلفزية التي أتابعها وأعول
على موضوعيتها، لخبر "نقلاً عن"، دون التحقق من مصداقيته
أو أخذ مسافة آمنة للتأكد منه قبل نشره. موضوع الخبر دراسة
نشرت في 22 مايو الفائت، في مجلة "ذي لانست" البريطانية،
خلصت إلى أن عقار "الهيدروكسيكلوروكين" يتهدد بالخطر
المرضى في المستشفيات.
هذا الإعلان أحدث ضجة قوية في صفوف مناهضين لهذه الدراسة،
من أخصائيين وأطباء ومتابعين- أقلهم في فرنسا حيث رصدتهم -
اتهموها بالتلاعب المذهل بنتائجها واحتجوا على طريقة
تناولها بوسائل الاعلام. من هؤلاء طبيب ووزير صحة سابق،
دوست بلازي، رد على الفور بأن معظم الدراسات العلمية
زائفة. وبالتأكيد كان للبروفسور راوول كلمته، حيث أدان
التلاعب المذهل بالحقيقة. صحيح أن الكذب يجول الأرض
كالأرنب مسرعاً، أما الحقيقة فتسير كالسلحفاة، وعندما تصل
يكون الوقت قد فات وتسبب الأرنب بالخراب.
لا أعلم إن كان من قبيل الصدف أو شيء آخر أن تخرج في نفس
الوقت أكاديمية الطب في فرنسا، بعد 3 أشهر من انتشار
الفيروس في هذا البلد مع ما تبعه من حجر منزلي وفي فترة
انحساره، أي بعد مرور 6 أسابيع من الارتفاع الأعلى
للإصابات و3 أسابيع من وقف الحجر المنزلي، وخلال يوم اصيب
فيه 191 شخص جديد بالفيروس وتوفي 66، لتشرح في بيان صحفي
علاقة الفيتامين "د" بالكوفيد 19.
نطقت أخيراً بما هو معلوم وما حذر منه الكثير من المختصين
بالطب الطبيعي والتغذية، بأن المتوفين من الفيروس غالباً
ما يشكون من نقص في الفيتامين "د". وقد نصحت بالمسارعة
لقياس نقص هذا الفيتامين عند المصابين ممن هم فوق الستين
سنة وإعطائهم جرعة يومية من 50 إلى مائة ألف وحدة دولية
لتجنيبهم المضاعفات على الجهاز التنفسي والهبة الفيروسية
وما يمكن أن يحدثه ذلك من وفيات.
من المعلوم للمتابع بأنه ليس أقل من 75% من الشعب الفرنسي
يشكو من نقص في هذا الفيتامين الذي يقوي الكريات البيض
ويشكل سد حماية من الفيروس. كما أن استعماله يجب أن يمتد
لكل فترات الخريف والشتاء حين تنحسر أشعة الشمس. وأن جرعات
قوية منه لا تحمي مرضى الكوفيد 19 بين ليلة وضحاها، وإنما
يفترض أن يكون استعمال الفيتامين "د" قد سبق لفترة لا بأس
بها الاصابة ليعطي نتائج.
على كل حال، أن تخرج هذه المعلومة على لسان هذه المؤسسة
ولو متأخرة خير من أن لا تخرج أبداً. وإن كانت وسائل
الإعلام الفرنسية من مكتوبة أو مسموعة قد تعاملت مع البيان
وكأن شيئاً لم يكن. لكن مقابل الصمت المطبق على الفيتامين
"د"، كان هناك تطبيل وتذمير غير موفق في الاعلام للدراسة
المذكورة للانست، التي "سحقت" حسب تعبيره، البروفسور راوول
وبروتوكوله.
قد يكون من الضروري أن اؤكد هنا أن لا ناقة ولا جمل لي في
ما أعرضه، سوى إحقاق الحق ولفت النظر إلى التلاعب الذي
تمارسه شركات الأدوية ضمن شركات كبرى عابرة للقارات ضد
مصالحنا كبشر. لحساب مصالحها وجني الأرباح، لا تتوانى عن
وضع صحة الإنسان على المحك دون اعتبار للأخلاقيات والمهنية
والضمير. كم من البشر جرى التضحية بهم لتسويق عقارات لم
تكن مفيدة وحسب بل قاتلة. ربما أتناول هذا الموضوع في مقال
قادم.
بالعودة لعقار الهيدروكسيكلوروكين، كان رئيس الوزراء ووزير
الصحة الفرنسيين قد منعا فجأة في 26 مارس الماضي اللجوء
لهذا العقار إلا في المستشفيات. لقد سحبا البساط من تحت
اقدام الأطباء الذين كانوا يصفوه لمرضاهم، بعد أن كان
منتشراً ومستعملاً لعقود سابقة.
الأمر الذي يعني أن إثبات جدوى هذا العقار هو بالنسبة لكل
من حرض ضده نوع من إتهام يستدعي المقاضاة. يمكن أن يتهم
بالقتل العمد اللاإرادي كل من تمنع عن مساعدة أناس في حالة
خطر وكل من أهمل من وزراء وأطباء ومديرين عامين في وزارة
الصحة. واليوم، أعداد القضايا المرفوعة في المحاكم لهذا
الغرض في تزايد مضطرد.
أما الشركات التي تتسابق لتصنيع دواء للكوفيد 19، فهي
ستخسر كل هيبتها ورأس مالها الذي خصصته للعقار. كما أن من
يعمل على تصنيع لقاح لسبع مليارات إنسان على الكرة
الأرضية، فآماله ومخططاته الشيطانية ستذهب هباءا منثوراً.
وبالتالي الجميع له مصلحة في أن لا يكون دواء
"الهيدروكسيكلوروكين" فعالاً، لقاء وضع الدواء ومن عوّل
عليه وسوّق له في فم عفريت.
في الوقت الذي لم يكن أي علاج فعال ضد الفيروس التاجي
موجوداً، كان "الهيدروكسيكلوروكين" من أكثر الأدوية
أماناً، على أن لا يستعمل أكثر من عشرة أيام. علاوة على
أنه معروف منذ زمن طويل في علاج أمراض مشابهة. دراسة قديمة
على ما يقرب من مليون شخص عولجوا به، أثبتت أنه لم يحدث
أبداً وفيات أو مشاكل قلبية. ذلك إلى جانب أنه سهل التصنيع
وغير مكلف، بما يتيح لأعداد كبيرة من المرضى في بلدان
فقيرة خاصة التداوي به.
هذه المشهدية دفعت بالبروفسور راوول للقول بأنه : لم يسبق
له أن رأى قصة من هذا النوع، في حين أن العقار متاح منذ
ثمانية عقود وربما جرى وصفه لثلث سكان العالم، وقد كان
يباع منه في فرنسا فقط 36 مليون قرص سنوياً، إلى أن بدأت
السلطات فجأة بالقول أنه شيء مروع. وفي معرض كلامه أمام
لجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس الشيوخ يتحدث عن اعتقاده
بوجود مشكلة أساسية تسيء للطب في فرنسا وهي تضارب المصالح،
ومنها ما يتعلق بشركة "جلعاد" وتسويقها لدواء "رمديسفير".
ويضيف "إنه هذيان مذهل لم أشهد مثله في حياتي المهنية
الطويلة حول خطر شديد يتمثل في استخدام العقار، ومن غياب
تام من العقلانية في بث معلومات، ومن تلاعب بالرأي العام".
لكن الأمر لا يتوقف على شركة "جلعاد"، التي تطرقت لها
ولدراسة "ديسكوفري" في مقال سابق نشر في الميادين نت.
شركات أخرى تدفع للباحثين، ومنها
Abbvie
التي تنتج عقار
Kaletra.
وهذا الأخير تم اختباره في دراسة "ديسكوفري"، في الوقت
الذي أثبت الصينيون عدم فعاليته ضد الفيروس المستحدث. شركة
Abbvie
كانت
قد دفعت في فرنسا منذ عدة سنوات ما يعادل 45 مليون أورو.
أما المؤلف الرئيسي لدراسة "ذي لانسيت" هذه فهو ينتمي
لمختبر َ
Abbot
الذي هو بعلاقة وثيقة مع
Abbvie.
كذلك يجب القول أن دراسة ذي لانسيت ليست تجربة سريرية،
وإنما دراسة مقارنة بين المرضى الذين تناولوا
"الهيدروكسيكلوروكين" والذين لم يلجأوا له، دون الإشارة
إلى حالتهم المرضية حين استعماله. لكن حيث تذكر أن الذين
عولجوا "بالهيدروكسيكلوروكين" كانوا ثلاث مرات أكثر عرضة
لوضعهم على جهاز التنفس الاصطناعي، يمكن الاستنتاج أنهم
كانوا في وضع متقدم من المرض.
نخلص بكلامنا لاعتراف المحرر الرئيسي لذي لانست نفسها
عندما يصرح قبل سنوات بأن "جزءاً كبيراً من الاصدارات
العلمية، ربما نصفها، يمكن أن تكون بكل بساطة خاطئة.
فالدراسات تشكو من عينات ضئيلة، ومن تحليلات أولية غير
صالحة، كما ومن تضارب مصالح صارخ، ومن هوس باتباع اتجاهات
مشكوك بأهميتها.. ما يجعل العلم ينحدر للظلمات".
وحيث أن هذا الواقع ليس حال "ذي لانست" فقط، فمجلة "نيو
انجلاند" الطبية، التي نشرت مؤخراً دراسة لا تصلح للتسويق،
وخلصت دون أي دليل لأهمية عقار "ريمديسفير" الذي تسوقه
شركة "جلعاد"، تقول رئيسة تحريرها السابقة، الدكتورة
مارسيا أنجيل: "بكل بساطة، لم يعد بالامكان تصديق الكثير
من الأبحاث السريرية المنشورة. أنا آسف لهذا الاستنتاج
الذي توصلت إليه دون عجل وعلى مضض خلال العقدين اللذين
قضيتهما في تحرير المجلة".
نشر في الميادين نت في 3/06/2020
|