يعيش
العراق منذ دخول قوات الاحتلال المتعددة الجنسية في وضع قانوني
استثنائي شلت بموجبه قوات الاحتلال مؤسسات الدولة أو قامت بحلها
بشكل كامل كذلك تدخلت خلافا لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول
الأول الملحق بها في تكوين وبنية وقواعد عمل السلطة القضائية في
العراق.
ومنذ
27 يونيو (حزيران) 2003 دخل حيز التنفيذ الأمر17 الصادر عن بريمر،
الذي ينص في القسم الثاني منه على ما يلي: "تتمتع سلطات الائتلاف
المؤقتة وقوات الائتلاف وبعثات الارتباط الأجنبية وممتلكاتها
وأموالها وأصولها بالحصانة من الإجراءات القانونية العراقية". وقد
شرح هذا الأمر بشكل مسهب فصيلة "المتربعون فوق القانون" والتي تشمل
كل من يتعامل مع قوات الاحتلال مدنيا كان أم عسكريا، مقاولا أو
مقاتلا. بحيث يتمتع كل هؤلاء بحالة إفلات أنموذجية من العقاب.
كذلك
كان لإجراءات تشكيل المحكمة الجنائية في العراق من خارجه وتفصيلها
على حجم الأوضاع التي سبقت دخول قوات الاحتلال، وحالة الشلل التي
تعيشها المؤسسات القضائية في البلاد، إن لم نتحدث عن الترهيب
اليومي لما تبقى منها، أن خلقت داخل البلاد إحساسا عاما بعدم
القدرة على المحاسبة، أي بتعبير آخر القدرة على القيام بكل
الجرائم.
إن
حالة التوحش الجنائي التي يعيشها العراق ليست فقط ابنة مجموعات
مجرمة، داخل وخارج مؤسسات الحكومة ومن قوات الاحتلال التي ترتع دون
حساب يخلق أي شعور بالتناسب بين الجريمة والعقاب، وإنما أيضا نتيجة
غياب القدرة للمواطن العراقي على المقاضاة لمن يرتكب بحقه جريمة
جسيمة ضد الإنسانية كانت أو جريمة من جرائم الحرب. الأمر الذي يجعل
المجرم الشخص المتنصب فوق القانون والمحاسبة بامتياز.
في وضع
كهذا، وضمن معطيات القوانين العراقية والقانون الدولي، ليس للشعب
العراقي أفرادا وجماعات من ملجأ إلا ما يلي:
أولا: التصديق الفوري على ميثاق روما للمحكمة وإعلان انضمام
العراق لها طرفا كامل العضوية دون أية تحفظات الأمر الذي يسمح
للمحكمة بممارسة اختصاصها في كل الجرائم الجسيمة أي جرائم الحرب
والإبادة الجماعية والعدوان والجرائم ضد الإنسانية الواقعة على
أراضيها.
ثانيا: أن يوجه رئيس الوزراء باسم الحكومة العراقية والسلطة
التشريعية في البلاد رسالة إلى المحكمة يطلب منها فيها، وفقا
للمادة 12 الفقرة الثالثة، النظر في الجرائم التي وقعت قبل تاريخ
التصديق والتي مازالت قيد البحث والاستقصاء والتحقيق، ومازالت
مستمرة شكلا وموضوعا أو أسلوبا ونهجا من أي طرف كان على الأراضي
العراقية.
إن أي طرف عراقي داخل السلطة التشريعية أو التنفيذية يقف في وجه
هذا المشروع، إنما يقر بدوره في تغييب القضاء الجنائي والمحاسبة في
فترة صار فيها الضحايا بعدد يفوق كل تصور، في غياب لأي هيكل قانوني
قادر على المحاسبة داخل البلاد. ويقر أيضا بشكل غير مباشر بتورطه
في الجرائم الجسيمة التي تحدث، عبر الحرص على عدم كشف الجرائم
ومرتكبيها
باريس
في 5/2/2007
|