إن النزاهة العلمية تقتضي الإصداع بالحقيقة والنقد البناء والمساءلة بعيدا عن الفكر الأحادي. كما أن الاعتراف بالجميل لمن سبقونا من مؤسسي الجامعة التونسية وللمشرفين عليها اليوم، واجب كل جامعي يحترم القيم والأخلاق الجامعية. ولقد استغربت كثيرا من مقالات بعض الزملاء حول إنجازات وزير التعليم العالي، بالرغم من المجهود الذي قاموا به، فإنهم تغاضوا عن الكثير من الخدمات الجليلة التي قدمها وزير التعليم العالي للجامعة والتي ستحفظها الذاكرة الوطنية رغم أنف الجميع وأستسمحهم التذكير ببعض منها.

أهداف وزارة التعليم العالي

1.          تهميش دور الجامعة في تكريس مجتمع المعرفة والمواطنة والحداثة والتخلي تدريجيا عن مجانية التعليم العالي (معلوم التسجيل، تنزيل نتائج امتحانات الطلبة عبر الإرساليات القصيرة) وخصخصته وسلعنته وضرب مبدأ المساواة بين الطلبة والمؤسسات الجامعية في مختلف الجهات (برنامج دعم "الجودة").

2.          محق الروح الوطنية والنضال من أجل التقدم والعيش الكريم والقضاء عن العمل النقابي المستقل وسحق النقابيين من إطار التدريس ومن الطلبة.

3.          ترسيخ الانتهازية والوصولية في الوسط الجامعي وغرس ثقافة الخوف والرعب والتكالب على الترقيات والمناصب الإدارية.

4.        محو التقاليد والأعراف الجامعية والتعدي على الحريات الأكاديمية ومنع الندوات العلمية (جامعات صفاقس وسوسة والمنستير وتونس) وخنق الإبداع والبحث العلمي وتعطيل تداول المعلومات ومراقبة إطار التدريس وانتهاك سرية بريدهم الإلكتروني.

الجامعيون الشريك الأساسي في إنجاح الإصلاحات

1.        شراء ضمائر الجامعيين (بمنح تربص، مهام بالخارج، تذاكر سفر، تمويل المشاريع) وغض النظر على تجاوزاتهم مقابل خدمات خاصة (مثل مقالات في الجرائد تتهجم على المسئولين النقابيين أو تمجد وزير التعليم العالي).

2.        تأليب المدرسين على بعضهم (وخاصة على النقابيين) وبث التفرقة بينهم على أساس الأصناف أو الرتب أو الانتماء النقابي والسياسي والعمل على إحباطهم (الترويج أنه لا يمكن تغيير أي شي ولا فائدة في الاجتهاد والعمل أو النضال من أجل المصلحة العامة) وتوتير العلاقة بين مكونات الجامعة.

3.        حماية مرتكبي السرقات العلمية (موضوع طرح في مجلس النواب) ومعاقبة من تفطن لذلك بتعويضهم في لجان الانتداب والترقية (كلية الآداب بمنوبة).

4.        الحقد على أساتذة التعليم العالي وخاصة المتمسكين بواجباتهم وحقوقهم ورفض التمديد في سن التقاعد للعديد من المتميزين منهم وذلك لإراحة الجامعة من علمهم (هشام جعيط، عبد الجبار بسيس عبد المجيد الشرفي، جنيدي عبد الجواد، عياض بن عاشور، أحمد إبراهيم، عبد الجليل البدوي، الطاهر الهمامي) والتجني عليهم بتدني مستواهم العلمي في جلسة برلمانية (1).

تطوير التعليم العالي

1.        تحويل أغلب المؤسسات الجامعية إلى مراكز تكوين مهني وإلى ثكنات تسير بالأوامر والعمل على تقليص الإعتمادات والتجهيزات البيداغوجية (تدريس الإعلامية بدون حواسيب) وتردي ظروف العمل حيث أن العديد من المؤسسات الجامعية تفتقر إلى بيوت استراحة ومشارب وبناءات البعض من هذه المؤسسات متداعية (كلية الحقوق بتونس).

2.        إفشال الإصلاحات كإصلاح إمد (تضارب بين المناشير الوزارية ) بالتراجع عن الأهداف المعلنة (مثل حركية الطلبة واختيار وتعديل المسارات وعدم تعميم الإعلامية والأنقلزية) وإقراره دون دراسة علمية لسوق الشغل ودون استشارة المعنيين بالأمر (2).

3.        الحط من مصداقية الشهائد العلمية بتزوير أعداد الطلبة في الامتحانات بمشاركة العديد من مديري وعمداء المؤسسات الجامعية ورؤساء الجامعات (جامعات القيروان وتونس و 7 نوفمبر بقرطاج) بمناسبة الإضراب الإداري سنة 2005 مما شجع عدد من "الجامعيين" في المضي قدما في ذلك (كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بتونس).

4.        خرق القوانين والتشريعات (3) وإصدار مناشير غير متطابقة مع النصوص القانونية (4)  (التربص، التفقد، افتتاح السنة الجامعية وبداية العمل بمنظومة إمد دون نصوص قانونية).

5.        السعي إلى خلق جيل جديد من المدرسين مستقيل من الشأن الجامعي والوطني مطيع ولا يقوى على التفكير والتمييز وعلى استعداد دائم لقبول أي شي مهما كان ويستميت من أجل مصالحه الشخصية الضيقة فقط.

دمقرطة الحياة الجامعية

1.        استئصال الفكر الديمقراطي وشفافية التعامل من الجامعة ورفض مبدأ انتخاب المشرفين على المؤسسات الجامعية (رؤساء الجامعات و المديرين...) وتعميم التعيين والتسلط.

2.        التهجم على مديري وعمداء المؤسسات الجامعية ورؤساء الجامعات في كل اجتماع والتوعد بإزاحتهم من مناصبهم (اجتماع توزر 2005) ونهرهم وإهانتهم إن لزم الأمر أمام العموم (عمداء كليات الآداب 9 أفريل بتونس و العلوم بقفصة) وتكليف السيد عبد الله الرياحي بردعهم (مديرة المعهد العالي للتكنولوجيا الطبية ومدير المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بتونس).

3.        تهميش دور المدرسين ومصادرة صلوحيات مجالس الجامعات والعلمية والأقسام وحتى صلاحيات لجان الامتحانات (المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بتونس) والماجستير وزجر كل جامعي يتطاول ويناقش القرارات المتخذة من طرف الوزارة في الاجتماعات (اجتماعات تونس ماي 2006 والمنستير جوان 2006 حول منظومة إمد).

التسيير الرشيد للجامعة

1.          تهديد وترغيب الجامعيين (بالترسيم وفتح خطط ترقية والتمديد في التقاعد) والتعامل معهم بلا أخلاقيات ورفض قبولهم أو النظر في مطالبهم (على غرار نور الدين الدقي المدير العام للتعليم العالي وأحمد ذويب المدير العام للدراسات الهندسية) ومعاملتهم بقسوة وتشنج على منوال وزير التعليم العالي مع رؤساء الجامعات (رئيسة جامعة المنار ورئيس جامعة جندوبة) وتصفية حسابات كل من يخالف الرأي ومكافئة المطيعين والموالين (إدارة عامة أو إدارة مؤسسة أو عضوية إحدى اللجان المعينة).

2.        تحويل جل مديري وعمداء المؤسسات الجامعية إلى مخبرين مهمتهم الأولى تمزيق المعلقات النقابية ومنع الاجتماعات (كلية العلوم بالمنستير والمعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية برادس) والندوات النقابية (كلية الآداب بصفاقس) (وهو ما لم يقدم عليه الأمن الجامعي) وتنفيذ قرارات الوزير دون أي تحفظ والمزايدة عليها وأخيرا هرسلة إطار التدريس (المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بتونس المنار) والاعتداء عليهم بالعنف اللفظي (المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجية بماطر) وحتى الجسدي (المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بتونس المنار).

3.        التستر عن بعض مديري وعمداء والكتاب العامين للمؤسسات الجامعية الذين يخالفون القوانين ويسيئون التصرف وتمتيعهم بالحصانة بتجاهل شكاوي إطار التدريس (المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بتونس المنار والمدرسة التونسية للتقنيات).

4.        خلق جيل جديد من الوشاة وإحداث خلية برئاسة السيد عبد الله الرياحي تؤدي أصعب المهام خاصة بمناسبة التحركات النقابية، (تجنيد بعض الإداريين من مديرين عامين إلى العملة و بعض المنتمين إلى الشعب المهنية لإفشال الإضراب، نشر مقالات في الجرائد، جمع أخبار النقابيين والمتعاطفين معهم) وتكليف الكتاب العامين للمؤسسات الجامعية بمراقبة المشرفين عليها وعرقلتهم (كلية العلوم بتونس وكلية الآداب بمنوبة وجامعة المنار تونس) ورفع تقارير مفصلة حول نشاط النقابات الأساسية والتهجم على النقابيين (كلية العلوم بتونس).

التفاوض مع الطرف النقابي

1.        التنكيل بالنقابيين (كلية العلوم بقفصة) ومحاصرتهم (كلية العلوم بقابس) وتعطيل مصالحهم وطلبتهم (مما دفع الأخ رشيد الشملي إلى الدخول في إضراب جوع) ومعاقبة المضربين بحرمانهم من حقوقهم المهنية (جامعات قفصة ومنوبة).

2.        تأسيس نقابة مستقلة للمدرسين التكنولوجيين تتكون أساسا من مديري المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية تحت إشراف السيد عبد الله الرياحي رجل المهمات الصعبة بديوان وزير التعليم العالي ورفض توحيد التمثيل النقابي بالجامعة.

3.        ضرب العمل النقابي المستقل بالجامعة والتدخل في الشأن الداخلي للإتحاد العام التونسي للشغل بتوزيع العرائض الواهية ضده وإجبار عديد المدرسين على لإمضائها (5) وبالتشبث ببعض النقابيين السابقين ومحاولة فرضهم على الإتحاد العام وعلى القواعد وذلك لاستعمالهم في إفشال الإضرابات أو المؤتمرات النقابية ولكتابة لوائح تمجد عمل الوزارة ( مثل المراسلات الالكترونية التي وصلت إلى كافة المدرسين في كل التحركات النقابية) أو تطالب بمحاكمة المسئولين النقابيين في الإضراب الإداري بعد قطع أجور المضربين.

4.        رفض التفاوض الجدي والمسئول مع الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي الممثل الوحيد والشرعي لإطار التدريس وتطوير الحوار الاجتماعي بتونس بإدخال مفاهيم جديدة مثل "تقديم قرارات للجانب النقابي ليست اقتراحات أو استشارة " (7).

5.         الانتقام من الجامعيين برفض تمكينهم من منحة التكاليف البيداغوجية (على غرار أساتذة الثانوي ومعلمي الأساسي) وتحسين مقدرتهم الشرائية وتثمين مجهوداتهم (6).

تحسيس الرأي العام الوطني بتحديات وزارة التعليم العالي

1.        القيام بالحملات الدعائية الكاذبة للتضليل (نسب النجاح في التعليم العالي، نسب الإضرابات، التجهيزات في المؤسسات الجامعية، نقص إطار التدريس، التمثيل النقابي، إصلاح إمد، دعم الجودة، التفاوض مع الطرف النقابي، تركيبة مجلس الجامعات المعين) وذلك بإصدار مقال صحفي يومي في إحدى الجرائد الصباح أو الشروق أو لوطان.

2.        مغالطة نواب الشعب والرأي العام الوطني وبالطبع رئاسة الجمهورية بردود وزير التعليم العالي على أسئلة بعض أعضاء من مجلس النواب (السيدات والسادة محمد الدامي وهشام الحاجي والعروسي النالوتي وآمنة بن عرب ونورالدين الطرهوني وهدى دبش ) (7)  وفي الملف التلفزي حول منظومة إمد.

3.        جعل كيفية تعامل وزارة التعليم العالي مع الإتحاد العام التونسي للشغل (تأسيس نقابات مستقلة، اختيار المسئولين النقابيين وشراء ذممهم، دفع بعض الأشخاص لرفع قضايا ضد الإتحاد العام، رفض التفاوض والرد على أي مطلب نقابي، تلفيق تهم باطلة للنقابيين وتخوينهم، ازدواجية الخطاب) مثالا يحتذي به للوزارات الأخرى وذلك للانتهاء مرة واحدة مع هذه المنظمة التي ضمت الإرهابيين (الإخوة فرحات حشاد، أحمد التليلي والحبيب عاشور رحمهم الله) وتضم المتطرفين (الإخوة عبد السلام جراد وأعضاء المكتب التنفيذي الذين يتبنون ويمضون على الإضرابات) وتدافع عن حقوق الطبقة الشغيلة وعن الديمقراطية وعن القضايا الوطنية والقومية.

الطلبة في قلب الإصلاح الجامعي

1.    تجهيل الطلبة وتمييعهم والقضاء نهائيا عن الحركة الطلابية وإمتدادتها مع المجتمع المدني (حتى ولو أدى ذلك إلى بروز السلفية في الجامعة) ومنع كل نشاط ثقافي هادف في المؤسسات الجامعية.

2.    عدم الاكتراث بالوضعية المعنوية والمادية للطلبة وللطالبات (سكن ذوات الحالة الاجتماعية المتواضعة والنقل) ودفع العديد منهم للبحث عن موارد إضافية لضمان استكمال دراستهم (8) أو الانقطاع عن الدراسة ومعاملتهم كقصر وعدم اعتبارهم.

3.        تكريس الثقافة الرقمية بمنع الأنترنات على الطلبة حيث أن العديد من المؤسسات الجامعية تفتقر إلى قاعة أو فضاء للأنترنات (كلية العلوم بتونس، كليات الآداب والحقوق) أو ليست مرتبطة بالشبكة (المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس).

وأخيرا إن نجاح وزارة التعليم العالي في إرساء برنامجها للنهوض بالجامعة (لم يقدم أي عميد أو رئيس جامعة استقالته) يشهد به الجميع، فهي الوزارة الوحيدة التي وقع تأهيلها، باعتمادها برنامج الجودة العالمي (اليونسكو) وبارتقائها بالجامعة العمومية عند إقرار منظومة إمد (حسب المواصفات الأوروبية) إلى الامتياز. وهي الوزارة التي جمعت أغلبية الشعب التونسي حول مشروعها (الجرائد الوطنية، الملفات التلفزية، مجلس النواب)، وبقيت قلة من كبار الأساتذة الذين ستحالون على التقاعد ومن النقابيين المنضوين تحت الإتحاد العام التونسي للشغل والذين سيندثرون باهتزاز التقدمية والحداثة والحركة النقابية العالمية، في انتظار أن يصبح وزير التعليم العالي وزيرا أول أو مستشار أول لرئيس الجمهورية أو... لتصفيتهم نهائيا.

رحم الله السادة محمود المسعدي والدالي الجازي ووفق الله السادة وزراء التعليم العالي السابقين في أعمالهم.

                                                                                             مدرس - نقابي

 

لم أمض على هذا المقال حذوا بوزير التعليم العالي الذي امتنع على إمضاء بيانه الأخير (5).

 

1)      رد وزير التعليم العالي على أسئلة أعضاء مجلس النواب عند مناقشة ميزانية وزارة التعليم العالي ديسمبر 2006.

2)      ندوة نقابة التعليم العالي والبحث العلمي حول منظومة إمد فيفري 2006.

3)      بين خرق القوانين والدفاع عن الجامعة العمومية مقال الأخ أنور بن قدور بجريدة الشعب جانفي 2006.

4)      بيان جامعة التعليم العالي والبحث العلمي حول المناشير الوزارية فيفري 2007.

5)      بيان وزارة التعليم العالي بمناسبة إضراب 5 أفريل 2007.

6)      الندوة الصحافية لوزير التعليم العالي أفريل 2007.

7)      رد وزير التعليم العالي في جلسة حوار الحكومة مع أعضاء مجلس النواب أفريل 2007 .

8)      على كل طالبات تونس ... أن يتحدن مقال السيد صبري الزغيدي بجريدة الشعب مارس 2007.