El
Mostafa Soulaih
بين الفينة و الأخرى يثير الإعلام المغربي
المكتوب ، كما هو الحال منذ عام 2005 في
أقطار من الشرق الأوسط ، قضية ”عبدة
الشيطان “ و معها يؤكد بنوع من الإطلاقية
غير الموثقة أنها قد أضحت طريقة للشباب
ينتهجونها في حياتهم اليومية. فما مدى صحة
هذا الادعاء ؟ إن اتصالا استبيانيا مباشرا
بعينة من هؤلاء الشباب و قراءة في بعض من
الأحداث و ملفاتها التي ترتبت عن هذه
القضية في المملكة المغربية و مقارنة كل
ذلك بالساتانيك ، يكون كافيا لإثبات ضعف
هذا الادعاء .
1 ـ ظواهر غريبة ؟
إنه لا علاقة بين ما نرصده من ظواهر مثيرة
للفضول و الاستغراب تنتشر بين يافعينا و
شبابنا و بين الطريقة المعروفة باسم ”عبدة
الشيطان “ أو ” الساتانيك “. فهذه الأخيرة
هي بمثابة تيار عالمي ذو أصول غربية ،
أوروبية و أمريكية شمالية ، يعيد عديد من
المهتمين تاريخ بداية انتشاره إلى عام
1966 ، يتقاسم فيه المريدون مجموعة من
الأفكار الرئيسية في مقدمتها أن الشيطان ،
أو ”حركش“ أو ساتان ، هو رمز الوفاء و
الإخلاص للبشر. يستندون إلى كتاب مرجعي
لهم هو الإنجيل الأسود،و من ترانيمهم
المقدسة لديهم : ” أيها الشيطان ، خذ روحي
. و يا غضب الله دنسها بالخطيئة و باركها
بالنار،،،لا بد أن أموت،،، الانتحار ،
الانتحار ، الانتحار ،،، لا بد أن أموت “.
يبادلون بعضهم التحية عن طريق التلويح
باليد بعد أن يجسموا بواسطة الأصابع قرني
كبش . يرتدون اللباس الأسود مزركشا بحلي و
رسوم تحيل على الشيطان و المقابر و
الموت مع إرخاء سلاسل معدنية من العنق إلى
الصدر و يخرمون الأذن و اللسان و أماكن
أخرى من الجسد مع إطلاق شعر الرأس و حزم
الجبين بشريط غالبا ما يكون أسودا هو
الآخر . تتعدد رموزهم التي من بينها : رأس
الكبش الذي هو تمثيل للشيطان نفسه عندهم ،
و العين الثالثة كما هو الحال عند
الماسونيين، و يين يانغ كشعار للتكامل و
الوحدة بين أضداد الكون كما هو الشأن لدى
الطاويين الصينيين، و الصليب المنكوس ،،،
و بالإضافة إلى ذلك يذبحون القطط ،
باعتبارها عندهم حارسة لعالم الشياطين ، و
يقدمونها كقربان لمعبودهم . و غالبا ما لا
يتجاوز عدد أفراد الفرق التي ينتظمون
داخلها السبعة إلى الثمانية أفراد ، و
يعتمدون في تهييج وجدانهم أثناء تجمعاتهم
على الموسيقى الصاخبة المصحوبة بجلسات
اللفائف المحشوة بالمخدرات ،، و هم في
الأخير لا يعتبرون أنفسهم معنيين بالأخلاق
أو القيم التي راكمتها الإنسانية عبر
تاريخها إلى الآن .
و هكذا ، ففي اعتقادي أن ما نلاحظه في
المغرب من مظاهر تبدو على بعض تلامذتنا و
نعتبرها ، نحن ، غير محتشمة كتخريم الحاجب
أو اللسان أو أماكن أخرى ، و كارتداء
الإناث و الذكور لسراويل تكاد لا تستر بعض
المفاتن و قمصان قصيرة بالقدر الكافي
لتحرير الصرة أو كل البطن أمام الأنظار،،،
لا علاقة لها في الجوهر بعبدة الشيطان
التي هي طريقة لها مرجعياتها و طقوسها و
أركانها و لفظيتها و محفوظاتها و فوق ذلك
هي أقرب إلى الثقافة الاحتجاجية السلبية
الغربية منها إلى الثقافة المغربية. لكن ،
و في غياب دراسات و أبحاث أو حتى تحقيقات
سوسيوقيمية حول هذه الاختيارات البادية
على هؤلاء التلامذة يمكن ، مثلا ، اعتماد
الملف القضائي الذي بمقتضاه تم تقديم
مجموعة من هؤلاء الشباب المغاربة بتهمة
عبدة الشيطان إلى المحكمة بمدينة الدار
البيضاء قبل بضع سنوات لنتأكد من أنهم لم
يضبط في حوزتهم أو من خلال استجوابهم أي
من القرائن التي تثبت أنهم فعلا من
الساتانيك ، و هو و لا شك ما جعل أطوار
تلك المحاكمة تتحول إلى محاكمة لشباب كل
ما يؤاخذ عليهم هو أنهم يعشقون موسيقى و
أزياء مختلفة. و أما اتهامهم بتدنيس
القرآن أو بالإلحاد أو بذبح الصبيان و شرب
دمائهم أو بإفطار رمضان أو بالمثليين أو
الإباحيين أو بالإدمان على الخمر و الحشيش
و غيره من المخدرات فهي اتهامات لا تعدو
أن تدخل في باب انتقاء حالة أو حالات
متفرقة و استغلالها من قبل دعاة للباس
آخر و علاقات أخرى في اختلاق خصوم
و لو كانوا وهميين من اجل تنزيه أجندتهم
السياسية و تبرير خطاباتهم التكفيرية
.
2 ـ غزو فكري ؟
أولا ـ إن المغرب قد أصبح مفتوحا على
العالم من خلال مجموعة من البوابات و
المنافذ و ذلك بشكل لم يعد بالإمكان معه
وضع أية عراقيل جمركية أو أمنية أمام دخول
أو خروج أي نوع من البضائع المادية أو
الرمزية أو الفكرية سواء تلك التي يمكن أن
نعتبرها مباحة أو محرمة ، إذ بالإضافة إلى
البوابات التقليدية كالمطارات و الموانئ و
المسالك و الطرق ها هو الانترنيت ، بعد
الفضائيات ، يحسم الأمر فيزيد من تصغير
رقعة العالم و يجعل الاتصال و التواصل بين
الأفراد فرادى أو مجموعات فوريا و في كل
وقت و حين و بالكتابة و الصوت و الصورة
،،، و فوق ذلك إن الجميع ، محافظين و
ليبراليين ، يسخرون الآليات التكنولوجية
المتاحة في سبيل هذا الاتصال و التواصل و
البحث عن المعارف و المعلومات و تبادلها
و استلام الأخبار و الأنباء و غيرها
من المستجدات في حينيتها ، و ذلك دون
الحاجة إلى مغادرة المقعد في البيت أو
مكتب الشغل أو السيبير كافي ؛ ثانيا ـ إن
الناس إذا كانوا متساوين في الحقوق و
الحريات و أمام القانون و في المحاكم ،
فإنهم مختلفون في باقي ما يتعلق بميزاتهم
الفردية و اختياراتهم و ميولاتهم و
توجهاتهم الشخصية ، و ذلك بحيث يستحيل أن
يتم العثور على شخصين ضمن ساكنة العالم
بأكمله ، و لو كانا توأمين ، متشابهين أو
متطابقين فبالأحرى في المغرب . و تزداد
الشقة في متغيرات هذا الاختلاف اتساعا
كلما تعلق الأمر بجيلين عمريين متباعدين و
لو كانا يتوارثان نفس اللبن و فصيلة الدم
و يتقاسمان نفس الانتماء؛ ثالثا ـ إنه
فيما يختار بعض الشباب المغربي موسيقى و
أغاني ” الهارد و البلاك ميتال “، فإن بعض
الكهول المغاربة يختارون بدورهم موسيقى و
أغاني أخرى أصخب من الأولى مثل تلك التي
تقام لإحياء حفلات الجذبة المتنوعة
الأنواع و الأشكال و ما تتخللها ، أحيانا
، حين يصل الهيجان البشري إلى ذروته من
الإلقاء بعنزة أو عتروس حي في الهواء و
التنافس بين المشاركين على بقره و افتراس
وبره و جوفه و شرب و الاغتسال بدمه قبل أن
تصل بقايا جثته إلى الأرض ؛ رابعا ـ أكيد
أن سنوات المراهقة هي أصعب فترات أعمار
تلامذتنا و باقي يافعينا، و لكن الأكيد
أيضا أن علاقات، سواء داخل الأسرة أو
المدرسة أو في العلاقة مع باقي الأجهزة
ذات الصلة بالأحداث عموما و بالأحداث
الجانحين خصوصا ، مفتوحة على الإصغاء
النشيط و الحوار المبني على الاعتراف بهم
كذوات رقيقة و مستقلة و على الاحترام
المتبادل وفق معايير مبنية على العقل و
على حجاجه المنطقي و ذلك بدل إعلان حرب
إعلامية ضدهم ، ستسعف في تجاوز مثل هذه
الصعوبة بسلاسة و بقليل جدا من الأخطاء أو
الانفلاتات المؤثرة لا محالة في بناء
شخصية هؤلاء الأحداث و في التنمية الكاملة
و السليمة لهذه الشخصية ، و ذلك دون أن
ننسى أن مظاهر الساتانيك الخارجية
الملاحظة على بعض تلامذة الثانوي ، خصوصا
، سرعان ما تتلاشى مع التحاقهم بالتعليم
الجامعي ؛ خامسا ـ بخصوص الحركات
التبشيرية و نشاطها في المغرب يجدر
التذكير أنها فيما تجد نجاحا داخل
المؤسسات السجنية المغربية لأسباب يطول
تعدادها إنها ، كما هو الحال بالنسبة
لطريقة عبدة الشيطان ،لم يكن و لن يكون
لها تأثير ذو بال على مصير الإسلام في
أفئدة شبابنا و باقي مواطنينا . و بالرغم
من أن أي ثري مسلم أو يحمل هوية إسلامية
يمكنه متى شاء أن يبني مسجدا في أي من
البلدان الغربية ، مسيحية أو علمانية ، في
مقابل منع أي مسيحي أو يهودي من تشييد
كنيسة أو بيعة في المملكة السعودية أو في
أي من بلدان الشرق الأوسط الواقعة تحت
نفوذها الوهابي ، فإن فرق المبشرين
بالمسيحية الذين ينتظمون ، مثلا ، في مدن
العبور الإسبانية إلى المغرب غالبا ما
يتحول همها إلى توزيع رزم الأقراص المدمجة
و أجزاء الإنجيل و أدلة تمسيحية أخرى
كيفما اتفق بدل اكتساب مؤمنين جدد من بين
المغاربة ، و قد حضرت لقاء أجابت فيه شابة
مغربية على دعوة من إحدى هذه الفرق بما
يلي : و لكني أيها الأصدقاء و الصديقات
لست وثنية ، و مع احترامي لجميع الديانات
السماوية و غيرها من المعتقدات
، عليكم أن تدركوا أن لي دينا أعتز به ، و
أن رسالتكم يمكن أن تكون أنجع إذا
وجهتموها ، مثلا ، نحو ساكنة أدغال و
أحراش الأمازون .
3 ـ مبدعون موسيقيون مغايرون
الواقع أننا أمام جهتين : جهة تصر على أن
العينة من الشباب المغربي المعني هم عبدة
للشيطان ، و جهة أخرى تجمع بين أفراد من
هذه العينة و بين متتبعين محايدين يلحون
على أن الأمر إنما يتعلق بفرق من مبدعين
موسيقيين شباب مغرمين بـ : ” الراب و
الروك و الراي “، مثل مجموعات ” الفناير“
المراكشية ، ” آش كاين “، و ” هوبا هوبا
سبريت “،،، يتقنون العزف على آلات غربية
حديثة مثل الغيتار و الساكسو و التشيلو و
يستلهمون الإيقاعات من مقطوعات شعبية
مغربية ، و يستوحون القضايا المغناة
من الحياة المغربية اليومية و يؤدون ثمرات
أبحاثهم في ” البوليفار “ نسبة إلى شارع
الموسيقيين الشباب أو الفضاءات الأخرى
المتاحة. فهل يكون من أسباب تراكم الحقد
عليهم أن من بين أغانيهم المشهورة : ما
تقيسش ، أي لا تمس، بلادي التي تدين
التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي أودت
بحياة عشرات من المواطنين الأبرياء؟
4 ـ ليسوا قتلة للصبيان
شتان بين ما يحدث في المغرب و ما يحدث في
البلدان الأخرى خارج إقليم شمال إفريقيا و
الشرق الأوسط ، فباعتبار أن الحق في حرية
التعبير و إبداء الرأي ، و كذا الحق في
حرية الضمير و الاعتقاد و إقامة الشعائر
الدينية هي حقوق و حريات تعلو
فوق الدستور في الولايات المتحدة ، فإن
هذه الدولة لا يمكنها إلا أن تعترف
بالساتانيك و بالكنيسة التي أسسها انطوان
لافيه في مدينة فرانسيسكو سنة 1966 لأداء
شعرائهم . لكن القانون في الولايات
المتحدة الأمريكية ، كما هو الحال في كل
بلدان العالم ، يجرم القتل
)و
لو على الأقل داخل التراب القضائي
الأمريكي
(
فبالأحرى إذا كانت هذه الجريمة تهم صبيانا
لا قدرة لهم على استيعاب ما يدور حولهم و
لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم أو مقاومة
أي خطر يتهددهم . و في هذا الإطار
إن حقوقيي المغرب و خاصة المستقلين منهم ،
أي الذين لا يعتمدون في اتخاذ المواقف ذات
الصلة بحقوق الإنسان سوى المعايير الدولية
التي ينص عليها القانون الدولي لهذه
الحقوق و الذي هو أصلا قانون بين حكومات
الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة ، لا
يعارضون أبدا ، بل و يحثون الدولة
المغربية و حكوماتها المتعاقبة ، على أن
تضمن للمواطنين و لغيرهم من الأفراد
المقيمين فوق ترابها الحق في حرية
الاعتقاد و تغييره دون إجبار أو إكراه و
حرية التدين و التعبد و إظهارهما و في
نفس الآن يلحون على ألا يفلت أي فرد يرتكب
جريمة قتل من العقاب المنصوص عليه في
القانون ، و لأنهم كذلك لا ينخرطون في
حملات دعائية تشهيرية أو تحريضية ضد أفراد
أو مجموعات بدعوى أنهم يتكتمون على نوايا
إجرامية لم يتم إثباتها ، أو ضد أفراد
لمجرد أنهم يهوون، بما لا يناسب أذواق
آخرين ، ” الحايحة ميوزيك “ بما تعنيه من
صخب و فرجة و هيجان .
* كاتب و باحث من المغرب
القدس العربي ، مدارات ، ليوم 24 يونيه
2008
|