يتصاعد
السجال ويتداخل بشأن إمكان عقد الحكومة
العراقية لاتفاقايات مع محيطيها الإقليمي
والدولي. وهو ينصب حاليا على حالتين
الأولى بشأن اتفاق ورد الحديث عنه في
تصريحات مسؤولين عراقيين تحت مسمى تفاهم
أمني مع الجارة إيران والآخر وهو الأعلى
صوتا بشأن مسيرة المفاوضات الجارية بخصوص
اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة
الأمريكية..
وبقطع النظر
عن الاتفاق أو التفاهم الأمني مع الجارة
إيران على أساس أنَّه إجراء لا يرقى
لاتفاقية كما لا يدخل حيز الواقع العملي
لمفارقته الإقرار القانوني وعدم شرعنته
بسبب عدم مروره على المؤسسة الرسمية
المختصة وأبعد من ذلك عدم مروره على
البرلمان العراقي الجهة التشريعية الوحيدة
الحاسمة بشأن شرعنة أيّ اتفاقية...
بقطع النظر
عن هذه الحالة الإقليمية فإنَّ ما يثير
الاهتمام هنا يكمن في حال السجال بين
الأطراف العراقية بخصوص الاتفاقية
العراقية الأمريكية.. حيث المطلوب اليوم
ممن يدير المفاوضات أنْ يمضي بها بطريقة
تستند إلى أوسع دعم رسمي وشعبي على خلفية
وحدة وطنية واضحة وملموسة في الدفاع عن
مصالح العراق وتجسيد ذلك في مسيرة
التفاوض...
ومن دون هذا
الظهور سيبقى وضع المفاوض العراقي ضعيفا
مهزوزا ويُحتمل أن تمر نتيجة ذلك أمور غير
محمودة أو غير مفيدة لا في الأجل القريب
ولا على المدى البعيد.. ومن هنا ينبغي أن
يتصدى الجميع للأمر ليس من جهة السجال
والتقاطع واختلاف الرؤى بقدر ما يمضي في
ضوء واقع حال التفاوض ومجرياته..
على أنَّ
وفد التفاوض والجهة الحكومية المسؤولة
يلزمها أن تلتزم بأمور ثابتة لا تحيد
عنها.. لأهمية توحيد الجهود وصبها في
صلابة موقف المفاوض ووضوح رؤيته ومطالبه..
تلك هي العمل:
1. بشفافية
ووضوح بعرض الأمور على المعنيين من
العراقيين كافة...
2. العودة
إلى المسؤولين في القيادات السياسية
الوطنية العراقية بكل أطيافها وفرقائها
بلا استثناء...
3. أن يكون
ثابت التفاوض والأولوية هو المصالح
الوطنية السيادية العراقية العليا...
4. أن يجري
التفاعل مع طبيعة الأوضاع العراقية
القائمة من جهة كون البلاد ما زالت تمرّ
بأوضاع غير مستقرة وبعوامل إضعاف أو عدم
اكتمال جهود بناء مؤسسات الدولة بطريقة
تتناسب واتخاذ القرارات الاستراتيجية
البعيدة.. بمعنى أن يجري التحدد بسقف زمني
غير (طويل الأمد) في عقد أي اتفاق..
5. أن يجري
تحديد مفردات الاتفاق بأمور إطارية عامة
لا تُلزِم العراق بما يمسّ مصالحه آنيا أو
فيما بعد...
6. وفي
آلية إقرار الاتفاقية ينبغي توافر الآتي:
أ.
الحصول على إجماع القوى الوطنية بشأن
الصيغة النهائية للاتفاقية.
ب. إجراء استفتاء شعبي
مناسب إذا ما كانت الاتفاقية استراتيجية
بعيدة أو طويلة الأمد..
ت. عرضها على مناقشات
برلمانية وافية قبل التحول للتصديق
عليها...
ث. إيجاد المفردات
القانونية التي تشير إلى طبيعة ظروف عقدها
وإلى التغييرات المحتملة التي يمكن في
ضوئها تعديل الاتفاقية ومنع قسرية امتداد
زمن نفاذها أو تحجيم احتمالات إخلالها
بالتوازن المؤمل فيها...
أما بشأن ما
يجري من تجاذبات في الساحة السياسية
العراقية بخصوص الاتفاقية فينبغي الحديث
عن حالين:
الأول: يخص
تلك القوى التي تتحدث عن الاتفاقية من
منظور مصالح حزبية ضيقة أو تمثيلها لأجندة
غير وطنية..
الآخر: يخص
تلك القوى التي تريد وضع لمساتها ورؤاها
بما يخدم أفضل صيغة لاتفاقية عراقية
أمريكية تنظر إلى توازن المصالح المتبادلة
وتستفيد من مثل هذه الاتفاقية...
وفي الحقيقة
لابد من القول هنا: إنَّ مسألة عقد
الاتفاقات إقليميا ودوليا هي قضية منتظرة
لتسيير جهود البناء الوطني وهي مفردة
تقرها القوانين المحلية والدولية.. ومن
جهة أخرى فإنَّ جهة الولايات المتحدة
الأمريكية ليست جهة خارجة عن كوكبنا وعن
دائرة إدارة العلاقات عندما يدخل الأمر في
خانة احترام التبادلية والتوازن
والمساواة.
فلا يوجد
(مطلق) للعداء أو (مطلق) للصداقة.. كما لا
ينبغي لنا أن نضع الافتراضات المسبقة
ونتعاطى مع السلبي تحديدا كما في حال
أولئك الذين سوّقوا لموقف عدائي مع أي
تفكير في اتفاقية مع الولايات المتحدة
الأمريكية..
وصرنا نشاهد
فعاليات من نمط التظاهر من أطراف داخل
العملية السياسية وداخل الائتلاف الحكومي
ضد الاتفاقية.. ومن نمط فعاليات الاستفتاء
والتصويت على الاتفاقية من دون التعرف إلى
نصها ومضامينها وكأنّ الاتفاقية صيغة
ثابتة مطلقة تتقاطع ومصالح العراق الوطنية
العليا...
وقد يدخل
مثل هذا السلوك لتلك القوى في أحد
الاحتمالات الآتية:
1. أنها
قوى تريد الكسب الدعائي [الحزبي الضيق] في
الوسط الشعبي بخاصة لتلك القوى التي تراجع
رصيدها مع مضي السنوات الخمس من دون أي
تحقيق لمطالب الناس "مثل بعض القوى
الإسلاموية التوجه"..
2. أو
أنها تعبر عن تطابق رؤيتها مع رؤية قوة
إقليمية أو أخرى وليس عن تفكيرها بالأهداف
الوطنية المباشرة.. كما في الدفاع عن رؤية
إيرانية وردت صريحة وبلا احترام للقواعد
والأصول البدلوماسية على لسان [المرشد
الأعلى] وهو يشير لوفد عراقي رسمي بوجوب
عدم عقد الاتفاقية لأنه يراها من منطلقاته
غير مجدية وغير مفيدة [طبقا لتقاطعها مع
أجنداته داخل العراق ولتخوّفه من النتائج
التالية في داخل بلاده]...
3. أو
أنها تعبر عن موقف حزبي وأيديولوجيا
دوغمائية جامدة في اتخاذ موقف العداء
والتقاطع المطلق مع الولايات المتحدة
فضلا عن تعبيرها عن نزعات رؤى قومجية
واردة من خارج الحدود العراقية..
وفي جميع
أحوال هذا الرفض المطلق المسبق لا ينبغي
التردد من القول بخطل مثل هذه المواقف؛
وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. إذ أنّ
أمر عقد الاتفاقات ممكن وطبيعي في ضوء
شروط قننها المشرّع الوطني والدولي.
ومصالح البناء والتقدم بحاجة لتفعيل
علاقات ثابتة مع مختلف الجهات الدولية
بالتأكيد في ضوء الشروط والمصالح الوطنية
والتوازن في العلاقات...
ومن جهة
المفاوض يمكنه بشأن مثل هذه التقاطعات أن
يوظفها في خدمة تقوية موقفه وجهوده في وضع
صياغة تخدم أكثر ما يمكن من المطالب
العراقية.. وأن يدخلها في خانة البناء
والتقوية بدل من جعلها فرصة لإضعاف الموقف
وإتاحة فرص للإخلال بالتوازن...
وعلى القوى
المخلصة للوطن والشعب أن تفكر بصياغة
إجراءاتها في الموقف من الاتفاقية بما
تمليه المسيرة من جهة صبّ الأمور في توحيد
الجهود كافة ومفاعلتها بنائيا لا هدميا
ولا تناقضيا...
وبجملة
القول ومختصره سنشهد استكمالا للتفاوض
ولكن من المفيد التذكير بألا يتم ذلك بسقف
زمني مفروض مسبقا كما يجري الحديث عنه
اليوم [تحديد يوليو تموز القابل موعدا
نهائيا] فالقضية يمكن أن تمضي كما حصل مع
قانون النفط.. فإذا لم يجري التوصل للصيغة
المناسبة الصحيحة والوافية بمصالح ومطالب
العراق فإنّ السقف الزمني سيؤدي لفرض صيغة
تمرر ثغرات غير مقبولة وقد تفرض توازنات
مرفوضة النتائج...
عليه
فالقضية ينبغي أن تأخذ مطالب عراقية تامة
وتستجيب بوضوح وملموسية في الصياغة وإلا
فلا قيمة للسقف الزمني سوى في كونه أداة
ضغط سلبية لا تستجيب إلا لدواعي ورؤى
أحادية الطرف..
من هنا يلزم
أن يكون الثابت العراقي خارج فروض الآخر
وتصوراته الأحادية وخارج سلطة داعئية أنّه
طرف غير نسخته الأولى. إذ الأمر لا يقف
متعكزا على موقف دعائي فالتغيير أمر طبيعي
في أية مفاوضات ولكن الحكمة والعبرة في
الصيغة النهائية التي نبغيها ونريدها
متوازنة تستجيب لمصالحنا ومطالبنا الأساس.
بقي أن
نقول: إنَّ على الشعب العراقي الذي اختار
طريق العملية السياسية وطريق بناء مؤسسات
دولته وتطليق لغة العنف التي ظلت للسنوات
المنصرمة تحاول قتل خياره أن يواصل خياره
السمي في البناء وأن يعاضد مؤسساته
وتطهيرها وتفعيلها ودعم كل خطوة بناءة
تجري من أصغر موظف حتى أعلى مسؤول سيادي
في البلاد...
ومن الطبيعي
أن تجد عملية دعم جهود التفاوض بشروط
وطنية عراقية نتائجها المثمرة من دون
التخلي عن مسألة توصيف الاتفاقية المحتملة
بشروط ترفض أي نمط من الإخلال بمعطيات
مبادئ القانون الدولي وشروط ومطالب الشعب
العراقي...
ولا خوف على
شعبِ ِ خيارُهُ طريق الحياة والتقدم
وعملية البناء ورفض طرق العنف ورفض وضع
العراق أداة لصراعات قوى إقليمية أو دولية
أو فتح فرص للتراجع عن مسيرة بناء
الديموقراطية التي تخشاها قوى إقليمية
معروفة..
ولنمضِ في
طريقنا وطنيا مستقلا مدافعا عن مسيرة
البناء مع كبير الحذر من تفتيت قوانا
وجهودنا أو قبول الأسقف القسرية التي لا
تستجيب لمطالبنا ولنعزز فعلنا بتفاعلنا مع
الصوت الشعبي بكل شفافية وألا نترك
المفاوض فردا بلا مؤسسة تحميه من احتمال
الابتزاز أو الذهاب برؤية أو اجتهاد قد لا
يكون في مصلحتنا.. ولنحصّن المفاوض
بتكاتفنا وعملنا على فرض إرادتنا الوطنية
بالاتجاه الصائب الصحي الصحيح...
إنّ مبدأ
وطنيا ومسيرة كهذه لا يمكنها إلا أن تؤكد
حرصها الثابت الوطيد على أفضل صياغة تحقق
المصالح المشتركة من جهة وتمتنع عن أي
خطاب لتهديد الجيران بأي شكل من الأشكال
بل ستعزز الاتفاقية بفلسفتنا التي نصبها
فيها عميق العلائق الإيجابية البناءة مع
محيطنا في ذات الوقت الذي ستساهم في منع
أصابع التدخلات [الإقليمية] عبر تقويتها
الطرف العراقي إذ سيكون عقد اتفاقية
متوازنة قوة لتعزيز بناء الديموقراطية
وإعادة إعمار المؤسسة التي خربت ونهبت
واستبيحت طويلا لتكون مؤسسة لتحقيق مصالح
الشعب وهو ما يستجيب لمصالح الشعوب التي
نتعايش وإياها في منطقة واحدة وفي العالم
الأجمع..
باحث
أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في
حقوق الإنسان
19\06\2008
tayseer54@hotmail.com
|