ما
هو تقييمكم لتعاطي الحكومة والسلطات
العمومية مع
الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها بعض
المدن والمناطق المغربية والتي كثيرا ما
يستخدم فيها العنف ضد المواطنين؟
لاحظنا في الفترة الأخيرة، أن
السلطات تلجأ إلى استعمال العنف لمواجهة
عدد من الاحتجاجات الاجتماعية، كما وقع
مؤخرا في سيدي إفني ابتداء من صبيحة يوم
السبت 7يونيو، حيث تم الهجوم بعنف على
الحركة الاحتجاجية والسكان الآمنين في
منازلهم بأساليب اعتقد العديد أنه تم
تجاوزها. لكن مع الأسف بالرجوع إلى
استخدام أساليب قمعية شرسة يتبين أن هناك
داخل
القوات العمومية من له حنين إلى أساليب
الماضي.
و هذه الاحتجاجات، مثل ما وقع
في إفني أو بولمان دادس أو صفرو، تجد
أسبابها في الأوضاع الاجتماعية المتردية
التي
لو عالجتها السلطات بأسلوب الحوار وتفهم
المطالب لما وصلنا إلى استعمال العنف ضد
المواطنين العزل.
الواضح أن للسلطات الآن اختيار لمواجهة
الحركات الاجتماعية
بالعنف، ونحن كجمعية مغربية لحقوق
الإنسان، اتخذنا مواقف صريحة وواضحة، حيث
أدنا
بقوة استعمال العنف لتفريق الاحتجاجات
خاصة حينما يكون لها طابع سلمي.
لماذا
في نظركم تلجأ السلطات
العمومية أحيانا إلى المقاربة الأمنية بدل
الحوار، هل ينم ذلك عن العجز في إيجاد
الحلول للمشاكل التي يطرحها المواطنون، أم
هو تراجع عن الحريات وحقوق
الإنسان؟
هناك سببان للمقاربة
الأمنية كما سميتها. فمن جهة، هناك مشاكل
اجتماعية وهي حصيلة لتراكم أزمة اقتصادية
واجتماعية في البلاد، بحيث أن النظام
الاقتصادي المتبع هو نظام رأسمالي تبعي
مطبوع
كذلك بخصائص اقتصاد الريع، وهو نظام عاجز
عن حل المشاكل الاجتماعية للمواطنات
والمواطنين ويتميز بالاندماج في العولمة
من موقع الضعف.
وهذا الاندماج له تأثير
على النسيج الاقتصادي والاجتماعي، إذ يؤدي
إلى تهميش فئات واسعة من المواطنين
والمواطنات ومناطق بكاملها، ويساهم في
انتشار العطالة وخاصة وسط حاملي الشهادات
العليا، والملاحظ أن هذه الفئة لها دور
مهم في تأطير هذا النوع من الاحتجاجات.
إذا هناك مشاكل اجتماعية أصبحت الحكومة
عاجزة على مواجهتها في إطار البنية
الاقتصادية والاجتماعية الحالية.
لكن من جهة أخرى، هناك توجهات سياسية
للدولة
التي ليس بها اختيار ديمقراطي قار وواضح
رغم كثرة الحديث عن الانتقال الديمقراطي،
الذي يمكن القول حوله أنه "انتقال
ديمقراطي محجوز". فمنذ 1976، والخطاب
الرسمي
يتحدث إما عن المسلسل الديمقراطي أو
التجربة الديمقراطية والآن يتم الحديث عن
انتقال ديمقراطي ولكنه انتقال طال أمده
منذ أكثر من ثلاثين سنة.
وعندما تجد
السلطة السياسية نفسها أمام احتجاجات،
لاتقوى على الاستجابة إليها وتلبية
المطالب
الاجتماعية التي يرفعها حاملوها، فهي تلجأ
إلى استعمال العنف نظرا لطبيعتها غير
الديمقراطية.
تتعذر السلطات في منعها
وقمعها للتظاهر بكون بعض الاحتجاجات تؤدي
إلى عرقلة السير في الشارع العام كما يقع
في الرباط، والمس بممتلكات الغير وشل بعض
المرافق العمومية(ميناء إيفني)مؤخرا، ألا
تعتقدون أن تلك التصرفات تتضمن مسا بحقوق
الغير وتعطي مبررا لتدخل السلطات، وكيف
يمكن في نظركم خلق التوازن ما بين الحق في
الاحتجاج والحق في المحافظة على حقوق
الآخرين؟
السلطات عندما تستعمل العنف ضد
الوقفات أو المسيرات السلمية، تتذرع
دائما بأسباب انتهاك القوانين أو المس
بحقوق
الغير، إلى غير ذلك من التبريرات. لكن ما
نلاحظه، وهذا ما عشناه نحن كجمعية مغربية
لحقوق الإنسان، هو أن السلطات عندما تقرر
المنع، فهي تقوم بذلك ولو لم يكن هناك
عرقلة للسير أو خرق للقانون. مثال على
ذلك، ما حدث بتاريخ 15 يونيو 2007، عندما
تم
قمع وقفة نظمتها الجمعية المغربية لحقوق
الإنسان تضامنا مع معتقلي فاتح ماي،
بالرغم
من أنه لم يكن هناك أي عرقلة للسير
العمومي، هذا مع العلم أنه في نفس اليوم
تم
تنظيم عشرين وقفة أخرى من طرف الجمعية
بمناطق مختلفة ولم يطلها أي منع.
أحيانا
يكون للسلطات أسباب تخصها، أسباب سياسية
أو تقديرات محلية وتريد منع شيء ما، فتلجأ
إلى العنف الذي لابد لها أن تبرر لجوءها
إليه وإن كانت تلك التبريرات واهية.
أما
بخصوص مسألة التوازنات ما بين الحق في
الاحتجاج السلمي واحترام حقوق الغير،
يبقى الحوار المنتج هو النهج السليم نحو
ذلك.
فعندما
يلمس المواطنون المحتجون
أن السلطة لها رغبة في الإنصات إليهم
وتلتزم بوعودها، أعتقد أنهم لن يلجؤوا إلى
الأساليب التي يمكن أن تتسبب في توتر
الأوضاع.
إن المواطنات والمواطنين في سيدي
إفني لم يعمدوا إلى توقيف الشاحنات إلا
بعد أن تبين لهم أن السلطة غير جادة في
الالتزام بوعودها، علما أنه كانت هناك
وعود لساكنة سيدي إفني على أعلى
المستويات،
للاستجابة لمطالبهم والتي هي ليست مطالب
تعجيزية، ذلك أنهم لم يطالبواسوى بأن
تصبح
سيدي إفني عمالة، ويتم توسيع الطريق
الرابط بين سيدي إفني وطانطان، وتوسيع
الميناء
وإنشاء بعض المعامل، وتشغيل المعطلين.
وفي اعتقادي لو كان هناك مخطط اقتصادي
اجتماعي في المنطقة، لما وصلت الأمور إلى
ما وصلت إليه.
أنتم كجمعية حقوقية، ماهي المشاكل التي
تعترضكم أثناء
تنظيمكم مثلا لوقفات احتجاجية؟
نلاحظ بأن السلطة تنهج موقفا متناقضا
اتجاهنا. فأحيانا تمر وقفاتنا واحتجاجاتنا
السلمية في جو عادي، ونلمس شبه تعاون
لقوات الأمن معنا لتمر الأمور في هدوء.
وأحيانا أخرى، يكون هناك توتر تخلقه
السلطة، عبر التدخل لقمع وقفاتنا. والكل
يتذكر ما وقع لنا ليلة 9 إلى10 دجنبر
2000،
عندما أردنا الاحتجاج أمام البرلمان على
تكريس منهج الإفلات من العقاب بالنسبة
للمتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان، حيث تعرضنا لقمع شرس وتم اعتقال
ستة وثلاثين من أعضاء الجمعية والحركة
الحقوقية.
الجميع يتذكر كذلك ما وقع يوم
15
يونيو 2007 بالرباط، في حين مرت الوقفات
في مناطق أخرى في جو عادي. نحن في
الجمعية لانفهم سبب محاولة السلطة خلق تلك
التوترات.
ربما
ذلك يرتبط بالموضوع الذي
تحتجون من أجله؟
فعلا، كان قمع وقفة ليلة 9 إلى 10 دجنبر
2000 مرتبط
بالموضوع، حيث كان هدف الوقفة هو الاحتجاج
على تكريس الإفلات من العقاب والمطالبة
بمساءلة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة
لحقوق الإنسان. لكن في الوقفات الأخرى،
مثل تلك التي تم تنظيمها في 15 يونيو 2007
بالرباط للتضامن مع معتقلي فاتح ماي
وللتنديد باستعمال ذريعة المس بالمقدسات
لقمع الحريات، تم اللجوء إلى القمع
العنيف،
بينما مرت وقفات حول نفس موضوع الاحتجاج
وفي نفس اليوم بشكل عادي في عشرين مدينة
أخرى.
ربما ذلك يرتبط بمحاولة السلطات تلقين
القيادة الجديدة للجمعية درسا، حيث
لم يمر سوى 40 يوما على انتخاب الرفيقة
خديجة رياضي كرئيسة للجمعية. وأعتقد أنها
تصرفت بشجاعة كبيرة في مواجهتها للعنف
المجاني وهي التي لقنت لهم الدرس.
تتذرع
السلطات
بالقانون لمنع التجمهر في الشارع العام،
كيف يمكن إصلاح التشريع المنظم للحريات
العامة في اتجاه يضمن هذا الحق؟
نعتبر أن التشريع الحالي يسمح بتنظيم
الوقفات الاحتجاجية السلمية دون أي ترخيص
أو حتى دون أي إشعار، وهذا ما اتضح عندما
قامت محكمة الاستئناف بالرباط بتبرئة ساحة
مناضلي الجمعية والحركة الحقوقية الستة
والثلاثين سنة 2001الذين كانوا قد اعتقلوا
على خلفية تنظيم الوقفة ليلة 9 إلى 10
دجنبر 2000 ضد الإفلات من العقاب. بعد أن
كانت قد أدانتهم المحكمة الابتدائية
بثلاثة أشهر حبسا نافذا. ومن خلال البراءة
التي تمتعنا بها، اتضح أن الوقفات
الاحتجاجية السلمية هي وقفات قانونية
لاتتنافى مع القانون الجاري به العمل. في
حين
نقوم بالتصريح أو إشعار السلطات كلما تعلق
الأمر بالمسيرات الاحتجاجية السلمية التي
تتطلب ذلك وفقا للقانون.
نحن نطالب كجمعية مثل الحركة
الديمقراطية ككل،
بإدخال تعديلات على قوانين الحريات العامة
سواء تعلق الأمر منها بقانون الصحافة أو
قانون الجمعيات أو قانون الأحزاب أو
القانون المنظم للتجمعات أو القانون
المنظم
للوقفات والمسيرات حتى تنسجم مقتضيات تلك
القوانين مع معايير حقوق الإنسان الكونية
وحتى تتوضح الأمور أكثر ولايبقى هناك
تأويلات مختلفة بالنسبة للحق في التجمع
والتظاهر.
من
بين
التوصيات التي وضعتها هيئة الإنصاف
والمصالحة ضرورة اعتماد حكامة أمنية، ألا
تعتبرون أن ما حدث في إفني يستدعي الإسراع
في تنفيذ ذلك؟
نحن نعتبر
عموما أن الدولة المغربية غير مستعدة
لتطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة
ولاتتوفر لحد اليوم على الإرادة السياسية
لذلك في مختلف الميادين وبالأحرى في ميدان
حساس مثل ميدان الأمن والحكامة الأمنية
التي تعودت الدولة أن تتصرف فيه دون حسيب
أو
رقيب.
ونحن في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان،
نعتقد أنه ليس من الصحيح تجزئة
المشاكل المرتبطة بحقوق الإنسان، ذلك أن
احترام حقوق الإنسان يمر عبر شعار أساسي
واحد هو بناء دولة الحق والقانون، والمدخل
لذلك هو إقرار دستور ديمقراطي لبلادنا.
مع الأسف إن هيئة الإنصاف والمصالحة لم
تكن لها الشجاعة لطرح المشكل بهذا
الوضوح، لتقول أن الانتهاكات الجسيمة التي
عرفتها بلادنا سببها الأساسي والجوهري هو
تغييب دولة الحق والقانون، وإذا أردنا أن
لاتتكرر الانتهاكات الجسيمة في المستقبل،
فلابد من بناء مقومات دولة الحق والقانون
بدءا بإقرار دستور ديمقراطي.
قررت
الحكومة الاقتطاع من روراتب
الموظفين الذين شاركوا في الإضرابات
العامة الأخيرة، هل يعتبر ذلك إجراء جديد
لكبح
جماح الحركات الاجتماعية والنقابية؟
نحن
في الجمعية، أصدرنا مؤخرا موقفا في هذا
الموضوع في أحد بلاغات المكتب المركزي
واعتبرنا أن الاقتطاع من أجور الموظفين هو
انتقام من المضربين وعرقلة لحق الإضراب.
مع العلم أنه حق دستوري.
فما
كان جاريا به العمل منذ سنوات طويلة هو
الاقتطاع
من أجور العمال المضربين في القطاع
الخاص. وحتى في هذه الحالة حينما يتم
الإقرار
بمشروعية الإضراب من طرف المشغلين، يتم
التراجع عن الاقتطاع أحيانا خلال
المفاوضات
لفض النزاع.
أما في القطاع العام، فالجاري به العمل هو
عدم الاقتطاع من أجور
الموظفين المضربين وهو حق مكتسب منذ سنين
عدة. والملاحظ أن الحكومة هددت بالاقتطاع
ولم تنفذ هذا الإجراء سوى بشكل جزئي جدا.
لو أن الحكومة مرت إلى الاقتطاعات
بالنسبة لمجمل المشاركين في إضرابي 13 و21
ماي الماضي في الوظيفة العمومية، لتوترت
الأجواء بشكل خطير. ولحسن الحظ أن الحكومة
اكتفت بالتهديدات لحد الآن.
كجمعية
حقوقية في
رأيكم أي حل للمعضلة الاجتماعية التي
يعيشها المغرب؟
نحن في الجمعية
كنا دائما نعتبر أن الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية لها نفس الأهمية التي تحظى
بها
الحقوق السياسية والمدنية، وهذا الموقف
كان فقط موقفا مبدئيا فترة طويلة لدى
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ولكن منذ
سنتين بدأت الجمعية تولي أهمية فعلية
كبيرة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حيث
بادرت في مطلع أكتوبر 2006 إلى تنظيم
أسبوع وطني ضد الغلاء ومن أجل الحياة
الكريمة. وهو ما شكل بداية لتأسيس
التنسيقيات
لمناهضة الغلاء ومن أجل الدفاع عن الخدمات
العمومية، التي وصل عددها إلى حوالي 90
تنسيقية موجودة بمختلف المناطق.
و خلال مؤتمرنا الأخير المنعقد في شهر
أبريل
2007،
اقترحنا فكرة إنشاء شبكة للتضامن
الاجتماعي تضم كافة القوى الاجتماعية من
نقابات ومعطلين وهيئات حقوقية وحركات
نسائية وقوى اجتماعية وسياسية ديمقراطية،
وذلك
كآلية للدفاع بشكل موحد عن الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدل أن
تظل
المبادرات مشتتة. ونحن مازلنا متشبتين
بهذه الفكرة ونعمل من اجل أن ننتقل من
تنسيقيات لمناهضة الغلاء إلى شبكة للتضامن
الاجتماعي هدفها الدفاع عن سائر الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل
وحدوي ومنظم.
لكن هذه التنسيقيات تبقى حركات
ترفع مطالب ولاتقدم اقتراحات
هذه التنسيقيات لازالت في بدايتها
وتقوم بالاحتجاج على وضعية لاتطاق. لكن
مع تطور ونضج التجربة التي ستكتسبها، لن
تكتفي بمجرد الاحتجاج، وسيكون لها بدون شك
مطالب مدروسة ورأي للخروج ببلادنا من
واقعها المتردي إطارها العام التخلي عن
النهج الحالي المتبع في المجال الاقتصادي
والاجتماعي والتخلي عن الاندماج من موقع
الضعف في الليبرالية المتوحشة، وعن
التبعية
للاقتصاد الرأسمالي العالمي، وعن اقتصاد
الريع الذي يشكل إهدارا خطيرا لإمكانياتنا
الاقتصادية.
نشر في جريدة بيان اليوم بتاريخ 14 يونيو
2008 |