*
El Mostafa Soulaih
قبل شهر ، طرح علي السيد عبد الرحيم
الوالي ، مراسل إحدى وكالات الأخبار
الإيطالية ، أربعة أسئلة تخص نجاحات و
إخفاقات السياسة المائية بالمغرب و أضرار
هذه السياسة المبنية حاليا على تفويت
الموارد المائية في القرى و على التدبير
المفوض للماء في المدن ، و كذا حول
البدائل الممكنة لهذه السياسة . و قد كانت
أهم إجاباتي كالتالي :
1 ـ سياسة للسدود الاجتماعية
إذا كان لا بد من الحديث فرضيا عن أن
المغرب يتوفر على سياسة مائية ما ، فلا بد
من الإقرار كذلك بأنه لا يتوفر على
إستراتيجية متكاملة و ديمقراطية في هذا
الصدد . و بالنظر إلى أن مرجع ما يسمى بـ
" سياسة مائية " في المغرب يعود إلى "
سياسة السدود " التي نهجها الملك الراحل ،
الحسن الثاني ، منذ تاريخ مبكر ، أي منذ
ستينيات القرن الماضي ، فإن هذه السياسة
فيما كانت تستهدف أساسا تخزين المياه
لتحويلها ، في أفق سقي المليون هكتار مع
نهاية القرن العشرين ، إلى ضيعات ملاكين
كبار مختصة في أشجار الثمور و البرتقال و
مزروعات تسويقية أخرى فإنها ، منذ
انطلاقتها ، حرمت مناطق ريفية شاسعة بورية
يغلب علها طابع الشح المطري و أخرى سقوية
من ضمنها عشرات الآلاف من الهكتارات التي
كانت تتشكل منها أخصب واحات جنوب المملكة
و جنوبها الشرقي من مياه جارية لم يؤد
تحويلها ، فقط ، إلى تدهور الحياة
الزراعية المعيشية و الحياة الرعوية
المرتبطة بها ، بل ساهم أيضا و بنصيب أكبر
في الدفع بساكنة هذه المناطق ، و على
رأسها الذكور ، إلى الهجرة في اتجاه المدن
الكبرى و غيرها من المراكز الحضرية
الناشئة حبث أضحوا ، متزوجين – أشباه
عزاب ، يمتهنون حرفا أخرى لا علاقة لها
بكفاءاتهم الأصلية ،،، و في هذا الصدد ،
لقد أصبح من المألوف جدا مشاهدة المنظر
الاجتماعي في عديد من هذه الواحات خاليا
من الأزواج مقتصرا على نساء – أشباه
عازبات مصحوبات بأطفالهن ينتظرن من أجل
الاستمرار في الحياة إرساليات نقدية من
قبل أزواجهن أو من قبل أسر مدينية تستخدم
طفلاتهن الصغيرات خادمات في بيوتها ،،،
غير أنه ، و بغض الطرف عن هذا الهدر
الاجتماعي الذي ترتب عن هكذا سياسة خلال
الثلاثين سنة الماضية ، يمكن تلخيص ما قد
يعرف بنجاحات السياسة المائية المغربية في
ربح 117 إلى 120 سد بطاقة استيعابية قد
تصل إلى 17 مليار متر مكعب من الماء تدعي
الأوساط الرسمية بأنها كافية لسد الخصاص
المائي إلى سنوات 2020 – 2025 . أما في
المقابل فإن الإخفاقات هي غير قابلة للحصر
إذ في غياب إستراتيجية ذات صلة ، تم مثلا
إهمال صيانة هذه السدود و الأنهار و
الفرشات المائية لعدة عقود و ما يزال
هذا الإهمال هو السائد رغم صدور قانون
الماء في عام 1995 . و تم إهمال جانب
التوقعات المناخية المتوسطية و المحلية و
أثرها على الموارد المائية بالبلاد ،
و ذلك رغم أن الملاحظة العينية تؤكد الزحف
السنوي المهول للتصحر على المناطق التي
كانت إلى أمد قريب تعتبر مناطق رطبة ،
إضافة إلى أن السمة التي أصبحت غالبة على
مناخ المغرب هي سمة الجفاف و ليس مجرد
خضوع لتقلبات مناخية . كما تم إهمال جانب
توقعات الطلب على الماء في علاقته بوتيرة
النمو الديمغرافي و وتيرة التمدن و
الرخاء و التصنيع و الاتجاه نحو تطوير
قطاع السياحة و النمو الذي تعرفه الأرياف
، و خاصة منها تلك التي تبالغ في العصرنة
، و منحاها نحو الكهربة و الحاجة إلى
التزود بالماء الشروب ،،، أما الخلاصة
فتتمثل في أن الحصة السنوية للفرد من
الماء في بلدنا السعيد ستعرف انخفاضا من
745 متر مكب كحد أدنى مقبول إلى 500 متر
مكعب في أفق سنة 2020 .
2 ـ تفويت أصل الحياة في القرى
و ماذا بقي في المغرب لم يتم تفويته بعد
أو ليس هو ضمن قائمة المشاريع المبرمجة
للتفويت ؟ لكن تفويت أصل الحياة ، أي
الماء و موارده ، إلى الأجانب و خاصة إلى
شركاتهم الباحثة فقط على الربح ، هو أمر
مخل بكافة المعايير الإنسانية و بكل
مقاييس الحكامة الجيدة . ففي الفترة
الاستعمارية تمت خصخصة موارد مائية معدنية
متعددة منها "عين والماس"، "عين سيدي علي
"، "عين سيدي حرازم "، و خلال الفترة
الحالية تمت خصخصة موارد مائية أخرى منها
"عين سايس" لفائدة أونا و "عين سلطان"
لصالح الشعبي ، و منذ 1999 بدأ الشروع في
الحديث عن تفويت "عين بنصميم"( بإقليم
إفران على بعد 10 كلم عن مدينة أزرو ) ،
لكن ما أن استوت الحكومات المسماة
بالمتناوبة على كراسيها الوتيرة حتى رخصت
وزارة البيئة و إعداد التراب الوطني و
الماء في شهر مارس 2007 لشركة فرنسية
مغربية مختلطة باستغلال 3 لتر في الثانية
من صبيب هذه العين، النابعة من منطقة
أغبالو ، الوحيدة في القرية الحاملة
لاسمها و بناء معمل لتعبئة مائها و تسويقه
. و بطبيعة الحال ، إن الأضرار التي تترتب
عن كل تفويت لموارد مائية، و خاصة في
بلد محكوم طبيعيا بالندرة في هذه المادة
التي من المفروض أن تكون هي و العشب مشاعة
بين الناس، ستكون لا محالة أضرارا بليغة .
و كمثال ، نموذجي ـ مصغر ، عن ذلك أن
ساكنة قرية بنصميم البالغ تعدادها 3500
نسمة ستخسر بفقدانها لتلك الحصة من صبيب
عينها المعدنية موردا لا غنى عنه بالنسبة
لـ 500 هكتار سقوية من مجموع أراضيها
الزراعية التي تصل مساحتها إلى 1500
هكتار ، كما ستتكبد خسائر أخرى على مستوى
قطيعها من الماشية البالغ عدده 5000 رأس،
و بالإضافة إلى ذلك ستتعرض مداخيل القرية
عموما و مناصب الشغل المتاحة سنويا
لأفرادها ، إلى التناقص بتراجع أعداد
الزوار و الجمعيات التربوية التي اعتادت
على إقامة مخيمات صيفية هناك لفائدة حوالي
2000 طفل (ة) عن الاستمرار في التوجه
إليها ،،، و لأن أهل القرية لم يستسيغوا
منعهم من مورد مائي أقاموا قربه منذ أجيال
و ارتبطت مختلف مناحي حياتهم بتدفقه ، كان
رد الفعل الحكومي ضد احتجاجاتهم و ضد
التضامن المدني الوطني و الخارجي معهم
عصيبا ، حيث تم تجنيد قوات من الدرك
الملكي و أعوان السلطة لمحاصرتهم و هتك
حرمة بيوتهم و اعتقال أعداد منهم و تنظيم
المحاكمات الجائرة ضدهم .
3 ـ تدبير مفوض لاستحلاب الجيوب في المدن
بعد أربع سنوات على الشروع في تنفيذ
القانون رقم 39 – 89 المتعلق بالخصخصة بدأ
المغرب مع حلول سنة 1997 في تطبيق نظام
التدبير المفوض حيث قامت مجموعة من
القطاعات العمومية المغربية و على رأسها
المجموعات الحضرية ثم مجالس المدن و
غيرها من الجماعات الحضرية بإسناد مأمورية
تسيير أحد مرافقها أو أكثر إلى الغير . و
فيما تمثل هذا الغير في أغلب الحالات في
شركات أو مقاولات أو استثمارات أو مجموعات
مهنية أجنبية فرنسية و إسبانية
و برتغالية من قبيل " ليونيز دي
زو " ، " ريضال " و " ليديك"، فإن موضوعه
كان أيضا في أغلب الحالات هو
توزيع الماء، الكهرباء، تطهير السائل،
جمع النفايات
والنقل الحضري ، أي المجالات بالضبط التي
تدخل في صميم الحياة الحيوية اليومية
للسكان و تؤثر أيما تأثير و بشكل مباشر
فيها . و إذا كانت هذه القطاعات العمومية
، بتحفيز من الدولة ، قد استهدفت من هذا
النظام استدرار أموال طائلة لآماد طويلة
و تحاشي صعوبات استخلاص الفواتير
المتراكمة لديها و لدى غيرها من
قطاعات الدولة بسبب من تفشي ظاهرة الفساد
في دواليب الدولة و تجنب المشاكل ذات
الصلة بالاحتجاجات الاجتماعية التي لم
يتوقف المستخدمون في هذه المجالات عن
القيام بها و كذا من أجل تبرئة الذات من
عواقب أخرى ،،، فإن المواطنين الآن هم
الذين يكتوون بلهيب هذا النطام ، إذ في
مقابل تقلص قوة ضغط صبيب الماء في
الأنابيب و صنابيرها ، و تحول هذا الماء
إلى مادة ذات لون و رائحة و بالتالي لم
يعد مقبولا للشرب ، و تقطع إلى انقطاع
جريانه بشكل مفاجئ و خاصة في الأوقات من
اليوم التي يزداد فيها الطلب عليه ، و قلة
صبيبه بشكل دائم في الطوابق الأعلى من
العمارات السكنية ،،، عرفت أسعاره ارتفاعا
مهولا و زاد من حدة هذا الارتفاع التدليس
المتبع في احتساب مقادير الاستهلاك عن
طريق إدغام أكثر من فترة حسابية للاستهلاك
في فاتورة واحدة ،، و يزداد شجع هؤلاء
المفوض لهم ، و ذلك تحت أنظار مجالس المدن
، حيث يتمسكون برفع دعاوى قضائية ضد سكان
عمارات بالجملة بمزاعم استخلاص فواتير
تقدر بعشرات الآلاف من الدراهم فات على
استخلاصها عشرات السنوات و ما تزال
العدادات العامة تختزنها ، و ذلك حتى في
الحالات التي يكون فيها هذا الماء قد تم
تفويته إلى غير هؤلاء المستهلكين من
السكان المقيمين في العمارات المعنية . و
لا شك أنه في حالة عدم تدخل الدولة بشكل
مستعجل من أجل حماية مواطنيها بواسطة
استرجاع سيادتها على توزيع الماء أو على
الأقل من أجل مراجعة دفاتر التحملات و
الضغط في سبيل تصحيح هذا المسار فإنه
بالإضافة إلى أن تدهور الأوضاع
الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين
سيتضاعف خاصة و أن هؤلاء المواطنين يضطرون
إلى شراء الماء الشروب معلبا صيانة لصحة
أفراد أسرهم رغم أن الموزع الأجنبي كان من
المطلوب منه أن يتقاضى فواتير معقولة
مقابل توزيع ماء معالج بشكل نظيف و سليم .
4 ـ ما المطلوب ؟
إن المطلوب هو بسيط جدا ، و يتمثل في بناء
إستراتيجية مائية وطنية اجتماعية تفاعلية
تتأسس على مبادئ يمكن تلخيصها في : لزوم
الحفاظ على الماء باعتباره مصدرا رئيسيا
للحياة ، لزوم كفالة الجمع بين ضمان
الوصول إليه و الحفاظ عليه ، لزوم
ضمان استمراره بالنسبة للأجيال القادمة ،
لزوم ضمان صفائه و نقاوته و سلامته ، لزوم
اعتبار موارده هي جزء من الصالح العام غير
القابلة للتحول إلى سلعة لتحقيق الأرباح ،
و لزوم الإقرار بأن هذه المبادئ هي واجبات
على الدولة المغربية و حقوق لا بد أن
يتمتع بها كل فرد مقيم فوق التراب الوطني
و ذلك بما يكفل سد حاجته اليومية من الماء
داخل حد لا ينقص عن 40 إلى 60 لتر . و
يكون من إجرائيات هذه الإستراتيجية عدم
تجديد عقود التدبير المفوض للماء الساعية
إلى الربح سواء في الأرياف أو المدن،
استرجاع الدولة لسيادتها التامة على
موارده و على آليات تدبيره و
توزيعه ، و إعادة النظر في نظام الفوترة
أخذا في عين الاعتبار قدرات كل من
المؤسسات العمومية كالمدارس و الجامعات و
المستشفيات و المنتزهات العمومية بما يضمن
أداءها لتلك الفواتير .
* كاتب و باحث من المغرب
|