يرى المصطفى صوليح أن قوة التقارير الصادرة عن
منظمة العفو الدولية تأتي من الموقع الاستشاري
الذي تحتله هذه المنظمة ضمن أجهزة الأمم المتحدة
ذات الصلة بحقوق الإنسان ، و بخصوص التوفيق بين
المرجعية القطرية و الكونية في التعاطي مع ملف
حقوق الإنسان ، يضيف الباحث و المؤطر في مجال
التربية على حقوق الإنسان و المواطنة ، و مؤلف
كتاب"
نقد التجربة المغربية في طي ملف الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان " أن البيان العالمي لحقوق
الإنسان ، مثلا ، يتغاضى عن الواقع الجد متردي
لحقوق و حريات الأفراد و المجموعات و الجماعات في
البلاد العربية و الإسلامية .
المصطفى صوليح لأسبوعية " الشروق المغربية " العدد
10 من 5 إلى 13 يونيو 2008 :
لم يعد بإمكان المغرب تأجيل التزاماته الدولية
المتعلقة بحقوق الإنسان
حاوره : منتصر حمادة
المصطفى صوليح
El Mostafa Soulaih
○
ما هي قراءتكم الأولية لحيثيات التقرير الأخير
الصادر عن
منظمة العفو الدولية فيما يخص تقييم المشهد
الحقوقي بالمغرب؟
●
بدءا ، أشكرك و عبرك أشكر هيئة إدارة و تحرير
أسبوعية " الشروق المغربية " على هذه الفرصة
متمنيا لها كامل التوفيق في أجندتها الإعلامية . و
عودة إلى سؤالك ، أقول إننا بصدد تقرير سنوي تصدره
منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في
العالم . و هو تقرير لا يهتم ، بشكل مباشر ، سوى
بالجانب المدني و السياسي من هذه الحالة . و من
مميزات التقرير الحالي لعام 2008 أنه يصدر قبل
بضعة أشهر عن متم 60 سنة عن صدور الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان . و كما هو الحال بالنسبة لأي إقليم
جغرافي ثقافي أو لأي من أقطاره ، فإن المشهد
الحقوقي بالمغرب في هذا التقرير لا تكتمل النظرة
إلى مكوناته إلا إذا تمت قراءته عبر ثلاثة سياقات
رئيسية و متكاملة هي السياق العالمي و السياق
الإقليمي و السياق الوطني. و هكذا فإن المغرب ، من
خلال السياق العالمي، هو من الدول التي أخلفت
الوعد بتحقيق العدل و المساواة ، و لم يول في
الميدان كبير اهتمام باحترام حقوق الإنسان . و رغم
أنه عضو في مجلس حقوق الإنسان الأممي ، فإن تجربة
أول افتحاص له عن مدى هذا الاحترام أثبتت استمراره
في صياغة تقارير لا تقصد ما تدعيه . كما أن
المزاعم الرسمية في شأن الانتقال الديمقراطي مع
احترام مقتضيات الديمقراطية ، بصفة عامة ، و في
استكمال إجراءات المصادقة على نظام روما للمحكمة
الجنائية الدولية و على اتفاقية حماية جميع
الأشخاص من الاختفاء القسري و غيرهما من
البروتوكولات و الصكوك ذات الصلة ، و في رفع
التحفظات على جملة من مواد أساسية من اتفاقيات
أخرى و في ملاءمة التشريعات الوطنية مع روح
القانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي
الإنساني و إعلاء هذين القانونين فوق كل من
الدستور و باقي القوانين الوطنية التي لا تحمي
الأفراد من " الاختفاء " القسري و تتيح الاعتقال
التعسفي و فرص الإفلات من العقاب للجناة من موظفي
الدولة الساهرين على تنفيذ القانون و تحرم القضاء
من استقلاله و من سلطته و تجيز عقوبة الإعدام و
تسمح بسيادة الفساد ،،، و ذلك بصفة خاصة ، قد
استفادت ، من جهة ، من تساهل الاتحاد الأوروبي
بخصوص ذلك و تراجع الولايات المتحدة الأمريكية بعد
الهجومات الإرهابية التي تعرضت إليها في 11 شتنبر
2001 عن تأييد القوى الديمقراطية الداعية إلى
دمقرطة الأنظمة السياسية في البلدان الأوتوقراطية
و دعم المدافعين عن حقوق الإنسان في سبيل مأسسة
معايير حقوق الإنسان و كفالة عدم تكرار
انتهاكاتها، بل الأدهى من ذلك أن هذه القوة الكبرى
قد اتجهت نحو تحويل هذه البلدان ، و من ضمنها
المغرب، إلى ورشات عملية لممارسة التعذيب على
أفراد و مجموعات يتم اختطافهم من شتى أنحاء العالم
تحت ذريعة محاربة الإرهاب . و استفادت تلك المزاعم
في عدم الوفاء بها ، من جهة أخرى ، من "
تحويل النقاش عن حقوق الإنسان من جديد إلى جدل
يثير الفُرقة والانقسام والهدم، بين "الغربيين"
و"غير الغربيين"، ويحد من الحريات، ويُذكي مشاعر
الارتياب والخوف والتمييز والتعصب، فيما بين
الحكومات وبين الشعوب على حد سواء " ( أنظر الفقرة
التاسعة من التقرير ) .
أما من خلال السياق الإقليمي،إن المغرب في تقرير
أمنسيتي إياه مثله مثل معظم دول شمال إفريقيا و
الشرق الأوسط ما يزال
يركز
في إضراره بحقوق الإنسان على اتهام المعارضين
السياسيين و الصحفيين المستقلين و المحتجين سلميا
و المدافعين عن حقوق الإنسان بالمس بالمقدسات أو
بالمؤسسات و بالتشهير و القذف في حق شخصيات و
بالمس بـ " النظام العام " و " الأمن العمومي " و
" الاستقرار السياسي " و " الاطمئنان العام " ،،،
و أما من خلال السياق الوطني ، فإن التقرير يوزع
دواعي القلق على حالة حقوق الإنسان في المغرب إلى
عشرة قضايا ، من بينها : 1 ـ المدافعون عن حقوق
الإنسان ، حيث يوثق لاعتقال أو سجن أو متابعة
حوالي 113 من نشطاء الجمعية المغربية لحقوق
الإنسان ، يعتبرهم التقرير سجناء الرأي ، بتهم "
المس بالمقدسات" أو " زعزعة الحكم الملكي " أو "
التحريض على أعمال العنف أو المشاركة فيها " ؛ 2 ـ
القيود على حرية الصحافة ، حيث يوثق التقرير
لتوجيه تهم جنائية و اعتقال أو سجن أو متابعة 03
صحفيين هم مصطفى حرمة الله و عبد الرحيم أريري عن
جريدة " الوطن " و أحمد بنشمسي عن جريدة " نيشان "
.و تتمثل هذه التهم ، و على التوالي بالنسبة
للجريدتين ، في " إخفاء أشياء متحصل عنها من جريمة
" و " الإخلال بالاحترام الواجب للملك " ؛ 3 ـ
أنشطة جمعية العدل و الإحسان ، حيث يشير التقرير
إلى خضوع عدة آلاف من أعضاء هذه الجمعية
لاستجوابات من قبل الشرطة ، و متابعة حوالي 267
منهم بتهمة " المشاركة في اجتماعات بدون ترخيص "
أو " الانضمام إلى جمعية غير مرخص لها" ، كما يشير
إلى استمرار متابعة ندية ياسين ، منذ 2005 ، بتهمة
" إهانة الملكية " ؛ 4 ـ مكافحة الإرهاب ، و هنا
يؤكد التقرير إلقاء القبض على ما يزيد عن 100 من
المشتبه في أنهم إسلاميون متشددون ، و ذلك من قبل
الشرطة بمشاركة جهاز " المديرية العامة لمراقبة
التراب الوطني " ذات السمعة السيئة في معاملة
المحتجزين لديه ، و محاكمة بعضهم طبقا لمقتضيات
قانون الإرهاب . كما يذكر بطلبات مئات من السجناء
الإسلاميين ، في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء عام
2003 ، بمراجعة قضائية لمحاكمتهم و بتحسين أوضاعهم
داخل السجن و رفع القيود على زيارات الأهل و
تمكينهم من الرعاية الصحية و الكف عن سوء معاملتهم
من قبل حراس السجن و أفراد من قوات الأمن من خارج
السجن ؛ 5 ـ اللاجئون و طالبو اللجوء و المهاجرون؛
6 ـ التمييز و العنف ضد المرأة؛7 ـ التمييزـ السجن
بسبب العلاقات المثلية؛ 8 ـ معسكرات " جبهة
البوليساريو "،،،
○
مع صدور مثل هذه التقارير الدولية، يبرز إشكالية
منهجية تلجأ إليه السلطة، ومعها الدول العربية
والإسلامية، بخصوص مأزق "خصوصية المرجعية" القطرية
لهذا البلد أو ذاك. في حين ترتكز أغلب التقارير
الدولية على مرجعية كونية "موحدة" في تقييم الساحة
الحقوقية لدول العالم.
هل من مخرج لهذه الإشكالية؟
●
أستسمحك ، هنا ، أن أطلق مجموعة ملاحظات أولاها أن
التلاسن حول الخصوصية و العالمية قد عرف تراجعا
خلال العقدين الأخيرين ، و ذلك خاصة بعد تبني
مؤتمر فيينا للمادة 5 منه التي تربط بين هذين
الشقين ، باعتبارهما متكاملين و ليس متناقضين ، عن
طريق الاعتراف ، من جهة، للشعوب و الدول
بخصوصياتها الثقافية و السياسية و استدراك ، من
جهة أخرى ، أنه لا يجب أن يتخذ من ذلك ذريعة
لانتهاك المعايير الكونية لحقوق الإنسان ، و
بالتالي إن ما تبقى من هذا التلاسن ما هو سوى خطاب
سياسوي يعتمد مفردات فطرية لدى الناس من أجل
استغلال افتقارهم إلى الوعي الحقوقي في الاستمرار
في مكافحة خصم آخر مغاير لكنه موحد . و في هذا
الإطار يمكن مراجعة عديد من الصكوك العربية أو
الإسلامية أو هما معا التي تم إصدارها خلال العقود
الماضية من قبل نخب عربية ـ إسلامية(
مشروع إعلان حقوق الإنسان و واجباته في الإسلام ،
البيان الإسلامي - العالمي لحقوق الإنسان ، البيان
العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام ، مشروع وثيقة
حقوق الإنسان في الإسلام،،،)
لتتوضح الصورة أكثر،
ففي حين تنص الصكوك الدولية لحقوق الإنسان على
عديد من الحقوق باعتبارها حقوقا طبيعية فإن الصكوك
العربية و الإسلامية المشار إليها تعتبرها تكاليفا
فتحرص على التقيد و الدعوة إلى التقيد بأحكام
الإسلام وتصر على استخدام المصطلحات و المفاهيم
الفقهية القرآنية و تلح ، مع نوع من الاختلاف
بينها ، على أنها شرعية و بالتالي لا مفر من
إتباعها . و ما يثير الانتباه في ذلك هو أنها ، لا
تخاطب الأجهزة الحكومية العربية أو الإسلامية و لا
المواطنين العرب و المسلمين ، و إنما تتوجه إلى
مكونات المجتمع الدولي الأخرى و في مقدمتها دول
الغرب من أجل إبراز الاستقلال عن أنماطها ونماذجها
المجتمعية و الثقافية و الإعلان عن تمايز الشخصية
الإسلامية عنها و نديتها لها و عن أن هذه الشخصية
لديها من النصوص و الأعراف الحقوقية ما يجعلها في
غنى عن الانضباط و الامتثال لنصوصها و أعرافها هي
. و فوق ذلك ، فإن البيان الإسلامي – العالمي
لحقوق الإنسان، مثلا ، يتغاضى عن الواقع الجد
متردي لحقوق حريات الأفراد و المجموعات و الجماعات
في البلاد العربية والإسلامية و يذكر في مدخله
بأنه " وفاء بحق الإنسان عليهم ( أي على
المسلمين ) و إسهاما في استنقاذ العالم مما تردى
فيه من أخطاء ، و تخليص للشعوب مما تئن تحته من
صنوف المعاناة (...) نعلن نحن معشر المسلمين حملة
لواء الدعوة إلى الله في مستهل القرن الخامس عشر
الهجري هذا البيان باسم الإسلام عن حقوق الإنسان
مستمدة من القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة
... " .
ثاني هذه الملاحظات أن التقارير المنوه عنها
بالذكر هي أنواع و مرجعيات و أغراض متباينة بما
يلزم التمييز فيها بين التقارير التي تصدرها
المؤسسات المالية الدولية و التقارير التي تنشرها
خارجيات الدول الكبرى و التقارير الموضوعاتية أو
العامة التي تخرجها لجان حقوق الإنسان الأممية و
غيرها من الفرق ذات الصلة أو تصدرها منظمات حقوق
الإنسان الوطنية أو الدولية أو الإقليمية و خاصة
منها تلك التي تتوفر على الصفة الاستشارية الأممية
مثل منظمة العفو الدولية ، إذ في حين تتغيى
التقارير الأولى إظهار الثغرات المرصودة في
البرامج التنموية للدول الدائنة و إبداء النصح من
أجل تفاديها وتتغيى الثانية ممارسة نوع من الضغط
على الدول لتتلاءم سياستها الداخلية و الجهوية أو
الإقليمية مع إستراتيجيتها الدولية ، فإن التقارير
الثالثة تستهدف أولا و أخيرا تحسين حالة حقوق
الإنسان في شتى أنحاء العالم مهما كانت خصوصيات
الإقليم الجغرافي ـ الثقافي الذي تنتمي إليه
الدولة أو الدول المعنية .
ثالث هذه الملاحظات ، هي أن الدول العربية و / أو
الإسلامية قد بدأت تدرك إراديا أو تحت الضغط ، ولو
بشكل بطيء جدا ، أنها لم يعد بإمكانها الاستمرار
في تأجيل إعمال و تفعيل التزاماتها الدولية
المتعلقة بالإقرار بحقوق الإنسان المستحقة
للأفراد المجموعات بدعوى عدم سيادة أجواء الأمن في
منطقتها أو بادعاء أنها تعطي الأولوية في سياساتها
للتنمية ،، و في هذا الصدد ، مثلا ، قد أشادت
السيدة أيرين خان رئيسة منظمة العفو الدولية ،
بموازاة مع صدور التقرير المعني ، بالتجاوب الذي
بدأت الحكومات العربية سواء في الشرق الأوسط أو
شمال إفريقيا تبديه نحو احترام نداءات منظمتها كما
نحو احترام حقوق الإنسان .
○
لم تخرج المعطيات الواردة في التقرير عن المعطيات
التي صدرت عن أبرز الجمعيات الحقوقية في الساحة،
فما الذي استجد في الموضوع حتى تعطى كل هذه الهالة
للتقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية دون سواها؟
●
دفعة واحدة أحيلك على الأستاذ محمد أوجار
)المدير
المسؤول على هذه الجريدة
(
باعتباره وزيرا سابقا لحقوق الإنسان و باعتباره
حضر عديدا من الجلسات العمومية ذات الصلة سواء
بجنيف أو نيويورك ، لإدراك طبيعة هذا الذي تعتبره
مستجدا في حين أنه تقليدي . لكن ما هو جدير
بالتذكير أن من أهم نقط قوة الهياكل الحقوقية
الوطنية المستقلة هي أنها ، من خلال نشطائها و
تقاريرها اليومية أو الموازية ( تقارير الظل أو
التقارير المضادة ) ، مرجع رئيسي في رصد حالة حقوق
الإنسان في المغرب و في الاقتراح في سبيل تحسينها
. غير أن قوة التقارير الصادرة عن منظمة العفو
الدولية تأتي من الموقع الاستشاري الذي تحتله هذه
المنظمة ضمن أجهزة الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق
الإنسان و من الآليات التي تعتمدها في رصد و توثيق
انتهاكات حقوق الإنسان و كذا من النتائج التي
تترتب عن تقييمها للحالة التي هي عليها هذه الحقوق
على صعيد السمعة العالمية للدول . و في ذلك يمكن
الاكتفاء بذكر أن تقارير أمنيستي هي تقارير تتميز
باعتماد المعايير الدولية لحقوق الإنسان في ما يخص
أجندة ولايتها و ذلك بغض النظر عن طبيعة الأنظمة
السياسية للبلدان المفتحصة من قبلها و عن طبيعة
ضحايا هذه الأنظمة ، كما تتميز بالمصداقية ،و هي
خاصية يزيدها قوة أنها لا تكتفي في عملية
الرصد التوثيق على ما يشاع من خلال وسائل الإعلام
، مثلا ، بل تعتمد آلية البحث و التدقيق بواسطة
فرق ميدانية تنتمي إلى قسمها الإقليمي المختص و
باحثين محليين يحتفظون بسرية هويتهم و أن أي تقرير
من تقاريرها لا يخرج إلى العموم إلا بعد أن تطلع
عليه حكومة الدولة المستهدفة به و تبدي رأيها في
مكوناته كأن تقدم معلومات إضافية أو تفسيرا لحالة
من الحالات أو إنكارا لغيرها ،،، و هو ما يمكن
للمرء أن يلاحظه من خلال الكلمات و العبارات
المستعملة في الجزء الخاص بالمغرب من التقرير
الحالي، حيث تبدأ بعض الفقرات بعبارة " هناك مزاعم
" أو " أفادت الأنباء " للدلالة على أن الجهة
الحكومية المعنية قد قدمت معلومات نافية لكنها غير
مقنعة ، بينما تبدأ فقرات أخرى بصيغة مطلقة أو
تأكيدية مما يدل على أن الحكومة إياها لم يكن
بإمكانها قياسا إلى الوثائق و الشهادات الدامغة
المستند إليها في إنشاء التقرير أن تفندها.
○
وأخيرا، بعد العديد من المبادرات المغربية
النوعية، من قبيل تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق
الإنسان، وهيئة الإنصاف والمصالحة، وجلسات
الاستماع إلى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان.. وغيرها من المبادرات، تصدر بين الفينة
والأخرى، مؤشرات توحي بأن المشوار طويل من أجل
إقناع المسؤولين في وزارة الداخلية والأمن والدرك
والمخابرات بطرق مصالحة حقوقية حقيقية لصيقة
بالعهد الجديد؟
●
أولا ـ بخصوص المبادرة الأولى المتعلقة بإحداث
المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ، حقا إنها كانت
نوعية باعتبار أنها جاءت لتؤدي وظيفة وسيط جريء
بين مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع المغربي
من أجل إنجاز تحسين متقدم لوضعية حقوق الأفراد و
المجموعات داخل البلد ، غير أن مسارها يعرف حاليا
نوعا من الانحراف المساهم في الاستمرار في الإضرار
بحقوق الإنسان ، حيث أنه إذا كانت الصيغة الأولى
لهذا المجلس قد أفضت إلى الهيئة المستقلة للتعويض
عن أضرار سنوات الجمر و الرصاص ، و أفضت الصيغة
الثانية إلى هيئة الإنصاف و المصالحة، فإن الصيغة
الأخيرة بدل أن تمضي قدما نحو العمل الحثيث في
سبيل إعمال و تفعيل ما أوصت به الهيئة إياها اتجهت
نحو اعتماد خرجات إعلامية تلاسنية ، لا فائدة منها
سوى أنها تطعن في أدوار المجتمع المدني الحقوقي
والمدافعين عن حقوق الإنسان المحسومة أصلا ، و نحو
برمجة قضايا رغم أهميتها فإنها لا تدخل إلا في
باب" الأنشطة الموازية " .
ثانيا ـ أما بخصوص عدم التناغم بين الهامش المتحقق
من الحقوق و الحريات و بين ما يجري ميدانيا ،
فيكفي أن أذكر ، مثلا ، أني في وقت معين كنت بصدد
وضع اللمسات الأخيرة حول إحدى القضايا ذات الصلة
بجزء من الشق الأخير من سؤالك ، مقترحا من بين
جملة من الاقتراحات ،و ذلك بناء على تجارب دولية
متعددة ، أن يتم الإقرار بحق الأفراد و المجموعات
في الاحتجاج السلمي و أن يتم إلغاء قانون التجمعات
العمومية الحالي أو تعديله بما يقعد لهذا الإقرار
و أن يصبح دور القوات الأمنية هو ضمان حماية
المحتجين و أن تكون الاحتجاجات سلمية و منع
مجموعات أخرى من تكسيره و ألا يتم الاعتقال إلا في
حالة وجود خطر أكيد على حياة المتظاهرين أو الشرطة
أو مواطنين آخرين ،،، و في سبيل ذلك يراعى ألا يتم
تكليف ، من بين قوات الأمن بهذه المهمة ، سوى
الأفراد من غير الموظفين الجدد أي من ذوي التجربة
الذين لا يخلطون بين الاحتجاج و أشخاصهم ،،، إذا
بإحدى الجرائد اليومية تطلع في صفحتها الأولى
بصورة لأحد عمداء الشرطة ، و ليس لغيره من الجدد
أو أقل منه رتبة ، يرفس في الشارع العام و بشكل
فظيع سيدة تحضن صبيها . فأين المجلس الاستشاري
لحقوق الإنسان ؟ و ماذا أصدر ، مثلا ، من توصيات
في هذا المجال ؟ و كيف يشتغل من أجل تفعيلها ؟ ثم
ألا يكون ذلك وازعا آخر من أجل التعجيل بتبني عدم
الإفلات من العقاب ؟
|