محارق و انهيارات مباني و حافلات للموت تودي في
وقت وجيز بحياة العشرات
*
El Mostafa Soulaih
1 ـ إنه مع الأسف لا صلة له بكذبة أبريل بل هو
واقع الحال في المملكة إياها
لا تتأفف(ي) من الخبر معتقدا(ة) أنه لا توجد في
العالم حكومة ليست لها أية صلاحيات ذات صلة
بالبرنامج الذي استندت إليه أحزابها في الحملة
الانتخابية التي قد تكون فازت بأغلب أرائكها
النيابية ، بل صدق(ي) أن مثل هذه الحكومة موجودة و
هي لا تتعدى مجرد ثلة من الموظفين السامين بأجور و
امتيازات هائلة جدا ، تنفذ برنامجا آخر يمليه
عليها رئيس للدولة غير منتخب و لا يمكن للشعب ،
سواء من داخل البرلمان أو عبر حركات احتجاجية ، أن
يسقطها ؛
لا تكذب(ي) إذا قرأت أو سمعت أن معارضة سابقة زعمت
منذ عقود من الزمن بأنها معارضة اشتراكية و عقدت
مجموعة من مؤتمراتها تحت يافطة المادية التاريخية
ما أن تم تنصيب ممثلين عنها ، إلى جانب آخرين ، في
إطار حكومة أطلق عليها نعت حكومة العهد و حكومة
التناوب حتى شرعت في خصخصة أهم القطاعات
الاقتصادية بما فيها الموارد المائية للبلاد و
رهنت
توزيع الماء و الكهرباء و تطهير السائل و جمع
النفايات
والنقل الحضري
و مرابض السيارات ، بناء على عقود طويلة الآماد
للتدبير المفوض ، بين قبضتي شركات و مقاولات
أجنبية لا تسعى إلا إلى كسب الربح . أما النتائج
فمن أمثلتها : ماء للشرب بلون و رائحة ، بالوعات
نتنة ، شوارع و أزقة أوسخ ، حافلات للنقل لا تضاهي
حتى العربات المجرورة بواسطة الحيوانات لا من حيث
الجمالية و لا من حيث الأمان ، و أما الفواتير
فالعجز عن تسديدها أصبح هو السمة الغالبة على معظم
المواطنين أسرا و مؤسسات عمومية ؛
لا تتساءل(ي) عن مدى صحة أن الشيوعيين ، و قد توفي
عدد من رفاقهم أثناء كانوا جزءا من المعارضة في
ظروف غامضة، ما أن نعموا بتسميات وزارية داخل
الحكومة إياها حتى أصبحوا أعتى من وزراء الداخلية
و الأمن في أعرق الديكتاتوريات ، يناصبون العداء
لحرية الرأي و التعبير و يهددون الصحافة في كل وقت
و حين و يعلنون مقتهم لكل من يبدي للحكومة نصحا أو
يفضح بعضا من مستورها و مستور أجهزتها المركزية و
الجهوية و الإقليمية و المحلية أو يصحح
معلومات تخص مزاعمها ؛
لا تندهش (ي) إذا ما حضرت محاكمة أو قرأت تقريرا
عنها يحكم فيها قضاة جالسون لفائدة زملائهم
الواقفين بتعويضات تناهز 06 مليون درهم (حوالي
500 ألف أورو ) مناصفة بينهم ضدا على مقال نقدي
اعتبروه مسيئا لكرامتهم ؛
إذا تذكرت أن دولة قد طبلت و زمرت طويلا معتبرة
نفسها رائدة ، على صعيد شمال إفريقيا و الشرق
الأوسط و أقاليم جغراثقافية أخرى ، في شأن طي صفحة
الماضي بما سودها من انتهاكات جسيمة لحقوق و حريات
الأفراد و المجموعات و الجماعات ،،،
فلا تستغرب(ي) إذا علمت ، مثلا ، أن هذه الدولة
مازالت تماطل في شأن تقديم اعتذارها الرسمي
لضحاياها وعبرهم لكافة المواطنين ، و أنها بدل أن
ترأف لحال الناس و في مقدمتهم الأمهات و الزوجات و
فلذات الأكباد فتقدم جثامين هؤلاء الضحايا
لعائلاتهم من أجل إقامة الصلاة على أرواحهم و
تبادل التعازي فيهم ما فتئت تدعي أمام وفود
المنظمات الحقوقية الزائرة أن العائلات هي نفسها
التي ترفض تسلم هذه الجثامين ، و أن هذه الدولة
خارج كل مسوغات العلم و العقل تستلذ بالامتناع عن
إخبار عائلات الضحايا المفقودين بالنتائج الموثقة
للتحليل الحمضي الخاص بإثبات هوياتهم و ذلك رغم أن
وقت أخذ العينات اللازمة لهذا التحليل قد مر عليه
أزيد من 03 سنوات ، و أنها ترفض إلى الآن إعمال
مبدإ عدم إفلات الجناة السابقين أو اللاحقين من
المساءلة و المحاسبة ،،، و بدل الانكباب على إنشاء
برنامج عملي لتلبية هذه الحاجات الإنسانية و غيرها
من توصيات مقيدة في التقرير الختامي لأشغال هيئة
الإنصاف و المصالحة، و من بينها الإصلاح الدستوري
و القانوني و الإداري و استقلال القضاء و تمتيع
مؤسسة الوزير الأول ببعض من السلطات التي يحتكرها
رئيس الدولة و غيرها ، يتجه مجلس هذه الدولة
المسمى بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى
الإعلان عن مشاريع جديدة لا جدوى منها بالنسبة
لاستكمال جبر الضرر الفردي و الجماعي و لتحسين
وضعية حقوق الإنسان في البلاد ،،، و للإخبار فقط ،
هاهي جثامين 16 ضحية أخرى ، داخل مقبرة جماعية
يعود تاريخها إلى أحداث شهر يناير 1984 ، قد تم
اكتشافها بالصدفة في مدينة الناظور و ذلك خلال
الثلاثة أيام الأخيرة من شهر أبريل 2008 ، و
كالعادة أثناء أشغال لتوسيع إحدى ثكنات الوقاية
المدنية التي هي مؤسسة رسمية ؛
تأكد(ي) من أن الأمر ليس مجرد ادعاء إذا علمت بأنه
، في هذا البلد ، يمكن لعتاة المجرمين ( أباطرة
المخدرات ، كبار لصوص المال العام من بين علية
الموظفين العموميين و غيرهم من خونة الأمانة ،، )
المحكوم عليهم بالسجن أن يغادروا زنازينهم الفاخرة
، متى شاؤوا ، لحضور أعراس أفراد أسرهم أو
أصدقائهم و للسياحة و الاستجمام أو للهجرة إلى
خارج الوطن و ذلك في واضحة النهار و عبر نقط
الحدود المحروسة و بوثائق غير مزورة ، كما يمكن
لغيرهم من المسجونين ، الموصوفين بدرجة عليا من
الخطورة ، أن يحفروا الأنفاق بكل راحة و اطمئنان
خلال عدة أشهر متوجين ذلك بعملية فرار جماعي و
باختفاء ، بعد ذلك ، عن أنظار كل أنواع أجهزة
الأمن و عتادهم و عدتهم و كأنهم يحملون طاقيات
للاستخفاء ،،،
حتى لا أطيل ، فالأمثلة غير قابلة للحصر ، صدق(ي)
هذه الصورة عن واقع حال هو أفظع ، و أما البلد فهو
ليس غير المملكة المغربية . لكن ما بعض المترتبات
عن هكذا دولة ؟ و كيف ذلك ؟
2 ـ هنا القتل الجماعي دون حاجة إلى الجمر و
الرصاص
أؤكد أن ما حدث في المملكة المغربية خلال شهر
أبريل لا علاقة له بما يسمى كذبة هذا الشهر ،
فبالإضافة إلى مقتل 18 عامل ، قبل أسابيع ، في
ورشة بناء مغشوش في مدينة القنيطرة ، إن رائحة
الموت الممزوجة برائحة شي الأجساد البشرية و
رمادها و تحللها ، المنبعثة من أحياء مختلفة ، هي
الرائحة الوحيدة التي تزكم أنوف الناس في مدينة
الدار البيضاء الكبرى ، فخلال هذا الشهر وحده
التهمت نيران اشتعلت في ورشة صغيرة لخياطة الأفرشة
جسدي طفلين قاصرين كانا يعملان مأجورين بهذه
الورشة ،، و خلال الأيام الثلاثة من متم شهر أبريل
2008 فحمت نار لا تبقي و لا تدر أجساد أزيد من 55
عامل (ة) من مجموع 164 عامل موسمي ، أغلبهم شبان ،
كانوا يشتغلون في مصنع من أربعة طوابق للمفروشات
الأسفنجية يحمل اسم روزامور . و لم يكد يمر يوم
واحد حتى التهمت نيران مشابهة أجساد ثلاثة شبان ،
تتراوح أعمارهم من 16 إلى 26 سنة كانوا يعملون هم
أيضا في ورشة أخرى أصغر لكنها مشابهة ،،، و في
غضون ذلك حصدت حافلة للنقل الحضري تعطلت فراملها
بعد مائة متر عن إقلاعها أرواح خمسة ضحايا تتراوح
أعمارهم من 15 إلى 50 سنة منهم تلميذان و سيدة
حامل ،،، و أما المصابون ، في هذه المحارق و
الحوادث ، بإعاقات أو بجروح متفاوتة الخطورة أو
بهزات نفسية فأعدادهم تقدر بالعشرات .
و أؤكد أن الدولة ، ممثلة في وزير الداخلية و
مسؤولين آخرين ، أعلنت كما هو المعتاد دائما في
مثل هذه الحالات عن أنها ستفتح تحقيقا شاملا من
أجل كشف المسؤوليات الإدارية و البشرية و التقنية
التي كانت وراء هذه المحارق و الحوادث
، فهل الاكتفاء باعتقال أرباب هذه الأوراش ـ
المحارق و أفراد من أسرهم و اعتقال سائق حافلة و
وضعهم في الحبس إلى حين استكمال التحقيق ثم الحكم
عليهم بالسجن أو الغرامة أو بهما معا أو بالبراءة
سيكون وحده كفيلا بجبر الأضرار و بعدم تكرار مثل
هكذا مآسي ؟
3 ـ إنه الفساد ، سرطان دم الدولة المغربية ، أول
و آخر المسؤولين عما حدث و يحدث
باستثناء إعفاء القائد الجهوي للوقاية المدنية من
مهامه ، لم تتهم النيابة العامة بخصوص محرقة
روزامور سوى ثلاثة أشخاص هم صاحب المصنع و ابنه و
أحد العمال الأجراء ، و تتمثل هذه التهم ، كما
أصدرها بلاغ قضائي ، في عدم توفير متطلبات و
تجهيزات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء ،
القتل الخطأ ، الجرح الخطأ ، الإصابة غير العمدية،عدم
تقديم مساعدة لأشخاص في خطر و كذا المتسبب في
الحريق بتهمة التسبب عن غير عمد في حريق أملاك
عقارية و منقولة نتج عنه موت أكثر من شخص و إصابة
آخرين بجروح . و الواقع أنها تهم بقدر ما تبدو
واقعية و منصوص عليها في القانون بقدر ما
تنبئ ببلادتها ، و بقدر ما تلقي المسؤولية على
أضعف عناصر الحلقة بقدر ما ترخي اللثام فوق أخطر
هذه العناصر المتمثلة في الشبكة السرطانية للفساد
في المغرب . ففي هذه المملكة أينما وجهت ثمة راش و
مرتش و رائش ، و حيثما وجهت من جديد ثمة سارق
عمومي أو خصوصي كبير و فوائد و عمولات و
عقارات تضخ في حسابات سجلات موظفين عموميين أكبر ،
و حيثما وجهت مرة أخرى هناك مالكون لزمام تعطيل
القانون و قتل القرارات التنظيمية في مهدها . و في
هذا الإطار ، إن إنشاء مصنع ، سواء في مراحل إعداد
تصميمه و الشروع في بنائه و الانتهاء من
الأشغال أو في المراحل التي تتلو انطلاقته بما
فيها من تشغيل للعمال و استغلال للمواد الخام و
القيام بالتصنيع و التسويق ، يخضع لرزمة من
الوثائق و لمثلها من الدراسات و فوقها يخضع لعدد
من زيارات و زيارات للمراقبة و التفتيش تنهض بها
لجان ممثلة للسلطات العمومية ذات الصلة . و بالنظر
في هذا الصدد إلى أن إصدار القرار النهائي في شأن
أي مصنع محدث و تسليم الترخيص ببدء استغلاله لا
يتم حسمه إلا بعد أن تتأكد السلطات العمومية ممثلة
في لجنة تضم مندوبين عن الوكالة الحضرية و العمالة
و الجماعة و الوقاية المدنية من ضمان شروط السلامة
الضرورية بالنسبة للمباني المعدة للمصانع و التي
تخضع لزوما لمقتضيات المطابقة مع وثيقة السلامة
التي تحدد المساحات المغطاة و أجواء الوقاية من
الحرائق بما تشمله من أماكن الولوج و الخروج و
السلالم القارة و غيرها من منافذ الإغاثة بالإضافة
إلى آليات إخماد النيران في حالة اشتعالها ، فهل
خضع هذا المصنع القاتل إلى هذه العملية قبل و
أثناء استغلاله ؟ و هل التعديلات العمرانية و
التقنية التي يشاع الزعم بأن مالك المصنع قد
أدخلها على البناية خضعت بدورها إلى افتحاص مدى
تطابقها مع شروط السلامة إياها ؟ و حتى في حالة
تأكيد هذا الإجراء ؟ لماذا تم تعطيل مجرى القانون
و من أمر بهذا التعطيل ؟ و أما الادعاء بأن هذه
السلطات لا علم لها بالكيفية التي أدخلت فيها تلك
التعديلات غير المأمونة فهو بئيس لأنه في بلدنا
العزيز لا شيء من مجريات الحياة اليومية يفوت
انتباه السلطات حيث بالإضافة إلى أعوانها من
المقدمين و الشيوخ و الجرائين هناك فئات أخرى من
السماعين و الرائين تضم بقالين و نوادل و حراسا
للعمارات السكنية و حراسا للسيارات في الأحياء
السكنية و الصناعية يتطوعون يوميا بإمدادها بكل ما
يبدر عن الناس و من بينه القيام بأعمال بناء
غير مرخص به ، و ذلك خاصة إذا كانت هذه الأعمال
تتطلب أطنانا من الرمال و الاسمنت و القضبان و
الصفائح و الآجور و على الأخص إذا كانت قد همت
إضافة أكثر من طابق جديد . و فوق هذا و ذاك إلى
أين يتم تحويل الميزانيات التي يصادق عليها
البرلمان لتسيير و تجهيز الوقاية المدنية ؟ كيف
يعقل أن يستمر أسطول هذه الوقاية يشتغل بأنابيب
مثقوبة لم تسعفها في الشروع في عملية إخماد نار
المحرقة إياها إلا بعد حوالي ساعتين من وصولها
المتأخر بأكثر من ساعة ؟ و كيف يعقل ألا يتم تجديد
تكوين مواردها البشرية بما يجعل تدخلها الميداني
أكثر نجاعة ؟ و هكذا ، ستصدر محكمة القطب الجنحي
بمدينة الدار البيضاء حكمها ضد المتهمين الثلاثة و
ذلك ابتداء من يوم الأربعاء 08 ماي 2008 ، لكن
مادامت كل أصناف الفساد ، فساد الابتزاز و فساد
الاحتواء و فساد المحاباة ، و كذا كل أشكال هذا
السرطان الدموي المقنعة منها و العينية سائدة فأن
كوارث المحارق البشرية و غيرها لن تتوقف عن التكرر
. فاللهم حفظك و سترك ليس من المخزن ( أي السلطة )
و الماء و النار فقط ، كما اعتدنا نردد في دعوانا
، بل و بالأخص من الفساد . آمين .
* من المغرب ، كاتب و باحث
elmostafa.soulaih@menara.ma