نعم غزة لا تناديكم، لأنها بخير تماماً، لا قنابل
ولا دمار ولا موت ولا دماء تروي الأزقة والشوارع،
ولا أي شيء ينغص عليكم بهجة نهاركم أو أنس ليلكم،
ولا تخافوا فهي أكبر من أن تنحني تحت حراب الغدر
والخيانة، وأقوى من أن تنتهي على عتبات النسيان،
غزة لا تناديكم لأنها تعلم أنكم منشغلون الآن في
القمة العربية، وتدرك أن التحضير لهذا يحتاج إلى
عمل جاد وجهد هائل، وهي متأكدة أنه لو قدر الله
وانعقدت فمن المؤكد أنكم ستذكرونها وتنددون
وتشجبون وتستنكرون وسيهرع العالم كله لإرضاء
خواطركم المعطوبة..
كما أنها تعلم أنكم كنتم مشغولون عنها بقضية
مصيرية، ألا وهي البطولة الكروية التي ترفس فيها
الأرجل ما تبقى من كبريائنا وشهامتنا، وحيث أنه
كما قال مقدم المباراة وحماس هتافه (خارج غزة)
يكاد يخرج من عينيه:"افرحوا يا عرب فالنصر آت" لم
تكذب غزة الخبر وفرحت بانتصار الكرة التي ما عادت
في ملعبكم ، بل وقدمت لكم الضحايا إعرابا عن
تقديرها للنصر العربي الكاسح.
وهي لا تعتب عليكم كما تظنون، فهي وكل من فيها
سمعوا أن اللاعب المصري أبو تريكة قد كتب على
فانلته الداخلية "تعاطفا مع غزة"، وأظهرها للعيون
والشاشات دقائق عندما أحرز هدفا، وكان بودهم أن
يروا ذلك بعيونهم لولا لعنة الكهرباء المقطوعة،
وعلموا أن إسرائيل لم تكتفي بالتنديد والشجب لهذا
الفعل المنافي لأقل حصافة دبلوماسية تتمتع بها
سفارتها داخل حدود مصر، ولأن فانلة أبو تريكة أخطر
وأشد فتكا من القنابل والحصار الذي تقترفه إسرائيل
على غزة، فقد ُضغط على اللاعب لئلا يعاود فعله
المشين, وتدخلت إسرائيل فمنعت ـ على الإنترنت من
خلال جوجل ـ تداول صورة اللاعب وهو يرتدي الفانلة
التي حركت مشاعر العرب كما لم تفعل جثث أطفال غزة.
بينما لم يحرك أحد ساكنا لوقف الحصار.
غزة لا تستنجد بكم لأنها تعلم تماماً، بل وتقدر
انشغالكم في (هزي يا نواعم) البرنامج الراقي
الهادف السامي الذي أوصل الهز الشرقي إلى
العالمية، كما لم يفعل مع قضية فلسطين ومصيبة غزة.
وبينما كانت النواعم (تهز) على الشاشات، والرجال
والنساء قاعدون وقاعدات، كانت غزة تشاركهم
الاهتزاز والارتجاج، وعندما هوت إحداهن وهي تقدم
رقصتها لتري المشاهدين ليونة جسدها، شاركتها غزة
تقديراً لها ولكم وهوت معها بأبنيتها فوق رؤوس
أصحابها الذين لا يفهمون الرقص جيدا بعيدا عن
موسيقى القنابل والرصاص وبدلات الضماد والكفن.
نعم يا أصدقائي غزة تقدر تماما مدى انشغالكم بأمور
مصيرية، لذلك هي لا تنتظر منكم شيئا، حتى ولا أن
تشاهدوها ولو من باب الوداع لأطفال يتساقطون برصاص
القناص الإسرائيلي الذي يبدو انه صار يتدرب الآن
على الأطفال ليرينا مدى مهارته في اصطياد حتى
الأهداف الصغيرة التي ما زالت تبحث عن لعبة أو
قطعة حلوى.
ولأنها سمعت من كبار القوم وعداً بأنها لن تجوع
رغم الحصار فقد اطمئن قلبها، ولا زالت رغم الهزال
الشديد ونقص المؤونة عن كل بيت فيها، لا تصدق أنهم
جاعوا، وتعزي هزالهم إلى هوس الرشاقة، وتلعن
الفضائيات التي روجت له...لأن كبار القوم لا
يكذبون.
وهي الآن- اقصد غزة- تثمن عالياً انشغالكم في
الإصدار الخامس أو ربما السادس أو التاسع لستار
أكاديمي، وتعتذر عن عدم دقتها في ذكر رقم الإصدار
إذ أنها ليست في مزاج يسمح لها بعدِّ إصداراتكم
الهادفة، لأنها تعبت من عدِّ الضحايا الذين
يتساقطون على ترابها كل يوم، ونسيت رتبة الآحاد
بعد أن تعودت العد بالعشرات والمئات والألوف
أحيانا.
هي لا تناديكم لأنها تعلم تماما أنكم تحتاجون لكي
تردّوا صوتا واحدا ويدا واحدة، وهذا أن حصل – لا
قدر الله- سيكون إهانة كبيرة في حقكم، إذ أنكم
كعرب تحبون التفرد في كل شيء، وتريدون أن يكون لكل
واحد منكم صوت مستقل ويد لا يشاركه احد في
توجيهها، ولذلك هي تأبى إحراجكم في أمورها التافهة
نسبة إلى قضاياكم المصيرية.
غزة لا تناديكم ولا تحتاج إليكم، فتشاجروا
وتلاسنوا، وارقصوا وعربدوا وغنوا، واشبعوا واتخموا
كروشكم، وأشيحوا بأنظاركم بعيدا عن منظر الدماء
لئلا تعكر صفو مزاجكم الرقيق، وانسوا أمر
غزة..فلها رب لن ينساها..
|