آثرت على نفسي النضال أكثر والكلام أقل، منذ عادت
سورية إلى التخفي الإجباري بعد أن ظننا أن هذا
ينتمي للعهد القديم، وأنه رحل مع خدام إلى باريس.
إلا أن مأساة إعدام مواطنين سوريين في المملكة
السعودية، وردود الفعل الصمتية من معظم أطراف
المعارضة السورية جعلتني أعود للكتابة التي
أعتبرها كالموسيقى، من معالم خلاص البشر.
ثلاث منظمات حقوق إنسان طالبت بعدم تطبيق الحكم
أولها المنظمة السورية لحقوق الإنسان. اللجنة
العربية لحقوق الإنسان أدلت بتصريح لوكالات
الأنباء جاء فيه "اللجنة العربية لحقوق الإنسان
تدين الإعدام في المملكة العربية السعودية بشكل
عام لخفة يد القضاء السعودي في تجريم غير
السعوديين أو من يتهم بالإرهاب، في الشارع أو خارج
القضاء". حتى هذا التصريح لم أجده على صفحة اللجنة
العربية.
تتندر أوساط المعارضة السعودية على مملكة العار
بقصة شاب أعدم في التسعينيات لطلبه "الكتاب
المقدس" بالبريد كذلك حكم الإعدام على صومالي أدين
بقتل سعودي وبعد القتل تبين أن الفقير إلى الله قد
دخل السعودية بعد حدوث الجريمة. هذا دون الدخول في
تكفير الإسماعيلية والشيعة وفتاوى السلفية
الوهابية في التكفير.
رحم الله الشيخ عبد الله العلايلي الذي قال
للسعوديين، لا رجم في الإسلام، فطالبوا بمنع كتابه
(أين الخطأ) وأطال بعمر جلال صادق العظم الذي كتب
ذات يوم "الحقبة السعودية" ليبين كيف اشترت سفارات
المملكة جيلا كاملا من المثقفين والصحافيين كان
برسم البيع.. كانت أيام عز تلك الأيام التي ينتقد
فيها أصحاب قلم ثائر "دول الاعتدال". أما في
حقبتنا البائسة، فقد أصبحت أمانة إعلان دمشق في
بيروت المحامي الرسمي لخدم الحرمين، والشيخ رفعت
الأسد ضيف الخادم الأكبر في خطبة المسجد الأكبر
"الكعبة"، وعبدو خدام وصيف بندر بن سلطان. وصار
المثقف المعارض يحسب حساب شيخ المضيرة لأن
المطلوب هو التحالف مع مبارك وعبد الله في وجه
الخطر الإيراني. وأن يقدم الحائز على وسام رئيس
الحزب الأقل ثقافة في سورية (المدعو أنس العبدة)،
بحثا علميا في انتشار التشيع والخطر الإيراني في
سورية بمعلومات لم تنشر من قبل، قبل أن يتوجه إلى
واشنطن للاجتماع بإثنين من أيباك وأحد الثلاثي
السوري الذي التقى بوش، علهم يسهلون له زيارة
للبيض الأبيض يدخل بها التاريخ.
باعتبار هؤلاء من الإسلاميين "الليبراليين"، فهم
لا يرون ضيرا في حكم الإعدام، بل ويعتبرونه في صلب
الحركة الإسلامية والقوانين الأمريكية. وعندما
ننتقل لحركة الإخوان وحزب التحرير، فإن الشابين
السوريين اللذين وقع قطع رأسهما في مملكة العار لا
يستحقان حتى الفاتحة، ولا يجوز وضعهما في مقابر
المسلمين.
قبل عشرين سنة، وقع تحت يدي عريضة عربية ضد حكم
الإعدام، وقد بقي في ذاكرتي من الموقعين على هذه
العريضة محمد حربي (الجزائر)، حسين زهوان
(الجزائر)، هيثم مناع (سورية)، لطف الله سليمان
(مصر)، منصف المرزوقي (تونس) وأعتذر ممن نسيت.
لا أعرف إن كان من وقع العريضة ما زال على قيد
الحياة أو فارق بعضهم هذه الدنيا، ولكنني أناشد
الأحياء منهم: أين أنتم من أحكام الإعدام في
العالمين العربي والإسلامي، أين صوتكم اليوم؟ هل
هو الحذر من تدين الناس وفرض صورة متزمتة على هذا
التدين؟
أناشد أيضا يتحدث بخطاب الحداثة، مثل ياسين الحاج
صالح، وأرجو منه أن لا يفكر في الضرر والنفع من
نقد السعودية وأن يستنكر هو وبرهان غليون هذه
الجريمة الدنية.. انتظر من اليسار القومي
والماركسي رد فعل على جريمة قتل في وضح النهار
تسمى عقوبة؟ وأن يبقى الأمر في نطاق استفادة هذه
السلطة أو تلك، من ردود فعل وقعت بعد الجريمة في
سورية والسعودية.
لا أتوجه بالتأكيد إلى حازم صاغية أو جيزيل خوري
أو المتعيشين من الحياة والمستقبل والأمل (لا أدري
ماذا تركت لنا بيروت من كلمات جميلة لم تدنس)،
الذين ينتقدون الدكتاتورية في دمشق وطهران،
ويعشقون دكتاتورية الرياض. مملكة السعادة المتربعة
فوق النقد والشبهات، بل فوق حتى صغير الأخطاء، كما
قال نائب سوري سابق لعصره وليله.
بدون توقيعات المرتزقة من المال السعودي، هذا نداء
إلى كل عربي وكردي وقبائلي وزنجي في العالم العربي
من أجل إعلان يطالب بمنع عقوبة الإعدام في كل
الدول العربية والإسلامية. إعلان يقول بأن القتل
ليس فقط عقوبة غير حضارية، بل هو معاقبة للجريمة
بجريمة، وأن علينا تحديث قانوننا الجنائي، في نقاط
ضعفه القاتلة التي تقبل بالوأد في جرائم الشرف، في
وقت يعرض اللحم الأبيض فيه في كل مدن الخليج
للرجال بأسعار بخسة. وتعتبر سرعة تنفيذ الإعدام من
ضرورات الطهارة، ويجري التمييز فيه بين المواطن
والوافد وبين ابن النسب والعامة وتقطع اليد في
سرقة دينار ويكرم على مرآى العالم سارقوا
الملايين.
لنتذكر أن إلغاء حكم الإعدام لا يختلف عن إلغاء
العبودية، فهناك من رجال الدين من قال قبل قرن،
"إذا ألغي الرق لم يعد من معنى لعشر كتب الفقه"،
ومن اعتبر ذلك مخالفا للدين، ولحسن الحظ، أن ما في
هذه الكتب عن العبيد لم يعد اليوم يستشهد به أحد.
اليوم مهمتنا تشكيل تيار واسع من أجل إلغاء حكم
الإعدام، هذا هو التحدي، فليرفع الديمقراطيون
رأسهم، وليقف الاشتراكيون موقفا صارما، وأهلا بكل
ليبرالي يدافع عن إلغاء حكم الإعدام، وبكل إسلامي
يؤيد رأي طارق رمضان في تعليق هذا الحكم والعقوبات
الجسدية.
لنتذكر اسم "فراس فيصل الأغبر" و "فراس حسين
مكتبي " باعتبارهما مواطنين قتلا بتهمة نفذت على
طريقة مطاوعي الأمر المعروف والنهي عن المنكر،
المؤسسة التي تشكل مع الحرس الثوري الإيراني آخر
صورة عن محاكم التفتيش.
shiblishmeil@windowslive.com