إيران، ليبيا، سورية، تونس
كييف 7 أيار/أبريل 2008
-------------------------------------------------------
Haytham Manna
Kyiv 2008
Authoritarian State
and Civil Society
under State of Emergency’s globalization:
Iran, Libya, Syria,
Tunisia
---------------------
إن كان من سمة أساسية تسم حقبتنا، فهي تزعزع
المسلمات والنسبية المفرطة للمؤشرات القيمية. فبعد
سيرورة تاريخية متعثرة بالحرب والتوسع والتفاوت
الاجتماعي والاقتصادي، استطاع الأنموذج الغربي أن
يقدم للعالم أنموذجا للدولة الحديثة يحترم مجموعة
من الحقوق الأساسية المدنية والسياسية ويعتبر هذه
الحقوق الأرضية الأفضل لأشكال النشاط البشري
والنضال حتى في مواجهة المنظومة الرأسمالية نفسها.
فبعد عملية استرجاع الميراث الأساسي لأوربة، وحرب
الاستقلال الأمريكية عشية انتهاء الحرب الكونية
الثانية، والسعي البشري لترجمة حقوق وواجبات
المواطنة والدولة التعاقدية في مواثيق دولية
تحترمها كافة الأطراف بغض النظر عن القارة أو
القومية أو الجنس أو الثقافة، جاءت مأساة 11
سبتمبر 2001 لتعيد الاعتبار للحالة الاستثنائية.
بل أكثر من ذلك، لعودة الدولة الأمنية إلى التفكير
السياسي الغربي السائد. لم يعد ثمة عقدة ذنب في
التضحية بمؤشر التفوق الأساسي لهذا الأنموذج، أي
الحقوق السياسية والمدنية. صار إلغاء قانون
الإحضار habeas
corpus
أو إقرار وسائل تعذيب محددة، يتم بجرة قلم من
الرئيس الأمريكي أو وزير دفاعه ويتتابع ثلاث وزراء
عدل في الإدارة الأمريكية يقبلون بتغطيس المعتقلين
أثناء التحقيق. هذا الاضطراب، الذي ترافق مع تراجع
في القانون الدولي والقوانين الوطنية، يعتبر أهم
زلزال في المفاهيم السياسية والحقوقية الأساسية
على صعيد الرأي العام والنخب منذ سقوط الدولة
النازية(1).
فبعد عقود كانت فيها دول معسكر وارسو أو
دكتاتوريات العالم الثالث تحتل معظم فعاليات
المنظمات الحقوقية، خاصة منها العاملة في حقل
الحقوق المدنية، عادت الدول الغربية لتشاطر هذه
الدول ممارساتها. لتصعد إلى السطح أضلاع المربع
البائس الذي أنتجته الإدارة الأمريكية الحالية:
قوانين مكافحة الإرهاب، السجون السرية، القوائم
السوداء ومعسكر اعتقال غوانتانامو. في مقابل هذا
المربع، لم يكن من قبيل الحرج لأنظمة، لم يدّعِ
معظمها أمجادا في حقوق الإنسان، أن تحمل مربعا
بائسا لا يختلف كثيرا عن سابقه: قوانين مناهضة
الإرهاب، إزمان حالات الطوارئ، المحاكم
الاستثنائية واعتبار الممارسات خارج القضائية
بعيدة عن نطاق المحاسبة أو النقد.
من نافل القول، أنه لا يمكن الحديث في قيم التسامح
والحرية وقبول الاختلاف والإبداع الفكري والأدبي
في عالم متأزم ومخنوق. فإدمان الممارسات الأمنية
القمعية وغياب أي عقد اجتماعي أو عهد بين الحاكم
والمحكوم يطلق العنان لكمونات العنف وردود الفعل
الغرائزية وغير العقلانية. الحرب على الإرهاب هي
حالة تطرف تنتج تعبيرات تطرف بالضرورة. والتقييد
المتزايد للحريات يفقد الناس الثقة بالوسائل
السلمية للتغيير، ويمهد لظروف إنتاج العنف والعنف
المضاد. لقد تداخلت عملية انتهاك الحقوق الأساسية
بين كيانات لم ترتق لدولة قانون، ودول قانون
تراجعت عن أحد أهم أسباب نجاحها إن لم نقل تفوقها.
الأول يبني منظومة موازية للأمم المتحدة وقواعد
القانون الدولي، والثاني يرضخ سعيدا لما يجعله في
حلّ من التزامات دولية ممكنة الحدوث. تغييب وسائل
المحاسبة بقرار لمجلس الأمن حينا وللحاكم المدني
في سلطة احتلال أحيانا أخرى يضع فكرة المحاسبة على
الرف بعد نضالات أكثر من قرن لجعلها تدخل قاموس
العلاقات والاتفاقيات الدولية. تغييب الإجراءات
القضائية الوطنية عن سابق إصرار وتصميم، خاصة في
الجرائم الجسيمة, وأخيرا تقنين وتقييد حرية
التعبير في معمعان ثورة تقنية قادرة على دمقرطة
المعارف، كل هذا يجعلنا في حقبة قلقة. حقبة لا
تحتاج الحرب فيها لأسباب وجيهة لكي تعلن، ولا
تستطيع أية قوة كونية أن توقفها حين تندلع.
هذه المعطيات ساهمت في تحديث خطاب النظم التسلطية
ومنحها إكسير الشباب. فلم يعد من الحرج الحديث في
الحالة الاستثنائية، والتفنن في آلية تقييد
السلطات القضائية والتشريعية، أو إلغاء هوامش
التعبير الحر على الأرض وفي الفضاء. وهكذا، أعطت
الحرب على الإرهاب نكبة حقوقية بكل معنى الكلمة.
فتجلت معالمها الأساسية بالانغلاق على الذات
التسلطية عند سلطات غياب الهامش المدني والسياسي
المستق. ويمكن القول أن هذا الأمر قد مس تجارب نما
فيها مفهوم استقلال القضاء والسلطة الرابعة،
كمصر والمغرب حيث شهدنا:
1-
تغليف الخطاب التسلطي في عباءة حقوقية
2-
دسترة الاستثنائي وأمننة الحياة العامة
3-
رفع وتيرة الملاحقات والاعتقال والتعذيب
نمط القيادة ومفهوم التداول
السلمي
واحدة من أهم سمات النظام التسلطي تقوم على جعل
نمط القيادة فرديا، وسد الطرق الدستورية أمام فكرة
التداول السلمي على السلطة. بتعبير آخر، يصادر
النظام التسلطي الوسائل الدستورية والسلمية
للتغيير، واضعا باستمرار قوى التغيير خارج القانون
العادي أو الاستثنائي. وباستعراض سريع للمبادئ
الدستورية للدول الأربع موضوع المداخلة نجد:
الأنموذج السوري:
دستور إيديولوجي يحدد سلفا مفهوم قيادة الدولة
والمجتمع من قبل حزب البعث ويربط اختيار رئيس
الجمهورية باستفتاء لمرشح الحزب يجيب عليه المواطن
بنعم أو لا(2).
الأنموذج الليبي:
دستور إيديولوجي ينصب شخص معمر القذافي وفكره
مرجعا أساسيا للممارسة السياسية والمجتمعية، ويربط
به ما زال على قيد الحياة تفسير الممارسات
الجماهيرية ومؤسساتها وعلاقتها ببعضها البعض (3).
الأنموذج التونسي:
دستور ذرائعي لمنظومة سياسية رئاسية وحزبية.
صلاحيات رئيس الجمهورية تفرّغ
فكرة فصل السلطات من مضامينها وتجعل رأس الدولة
المرجع الأساس لتحديد طبيعة المشاركة السياسية
(4).
الأنموذج الإيراني:
دستور إيديولوجي يحدد سلفا منهج القيادة بولاية
الفقيه العادل الذي هو في واقع الأمر قائد لمؤسسات
الدولة والمجتمع، أي الثابت في متغيرات جهاز
الدولة تنفيذية كانت أم تشريعية(5).
تشترك النماذج الأربعة بكونها تحدد في شروط
قانونية مسبقة سقف الفضاء غير الرسمي في المؤسسة
التشريعية. سواء بالنسبة لغير المنتمين للحزب
الحاكم أو الإيديولوجية السائدة، أو بالاستقصاء
المسبق لوجود دمغة سياسية أو عقائدية، أو بنظام
الكوتا.
كما تشترك
في الرضوخ الكامل للقضاء لرغبات السلطة التنفيذية،
سواء عبر التعبير الأمني أو الإيديولوجي أو كلا
التعبيرين. كذلك بتأميم المفاصل الرئيسية للسلطة
الرابعة، في حرمان كامل للفضاء غير الرسمي من
إمكانيات التواصل الواسع مع الرأي العام.
وإن لم يكن المجال يتسع لاستعراض أواليات
mechanisms
تحطيم العلاقات والنشاطات المدنية في الحالات
المختارة، فقد ضربت أشكال العمل المدني الأساسية
في إيران في ظل الحرب العراقية الإيرانية،
باستثناء المنبثقة عن المؤسسة الدينية أو المقبولة
منها. وفي سورية بقرارات رئاسية في 1980. في حين
استمر النشاط النقابي واستوعبت حقبة بورقيبة
الثمانينيات تعبيرات صحفية مستقلة، وانتخابات
نقابية ومهنية تنافسية وإن لم تكن حرة تماما حتى
بداية التسعينيات. في ليبيا، سيطرت السلطة مع
ولادة "الجماهيرية" على كل أشكال التعبير والتنظيم
والتجمهر، ومنعت الحزبية
واستمرت جمعيات خيرية تشكلت من فوق.
مع ذلك ومهما كانت وسائل القمع، لا يتوقف المجتمع
عن إطلاق مبادرات مدنية. لذا بقيت هوامش العمل
الخيري البعيدة عن أي طرح أو تلون سياسي أهم مكان
غير قبائلي وغير طائفي للتجمع. وابتكر المجتمع عدة
وسائل مدنية جديدة كالندوات الأسبوعية، المنتديات،
المنظمات غير المرخصة المحدودة العضوية، الصحافة
الثقافية الأدبية ومدارس التعليم الديني. لكن كل
هذه الهوامش كانت باستمرار رهينة طمأنة الحاكم
كشرط واجب الوجوب للاستمرار. فالكائن الإنساني
الذي يمتلك "مساحات قدرة" على التأقلم تتعدد أشكال
تعبيره عنها: في التمرد كما في الطاعة، في السلم
أو الحرب وفي مراحل السكون والحركة. ويمكن القول
أن أطروحات التغيير تتأثر بهذا العامل الذاتي أو
تدفع ثمنه عندما لا تأخذه بعين الاعتبار. ففي كل
تحرك لا بد من استقراء الحامل الاجتماعي الداخلي
أولا، ثم متابعة ما يمكن توظيفه سواء في صفوف
الدياسبورا أو القوى المنسجمة مع البرنامج
الديمقراطي في هذا البلد أو ذاك. أما على صعيد
استقراء معالم طريق التغيير، فثمة اتجاهين أكثر
تبلورا من غيرهما:
الأول، يعتبر هذه النماذج لا تَََصلُح ولا تٌصلح،
ويدعو للتغيير إما بالعصيان المدني أو الانقلاب
العسكري أو التدخل الخارجي،
الثاني، يقول بضرورة اللجوء لكل وسائل النضال
السلمية الممكنة والمتاحة داخل وخارج المنظومة
الرسمية.
من الملاحظ وجود ترابط بين العوامل الداخلية
والعوامل الخارجية. ففي حقبة استلام الرئيس خاتمي
الأولى، كان ثمة هوامش مجتمعية أكبر يوفرها ظرف
دولي أكثر تقبلا للإصلاح السياسي، ووضع نفسي
مجتمعي أكثر اطمئنانا على مساحات اضطراب داخلية لا
تؤدي إلى حالة فوضى أو دخول البلاد في عالم
المجهول. فالقوى المحافظة، بالمعنى الاجتماعي وليس
الديني، كانت تبحث عن تهدئة داخلية تتنفس فيها في
نطاق مشاريعها الحياتية، بعد أن استهلكت الحرب مع
العراق والتغيير في بنيات الدولة الإيرانية مشاريع
الدولة الكبرى. بعد 11 سبتمبر ووجود الجيش
الأمريكي شرق وغرب إيران، عادت هذه القوى
المجتمعية لتجد نفسها أكثر في الخطاب
الديني-السياسي المحافظ والرافض لأية مغامرة تغيير
في الداخل، حتى في إصلاح إداري أو تطوير لوسائل
الإعلام.
في تونس، خاضت السلطة السياسية معركتها الثانية
(بعد حربها مع حركة النهضة مطلع التسعينيات) ضد
تعبيرات المجتمع المدني والمشروع الإصلاحي المحدود
السقف، لكن المقبول من شرائح اجتماعية أوسع وأوساط
غربية أكبر. لذا نجدها، في ظل الحرب على الإرهاب،
قد خاضت حربا إرهابية حقيقية على كل رموز التغيير
السياسي والمدني.
في ليبيا تعلم "قائد البلاد والعباد" أن بالإمكان
رفع العقوبات عن بلده بدفع التعويضات وتبني خطاب
أكثر تفهما للمصالح والسياسات الغربية. الاستتابة
القذافية هذه لم تحج العقيد إلى أي تنازل على صعيد
الحريات أو الحقوق في الداخل.
من ناحيتها، السلطات السورية وبحساباتها الخاصة
اتخذت قرارا بوقف عملية القبول المحدود للصوت
الآخر في البلاد. حيث ضربت قبل يومين من أحداث
سبتمبر، عشرة من الذين شاركوا بنسبة أو بأخرى في
"ربيع دمشق". بعد هذا التاريخ، وفي خضم الفوضى غير
الخلاقة للسياسة الأمريكية في العراق وإلى حد كبير
في لبنان، عادت السلطات السورية للتعيش من حماقة
الآخر أكثر منه من براعتها الذاتية. الأمر الذي
جعل "بوش الابن" يحول مشروع محكمة الحريري إلى آخر
عصا بعد ولايتين استهلك فيهما كل الجزر والحلوى
التي في جعبته. اجتماع ديسمبر 2007 لإعلان دمشق
كشف عن أن المعارضة أيضا لا تمتلك رؤية بعيدة
النظر وأنها غير قادرة على المحافظة على وحدتها
الداخلية الأكثر من ضرورية في ظروف الخوف المجتمعي
من التغيير. فيما سينزّل من سقف المطالب بالتغيير
هذا العام أو يدفع بعض الأطراف لارتباط أكبر
بالسياسة الأمريكية دون مقابل يذكر. الأمر الذي
يفتت الجبهة الديمقراطية الداخلية أكثر فأكثر.
المبادرة الداخلية والدياسبورا
يمكن القول أن الدياسبورا الإيرانية كانت الأقوى
بالمعنى السياسي والمدني منذ السنين الأخيرة
للشاهنشاهية. وقد مكنت الانشقاقات المبكرة في قوى
التغيير بعد الجمهورية، مكنت المعارضة الإيرانية
في المنفى من الانتقال لمرحلة مأسسة متقدمة. من
جهتها، استفادت التجربة التونسية من القوى
المهاجرة. وعلينا انتظار 1998 لاستقراء أشكال نضال
مشتركة بين جناحيها العلماني والإسلامي. أما
الدياسبورا السورية والليبية فدخلتا الميدان
متأخرة لعوامل ذاتية وموضوعية. ومازالتا أضعف
اليوم من دور المهاجرين السوريين في الأمريكيتين
في حقبة التحرر الوطني.
لقد كانت هوامش التحرك في الثمانينيات والتسعينيات
أكثر فاعلية بسبب الهزة الجيو سياسية التي رافقت
سقوط معسكر وارسو وما حققه المجتمع المدني
العالمي. لذا كانت المواجهة من إيران وسورية
وليبيا جد عنيفة، بما في ذلك الاغتيال السياسي
الخارجي والخطف وقطع العلاقات الدبلوماسية
واللجوء للعمليات الإرهابية والضغط على عائلات
المناضلين المنفيين. ويمكن القول أن مرحلة ما قبل
11 سبتمبر كانت تسمح بهوامش مشتركة أوسع بكثير،
خاصة في المؤسسات بين الحكومية كالاتحاد الأوربي.
باعتبار أن الحرب الباردة على الدكتاتورية كانت
تحتل هامشا تم ابتلاعه من قبل الحرب الساخنة على
الإرهاب.
ليس الانتساب لمنظمات دولية وإقليمية أو التنسيق
معها في هذه البلدان بجديد. فقد بدأ الانتساب
لاتحادات نقابية عالمية في مطلع القرن العشرين.
وشملت العضوية في منظمات حقوقية عربية ودولية في
الثمانينيات من القرن الماضي البلدان المذكورة
بأشكال متعددة. بدأتها التجربة التونسية، ثم تبعها
المثل السوري والإيراني، والأنموذج الليبي بشكل
أقل. يمكن القول أن توظيف هذا الفضاء يجري بشكل
مقبول إلى حد كبير، خاصة وأن دور هذه المنظمات قد
تراجع مع تقدم منظمات محلية أكثر احتكاكا بالواقع
وقربا من الناس.
من جهة ثانية، ارتفعت وتيرة التنسيق مع مؤسسات بين
حكومية (الأمم المتحدة، المفوضية الأوربية،
البرلمان الأوربي، مجلس أوربة)، خاصة عبر المنظمات
ذات الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة وذات
الخبرة. ويلاحظ أن هذه المؤسسات هي التي تقلل من
أهمية دورها بنفسها، عبر خلط العديد من الموظفين
والنواب لمعاركهم الداخلية في أوربة وفهمهم لدور
دولة إسرائيل، مع نضال الديمقراطيين في العالم
العربي. وكأن مهمتنا باستمرار تقديم وثائق حسن
سلوك حول حق الدولة العبرية في الوجود والرغبة في
السلام معها وضمان أمنها. من هنا ضرورة التذكير
بأن المسألة الفلسطينية مازالت، اليوم كما بالأمس،
تلعب دورا كبيرا في هدم أشكال الثقة بالغرب الرسمي
وشبه الرسمي وأشكال تدخله. خاصة بعد اختباري وقف
الاستيطان وعدم بناء الجدار العازل، اللذين فشلت
الجماعة الغربية (الحكومية وبين الحكومية) فيهما
بشكل مهين في ردع الدولة العبرية.
مشكلة جديدة أيضا تبرز بشكل أكبر يوما بعد يوم. هي
التعامل بنمط تفكير مسبق مع الحركات الإسلامية
السياسية بشكل عام، وتصنيف واضح لحزب الله وحماس
والجهاد في معسكر الإرهاب (طبعا هم ومن يحسب عليهم
من جمعيات خيرية وثقافية). الأمر الذي ينعكس سلبا
أحيانا حين التوصل لعمل شيء مشترك، حيث الطرف
الأوربي يقحم إقحاما هذه المواضيع.
بالطبع، يصبح الموضوع أكثر تعقيدا عند التعامل مع
جماعات الضغط في الكونغرس الأمريكي. خاصة بالنسبة
للمعارضة السورية، لحساسية موضوع الأراضي السورية
المحتلة. من هنا آثرت عدة منظمات غير حكومية، منها
اللجنة العربية لحقوق الإنسان، عدم اللجوء إلى
الكونغرس الأمريكي. ويبقى تدخل البرلمانات الوطنية
الأوربية مختلف الطابع والمستوى. فثمة فارق بين
استعارة صالة نائب للاستماع لمجموعة من هذه
المعارضة أو تلك، وبين صدور قرار يتعلق ببلد غير
أوربي، حيث الرهانات مختلفة تماما.
من الضروري الآن التوقف قليلا عند مشكلة جوهرية
تتعلق بتحديد التخوم. وهي برأيي قابلة للتحديد،
بين حق التضامن، وما يسمى غربيا بحق التدخل.
كانت فكرة السيادة من أهم نتائج حروب التحرير
الوطنية وحقبة نزع الاستعمار. وقد تركت آثارها على
تعبيرات التضامن الأممي المختلفة. إلى أن عادت
للظهور فكرة "الحق" في التدخل بعد قرابة ثمانين
عاما على ظهورها الأول في أوربة، ولكن هذه المرة
بدون عقدة استعمارية. عندما بدأ جيل غربي آخر
بفكرة حق التدخل في القضايا الإنسانية، ثم الأوضاع
الطارئة، ثم التدخل ”بلا حدود“.
لقد كان لوصول هذا الاتجاه لمناصب سلطوية في أكثر
من بلد غربي ما حوّل جناحا هاما من المنظمات غير
الحكومية إلى وسيلة توظيف أو استعمال في ممارسات
سياسية لا علاقة لها بقيم أو مبادئ. كونها صارت
التعبير الجديد عن المصالح القومية والاقتصادية في
بلدانها، مع كل النتائج الكارثية التي دفعنا
ثمنها، سواء في أشكال التضامن التقليدية أو
الجديدة. (لنأخذ أنموذج لوكربي وتحرك عدة منظمات
مدنية للتعويض وغيابها بعد التحول الليبي،
الانتقال من ضرورة تسويق ميلوسوفيتش من قبل برنار
كوشنر إلى ضرورة محاكمته، استعمال منظمة مجاهدي
خلق في قضية الملف النووي الإيراني... باختصار، كل
ما يجعل النشاطات المدنية محدودة وراضخة لمركزية
العلاقة بالغرب وهامشية التغيير الداخلي).
بموازاة هذا التوظيف الغربي لما سمي بحق التدخل،
تعززت من جديد مفاهيم الحماية الوطنية، وفي أكثر
من بلد، عبر خطاب وطني لا يخلو عند الضرورة من
الشوفينية. باتت مهمة المنظمات المدنية والحقوقية
الوطنية تفحّص كل مشروع مشاركة أو تنسيق لمعرفة
السقف الحقيقي للعمل مع مؤسسات غربية معينة. ومنذ
الحرب على الإرهاب واحتلال العراق، صار دعم
الإدارة الأمريكية لأي نضال ديمقراطي ومدني عالة
عليه أكثر منه فائدة له. فالأطراف المدنية
والسياسية التي لجأت للإدارة الأمريكية الحالية
تعيش حالة عزلة تصل للتخوين الشعبي. وذلك بسبب
المأساة العراقية، والخوف من تدخل متهور جديد يحطم
ما تبقى من الكيانات الهشة والضعيفة بالأساس. وبات
من الضروري أن لا يسقط الديمقراطيون والحقوقيون في
أي من هذين الجنوحين.
إن ضعف الثقة بالوسائل الرسمية وأزمة الهوية عند
العديد من المنظمات الحقوقية الغربية، وإن أثرت
سلبيا على الحركة المدنية العالمية، إلا أنها عززت
أشكال التشبيك المدني بين النماذج المتشابهة
والكيانات المشتركة الثقافة والهموم. لم يكن هذا
التوجه الجديد عبر تعامل المنظمات الدولية بمنطق
مركز ومحيط، أو الإدارة العامودية مع دولة
ومجتمعها، وتحديد سقف الدور الممكن أن تلعبه
المجتمعات المدنية في الجنوب. لقد بدأت محاولات
التشبيك بعلاقات أوربية-جنوبية، ثم استقلت تباعا
عنها لمحدودية سقف التصور الأوربي وتراجع شعبيته.
لتقوم اليوم جملة علاقات جنوبية مدنية مباشرة
بجماعات ضغط فعلية تدعم المجتمعات المدنية في
بلدان غياب الهوامش الأساسية للنضال العلني.
كيف أثرت هذه العوامل الداخلية والخارجية في
برنامج التغيير في بلدان غياب الهوامش الشرعية
للنشاط السلمي؟
إن اهتزاز المسلمات السياسية وتراجع الأسس المدنية
لتنظيم العلاقات على الصعيدين الوطني والدولي يعزز
يوما بعد يوم ”ثقافة الخوف من التغيير“. هذه
الثقافة تقوم على قواعد محافظة مثل اللعب على
المضمون، عدم المخاطرة بسقوط المنظومة بأكملها،
البحث عن قواسم مشتركة مع الحاكم حيث أمكن وتخفيف
”المعاناة النضالية“. هذا الهامش الضيق للتفكير
بالإصلاح، بعيدا عن قطبي الحرب على الإرهاب أي
منطق التطرف، لن يتغير برأينا إلا في ظل مراجعة
شاملة للممارسة والأطروحات السياسية الأساسية
للإدارة الأمريكية. علنا نخرج سريعا من منطق
المتاح في المباح إلى طموح الانتقال السلمي
للديمقراطية.
--------------------------------
www.haythammanna.net
1)
بدأت محاولات فهم الدولة التسلطية باللغة العربية
مبكرا وبشكل مستقل عن الكتابات الأوربية. إلا أن
العمل على الحالة الاستثنائية تأخر حتى مطلع
الثمانينيات. وقد حاولت تقديم دراسة تحليلية في
الذكرى 25 لحالة الطوارئ في سورية (1988) في ندوة
نظمها فرع للحزب الاشتراكي الفرنسي في الضاحية
الباريسية.
2)
ناهيكم عن ديباجة الدستور الإيديولوجية، ثمة مواد
واضحة في الدستور حول هذا الموضوع:
- المادة 8
حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في
المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على
توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف
الأمة العربية.
-المادة 84
1ـ
يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب
بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث
العربي الاشتراكي ويعرض الترشيح على المواطنين
لاستفتائهم فيه.
2-
يجري الاستفتاء بدعوة من رئيس مجلس الشعب.
3-
يتم انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء ولاية الرئيس
القائم في مدة لا تقل عن ثلاثين يوما ولا تزيد عن
ستين يوما.
4-
يصبح المرشح رئيساً للجمهورية بحصوله على الأكثرية
المطلقة لمجموع أصوات المقترعين. فإن لم يحصل على
هذه الأكثرية رشح المجلس غيره. وتتبع بشأن ترشيحه
وانتخابه الإجراءات نفسها، على أن يتم ذلك خلال
شهر واحد من تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء الأول.
3)
جاء في قــرار مؤتمر الشعب العام بإعلان قيام
سلطة الشعب والقرارات المنفذة له:
"يؤكد سير الثورة الزاحفة بقيادة المفكر الثائر
والقائد المعلم العقيد معمر القذافى نحو السلطة
الشعبية الكاملة وتثبيت مجتمع الشعب القائد والسيد
الذى بيده السلطة وبيده الثروة وبيده السلاح،
مجتمع الحرية، وقطع الطريق نهائياً على كافة أنواع
أدوات الحكم التقليدية من الفرد والعائلة والقبيلة
والطائفة والطبقة والنيابة والحزب ومجموعة الاحزاب،
ويعلن استعداده لسحق أى محاولة مضادة لسلطة الشعب
سحقاً تاماً".
4)
من الفصل 38 إلى الفصل 55 من الدستور التونسي،
يعطى الرئيس صلاحيات جمهورية رئاسية مطلقة
القوانين والتصريحات الرئاسية تؤمم وتحدد هامش
الترشح لرئاسة الجمهورية، بحيث يمكن القول أن
التعددية في الترشيح مشروطة بموافقة الرئيس على
تحديد قائمة منافسيه.
5)
يمكن اعتبار الدستور الإيراني أكثر إيديولوجية، بل
وفي بعض مواده نشعر بالمحرم والمقدس. إلا أنه
وفيما يتعلق بموضوعنا يوجد 3 مواد واضحة، وبنفس
الوقت تعطي صورة عن شكلية المؤسسات التشريعية، بل
ومؤسسة الرئاسة نفسها :
المادة الخامسة:
في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران
الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير
بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير،
وذلك وفقًأ للمادة 107.
المادة السابعة بعد المائة:
- بعد المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة
الإسلامية العالمية ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية
سماحة آية الله العظمي الإمام الخميني (قدّس سره
الشريف) الذي اعترفت الأكثرية الساحقة للناس
بمرجعيته وقيادته، توكل مهمة تعيين القائد إلى
الخبراء المنتخبين من قبل الشعب.
- وهؤلاء الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل
الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين
الخامسة والتاسعة بعد المائة. ومتى ما شخصوا فردا
منهم - باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات
الفقهية أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو
حيازته تأييد الرأى العام، أو تمتعه بشكل بارز
بأحدى الصفات المذكورة في المادة التاسعة بعد
المائة - انتخبوه للقيادة. وإلا فإنهم ينتخبون
أحدهم ويعلنونه قائدا. ويتمتع القائد المنتخب
بولاية الأمر ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن
ذلك.
المادة العاشرة بعد المائة :
وظائف القائد وصلاحياته:
1- تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران
الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة
النظام.
2-
الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.
3- إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
4- القيادة العامة للقوات المسلحة.
5- إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
6- نصب وعزل وقبول استقالة كل من:
أ- فقهاء مجلس صيانة الدستور.
ب- أعلى مسؤول في السلطة القضائية.
ج- رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية
إيران الإسلامية.
د- رئيس أركان القيادة المشتركة.
ه- القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.
و- القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن
الداخلي.
7-
حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات
الثلاثة.
8- حل مشكلات النظام التى لا يمكن حلها بالطرق
العادية خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.
9-إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من
قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة
الجمهورية من حيث الشروط المعينة في هذا الدستور
فيهم، فيجب أن تنال قبل انتخابات موافقة مجلس
صيانة الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة
القيادة.
10-عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد،
وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن
وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي
بعدم كفاءته السياسية على أساس من المادة التاسعة
والثمانين.
11- العفو أو التخفيف من عقوبات المحكم عليهم في
إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة
القضائية. ويستطيع القائد أن يوكل شخصا آخر أداء
بعض وظائفه وصلاحياته.
|