بعد ساعات فقط من المواجهات الدامية بين محتجين
وقوات الأمن التي شهدتها شوارع القاهرة ومدن مصرية
منها مدينة المحلة الكبرى، حيث دعت عدة قوى سياسية
واجتماعية إلى إضراب عام يوم 6 ابريل للاحتجاج على
الأجور وتدني الأوضاع المعيشية، موعد آخر كان له
أن يجهض مع انتخابات المجالس المحلية في 8 من
الشهر الجاري. فرغم التواجد الأمني المكثف بالثياب
المدنية في مصانع المحلة خرج العمال في مظاهرة
كبرى انضم إليهم أهالي المحلة قارب عددهم الثلاثين
ألف محتج حسب بعض الشهود. كان نتيجة هذه التحركات
سقوط عدد كبير من الجرحى (ما بين 150 و250 نقلوا
للمستشفيات) فضلاً عن مئات المعتقلين والأهم خمسة
قتلى جراء اصابتهم بعيارات نارية، علمنا منهم
أسماء أحمد السيد حسن (20 سنة) وأحمد حسن النونو
(40 عاما) ومحمد أحمد السيد (15 سنة). كان بيان
للجنة التنسيقية للحريات النقابية قد أشار إلى أنه
في اليوم التالي وبعدما تجمهر حوالي 20 إلى 40
ألف من الأهالي في المحلة للمطالبة بالإفراج عن
ذويهم، ما كان من قوات الأمن إلا الرد بإطلاق
الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والحي قابله
الأهالي بالحجارة. كذلك شنت هذه القوات هجمة شرسة
على الصحفيين والمدونيين واعتقلت عدداً كبيراً
عرفنا منهم: عمرو بدر، محمد الشرقاوى، مالك مصطفى،
أحمد بدوي، اسراء عبدالفتاح، نادية مبروك، أمينة
عبدالرحمن، محمد عبدالقدوس، كريم البحيري، احمد
نصار، احمد فؤاد الدين، أحمد الهواري، محمد عواد،
سارة رشيد، اكرم الإيراني، ضياء الصاوي ومصور قناة
الجزيرة ومساعده كما واعتدت بالضرب على مراسلين
اجانب وصادرت كاميراتهم.
بدورها شهدت المحليات، وكما جاء على لسان وسائل
الاعلام والشهود والمراقبين، انتهاكات صارخة لحقوق
الإنسان بهدف اقصاء "كافة القوى الحية والفاعلة
في المجتمع" حسبما ورد في بيان للأخوان المسلمين
الذين قاطعوا هذه الانتخابات. من هذه الانتهاكات
عدم منح تصاريح المراقبة لبعض المراقبين والمنظمات
الحقوقية، وحدوث أعمال عنف في العديد من اللجان
وبث دعايات انتخابية لصالح مرشحي الحزب الحاكم.
كذلك اغلاق بعض اللجان ومنع دخول المرشحين او
الناخبين اليها، وبالمقابل حدوث تصويت جماعي في
بعضها الآخر بما تجاوز عدد المصوتين الفعليين.
أيضاً مورست ضغوط على الناخبين لمنعهم من التصويت
لغير مرشحي الحزب الوطني، كما جرى اعتقال مرشحين
معارضين على خلفية اتهامهم بحيازة أسلحة.
وقد ألقت قوة من مباحث أمن الدولة القبض على
المنسق العام المساعد لحركة
كفاية السيد جورج اسحق متهمة إياه بالتحريض لاضراب
6 نيسان، وعلى السيدة امينة عبد الرحمن اثناء
تغطيتها للتحقيقات مع المتهمين فى احداث المحلة.
وفي حين جري تحقيق مع الناشطين جورج اسحاق وفتحى
الحفناوى، أوقف التحقيق مؤقتا مع الدكتور سامى
فرنسيس بعد نقله للمستشفى بفعل أزمة قلبية. وحيث
هناك أكثر من 60 مسئولاً في حركات معارضة قيد
الاعتقال، يتوقع البعض ان تكون هذه بداية
موجة جديدة من الاعتقالات، حيث كشف مركز هشام
مبارك أن الأسماء التالية موجودة بمحضر تحريات معد
منذ 31/3/2008 وهي: عبد الحليم قنديل، محمد
الأشقر، كمال ابو عيطة، عصام الاسلامبولى، أمين
اسكندر، احمد بهاء الدين شعبان، عايدة سيف الدولة،
هاني حسن
عبد الحليم، كريمة الحفناوى،
عبد العزيز الحسيني، محمد إحسان عبد
القدوس، خالد عبد الحميد، احمد الصياد، محمود
الزهيرى، كمال خليل، ساهر جاد، ليلى سويف، هيثم
احمد محمود ومجدي قرقر.
يجدر بالذكر أن الإجراءات الأمنية المشددة بحق
النشطاء الحقوقيين والسياسيين بدأت قبل فترة من
إنتخابات المحليات باعتقالات واسعة وعشوائية هدفت
لمنع عدد كبير من المرشحين المعارضين، وخاصة من
جماعة الأخوان المسلمين، من تقديم أوراق ترشيحهم.
وفي حين نشهد تقاعس الاعلام المرئي عن بث صور
الأحداث المؤلمة ومقاربة الموضوع بشكل دقيق وحريص
على الموضوعية والمهنية، يجري تفريغ الشارع المصري
من الناشطين السياسيين. الأمر الذي ينتهك المادة 9
من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 9 من
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
والمادة 41 من الدستور المصري التي تؤكد جميعها
على الحق في الأمن الشخصي وعلى حظر الاعتقال
التعسفي والحق في الحريات الأولية.
وعليه، تطالب اللجنة العربية لحقوق الإنسان
السلطات المصرية بإطلاق سراح النشطاء والعمال
والجمهور المعتقل فوراً، والخروج من منطق فوقية
معالجة المشاكل المستفحلة في البلاد بمشاركة أوسع
القطاعات في أي بحث جدي عن حلول اقتصادية وسياسية
بدلاً من هدر المزيد من الوقت باجراءات تعسفية،
وتفهم الأسباب التي مهدت لهذه المظاهرات
والاحتجاجات، والإسراع في إيجاد أجوبة حقيقية
لمشاكل البطالة والفقر وغلاء الأسعار. فلم تعد
الحقوق والحريات في مصر ترفاً، بل حاجة وجودية
للبشر لإخراج البلاد من الطريق المسدود الذي
اختارته السلطة التنفيذية نهجاً ثابتاً لها.
باريس
11-04-2008
|