ليس من السهل الحديث عن رباط وطيد بين ميدان
سوسيولوجيا التربية والطفولة المهمشة والمقصية من
النظام التعليمي. وتظهر من الوهلة الأولى صعوبتها،
إن لم نقل استحالتها بالنسبة للبعض لانعدام
الدراسات من هذا النوع في مجتمعنا، ولكون المهتمين
بقضايا الطفولة يتحدثون دائما عن أوضاع اقتصادية
للأسرة بالأساس بغض النظر عن دور المدرسة وكذا
إفرازات الأزمة التي تنتج حين تتوقف المدرسة عن
أداء دورها المنوط إليها. إن الرؤية الضيقة لواقع
الطفولة المحرومة اليوم تقضي بلا شك إلى معالجة
الظاهرة بشكل ناقص، لذلك كان لزاما أن نرى الموضوع
بأبعاده وجوانبه المختلفة في إطار حقل سوسيولوجيا
التربية.
إن الدراسات التي قام بها العربي أبا عقيل في
ميدان سوسيولوجيا التربية بالمغرب، من خلال أبحاثه
حول الطبع
Inculcation
الإيديولوجي في المدرسة
أو حول الحراك الاجتماعي والطبقات بالمغرب
.أكدت
أن المدرسة لم تعد ذلك المكان الذي من خلاله يمكن
تغيير المواقع الاجتماعية. ويتحدث عن المستقبل
الغير السار للعملية التربوية حين يتحدث عن تصفية
التلاميذ بواسطة التعليم الخصوصي، وبذلك يتم تقوية
سياسة الإقصاء، والضحية أبناء الطبقات الدنيا
والساكنة القروية ويضيف أن تشجيع هذا النمط من
التعليم هو بمثابة تهميش ومس بالحق في التربية
والحق في الثقافة
.
وبتعبير عائشة بلعربي فإن حالة أغلبية أبناء
المجتمع المغربي تبقى أكثر نقدية، حالة تترجم أزمة
داخل المجتمع، أزمة البنيات والمؤسسات، وأزمة
البنيات العقلية والإيديولوجيات، حالة تسمح بظهور
نسق اجتماعي غير متجانس وتضيف أن الوضعية الحالية
للطفولة بالمغرب لا تدل على مستقبل سار بالنسبة
لأغلبية الأطفال.
إن النقاش الآن حول الطفولة أصبح مفتوحا خصوصا في
بلد حيث التحولات الاقتصادية، الاجتماعية وإعادة
تقييم النظم الثقافية، أدت إلى تغييرات في
المفاهيم حول الطفل والطفولة. إن تنوع الخطاب
المختزل خصوصا حول الطفل وضع مختلف الاتجاهات
النظرية والإيديولوجية والثقافية للعوامل المؤثرة
في دائرة النقاش، كالدولة والمدرسين والآباء
.لقد
قال الصينيون : إذا أردت حصاد سنة ازرع حبة. وإذا
أردت غلة عشر سنوات ازرع شجرة، لكن إذا أردت ثمار
الحياة بأكملها كون إنسانا. إن الطفل هو الرأسمال
الحقيقي لكل مجتمع. وقد قدس الرومان الطفولة حين
قالوا : يجب احترام الطفولة احتراما مطلقا
Maxima derbetur pueris reverentia
من هنا تكتسي الطفولة أهمية كبرى حتى في المجتمعات
القديمة. ولذلك كان الاهتمام بها ضروريا، والبحث
في طرق تنشئتها وظروف عيشها من الأولويات التي
ينصب عليها أي باحث في هذا الميدان والطفولة
الشغيلة أكثر الفئات الاجتماعية تهميشا واستغلالا،
فهي تعاني اضطهادا أخرسا. وظروف عمل وعيش قاسيتين.
لذلك وجب البحث في ظروف وأسباب هاته الظاهرة من
خلال التطرق إلى العلاقة بين الأسرة والمدرسة
وتشغيل الأطفال من خلال البحث في الصيرورة
الحياتية للطفل قبل ان تلفظه المدرسة ويتم التحاقه
بالعمل.يقول :
Durkheim
في كتابه
Les leçons pédagogiques en France
ليس إنسان اللحظة هو الذي يتعين علينا معرفته.
ذلك الإنسان كما نحس في برهة من الزمن تحت تأثيرات
انفعالات وحاجيات اللحظة بل الإنسان في كليته لذلك
فبدلا من النظر إلى الإنسان في لحظة واحدة، علينا
بالضبط أن نتناول الإنسان في جملة صيرورته.
إن المشكل الآن ليس في هاته الفئة المستغلة
اقتصاديا في قطاعات إنتاجية مختلفة، بل يطرح
المشكل بحدة في كيف يمكن أن نخفف من تزايد أعداد
هؤلاء الأطفال الذين يلجون بأعداد متزايدة ميادين
العمل والخدمات في سن مبكرة. كان من المفروض ان
يكونوا في المدرسة وليس في سوق الشغل وأن يعيشوا
طفولة تساعد في بناء شخصية الطفل بناءا كاملا لكي
يكون عضوا فعالا في المجتمع، إلا أنه بسبب هاته
الظروف أو تلك، تنامت هذه الظاهرة بشكل كبير
وأصبحت ظروف عملها تستدعي إعادة النظر في النظام
التعليمي وإلزاميته وتحديد سن تشغيل الأطفال
وتوفير ظروف معيشية للأطفال من خدمات كالصحة
والتغذية والتربية.
إلا ان التطرق إلى هذا الموضوع ومن خلال هاته
الزاوية بالضبط في إطار سوسيولوجيا التربية، يظهر
من الصعوبة بمكان خصوصا وان العمل اللازم لإظهار
الحقيقة، بتعبير بورديو، ولإقناع الناس بالاعتراف
بها يصطدم بآليات الدفاع الجماعية التي ترمي تحقيق
إنكار حقيقي بالمعنى الفرو يدي للكلمة ، وبما أن
رفض الاعتراف بواقع الصدمة ينم وفق المصالح
المدافع عنها فإننا ندرك سبب العنف الشديد الذي
يطبع المقاومات التي تثيرها عند الذين يحتكرون
الرأسمال الثقافي. التحليلات التي تكشف عن شروط
إنتاج الثقافة وإعادة إنتاجها.والسوسيولوجي دوما
يحاول ربط الأشياء فيما بينها حتى وإن ظهرت
للكثيرين متباعدة ومختلفة ويتحدث عن ذلك بورديو
حين يرى ان السوسيولوجيا فن التفكير في أشياء تظهر
مختلفة فيما بينها من حيث أنها متشابكة فيما
بنيتها وكيفية عملها ثم نقل ما أثبت بصدد موضوع
أنشئ ولم يؤخذ في تلقائيته
.