ما يحدث في سجون الجزائر نموذجا !!
تعيش حقوق الإنسان في العالم العربي أسوأ أيامها،
ما يجعلنا نقرع أجراس الخطر على ما آلت اليه
المواثيق الدولية التي تصادق عليها أنظمة الحكم
العربية في النهار وعلى مرأى عدسات القنوات،
وتنتهكها في الليل بطريقة صارخة وبشعة للغاية،
وعندما نتكلم عن الإغتيال العربي لهذه الحقوق فلا
يعني مطلقا أن الدول الغربية تحترمها، فما قامت به
الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وتحت
ما يسمى الحرب على الإرهاب يندى له الجبين، سواء
في الدول التي احتلتها كافغانستان والعراق أو ما
تبعها من تداعيات على المستوى الداخلي وخاصة في حق
الجاليات المسلمة والعربية، ويكفي غوانتانامو
كشاهد حي على أكبر إنتهاك للكرامة الإنسانية في
العصر الأمريكي هذا، يجعل القيم البشرية في الحضيض
ونزلت إلى أسوأ درجاتها منذ قرون، ومن دون أن
نتحدث عن السجون السرية الأمريكية والتعذيب
للمساجين في غوانتانامو أو ابوغريب وغيرهما، التي
ما تزيد الوضع الا تعفنا، فضلا عما قامت به الدول
العربية تحت الضغوط الأمريكية في إطار تبرير
مكافحتها لما يسمى بالإرهاب، التي تعتبر نماذج حية
عن العربدة التي تمارسها الولايات المتحدة في حق
الإنسانية.
لقد أجاد الدكتور هيثم مناع في محاضرته التي
القاها في تعز باليمن في 8 مارس الجاري بمناسبة
اليوم العالمي للمرأة، وبدعوة من ملتقى المرأة
للدراسات والتدريب، وتحت عنوان: (وقفة عند حقوق
الإنسان في العالم العربي 2008) اعطى صورة قاتمة
على ما آلت اليه الوضعية بسبب ما سماها "عولمة
حالة الطوارئ" التي شهدها العالم بعد أحداث 11
سبتمبر، واشار ببعض النماذج السيئة للغاية
المنتشرة في أمريكا وأوروبا ومختلف الدول
العربية...
ففي الكويت تحدث عن قضية خالد الدوسري الذي تعرض
في الفترة الممتدة بين 11/06/2002 الى 19/08/2002
إلى أبشع أنواع التعذيب في السجون المغربية، وقد
أدت شهادته التي أدلى بها إلى إعتقال الصحفي الذي
نشر اللقاء، وفي المغرب التي سنت قانون مكافحة
الإرهاب، لا يزال التعذيب يمارس والإعتقالات تطال
النشطاء السياسيين كما يجري مع جماعة العدل
والإحسان، ونضيف نحن أنه بناء على بعض المصادر فقد
وصلنا من أن جماعة بلعيرج التي أعتقلت مؤخرا وصرحت
الداخلية بأنها كانت تحضر لعمليات ارهابية كبرى،
ومن خلالها تم حل بعض الأحزاب وإعتقال رؤسائها، قد
تعرضوا إلى تعذيب كبير اثناء عمليات التحقيق...
سوريا أعتبرت – حسب الدكتور والحقوقي السوري هيثم
مناع – من أبرز الدول التي لاحقت كل من يقول: لا
إله إلا الله، وبتهم تتعلق بـ "الإرهاب" وتنظيم
القاعدة، وتورط في ذلك القاضي الإسباني غارثون،
الإعتقالات أيضا متواصلة وقد طالت مؤخرا قيادة
إعلان دمشق بعد إجتماع ديسمبر 2007، ولا يزال يقبع
في السجن أكرم البني ووليد البني وأحمد طعمة وفداء
الحوراني وغيرهم.
تونس تعتبر قلعة الإستبداد بالرغم من الرضا
الأمريكي على رئيسها بن علي، فهي لا تزال تزج
بالصحفيين في السجون نذكر الصحفي سليم بوخذير،
وظلت تضايق المعارضين نذكر الدكتور والحقوقي منصف
المرزوقي والنقابيين مثل علي بن سالم، وإضرابات
الجوع ظلت الملاذ الوحيد للمضطهدين سواء في السجون
أو حتى زعماء الأحزاب كإضراب الشابي والجريبي
مؤخرا، وحتى من يحكم عليه بالبراءة لا يغادر السجن
كما حدث مع بدرالدين الفرشيشي الذي تلقى المعاملى
السيئة بعدما سلمته السلطات البوسنية لتونس...
موريتانيا تنغص عليها نصاعة تجربتها قضية الرق
وعودة العسكريين الى واجهة الحكم بصفة تدريجية،
السودان يغرق في مأساة دارفور، والسعودية تفتح
ذراعيها للإعتقالات السياسية سواء للحقوقيين أو
العلماء من أمثال الشيخ سعيد بن زعير، او المدنيين
مثل مختار الهاشمي وموسى القرني ومحمد حسن القرشي
وغيرهم، والمدونين وممن ينشطون عبر شبكة الأنترنيت
نذكر قضية فؤاد الفرحان الذي لا يزال يقبع بالسجن
وفي ظروف قاسية...
قطر حرمت 5266 مواطن ومواطنة قطرية من الجنسية في
اكتوبر 2004، ولا يزال الكثير منهم يعانون تحت
طائلة هذا الإجراء، أما الأردن فهي تصنع التميز في
القوانين المؤقتة والإستثنائية منذ عولمة حالة
الطوارئ... النظام المصري تحت التزوير والتلاعب
بإرادات الناخبين، تجعل من المحاكم العسكرية
للمدنيين من حركة الإخوان المحظورة النموذج السيء
للإنتهاكات الجسيمة والمتوالية على المعاهدات
الدولية التي وقعت عليها، أما اليمن أكثر الأنظمة
العربية التي قدمت الولاء في قمة الخنوع والخضوع
لحالة الطوارئ التي سوقتها أمريكا وفرضتها تحت
ذريعة محاربة "الإرهاب"... فلسطين الحديث فيها
يحتاج إلى وقفات طويلة، فهي تعيش بين مطرقة
المحرقة الصهيونية والجرائم ضد الإنسانية التي
يمارسها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وسندان
السلطة التي تمارس الكثير من الخروقات في حق
مواطنيها وصلت حد الإغتيالات كتصفية البرغوثي
مؤخرا... البحرين بالرغم من إجراءات العفو إلا أن
حملات الإعتقال قد أعادت ملأ السجون مجددا، ومن
دون أن ننسى ليبيا التي أعتبرت النموذج السيء
للإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، بالرغم من
إعلان القذافي توبته وعودته إلى الرشد الأمريكي
ومن يسبح في فلكه... أما الجزائر فنجد الكثير الذي
سنتحدث فيه عبر هذا المقال ومقالات لاحقة، من
إقصاء للرأي الآخر ومتابعات قضائية ملفقة تحكمها
الحسابات السياسية لنشطاء حقوقيين أو صحفيين كشفوا
الفساد، وتعذيب في السجون ومخافر الأمن
والمخابرات، والتلاعب بالإرادة الشعبية عن طريق
الإحتيال السياسي والتزوير في صناديق الإقتراع،
خضوع السلطة القضائية لجهات أخرى سواء كانت حكومية
أو مالية أو عسكرية، المفقودين الذين طوي ملفهم عن
طريق مصالحة مزيفة لم تكشف الحقيقة للرأي العام...
الجزائر والسقوط الحر
الحوادث الأخيرة التي عاشها سجن الحراش (الجزائر
العاصمة) وخاصة ما جرى في 19 فيفري الماضي، يفرض
علينا أن نتحدث عن حقيقة سجون الجزائر، وما يجري
في دهاليزها المظلمة وزنازينها المغلقة من استبداد
وظلم وفساد وتعذيب وخرق فاضح لكل المعاهدات
والمواثيق التي وقعت عليها الجزائر، بل نعطي صورة
صحيحة عن الإنتهاك الصارخ لحقوق وآدمية البشر...
فالسجون هي الفضاء الحقيقي الذي يكشف واقع حقوق
الإنسان في أي بلد، ومن أراد أن يعرفه جيدا فليترك
جانبا ما يصرح به المسؤولون لأنهم يزوقون حكمهم
ولا يريدون ان يلحقهم العار أبدا، ولا يعتد بما
تكتبه الصحافة اثناء زيارات مبرمجة مسبقا وتحت
إشراف المديرية العامة لإدارة السجون أو وزارة
العدل، والتي ما تأتي غالبا إلا لما يقع الضغط
الإعلامي من الخارج فتلجأ الحكومة إلى الأقلام
المأجورة التي باعت ذمتها حتى تعيد البكارة
المفقودة، أو حتى تلك التي تسجلها المنظمات
الحقوقية المسموح لها بالزيارة، أو حتى ما يرفعه
الصليب الأحمر الدولي من تقارير، وسوف نتحدث هنا
عن الإجراءات التي تسبق مثل هذه الزيارات والكيفية
التي يتعامل بها مع المساجين قبل الزيارة أو حتى
بعدها وخاصة كل من تخول له نفسه كشف بعض الحقائق
ويتجرأ على نقل مأساته والتي لا تكون الا في حالات
نادرة، لكن الحقيقة تفرض على من ينشدها التحري
بدقة وأن يأخذ البينة من ألسنة أصحابها الذين
عايشوها، وإكتووا من نارها ودمعت عيونهم من
دخانها، بل الأفضل بكثير أن يحتار أحدهم حلا يكون
على صلة مباشرة بواقع السجون ومن دون أن يتفطن
لأمره أحد، كأن يورط نفسه بمعارضة جريئة للفساد
وعهر الأنظمة حينها سيكبل من يديه ويزج به في
الزنازين، وبلا شك انه سيعرف الحقيقة التي تحجبها
أنظمة الإستبداد وراء الشمس...
إن ما لا يختلف في إثنان ان إدارة السجون في
الجزائر تضع إحتياطات كبيرة عندما يبلغها أمر
زيارة رسمية، سواء كانت من طرف مسؤولين في الدولة
أو من طرف هيئات أخرى تتبع لها، لكن الإحتياطات
تزداد شدة وصرامة لما يتعلق بزيارات الصليب
الأحمر، وإلى الأجنحة المخصصة للإسلاميين الذين
بلغ عددهم عبر التراب الوطني 1175 في نهاية ديسمبر
2007 حسب مصدر لم يكشف عن هويته ليومية النهار
الصادرة بتاريخ 04/03/2008، حيث تقوم بتخصيص ساحة
يستقبل فيها أعضاء الصليب الأحمر ويخبرونهم أنهم
مساجين اسلاميين وهم عكس ذلك تماما بل من مساجين
الحق العام يتم إختيارهم بعناية، أو أن يستقبلهم
المدير في مكتبه ويختار الأشخاص الذين سيتحدثون
اليهم ممن ضمن جانبهم، أيضا قبل الزيارة يتم إبعاد
الأشخاص إلى العيادة أو اي جهة أخرى حتى لا يتم
حضورهم والتحدث عن قضاياهم، أيضا يهدد المساجين ان
كشفوا اي شيء يتعلق بحياتهم داخل السجن، فقد تم
تحويل بعضهم ممن تجرأ على نقد الوضع وأبعدوهم الى
سجون في الصحراء تبتعد عن أهاليهم بآلاف
الكيلومترات، ليكون عبرة لغيرهم، ولذلك تجدهم
يخافون من هذه الإجراءات وخاصة أولئك الذين يقبعون
غير بعيدين عن أهاليهم...
رحلة المساجين من بداية مرورهم على مخافر الشرطة
أو ما يطلقون عليه التوقيف تحت النظر، والذي يمرون
فيه على أعصب المواقف وأبشعها، فغالبيتهم يتعرضون
للتعذيب والإهانة وخاصة أولئك الملاحقين في قضايا
تتعلق بـ "الإرهاب"، فأغلب من يقفون أمام قضاة
التحقيق أو وكلاء الجمهورية أو حتى أثناء الجلسات
أمام القضاة يؤكدون تعرضهم للتعذيب في أبشع صورهم
والضرب المبرح، وان التصريحات أخذت منهم بالقوة
والتوقيع تحت الإكراه، بل يوجد من يصرح أنه لم
يطلع على المحاضر، وهنا مثلا وان كان الأمر يتعلق
بمخالفات بسيطة، نذكر عائلة ب - الربيع (34 سنة)
من ولاية قالمة، التي تحمل اعوان الأمن مسؤولية
إقدامه على حرق نفسه، حيث بعدما صادرت الشرطة –
الأمن الحضري الثاني - منه طاولة كان يستغلها في
بيع السجائر، قرر أن يلتحق بهم إلى مقرهم وهناك تم
ضربه وتعذيبه، بل طالبوه بأن يذهب ليقتل نفسه، وهو
ما قام به وهو في قمة يأسه وقنوطه، خاصة أنه يتحمل
مسؤولية اسرة فقيرة، فقام بحرق نفسه وإقتحم مركز
الشرطة والنيران تلتهم جسده، بلغت إصابته 52%
وحروقه من الدرجة الثالثة، الربيع يتواجد حاليا
بمستشفى ابن رشد بعنابة يصارع الموت (صوت الأحرار:
03/03/2008).
نجد أيضا (ب – ك) وهو عون أمن الذي تم إيداعه
السجن على خلفية إتهام أحد السجينات له بالإعتداء
الجنسي عليها، والقضية مطروحة في محكمة حسين
داي(الشروق: 27/02/2008)، أيضا الإعتداء على
السيدة أغموراسل نجية (35 سنة) وأم لتسعة أطفال في
مركز الشرطة ببوروبة، وذلك بالضرب المبرح وصارت
تعرض كليتها للبيع (الشروق: 04/11/2007)، نسجل
أيضا على سبيل المثال لا الحصر القضية التي رفعتها
السيدة جيروني عائشة (أرملة بوطالب) المقيم بحي
خميستي ببلدية بير الجير "وهران"، على خلفية تعرض
ابنها محمد بوطالب وشقيقه سيد أحمد بوطالب للتعذيب
البشع، لما كانا على ذمة التحقيق القضائي في
15/08/2006، وقد رفض مدير السجن قبولهما وهما
معذبان وجريحان في حالة يرثى لها، وحسب تقرير خبرة
أعده البروفيسور محمد رضا حاكم من أن الشخصين تظهر
عليهما آثار الضرب بآلة حادة على مستوى الحجر
والأعضاء التناسلية والدبر وغيرها من مناطق
جسميهما الحساسة... والقضايا التي تتعلق بالتعذيب
والاكراه على توقيع المحاضر والمعاملة اللانسانية
والإهانة والعبث بالكرامة لا يمكن حصرها، حتى أننا
لم نجد قضية واحدة لم يمر الموقوف فيها على كل
ذلك، مع العلم أن الجريمة في الجزائر بلغت ذروتها
حتى أنه خلال 2007 تم توقيف 29 الف شخص وتسجيل 36
الف قضية بين الجنح والجنايات حسب ما صرح به
العقيد طايبي قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني
لولاية الجزائر العاصمة (البلاد: 29/01/2008)،
وسبقه العقيد زغيدة جمال عبدالسلام رئيس الشرطة
القضائية للدرك الوطني في ندوة صحفية عقدها في
22/01/2008 من أنه تم توقيف 18485 شخص (صوت
الأحرار: 23/01/2008)، وارقام اخرى قدمتها مصالح
الشرطة القضائية انه تم توقيف 67151 شحص من طرف
إدارتهم عبر كامل التراب الوطني (صوت الأحرار:
26/02/2008).
أما في السجون فيعاني المساجين من الإكتظاظ حيث أن
القاعة المخصصة قانونيا لثلاثين سجينا تجد بها 200
سجين، حيث أنه مثلا في سجن الحراش يصل عدد
المساجين في القاعات إلى حوالي 220 سجين وهي مخصصة
لأربعين فقط، وفي سجن وهران 200 متر مربع يوجد بها
254 سجين حسب ما صرح به مدير السجن ليومية النهار
11/03/2008، في سجن تبسة المتكون من 8 قاعات تصل
القاعة إلى 250 سجين وسعتها القانونية لا تتجاوز
50 سجينا، وفي الساحات يجد كل سجين نفسه مقيدا في
مساحة لا تتجاوز 30 سنتمتر مربع، في سجن القليعة
وبه ثلاث قاعات كانت تستغل في عهد الاستعمار
الفرنسي لتربية الخنازير تجد في كل قاعة أكثر من
90 سجينا وسعتها القانونية لا تتجاوز 25 سجينا،
والغريب في الأمر أنها لا تحمل أدنى أسباب الحياة
من نوافذ للتنفس سوى تلك النافذة الموجودة على
الباب للمراقبة، وفي سركاجي أو البرواقية او تيزي
وزو أو لامبيز "باتنة" وكلها تعاني من الأمر نفسه،
حتى أن المشرفين على القاعات يقسمون البلاط بين
النزلاء فوصل الحال ان لكل سجين عرض بلاطة واحدة
لا تتجاوز 30 سنتم، وفي سجون أخرى فرضت على
النزلاء النوم بالتناوب كما جرى في القاعة السابعة
بسجن الحراش.
بالنسبة للتغذية فهي متدهورة للغاية وخاصة ان
المطبخ يشرف عليه المساجين واغلبهم لم يسبق لهم
العمل في المطاعم، لذلك تجد الأطعمة التي تقدمها
ادارات السجون مصيرها مجاري المياه، والمساجين
يعتاشون على القفف التي تحملها لهم عائلاتهم،
وتبقى المعاناة كبيرة بالنسبة للذين يقبعون في
سجون بعيدة عن مدنهم ومدانون بأحكام قاسية كالمؤبد
خاصة وان كان المحكوم عليهم بالإعدام تقدم لهم
وجبات محسنة نوعا ما بالمقارنة مع الآخرين.
الصحة فحدث عنها ولا حرج مادامت الصحة في
المستشفيات المدنية تعيش أسوأ مراحلها، جعلت
الوزير عمار تو يصرح بان الجزائر في حاجة إلى 1900
مليار دينار تنفقها لأجل شفاء قطاع الصحة الذي حدد
له عام 2025 كموعد له (الجزائر نيوز: 13/02/2008)،
وأكد البنك العالمي في تقرير صادر له مطلع السنة
الجارية من ان الجزائر لم تحقق بعض الأهداف
المحددة من قبل الأمم المتحدة، وسجل عجز في
العلاج وتراجع في الخدمات وندرة في الأدوية وأعطاب
في التجهيزات، أكثر من ذلك أن الجزائر تعيش مرحلة
وبائية انتقالية... أما في السجون فقد توفي العديد
من المساجين بسبب الإهمال والأمراض المزمنة كالسل
مثلا الذي ضرب مؤخرا سجن وهران وأدى الى وفاة
شخصين، فضلا من ذلك اللامبالاة من طرف الأطباء
والمسؤولين على القطاع، حيث لا تتدخل الإدارة في
حالات إغماء يعاني منه مرضى الربو وضغط الدم
والسكري خاصة في الليل، ونذكر وفاة السجين
العذاوري محمد في جويلية 2005 بسجن الحراش وقد كان
متهما في قضايا خاصة، وبسبب رفض الضابط المداوم
الإستجابة لإستغاثة المساجين إلا بعد فوات الآوان.
بسبب هذا الإهمال الصحي الذي لا يعرفه الا من يعيش
مآسيه عكس ما تنقله له الجهات الرسمية عبر صور في
التلفزيون الرسمي عن العيادات والأطباء سواء
بالنسبة للطب العام أو النفسي، فقد إنتشرت الأوبئة
بمختلف أنواعها نذكر مثلا ما سجل بالحراش في مطلع
السنة الجارية من إنتشار للجرب بين المساجين،
وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يتواجدون بقاعات تحت
الأرض، وقد سبب ذلك الكثير من المتاعب لأسرهم
وللموقوفين أنفسهم.
العقوبات التي تشرعها الإدارة بسبب مخالفات
يرتكبها النزلاء تكون قاسية لحد بعيد، فحيث أنه
يتم زج 15 سجينا في زنزانة لا تتجاوز 4 متر مربع،
وهو ما لا يمكن وصفه من المأساة، ويحرمون من
الخروج للساحة وتقدم لهم وجبات قذرة للغاية...
أيضا تنتشر في السجون مظاهر مختلفة كاللواط
والمثلية الجنسية بسبب الإكتظاظ، والمخدرات
والحبوب المهلوسة والخمور التي يتورط غالبا الحراس
في المتاجرة بها لما تدرها عليهم من أموال كبيرة،
وهو ما سنتحدث عنه في ملفنا عن امبراطورية
المخدرات، ومحاولات الإنتحار بينها الفاشلة وبينها
التي قضى فيها اصحابها على حياتهم بسبب اليأس أو
المعاملات السيئة من طرف الحراس، أو بسبب الظلم
المسلط عليهم من طرف المحاكم وخاصة أولئك
المقتنعون ببراءتهم، ويوجد من يقوم بالإنتقام من
أعضاء في جسده كالعين أو الأذن او يشرح جسده بشفرة
حادة، كذلك التأخر في المحاكمات فيوجد من وصل سجنه
الإحتياطي إلى أكثر من 3 سنوات ونذكر هنا قضية
معطوب الوناس والمتهم المفترض مالك مجنون الذي
يقبع في السجن الإحتياطي من دون محاكمة منذ سنة
2000، ولا تزال القضية تراوح مكانها فمرة يبث انه
ستتم برمجتها في تيزي وزو واخرى أنه تم نقل الملف
إلى بومرداس أو الجزائر، ولحد كتابة هذه السطور لا
جديد فيها، بالرغم من أن السجين إستفاد في ديسمبر
2000 من إنتفاء وجه الدعوى لعدم توفر الأدلة
المادية التي تدينه، لكن النائب العام لدى مجلس
قضاء تيزي وزو استأنف لدى غرفة الإتهام التي أمرت
بتمديد حبسه، وما يتعرض له مجنون مالك خرق صارخ
للقانون الذي يحدد 33 شهرا للضالعين في "الارهاب"
بالداخل و 44 شهرا بالنسبة للخارج، وآخر ما وصلنا
في قضية مالك مجنون أنه دخل في إضراب عن الطعام
يوم الإثنين 25/02/2008 وزاره النائب العام لدى
مجلس قضاء تيزي وزو لعزيزي الطيب وبرفقة رئيس
المجلس يوم الثلاثاء 26 فبراير أي بعد يوم واحد،
على غير المعتاد بالنسبة لبقية المساجين الذين
يضربون عن الطعام إلى أكثر من نصف شهر حتى يشارفوا
على الهلاك، وطلبوا منه التوقف عن الإضراب بل أن
القاضي أخبره بأنه لا يملك صلاحيات في القضية التي
هي شديدة الحساسية هذا الذي يتنافى مع المادة 254
من قانون الإجراءات الجزائية التي تخوله أكثر من
ذلك، لكنه وعده بالتدخل لدى السلطات العليا التي
تملك سلطة القرار في ملفه، ونشرت بعض الصحف مؤخرا
ان نادية معطوب زوجة الوناس التي جرحت في عملية
الإغتيال قد زارت المحكمة وأخبروها أن القضية
مستحيل أن تمر، ولنا عودة لقضية معطوب الوناس
ومالك مجنون لاحقا في ملف مثير ...
أيضا سجلت حتى حالات قتل كما حدث عام 2005 بالحراش
لما أقبل أحدهم مدان بالإعدام في قضية أخرى على
قتل زميله بسبب دجاجة محمرة، وآخرها ما حدث ليلة
الخميس 06 مارس الجاري عندما قام خمسة مساجين بخنق
نزيل حتى الموت بالقاعة رقم 8 المخصصة للمتهمين في
الحق العام.
إن التقارير التي تقدمها الوزارة الوصية عن واقع
السجون لوسائل الإعلام أو حتى لرئاسة الجمهورية
غالبا ما يشوبها التلفيق والكذب، كما حدث مع
المديرية العامة مؤخرا التي نفت حادثة 19 فيفري
بالرغم من حدوثها كما سنفصل فيها خلال هذا المقال،
بل أكثر من ذلك أن وزير العدل الطيب بلعيز وبخ
مدراء السجون الذين يواجهون مشاكلا مع المساجين
واتهمهم بالكذب في التقارير التي يرسلونها لوزارته
(الشروق: 15/11/2007)، وطبعا تشيد دوما بالحالة
التي عليها سجونهم والبحبوحة التي يتمتع بها
النزلاء عندهم...
التعذيب في سجون الجزائر
اصدرت اللجنة العربية لحقوق الانسان المتواجد
مقرها بباريس في اليوم العالمي لحقوق الإنسان
10/12/2007 تقريرا عن التعذيب في سجون الجزائر،
حيث كشفت مآسي من خلال شهادات مباشرة لعدة مساجين
ذكرت اسماؤهم وأغلبهم لا يزالون يقبعون في
زنازينهم، المثير في القضية والتي لم تأخذ حقها من
الحوار والإعلام أن التقرير إنفرد بتطور خطير في
جريمة التعذيب، ويتعلق بإقدام عناصر من المخابرات
على إستنطاق مساجين وتعذيبهم في عيادات السجن، ومن
دون أي وجه حق أو قانون يسمح بهذا الفعل، والتقرير
موجود على موقع اللجنة العربية لحقوق الإنسان لمن
يريد الإطلاع عليه.
بعد نشر التقرير وفي عشية الثلاثاء 18/12/2007
نقلت وسائل الإعلام المختلفة خبر وفاة مدير سجن
الحراش الذي يتواجد به أغلب المساجين الذي ذكر
تقرير اللجنة العربية اسماءهم، وأجمعت المصادر
التي تداولت خبر الوفاة أن المدير عزوز الجيلالي
تعرض لذبحة صدرية بسبب الضغوطات التي تلقاها في
الآونة الأخيرة بعد سلسلة الإحتجاجات والفوضى التي
شهدها السجن جراء إقدام المساجين على إضراب شامل
عن الطعام، زعمت المصادر الإعلامية الجزائرية أن
المساجين الإسلاميين طالبوا بتحسين ظروفهم
ومحاكمتهم، ومصادر أخرى أكدت على الضغوطات التي
مارستها إدارة السجن ورجال المخابرات على المساجين
الذين تم ذكرهم في تقرير اللجنة.
وفي هذا السياق أصدرت اللجنة العربية بيانا بتاريخ
04 جانفي 2008 تناقلته وسائل الإعلام، عنونته بـ
"تداعيات نشر التقرير عن التعذيب في السجون
الجزائرية"، حيث أكد البيان أنه قد بلغ اللجنة
وقوع تجاوزات من طرف الإدارة الوصية، حيث دفع
الثمن غاليا المساجين الذين ذكرت اسماؤهم واتهموا
زورا وبهتانا بتسريب المعلومات، وتمت الإشارة الى
رحيل مدير سجن الحراش وأعتبرتها وفاة "مدعاة للشك
والتساؤل"، وطالبت اللجنة العربية السلطات
الجزائرية بتحقيق لمعرفة أسباب الوفاة ومحاكمة من
تسبب فيها، ليعقب البيان حول ما رددته وسائل
الإعلام من أن سببها هو تلك الضغوطات التي تعرض
لها المدير من قبل الأجهزة الأمنية ومصالح وزارة
العدل، وذلك إثر الإحتجاجات التي إستمرت أسبوعا
وقادها أكثر من 200 سجين، ويضيف البيان: (بالرغم
من تعليق الإضراب بفعل الوفاة وتوقف التحرش
بالسجناء
من طرف إدارة السجن، إلا أن إجراءات عقابية اتخذت
بحق مساجين ذكرناهم بتقريرنا، اعتقاداً بتورطهم في
تسريب المعلومات. منهم السجين لحمر عواد الذي تم
تحويله من باب العقوبة لسجن البواقية "ولاية
المدية" وعزله في سجنه الجديد في زنزانة انفرادية.
كذلك السجين شمس الدين مهدي الذي نقل لسجن تيزي
وزو. ذلك إضافة لتحويل وزارة العدل لمجموعة من 35
سجيناً، أغلبهم من سجن الحراش، الى أماكن مختلفة
وعزلهم في زنزانات انفرادية وابعادهم عن أهاليهم
مئات الكلومترات).
ليشير البيان إلى بعض ما حدث من تداعيات مثل العزل
التام للسجين علالو حميدة، وتعرضه للضرب من طرف
عناصر من المخابرات الذين أرادوا منه معرفة طريقة
تسريب المعلومات للجنة العربية، ليختتم البيان
بقوله: (
تداعيات تقرير التعذيب في السجون الجزائرية دفع
ثمنها المساجين وعائلاتهم غالياً جداً، في حين أنه
لا ناقة لهم ولا جمل في توفير المعلومات التي
احتواها. لذا نجدد مطالباتنا للسلطات السياسية
بوقف التعذيب عن المساجين واحالتهم لمحاكمة عادلة،
كما ونطالب برفع الظلم الاضافي عن الذين اتخذت
بحقهم اجراءات عقابية ظلماً وحمايتهم من كيد
السلطات الأمنية. وستتحرك اللجنة العربية لحقوق
الإنسان عند المقرر الخاص بالتعذيب ومجلس حقوق
الإنسان لحماية المعتقلين الذين يدلون بشهادات
تعرضهم للتعذيب في الجزائر).
ابوغريب في الجزائر
في سجن الحراش نفسه أيضا، تعرض مساجين اسلاميين
ليلة الثلاثاء 19 فيفري من العام الجاري إلى الضرب
المبرح من طرف الحراس، وحسب مصادر متطابقة أن ذلك
حدث بسبب إحتجاجهم على إلغاء الإدارة لفضاء مخصص
للصلاة في القاعة، حيث أن القاعتين (1 مكرر أ) و(2
مكرر أ) بالجناح الأول الذي يتواجد به المتابعون
في قضايا تتعلق بما يسمى بالإرهاب أو القانون
الخاص، حيث أن القاعات يتواجد بها حوالي 34 سريرا
تتوزع على طرفي القاعة ليبقى وسطها كفضاء واسع
يخصص لأداء الصلاة والأكل الجماعي والكثير من
النشاطات الدينية والثقافية، وبالرغم من الإكتظاظ
الذي مس القاعات بعدما أقدمت الإدارة في عهد
مديرها الراحل عزوز الجيلالي على تخصيص قاعتين بدل
5 قاعات بعد عمليات الإفراج التي مست أكثر من مئة
سجين بدأ من 04 مارس 2006 في اطار تنفيذ ميثاق
السلم والمصالحة الوطنية، ولكن بعد عمليات التوقيف
والإيداع إكتظت القاعات مجددا وصار المساجين
يفترشون البلاط بعد أدائهم صلاة العشاء مباشرة...
تدخلت الإدارة من أجل تخصيصه للنوم لفائدة مساجين
إضافيين عن طريق تركيب أسرة، إلا أن المساجين
رفضوا هذا الإجراء وحتى من أولئك الذين لا يحوزون
على أماكن ثابتة، إلا أن الرفض قوبل برد فعل عنيف
من طرف الحراس يقودهم العون رشيد، مما إستدعى نقل
بعضهم إلى المستشفى خارج المؤسسة، بسبب جروحهم
الخطيرة وحالتهم المرزية، وقد نقلت صحيفة الخبر في
عددها الصادر بتاريخ 23 فيفري أن من بين الذين تم
نقلهم إلى المستشفى السجين حميد مباركي، وهو حارس
السجن السابق والمتهم الرئيسي في مجزرة سركاجي
التي جرت ليلتي 21 -22/02/ 1995، وخلفت مقتل أكثر
من 95 سجينا ومن بينهم قيادات في جبهة الإنقاذ
المحظورة كيخلف شراطي مثلا، حكم على مباركي
بالإعدام في 1997 وتعاد محاكمته في 03/04/2001
ويحكم عليه بالمؤبد، يطعن من جديد وتبرمج محاكمته
في 07/11/2007 غير أنها أجلت للدور الجنائية
القادمة التي انطلقت منذ أيام ومن دون ان تتم
برمجتها كما وعد القاضي، وكان سبب التأجيل هو تمسك
دفاعه المتكون من حسيبة بومرداسي وبشير مشري
وعبدالحميد لعمارة، بضرورة حضور الشهود ومن بينهم
هداوي أحمد مدير السجن خلال الحادثة... وقد تعرض
مباركي خلال الإعتداء الأخير لكسور وجروح عميقة،
وقد علمنا من مصادر مقربة منه أنه تم نقله إلى سجن
قالمة بعد ذلك مباشرة، المصادفة أنه شرع في إضراب
عن الطعام يوم 17/ فيفري أي بيوم واحد قبل الحادثة
(الشروق: 20/02/2008)، مما يطرح الكثير من الشكوك
حول الأبعاد الحقيقية للإعتداء والضرب والتعذيب
الذي شهده الحراش...
ومما جاء في يومية الخبر (23/02/2008) حول القضية:
(وأكد
عدة محامين الخبر المتعلق بأحداث الثلاثاء، وتنقل
عدد منهم إلى السجن صباح أول أمس لمقابلة موكليهم
المساجين، وقال بعضهم إنه لاحظ آثار جروح على
أجساد المساجين. فيما عاد محامون أدراجهم حيث لم
يتمكنوا من زيارتهم بعد ساعات من الانتظار).
وقد حاولت يومية الخبر الإتصال بالمدير العام
للسجون مختار فليون ولم تجده بمكتبه على مدار
يومين ووعدهم احد مساعديه انه سيتصل بهم فور
عودته، ولكنه لم يفعل حسب الصحيفة.
الحادثة دفعت عائلات المساجين الى التجمع قبالة
السجن للإطمئنان على ذويهم، وفي هذا السياق طالبت
الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان السلطات
في بيان لها بفتح تحقيق في القضية وإحالة
المتسببين في ما وقع على العدالة، وقد ذكر لـ
"الخبر" المحامي مصطفى بوشاشي والذي هو رئيس
الرابطة من أن منظمته قد "تلقت من دفاع بعض
المساجين الموقوفين بمؤسسة الحراش، معلومات مفادها
أن مساجين تعرضوا لضرب مبرح وإهانات متكررة، وأن
إدارة السجن منعت المحامين من الإتصال بهم"، ليذهب
بيان الرابطة إلى وصف ما جرى في حق المساجين بـ
"التجاوزات الخطيرة وهي مساس بجملة من الحقوق
المضمونة في التشريع الوطني والدولي".
بعدها والطريف في القضية تقوم المديرية العامة
للسجون بنفي ما أوردته الرابطة في بيانها وما ذهبت
اليه الخبر في تقريرها، وذلك في العدد الصادر
بتاريخ 27/02/2008، وقد عاتبت المديرية الصحيفة
بعدم الإتصال بها قبل النشر لمعرفة حقيقة ما يجري،
بالرغم من أنها أكدت في ما نشرته بمحاولات متعددة
على مدار يومي الاربعاء والخميس التحدث للمدير
العام مختار فليون ولم تتمكن ولا هو اتصل بالرغم
من وعود مساعديه... الأمر الآخر أنه في اليوم نفسه
27/02/2008 وفي صحيفة "أخبار اليوم" نقلت إحتجاجات
شهدتها إدارة السجن من طرف عائلات المساجين بتاريخ
26/02/2008 على تحويلات عقابية لذويهم، والمعروف
أن هذا الإجراء لا يتم إلا بعد أحداث ما
كالإضرابات أو الإعتصامات أو الإحتجاجات المختلفة
التي يقبل عليها المساجين للمطالبة بحقوقهم أو
للدفاع على تحرشات تمارسها الإدارة الوصية.
أمر آخر يؤكد كذب المديرية العامة للسجون هو ما
ذهب إليه مصطفى بوشاشي (رئيس الرابطة الوطنية
للدفاع عن حقوق الإنسان) في يومية الخبر بعددها
الصادر بتاريخ 04 مارس الجاري، حيث اكد في حواره
بقوله: (لقد رأينا بأم أعيننا السجناء في حالة
يرثى لها)، ليضيف من أن الحراس أدخلوا المساجين
إلى القاعتين بالقوة وجردوهم من ملابسهم وتم
الإعتداء عليهم، حتى أصيب بعضهم بكسور، ليوضح:
(المساجين أكدوا لنا أن إدارة المؤسسة العقابية
أمرت بإخراجهم من القاعتين إلى الساحة، ولما عاد
هؤلاء وجدوا أن مكان الصلاة في القاعتين قد تم
إلغاؤه، ووضعت في المكان أسرة نوم، الأمر الذي دفع
بالمساجين إلى رفض الدخول إليها)، وهذا ما أكدته
لنا مصادر مختلفة من داخل المؤسسة العقابية، حيث
أنه لما وصل المساجين إلى القاعتين المتواجدتين في
الطابق الأول ووجدوا الأسرة وقد ملأت الفضاء
المخصص للصلاة والأكل الجماعي الذي دأبوا عليه،
عادوا من حيث أتوا عائدين إلى الساحة التي كانوا
بها، وبدل البقاء في ساحتين كما كان، إجتمعوا كلهم
في ساحة واحدة مخصصة للقاعة (2 مكرر أ)، الحارس
الذي كان يعمل حينها وهو العون إلياس وبرفقة العون
بوعزة، قاما بتبليغ نائب رئيس الجناح العون رشيد
وهو يتحدر من ولاية سطيف، فذهب إلى مكتب رئيسه
ليعود برفقة أكثر من 100 حارسا من كتيبة خاصة
للتدخل شكلتها إدارة السجون في إطار الإجراءات
الجديدة، مزودين بهراوات ومدججين بأسلحة يقودهم
ضابط الحيازة المسمى "العمري" المتواجد مكتبه
بمدخل الجناح الثاني، وأنهالوا عليهم بالضرب
المبرح على الرأس وبالركل على كثير من المناطق
الحساسة وخاصة الأجهزة التناسلية، مما جعل الدماء
تنزف وتملأ الساحة والجدران، حاول المساجين الدفاع
عن أنفسهم إلا أن القوة المفرطة والهراوات وقضبان
الحديد المستعملة أجبرتهم على الرضوخ وخاصة أنه
يوجد من سقط أرضا مغشيا عليه، فقام الحراس
بتجريدهم من ملابسهم وسحبوهم بالقوة إلى القاعات،
ليعلنوا حينها إضرابا عن الطعام وعدم إدخال وجبة
الغداء إلى القاعات... هذا ما بلغنا على لسان سجين
نتحفظ على ذكر إسمه حتى لا نعرضه للمضايقات، واكده
لنا بعض المحامين أيضا.
بخصوص ذلك وجهت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
رسالة إلى الرئيس بوتفليقة ووزير العدل الطيب
بلعيز في 03 مارس الجاري، وعبرت فيها عن قلقها
الشديد إزاء هذه الأحداث وطالبت بفتح تحقيق مستقل،
مع العلم أن عدد المساجين الذين تعرضوا للضرب
المبرح حوالي 80 سجينا حسب مصطفى بوشاشي الذي هدد
بمقاضاة ادارة سجن الحراش (الخبر: 09/03/2008)،
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بشدة هو لماذا لم تلجأ
مديرية السجون للقضاء بدل التكذيب الذي ظهر غامضا
كما ذكرنا ويراد منه طمس حقيقة الجريمة؟.
الحديث عن السجون في الجزائر يحتاج إلى كتب وليس
لمقال مختصر كهذا، لأن الوصف الدقيق للمعاناة
يحتاج إلى متسع أكبر مما هو متاح لنا، وسوف نعود
إلى الموضوع في محطات أخرى تكون أوسع وتسمح لنا
بإعطاء الصورة الكاملة والشاملة والتفصيلية عن
مأساة حقوق الإنسان في الجزائر... وفي الختام تجدر
بنا الإشارة إلى التقرير السنوي الذي تصدره
الخارجية الأمريكية، والصادر خلال مارس الجاري،
والذي نراه تقريرا تحكمه حسابات سياسية ولكن لا
ينفي مطلقا أن ما ورد به يخالف الصواب، وخاصة أن
اصابع الإدانة وجهت لدول تحسب على "محور الشر"
الذي صنفه جورج بوش غداة تفجيرات 11 سبتمبر، وقد
وقعت في دائرة هذه الإدانة إيران والسودان
والسعودية، ونلاحظ أنه بالرغم من إحصاءه لبعض
التجاوزات التي تحدث في الدول العربية إلا أنها
ظلت تحكمها الإعتبارات التي تخرج عن المهنية في
العمل الحقوقي، التي تقتضي عدم التمييز بين
تجاوزات هذا وتجاوزات ذاك...
كاتب صحفي مقيم بباريس
|