أولا ــ على صعيد التمويل
1.1 ــ خلافا لما هو عليه الحال في البلدان
المتقدمة النمو و البلدان النامية على حد سواء ،
حيث مثلا في مقابل 1300 دولار بالنسبة لتونس و 700
دولار بالنسبة للجزائر في السنة لكل تلميذ (ة) ،
تعرف ميزانية الإنفاق على التعليم في المغرب
تضاؤلا سنويا مستمرا ، و ذلك منذ تبني الحكومات
المتعاقبة و تنفيذها لبرنامج التقويم الهيكلي ، و
هي لا تتعدى متوسط 525 دولار لكل تلميذ ة(ة)
سنويا ، و ذلك من مجمل ميزانية مخصصة لــ 07
ملايين تلميذ (ة) و حوالي 280 ألف مدرس (ة) و موظف
(ة) إدارة تربوية محلية و إقليمية و جهوية و
مركزية تبلغ قيمتها لعام 2008 الجاري 31 مليار
درهم ، بحصيص
26%
من الميزانية العامة للدولة . و يخشى من أن تزيد
هذه الوضعية من استفحال خطر انقسام النظام التربوي
التعليمي في البلاد إلى أكثر من قسمين لا يمت
أحدهما للآخر بصلة : تعليم خاص بعضه وطني و
بعضه الآخر أجنبي ، جيد ، مكلف جدا ، تتمتع به
الأقلية الميسورة جدا . تعليم خاص ، تجاري رديء ،
تلتجئ إليه بعض الفئات المتوسطة الحال . و تعليم
عمومي سيئ النوعية ، ما يزال هو الملاذ الأول
لأغلب الأسر ، و ذلك علما بأن هذا التعليم العمومي
هو من حيث تكلفته ليس في متناول الفئات الأسوأ
حالا داخل هذه الأسر و خاصة منها المتعددة الأطفال
. و علاوة على ذلك ، يجدر بالذكر أن ميزة المجانية
التي غالبا ما تلصق بالتعليم العمومي ليست دائما
حقيقية أو واقعية ، فباستثناء مرحلة التعليم
الأساسي التي من المفروض أن تضمنها الدولة
بالمجان لجميع الأطفال ، فإن هذه المجانية سواء في
هذه المرحلة أو في المرحلة الثانوية لا تمس سوى
الإعفاء من دفع الرسوم الشهرية ، دون أن تشمل
نفقات اللوازم المدرسية و التغذية و التنقل و
اللباس المدرسي و كذا الإقامة إلا في حالات نادرة
جدا . و هو نفس الحال الذي يسري على المرحلة
الجامعية ، حيث يستحيل أن تساهم قيمة المبلغ
الموصوف بالمنحة في سد حاجات الحياة الطلابية و
تدعيم البحث العلمي لدى الطلبة . و إذا كانت هذه
الوضعية تعني ، من جهة ، أن الآباء يساهمون في
الواقع في تمويل التعليم بنسب مهمة ، و ذلك أولا
باعتبارهم دافعين للضرائب و ثانيا باعتبار آليات
التضامن المعتمدة من قبل الدولة و ثالثا بالنظر
إلى عجز الدولة عن كفالة مبدإ تكافؤ الفرص في
التعليم . و يزيد من استفحال ظاهرة عدم تكافؤ
الفرص ، هذه ، انتشار ظاهرة أخرى هي ظاهرة الدروس
الخصوصية التي يسمح الإعفاء من دفع الرسوم الشهرية
لعدد مهم من الأسر الميسورة و التي هي مع ذلك ما
تزال تعتمد مؤسسات التعليم العمومي بالزيادة من
حظوظ أبنائها في التأهيل للالتحاق بالمؤسسات و
المراحل العليا من التعليم ، و خاصة منها تلك
المؤدية إلى مستقبل مهني و حياتي أفضل .
1.2 ــ في مقابل كل ذلك ، ما هي مخرجات النقاش
الوطني إزاء تمويل التعليم ؟ الواقع أن النقاش كان
قد انطلق خلال النصف الأول من تسعينيات القرن
الماضي ثم سرعان ما توقف مع مجيء حكومة " العهد "
برئاسة ذ . عبد الرحمان اليوسفي . و رغم أن كثيرين
قالوا ، في الأخير ، إن ميثاق التربية و التكوين
قد حسم الأمر بشكل نهائي ، فإن المعنيين الرسميين
و مريديهم من التقنيين و السياسيين يجتهدون دائما
في سبيل التقليص من ميزانية التعليم و الانقضاض
حتى على ذلك المستوى الضئيل من مساهمة الدولة
عمليا في تمويل الإنفاق على تمدرس كل طفل (ة) ، أي
إعفاء الآباء من أداء رسوم شهرية مقابل مقعد مدرسي
داخل حجرة مكتظة في مدرسة تفتقر ، و خاصة في
الأحياء الهامشية من المدن و في الأرياف ، إلى
الكهرباء و إلى الحد الأدنى من الجمالية و الشروط
و المرافق الصحية كما تفتقر إلى هيئات تدريس و
إدارة و إرشاد تربويين تستفيد بشكل متواتر من
برامج كفءة للتكوين و التكوين المستمر ،،، لكن
السؤال الإبداعي سيبقى ، مع ذلك ، مطروحا بشكل
دائم كالتالي : كيف يمكن تطوير نظام تعليمي بديل
يمكن من أن ينتج تعليما أكثر كفاءة و أرقى نوعية و
بتكلفة مادية ملائمة ؟ إن الأمر يتعلق بمجال رحب
أمام اجتهاد الجميع مع الاحتفاظ للخبراء حقا بالحق
الكامل في التدخل و الاقتراح و أخذ زمام المبادرة
و القيادة .
ثانيا ــ على مستوى تدبير التعليم
2.1 ــ إن تدبير التعليم في المغرب قام و ما يزال
يقوم على مبدإ التسيير و ليس على مبدإ التطوير ،
بل إن الأدهى أن هذا التسيير و رغم أن عمر النظام
الأكاديمي قد جاوز عقدين من الزمن ، فإن الاتجاه
نحو اللامركزية في إدارة التعليم لم يستتب بعد ،
إذ ما تزال أهم القرارات تصدر عن مقر الوزارة . و
لم تتجاوز أدوار الأكاديميات الجهوية حدود ما كان
يقوم به مكتب السيد الصالحي وحده بالرباط بخصوص
إنجاز امتحانات الباكلوريا بالنسبة لكل البلد .
أما النيابات الإقليمية ، فمقابل ما تستهلكه من
الموارد البشرية و المالية لا تقوم في الواقع سوى
بتجميع المعلومات في شكل مواد خام ، أغلبها في صيغ
غير قابلة للاستثمار ، و ترزيمها و إرسال بعضها
إلى مختلف المديريات و الأقسام المركزية بالوزارة
و البعض الآخر إلى الأكاديمية الجهوية ، بل إن
عملية شد الحبل بين هذين الهيكلين ، أي
الأكاديميات الجهوية و النيابات الإقليمية، قد
تتخذ مع الوقت أشكالا سيئة من الصراع و التنافسية
غير المجدية ، و ذلك في حالة ما إذا لم تلغ
النيابات نهائيا لفائدة الإبقاء على الأكاديميات
وحدها ، أو إذا لم تتمكن الأكاديميات من وضع و
إعمال استراتيجيات جهوية حقا و قادرة على
استدماج خطط النيابات الإقليمية من خلال صيغة غير
استحواذية تنسجها خيوط الاعتراف المتبادل والتنسيق
و التعاون النديين . و أما المؤسسة التعليمية و
إدارتها التربوية فخارج الحصص الفصلية التي ينجزها
المدرسون لا تؤديان سوى دور الوسيط " الجراي " بين
النيابات و الأكاديميات و المدرسين .و في هذا
الإطار ، فبالإضافة إلى أن عديدا من القرارات
الصادرة عن الوزارة في اتجاه وحداتها الجهوية أو
الإقليمية أو المحلية تكون غير مجدية ، بحيث لا
تتجاوز حدود إخباريات أو تعليمات ، فإنها أحيانا
ما تتقادم و هي في طريقها إلى هذه الوحدات .
2.2 ــ قد يقول قائل إن هذه الوضعية هي بالضبط
واحدة من المشكلات المطروحة للحل خلال ما تبقى من
العشرية الحالية المحددة لتنفيذ ميثاق التربية و
التكوين ، لكن السؤال المؤرق ، هو ما هو المشروع
المقترح الذي تقدمه الأحزاب الممثلة سواء في
الحكومة أو في البرلمان أو في المعارضة و تسترشد
به كل فعالياتها لكي لا يستمر تدبير التعليم يعتمد
فقط على استهلاك الورق من أجل إنتاج و إعادة إنتاج
نفس الأنماط من النصوص الزجرية و أخرى إنشائية لا
مجال فيها لأي تجديد ؟ و كيف يمكن بناء إدارة
تربوية مجددة و قادرة على قيادة عملية التجديد ؟
كيف يمكن اعتماد اللامركزية في الإدارة ؟ كيف يمكن
توسيع هذا النوع من الإدارة في الجهات و الأقاليم
و على الصعيد المحلي ؟ ما هو القدر من الحرية
التربوية الواجب فسحه أمام هذه التراتبية من
الإدارات ؟ ثم كيف يمكن تحويل المدرسة و الإعدادية
و الثانوية و المعهد و الكلية إلى محدد لهوية
النسق التعليمي و مشارك فاعل في التطوير العملي
للتعليم ؟ و كيف يمكن أن يتنامى دور المجتمع
المحلي في تشكيل المدرسة المغربية و تسييرها ؟ و
ما هي المجالات التي يفتحها تصور توافقي يستند بعد
ذلك إلى القانون في ما يخص المسألة التعليمية
علاقة بالأسر و منظمات المجتمع المدني و القطاع
الخاص من أجل المشاركة في صنع السياسات و التمويل
و الإشراف ؟ و فوق هل أن الفعل في هذه المتغيرات
المطروحة ، هنا في شكل تساؤلات ، هو ممكن دائما و
بالفعالية المطلوبة بواسطة نفس القيادات الإدارية
و التربوية الموجودة حاليا ، وهي التي من ميزاتها
الفردية أن المتوسط الوطني لأعمارها هو 55 سنة ، و
أن أغلبها لم يتلق أبدا أي تكوين أو تكوين مستمر
يرقى بأدائها المهني إلى مستوى تنمية روح التضامن
و العمل المشترك و الإنجاز ضمن فريق ، و المساهمة
في تعميق الديمقراطية و المواطنة و ربط التعليم
بالعمل و مواقع العمل و التربية الدائمة المستمرة
، و من أجل خدمة المجتمع المحلي ؟
يبقى في الأخير أنه لا بد من التأكيد أيضا على أن
مساءلة تدبير التعليم تفترض عدم إغفال جانب آخر
أكثر إلحاحا في نشر التعليم و تحسينه و هو المتعلق
بالتعليم ما قبل المدرسي و تعليم الكبار و ذوي
الحاجات الخاصة و لا سيما الموهوبين و التعليم
التقني و المهني و رعاية المواهب في مرحلة الطفولة
المبكرة .
* كاتب و باحث من المغرب – من أطر اللجنة العربية
لحقوق الإنسان ( باريس ، فرنسا ) .
.