* El Mostafa Soulaih
أولا ــ الإشهاد على التردي
1.1 ـ سواء تعلق الأمر بتوصيات صادرة عن اليونسكو
أو عن مؤسسات دولية للدعم المالي أو التقني في
مجال التعليم و التربية المدرسيين، أو بغيرها من
التقارير، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يضع
المغرب في المرتبة 126 من أصل 177 بلدا على صعيد
التنمية البشرية و التعليم المدرسي ، و إن التقرير
الأخير للبنك الدولي ذا الصلة يصنف المغرب مقارنة
مع بلدان تنتمي إلى شمال إفريقيا و الشرق الأوسط
في الرتبة 11 من أصل 14 دولة شملها التقرير ، أي
في أضعف خانة إلى جانب جيبوتي و العراق و بقياس
يبدو فيه قطاع غزة في درجة أفضل.
1.2 ــ و هكذا ، فرغم توارد المزاعم الرسمية خلال
العقدين الأخيرين ، و خاصة خلال الفترة الحالية
المسماة بـ " العهد الجديد " في شأن الإعمال
لإرادة سياسية حقيقية لإصلاح قطاع التربية و
التعليم المدرسيين تقطع مع إستراتيجية " دعه يلقى
مصيره " المتبناة سابقا من قبل الملك الراحل، و
التي تتوجت بإصدار " ميثاق التربية و التكوين " (
توافقي دون سند قانوني ) ، و إقامة المجلس الأعلى
للتعليم ( مؤسسة دستورية )، فإن الحالة لا تزداد
إلا سوء . و رغم أن عشرية الميثاق إياه تسير نحو
خاتمتها و رغم أن هذه الخاتمة تتزامن الآن مع خطة
ملكية تسمى " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية "
فإن التردي ، كما تؤكده التقارير إياها ، هو الذي
يطبع كل الميادين المستهدفة بهما .
ثانيا ــ مدى الكفاءة الداخلية للتعليم و التربية
المدرسيين في المغرب
2.1 ــ إذا كان اكتساب المعرفة يعتبر حجر الزاوية
في التنمية البشرية ، فإن التعليم يحتل الصدارة في
مجال بناء القدرات البشرية لاكتساب المعرفة و لذلك
فإن جودة التعليم تعني حسن الكفاءة الداخلية
للمنظومة التربوية التعليمية و لإدارتها و
تقويمها ، و اتساق ناتج هذه المنظومة مع سوق العمل
و مستوى التنمية ، و قدرتها على توفير متطلبات
تنمية المجتمع.
و في هذا الصدد ، هناك ثلاثة أسئلة رئيسية هي :
سؤال الكفاءة الداخلية للمنظومة التربوية
التعليمية في بلدنا ، و سؤال التدبير المالي و
الإداري لهذه المنظومة ، ثم سؤال تقويم مدى اتساق
المنظومة إياها مع باقي عناصر التنمية البشرية
للبلاد بما فيها التنمية القيمية للأفراد و
المجموعات .
2.2 ــ باستثناء المعطيات الرقمية التي دأب وزراء
التربية الوطنية على تقديمها عند مطلع كل موسم
دراسي ، و خاصة منذ الشروع في تطبيق ميثاق التربية
و التكوين ، و بموازاة مع الغياب التام للوكالة
الوطنية للتقويم ، يجب التأكيد على قلة الدراسات
الوطنية ذات المصداقية التي تخص منظومة التربية و
التعليم و التكوين من الداخل لكن الدراسات القليلة
المتوفرة تمكن ، مع ذلك، من توفير دلائل ، إلا
أنها كلها تشير إلى تناقص الكفاءة الداخلية
للتعليم في المغرب ، منها :
أ ــ أنه في غياب الأرقام المدققة حول مزاعم
وزراء القطاع بخصوص تجاوز نسبة تسجيل الأطفال
الذين هم في سن التمدرس
90%
، يكفي الإشارة إلى التقلص السنوي في عدد الحجرات
الجديدة و في عدد الخريجين الجدد من المعلمين، كما
تكفي الإشارة إلى عشرات الآلاف من أولئك الأطفال
الذين لا يلتحقون بالمرة بالمدارس ، و خاصة منهم
الأطفال الإناث ، و غيرهم الذين يعيشون بالمجموعات
أو فرادى في الشوارع ، أو يتم تشغيلهن في البيوت
كخادمات أو يعملن كـ " متعلمات " أو أجيرات و
أجراء في المشاغل و الأوراش المهيكلة أو غير
المهيكلة أو يجوبون المقاهي و الحانات و
المطاعم الشعبية و الأسواق و الساحات العمومية
كباعة متجولين أو ماسحي أحذية أو كمتسولين أو
مرافقين لمتسولين .
ب - أن عدد الأميين ،أي الذين لا يقرأون و لا
يكتبون ، يبلغ 10 ملايين ،
36%
منهم ذكور ، و
64%
من مجموعهم إناث ، و ذلك علما بأن هذه الحصيصات
ترتفع بشكل كبير إذا ما تم احتساب الذين يرتدون
نحو الأمية من مجموع الذين تمدرسوا أوهم في عداد
المتمدرسين ، كما أن الـ 10 ملايين أمي تتجاوز
ثلاثة أضعافها إذا ما تم احتساب الأمية
التكنولوجية .
ج - أن نسب الرسوب في ارتفاع مسترسل ، و كذا الحال
بالنسبة لنسب تكرار المستويات التعليمية ، الأمر
الذي يؤدي إلى إهدار فترات زمنية أطول في مراحل
التعليم المختلفة ، و ذلك رغم سياسة الانسياب التي
اعتمدت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي .
د - أن الشكاوي المتعلقة بتردي نوعية التعليم
كثيرة و لا تتوقف ، و هو التردي الذي يجد تشخيصه
في ثلاثة سمات تطبع ناتج هذا التعليم ، هي تدني
التحصيل المعرفي ، ضعف القدرات التحليلية و
الابتكارية ، و اطراد التدهور في هذه القدرات. أما
النتيجة ، و على أعلى المستويات ، عدد ضئيل جدا من
علماء البحث ، مقابل 466211 في الولايات المتحدة
الأمريكية ، و إن الأمر هنا كما هو معلوم لا يتعلق
فقط بالإمكانات المالية الهائلة لهذه القوة العظمى
، فالمملكة العربية السعودية هي أيضا وفيرة المال
لكن عدد علماء البحث فيها لا يتجاوز 1915 و لا
يفوت 362 في الجزائر ، بينما يصل إلى 11617 في
الدولة
الصهيونية.
ه - أن الخلل بين سوق العمل و مستوى التنمية ، من
جهة ، و بين ناتج التعليم ، من جهة أخرى ، تزداد
هوته اتساعا ، مما يؤدي ، من ناحية ، إلى تفشي
البطالة بين المتعلمين عموما كما بين حاملي
الشهادات بدءا بالبر وفيه ، ثم الباكلوريا، مرورا
بالدراسات المعمقة و الإجازات ، وصولا إلى
الدراسات العليا ، و الدكتوراه . و يؤدي ، من
ناحية أخرى ، إلى تدهور الأجور الحقيقية للغالبية
العظمى من هؤلاء المعطلين كلما أمكنهم إيجاد شغل .
ز- أن الجانب الأكثر إثارة للقلق من جوانب أزمة
نظام التربية و التعليم في المغرب هو عدم قدرته
على توفير متطلبات تنمية المجتمع المغربي ، إذ
بالإضافة إلى كونه لم يعد يوفر مدخلا للارتقاء
الاجتماعي ، فإن نوعيته أضحت تعمق عزلة البلاد عن
المعرفة و المعلوميات و التكنولوجيا العالمية،
الأمر الذي قد تكون له عواقب وخيمة على مستوى
التنمية الإنسانية و الاقتصادية إذا لم يتم تداركه
بالإصلاح ، و ذلك بشكل مبكر ، و بالاستناد إلى
آليات التفكير الاستراتيجي .
* كاتب و باحث من المغرب – عضو اللجنة العربية
لحقوق الإنسان ( باريس ، فرنسا )
elmostafa.soulaih@menara.ma
☻ظهر
هذا المقال بجريدة القدس العربي اللندنية . عدد
5818 ليوم الاثنين 18 شباط ( فبراير ) 2008 ، ص
20 ( مدارات )
El Mostafa Soulaihالمصطفى
صوليح