تعتبر سوريا من البلدان النامية التي تتميز
بارتفاع نسبة الأطفال (الطفل
كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة)
مما يَسِمُها بالدولة الفتية إذ يمثل الأطفال نصف
عدد السكان تقريبا.فمن المنطقي بهذه الحال أن يتم
التركيز على هذه الفئة عند وضع الخطط التي تعتمد
فكرة التنمية المستدامةوالبناء المجتمعي السليم
ويكون ذلك بتوفير الوسائل وتحديد الآليات للمساهمة
في عملية البناء السليم الذي ينسجم مع تحقيق غرضين
أساسيين في آن معا وهما ضمان حقوق الطفل و مصالحه
الفضلى والتأسيس لقاعدة بشرية مؤهلة تستطيع أن
تقوم بأعباء التنمية والتطويروالبناء.
إن فكرة الاستثمار في الموراد البشرية تعد حاجة
أساسية تقوم عليها العلاقة المتبادلة مابين الطفل
والمجتمع فبناء طفل اليوم مواطن الغد القادر على
التغيير ,مهمة كبيرة تقع على عاتق المجتمع ككل
ممثلا بالدولة الرسمية والمجتمع المدني والأسري
والمدرسي و........
والسؤال هنا :
هل فعلا تقوم الجهات المذكورة بإتاحة الفضاء ات
المناسبة لنمو الطفل نموا سليما متوازنا معافى ؟
بالطبع يمكن تقدير ذلك إذا تم القياس وفقا لمعيار
محدد تراعى فيه جميع حقوق الطفل التي أقرتها
القوانين والاتفاقيات الدولية التي عنيت بشكل
مباشر بمعاناة الأطفال في حالات قاهرة مختلفة (الاحتلالات
والنزعات المسلحة , اللجوء ,...) وبشكل أخص
اتفاقية حقوق الطفل التي فندت مجمل جوانب حياة
الطفل ضمن الأسرة والمجتمع فكانت حقوق الطفل التي
حددتها ضمن موادها (52) شاملة , عالمية تراعي ذات
الطفل الإنسانية أولاً.
فما مدى توافق واقع الطفل السوري مع هذه
الاتفاقيات
بالطبع لايمكن أن أجمل هذا الواقع بمقالة مقتضبة
لذا سأركز عن جانب من حقوقه وهو الحق في التعليم
واللعب فقد أقرت الاتفاقية بحق الطفل المطلق في
التعليم في المادة (28 -29 )
فقد جاء في الفقرة(أ)من المادة 29
1. توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل
موجها نحو:
(أ) تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية
والبدنية إلى أقصى إمكانياتها،
إذا فقد وافقت الدول المصادقة ومنها سوريا على
فكرة (تنمية
شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى
أقصى إمكاناتها )
ومن المفترض أن تعمل على تفعيل هذا الكلام وتطوير
قوانينها وآليات عملها ووسائلها بما يتوافق معه
وتماشيا مع ذلك قامت الدولة السورية بإعادة هيكلة
التعليم من خلال تقسيمه إلى ثلاث حلقات تشمل
التعليم الأساسي بحلقتيه والتعليم الثانوي بفروعه
والأهم رفع سن إلزامية التعليم ومجانيته إلى نهاية
المرحلة الثانية من مراحله وتم نظريا إدماج مفاهيم
التربية المواطنيةوحقوق الإنسان، والمشاركة
المجتمعية في صلب قيمه واتجاهاته و إدخال العديد
من المفاهيم العصرية مثل المفاهيم الصحية والبيئية
والمهنية والمعلوماتية على ضوء الخطة الخمسية
العاشرة التي وضعتها وزارة التربية مابين2006-2010،
وتم التركيز فيها على إدماج تقانة المعلومات
والاتصالات في التعليم
,
يعتبر هذا الكلام جيدا كأساس نظري لخطة تعليمية
ولكن هل الآليات المستخدمة تساعد على تطبيقه .
ولكن المؤشرات على الأرض لا تتفق مع هذا الكلام .
فمن ناحية الكيفية لا تزال الأساليب التعليمية
تعتمد التلقين والحفظ الجامد مع عدم توافر وسائل
الإيضاح وتقنيات البحث والمخابر العلمية ضمن
المدارس وعدم إمكانية استخدامها إن وجدت لضعف
الكوادر وكثافة المناهج النظرية وارتفاع الأعداد
ضمن الصف الواحد وعدم جدية المتابعة الرسمية
والتركيز على شكليات العملية التربوية التعليمية
لا على جوهرها مضافا لذلك طبيعة العلاقة القائمة
مابين الطفل والجهة التعليمية القائمة أساسا على
مبدأ السلطة والعلاقة الأبوية والعقاب ,تحكمها
الفرو قات الفردية والإمكانيات الثقافية للمعلم
ذاته وهذا لا يقتصر على التعليم الحكومي فقط بل
يستوي في ذلك الخاص والعام ولكن بشكل متفاوت لأن
الكوادر التعليمية عينها يقع على عاتقها مهمة
التعليم في الجانبين .
ونتيجة للتراجع الكبير في مستو التعليم الحكومي
الرسمي وقلة مردوده وصعوبة الوصول إلى التعليم
الجامعي بسبب ارتفاع معدلات القبول بصورة كبيرة ,
تضطر الكثير من الأسر السورية إلى التوجه نحو
التعليم الخاص إما بشكل كامل أو عبر دورات التقوية
وقد أضحت المعاهد الخاصة ضرورة ملحة لايمكن
الاستغناء عنها بسبب ربط التعليم الحكومي بها
بصورة كبيرة وعلى ما يبدو مقصودة , مع ما يحمله
ذلك من أعباء اقتصادية على المواطن ومن تراجع في
نسبة متابعي التعليم نتيجة الضغط الاقتصادي
والنفسي على الطفل والعائلة وهذه بعض المؤشرات :
!تحولت
رياض الأطفال بموجب ارتباطها مع المناهج السورية
الحديثة إلى ضرورة لايمكن الاستغناء عنها , تعتمد
بشكل كلي على كونها رياض خاصة يتحتم على الطفل
التوجه إليها قبل دخوله الصف الأول الابتدائي
!بعد
إدخال اللغة الفرنسية إلى جاب الإنكليزية التي
يبدأ تعلمها من المراحل الأولى لللتعليم الأساسي
أضحى من الضروري الاعتماد على المعاهد الخاصة
لتدعيم اللغتين مع وجود هذا الضعف الواضح في مستو
تعليم اللغة الأجنبية بشكل عام .
!كثافة
المناهج وضعف التعليم الحكومي مما يضطر معظم
الأطفال ( طلاب المدارس حتى نهاية المرحلة
الثانوية ) للجوء إلى دورات التقوية لمعظم المواد
الدراسية ضمن الفترات المسائية أو في العطل
الصيفية وتعتمد معظم المعاهد على فكرة الدورة
الشاملة لجميع المواد التعليمة بشكل إجباري بغض
النظر عن حاجة الطالب مما يجبر معظم الأطفال على
الدوام الكامل لمدة تتراوح يوميا مابين 6-7 ساعات
في فترة الصيف ومثلها مسائية خلال العام الدراسي
مع تحمل التكلفة الكاملة لجميع المواد واستهلالك
معظم وقت الطفل في الدراسة
!
فيما يتعلق بالشهادات (التاسع أو البكالوريا )يضطر
معظم الطلاب إلى الدورات المتلاحقة التي تشمل
فترات العطل الصيفية أو النصفية بدوام كامل يماثل
الدوام المدرسي كذلك ضمن الفترات المسائية خلال
العام الدراسي تضاف إلى الدوام المدرسي اليومي
وتشمل هذه الدورات معظم المواد الدراسية مضافا لها
أحيانا الدروس الخاصة في البيت وفترات الاستماع
والمتابعة لحفظ الدروس ضمن معاهد خاصة تقوم بهذا
الغرض
إذا الطفل مجبر منذ فترة الحضانة حتى انتهاء مرحلة
التعليم الثانوي لأن ينتقل من دورة إلى أخرى لينال
في النهاية النجاح والانضمام إلى إحدى الكليات أو
المعاهد فما الذي يترتب على ذلك وما تأثيره على
الطفل :
بالطبع لا ضرر من أن يلتجأ الطفل إلى تعزيز قدراته
إذا كان هناك قصور في فهم مادة ما ولكن المشكلة
تتركز بكون الموضوع برمته تحول إلى سياسة عامة
فإذا كان عدد الملتحقين بهذه الدورات يكاد يساوي
عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم وخاصة في مرحلة ما
قبل المدرسة أو الشهادات فأننا نسمح لأنفسنا أن
نقول أن هناك مشكلة كبيرة بخصوص التعليم برمته
يجب النظر فيها بعناية . فهل يمكن أن يكون جميع
طلاب سوريا بحاجة إلى تقوية؟؟!!
هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الطفل يقضي معظم
وقته ضمن الحرم الصفي مع ما يترتب على ذلك من
إهمال للنواحي الأساسية الأخرى التي يحتاجها الطفل
وأحب أن أتناولها هنا بشيء من التفصيل وأهمها جانب
اللعب في حياة أطفالنا فقد ورد في
المادة 31 من الاتفاقية (معيارنا في
النقاش)
1. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت
الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام
المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية
وفى الفنون
فإذا كنا نريد الحديث عن طفولة سوية ومواطن صالح
معطاء يجب أن نسال هل يلعب هذا الطفل وأين يلعب
ومتى وماهي النشاطات المتاحة أمام أطفالنا كون
اللعب من أهم حاجاتهم ومعيارا أساسيا من معايير
الشخصية السوية . إن الإجابة موجعة ومحزنة ففي
الوقت الذي يعيش فيه معظم أطفالنا ضمن مساكن لا
تتعدى مساحة الواحد منها 80-100متر أو أقل ولا
تشمل طبعا وجود حديقة أو فسحة مناسبة للعب, ينتقل
الطفل بعدها إلى المدرسة وأستطيع أن أقول بأن معظم
مدارسنا تخلو من الملاعب المناسبة أو من أدوات
اللعب أو من الحدائق الخضراء التي تؤثر بصورة
مباشرة على نفسية الطفل وسلوكه وتعلمه وخاصة في
موضوع الحفاظ على البيئة والتعامل معها وللأسف
أستطيع أن أجزم بأن معظم المدارس تأخذ شكل السجون
في عيون الأطفال بلونها الرمادي وقضبان أسوارها
الحديدية وقوانينها التي تمنع غالبا تلامذتها من
الركض أو اللعب ضمنها "حفاظا عليهم " أما من حيث
الأنشطة فلا أنشطة مسلية تذكر حتى دروس الرياضة
والرسم التي من المفترض أن تنال حقها من الاهتمام
والمتابعة فتعد حصص مهملة غالبا تتعامل معها
الجهات التعليمية وحتى مدرسيها الاختصاصين أنفسهم
بشيء من الاستخفاف مما يجعل هذا الشعور ينتقل
عمليا إلى الطفل فتهمل المواهب المميزة وتتضاءل
رغبة الطفل بالإبداع والتعبير الذاتي فلا مسابقات
فعلية (رياضية , فنية ,أدبية ..)ولا وسائل أخرى
تطور طاقات الطفل مما يدفعه لمحاولة إيجاد مجالات
يستخدم فيها طاقتة الكبيرة بشكل عشوائي
ومضر بمصلحته ومستقبله غالبا
في الوقت الذي تكاد تنعدم فيه الحدائق المجهزة
والملاعب القادرة على استقبال الأطفال في مناطق
مختلفة من البلاد فأين يلعب الطفل وما المجالات
المناسبة التي يمكن أن تساعده على (تنمية شخصيتة
ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى
إمكانياتها ) . وقد تحولت العطلة الصيفية والتي من
المفترض أن يستهلكها الطفل باللعب والترفيه إلى
مصيبة على الأهل والطفل تدفعهم مع هذا الغياب
لأماكن ووسائل النشاط والترفيه إلى اجترار سلوكيات
الماضي فترى معظم أطفالنا منذ الصباح بجلا بياتهم
البيضاء وعباءات البنات السوداء والأحجبة المختلفة
يحملون أكياسهم التي تحوي بعضا من كلام الله
الكريم ليتوجهون إلى شيخ الكّتاب يحفظون غيبا ما
يمليه أو تمليه (شيخه أو شيختها) يجلسون متلاصقين
داخل غرفة في بيت أو مسجد يكاد الأوكسجين فيها أن
يصرخ من فرط إعادة التكرير داخل تلك الرئات الغضة
, وتكاد عضلات بعضهم أن تضمر من قلة الحركة حتى
قال لي أحد الأطباء معالجي السمنة أن أكثر مرضاه
من الأطفال فيا ترى ما يمكن أن يقوله طبيب العقول
والأبصار ؟؟!! .
|