El Mostafa Soulaih
أولا ـ نصان أحدهما حقوقي و الآخر سياسي
1.1 ــ في وقت متزامن ( أواخر الأسبوع الثاني من
يناير 2008 )، صدر في المغرب نصان مختلفان من حيث
الأهداف لكنهما يتقاربان من حيث المصدر. و قد ثارت
بسببهما زوبعة من الكلام اختلطت فيه التحليلات
بالتأويلات و الاتهامات بردود الفعل و الفرضيات
بالهذر إلى حد أن البعض اعتمد السماع فقط فذهب إلى
إدغام النصين في نص واحد و البعض الآخر لم يدرك أن
الأمر يتعلق بوثيقتين متمايزتين. و الحال أنهما
مختلفان من حيث الأهداف لأن النص الأول جاء يحمل
اسم " نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية"
استهدف من قبل جمعية حديثة التأسيس تحمل اسم "بيت
الحكمة" ، و ذلك بناء على القضية التي عرفت قبل
مدة قصيرة في مدينة القصر الكبير ( شمال غرب
المملكة المغربية ) بعرس زفاف مثليين تعرضا بسبب
ذلك ، هما و المحتفلون معهما ، إلى تهجمات شرسة و
متابعة قضائية ، لفت الانتباه إلى حالات التهديدات
و الاعتداءات الشفهية أو الجسدية و غيرها من
الضغوطات التي تزايد عدد ضحاياها من بين أفراد
مختلفي الأذواق و الآراء و الاختيارات المعيشية
الخاصة، كما استهدف دعوة السلطات و الرأي العام
إلى " مزيد من اليقظة ضد دعاة الكراهية و محاكم
التفتيش الذين يبحثون باستمرار عن ذرائع جديدة
للتحريض على العنف و الإخلال بالأمن العام " ( ...
) . و قد ذيل هذا النداء ،الذي تبنت نفس الجمعية
المنسوب إليها ملف الدفاع لدى القضاء عن المثليين
المعنيين، بعريضة بلغ عدد أسماء الموقعين الأوائل
عليها 178 اسما . و رغم أن النداء عمد بشكل ملتبس
إلى مهادنة الدولة و أجهزتها الحكومية إزاء
مسؤوليتها في احترام الحريات الفردية للمواطنين و
حمايتها فقد كنت أحد هؤلاء الموقعين بصفتي عضو
اللجنة العربية لحقوق الإنسان ( باريس – فرنسا ) .
1.2 ــ أما النص الثاني فجاء في صيغة بلاغ تأسيسي
لمبادرة سياسية يحمل اسم " من أجل حركة لكل
الديمقراطيين " . و هو كما يشير إلى ذلك عنوانه
يختلف بالتمام و الكمال عن سابقه ، إذ فيما اتخذ
الأول منحى حقوقيا يتخذ هذا الأخير منحى سياسيا
بحتا يشي ، حسب كتابات صحفية ، بتوجه حثيث نحو
تأسيس حزب جديد في البلاد. و يتأكد ذلك من أن هذا
البلاغ المتألف من فقرتين قصيرتين مبنيتين بواسطة
186 مفردة ،
يخبر بأن ثلة من الفعاليات المنتمية لآفاق متنوعة
قد عقدت سلسلة من المشاورات و يعلن أنه تأسيسا
على خلاصات ذلك أكدوا العزم "من أجل حركة لكل
الديمقراطيين تؤمن بالثوابت الوطنية المغربية
مرجعا، وتنتصر للقيم الديمقراطية منهجا، وتعتز
بمقومات الهوية الوطنية في أصالتها وتنوعها وتعدد
روافدها واعتدالها عقيدة ، وتسعى للحداثة أفقا،
وتعتمد خطاب
الواقعية مسلكا وسياسة القرب من المواطنين
أسلوبا." . و على عكس النداء الحقوقي إياه ، لم
يذيل هذا البلاغ السياسي إلا بـ 11 اسما وقعوا
عليه نيابة عن باقي المشاركين المؤسسين للحركة
إياها .
1.3 ــ و أما أن النصين جاءا متقاربين من حيث
المصدر ، فدفعة واحدة لأن السيدة خديجة الرويسي
رئيسة جمعية " بيت الحكمة " المنسوب إليها
ذلك النداء الحقوقي كانت واحدة من الموقعين إلى
جانب السيد فؤاد عالي الهمة على البلاغ الصحفي
التأسيسي لمبادرة " من أجل حركة لكل الديمقراطيين
" ، و كذا لأنها أضحت مصنفة ضمن الموالين لمقولة "
العهد الجديد " و ذلك منذ قبولها بوضعية موظفة لدى
هيئة الإنصاف و المصالحة ثم لدى المجلس الاستشاري
لحقوق الإنسان و ما تبع ذلك من فتور نشاطها في
سبيل الكشف عن مصير أخيها عبد الحق الرويسي "
المختفي " قسرا منذ سنة 1964 رغم أن مكانتها هي
الاعتبارية الحقوقية قد ارتبطت أصلا بملف شقيقها
هذا الذي ما تزال نتيجة التحليل الحمضي الذي أخذت
عيناته ، من بقايا جثمانين مجهولي الهوية ، قبل
أزيد من سنتين لم تسلم بعد إلى أسرته . و قد زاد
من تشوش المعلومات لدى المتتبعين أنه فيما كانت
القناة التلفزية الثانية تذيع بلاغ " من أجل حركة
لكل الديمقراطيين " و الذي اكتفت الصحافة المكتوبة
، بعد ذلك ، بتداول مقتطفات منه ، كانت جريدة
الأيام الأسبوعية تنشر النص الكامل للنداء من أجل
الدفاع عن الحريات الفردية مرفقا بقائمة أسماء
الموقعين الأوائل ، فأدى ذلك إضافة إلى تكرر وجود
أسماء موقعين بين النصين إلى شيوع الاعتقاد بأن
النصين ما هما سوى نص واحد و أن اللائحة المرفقة
بالنداء هي لائحة المشاركين في التأسيس لما سيشكل
حزبا جديدا في المغرب .
ثانيا ــ في مدى الحاجة إلى وجود حزب جديد في
البلد
2.1 ــ ترتبط فرضية مشروع حزب جديد بالسيد فؤاد
عالي الهمة ، و ما أدراك ما هذا الرجل . إنه صديق
منذ التتلمذ للملك الحالي . تدرب في كواليس وزارة
الداخلية خلال تسييرها من قبل إدريس البصري
المتوفى أخيرا، كما تدرب في ميدان الانتخابات
المحلية و في حقل التسيير الجماعي المحلي ، و أصبح
كاتبا للدولة في وزارة الداخلية بعد تولي الملك
محمد السادس عرش والده ، حيث نسج علاقات متينة مع
أفراد من ذوي التأثير السياسي و المهني و الحقوقي
مكنته من استقطاب عديد من المعارضين اليساريين ،
راديكاليين و معتدلين ، إلى صف " المخزن" و طريقته
التي اعتمدها في ما سمي بعملية طي صفحة سنوات
الجمر و الرصاص . استقال أو أقيل من منصبه الرسمي
. حصد المقاعد الثلاثة المرصودة للدائرة التشريعية
التي ترشح فيها . و رغم أن القانون يمنع ارتحال
النواب ( خيانة للناخبين ) كون فريقا نيابيا يضم
أزيد من 37 نائب خوله رئاسة لجنة من أهم لجن مجلس
النواب . فما القيمة المضافة الممكنة من مشروع
لهكذا رجل ؟
2.2 ــ بالعودة إلى نص بلاغه الصحفي نجد أن مختلف
المفاهيم و التيمات التي أكد عليها مشروع هذه
الحركة لا تخلو منها برامج باقي الأحزاب القائمة
بما فيها تلك التي تتخذ من الأخلاق الإسلامية
مرجعا لها ، فهل ما يقصده بذلك هو شبيه بمقاصد "
نداء المواطنة " السابق و الذي انتهى إلى شبه
مولود راقد ( خاسر ) في أحد المواقع الإلكترونية ؟
و رغم أن عبور النهر لا يمكن أن يتم بنفس الطريقة
خلال كل مرة ، هل المسعى هو نسخة أخرى من " الفديك
" ، أي حزب حديث لحماية المؤسسات الدستورية ادعاء
و الدفاع عن المؤسسة الملكية أساسا ؟ . الواقع أنه
يكفي وضع عبارتي " العهد الجديد " و " المؤسسة
الملكية " و " شروط استمرارها " مكان تلك المفاهيم
و التيمات التي يلح عليها ليتضح أنه لا قيمة
إضافية هناك . و كيفما كان الحال ، هل حقا سيتمكن
هذا المشروع من القيام بالوفاء بالمهمة الرئيسية
التي ينيطها الدستور و القانون بالأحزاب السياسية
فلم تتمكن باقي الأحزاب من النجاح فيها ، ألا و هي
مهمة تأطير المواطنين ؟ و هل يكفي أن يدخل
هذا المشروع في صيغته الحزبية المنتظرة الانتخابات
الجماعية ليونيو 2009 حتى يهرول أولئك الــ
80%
من الناس الذين قاطعوا الانتخابات السابقة مسرورين
و متسابقين إلى مكاتب التصويت للإدلاء باختياراتهم
؟
2.3 ــ إنه ، و إلى أن يحدث الاختبار في الميدان ،
يمكن القول إن التجربة المغربية قد أثبتت دائما أن
الناس لن يشاركوا في التصويت إلا إذا تبين لهم ذات
مرة بأن نتائج الانتخابات ستكون مجدية : أحزاب تصل
إلى السلطة و تشارك في تدبير السياسات و في تسيير
فعالياتها ، و حكومة حاكمة بالفعل ، و مسؤولة أمام
نواب عن المواطنين و قادرين على إسقاطها،،، و أن
إحداث إطار جديد في ظل الحالة السائدة لن يتم إلا
بأعضاء يقتطعون من الإطارات القائمة ، و ذلك تماما
كما هو الشأن حين صدور جريدة أو أي مطبوع إعلامي
جديد في بلادنا ، فلا أحد ينتظر استقطابا لقراء
جدد ، و إنما يظل الناشرون القدامى يتوجسون خوفا
من انتقاص من أعداد قرائهم .
أخيرا ، أعتقد أن الملكية و الملك في المغرب لا
يحتاجان إلى متملقين قدامى أو جدد ، بقدر ما أن
المطلوب أصلا هو الدفع باستكمال كل البناء
الديمقراطي ، فالديمقراطية هي وحدها القادرة على
حماية كل ما هو ديمقراطي و كل من هو كذلك.
* كاتب و باحث من المغرب – من أطر اللجنة العربية
لحقوق الإنسان ( باريس – فرنسا )
elmostafa.soulaih@menara.ma
ـ ظهر هذا المقال بجريدة " القدس العربي " عدد
5802 ليوم الأربعاء 30 يناير ( كانون الثاني )
2008 ، صفحة 18 ( مدارات ).
|