|
كل
الذين
تابعوا من خلّص أصدقائي حلقة الاتجاه المعاكس حول
الشرطة العربية مساء ثلاثاء 8
يناير ،عاتبوني على عدم الردّ بقوة على جنرال
البوليس المصري السيد مش عارف مين
عندما هدّد بقطع لساني.
كلهم
، وكأنهم على اتفاق مسبق، استعملوا نفس
العبارات" لماذا لم تشهّد عليه ملايين العرب قائلا
هذا هو نموذج البوليس عندنا
...هذا
رجل يهدد بقطع الألسنة من منبر كالجزيرة فما بالك
بما يفعل في الأقبية
...الخ"
حاول هيثم مناع رفيق كل المعارك الحقوقية مشكورا
أن يجد لي عذرا
عما بدا من غياب سرعة البديهة وأن الأمر متعلق
بإرهاق ليلة سفر بلا نوم، و اليوم
التالي بضغط الإعداد للحلقة،
ودخول الأستوديو بعد كل هذا في العاشرة
ليلا.
لكن هيثم كان مخطئا، فقد تبخّر كل تعبي حال انطلاق
أسئلة فيصل القاسم،
بل وكنت حاضرا بكل ملكاتي لحوار كنت واعيا
بأهميته. أما لماذا لم أرد على تهديد
جنرال المخابرات فلسبب بسيط للغاية هو أنني لم
أنتبه له (بصراحة لا أعرف ما الذي
كنت سأرد به لو انتبهت). تقولون كيف لم تنتبه
لكلام هو كل ما سيتذكره أغلب من
شاهد الحلقة؟
نعم لم أنتبه للتهديد وربما لم أسمعه أصلا، لأن
الذهن
شرد لحظة وأنا أستعرض بسرعة كل ستراتجيات التفاعل
مع خصم لم أتوقع منه أن يواجهني
كما واجه. فقد بدا واضحا منذ انطلاق الحلقة أن
الرجل اختار الهجومات الشخصية
المضحكة (عمالتي للمخابرات الفرنسية، تلقيّ أموال
أمريكية، أمراضي العصبية
الكثيرة، حقدي على البوليس التونسي الشريف الخ) .
كان بديهيا أن هذا الشخص معبأ
بخطاب المخابرات التونسية التي يبدو أنه نسّق معها
قبل دخول الاستوديو وكان الصراع
داخلي قويا للغاية والرغبة عارمة في المغادرة، لا
فقط بسبب الأنفة البدوية
التي لا تقبل بمواجهة خصم كهذا ، وإنما
لقناعتي أنه نقاش عديم الجدوى مع رجل
اختار
مكانه في غرفة تعذيب لا غرفة سجال سياسي فكري
.
ما
أعلمه أنني وقفت فجأة
استعدادا لمغادرة المكان. لكن يبدو أنني نهضت قبل
أن يكمل العقل الباطني كل حساباته
المعقدة حيث جاءني منه أمر صارم : اجلس يا رجل ،
المهم ليس شخصك وإنما تبليغ
الرسائل الثلاث التي عملت عليها طول النهار.
هكذا اختفى فجأة الشخص من مجالي
، وكأنه شبح بل لم يوجد قطّ ، وجلست لإتمام
المهمة التي جئت من أجلها
.
لا أدري
إلى أي مدى استطعت تبليغ البعض من الرسائل الثلاث
، وإلى كم من الناس، وهل سيكون
لها أبسط دور في عملية التراكم التي ستؤدي يوما
ما إلى تغيير الوضع . كل ما أعلمه
أنني حاولت الأمر ما استطعت في خضم حلقة مشحونة
وزمن بالغ القصر ومقاطعة
مستمرة.
فضل الكتابة على الوسائل السمعية البصرية ، حتى
ولو لا تصل
الملايين ، أنها تتجه للعقل لا للعاطفة، أنها
تبلور الأفكار بأكثر دقة ووضوح ، أنها
تزرع بذور النخل لا بذور الفجل. ومن ثمة هذه
المقالة للتوضيح والتدارك
والإكمال.
الرسالة الأولى : إلى رجال الشرطة العربية
يا إخواني
-
نحن لا نضع كل أفراد الشرطة في نفس السلة، ولا
نحسبكم جميعا من الزبانية أشباه
البشر، الأقلية التي تمارس أبشع أنواع التعذيب
في أقبية المخابرات، ولا نعتقد
أنكم كلكم من بين قطاع الطريق الذين يسلبون أرزاق
الناس للزيادة في مرتبات زهيدة
بالقصد حتى تضطروا للرشوة، فيضمن سادتكم ارتباط
مصيركم بمصيرهم
.
-
لكن عدم
الخلط هذا لا يعفيكم من مسؤوليتكم.
-
أنتم الآن شئتم أم أبيتم جزء من قوى
تستعملها سلطات غير شرعية وفاسدة ولا وطنية لقمع
شعوبنا. أنتم تكلفون بملاحقة
صغار المجرمين من الفقراء للتغطية على ما يراد
منكم حقيقة أي حماية كبار اللصوص
الذين يسطون على ثروات الشعب وكبار المحتالين
الذين يزيّفون إرادته عبر انتخاباتهم
المفضوحة، وكبار الخونة الذين باعوا استقلال
أوطاننا وأصبحوا طرفا في بقاء أو عودة
الاستعمار المباشر في فلسطين والعراق.
-
باختصار وظيفتكم الأساسية اليوم هي
حماية الجريمة الكبرى من المجتمع لا حماية المجتمع
من الجريمة الكبرى
.
يا
إخواني
-
انتبهوا لاحتقار أسيادكم لكم وأنهم يريدون منكم
"طاعة الكلب" لا كرامة المسئول عن كرامة الناس،
لمواصلة
التحكم فيكم وفينا، وينمون هذه الطاعة بكل
الوسائل
الخسيسة.
-انتبهوا
أنهم يضحّون بكم تحت يافطة التجاوزات الفردية
كلما
تصاعد ضغط الرأي العام عليهم وهو ضغط سيتزايد يوما
بعد يوم.أنتم أدوات وقرابين
وأكباش فداء
.
-انتبهوا
أن من يحتقرونكم ومن يستعملونكم ضد اخوتكم وضد
مصالحكم، لن يأخذونكم معهم ليقاسموكم سرقاتهم يوم
تتهاوى قلاعهم الخربانة ويفرون
بطائراتهم أين ترقد أموالنا المنهوبة.
-انتبهوا
لعمق ضغينة شعوبنا ضدكم
وأنكم قد تدفعون يوما ثمنا باهضا لها
.
-انتبهوا
أنكم جزء من هذا الشعب وأن
مستقبلكم في مستقبله
.
يا اخواني لا تكونوا كلاب من يظن نفسه راعيا لقطيع
.
الرسالة الثانية : إلى الدكتاتوريين العرب
وبطاناتهم البشعة
يا آخر
طغاة هذا العالم، يا من وقفتم في وجه وحدتنا
وتقدمنا وعودتنا لساحة التاريخ من
أوسع باب، يا من جعلتمونا مضغة في أفواه شعوب
الأرض، يا حكاما يمارسون السلطة في
بداية القرن الواحد والعشرين كما لو كانوا في
القرون الوسطى، يا جهابذة التزوير
والتزييف والتحيّل والكذب والتضليل، يا من كانوا
سيملئون السجون بأخطر تهم الفساد
في أي بلد يحكمه القانون، يا من باعوا استقلالا
دفع فيه الآباء والأجداد أنهارا
من العرق والدمع والدم ، يا أساطنة إرهاب الدولة،
يا أرباب استبداد جاهل متخلف
أنتم أولى ضحاياه، يا من يعيشون في رعب أكبرمن
الذي يعيّشون فيه شعوبهم ، يا
سجناء الأقفاص الذهبية.... يا مساكين.
-انتبهوا
أن التاريخ أصدر حكمه
الصارم بفشلكم المخزي وأن زمن الحكم بإرهاب
الدولة ولّى وانتهى
.
-انتبهوا
أن
هناك أربع محاسبات جارية في حقكم أو تتهدّدكم :
المحاسبة السياسية للمعارضة
الإسلامية والديمقراطية والحقوقية...المحاسبة
الإعلامية كهذه الحلقة وهي حلقة من
سلسلة لن تنتهي وستسلط كل يوم مزيدا من الضوء على
فضائحكم ... المحاسبة القضائية
كالتي يواجهها اليوم حبري وفيجوموري وتايلور ولا
أتحدث عن صدام فبشاعة قاتليه غطت
على بشاعة جرائمه
-أنتبهوا
أن هذه المحاسبات الثلاث لن تتوقف ولن تكونوا أقوى
من الشعوب ومن التاريخ وأنكم إذا أفلتم منها فلن
تفلتوا من المحاسبة الإلهية ويا
ويلكم منها محاسبة.
-
انتبهوا أنكم أغلقتم حولكم كل الأبواب لما رفضتم
عن
عجرفة وغباء وخوف كل صلح وكل إصلاح وكل مصالحة
-
انتبهوا أن إصراركم على
نفس النهج الانتحاري سيكلف شعوبنا ثمنا باهظا من
الدم والدموع يزيد ملفاتكم الثقيلة
ثقلا ، وسيكلفكم ما بقي لكم من شرف ، وقد يكلفكم
نهاية عنيفة، وفي أحسن الأحوال
مواصلة العيش بين رعب الليل وخوف النهار إلى وقت موتة
سيتنفس لها الرجال الصعداء
وسترقص النساء والأطفال لها طربا.
-
انتبهوا أنه ما زال أمامكم مخرج واحد
أدعوكم إليه : أن تقايضوا رحيلكم الطوعي ومرحلة
انتقالية نحو الديمقراطية بطيّ صفحة
ماضيكم البغيض ، وهو خيار لا شكّ أن كل عقلاء
القوم سيقبلون به حقنا للدم وترفعا عن
الانتقام.
*
الرسالة الثالثة : إلى الشعب والأمة.
يا بني وبنات
شعبي وأمتي، يا اخوتي ويا أخواتي
.
-
انتبهوا أن ما نعاني من قهر وظلم وإذلال
وتضليل وفساد وإفساد وفقر وتخلف، هو بسبب أكبر
سطو في التاريخ المعاصر حيث سطت
مجموعات فقدت كل ضمير وطني على شرطتنا وجيشنا
وقضائنا و خيراتنا ومحوّلة وجهتها
لخدمتها على حساب وضدّ المصلحة العامة.
-
انتبهوا أن هذا السطو على الدولة
تبع مصادرة نضالات الآباء والأجداد الذين حققوا
لنا الاستقلال الأول ولم يخطر
ببالهم لحظة أن كفاحهم سيتمخض عن بروز دولة
الاحتلال الداخلي ... وأن ما سنجربه من
وحشية هذه الأخيرة ومن فسادها وظلمها سيجعل البعض
منا يتحسر على عهد دولة الاحتلال
الخارجي.
-
انتبهو أن دولة الاحتلال الداخلي هذه باعت
الاستقلال الذي
ناضلوا من أجله لأن بقاؤها أصبح مرتبطا بحماية
استعمار خارجي يفضل تحريك الدمى من
وراء الستار...و أننا اليوم شعوب تحت وصاية مزدوجة
داخلية وخارجية
.
-
انتبهوا أن قدرنا النضال للتحرر من الاحتلال
الداخلي والاستعباد الخارجي، لأن العالم اليوم
قرية واحدة ولكن ليس بمعنى تكافؤ الفرص ولا
التعايش المتقارب الظروف ولا التفاعل المتبادل، بل
ظلم داخلي مرتهن بهيمنة خارجية.
-
انتبهوا ان الهدف الذي يجب أن نضعه نصب
اعيننا ليس إصلاح خرائب وإنما تحقيق الاستقلال
الثاني الذي يمر بتصفيتها كما صفيت
الإدارة الاستعمارية وبناء الدولة الديمقراطية
على أنقاضها.
-
انتبهوا أن
هناك اختلاف جذري بين الاحتلالين هو أن الأول كان
بواسطة جنود وشرطة وقضاة
وموظفين أجانب، والثاني هو بجنود وشرطة وقضاة
وموظفين منا وإلينا . ولأنهم إخوتنا
يعانون مما نعاني وهم، باستثناء قلة شريرة،
حلفاؤنا الطبيعيين ، فإن قتلهم جرم
وغباء... لذلك الخيار الأسلم اعتماد المقاومة
المدنية السلمية كوسيلة واحدة لتحقيق
هذا الاستقلال الثاني، فالعنف لا يبني مجتمعا
سلميا والوسائل غير الديمقراطية لا
تبني مجتمعا ديمقراطيا.
وانطلاقا من كل هذه البديهيات التي أصبحت تعمي
الأبصار
حتى أبصار الذين يفضلون إشاحة الوجه
.
انتبهوا يا إخواني وأخواتي أن لا
انتظار الاصلاح من عنوان الفساد ، ولا تدبير الرأس
بصفة فردية، ولا الفرار إلى
الخارج أو الانطواء
على النفس والتعبد، حلول ناجعة . ما يتطلبه وضع
الشعوب والأمة
الانخراط في معركة التحرر الوطني الجديدة
.
فإلى
كسر طاعة الكلب يا جنود
وضباط وشرطيّ وقضاة العرب ... إلى الاضرابات
القطاعية والاعتصامات يا عمال ويا
طلبة ... إلى رفع شارات وأعلام الثورة السلمية يا
ربات البيوت ... إلى المقاطعة
النشيطة لكل مهرجانات التزييف المسماة إنتخابات يا
رجال ونساء السياسة ... إلى
استعمال ذكي وخلاق لكل وسائل الاتصال يا شباب
...وفي النهاية كلكم إلى تحضير
العصيان المدني والإضراب العام لينهار بأسرع وقت
ممكن ما هو مؤهل بطبيعته
للإنهيار.
*
هذه إذن الرسائل الثلاث التي أردت إيصالها للناس
عبر حلقة
مثيرة، من برنامج مثير، تبثه تلفزة مثيرة تلعب
دورا بالغ الأهمية في بلورة وعي
جديد في أمتنا
.
ها أنا أبعث بها لكل عربي وعربية حامل، وحاملة
لهموم شعبه(ها)
وأمته (ها) للتوزيع على أوسع نطاق ممكن ، اليوم
وغدا، خاصة إذا نجحوا فعلا في قطع
لساني أو رأسي.
لكن ليتذكر أمثال التعيس الذي فضح نفسه وسلكه أمام
الملايين
أنهم يقطعون الألسن والرؤوس منذ فجر التاريخ وهي
تنبت من جديد ...ذلك لأنه لا
وجود لحسام يقطع دابرالأفكار والقيم والأحلام
والقدوة الحسنة
.
لا أظن أن شيء
كهذا سيوجد يوما ...لذلك هم يربحون المعارك ونحن
نربح دوما الحروب.
|
|
|
|
|