الجزائر إبان الحرب الأهلية كان يوميا وبصورة عجيبة فاقت كل حدود التخيل، ويصل في بعض الأحيان إلى الساعات والدقائق، وفي متناول الجميع عن طريق الاغتيالات بالأسلحة النارية أو البيضاء أو السيارات المفخخة أو الألغام أو الاختطافات أو التعذيب... الخ، كل الأطراف تمارس ذلك بغض النظر عن الهدف والغاية والمنطلق، فالنظام يقتل بحجة حماية الوطن والجمهورية من أعدائها والمتربصين بها من "عملاء" لدول أجنبية "مارقة" كإيران وطالبان في أفغانستان وحتى السعودية، والمسلحون المتمردون الذين يسميهم النظام إرهابيون يقتلون باسم الدين والدولة الإسلامية المنشودة، القاسم المشترك بين الجبهتين هو الدم المراق، والمسحوق -على حد تعبير الشاعر نزار قباني- بين المتناطحين هو الإنسان الجزائري البسيط، إذا كان ا لفريق الأول يرى أنه من الواجب الذي يمليه الانتماء ويفرضه القانون هو قتل وإبادة  "الإرهابيين"، لتبقى الدولة واقفة على حد تبريراتهم، فنذكر مثلا محاضرة للجنرال بوشارب عبدالسلام (هو الآن متقاعد ومتفرغ لشركاته الخاصة) الذي كان يشغل منصب مدير الإيصال والإعلام والتوجيه  للجيش الجزائري، وهو ما كان يسمى من قبل وخاصة إبان الحزب الواحد بالمحافظة السياسية، ألقاها في الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال عام 1992 حيث كان حينها يحمل رتبة عقيد، ومما أفتى به "مثقف" و"شاعر" الجيش حينها، أن الله أمر بإحياء النفس لأن في إحيائها إحياء للناس جميعا، وإن كان واضحا أنه من قتل نفسا فقد قتل الناس جميعا، فإن الجنرال قد وضح الطريقة التي يمكن أن تحيى بها النفس، وتمثلت في القضاء على من يهددها وينشد قتلها، وهو بذلك حماها من الموت الظالم الذي يترصدها، حتى أنه في محاضرة أخرى في المدرسة العليا للدفاع الجوي للإقليم بالرغاية في العام نفسه سأله الطالب الضابط العامل عيسات فريد وهو يحمل الآن رتبة رائد ونال دبلوم عسكري بالولايات المتحدة الأمريكية، عن مصير القاتل يوم القيامة فأجابه مم تعضا: أنت لست قاتلا فأنت تحيي من سيقتل على يد القاتل الإرهابي، فلا تحاسب أبدا عند ربك بل ستجزى الجزاء الأوفى، وبدوره ألقى الجنرال محمد مدين المدعو توفيق وهو الرجل الأول في الإستخبارات الجزائرية محاضرة بالرغاية على الطلبة الضباط وإطارات الكلية العسكرية نفسها في مارس 1992 أكد فيها أنه من لا يقتل سيكون حتما قتيل، ومن دون أن يوضح المفهوم الذي أراده، لكن العقيد عوار محند إيدير وهو قائد المدرسة حاول أن يشرح ما تحدث به الجنرال، بأن كل العسكريين سيكونون مستهدفين من طرف "المجرمين" على حد لفظه، فإن لم يسارعوا إلى مواجهتهم سيكونون لقمة سائغة لهم... والأمر نفسه بالنسبة للطرف المتمرد فبعد كتاب "العصيان المدني" لسعيد مخلوفي (عسكري سابق في المحافظة السياسية ومؤسس لتنظيم حركة الدولة الإسلامية عام 1992) الذي أوجب فيه التمرد على الحاكم ومقاتلته في حين رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد أحدث ضجة حين صدوره المرافق لإضرابات جوان 1991 الشهيرة، وقد سبقه لذلك الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ علي بن حاج الذي كتب مقالا في صحيفة المنقذ عام 1990 تحت عنوان: "رفع الريب والشك عن رجال الشرطة والجيش والدرك"، تحدث فيه عن وجوب العصيان والتمرد لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، توالت الفتاوى بين شيوخ الجبهة كأمثال يخلف شراطي الذي قتل في مجزرة سركاجي الشهيرة، ومحمد السعيد وعبدالرزاق رجام اللذان قتلا على يد جمال زيتوني، وكذلك دعوة عبدالقادر حشاني العسكريين للتمرد في بيان شهير أودى به لقضاء أكثر من خمسة سنوات من وراء قضبان سركاجي من دون محاكمة وكاد أن يكون الضحية الأخرى للمجزرة... ونجد أيضا رسائل لزعماء الجماعات المسلحة تم تداولها عبر مواقع إلكترونية أو حتى في منشورات تابعة لها، والكل يجمع على وجوب مقاتلة الحاكم ومن يواليه من أسلاك الشرطة والأمن والجيش، كرسالة شهيرة لجمال زيتوني ظلت توزع على المناضلين السابقين لجبهة الإنقاذ الذين رفضوا الإلتحاق بالعمل المسلح، وكذلك رسالة علي بن حاج التي عثر عليها لدى الشريف قوسمي أمير الجيا لما قتل، تبرر العمل المسلح وقتال الفئة الباغية والطاغية، حيث خاطبه علي بن حاج لو فك أسره سيلتحق بهم فورا ومن دون أن يعرج حتى على بيته، وكانت أيضا مبررا لوقف الحوار الذي باشره الرئيس الأسبق اليمين زروال مع قيادة الفيس، ولحد الساعة لم ينف أو يؤكد علي بن حاج صحة ما نسب إليه وتسبب في سج ن محاميه اللاجئ الآن في سويسرا، وكذلك فتوى لفريد عشي (تحدثنا عنه في مقاربات الفساد الجزائري) وآخرين توجب "الجهاد"... طبعا هذا على المستوى الداخلي المحلي بغض النظر عن الرسائل القادمة من وراء الحدود وأشهرها رسالة "الفريضة الغائبة" وكتب أبو بصير والمقدسي وغيرهما... وإن كانت فتاوى بعض الشيوخ الكبار أمثال الألباني والعثيمين وإبن باز والقرضاوي وغيرهم لم توقف حمام الدم، بل دفعت التنظيمات المسلحة إلى أفعال أخرى، أفتى بها الضباط الشرعيون للجماعات والتي تؤكد بعض المصادر أنهم جاءوا من فرار سجن لامبيز الشهير، ويد المخابرات غير بريئة في تلك الحادثة، وليس مجال حديثنا الآن سنفرد للأمر موعدا آخر...

  نحن نريد في هذا الملف الذي لم يسبقنا إليه أحد أن ننقل أحاديث عسكريين ومقاومين وحتى متمردين إسلاميين أو ما تفضل الأطراف الرسمية تسميتهم بالإرهابيين عن مشاعرهم وأحاسيسهم بعد القتل خاصة الآن بعد مرور سنوات، وبعض القصص التي تقشعر لها الأبدان عن عمليات إجرامية ارتكبت في حق الإنسان والإنسانية، بغض النظر عن طبيعة الاتهام والجرم المقترف من طرف الضحية، إلا أن الواجب الذي تمليه كل الأعراف والقوانين والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، تفرض المحاكمة العادلة وصون إنسانيته مهما كانت طبيعة جرمه... فالتعذيب حتى الموت وقع في كثير من المواقع فكما تحدثنا عن البعض منها في مقالنا المنشور عن التعذيب في الجزائر، فهناك قصصا تفوق الخيال يرويها لنا عسكريون سابقون، وإن كانت القصص التي تلقيناها لم يكن أصحابها على علم بأنها ستجد طريقها للنشر يوما، غير أننا قد نتهم بخيانة ا لمجالس، لكن لما تعلق الأمر بحقوق الإنسان وما أقترف بحق البشر في الجزائر فالصمت هنا خيانة لا تغتفر...

 

عسكريون... تائبون !!

     يروي لنا الرائد بوخدنة رضوان (يتحدر من قسنطينة) الذي كان مسئولا على مركز مراقبة في بومرداس قصة تعذيب شاب قبض عليه في مركز مراقبة بالطريق الرابط بين قورصو وعين طاية حيث يمر بين عدة ثكنات منها المدرسة العليا للدفاع الجوي للإقليم والمجموعة 14 للوسائل المضادة للطيران ومركز التصنت التابع للمخابرات ودائرة الإستعلامات وثكنة الحرب الإلكترونية (تم إنشاؤها حديثا) ومركز لتدريب الإحتياطيين (GIC)، حيث أنه في ليلة من شهر ماي لعام 1997 قبض على شاب في حالة سكر على الساعة 4 صباحا، فتم نقله إلى مركز القيادة للمجموعة 14 لـ و.م.ط فأمر العقيد بن علال حسين حينها بإستنطاقه مهما كان الأمر وبأي طريقة كانت، لمعرفة حقيقته قبل طلوع الشمس، فقام الملازم الأول أكرم وهو ضابط المخابرات للثكنة رفقة جنديين من مصلحته بتعذيبه تعذيبا شنيعا، حيث إستعملوا أسلاك الكهرباء وخراطيم المياه وقارورات الزجاج التي يتم إدخالها في دبره، ولم يكونوا على علم بأنه مريض مرض عقلي، وفي أحد المرات ضربه الملازم الأول أكرم (وهو من نواحي عنابة ويحمل رتبة رائد الآن)، بقضيب خشن على صدره في الجهة اليسرى فأغشي عليه، ولفظ أنفاسه بعد دقائق معدودة ربما بسبب مرض آخر بالقلب، عندها أمر العقيد بن علال برمي جثته في الغابة المحاذية لبودواو غير بعيد من الطريق الوطني رقم خمسة، وقد تألم محدثنا كثيرا لأنه كان السبب في القبض عليه، ولو علم  بما سيحدث له ما فعل ذلك أبدا...

   ومما يدخل في هذا الإطار ما رواه لنا أيضا النقيب هلال سليمان الذي كان عاملا في مركز الرادار بأعالي الشريعة ولاية البليدة  (CDC)، فقد حضر عملية تعذيب شخص حتى الموت وهو شاب في العقد ا لثالث من عمره، حيث قبض عليه ليلا وهذا الذي دفع الرائد نموشي الحفناوي الذي كان قائدا للكتيبة بأن يأمر بتعذيبه لكنه قتل لما أستعمل معه السلك المعدني الساخن في ذكره، ورميت جثته في الغابة المحاذية للطريق المؤدي لمنطقة حمام ملوان، عثر عليه في ما بعد وبلغهم بأنه سكير ومدمن على المخدرات... أما الرائد سوالمية مراد وهو من القوات الخاصة، تخرج من الأكاديمية العسكرية لشرشال عام 1991، فقد قتل بنفسه أثناء مهمة له في البليدة فتاة تلبس جلبابا في نواحي بوفاريك، حيث أوقفها شاهرا في وجهها السلاح وطلب منها أن تنزع عنها جلبابها للتأكد من هويتها ومن دون أن يقترب منها، إلا أنها رفضت فأطلق عليها النار في رأسها، يؤكد لي هو بنفسه أنه ظنها إرهابيا يلبس ذلك من أجل التمويه، وهو لحد تلك اللحظة نادم فقد وجدها فتاة جميلة وطالبة جامعية بمعهد الخروبة للعلوم الإسلامية ومما يذكره أن إسمها سمية، وقد صام شهرين متتابعين ويحس بالندم الشديد، حتى أنه يؤكد على قتله لمئات الأشخاص إلا أنه لم يندم أبدا فهو يؤدي الواجب الشرعي والوطني، أما ما يتعلق بسمية فقد ظلمها ولن يغفر لنفسه أبدا...

   أما النقيب مساعدية سمير الذي يتحدر من ولاية قالمة ويعمل الآن بالبطارية النارية الثالثة بوهران وهي تابعة للمجموعة 13 للوسائل المضادة للطيران، فيروي لي بنفسه قصة قتله لشخص في الطريق الرابط بين بوزريعة ولعمارة حيث كان مرابطا بفصيلة للتدخل أيام الانتخابات الرئاسية لعام 1995 والتي فاز فيها الرئيس الأسبق الجنرال اليمين زروال، ومما قاله لنا وهو في حالة سكر، أنه في تلك الليلة أقام كمينا بمحاذاة غابة كثيفة تربط قمة السيلاست بواد شوفالي، وقد وقع في تلك الأيام عملية اغتيال شرطي قبالة مقبرة اليهود ببوزريعة وهي لا تبتعد كثيرا عن الموقع، فضلا عن النشاط المكثف لفليشة وهو أحد نشطاء الجيا في المنطقة، وبينما هو في كمينه وإذ به يرى شابا يجري في اتجاه الطريق فأطلق عليه الرصاص مباشرة وأصابه في رأسه، ليخر صريعا على الفور، ندم النقيب جاء على غرار تسرعه في إطلاق النار وم ن دون أن يأمره بالتوقف، ليكتشف أن الشاب هو مجرد لص ولا علاقة له بالعمل المسلح، أما القاتل فهو يحس بالذنب الشديد كلما تذكر الضحية وخاصة لما أمره الرائد وردان محمد (من منطقة العطاف ولاية الشلف) قائد البطارية التي تنتمي إليها الفصيلة بتركه حيث قتل وتغيير مكان كمينه، حتى لا يقع تحت طائلة الشبهات، وبعد أيام بلغه بأن الإرهابيين قتلوا شابا ونكلوا بجثته، من خلال ما نشر في الصحافة الأمنية حينها...

       أما الملازم عبدي عبدالرحمان الذي يتحدر من منطقة الشريعة ولاية تبسة، وكان في ثكنة بالغرب الجزائري قتل زميلا له عام 1993 وهو ضابط كان في الأول يدعي بأنه قتله خطأ، غير أنه في ما بعد اعترف بأن الضابط الضحية كان من بين الذين أمرت القيادة بتصفيتهم بسبب ولائهم الإسلاموي في إطار حملة التصفية والتطهير التي قادتها القيادة والمخابرات داخل الثكنات العسكرية وقد تحدثنا عن بعضها في مقالنا المنشور عن عسكريين في ذمة المجهول، وتحدث عنها أكثر العقيد محمد سمراوي في شهادته المثيرة والتاريخية... للتذكير أن الملازم عبدي قد سجن لمدة ستة أشهر على القتل الخطأ في السجن العسكري بوهران ثم تم تسريحه من الخدمة، ليظهر بعدها  صيدليا ويعمل بصيدلية ابن سينا التابعة لمجموع صيدليات الإخواني والحمسي رمضاني فوزي، وهو شريك وزير الدولة وزعيم حركة حمس سلطاني بوقرة لم نذكره في المقاربات التي تتعلق به عن الفساد في الجزائر، والآن يملك صيدلية في قلب العاصمة الجزائرية غير بعيدة من محكمة عبان رمضان ومجلس الأمة الجزائري، ومقرها تم شراؤه بالملايير لأهميته الإستراتيجية والتجارية وحتى العقارية...

   أما الملازم الأول عبداللطيف عبدالمالك المدعو العايش والذي كان يعمل ضمن فصيلة تدخل تابعة للمدرسة العسكرية للعتاد بالحراش، وقد تخرج بدوره من الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال عام 2001، فقد روى لنا قصة أخرى مثيرة وتزيد النفس تقززا، أنه برفقة الضابط علي كحيل وهو يحمل رتبة ملازم أول ويعمل رئيسا لمصلحة الميكانيك بالمدرسة، يتحدر من منطقة تنس بولاية الشلف، فقد كانا معا في زيارة إلى أصهار الضابط عبداللطيف بمنطقة بني عمران وبالضبط لدى عائلة مقراني إبراهيم، على متن سيارة كحيل وهي من نوع بيجو 206 زرقاء اللون، أثناء عودتهما إلى الثكنة في وقت متأخر من الليل لمحا شابا تظهر عليه الريبة ، في الجهة المقابلة لموقف السيارات، قاما بركن سيارتهما ثم حاول التمويه كأنهما قد دخلا للثكنة، غير أنهما بقيا يترصدان للشاب من مكان آمن وخفي، الضابط علي أصر على أن يداهم مخبأ الشاب لكنه تفطن لوجودهما وأنهما يقصدانه ففر مذعورا في وسط حي شعبي غير بعيد منهما، إقتفا آثاره وأطلق الضابط علي عليه النار من مسدسه فأصابه في بطنه ليسقط على الأرض جريحا متألما، وقد كان حينها تحت تأثير حبوب مهلوسة، لما أدركه وجده يتوجع ويترجى الرحمة وإنقاذه من الموت والدماء تنزف بغزارة من بطنه، وتفاديا من الوقوع تحت طائلة التحقيق وخاصة أن القانون لا يسمح لهما بالتدخل أو ترقب الناس إلا في حالة الدفاع عن النفس، فضلا من ذلك أنهما كانا في الزي المدني وغير مكلفان بأي مهمة رسمية، فيخبرني الملازم الأول عبداللطيف أنهما إتفقا أن يتخلصا منه وخاصة أن الساعة كانت متأخرة والشارع خالي من المارة، فأخذ هو بدوره مسدسه وأطلق رصاصات في رأسه، ثم تركاه قتيلا وعادا من جديد نحو سيارتهما وأخذاها وقضا بقية اليوم خارج الثكنة حتى لا تلحقهما الشبهات، الضابط عبداللطيف روى لي الحكاية وهو في حالة سكر وظلت لعنة تلك الشاب تنغص عليه صفو حياته حتى ت م نقله إلى نواحي ولاية ورقلة... ليروي لي قصة أخرى حدثت له أثناء تكوينه في الأكاديمية العسكرية بشرشال حيث أنه في عملية تمشيط واسعة النطاق بالجبال المحاذية للمنطقة والتي تمتد حتى تصل إلى الشلف، قبض على شابين في الغابة، وقد أقدم ضابط ومما أذكره أن اسمه جمال على تعليقهما من الأقدام في الشجر وراح يدس حربة الكلاشينكوف في دبرهما وهما يصرخان ومن دون رحمة تذكر، ولما يئس من تحقيق اعتراف منهما عن مخبأ "الإرهابيين" طلب من الفصيلة أن تطلق عليهما النار جماعيا، فاستوت الفصيلة كما يستوي حراس السجون أثناء عملية تنفيذ حكم إعدام في شخص، وأطلقوا وابلا من الرصاص عليهما، ثم تركاهما ممددين على الأرض، ليزيد عبداللطيف أن الضابط أمرهم بأن يبلغوا بوقوعهم في كمين أدى إلى تبادل النار مع مسلحين وفقط، ومن باح بما حدث سيحمله المسؤولية الجنائية...

     الرائد رماضنية محمد من مواليد 1971 بسوق أهراس التحق بالمدرسة العليا للدفاع الجوي عن الإقليم في شهر سبتمبر 1991 وتخرج منها برتبة ملازم عام 1994 متخصصا في مراقبة العمليات الجوية، والآن غير من سلاحه إلى ضابط مخابرات في الوحدات القتالية، في أواخر عام 1993 كان ضمن فصيلة تنصب كمينا في غابة محاذية لمنطقة بودواو غير بعيدين من الطريق الرابط بين بومرداس والرغاية، في الصباح الباكر أقامت الفصيلة حاجزا عسكريا وراحت تراقب السيارات والمرور، وفي لحظة ما جاءت شاحنة ولم تتوقف لدى لافتة التوقيف التي تنصب عادة بين جهتي الطريق، فأطلق عليه الرائد رماضنية الذي كان حينها طالبا في السنة الثالثة وابلا من الرصاص، فجرح السائق جراحا قاتلة، ولما قائد فصيلته وطالب آخر هو علويط مسعود (يحمل الآن رتبة رائد وهو من مدينة عين البيضاء ولاية أم البواقي) تقدما منه بحذر فوجدا ه رجلا في الستينيات من عمره، ويلبس نظارات طبية، اتصلوا بالمقدم منعة محمد (سوق أهراس) الذي كان ضابط المخابرات في المدرسة، والمقدم مباركي محمد (بسكرة) الذي كان قائدا لجمهرة الطلبة ليأتي الأمر بتركه حيث قتل وعلى الفصيلة مغادرة المكان من دون تبليغ أو أي إجراء يذكر، فيخبرني رماضنية أنه قرأ بعد يومين في الصحف بأن جماعة إرهابية قتلت شيخا طاعنا في السن ومثلت بجثته، بدوره لا يزال يتألم كثيرا عما وقع وصام شهرين متتابعين ككفارة شرعية لما اقترفه في حق بريء !!...

      الرائد مهداوي السعيد يتحدر من ولاية الطارف، شاب قوي البنية ورياضي متخصص في حمل الأثقال، تخرج بدوره من الحراش متخصصا في الميكانيك عام 1992، منذ عام 1993 يعمل في البطارية النارية الثالثة ببوزريعة كمسؤول عن الطاقة ومحركات توليد الكهرباء، وهي وحدة فرعية للصورايخ تابعة للمجموعة 14 للوسائل المضادة للطيران، ثم عين بعد الحادثة التي نحن بصدد ذكرها قائدا لفصيلة حماية مركز البث الإذاعي والتلفزي (TDA)... كان في ربيع 1995 يعمل كضابط للخفارة بمنطقة المعاش للثكنة، حيث أنها مقسمة لمنطقتين الأولى ا لتي ذكرناها والثانية تسمى منطقة العمليات حيث توجد قواعد الصواريخ والرادارات... وبينما هو يقوم بدورية لمراقبة مراكز الحراسة والحراس ظهر له شخص كأنه يحاول تسلق الجدار الخارجي من جهة الطريق الرابط بين بوزريعة وبولوغين، فمن دون أي تبين أطلق رشقات متتالية من سلاحه الكلاشينكوف نحو الهدف المقصود، فسمع أنينا لأشخاص وليس لواحد كما تهيأ له بادئ الأمر ثم بعد لحظات أطبق الصمت مما يؤكد له بأنهم قتلوا، فأحضر فصيلة الطوارئ وبرفقة الرقيب الأول بوخميس مبارك ولم يتم العثور على أي أحد سوى الدماء الكثيرة المتجلطة، قاموا بالتفتيش في الجهات الموالية للثكنة ولا أي شيء كأن الأرض إنشقت وإبتلعتهم، تم تبليغ الرائد غلوم لزهر الذي كان في تلك الليلة قائدا للبطارية وبدوره تم تبليغ العقيد آيت حملات محند أمقران الذي هو قائد المجموعة كلها بمركز القيادة في الرغاية، فأمرهم بأن يحترسوا ويأخذوا حذرهم إلى الصباح داخل البطارية، وكان الظن بأنه تم القضاء على إرهابيين... بعد ساعات يأتي الأمر بضرورة غسل الدماء المتجلطة ولا يتركوا أي أثر لها، فقاموا بما أمروا به من دون أن يعرفوا السبب الذي دفع العقيد إلى إعطاء هذا الأمر، في الي وم الموالي بلغهم عبر الراديو أن مجموعة إرهابية إغتالت شخصين في واد بولوغين... الرائد مهداوي الذي يعمل الآن بالبطارية النارية الرابعة بأولاد فايت أخبرني حينها بأنه أيضا صام شهرين متتابعين كفارة له، خاصة بعد حادث مرور كاد أن يودي بحياته، وهكذا تمضي الأمور طبعا وبفتاوى ضباط أو أئمة تدربوا عليها خاصة لما تكون تحت الطلب...

  النقيب هشام هكذا يعرف هو ضابط مخابرات في البليدة تم نقله لبوزريعة خلفا للنقيب بن طاهر لطفي (غليزان) الذي هو يحمل الآن رتبة رائد ويعمل في رئاسة الجمهورية، قد كان حينها متعاونا مع العسكريين ويعاملهم بطيبة، مما دفع القيادة إلى تحويله واستبداله بهشام الذي هو بدوره يحمل رتبة رائد الآن، وقد كان فليشة وعناصره ينشطون في أعالي بوزريعة نشاطا كبيرا، في يوم من أيام صيف 1995 كان يقوم بدورية لتفتيش عناصر له تنصب كمينا بمحاذاة غابة السيلاست التي تتواجد بها فيلا تابعة لرئاسة الجمهورية كانت من قبل للعقيد معمر القذافي، فلمح شخصين بسيارة من نوع رونو 21، وبدت ملامح أحدهما قريبة من ملامح فليشة، فأمر حينها جنودا كانوا يرافقونه بإطلاق النار عليهما بلا أمر توقيف أو أي شيء آخر من هذا القبيل، فقتل السائق فورا أما الآخر فجرح جراحا خطيرة، ليقترب منهما من أجل تفتيش السيارة ولم يعثر على أي شيء ولا الشخص الذي شك فيه كان الإرهابي فليشة، ليتم تبليغ النقيب بن سنوسي مصطفى الخفير في تلك الليلة، وبدوره بلغ قيادة CC/ALAS بالقطاع العملياتي للعاصمة، حيث تلقى المكالمة النقيب علي واسمه الحقيقي علي قرزيز وهو من أبناء بوسماعيل (ولاية تيبازة)، يعمل الآن رئيسا لمصلحة الإستخبارات في الناحية العسكرية الثانية بوهران، فنقل له أسماء الضحايا وموقع الحادثة والتفاصيل الكاملة عن المهمة، بعد دقائق يأتي الأمر بمغادرة المكان وتركهم حيث وجدهم من دون أي مساعدة على الأقل للجريح، الذي لفظ أنفاسه بعد نزيف حاد كان بالإمكان نجاته لو قدمت له الإسعافات، في الصباح تدخلت مصالح الأمن وأخذت الضحايا وبثت أن مجموعة إرهابية أقامت حاجزا مزيفا أدى لمقتل شرطي وآخر يرافقه... القصة رواها لنا النقيب فتحي من القطاع العملياتي للجزائر، ومما نعرفه أن القانون الجزائر ي يعاقب أي شخص لا يقدم مساعدة لآخر يكون في حالة تستحق ذلك.

    النقيب بسة مسعود تخرج من الكلية الحربية بدمشق، وعمل بالمدرسة العليا للدفاع الجوي عن الإقليم بالرغاية كمدرس للطلبة الضباط في مادة التكتيك العسكري، كان النقيب بسة ملتزما ومتدينا ويتردد كثيرا على مسجد الكلية العسكرية أو حتى مسجد بني عمران حيث تقطن عائلته، في عام 1995 قبض عليه برفقة المقدم كنود محمد والملازم الأول بوسحاقي عمر والنقيب العمراني محمد، وكلهم من أبناء منطقة بني عمران (ولاية بومرداس)، وقد تحدثنا عنه في مقالنا عن العسكريين الذين راحوا في ذمة المجهول أو حتى الآخر الذي خصصناه للتعذيب في الجزائر، غير ما نريده هنا أنه روى لي بنفسه ندمه على عملية قتل اقترفها في ليلة شتوية من عام 1992، بمنطقة هراوة (بومرداس) التي تبتعد عن المنطقة البحرية عين طاية ببعض الكيلومترات، وكان برفقة طلبة ضباط وفصيلة من لواء للقوات البرية كان يرابط في الرغاية، وبينما كانوا في نقطة من على الطريق الرابط بين هراوة والرويبة وإذا بسيارة تخترق الحاجز الأمني وفي وقت حظر التجوال فأطلق النار عليها بكثافة أدى ذلك إلى أن تصطدم بعمود كهربائي وسقطت الأسلاك عليها مما أنشب فيها نيران كثيفة، اتصل بالقيادة وبلغها بما حدث ليأتي الأمر بضرورة مغادرة المكان وترك السيارة ومن فيها لقمة سائغة لألسنة اللهب، كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، وعادت الفصائل إلى ثكناتها، وفي الغد بلغه خبر مفاده أن "جماعة إرهابية" أقدمت على حرق مواطنين، وظلت القضية عالقة في ذهنه بالرغم من صيامه لشهرين متتابعين في السجن، للتذكير أن النقيب بسة مسعود قضى سبع سنوات في سجن البليدة العسكري متهما بالإرهاب...

   العريف الأول عوين محمد وهو من القوات الخاصة ورجل مدمن على الكحول والمخدرات، فقد روى الكثير من جرائم القتل والذبح والإبادة التي اقترفها وخاصة في فترة وجوده بالبليدة بداية من عام 1993، ومما رواه أنه برفقة صديقيه وزميليه الرقيب ضرايفية حسين وآخر إسمه فداوي الناصر أحرقوا أشخاصا بعد جرحهم في عملية مداهمة وتفتيش للبيوت بنواحي بوفاريك، ومما أذكره وقد رواه لي ونحن على شاطئ الدواودة العسكري في صيف عام 1994، أنه في ليلة من الليالي قام برفقة فصيلة يعمل معها بتفتيش منزل في مهمة بحث عن أحد أفراد الأسرة الذي يعتقد بأنه من وراء عملية هجوم على فصيلة للدرك أسفرت عن مقتل عناصر عديدة، وقد رفض رب الأسرة أن تفتش بناته وهن من دون حجاب، دفع العريف الأول فداوي الناصر إلى ضربه بمقبض السلاح على رأسه أسقطه أرضا، دفع المشهد بأحد بناته أن انقضت على العسكري لتأخذ منه سلاحه وهي تصرخ وتسب، فكان أقوى منها فأسقطها أرضا مما دفعه إلى رشقها رشقة من سلاحه مزقت صدرها، الأب الذي عاد لوعيه تنبه لما حدث لإبنته فاندفع بدوره وهو يكبر تكبيرات عرف بها مناضلوا جبهة الإنقاذ الإسلامية، وضرب فداوي بلكمة قوية على وجهه أسالت الدم من أنفه، فيتدخل عوين محمد وركله برجله حتى سقط على وجهه، ليتقدم فداوي الناصر الجريح ويعدمه ببرودة أعصاب، حيث بقر بطنه وصدره بحربة سلاحه، ولما لفظ أنفاسه أطلق عليه النار ليتأكد من مقتله، أما بناته الأخريات فنكاية فيه وفي شقيقهن "الإرهابي" قاموا باغتصابهن والتلذذ بهن جهارا وعلى مرأى بعضهن البعض، والعجيب في كل ذلك أنه بعد نهاية الاغتصاب الجماعي تم وضعهن في غرفة وأطلقوا النار عليهن جماعيا، ليتم في ما بعد تفجير البيت بقنابل يدوية وبعدها بسلاح RPG 7 ... شاءت الظروف أن ألتقي به مرة أخرى في بداية 2001 وقد تم تسر يحه من الخدمة، تعمدت أن اسأله عن تلك الحادثة وعن شعوره بعد مرور كل هذه السنون، فأخبرني بالفعل أن ضميره أنبه، فقد ظلموا تلك العائلة والتي تمنيت أن أعرف اسمها حتى أسجلها في مذكراتي، إلا أنه نسيها أو ربما تناساه، وطبعا كحال من سبقوه صام الكفارة وانتهى الأمر...

     يروي لي الرقيب السابق صانع محمد أنه أثناء تأديته للخدمة الإجبارية، حضر بنفسه أثناء عملية تمشيط إعدامات جماعية يقوم بها ضباط وهم في حالات سكر أو تحت تأثير الحبوب المهلوسة، حتى أنه لما عاد إلى مسقط رأسه بمجاجة (الأبيض سيدي الشيخ بالشلف) أصيب بمرض نفسي لعام كامل، وقد ندم الندم الشديد على ما اقترفه في حق أبرياء عزل حسب تعبيره...

   فيما يتعلق بالعسكريين فالقصص كثيرة ولا يمكن حصرها في مقال فقد روى لي العجب العجاب النقيب خميسي كمال من المخابرات والرائد مناصرية فتحي من المخابرات أيضا والرائد مدرق نارو عبدالغني والرائد بولعيش سمير والرائد سليماني عبدالوهاب والرائد مالك محمد والرائد عمور عبدالنور والرائد زايدي محمد والرائد باسطة محمد والنقيب مرابط عباس والنقيب بن وارث عبدالرزاق والرائد زرارقي حمود والملازم حفصي فريد... الخ، ولا يتوقف الأمر عليهم فقط بل وصل حتى بالنسبة للشرطة، فقد روى لي العميد رزقي الذي كان مديرا للأمن في منطقة براقي وكذلك العميد داتسي المدير الحالي للأمن في الحراش، عما حدث معهما من قصص في المنطقة التي شهدت أحداثا مريبة ومجازر مروعة كبن طلحة والرايس وسيدي موسى، فيوجد من اقتلع رأس "إرهابي" وعينيه ويوجد من مثل بجثته لدرجة لا يمكن تخيلها، وشرطة تابعين ل هم قتلوا الناس خطأ ولم يحاسبوا لأن الوضع متعفن والبلاد في حالة حرب، وهذا الذي سنفصل فيه في موضع آخر.

 

مقاومون... قاتلون !!

        ما إقترفه أيضا ما يعرف بجماعات الدفاع الذاتي في كل ربوع الوطن يفوق فضاعة مما رويناه على ألسنة عسكريين، وطبعا ما خفي كان أعظم، وليس كل ما حدث يقال ربما الأيام كفيلة بأن تدفع هؤلاء للبوح بجرائمهم، فقد التقيت بزعيم المقاومين في منطقة الأخضرية (ولاية البويرة) زيدان المخفي في عام 1998 وكان حينها نائبا في البرلمان الجزائري، لقد كنت أسمع عنه الكثير ومما قدمه في حربه مع الجماعات الإسلامية المسلحة، وقد كانت لا تربطني به علاقة شخصية، وقد كان همزة الوصل بيننا الجنرال عبدالمجيد الشريف (صهر الرئيس الأسبق اليمين زروال)، اللقاء جاء على خلفية ما قدمه الجنرال لأحد العسكريين السابقين وهو زايدي نورالدين عندما إلتقيناه في مكتبه بالمجلس الشعبي الوطني، وأرسل في طلب وزير المجاهدين سعيد عبادو لأجل تسوية مشاكل عالقة للسيد زايدي، وتفاجأت بأن حضر الوزير شخصيا لمكتب الجنرال، لم أتعجب فقد كنت أعلم بطبيعة العلاقة التي تربطه بالرئيس زروال حينها، المهم عرفني الجنرال الشريف بما سماه جنرال المقاومين في جبال الزبربر، وقد تجدد في ما بعد لقاءنا مرات متعددة وكنت متشوقا لمعرفة البعض من قصص هذا الرجل في منطقة كانت ملتهبة إلى حد يفوق الخيال، له ذكريات عديدة وقصص لا تحص وليالي فاقت ألف ليلة وليلة في الكمائن والمواجهات، واعترف لي بلسانه أنه رجل لا يعرف الرحمة مع "الإرهابيين" أو من والاهم على حد لفظه، وقد استعمل كثيرا أهالي الإرهابيين في حربه معهم، لأنه في اعتقاده لا فرق بينهم جميعا فكلهم أعداء الوطن، ومن القصص التي حكاها لي أنه أحرق مجموعة من الإرهابيين بعد إصابتهم بجروح قاتلة، حيث وضعهم في حفرة وكان عددهم خمسة وصب عليهم البنزين وأشعل فيهم النار حتى صاروا لهيبا، فلما أردت أن أعرف السبب أخبرني بأنهم قذرين فأردت أن يشم كل الناس رائحتهم الخبيثة على حد قوله طبعا، وأيضا أنه حاصر في أحد الأيام مجموعة إرهابية وكان يعرف أميرها، فأمر بحمل والدته من بيتها وعلقها في شجرة عالية ليراها ابنها الأمي ر، الذي لم يحتمل مشهد أمه العجوز وهي معلقة من قدمها، فخرج من جحره واخترق الألغام التي كانت محيطة بهم، وراح يطلق النار من دون أن يحدد الاتجاه، غير أن أحد المقاومين كان مختبئا فأطلق رشقات من النار في اتجاهه ليسقطه جريحا، بعدها تم إنزال العجوز المريضة بالقلب التي لما رأت ابنها يتأوه وينزف حاولت أن تخطف السلاح من يده -على حد زعمه- وهي تصرخ وتلعن، فدفعها لتسقط على جثة ابنها "الإرهابي"، ليتدخل مقاوم آخر ويرشقهم جميعا بسلاحه فماتت وهي على صدر ابنها، ونقلت الجثتين للدفن من دون أن يستلمهما أحد... عندما أردت أن أعرف شعوره بعدها فأخبرني أنه في ما بعد عرف بحقيقة هذه المرأة التي تساعد الإرهابيين وتنقل لهم متطلباتهم، فلم يندم أبدا على قتلها، وإن إلتقاها ثانية سيقتلها بطريقة أشنع، لكن الأقدار كانت له بالمرصاد من حيث لا يحتسب، فقد توفي وأقيمت له جنازة رسمية من طرف النظام الحاكم في الجزائر...

   أما المقاوم الراحل فارح زرزور وهو أحد أعمدة المقاومة في منطقة تبسة، كان مجاهدا في ثورة التحرير الجزائرية، وعندما اشتعلت الحرب الأهلية كان من أوائل المقاومين، تسبب عام 1995 في قتل شرطي وجرح المفتش الذي كان يرافقه وهو سلامي محمد (خنشلة)، نقل للمستشفى العسكري بعين النعجة ليمكث أكثر من شهرين، ولم يتعرض إلى أدنى مساءلة فقد كان يتلقى الدعم من قائد الناحية العسكرية الخامسة وقائد القطاع العسكري بتبسة، فضلا عن علاقاته بالعاصمة الجزائرية حيث أن شقيقه من الأثرياء والمقربين من رجال السلطة، له قصور بالمنطقة الراقية حيدرة (الجزائر العاصمة)، يسكن بعضها ويؤجر أخرى للسفارات التي تدر عليه بالملايين... كنت أتحدث إليه كثيرا قبل وفاته عما يفعله في الجبل وكان يتباهى بقتله للإرهابيين، وحتى أنه روى لي مرة قصة مواجهة له في جبال أم خالد التابعة لبئر العاتر (ولاية تبسة)، حي ث أنه لما جرح إرهابيا وهرب أصحابه بعدما لم يتمكنوا من القضاء عليه حتى لا يفشي أسرارهم، تقدم منه ووجده ينزف ويتأوه لكنه عرف أن زرزور هو من أطلق عليه النار، فبصق في وجهه وهو يسبه ويصفه بأوصاف خبيثة كالعمالة وأنه حركي (لفظ كان يطلق على عملاء الاستعمار الفرنسي من قبل)، فتنرفز الرجل نرفزة كبيرة وخاصة أنه مس شرفه الثوري، فوضع السلاح في رأسه وأطلق عليه النار حتى طار مخه والتصق بالأشجار والصخور... وأيضا قصة الأبكم محمد بوزيدة المعروف بمحى في المنطقة، والذي كان متخلفا ذهنيا وعقليا، ويشتغل راعي لدى أصحاب المواشي في الجبال، قتلته مجموعة من المقاومين يعرفهم زرزور ولكن لما كشفوا هويته وهو ممدد على الأرض، تفاديا لكل الحرج وخاصة أن الرجل الجريح معروف في المنطقة ومحبوب عند الجميع، تقدم أحد المقاومين يدعى يوسف لم يذكر لي اسمه الكامل وذبحه من الوريد إلى الوريد، وكان ذلك صباح يوم عيد الأضحى لعام 1996، وفي الغد تناقل الجميع خبر ذبح محى من طرف الإرهابيين، وأزيد أنا عما أعلمه عن الضحية بأنه لا يملك بيتا وقضى عمره ( 46 سنة) وهو يرعى للناس ويبيت في زرائب المواشي، لا يغتسل إلا مرة واحدة في السنة ليغير ملابسه بأخرى جديدة... والصورة واضحة إذن للقراء الكرام.

   عائلة لزرق بأعالي بوزريعة كانت السباقة للمقاومة وخاصة أن شقيقهم الأكبر كان عقيدا في الجيش وبلغت درجته بأن أصبح قائدا لسلاح الصواريخ في منظومة الدفاع الجوي الجزائري، يروي لي إسماعيل وهو ميكانيكي قصة أخرى تضاف إلى عجائب وفضائع الحرب الأهلية الجزائرية، تسكن عائلة لزرق في السيلاست غير بعيدين من مركز لعلم الفلك والطاقة الشمسية وقبالة غابة كثيفة مترامية الأطراف، في تلك الأيام الساخنة من عام 1995 وخاصة في فترة الإنتخابات الرئاسية، كان يقوم بالحراسة في شرفة فيلتهم، وإذا به يرى الأشجار تتحرك وبعدها سمع شيئا يشبه تلقيم السلاح على حد قوله، وصادف في تلك الليلة أن شقيقه العقيد نائما عنده وكذلك شقيقه الآخر الذي يشتغل رئيسا لدائرة في بومرداس، لم يتمالك نفسه فأطلق وابلا من الرصاص في المكان المشبوه، فسمع صوت وصراخ شخص يتألم ويطلب النجدة، غير أنه لم يأبه به ولا بلغ مصالح الأمن أو حتى الثكنة التي تبتعد عن بيته بحوالي ألف متر وأعلنت حالة الطوارئ بسبب الرصاص، في الصباح عثر المارة على شاب قتيل قد دفعته جراحه بأن خرج إلى الطريق المؤدي إلى بوزريعة، وقبالة فيلا عائلة صخري بشير شقيق وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور عمار صخري، وتفاجأ إسماعيل أن الشاب هو أحد أبناء بولوغين كان قد اختار المشي في حاشية الغابة ربما تفاديا للجيش والمقاومين الذين يعرف مكان تمركزهم، والأكثر أن النزيف كان من وراء مقتله، ليعلن في الغد أن جماعة إرهابية تابعة لفليشة قد قتلت شابا في الغابة وانتهى الأمر عند هذا الحد، أما إسماعيل فقد أحس بالذنب في ما بعد وأطعم ستينا مسكينا إلا أن والدته أصرت عليه فصام شهرين متتابعين كفارة ما سماه القتل الخطأ !! .

    أما بوعلام جليد الذي يسكن في منطقة بن غازي المعروفة بـ "الغوازي" التابعة لبراقي وهو من المسلحين المقاومين، فقد روى لي الكثير من القصص التي تتعلق به وأخرى تتعلق بأشخاص يعرفهم في المنطقة التي هي أيضا من أخطر المناطق بل كانت في بداية الحرب الأهلية الجزائرية من بين ما يعرف بالمناطق الحرة التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة، المعروف عن بوعلام أنه طيب للغاية فضلا عن العلاقات التي تربطه بالقطاع العسكري للعاصمة وبأجهزة الأمن بصفة عامة، فقد تسبب مرة في جرح شخص خطأ في ساعة متأخرة من الليل بعد تبادل النار مع مسلحين قصدوا بيته، بعد هروبهم طلب من صديقه العميد رزقي مدير الأمن ببراقي، أن يأمر بسيارة إسعاف لإنقاذ الجريح، إلا أنه لما عرف بالحدث أمره بأن يتركه يتصرف ولا يتحدث مع أي كان في الأمر، في الصباح بلغه بأنه عثر على شخص ذبيح، فأدرك أن المعني ضحيته، ليتص ل بالعميد فورا فطلب منه أن يذهب إلى مكتبه، حيث أخبره بأنه تعمد تركه جريحا حتى الموت، تفاديا لمشاكل قد تلاحق بوعلام، لأن الرجل له أقارب مقاومين معروفين، أما عن الذبح فلم يشأ العميد شرح الحكاية سوى أنه تم إلحاقها بالإرهابيين وانتهى، السيد بوعلام أحس بالذنب فصام الكفارة كالعادة ومن حينها طلق العمل مع المقاومين...

إرهابيون... سفاحون !!

 

     ما يعرف بالإرهابيين أيضا لهم قصص غريبة، خاصة العناصر تلك التي إنضوت تحت التنظيم الأكثر دموية في الجزائر، وهي الجماعة الإسلامية المسلحة المعروفة بالجيا، فقد عرفنا الكثير من طرق القتل الفضيعة التي يقترفونها في حق الناس من عسكريين أو حتى مدنيين أبرياء، ولسنا بصدد روايات وعجائب المجازر التي ارتكبت في حق عزل بدأ من بن طلحة وإنتهاء بمجزرة غليزان، ولكن نروي البعض ممن تمكنا من الحديث إليهم، والذين يدخلون في إطار مزاد التوبة المخاطة على مقاس مفترض...

 ذباح بشير هو أحد عناصر الجيا أفرج عنه في مارس 2006 من سجن الحراش في إطار تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، تمكنا من التحدث إليه بطريقتنا الخاصة التي قد نبوح بها في موضع آخر إن اضطررنا للأمر، فقد روى لي قصة إعدام عسكري كان أسيرا لدى كتيبته التي تنشط على مستوى منطقة الأربعاء بالبليدة، حيث أن الأمير الذي اكتفى بتسميته محمد قد أمره بتنفيذ "حكم الله" فيه، فأخذه مقيدا إلى ساحة قبالة المركز وربطه بشجرة ثم راح يقطع له لحمه بالمنشار إلى أن فتح له صدره، ليتقدم الأمير ويأخذ قلبه بيده ليخرجه وهو ينبض والعسكري مغشي عليه، وقد شاهد نبضاته بعينيه التي يفتحهما من حين لآخر، وتركوه ساعات وهو يتألم آلاما فضيعة، ورفض الأمير إعدامه حتى يعيش العذاب مرتين، إلا أن المنية أدركته وأنقذته من عمليات أخرى بيتت له... أما قصة أخرى فيرويها عن أميره "أبو تراب" الذي أحضر أحد عناصر مجم وعته أخته سبية (يا للعجب)، فقام الأمير بوضعها في عريش بعدما إستمتع بها وفض بكارتها وكانت الفتاة في 17 من عمرها، ليأمر الجميع بالتداول عليها، وصادف أن أحدهم واسمه نذير قد خالف أمر الأمير ولم يعزل أثناء جماعه معها، فشكته إليه ليأمر بذبحه أمام العريش، وقد قام شقيقها بتنفيذ الأمر وهو في قمة نرفزته لأنه خالف الأمر وربما آذى الرهينة أخته !!... بعد أيام من الاغتصاب الجماعي ظهرت عليها بوادر الوحم، فأمر الأمير بأن تقتل ذبحا لتنتهي مشكلتها، أقبل أحدهم المعروف عنه القسوة لينفذ العملية، إلا أن بشير كان في قلبه الرحمة فأستأذن الأمير أن يقوم بذلك بدله فأذن له من دون تردد، نقلها بعيدا عن المركز وعلى حافة واد راحت تترجاه بأن يشفق عليها، وأن يتركها في حالها إلا أنه خوفا من بطش القيادة تردد في تحريرها في تل ك الأثناء لحق به شقيقها وهو من حاشية الأمير، ووجده لم ينفذ بعد الحكم، فتدخل فورا وأطلق الرصاص في رأسها، ومن ذلك الحين بدأت الخلافات الداخلية إلى أن قبض على ذباح بشير وأودع السجن، أما أبو تراب فتمت تصفيته على يد شامة محمد المدعو القعقاع والمحكوم عليه الآن بالمؤبد حيث يتواجد بسجن البرواقية... وعن هذا الأخير يروي لي بولرياح توفيق والذي أفرج عنه في أوت 2006 في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أنه كان معه في قاعة واحدة بسجن الحراش قبل تحويله، حيث سمعه يتحدث عن قصة إعدام مواطن شك بأنه عين السلطة في منطقة بوفاريك، تم وضعه في برميل كبير وصب عليه الجبس المبلل وتم تثبيته حتى إلى عنقه ولما يبس عليه ولم يبق سوى رأسه خارج الجبس، قام القعقاع بدحرجة البرميل من قمة جبلية عالية، ولما توقف لحقوا به ولم يجدوا رأسه أما جثته فبقيت مدفونة في البرميل... أما بوشمة حسين الذي أفرج عنه في نهاية جويلية 2006 بعدما قضى 6 سنوات ومحكوم عليه بالمؤبد، حيث أتهم بتدبير إغتيال شرطي في القبة بالجزائر العاصمة رفقة آخرين معه، فقد حضر بنفسه عملية إعدام عسكري قبض عليه في حاجز مزيف أقامته المجموعة المسلحة التي عمل تحت لوائ ها، فقد قام الأمير ببتر رجليه وبعد ساعة بتر يديه وفقأ عينيه وقطع لسانه وإستخرج أحشاءه الداخلية ووضعها على صدره، ثم تركه يتألم أكثر من عشر ساعات إلى أن لفظ أنفاسه... شمامي مراد هو من منطقة مفتاح وحكم عليه بعشر سنوات بتهمة السطو المسلح على بنك بئر خادم، فقد كان ضمن ما كان يعرف بالجيش الإسلامي للإنقاذ، وسلم نفسه في إطار تدابير الوئام المدني، فقد حضر عمليات قتل لا تحص ولا تعد، وقتل بنفسه المئات من رجال الشرطة والدرك، ومما رواه أنه نزل برفقة أبناء منطقته لزيارة عائلته، غير أن احد الأشخاص بلغ عنهم، فوقعوا في كمين أدى إلى مقتل شخصين ونجاة آخرين وكان من بين القتلى شقيق بولرياح توفيق المسمى "أبو زكرياء"، بعد أيام بلغهم اسم الشخص الذي تورط في التبليغ فقام شمامي مراد باختطافه من بيته، أخذه بعيدا وكان في الخمسينيات من عمره، عذبوه العذاب الشديد حتى فقد وعيه، وبعدها قام شمامي بقطع رأسه بمنشار آلي، بعد فترة تأكدوا أن الرجل بريء وأن الذي وشى بهم هو شخص آخر، قام شمامي مع السفاحين الآخرين بأداء الكفارة الشرعية وهي صيام شهرين متتابعين وانتهى الأمر !!...

    خنافيف أحمد (بوفاريك) من قدماء المسلحين في تنظيم الجيا إلتحق بالعمل المسلح في عام 1991، وكان ضمن كتيبة أميرها علي زوابري شقيق عنتر زوابري، قبض عليه في مواجهة مسلحة بقلب البليدة في نهاية عام 1993، وحكم عليه بالمؤبد، تم الإفراج عنه في مارس 2006 في إطار تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، قد قامت الكتيبة بتخطيط دقيق لأجل الظفر بكميات كبيرة من السلاح، واستهدفوا بإمارة علي زوابري ثكنة عسكرية بالرغاية، وهي البطارية النارية الأولى، حيث قام عريف التبديل الذي تربطه العلاقة بالمجموعة وسهل لهم عملية الدخول، أدت إلى مقتل مساعد أول ورقيب وجرح آخرين وتم اختطاف الضابط الخفير كان ذلك في شتاء 1993، الذي بقي أسيرا لديهم لمدة 3 أشهر، وبعدها أطلق سراحه قام خنافيف أحمد ونقله إلى منطقة آمنة بنواحي السويدانية (زرالدة - العاصمة)، ومما رواه لنا أن عنت ر زوابري الذي تزعم في ما بعد الجيا وكان في البداية بعد فراره من الثكنة العسكرية مجرد عنصر بسيط تحت إمارة شقيقه الذي ضربه مرات متعددة، حتى أنه حاول مرات أن يعدم الضابط لكن خنافيف منعه من ذلك، يروي لنا قصة أخرى أنه تم أسر شرطي فقام خنافيف بإستجوابه غير أنه لم يبح بما يريدونه، فترك عنتر لحراسته فقام هذا الأخير بحرقه وهو على قيد الحياة، لما عادوا من كمين نصبوه لفرقة الدرك الوطني بالصومعة، تفاجئوا بخبر فرار الشرطي، لكن الشك ظل يحوم حول تصرف ما قام به عنتر زوابري، بعد أيام إكتشفوا رماده وشيء من العظام في حفرة غير بعيدة منهم، فكشف لهم ما قام به نكاية في رجال الشرطة المرتدين !!...

    الشاعر عبد الله عيسى لحيلح (جيجل) الذي كان الضابط الشرعي لما يسمى بالجيش الإسلامي للإنقاذ وهو شاعر وقد أرسله الرئيس بوتفليقة بعد العفو عليه إلى القاهرة وتحصل على شهادة الدكتوراه وهو الآن أستاذ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، كان يعرف في جبال جيجل بحسان تشبيها للشاعر الإسلامي الصحابي حسان بن ثابت، فقد روى لي على هامش الأيام الأدبية بالشقفة في جويلية 2000، القصص الكثيرة عن الإعدامات والمحاكمات التي يقوم بها جيشهم وتحت إشراف أميرهم الوطني مدني مزراق، فقد روى لي عملية تنفيذ حكم حكمت به "اللجنة الشرعية" وتمثل في إعدام أحد العسكريين الذين قبض عليهم في حاجز مزيف، ونفذ الإعدام مدني مزراق بنفسه حيث أطلق على رأسه رصاصات قاتلة وكان هو يصرخ ويستنجد ويرتجيهم بحق الدين والشهادة، وقصص أخرى عن الوجه الآخر لما كان يسمى بالجيش الإسلامي للإ نقاذ سنفصل في ذلك مستقبلا...

    أما سعادو إلياس (مفتاح) المسجون حاليا بالحراش والمتهم بالسطو على بنك بئر خادم، وهو صديق شخصي لأمير ما يسمى الآن بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" المدعو أبو مصعب عبد الودود، فقد روى عملية قام بها وتتمثل في حرق جريحين من العسكريين الذين سقطوا في مواجهة مسلحة بالغابات الموالية لمفتاح، حيث صب عليهم البنزين وهم يتأوهون ويصرخون، حتى تحولا إلى رماد... يروي لنا أيضا غبريني فاروق وهو من نواحي العاصمة أفرج عنه في جويلية 2006 في إطار ميثاق السلم، قصة يعرف مرتكبوها وهي أن شرطيا يعمل بنواحي العاصمة واسمه على ما أذكر سمير، كانت أخته في البيت وإذا بشخص يطرق الباب وهو يحمل قفة فأخبرها بأنها من طرف سمير، أخذت القفة ووضعتها في المطبخ إلا أنها وجدت قطعة كبيرة من الكبد في الأعلى ظنتها كبد خروف، فقامت بقليها وأكل قسط منها ثم تركت البقية لأمها التي تعمل م نظفة في مدرسة، لما عادت الأم وجدت وجبة لذيذة فتناولت ما تركت لها ابنتها، ثم ارتاحت بعض الوقت لتنهض من أجل ترتيب ما أرسله لها ابنها الوحيد، وحدث ما لم يكن في الحسبان أن وجدت في قعر القفة رأس ابنها ورسالة مكتوب عليها: "هنيئا مريئا لقد أكلت كبد سمير"، البنت من شدة الصدمة رمت بنفسها من على الشرفة وماتت، أما الأم المسكينة فهي مختلة عقليا وتبيت في الشوارع حتى ماتت من البرد، وإن كان لم يبح لنا بأسماء هؤلاء السفاحين إلا أنه جزم لنا بتوبته وصيامه للكفارة بعدما تاب عما كان عليه، والقصة نفسها سمعتها من قبل من مصادر أخرى... وطبعا يكفي ما تبثه مواقع التنظيمات الإسلاموية على الأنترنيت من عمليات قتل لرجال الأمن وحتى عمليات إنتحارية بشعة تدل دلالة قاطعة على أنه ما عادت الإنسانية تثير شفقة أحد، إن تعلق الأمر بأوهام عقدية إستوحتها عقول متحجرة وفهمتها على مقاسها الخاص...

 

فضائع... وشياطين !!

 

    سمعنا القصص الكثيرة التي توجع القلب من "تائبين" والذين عفي عنهم في إطار الوئام المدني أو ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، فقد سمعنا من سدي محمد ونكاع عبد الكريم وشمامي محمد وغبريني فاروق وعواج الجيلالي وحمدي باشا سليم ومرابط محمد ولحمر عواد وبوشناق عمر... الخ، وهو ما لا يمكن احتواءه في مقال وسوف ندونه في كتاب مستقبلا ليكون أفضل، ويعرف العالم حقيقة الحرب التي عاشتها الجزائر خلال العشرية الأخيرة، وقد وصلت قيمة الإنسان إلى أدنى مستوياتها منذ أن ظهر من على هذه الأرض، سواء بالنسبة للنظام الجزائري الحاكم أو الجماعات المسلحة المتمردة، وإن كنا على يقين أن الخوض في مثل هذه المواضيع قد يفتح أبواب الفتنة من جديد، أو أننا سنحسب على تيار طالما روج لنظرية من يقتل من في الجزائر؟ !! لكن الحقيقة ليست كذلك، وما أردنا ونحن نعيش على وقع سجال حامي الوطيس بين الجنرالات ورئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام، وبدأ ينكشف الكثير من غسيل الأزمة وتلوح في الأفق خفايا الانقلاب الذي قاد إلى حرب أهلية دامية وقذرة، سوى أن يعرف هؤلاء ويتأكدوا ليصمتوا وهو الأفضل لهم بكثير، فالضحايا الذين تكلمنا عنهم في هذا الملف، وحتى الذين تلطخت أيديهم بدمائهم البريئة، كان خالد نزار ومحمد تواتي وعلي كافي وبلعيد عبدالسلام وعلي هارون ورضا مالك ومحمد مدين وإسماعيل العماري ومحمد العماري والسعيد باي وكمال عبدالرحيم... الخ، هم المسئولين على هذا الدم أمام الله ثم أمام الإنسانية جمعاء، فمن أجل الحفاظ على الكرسي والمكاسب الزائلة الفانية التي تأتي من خلاله، يستباح دم وعرض أمة وشعب أعزل جائع، فالأجدر لهؤلاء السكوت للأبد أفضل من حديث قد يفتح عليهم أبواب زنازين سكنها الأبرياء من قبل وبأوامر هم لسنوات عجاف... نحن نعرف أن القانون التطبيقي لميثاق السلم والمصالحة الوطنية يجرمنا ونحن نفتح هذه الجراح الغائرة، لكن من المفروض أيضا أنه يجرم المتسببين في الأزمة التي ليس المتهم فيها علي بن حاج لوحده، والعيب أن يبقى محكوم عليه بالممنوعات والحجر السياسي، وخالد نزار ومحمد تواتي يعيثون في الأرض فسادا بعدما عاثوا في الناس قتلا وتدميرا، والدليل ما رويناه ونتحمل المسؤولية أمام الله أولا ثم التاريخ أخيرا، أنا متأكد أنه سيتم تكذيبنا ونتهم بتلفيق الحكايات وربما الأسماء أو حتى تقاد حملة تلطيخ لشرفنا، غير أنه شاءت الظروف أن نجمع تلك القصص في وقت ليس المجال للحديث عنه، وسجلناها في أرشيفنا على أمل أن يأتي اليوم الذي ترى فيه النور مع ملفات أخرى هي أشد خطورة مما سبق، وها قد آن الأوان ولن نتراجع حتى آخر رمق، بغض النظر عن صحتها أو أنها مجرد خيالات رواها أصحابها لأجل إظهار البطولة، لكن الذي قمنا به سوى نشر ما سمعناه بأنفسنا مباشرة من رجال أوكلت لهم من قبل مهمات جليلة ومقدسة، لا أظنهم صاروا يهرفون ويخرفون بما لا يعرفون، أو وصلنا عن طريق عدول نحسبهم كذلك، ولم ننسب لأحد غير ما تفوه به وبمصداقية سنحاسب عليها يوما ما وفي الدارين، ولدينا في هذا الإطار المزيد من القصص التي توجع القلب وتدميه، سنحكيها من دون تردد أو خوف أو وجل حينما يحين أوانها في موضع أوسع... وفي الختام ألتمس من القراء الكرام الصفح والعذر على هذا المقال الدامي الذي يسرق منكم حلاوة الصيف على الشواطئ الجميلة...

 

أنور مالك

anouarmalek@hotmail.fr

أنور مالك ـ فرنسا