كانت الرقابة على الكتاب والصحفيين هي الوسيلة التي يستعملها الدكتاتوريون
عبر كل العصور، ووجدوا في ذلك ضالتهم، حيث إستطاعوا تكميم
الأفواه وتكسير الكثير من الأقلام وتحطيم الإرادات الحية وإخماد المواهب
الإبداعية، بل أكثر من كل ذلك قد تمت تصفية العديد من لم يرضخ لهذه الرقابة
القذرة والمتعفنة، التي من خلالها إستطاعت الأنظمة الديكتاتورية والشمولية
والبربرية أن تنفذ ما حير الشياطين أصلا، من الظلم والقمع وتجاوز القانون
وإنتهاك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان... غير أنه بتطور البشرية وفي ظل
هذه الحضارة الإعلامية الجديدة، لم يجد الدكتاتوريون طريقا للرقابة على
النشر والأقلام النزيهة، فقد كان الصحفي يسعى ويتملق من أجل أن ينشر له
مقالا في جريدة عمومية تسحب 100 ألف نسخة، وتوزع منها 10000 نسخة إن كانت
محظوظة، والبقية تذهب إلى دكاكين الخضر والفواكه طبعا لتباع بالكيلوغرامات،
فلا يتمكن من أن يقرأ مقاله عشرون شخصا، لهذا تجد أن الصحف المطبوعة تلجأ
إلى دك أغلب صفحاتها بالإشهارات التي تمن بها السلطات عليها كهدية رضا
وعربون الطاعة والخضوع والتملق، ولا تجد إلا الخربشات التي لا تسمن ولا
تغني من جوع، من أخبار الشهيرات وغرف النوم وحاضنات النهود وأحمر الشفاه
ومما نستحي من الإسترسال فيه، وصار لا يهم المحتوى بقدر ما يحسب لمداخيل
النشر التي تحيي وتميت كبريات الصحف... أما في ظل ثورة المعلوماتية
والأنترنيت فقد وجد ضالته الكاتب الذي لا يملك من يساعده في الإلتحاق
بصحيفة لضمان قوت صغاره على الأقل، أو الإستمرار في الإبداع حتى لا يجف نبع
القريحة، وصار من يستطيع أن يقدم ما فيه الفائدة للناس وللأمة وللمناضلين
في الإنسانية، يمتلك جيشا جرار ا من القراء والمناصرين والمؤيدين، فقد
منعته الرقابة من أن يقرأ مقاله ألف شخص صار في متناول مليون قارئ متميز،
ولهذا لجأ الأحرار إلى بلدان أخرى حيث يجدون حريتهم كاملة، وصاروا يشكلون
غصة في حلق الأنظمة الشمولية والفاسدة، إلا أن هذه الأنظمة الفاشية لم تصمت
طبعا، ولجأت لوسائل أخرى رأتها ناجعة من أجل الرقابة على الأقلام الجريئة
ولا تقل قذارة عمن سبقتها، كالإغتيالات والضرب المبرح والمتابعات القضائية
المدسوسة في قضايا تلطخ الشرف والتاريخ، فقد توبع الكثيرون بتهم الإختلاس
أو تبييض الأموال أو الإحتيال على مؤسسات الدولة أو حتى على عملاء
للمخابرات، يحاولون الظهور في ثوب مواطنين ضحايا وأبرياء، الرشوة لدور
النشر والمساعدات المالية حتى تسد الأبواب في وجوه الكتاب الشرفاء... غير
أن ذلك ما زاد الكتاب إلا تألقا وما زادت مقالاتهم إلا إنتشارا، وهذا الذي
لا يساعد الأنظمة المتسلطة، عندما يجدون مقالات صحفي مغتال أو سجين وهي
تسري كالنار في الهشيم بين أيدي القراء، فأخترعت وسائل أخرى لا تقل قذارتها
عمن سبقتها، بفضل مراكز البحث الإستراتيجي التي تبذر الملايير من أجل
التخمين في مثل هذه الأعمال القذرة، وكا ن حريا بها أن تفكر في ما أنشئت
لأجله وفي ما هو أهم ويخدم الأمة والأوطان، ومن بينها الرشوة بأموال خيالية
والتهديد بمختلف الطرق وعبر كل الوسائل لأجل إرهاب الكاتب ودفعه إلى أن
يرمي قلمه في سلة المهملات أو يلطخ حبره بلون الخيانة والردة... كل ما
ذكرناه يحدث كثيرا في البلدان العربية، التي لا مثيل لها في التسلط
والرقابة على الكاتب والصحفيين والباحثين وحتى القراء، ويكفي أن الكثير من
المواقع المتمردة لا يمكن فتحها أو الدخول إليها من البلدان العربية، لأنها
تفضح حكامها وتنشر غسيلهم عبر كامل أصقاع الأرض، وبفضلها إستطاعت الشعوب أن
تفتح عيونها على ما يحدث، بعدما كان الأمر يقتصر على نشرات إذاعية أو
تلفزيونية مفروضة وتفسد الليل علينا، وهي تمجد الحاكم ورسائله إلى نظرائه
وخرجات الوزراء عبر المحافظات... إلخ، والجزائر قد أعطت دروسا في هذه
الرقابة وقمع الكتاب والمبدعين والمثقفين منذ تأسيس الدولة، وزاد الطين بلة
في بداية التسعينيات حيث لجأت إلى إغتيال الصحفيين من أجل إجبارهم على
الإلتحاق بخط النار لمواجهة "الإرهاب"، أو تلفيق تهم وقضايا أفرغت جيوبهم
وجو عت صغارهم، أو الضغط عليهم من خلال أهاليهم إن كانوا في الخارج... وهذا
الذي نحن بصدد إعداده في ملف مثير عن الصحافة الجزائرية خلال الحرب
الأهلية، يحتوي على أسرار جد خطيرة لم يسبق نشرها من قبل، وطبعا إن بقينا
أحياء، فقد صرنا على أجندة أشباح تترصد أنفاسنا...
للتذكير...
إن القانون الذي وضعه المركز الدولي لمناهضة الرقابة ومن خلال
المادة 19 تدعو إلى ضرورة تعزيز حرية التعبير والحصول على المعلومات،
وتتكرر المادة بالرقم نفسه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي
المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تعطي في الجانب الأول الحق لكل شخص
في التمتع بحرية الرأي والتعبير وإعتناق الآراء دون مضايقة، وفي إلتماس
الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما تقيد
بالحدود الجغرافية... فترويج المعلومات لأجل المصلحة العامة يتضمنه القانون
في بنوده ومواده 52، وتمثلت أهدافه في توفير حق الوصول إلى المعلومات التي
تحتفظ بها الهيئات العامة تبعا للمبادئ التي تنص على وجوب توفير مثل هذه
المعلومات لعامة الناس بحيث لا يؤخذ بالإستثناءات إلا بصورة حصرية ومحددة،
بحيث تخضع هذه الإستثناءات لإعادة نظر مستقلة عن الحكومة، وأيضا توفير حق
الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات الخاصة، وهو الأمر الضروري
لممارسة أي حق أو حمايته بحيث تكون الإستثناءات محددة حصريا... وطبعا
الجزائر من بين الدول التي وقعت على هذا الإعلان، وتدعي الجهات الوصية
بإحترام المواثيق المبرمة والمصادق عليها عبر كل المعاهدات الدولية...
الضريبة... والمقصلة !!
نشرنا في الآونة الأخيرة ملفات مهمة وخطيرة، حول التعذيب في الجزائر، وعن
العسكريين الذين ذهبوا أبرياء كضحايا للحرب الأهلية الجزائرية، وملف آخر عن
الإسلاميين المساجين الذين أبطل الشعب الجزائري متابعتهم من خلال إستفتاء
عام، غير أنهم بقوا من خلف القضبان وتمت متابعتهم وحكم عليهم حيث وصلت
الأحكام إلى حد المؤبد، وقد كشفنا بالأسماء وتفردنا بحقائق لم يسبقنا أحد
إليها من قبل، ما أربك الكثيرين من الأطراف التي رأت نفسها متهمة ومتورطة
في ذلك، ومن دون أن نوجه لها أصابع الإتهام... وآخر ما نشرناه ويدخل
في إطار الملفات الخطيرة التي إنفردنا بالحدي ث فيها وبجرأة لا نرجو منها
إلا خدمة وطننا المفدى وأمتنا الجريحة، وهو ملف من حلقتين تحت عنوان
"مقاربات في الفساد الجزائري: أبوجرة سلطاني... قف !!
"، ونشرنا ذلك في موقع صحيفة "أخبار العرب" الكندية، وموقع صحيفتي "وطن"
و"عرب تايمز" الأمريكيتين، وتداولته مواقع أخرى مختلفة في كل أنحاء العالم
لأهميته البالغة ولخطورة ما فيه من الحقائق، بل تحدثت عنه حتى صحف جزائرية
وطنية كصحيفة "الخبر" الواسعة الإنتشار في الجزائر، وبلغنا بوسائلنا الخاصة
مدى إنزعاج وزير الدولة وزعيم حركة حمس سلطاني بوقرة منا ومما وصلنا إليه
من المعطيات المذهلة وتجرأنا في تحمل مسؤولية نشرها بعد بحث معمق، بل وصل
حد التهديد بتأديبنا ولو كنا في بلاد الجن والملائكة !!
لقد تفاجأنا بأعمال صبيانية حقيرة تمثلت في إتصالات هاتفية صباح
الجمعة 27/07/07، تصب في أذني حميم الكلام الفاحش البذيء بادئ الأمر،
وبعدها تطور إلى حيث دفعنا إلى إتخاذ الأمر على محمل الجد، وتمثل في تهديد
بالتصفية الجسدية العاجلة والقريبة، لأن الشبح صاحب الإتصال قريب مني كالظل
حسب زعمه، وهذا الذي سبب القلق والإضطراب لزوجتي كثيرا التي لم تعتاد على
مثل هذه السفاسف، وهي جزائرية طبعا وليس كما يدعى في كثير من المواقع بأنني
متزوج من يهودية وغيرها من الأكاذيب والإفتراءات، أما بالنسبة لي فقد أدركت
أن الأمر مجرد نباح كلاب، وقد أعجبتن ي الحكمة القديمة التي يزخر بها
التراث الشعبي وخاصة لما رددها على مسامعنا صديقنا الأستاذ الكاتب هيثم
مناع في تعليقه على الحادثة، وهي: "الكلاب التي تعوي لا تعض"، هذا حقيقة لا
يختلف فيها إثنان، غير أن الكلاب إن عوت ووجدت غافلا جبانا فقد يتطور
عواءها إلى أشياء أخرى، لا نقول ذلك من باب أن ما قاله الكاتب المبجل هيثم
مناع خاطئ بل أنه بنفسه أكد في جانب آخر رؤية وجيهة لرجل متمرس في صراعه مع
هذه الأنظمة الفاسدة... نحن نعلم حد اليقين أن من يريد فعل أي شيء خطير
كتصفيتنا أو تصفية أي أحد ما فإنه يلجأ إلى السرية والتخطيط الدقيق وسهر
الليالي حتى يبعد عنه الإتهام والشبهات أو المتابعة القانونية، أما أن
يتحول إلى مثل تلك الإتصالات التي قمنا بتسجيلها ونحتفظ بها كهدية قدمها
لنا من فضحناهم أو ممن تأكدوا أنهم في جدولنا، وأيامهم قادمة حتما في
مقاربات جديدة عن الفساد الجزائري، فهو دليل قاطع على وضاعته وجبنه ودناءة
أفعاله المفضوحة في ملفنا والتي لا يكذبها إلا المفسدون والمرجفون
أمثاله...
ربما يريد صاحب الإتصال منا أمرين:
1- أن نخاف مما إقترفناه من "جرم" في حق المفسدين واللصوص وممن يدوسون على
حقوق الناس جهارا من دون تأنيب للضمير على الأقل، فنقول له تأكد أننا ما
قلنا إلا الحقيقة ولن نخاف أبدا، ولنا كل مستنداتنا وأدلتنا فيما ذهبنا
إليه، وليس جرما أن نفضح هؤلاء، الجرم الحقيقي الذي لا يغتفر هو السكوت...
2- أن نصمت ولا نزيد في فتح مقارباتنا القادمة حول أشخاص يعرفون جيدا أنهم
في أجندتنا بل متأكدون حد اليقين، فنقول له أيضا بأن أجندتنا كبيرة
والقائمة طويلة وما نتمناه فقط هو طول العمر حتى نوفي بالعهد الذي قطعناه
على أنفسنا منذ إنطلقنا في فتح مثل هذه الملفات الملغومة...
ربما على الأبواب...
لو كان يعرف أن ما ذهبنا إليه مجرد إفتراءات للجأ إلى وسائل أخرى كالقضاء،
من أجل أن يخرب بيوتنا بأحكام قاسية، ولكن لما أيقن أنه إن فعل ذلك فسوف
يحدث له ما جرى لمن سبق حيث ما زاد إلا تشهيرا بنفسه وشهرة للخصم وإنتشارا
لأفكاره وشهاداته وحقائقه، كما حدث لوزير الدفاع الأسبق خالد نزار عندما
مسح به الأرض حبيب سوايدية وهو مجرد ملازم سابق وتم نشر الغسيل للمرة
الأخرى على مدار أيام بين جدران محكمة باريسية وعبر صفحات وسائل إعلامية
لها ثقلها، وتداول على الشهادة والشهادة المضادة شخصيات مهمة لها وزنها
التاريخي من المناضل المخضرم والكبير حسين آيت أحمد إلى الوزير الأسبق غازي
حيدوسي ورئيس الحكومة في بداية الحرب الأهلية أيضا سيد أحمد غزالي وض ابط
سابق للمخابرات العقيد سمراوي محمد، والصحفية سليمة ملاح وغيرهم... لكن هذه
الوسيلة فشلت ورافق الفشل الذريع فيها تداعيات أخرى جعلت من خول له المهمة
من وراء حجاب، يندم ويسقط من على رأس وزارة الدفاع الجزائرية وهو الفريق
محمد العماري الذي أقيل من منصبه فيما إدعت الجهات الرسمية إحالته على
المعاش، ما عادت المتابعات القضائية في المحاكم الأجنبية تجدي أبدا زمرة
الحكم في الجزائر لمطاردة جنود الحقيقة وتركيعهم، كما فعلت من قبل بتهم
الإرهاب المجانية حيث إستغلت الحرب الأمريكية على ما تسميه بالإرهاب، في
إقتناص "رؤوس الفتنة" ممن يسببون أوجاع الرأس للنظام، ويوجد من إستطاع أن
يسلم فأوقعته في مصيدة سمتها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية كما حدث لرابح
كبير وغيره...
لهذا لم تجد ما تسكتنا به سوى إتصالات مجهولة المصدر تبوح بتخاريف
وتهديدات تبدو جبانة بالفعل، من خلال الأصوات المختلفة والمتميزة، ففيها
القادم بنبرة الشرق الجزائري وفيها الذي يبدو من الغرب وأيضا من الوسط
وكذلك من المهاجرين، هذا حتى أقتنع أن جيشا جرارا يقتفي أثري، ويحاصر
أنفاسي... نشرت بيانا بخصوص ذلك في المواقع التي تناولت المقال وفي موقع
مدونة حقوق الإنسان العربي، وموقع معهد الهقار بجنيف الذي يرأسه الدكتور
عباس عروة... وتوالت علينا إتصالات التأييد والمؤازرة من حقوقيين ورجال
قانون وسياسيين ومثقفين وإعلاميين يتق اسمون معنا هم الغربة واللجوء، وهذا
الذي زادنا إصرارا على المضي قدما في نشر ما نعرف قبل أن تكتم أنفاسنا
ويضيع الزخم الرهيب الذي أودعته الأيام بأرشيفنا عن النظام الفاشي والفاسد
في الجزائر...
على الهامش
في الختام أؤكد على أن الرقابة بالتهديد عبر الهواتف النقالة أو
غيرها أو حتى عبر الأنترنيت هي عملية بدائية بالرغم من حداثة الوسائل
المستعملة والمستباحة، كان حري بمن يقف وراءها أن يجابهنا القلم للقلم
والند للند والورق للورق، وليس بكلام وترعيب وترهيب لم يؤت أكله مع من
سبقونا من الرجال والشرفاء... وديدننا نحن أنه عندما نخطأ فإننا نعتذر
ونطلب الصفح علنا، وأيضا أننا لا ننشر إلا ما تأكدنا من أنه بلغ حد اليقين
ولا يرقى له الشك أبدا، إذا نحن لا نكتب من أجل أن نستجدي العطف ممن يرانا
عدوا له، ونحن نراه خاطئا ومفسدا يجب أن يحاسب بالقانون، وليس بطرق همجية
التي ما زاد ت أمتنا إلا دمارا وتخلفا، أو نريد أن نصنع هالة إعلامية لما
يحدث لنا حتى ننال الشهرة على حساب أشياء أخرى تبدأ أساسا بالمبادئ والقيم،
أبدا وألف لا... ليس من أخلاقنا ذلك ولسنا أيضا من التجار بمآسي الشعوب
والأمم عامة، وكيف يكون الحال إن تعلق الأمر بشعبنا ووطننا العظيم؟.
أنور مالك
كاتب وإعلامي جزائري لاجئ بفرنسا
|