" قانون نموذجي " لإقرار الدولة بالحق في حرية
الوصول إلى المعلومات و الاطلاع عليها
El Mostafa Soulaih
الآن
، و بعد أن استنفذت الأجهزة الرسمية النافذة في
المغرب معظم الإجراءات المناوئة لحرية التعبير و
إبداء الرأي و ذلك بدءا بإخضاع
الصحفيين للإكراه البدني و دون محاكمة عادلة وجعل
الصحفيين و المفكرين في وضعية الرهائن مرورا
بتهديد الجرائد و المجلات المستقلة بالإفلاس و
الضغط بأشكال أخرى على هذه الصحافة
،،، وصولا في حالة أسبوعية " الوطن الآن " ، التي
تضمن ملف عددها 253 المعنون بـ " التقارير
السرية التي حركت حالة الاستنفار الأمني " وثيقة
يتم الزعم بأن نشرها أدى إلى إفشاء معلومات تتعلق
بالدفاع و الأمن الوطنيين ، إلى تجريم كل من مدير
نشرها الصحفي عبد الرحيم أريري و عضو هيئة تحريرها
الصحفي مصطفى حرمة الله و متابعتهما ، خارج قانون
الصحافة ، بتهمة " إخفاء أشياء متحصل عليها من
جريمة ،،، " بناء على الفصل 571 من القانون
الجنائي و ما واكب ذلك من اعتقال و تفتيش
مهينين لهذين الصحفيين و لأفراد أسرة مصطفى حرمة
الله بمن فيهم الرضيع سفيان حرمة الله ، و هو في
سن لا يتجاوز 09 أشهر ، قبل أن يعلن الوكيل العام
للملك صك اتهامهما و ما واكب ذلك أيضا من إخلال
بما يقتضيه هذا الفصل نفسه في شأن مدة الحراسة
النظرية و كذا من قلب للأمور بحيث فيما لم تنشر "
الوطن الآن " ملفها إياه إلا بعد أن سمع المغاربة
و شاهدوا و قرأوا عن الوزارات و المديريات
المركزية الرسمية المعنية بالأمن تكثف من
تصريحاتها و من لقاءاتها و اجتماعاتها و التنسيق
بين أجهزتها و تخبر عن إصدارها لمذكرات و دوريات
كلها توصف بكونها تصب في اتجاه رسم و تنفيذ ما
يتم تداوله ، نقلا عن لسان السيد الوزير الأول
خصوصا، تحت اسم " إستراتيجية " استباقية بناء على
مزاعم أمنية خارجية و أخرى داخلية تتوقع عمليات
إرهابية خطيرة تتهدد المغرب ، و فيما يتواصل الصمت
الرسمي المطبق بخصوص ملفات الفساد بمختلف أحجامها
و رتب النافذين المتورطين فيها ،، فإن مجرد وصول
الصحافة إلى معلومة ( وثيقة ) و نشرها يتحول بقدرة
قادر ، لكنه متستر ، إلى قضية تؤجج شطط المرتعبين
من جرأة الإعلام و لا تقعده .
الآن و قد تم تجريب معظم الإجراءات المناوئة للحق
في حرية التعبير و إبداء الرأي ، و الآن و قد أجمع
في مقابل ذلك كل المتضامنين مع أسبوعية " الوطن
الآن " في بلادنا العزيزة على الحاجة المستعجلة
إلى إحداث قانون يكفل الوصول إلى المعلومات و
الاطلاع عليها و على الإصرار على تحقيق ذلك ،
أنتهزها فرصة مواتية لإعادة تعميم نشر قراءة
تقديمية (1) لنص ذا صلة . إنه
"القانون النموذجي" الذي وضعه المركز الدولي
لمناهضة الرقابة التابع للمنظمة الدولية "المادة
19" العاملة انطلاقا من لندن من أجل تعزيز حرية
التعبير و الحصول على المعلومات، مع الأمل في أن
تعم من ذلك بعض الفائدة و يساهم في تحفيز مختلف
قطاعات الإطار الحضاري لمجتمعنا كي تضع حرية
المعلومات ضمن أولويات برامجها السياسية أو
النقابية أو الثقافية أو الحقوقية ، و تضغط في
سبيل تمتيع الأفراد و المجموعات بقانون مماثل يشرع
حرية الإطلاع على المعلومات الرسمية مصحوبة بتعرف
الطرائق التي أنتجت بها ، و يقعد الشفافية و
المساءلة ، و يحد من الفساد ،،،
ينطلق هذا القانون النموذجي من المادة 19
التي تتكرر بنفس الرقم في كل من الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية و السياسية، حيث تنص في الصك الأول على
أنه " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي و التعبير ،
و يشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون
مضايقة ، وفي التماس الأنباء و الأفكار و تلقيها
و نقلها إلى الآخرين ، بأية وسيلة و دونما تقيد
بالحدود الجغرافية " .
و هو يتكون في ترجمته العربية التي تحمل
عنوان " قانون نموذجي ، حول حرية الإطلاع على
المعلومات " من ديباجة قصيرة جدا و اثنين
وخمسين (52 ) مادة ، تتوزعها تسعة أقسام . و فيما
تخبر الديباجة بأن القانون إياه " يتضمن ،،،
ترويج كشف المعلومات في سبيل المصلحة العامة لضمان
حق كل شخص في الحصول على المعلومات و تأمين آليات
فعالة لضمانة هذا الحق " يختص القسم الأول منه في
تفسير المفردات / المفاتيح التي تتخلل متنه (
المفوض ، موظف المعلومات ، موظف ، وزير ، هيئة
خاصة ، هيئة عامة ، النشر ، معلومات خاصة ، وثيقة
) ، و في إعلان أهداف القانون المتمثلة في : أ –
توفير حق الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها
الهيئات العامة تبعا للمبادئ التي تنص على وجوب
توفير مثل هذه المعلومات لعامة الناس بحيث لا يؤخذ
بالاستثناءات إلا بصورة حصرية و محددة بحيث تخضع
هذه الاستثناءات لإعادة نظر مستقلة عن الحكومة . ب
– توفير حق الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها
الهيئات الخاصة ، و هو الأمر الضروري لممارسة أي
حق أو حمايته بحيث تكون الاستثناءات محددة حصريا .
أما القسم الثاني من القانون ، فبعد أن
يؤكد على حق أي شخص في حرية الإطلاع على المعلومات
و الوصول إليها ، بناء على طلب خطي نموذجي ( أو
شفهي بالنسبة للعاجز عن الكتابة ) يعبئه أو يتقدم
به لهذه الغاية إلى الهيئة ( العامة أو الخاصة )
المعنية ، التي على موظفها ، أن يدون الطلب و يعطي
نسخة منه إلى المتقدم به ، ينص على أن تنظر الهيئة
إذا ما كانت المعلومات المطلوبة توجد في حوزتها و
أن تسلمها في حالة الإيجاب داخل عشرين يوما و في
غضون ثمانية و أربعين ساعة إذا كانت تلك المعلومات
ضرورية لحماية حياة شخص أو حريته ، و ذلك بصرف
النظر عن شكل وثيقة المعلومات إياها أو مصدرها أو
تاريخ إنشائها أو حالتها القانونية و سواء كانت
صادرة عن الهيئة التي تحتفظ بها أم لا أو كانت
سرية أم لا ، و على أساس احترام الطريقة التي
يفضلها صاحب الطلب في إبلاغه المعلومات المعنية (
نسخة أصلية ، فرصة لمعاينة الوثيقة ، فرصة لنسخها
بالتجهيزات التي يملكها الشخص ، نسخة طبق الأصل عن
مضمون الوثيقة المكتوب أو المسموع أو البصري أو
هما معا ،نسخة طبق الأصل مختزلة ) . كما عليها أن
ترد في حالة رفضها للطلب بإشعار يبين الأسباب
المناسبة لذلك الرفض ، مع ضمان حق الاستئناف لمقدم
الطلب .
و في حين يوجب القسم الثالث على الهيئة أن
تتخذ عدة تدابير منها تصنيف دليل سهل للمعلومات
المتوفرة لديها ، و تعيين مفوض فإن مواد من القسم
الرابع تلزم بأن يتمتع هذا المفوض بالاستقلالية و
بكامل السلطة و الحصانة و براتب يوازي أجر قاضي في
أعلى المحاكم في البلد ، و كذا تعيين موظف
للاستعلامات يكون مدربا يتحمل مسؤولية صيانة
الوثائق و حفظها و ترتيبها ، و العمل كوسيط بين
الهيئة و طالبي المعلومات ، و تسلم الشكاوي منهم
حين يحدث إشكال في تأدية الهيئة واجبها المتعلق
بكشف المعلومات ، وإن مواد أخرى منه تلح على
أسبقية المصلحة العامة ، وعلى مبدإ علنية
المعلومات و ذلك قبل أن تحرص على تحديد
الاستثناءات في أربعة رئيسية هي : الأمن الوطني ،
الحياة الشخصية ، بعض جوانب السياسة الخارجية ، و
بعض المعلومات المتعلقة بالمصلحة الاقتصادية
العليا للدولة مع التنصيص على وجوب أن تكون هذه
الاستثناءات واضحة و أن تكون المعلومات و الوثائق
الرسمية المشمولة فيها ، أي المنعوتة بالسرية ،
محددة في القانون ذاته .
وحتى لا يكون الغرض هو الاقتصار فقط على
التأثير المعنوي دون أية آلية لتنفيذ القرارات ،
فإن هذا القانون النموذجي يخصص مادتي قسمه
الثامن للمسؤولية الجنائية و المدنية ، حيث يحصن ،
من جهة ، أي شخص من الملاحقة القضائية أو المدنية
أو التأديبية حال ممارسته لسلطته المخولة له بموجب
هذا القانون ما دام كشفه للمعلومات يتم بحسن نية ،
و يجرم جزائيا ، من جهة أخرى،كل من تعمد الاعتراض
على الحصول على أية وثيقة ، أو تدخل في أعمال
المفوض ، أو أتلف بواسطة سلطة غير مشروعة وثائق
ذات صلة ، و ذلك بتغريمه و/أو بسجنه مدة أقصاها
سنتان ، بناء على حكم قضائي عاجل .و هو الأمر الذي
يكون فيه على جميع المحاكم إتباع أي تفسير منطقي
للنص يعطي أفضل تطبيق لحق الإطلاع على المعلومات
.
و هكذا ، أليس من حق شعبنا كباقي الشعوب
المتحضرة أن ينعم هو الآخر بحريتي استقاء
المعلومات و الحصول عليها دون شرط ، وذلك متى شاء
، و لأية أغراض لا تمس بالديمقراطية الحقة أو تضر
بالمصالح الفعلية العليا للوطن ؟و
أليس من مسؤولية الوزير الأول ، بناء على ما يخوله
الدستور الحالي من صلاحيات تشريعية ،
أن يتقدم بمشروع قانون في هذا الصدد ؟ و كذلك ،
أليس من مسؤولية أي من برلمانيينا أو فرقنا
البرلمانية أن يبادر إلى اقتراح تشريع ذا صلة يقر
بأن القانون هو فوق الجميع ، و يمهد لاكتساب
الدولة ما تفتقده لدى الناس في الداخل كما في
الخارج من ثقة في أجهزتها وفي آليات اشتغالها و
من هيبة غير تسلطية ، و يحد من إصرار قوى الظلام
و الفساد على الربط بين الشفافية و معاداة
المؤسسات الدستورية ؟ ثم أليس من واجب نخبنا
الداعية إلى الحداثة بشكل فردي أو بتنسيق مع
مكونات مجتمعنا المدني ، مهما كانت أهداف ولاية
هذه المكونات ، إعطاء الموضوع ما يستحقه من أولوية
و ما يلزم من التعاون و الوقت و الجهد و الحملات
التثقيفية و الإعلامية من أجل إقناع مختلف السلطات
بأن الشفافية و المحاسبة والمساءلة هي حق
للمواطنين ، و أن تقنينها و إعمالها لا يؤذيان إلا
الأفراد الذين يستغلون المراكز الرسمية أو غيرها
لمصالح أخرى غير المصلحة العامة ؟
و أخيرا ، هل سيلجأ المجلس الاستشاري لحقوق
الإنسان ، و خاصة بعد ما أخبرته لجنته الوظيفية
التي تم تنصيبها تحت اسم " هيئة الإنصاف و
المصالحة " ، عبر تقريرها الختامي ، بجملة العوائق
التي قامت أمام استقائها للمعلومات من مصادرها
الرسمية ، إلى رفع توصية إلى الملك من أجل نص
تشريعي يؤكد أن الوثائق الرسمية هي ملك للشعب
تحوزها الحكومة و تحفظها نيابة عنه ، و يسمح
للناس بتفحص أعمال الحكومة و باقي أجهزة الدولة ،
بما فيها القضاء ، بالدقة الكافية ؟ و بموازاة مع
ذلك ، هل سيبادر هذا المجلس أو أية مؤسسة ذات صلة
إلى رفع توصية أخرى تهم فسخ الفصل 18 من قانون
الوظيفة العمومية باعتباره يلزم كافة الموظفين ،
عدا الوزير ، بالحفاظ على السر المهني خلال أدائهم
لمهامهم المهنية و يعاقبهم في حالة كل إخلال بهذه
السرية .
* المصطفى صوليح
El Mostafa Soulaih
،
كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق
الإنسان و المواطنة – من أطر اللجنة العربية لحقوق
الإنسان ( باريس ، فرنسا ) , صدر له ، عن أوراب و
الأهالي و اللجنة العربية لحقوق الإنسان ، كتاب
تحت عنوان : " نقد التجربة المغربية في طي ملف
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " .
(1) ـ المصطفى صوليح " عودة جديدة إلى الحق في
الاطلاع " من كتابه " نقد التجربة المغربية في طي
ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " مصدر
مذكور أعلاه . سوريا ، دمشق . ص 25 – 26 . الطبعة
الأولى 2005
. |