خارج الغرف
جو
الربيع لم يكن كافيا لإخفاء الحالة غير العادية
التي تعيشها المدينة، فدوريات الشرطة تجوب الشوارع
بحثا عن أي شيء وعن كل شيء، والناس الذين لم
يعودوا يستمتعون بالربيع كما في الزمن الجميل الذي
مضى، قد سلموا، أو استسلموا، للأمر الواقع منذ
مدة... ولم يعد هناك إلا همس لا يكاد يسمع حول وضع
غير عادي... يريد أن يصبح عاديا بالقوة... هو الذي
اغتال الربيع بالقوة أيضا...
الغرفة الأولى: (صبيحة أحد أيام الربيع الجميلة من
عام: 399 ق. م)
الغرفة واحدة من محاكم أثينا، المدينة التي تعيش
حالة من القنوط بعد هزيمتها في حربها مع إسبارطة
التي دامت سبعاً وعشرين سنة، خرجت منها (أثينا)
بشروط مذلة ونظام استبدادي، والمحكمة مع إحدى عشر
محكمة أخرى، تعمل على إضفاء سمات البطولة والنبل
والشرف والمجد على العنف الذي تمارسه سلطات
المدينة، في جو مشحون بتصفية الحسابات، ضد كل
معارض "للنظام"، وليست التهم هي ما يعوز هذا
النظام لاقتياد الناس إلى قاعة المحكمة ونصب مشنقة
هنا، ومحرقة هناك...
إن للعدالة مواسمها، كما قال باسكال يوما، ويبدو
أن موسم الربيع اليوم له موعد مع محاكمة هذه
العدالة نفسها التي تنتهك كثيرا هي أيضا، باسم
العدالة نفسها – كارل بوبر – وباسم الحرية التي
تتحول إلى نقيضها تماما، عندما ترتكب باسمها أبشع
الجرائم، وباسمها أيضا تفتح أبواب السجون (بوبر
دائما)... إن التاريخ يعلمنا أن الأفكار الأخلاقية
خبيثة، وأن أفضلها، كثيرا ما يكون هو الأكثر
خبثا...
متهمنا اليوم، في السبعين من عمره،
سمج جدا، والسماجة امتهان في حد
ذاتها، وهي وحدها كافية لأن تقدم تبريرا للرفض من
قبل مجتمع كالمجتمع
الإغريقي، وهذه دلالة
على انحطاط هذا المجتمع، إن كان الأمر يحتاج إلى
دلالة...
يؤكد علماء الإجرام، المسلحين بأبحاث
الأنثروبولوجيا، على أن "المجرم النمطي" سمج:
"قبيح
الخلقة، قبيح القلب"
لكن المجرم منحط... فهل كان سقراط مجرما متميزا؟
قال الغريب المار بأثينا
الذي خبر الفراسة، عن وجه سقراط بأنه وحش، وبأنه
يخفي أقبح العيوب
والشهوات، وقد أجابه سقراط ببساطة: "أنت تعرفني
جيدا
سيدي!"(نيتشه).
الفلسفة/الحكمة عنده ممارسة عضوية يومية ونمط
حياة... يلقنها للشباب، عكس غيره، دون مقابل...
هذه الحكمة التي تظهر على الأرض كما الغراب: يهيجه
القليل من رائحة جيفة متفسخة (نيتشه)... إنه
(متهمنا) مؤسس كبير لعلم الأخلاق، الخبيثة ربما،
بنفحة وجودية متهكمة يرتد فيها وعي الإنسان إلى
نفسه
(كير كيجارد)... يرفض أن يكون دفاعه مكتوبا...
ويمتطيه تلميذ له، أفلاطون، ليسجل لنا، هو الكافر
أيضا بالنص المكتوب، أشهر محاكمة في التاريخ...
امتطاها أيضا للنيل من "ديمقراطية أثينا" وقصور
نسق عدالتها/الظالمة التي تكفر بحرية الرأي
والفكر، رغم شعاراتها الكثيرة التي تناقض
المبدأ...
في صك الاتهام، الذي يشهره ثلاثة أشخاص: "ميلتوس"
Melotos
("المدعي الأول" وممثل الشعراء)، و"ليكون"
Lykon
(عن جانب الخطباء)، و"أنيتوس"
Anythos
(حرفي الجلود وممثل السياسيين، الكاره لسقراط لأن
ابنه من تلامذته، ولأن العجوز سخر منه يوما في
مجادلة أمام الملأ)، - لتعيدنا بنية الاتهام
وتركيبته، إلى أن المحاكمة قضية رأي عام، وليست
شخصية بأي حال من الأحوال - يواجه المتهم تهمة
الكفر بآلهة المدينة، وتهمة تلقين الشباب أن
الفضيلة والحكمة هما سبيل
رقي البشرية وسعادتها... وبالتالي فهو يعمل على
نشر التجديف وإدخال شياطين جديدة إلى المدينة،
وإفساد رأي الشباب الأثيني... إنه
موقظ خطير للنفوس والضمائر: إنه مزعج،
ويستحق الإعدام... باتفاق المدعين الثلاثة...
قبل أن نواصل، ثمة بوح لا بد أن نسره: هيئة
المحكمة تتكون من خمسمائة قاض وقاض (501) - فضلا
عن رئيس المحكمة وكتبته وحرسه - وكلهم ليس بينهم
وبين الفكر والسياسة، إلا كما بين الحمار
والأسفار، فوصولهم إلى مناصبهم لم يستند يوما إلى
كفاءة فكرية أو مستوى ثقافي معين، بقدر ما استند
إلى الوراثة، والحظ، والقرعة، وتصاريف "ديمقراطية
أثينا"... فكيف لمثل هؤلاء أن يستوعبوا أفكار
المتهم عن الفضيلة والحق والسعادة والقانون؟
قبل أن نواصل أيضا، ثمة بوح آخر... رفض المتهم خطة
لتهريبه من سجنه، إلى خارج المدينة، بمعية الوفي "كريتون"،
وأجاب عندما سئل قبيل محاكمته: "ألا تهتم بإعداد
دفاعك؟" بقوله: "وماذا كنت أفعل طيلة حياتي، غير
إعداد دفاعي..."، ثم رفض أن يستدر عطف القضاة،
أثناء المحاكمة، ووسمهم بأدعياء المعرفة وهم
الجاهلون، أما هو فيكفيه فخرا بأنه على الأقل:
"يعرف بأنه لا يعرف شيئا"... رجل صادق مع نفسه،
صادق مع الآخرين، هو الذي افتخر بأثينيته
طول الوقت: "أشكر الآلهة التي جعلتني يونانيا ولم
تجعلني غير
ذلك، وجعلتني أثينيا ولم تجعلني غير ذلك، وجعلتني
حرا ولم تجعلني عبدا، وجعلتني
ذكرا ولم تجعلني أنثى": هل كان أثينيا حقا في
نهاية المطاف؟
هو الذي دافع عن مدينته خلال معاركها العسكرية،
بشجاعة ونبل، في ثلاث محطات كبرى، يأبى إلا أن
يهمس في أذن شعبها: " ليس هناك أي إنسان يمكنه أن
يبقى آمنا على نفسه، إذا عارضكم بصدق وأمانة، أو
تصدى للخروقات الكثيرة التي تحدث في الدولة، ضد
العدل والقانون...": فما أقسى الحياة، والعيش، في
مدينة تجور قوانينُها...
الحياة التي تستحق أن يعيشها الإنسان، في نظره،
وحدها تلك التي "يتم الكشف عنها"، وما عداها لا
تستحق ذلك قطعا... وسبيل العيش الحقيقي الوحيد هو
"صفاء الروح" (فيذون، لأفلاطون)... أما "كرامة
الإنسان"، فينبغي أن تجمع بين العلم الفيزيقي
والمشاعر الإنسانية، في تصور أخلاقي فريد من نوعه،
يرجع الروح إلى أعماق نفسها، كرة أخرى، هي العاجزة
عن فهم أسرار الكون، لتعيد استنباط الحقائق
الكامنة في تلك الأعماق/الضمير... أعماقها/ ضميرها
هي بالذات، في سكينة واستقرار، حتى تصبح قادرة على
الإحاطة بالمعرفة واستنباط جوهر الأشياء. (ديكارت،
كانط: من بعد).
"لا أحد شرير باختياره"، لكن ينبغي تعلم "فن"
العيش السليم والحقيقي، الذي وحده، يؤدي إلى
الخير، الذي وحده أيضا، يضع أولى أقدامنا على طريق
السعادة... وبالمقابل وجب الانتصاب لأولئك الذين
يؤلهون توافه الأشياء الزائلة (من ثروة وسمعة
ونفوذ...) وإظهار بطلان طريقهم وفساده، عبر الجدل
والمنطق وأسلوب الحجاج... ثم عبر إقامة عدالة
حقيقية... تعتمد الحق والعقلانية سبيلها الخاص (ما
سيكسبه عداء نيتشه لاحقا)... لكن أكسبه قبل ذلك
عداء عدالة مدينته اليوم...
لهذا يحاكم شيخنا العجوز اليوم... لأنه أراد
لمدينته أن تبحث عن معنى لأفكاره... هي التي تسطحت
وتحنطت وانغلقت على فهم ما عدا صوت السلطة القائمة
فيها... أنى لها أن تفهم الحكمة التي يدعو لها
الشيخ الحكيم...
أدين العجوز بسبب أفكاره، بفارق بسيط في الأصوات:
281 صوتاً ضد 220، مما يعني أن عليه أن يختار
بنفسه عقوبته... فاختار أن تتعهده "البريتانية"
بالرعاية كما العظماء... يا لها من إهانة شديدة
للقضاة الذين أعادوا التصويت وأجمعوا على إعدامه
هذه المرة: ألم يسع العجوز إلى موته، بكل حماس، هو
الذي كان باستطاعته الخلاص؟
وهو يموت، بعد احتساء كأس الشكران دفعة واحدة، ما
زال يتحدث عن الحكمة... ويسخر من مدينته:
-
كريتون، في ذمتنا ديك لايسكولاب... ادفع له
ثمنه...
-
حاضر سيدي... هل تريد شيئاً آخر؟
لم يجب سقراط... لقد انطفأت عيناه... هو المتشائم
الساخر، الهادئ، العنيد...
هل كانت سخريته تعبيرا
عن تمرد ما؟ عن ضغينة شعبية؟ عن قمع عانى منه في
نهاية المطاف؟ هل كان يثأر من الكبار الذين كان
يفتنهم؟ ألم يكن
الجدل الشرس عنده، أكثر من أسلوب للانتقام؟...
"لقد أرادت الغرائز أن تلعب
لعبة الاستبداد: يجب أن نخترع نقيضا للاستبداد
للتغلب على هذه
الغرائز..." (نيتشه).
عندما كشف زائر أثينا لسقراط ما كان عليه، بؤرة
لكل
الشهوات السيئة، تلفظ الساخر الكبير
بكلمة أعطت المفتاح لطبيعة شخصيته "صحيح، قال، غير
أنّي أصبحت سيد
الكل" (نيتشه، كرّة أخرى).
ثمن المعارضة إذن يدفعه الحكيم من حياته، هو الذي
نصب نفسه مدافعا عن "الحقيقة" و"القضايا
العادلة"... وهذا يتطلب قدرا من الجرأة
والشجاعة... (ميشيل فوكو)، عليه أن يكون محاربا
حقيقيا، والمحارب الحقيقي عليه أن يدفع حياته ثمنا
للمجد الذي يريد أن يلحق به (بيير كلاستر)... مرحى
بالموت إذن، إذا كان في سبيل ذلك: إنه فاجعة
الختام الفذة، والنهاية المجيدة التي تكمل صورة
الفيلسوف، وتصبغ عليها طابع الجدية والخطورة...
كما العظماء... بذا وجب استقباله (الموت) بهدوء
وشجاعة "كالبجعة التي تغني قبل موتها احتفاء به"
ليست أثينا، إنما هو من مد لنفسه كأس الشكران، لقد
أجبر مدينته على أن تمدّها له... "سقراط ليس
طبيبا، همس لنفسه: وحده الموت هو
الطبيب… أما سقراط فلم يكن إلا مريضا لزمن
طويل..." (نيتشه كرّة ثالثة).
الغرفة الثانية: (صبيحة أحد أيام الربيع الجميلة
من عام: 2006 م)
الغرفة واحدة من محاكم دمشق، المدينة التي تعيش
حالة من القنوط بعد نهاية مرحلة حكم حديدي دام
تسعاً وعشرين سنة، خرجت منه (دمشق) بشروط حياة
مذلة للمواطن، ونظام أثبتت أحداث ربيعها (ربيع
دمشق) أنه لم يغير من ماضيه الحالك شيئا...
والمحكمة، مع محاكم أخرى بالمدينة، تعمل على إضفاء
سمات البطولة والنبل والشرف والمجد على العنف الذي
تمارسه سلطاتها، في جو مشحون بتصفية الحسابات، ضد
كل معارض "للنظام"، وليست التهم هي ما يعوز هذا
النظام لاقتياد الناس إلى قاعة المحكمة ونصب مشنقة
هنا، ومحرقة هناك...
إن للعدالة مواسمها، كما قال باسكال يوما، ويبدو
أن موسم الربيع اليوم له موعد مع محاكمة هذه
العدالة نفسها التي تنتهك كثيرا هي أيضا، باسم
العدالة نفسها – كارل بوبر – وباسم الحرية التي
تتحول إلى نقيضها تماما، عندما ترتكب باسمها أبشع
الجرائم، وباسمها أيضا تفتح أبواب السجون (بوبر
دائما)... إن التاريخ يعلمنا أن الأفكار الأخلاقية
خبيثة، وأن أفضلها، كثيرا ما يكون هو الأكثر
خبثا...
متهمنا اليوم في السادسة والستين من عمره (تاريخ
الاعتقال)، من جذور بسيطة، في مجتمع اعتاد معظم
أفراده على تأليه السلطة والثروة والنفوذ،
وهذه دلالة
على تخلف هذا المجتمع، كما باقي مجتمعات المنطقة،
إن كان الأمر يحتاج إلى
دلالة...
لا يحلم، متهمنا، إلا بأن يخرج مجتمعه من حالة
الركود والاستبداد المستعصية التي شدته إلى الخلف
طويلا، وينطلق إلى حالة جديدة تتحقق فيها كافة
أسس الحياة الكريمة والحرية وحقوق الإنسان لأفراده
جميعا، وعلى قدم المساواة، وعبر طريق سلمي يضمن له
الأمان...
لكن عدالة مدينته تأبى عليه ذلك، هي التي تربت على
القهر والظلم والاستبداد... استحالت إلى نقيضها
تماما، إلى: عدالة/ظالمة، وما أقسى الحياة،
والعيش، في مدينة تجور قوانينُها...
قبل أن نواصل ثمة بوح لا بد أن نسره: أصنام السلطة
في هذا المجتمع تربوا على أن المكان الطبيعي
للمعارضة في ظل دكتاتورية دون مساحيق، هو المقابر
أو السجون، أما في ظل دكتاتورية بمساحيق، كما هو
الحال في ملكيات وجملكيات العرب، فهامش ضيّق
للغاية من الساحة السياسية، ومحاصر بجحافل بوليس
مجنّد كل لحظة لعرقلتها وإضعافها وتصفيتها إذا
تجاوزت خطا أحمر.(منصف المرزوقي)، لأن هذه الأصنام
مؤمنة بأن الفساد والتزييف والقمع... هي دعامة
سلطانها، وهي تكفر بكل شيء يفهم منه إصلاح أو صلح
أو مصالحة، حتى لو انتهى بها المطاف إلى
الانتحار... فكيف لمثل هذه الأصنام أن تستوعب
أفكار المتهم عن الفضيلة والحق والسعادة والقانون؟
قبل أن نواصل ثمة بوح آخر: رفض "المتهم" خطة تتوسط
فيها دولة أجنبية (و. م. أ.) لتسهيل إثبات براءته،
أو ربما حتى تنتهي بترحيله خارج الوطن... فما همه
يوما رضا "الآخر" عنه، بقدر ما كان يبغي رضا نفسه،
ورضا وطنه، أولا وأخيرا... رغم أن هذا الوطن ظل
"مملكة للصمت" مدة طويلة (رياض الترك)، وحيث ما
زال مواطنوه في حالة رعايا، لم يرقوا بعد إلى درجة
المواطنة (أنطون مقدسي)... وكيف للعدالة، التي
دافع عنها متهمنا في كتاباته طويلا، أن تتحقق في
نظام رأسه يتعالى ويترفع عن الناس إلى حدود
التأليه (البطريك إغناطيوس الرابع)، وأذرعه تتهم
دعاة العدالة والحرية بأنهم "استعمار جديد" (وزير
الإعلام عدنان عمران)، أو تهدد بالعصا عند كل
مناسبة، حتى لا يتحول الوطن "إلى جزائر أو
يوغوسلافيا جديدة"؟؟؟ (عبد الحليم خدام)...
في صك الاتهام، الذي انتقل من محكمة مدنية إلى
أخرى عسكرية بقدرة قادر، اتهام بإضعاف الشعور
الوطني، وجنحة النيل من هيبة الدولة وإثارة
النعرات المذهبية... وهو الاتهام الذي أدين
"المتهم" من أجله... أو بالأحرى الدعوى التي حاول
بها النظام تلميع واجهة مهترئة تخفي صيغا متعددة
للقمع والفساد ومصادرة أموال وإرادة شعب مطحون...
ظل المتهم يفضحها لسنين عديدة أزعجت القائمين
بالأمر... امتطاها أيضا للنيل من "ديمقراطية دمشق"
وقصور نسق عدالتها/الظالمة التي تكفر بحرية الرأي
والفكر، رغم شعاراتها الكثيرة التي تناقض
المبدأ...
أدين العجوز بسبب أفكاره، مما استوجب "الانتقام
منه"، لكن كل ما يرجوه "متهمنا" أخيرا هو أن يمتنع
جلاده، على الأقل، عن تمرير انتقامه "تحت حيثية
القانون والقضاء، كي لا يقوض القليل الذي بقي لهما
من مكانة ودور".(كيلو: قصة اعتقالي...)
فهل يترفع الجلاد، ويربأ على نفسه، وعلى عدالته،
أن يتلطخا أكثر؟؟؟
الغرفة الثالثة: (صبيحة أحد أيام الربيع الجميلة
من عام... من أي عام معاصر...)
الغرفة واحدة من محاكم أي عاصمة عربية، قد تكون
القاهرة أو الرياض أو تونس أو الرباط... المدن
التي تعيش حالة من القنوط دائما... بشروط حياة
مذلة للمواطن، ونظام أثبتت أحداثها أنه لم يغير من
ماضيه الحالك شيئا... والمحكمة، مع محاكم أخرى،
تعمل على إضفاء سمات البطولة والنبل والشرف والمجد
على العنف الذي تمارسه سلطاتها، في جو مشحون
بتصفية الحسابات، ضد كل معارض "للأنظمة"، وليست
التهم هي ما يعوز هذه الأنظمة لاقتياد الناس إلى
قاعة المحكمة ونصب مشنقة هنا، ومحرقة هناك...
خارج الغرف
جو الربيع لم يكن كافيا لإخفاء الحالة غير العادية
التي تعيشها المدن، فدوريات الشرطة تجوب الشوارع
بحثا عن أي شيء وعن كل شيء، والناس الذين لم
يعودوا يستمتعون بالربيع كما في الزمن الجميل الذي
مضى، قد سلموا، أو استسلموا، للأمر الواقع منذ
مدة... ولم يعد هناك إلا همس لا يكاد يسمع حول وضع
غير عادي... يريد أن يصبح عاديا بالقوة... هو الذي
اغتال الربيع بالقوة أيضا...
. |