يشغل الدكتور روبرت ساتلوف مركز المدير التنفيذي
لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ، بعد أحداث
غزة تقدم ساتلوف بملاحظات الى ندوة مخصصة لمراجعة
انعكاسات أحداث غزة نظمها المعهد المذكور ضمت كلا
من غيث العمري ، روبرت مالي،وديفيد ماكوفسكي وقد
نشرت تلك الملاحظات بتاريخ 18/7/2007 وتقع تلك
الملاحظات في خمس صفحات تبدأ بمقدمة تاريخية لنشوء
كل من فتح وحماس وتنتهي باستنتاجات مكثفة بصورة
نصائح للسياستين الأمريكية والاسرائيلية في كيفية
التعامل مع الوقائع المستجدة في غزة .
ملخص لآراء ساتلوف :
يبدو السيد ساتلوف على يمين السياسي الصهيوني
ليبرمان السيء الصيت فهو ينتقد اسرائيل ليس بسبب
سياستها العنصرية وانكارها الحقوق الفلسطينية ولكن
بسبب تساهلها في تمرير الغذاء والماء والوقود لغزة
في حين يقوم مقاتلو القسام بقصف أهداف( مدنية
مسالمة) في سيدروت، وهو يلوم شارون على انسحابه
المتسرع من غزة دون ترتيبات سياسية وعسكرية كافية
لدعم حكم عباس في وجه المتشددين من جهة ، ولكون
الانسحاب لم يمنح اسرائيل الفرصة للتحلل من
التزاماتها الاقتصادية والسياسية تجاه القطاع ،
والأكثر كارثية ( حسب رأيه بالطبع ) هو( ان أحدا
لم يجبر اسرائيل على السماح لفئة سياسية تنكر
وجودها وتدعو لتدميره للدخول في انتخابات المجلس
التشريعي )!
ينتقد ساتلوف العرب ( الدول العربية المعتدلة )
التي لم تمنح اسرائيل شيئا سوى مبادرة سلام
افتراضية متأخرة خمسين سنة في التوقيت بينما قامت
بامداد حماس بالمال اللازم لتزيد من قوتها وتصل
الى ان تتمكن من السيطرة على غزة في أيام ، ويلوم
المملكة السعودية التي أضفت على حماس الشرعية
باتفاق مكة بدل عزلها واضعافها.
من ثم فهو يلوم حكومة الرئيس بوش بسبب سياستها
المعلنة منذ عام 2002 والهادفة لتأسيس دولة
فلسطينية مجاورة لاسرائيل مما أوصل لدعم انتخابات
قادت حماس للسلطة في غزة والضفة واليوم أصبحت غزة
بيد حماس التي( تغوص في الارهاب أكثر فأكثر).
وفي نهاية حملات اللوم التي تستبطن اعتبار سيطرة
حماس على غزة خسارة وخطرا مستقبليا ، ينحي ساتلوف
باللوم أيضا على قيادة فتح التي امتلكت ما يقرب من
50 ألف مقاتل في غزة هزموا في ستة أيام ( في مكان
آخر يذكر ساتلوف ان هذه هي حرب الأيام الستة
الثانية ملمحا لهزيمة حزيران ) أمام قوة أصغر منهم
ويستشهد بحديث قيادي لفتح تم أسره في غزة واطلاق
سراحه فيما بعد حيث يقول ( لقد قررنا الاستسلام
لأننا لم نشعر ان قيادتنا خلفنا لقد كانوا جميعا
قد هربوا الى رام الله والقاهرة ليصدروا الأوامر
عن بعد في غرف الفنادق المكيفة ).
بعد المسؤوليات يأتي دور الخيارات والبدائل .
يقرر ساتلوف ان الوضع الذي تمخضت عنه الأحداث في
غزة يشكل انتكاسة كبيرة ، مع ذلك فهو يتضمن أيضا
عناصر مشجعة اذا أحسن استغلالها .
(أول فائدة للوضع الجديد هو الوضوح ففي غزة اليوم
عدو غير ملتبس ولا متلفع بعباءة فتح ومنظمة
التحرير، الفائدة الثانية نهاية اعتبار الضفة وغزة
اقليما سياسيا واحدا حسب اوسلو ،الفائدة الثالثة
ان انتصار حماس في غزة يتيح لاسرائيل عدة بدائل
واضحة منها اعادة احتلال غزة أو أجزاء منها أو
عزلها بصورة تامة ( اسرائيل هي الدولة الوحيدة في
العالم التي تتحمل مسؤولية تأمين الماء والكهرباء
والغذاء لمقاطعة سياسية تطلق يوميا عليها الصواريخ
اليس ذلك محض جنون ؟)
يفصل ساتلوف في كيفية وجوب قيام اسرائيل باحكام
الحصار على غزة بحيث تصبح مصر هي المخرج الوحيد
لغزة ومصدر تأمين الماء والكهرباء والغذاء ( هذا
تلميح لاعادة ربط غزة بمصر )، ( الفائدة الرابعة
هي الاستثمار في الوضع الجديد الناشئ عن فصل الضفة
عن غزة وذلك بدعم سلطة عباس ولكن ليس الى حد
الوصول للنقاش حول أفق سياسي للمسألة ).
في الاستنتاجات النهائية يقرر ساتلوف انه لاوجود
لحلول بسيطة ،صافية ، ذكية لمساعدة السياستين
الأمريكية والصهيونية على الخروج من الطور الجديد
للصراع العربي- الصهيوني ، وانه يتوجب على
الولايات المتحدة وشريكتها اسرائيل العمل بطريقة
أفضل من السابق في مواجهة التحديات الجديدة،
فالصراع سيستمر وحسب ساتلوف فان أفضل ما يمكن فعله
هو ادارة الصراع بحيث يتم تحجيمه والتخفيف من
آثاره الجانبية والتمهيد لليوم الذي يمكن فيه
تحقيق الحل النهائي .
أخيرا يرى ساتلوف ان الوضع الناشئ يطرح فرصة تفكيك
المشكلة الفلسطينية الى أجزاء أصغرو أسهل للهضم ،
لكن مع الحذر بالحفاظ على النظرة الواقعية التي
لاترى الطريق سهلا ومعبدا .
الآن ماذا يمكن ان نستنتج نحن من آراء ساتلوف ؟
أولا : ان في تيار اليمين الأمريكي من هوأكثر
تطرفا من اليمين الصهيوني في النظر للصراع العربي
– الصهيوني ومثال ساتلوف واضح الدلالة ولنا ان
نتوقع ماذا يمكن ان يكون تأثيره في السياسة
الأمريكية.
ثانيا : أن الشعور العام لدى ساتلوف هو الشعور
بالنكسة لانتصار حماس والخوف من المخاطر القادمة،
أما الحديث عن الفرص والاستفادة منها فهو يأتي
داخل هذا الشعور كنوع من تطمين الذات الى امكانية
تحويل النكسة الى انتصار لكن دون ان يصل الى حد
طمس حقيقة الشعور بالخيبة .
ثالثا : ليس لدى ساتلوف قناعة حقيقية بامكانية ان
تتمكن الطبقة السياسية المهزومة في غزة والتي هربت
منها قبل المعارك من تثبيت ادارة كفؤة وقوية في
الضفة ، لذا فرغم تسليمه بضرورة دعم سلطة عباس فهو
لايريد لاسرائيل المجازفة بأي تنازل سياسي حقيقي
من أجل دعمها .
رابعا : لاشك أن ساتلوف تنقصه الحكمة حين يفكر في
دفع غزة لتعتمد على مصر فمثل ذلك الحل يتضمن تحولا
استراتيجيا هاما لصالح القضية الفلسطينية ولصالح
اعادة ارتباط مصر بها ولو فكر ساتلوف مرة ثانية
لامتنع الى الأبد عن التطرق الى هكذا حل .
عزل غزة لايمكن ان يستمر فعليا رغم امكانية تطبيقه
فترة من الزمن مع ما يحمله من معاناة وآلام ، ولقد
تم تجريبه دون جدوى بعد صعود حماس ، والأرجح انه
سيلاقي ذات المصير اذا تم تجريبه ثانية .
خامسا : اما تقسيم المشكلة الفلسطينية وفصل غزة عن
الضفة فهو لعب في الوقت الضائع ، فخط المقاومة
الذي انتصر في غزة سينتصر في الضفة عاجلا ام آجلا
سواء عبر حماس او عبر جبهة وطنية عريضة تتبنى
المقاومة واسقاط نهج أوسلو، لقد اختار الشعب
الفلسطيني المقاومة باختياره لحماس ومن السخف
التفكير بأنه قد تراجع عنه .
سادسا وأخيرا : يجدر بنا أن لاتحجب الآلام
والصراعات الداخلية والأخطاء عنا رؤية الحقائق
السياسية ، ومع ضرورة نقد كل الممارسات الشاذة
والتجاوزات غير المقبولة في معارك غزة ينبغي ان
لانغرق في التشاؤم واليأس فهاهو ساتلوف الأكثر
صهيونية من شارون ونتنياهو وليبرمان يعترف بأن
انتصار حماس هزيمة له ولمعسكره الامبريالي –
الصهيوني وذلك يكفي .
كاتب سوري |