نص
الاستجواب الذي أنجزته حكيمة أحاجو صحافية بجريدة
" المشعل " مع الكاتب و الباحث المغربي المصطفى
صوليح* حول موضوع " موجة الاختطاف و الاعتقال
التعسفي التي يعرفها المغرب ".
المصطفى صوليح El
Mostafa Soulaih
-
لاحظ العديد من المتتبعين للشأن السياسي
بالمغرب عودة الاختطافات والاعتقالات التعسفية
التي يدعي المغرب الرسمي أنه قطع معها الصلة
منذ 1999 بماذا تفسرون هذه الردة الحقوقية؟
□
بدءا علي أن أذكر بأني لم يسبق لي البتة أن قرأت
أو سمعت خطابا رسميا مفاده أن الدولة المغربية،
عبر أجهزتها الحكومية ذات الصلة بمختلف فئات
الحقوق و الحريات الأساسية المستحقة للمواطن (ة)
المغربي (ة) و لباقي الأفراد المقيمين في المغرب ،
قد اتخذت من سنة 1999 حدا فاصلا بين انتهاك هذه
الحقوق و بين احترامها و الالتزام بمعاييرها و
إعمال مقتضياتها و تفعيلها . كما علي أن أذكر بأن
مرجعية إدراج سنة 1999 في الخطاب السياسي الوطني
إنما ترتبط ، من جهة ، بانتقال بيولوجي لعرش
المملكة و ليس بتغيير استراتيجي في تدبير الشؤون
الوطنية بما فيها الشأن الحقوقي الإنساني ، و
ترتبط ، من جهة ثانية ، بإحداث " هيئة الإنصاف و
المصالحة " التي حددت لها لوائحها التنظيمية أن
تعالج ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ،
حصرا ، خلال الفترة المتراوحة من استقلال البلاد
إلى سنة 1999 و هو الأمر الذي أثار التباسا بين
الناس مفاده أن الأمر يتعلق بعهدين متباينين : عهد
القمع الممنهج و الاستمرار في مصادرة الحقوق و
الحريات و عهد التمكين و دولة الحق و القانون .
أما في شأن ما إذا كان المغرب ، راهنيا، يعرف ردة
حقوقية ؟ فانطلاقا من خلاصات التقارير الدولية
التي يراقبنا العالم من خلالها ، علي ، هنا ، أن
أذكر أيضا بأن أول حكومة أطلق عليها حكومة " العهد
" أو التناوب قد تمت تنصيبها خلال العهد المنعوت
بالسابق ، و أن بداية التفكير و الاشتغال حول "
مدونة الأسرة " الحالية تعود إلى نفس هذا العهد ،
و كذا الحال بإحداث مؤسسات حكومية و أخرى " وطنية
" تعنى بحقوق الإنسان و بأهم التعديلات التي
عرفتها مدونة المسطرة الجنائية و بأهم التحقيقات
التي أنجزت في شأن الفساد و التسيب الذي حكم لفترة
طويلة مسار عديد من المؤسسات الوطنية الاجتماعية و
البنكية ،،، إلخ . و في المقابل إنه منذ سنة 1999
إلى الآن لم تنج ، مثلا ، حرية التعبير عبر
الصحافة المكتوبة من مواصلة إخضاع الصحفيين
للإكراه البدني و دون محاكمة عادلة و من جعل
الصحفيين و المفكرين في وضعية الرهائن و من تهديد
الجرائد و المجلات المستقلة بالإفلاس و من الضغط
بأشكال أخرى على هذه الصحافة ،،، كما لم ينج
محامون و مدافعون عن حقوق الإنسان من المتابعة
الانتقامية بل و من التشطيب عليهم من لوائحهم
المهنية كحال المحامين أصحاب " رسالة إلى
التاريخ " ، و ذلك دون إغفال أن قانون مكافحة
الإرهاب قد تم تمريره في السنوات الأخيرة لإتاحة
الفرصة أمام الأجهزة الأمنية للانقضاض في كل مرة و
حين على معظم الحريات و الحقوق و أن القانون
المتصل بقضايا التعذيب و الذي صودق عليه أخيرا لا
يجرم لا التعذيب و لا حيازة أدواته بقدر ما يحصن
الموظفين المنفذين للقانون من تبعات إثبات ممارسته
و فرضية أن يتعرضوا هم إليه. و يكفي للتدليل على
أن الأمر لا يتعلق بردة و إنما باستمرارية لكنها
اليوم مقعدة قانونيا أننا في هذا الوقت الذي
نتجاذب فيه أطراف الحديث من خلال هذا الاستجواب
( 15 يونيه 2007 ) تكون قوات للأمن بمدينة
الرباط قد عاتت فسادا في أجساد مناضلين و مناضلات
من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و من منظمات
حزبية و نقابية كان همهم الأساسي هو إعلان تضامنهم
مع معتقلي فاتح ماي 2007 و إعلان شجبهم للمحاكمات
و الأحكام الظالمة التي طالت عددا كبيرا منهم.
-
هناك من يرى أن نفس سلوكات النظام مع اليسار
إبان معارضته للنظام لازالت مستمرة كسلوك خاصة
اتجاه الإسلاميين من خلال اعتقالات تعسفية،
اختطافات، غياب محاكمات عادلة... ما هي
قراءتكم كحقوقي لما يجري؟
□
قد تتعدد القراءات ، لكن أحدثها تؤكد على أن
الأنظمة السياسية عموما و الأنظمة السياسية غير
الديمقراطية و من بينها حتى تلك الأنظمة الموصوفة
بالانتقالية ، خصوصا ، تحتاج بين الفينة و الأخرى
إلى دعم بروز خصوم أو أعداء أو إلى اختلاقهم ،،، و
في هذا السياق لقد بدأ الاعتقاد يترسخ بأن
الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تعد منظمة
القاعدة من جديد إلى ضرب أحد أهدافها البارزة
فإنها هي نفسها ستتطوع لإنجاز هذه المهمة، و أن
إسرائيل إذا فات وقت معين دون أن يسقط فوق ترابها
أحد الصواريخ المنطلقة من مكان ما من أراضي السلطة
الوطنية الفلسطينية أو من جنوب لبنان ستبادر هي
نفسها إلى إطلاق مثل هذا الصاروخ على ترابها ،،، و
هكذا ، ففي غياب استراتيجيه للدمقرطة في المغرب
كان تاريخ المغرب الحديث تاريخا لثنائية الصراع
تارة بين الأوتوقراطية و الحركة الوطنية بوجهيها
السياسي و العسكري من أجل الانفراد بالسلطة أو
الاستيلاء عليها أو الضغط من أجل تقاسمها ، و تارة
بين أوتوقراطية منفتحة على هياكل تلك الحركة
الوطنية و بين الحركة الماركسية اللينينية من أجل
احتواء تلك الحركة الأولى و توظيف خطر" الثورة
الشعبية المسلحة " و " حرب العصابات " و " بناء
الحزب الثوري تحت نيران العدو " ،،، من أجل
الانفراد بشباب الحركة الثانية و مواصلة استعمال
العصا في حق كل من عصا أو فكر في مثل ذلك ، و
بالتالي تأجيل إشباع حاجات الأفراد و المجموعات و
الجماعات إلى الديمقراطية و ما تقتضيه من مساءلة
و محاسبة ، و تارة بين أجنحة المخزن نفسه ، في
شكل محاولتين انقلابيتين بارزتين ، و دائما ضد أي
توجه نحو دمقرطة البلاد ، و تارة غيرها بين
تنظيمات أصولية مختلقة أصلا من قبل النظام نفسه و
بين اليسار ، عموما ، و بكل أطيافه، و تارة أخيرة
بين النظام مدعوما من قبل فلول الحركتين الوطنية
و الماركسية و الحساسيات الليبرالية و بين
الأصولية المتطرفة المتحكم في حركيتها عن بعد
بواسطة الأجهزة الأمنية المختصة . و في كل محطة من
هذا المسار التاريخي لم يتورع النظام أبدا عن
استعمال أبطش أساليب القمع و أوحشها و التي منها
القتل في الطريق العام و الاعتقال التعسفي و
الاختطاف و " الاختفاء القسري " و المحاكمات غير
العادلة ، و هو أمر طبيعي مادام هو وحده العنصر
المحكم التنظيم و المالك لكل السلطات بما فيها
سلطة الفولاذ و الرصاص و الأقبية السرية و السجون
العلنية .
-
بماذا تفسر صمت اليسار اتجاه هذه الممارسات،
خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن وزير العدل
محمد بوزوبع نفى وبشكل قاطع حدوث مثل هذه
الممارسات خلال العهد الجديد؟
□
لا شك أنك تقصدين صمت " اليسار " الممثل في
الأغلبيتين الحكومية و البرلمانية . و لا شك أنك
تقصدين ب "العهد الجديد " الفترة الممتدة من 1999
إلى الآن ، أي فترة اعتلاء الملك محمد السادس عرش
المغرب خلفا لوالده المغفور له الملك الحسن الثاني
و استمرار جزء من الحركة الوطنية في القيام بمهام
التسيير الحكومي و بالتربع على كراسي برلمانية ،
فإذا كان الأمر كذلك ، إنه من غير المستبعد دوما
أن يواصل السيد وزير العدل إنكار ما يتكرر بشكل
دائم و مسترسل و ممنهج و على نطاق واسع من
انتهاكات محطة بالكرامة الإنسانية كإياها التي
وقعت أخيرا في حق مناضلات و مناضلين حقوقيين
و كتلك التي تحدث يوميا ضد مناضلات و
مناضلي جمعيات المعطلين من الحاصلين على شهادات
عليا و كذا ضد حركات الاحتجاج الشعبية و
تنسقياتها المحلية و الوطنية أو كتلك التي تواصلت
في مختلف أنحاء البلاد منذ انفجارات يوم الجمعة 16
ماي المشؤوم و ازدادت شدتها إثر انفجارات أبريل
2007 . لكن ، و في مقابل كل من هذا الصمت المريب و
ذاك الإنكار المعيب ، لا بد من الإشادة بالجهود ،
على علاتها ، التي ما فتئ اليسار غير الحكومي
يبذلها ، عبر صحافته و أنشطته و غيرها من أساليب و
أدوات تعبيره ، في سبيل إسماع أصوات الضحايا و
حماية مجموع الأفراد من الممارسات غير اللائقة
بسمعة البلاد و من أجل تحسين صورة حقوق الإنسان في
المغرب و في سبيل تسريع دينامية الانتقال
الديمقراطي نحو الديمقراطية . و ذلك خاصة و أن
بلدنا يحتاج إلى مزيد من الضغط السلمي على أجهزته
ذات الصلة باتخاذ القرار السياسي داخله لكي لا
تختار غير تمكين الإنسان – المواطن المغربي .
-
ما هي رؤيتكم المستقبلية كمنتدى للحقيقة
والإنصاف للتصدي لهذه الخروقات التي تمس حقوق
الإنسان في الصميم، خصوصا أن البعض يرى أن
التاريخ يعيد نفسه؟
□
أستسمحك أولا في التصريح بأني ليست لي أية علاقة
تنظيمية بجمعية " المنتدى المغربي للحقيقة و
الإنصاف " . أما بالنسبة لرؤيتي الشخصية بخصوص
وضعية حقوق الإنسان مستقبلا ،فإني يمكن أن أوجزها
في أن المغرب لن يمكنه أبدا أن يتراجع خطوة إلا و
هو يتقدم خطوات و أن كل تراجع ما هو في الواقع سوى
تضييع للوقت و فوق ذلك تعقيد لمسار المصالحة مع
الذات و بين مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع
المغربي و إخلال بشروط بناء الثقة بين هذه
المكونات . و إن ما يشهده العالم ، ومن بينه وطننا
العزيز، من انتكاسات على مستوى حقوق الإنسان ما هو
في نهاية الأمر سوى شكل من أشكال النزع الأخير
التي تعبر بها الضواري المحتضرة عن رغبتها في
الاستمرار في البطش دون رقيب و لا محاسب، ضمانا
منها بذلك لألا يسود غيرها ،،، غير أنه ، و كما أن
الاحتضار لا ينبئ إلا بوشوك الممات، فإن التاريخ
في شأن حقوق الإنسان لا يعيد نفسه لسبب واحد و هو
أن التاريخ البشري ما هو في حد ذاته سوى تاريخ
استعادة الإنسان لحقوقه و حرياته التي تم ، عبر
العقود و الأجيال و القرون ، تجريده منها . إن
الناس كيفما كان التقييم قد استأنسوا في بلدنا
بقدر كبير من ثقافة حقوق الإنسان و هو قدر رغم عدم
كفايته سيمكن ، من جهة ، في حالة ارتقاء جمعياتنا
المعنية بكفاياتها و كفاءاتها المهنية ذات العلاقة
من حماية جملة الحقوق و الحريات المسترجعة ، كما
سيمكن ، من جهة أخرى ، في حالة تقدم النظام
السياسي أكثر نحو الديمقراطية من تنمية هذه الحقوق
و الحريات و صيانتها ضد أي اعتداء عليها .
-
لماذا كلما تعلق الأمر بتجاوز حقوقي إلا
وصامت أحزابنا عن الكلام؟
□
لمقاربة الموضوع بشكل يساعد على فك بعض ألغازه ،
دعيني ، من فضلك ، أعدل من صيغة السؤال ليصبح
قادرا على استيعاب التفرعات التالية : 1 ـ ما
العلاقة بين السياسي و الحقوقي ؟ 2 ـ هل يمكن
الجمع بين السياسة و حقوق الإنسان في برنامج واحد
؟ 3 ـ أي البرنامجين ، الحقوقي أم السياسي
الحزبي، هو الذي من الطبيعي أن يستفيد من الآخر؟ 4
ـ ما هي عواقب كل من سوء تدبير العلاقة بين هذين
البرنامجين و التخلي السياسي عن حقوق الإنسان ؟
و هكذا ، إننا أمام سياقين مختلفين سياق يخص
مصداقية الجمعيات الحقوقية و سياق يتعلق بلجان
سياسية حزبية يطلق عليها لجان حقوق الإنسان ، ففي
الوقت الذي يكون فيه من المفروض على الجمعية
الحقوقية لكي تكون ذات مصداقية أن " تتمسك ،،،
بصرامة ببرنامجها و أهدافها بغض النظر عن المستفيد
أو المتضرر سياسيا " و ألا تكون مطية لأهداف
الحكومة أو المعارضة ، فإن الحزب السياسي مهما
حاول إحداث لجنة حقوقية يوكل إليها مهمة مراقبة
وضعية حقوق الإنسان لن تكون نتائج هذه اللجنة سوى
نتائج سياسية تستعمل لدعم المعارضة إذا كان الحزب
معارضا أو لدعم الحكومة إذا كان الحزب مشاركا فيها
أو حليفا لأحد أقطابها.
و فيما يكون مسعى الجمعية الحقوقية الحريصة على
مبادئ الاستقلال و الحيادية و الموضوعية هو الحيطة
من أن يتخذ نشاطها الحقوقي ، بما فيه ذا الصبغة
السياسية ، منحى حزبيا متحيزا ، فإن الحزب
السياسي و لجنته الحقوقية قد ينتقد ذلك المسعى
الذي تنشده تلك الجمعية إذا كان حكوميا أو مواليا
للحكومة و قد يرحب به إذا كان معارضا أو يعاني من
انتقاص في بعض قوائم حقوقه . و في حين لا تتغاضى
الجمعية الحقوقية على تطبيق المعايير الدولية
لحقوق الإنسان على أية حكومة مهما كان لونها
السياسي ، فإن الحزب السياسي غالبا ما ينحو نحو
الكيل بالمكيالين فيفضح أو يثمن لأسباب سياسية
خاصة سياسات حكومة سابقة و يواجه سياسات حكومة
جديدة بما يخالف هذا الحال ،،، و إن هذه الصورة
تصدق على كل الأحزاب السياسية في البلدان
الانتقالية ، حيث لم يتأكد بعد في بلدنا ، مثلا ،
أن البرامج السياسية لأحزابنا تتغذى من مخرجات
التحقيقات و الدراسات التي تنتجها جمعيات حقوق
الإنسان المتصفة بالمصداقية ، و على العكس من ذلك
غالبا ما تجمد جمعيات لحقوق الإنسان أنشطتها
الحقوقية المسطرة ضمن لوائحها التنظيمية بمجرد ما
يصل الحزب أو الأحزاب التي ينتمي إليها قياديوها
إلى الحكومة ، بل و قد تتحول إلى بوق سياسي
بالتمام و الكمال،،،، و بالتالي فالأحزاب
السياسية في واقع الحال لا تصمت في وجه انتهاكات
حقوق الإنسان و إنما تتحدث إما بصفتها مساهمة بقدر
ما في هذا الانتهاك أو بصفتها جزءا من جملة ضحايا
تلك الانتهاكات . و شكرا .
* المصطفى
صوليح ، كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية
على حقوق الإنسان و المواطنة – من أطر اللجنة
العربية لحقوق الإنسان ( باريس ، فرنسا ) . صدر ،
له عن أوراب و الأهالي و اللجنة العربية لحقوق
الإنسان ،كتاب تحت عنوان " نقد التجربة المغربية
في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " .
ـ المصدر : جريدة " المشعل " الأسبوعية المغربية ،
عدد 124 ، من 21 إلى 27 يونيه 2007 ، ص 14 و 15 ،
الدار البيضاء ، المغرب .
|