french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr

International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations


المصطفى صوليح

ملاحظات حول ندوة " المدرسة و السلوك المدني "

2007-05-27

 
 

 

المصطفى صوليح * El Mostafa Soulaih

 

أخيرا دشن المجلس الأعلى للتعليم ، و هو مؤسسة دستورية ، برنامجه الإشعاعي بتنظيمه ، خلال يومي 23 و 24 ماي 2007 ، ندوة بمقر المدرسة المحمدية للمهندسين – الرباط ، بتعاون مع وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي موضوعها : " المدرسة و السلوك المدني " .

و لأن موقعي داخل قاعة العروض لم يمكن رؤساء الجلسات من الانتباه إلى طلباتي الملحة على تسجيلي ضمن قوائم المتدخلين – المناقشين  ، آثرت أن أدون ملاحظاتي إياها و تعميم نشرها ، هنا ، مساهمة مني في إغناء نقاش لم أتوقف أبدا عن الإدلاء فيه برأيي على مدى أزيد من عقد من الزمن .

من هذه الملاحظات ما يلي :

 

بالنسبة لردود الفعل الأصولية

 

1 ـ إن السلوك سواء باعتباره مختلف الأفعال والأنشطة  التي تصدر عن الفرد ظاهرة كانت أو غير ظاهرة، أو بالنظر إليه كأنشطة أو أفعال يمكن ملاحظتها وقياسها أو تتم على نحو غير ملحوظ  ،، هو سلوك إنساني تؤطره خلفية ثقافية قيمية معينة ؛

2 ـ إن السلوك المدني ، عكس ما تزعمه الورقة التقديمية لبرنامج الندوة ، هو مقابل بل ومناقض بالتمام للسلوك الديني الاسمي الأحادي  و للسلوك العسكري العدواني و للإرهاب والتعصب و التطرف بكل أبعاد كل من هذا الثلاثي اللاإنساني  و دلالاته ؛

3 ـ لأن الأمر هكذا ، هو ما أثار حفيظة أصوليينا ، فألحوا بشكل ممنهج و خال من كل مروءة على أحادية  المرجعية الثقافية القيمية الإسلامية للمغاربة و على تفضيل اللغة العربية عن غيرها من اللغات و الفلاسفة العرب المسلمين عن غيرهم من الفلاسفة ؛

4 ـ  و لأن الأمر هو هكذا ، أيضا ، فإن البلدان التي قررت أن توظف كل أو بعض وسائط التنشئة الاجتماعية ، و على رأسها التربية و التكوين المدرسيين ، في سبيل النهوض بالسلوك المدني لأفرادها و مجموعاتها و جماعاتها  هي إما بلدان علمانية أو بلدان أجرأت اعترافها الفعلي بالمساواة بين جميع مواطنيها و بينهم و بين جميع الأفراد المقيمين فوق ترابها في جميع مكونات الحياة الفردية و المجتمعية المستحقة لهم ،، و من ذلك أنها استبدلت التربية المرتبطة بديانة اسمية أحادية معينة بالتربية الدينية ، أي بتربية تتأسس على القيم النبيلة المشتركة بين مختلف الديانات السماوية       و غيرها خدمة ، من جهة ، لأغراض الانسجام الروحي الافتراضي للناس و تعزيزا ، من جهة أخرى ، للاحترام المتبادل بينهم بعيدا عن شتى أشكال التفاضل التمييزية ، و ذلك بالنظر إلى أن الله واحد و من يمايز بين أديانه إنما يشرك به لأنه يمايز ، واقعيا ، بين تعدد من الآلهة؛

5 ـ و بعبارة أخرى ، إن حرص أصوليينا على التدخل و بكثافة إثر انتهاء عروض كل جلسة من جلسات الندوة لم يكن أبدا بدافع تعميق النقاش من أجل مجتمع في بلد يحسب فيه ألف حساب لجميع من يتعايش بسلم و إخاء داخله ، و إنما ليعلنوا بأنهم،  سواء هنا أو هناك ، موجودون لإنجاز المهمة التي أوكلها الله إليهم لحماية شريعة آخر دياناته المرسلة ، بعد انتهاء عهد الأنبياء ، عبرهم إلى كل العالمين . و رغم أنه لا أحد منهم يحمل شارة أو بطاقة إلهية تنتدبه لذلك ، فإن أحدهم يبدو أنه فقيه وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و البحث العلمي و تكوين الأطر ، الحاضر بتكليف منها في كل محطات الإصلاح المرصودة للتربية و التكوين ، قد سبق له أن جهر في يوم 19 أبريل ، و كان وقتها يرتدي لباسا تركيا ، بأنه في بلد إسلامي ، هو المغرب، لا مكان لا للتربية على حقوق الإنسان و لا للتربية على المواطنة ، و أن التربية الوحيدة الممكنة هي التربية الإسلامية ، ثم أنهى مداخلته بآيات قرآنية و أحاديث نبوية ، جد منتقاة ، تتوعد من يقول عكس ذلك بأشر العقاب (1) ، متناسيا أنه لا أحد قد وقف طيلة القرون الخمسة عشر الماضية ضد أن تقوم التربية الإسلامية مقام التربيات القيمية النبيلة الأخرى ، و أن كل الدول التي استولت على الحكم في المغرب ، على مدى التاريخ العربي الإسلامي قد بررت ذلك برغبتها في نشر الإسلام فيه ، فهل يعتقد الفاتحون المحدثون أن المغاربة يحتاجون إلى إسلام أفغاني أو تركي ، مغاير ، يجدد إيمانهم بالأحقاد و يحثهم على كراهية باقي العالمين ؟

6 ـ إنهم مثلنا بشر ، فمن يسخرهم لكي يقدموا أنفسهم بغير هذه الصفة ؟ من يعتقد بأنهم حين يلجأون إلى ترهيب الناس إنما يحدثون بذلك توازنا في المجتمع ؟ من في مصلحته تعطيل أزمنة تحديث بلدنا المغرب العزيز ؟ أسئلة و غيرها أؤجل دلوي فيها إلى ورقة أخرى .

 

بخصوص حرف الواو الذي يتوسط شقي عنوان الندوة

 

7 ـ الواقع أن برنامج ندوة المجلس الأعلى للتعليم حول " المدرسة و السلوك المدني " كان على العموم جيدا ، و ذلك سواء من حيث مواضيع جلساته أو مضامين مداخلاتها ، و كذا الحال بالنسبة للوحدات التي تمت مقاربتها داخل مشاغل النصف اليوم الأخير . غير أنه ، و كما يحدث دائما في حالة الملتقيات التي تعنون نفسها بتيمة تحيل على شقين يفصل بينهما حرف الواو حيث يتوه المتأمل  في اختياره بين الشقين مادامت طبيعة الحرف الرابط / الفاصل بينهما ملتبسة ، لا أحد من المتحدثين أو المتدخلين – المناقشين منح بعضا من اهتمامه للشق الخاص بالمدرسة ، فالجميع ركز في محاضرته على المفهوم المستجد بالنسبة للحالة المغربية أي على " السلوك المدني " من حيث تعريفه و دواعيه  و شبكة المفاهيم المؤسسة له و المتفرعة عنه و مظاهره و الحقوق الضامنة له و المسؤوليات الملقاة عليه و كذا من حيث قياسه و عوائقه و أساليب تعديله و الارتقاء بقيمه ،،،، و في حين  يمكن إيجاد الكثير من العذر للخبراء و الباحثين الأجانب الذين قدموا تجارب بلدانهم ( إسبانيا ، فرنسا ، الولايات المتحدة الأمريكية ، الكيبيك بكندا ) منوهين تارة  و منتقدين أو مقترحين متغيرات جديدة تارة أخرى في شأن الهياكل المؤسساتية و الأنظمة التربوية التعليمية ذات الصلة بالسلوك المدني و بتنميته ، معتقدين في ذلك بأن المدرسة كأحد الفضاءات الأكثر فعلا في الارتقاء به لدى المتمدرسين هي واحدة في كل الأوطان ، فإن المتحدثين الداخليين و خاصة منهم الذين واكبوا العشرية المحلية للتربية على حقوق الإنسان و يواكبون حاليا أجرأة الميثاق الوطني للتربية و التكوين و معه برنامج التربية على المواطنة لم يبادروا ، إما لأنهم لا علم لهم بمجريات الأمور أو لأن السرد النظري يعمي على المعاينة الميدانية ، إلى وضع المجلس الأعلى للتعليم أمام الصورة التي تجعله يتأكد من أن مدرستنا الحالية ، كما هي عليه ، هي واحدة من العوامل الرئيسية التي عاقت تفعيل تلك العشرية و تجعل اليوم هذا البرنامج يضرب رأسه مع الحائط و بالتالي ستجعل من أي إصلاح مقبل يتأسس على قيم  و مبادئ السلوك المدني إصلاحا دون جدوى ، أو يكون بمثابة ملهاة إضافية أخرى . كيف ذلك ؟

8 ـ إن السلوك المدني هو مختلف التعبيرات اللفظية و الفسيولوجية و الحركية الملحوظة أو الداخلية غير العنيفة و غير  العدوانية التي تصدر عن الفرد فتدل على أنه قد تطوع بكامل إرادته و بكل وعي من أجل التكيف مع متغيرات مجتمعه     و بالتالي آثر التوافق مع غيره من أجل العيش المشترك ، محليا ، جهويا ، وطنيا ، عالميا ، ضمن قواعد و مؤسسات عادلة تضمن للجميع الكرامة المستحقة للإنسان مهما كانت اختلافاته أو خصوصياته ، و كذا على أساس ألا يتخذ من تلك الاختلافات أو الخصوصيات ، مهما كان الحال ، ذريعة للانقضاض على خصوصيات و اختلافات أو حقوق و حريات غيره.

9 ـ و عليه ، إن التربية على السلوك المدني ، أو التربية المدنية ، هي أولا ، التربية التي تيسر عبر مختلف قنوات التنشئة الاجتماعية للفرد سبل تعرف الذات و تدريبها على قبول الذات الجماعية ، المحلية و الجهوية و الوطنية   و العالمية ، و ذلك دون إكراه على التماثل معها أو الانصهار فيها حد التطابق معها أو التخلي عن الاستقلالية  في التأمل و التفكير و في إبداع الحلول و ابتكار القرارات الهادئة ، و هي ثانيا ، التربية التي تقدر الفرد على اكتشاف معنى " أننا متساوون و لكننا مختلفون ، أننا مختلفون و لكننا متساوون " و استيعاب الدلالة العظمى لهذا الاكتشاف في الزيادة من فهم الذات و إدراك حاجات الآخر و بالتالي تحسين الوضع المشترك بين الجميع و تجويد  المعايير القيمية و الأخلاقية     و القانونية الناظمة لكل ذلك ، و هي ثالثا ، التربية التي ترسخ بين الجميع قاعدة أن الدولة هي للجميع و الأجهزة الحكومية المنتخبة أو غيرها ، المركزية أو الجهوية أو الإقليمية أو المحلية ، هي للتداول و التناوب خلال فترات معقولة الآماد،،

10 ـ و عليه دائما ، إن التربية المدرسية ، ما قبل الجامعية و الجامعية ، على السلوك المدني هي تدريب و تكوين يتضمن ثلاثة مداخل هي المدخل الإنساني الكوني و يتمثل في مكونات ثقافة حقوق الإنسان و المدخل السياسي و يتمثل في ميكانيزمات المواطنة بما تعنيه من مشاركة متساوية و المدخل المدني و يتمثل في المعارف و القيم و المبادئ         و الأدوات الكفيلة بتيسير الانسجام بين الناس و فض النزاعات المحلية و الوطنية بينهم وفق الطرق و الأساليب المناسبة لكل حالة على حدة . فما الذي يجعلني أزعم بأن مدرستنا غير مؤهلة لتيسير هذه المهمة  ؟

11 ـ لا أقصد بالمدرسة ، هنا ، المؤسسة التربوية التعليمية ما قبل الجامعية أو الجامعية باعتبارها بنية إيديولوجية أو معرفية علمية ، و هو ما اهتمت به جميع مداخلات الندوة . ما أقصده بالضبط هو الجانب المعماري و الأثاث مكاني الغالب على هذه المؤسسة و على عدتها البيداغوجية ، فها هنا تنتصب أعتى عوائق كل تربية قيمية نبيلة و منها التربية المدرسية على قيم السلوك المدني ، و ها هنا كل شيء مهيإ بشكل مسبق لكي لا ينسجم إلا مع تعقيد العلاقات بين الأقران و تفشي الغش و الإهمال و المنافسة المبتذلة و تأزيم التواصل بين المتمدرسين و مع المدرسات و المدرسين و التحرش بهن و بهم و توسيع دائرة الهدر المدرسي و شيوع مظاهر الاقتتال و تخريب التجهيزات المدرسية و انتشار ظاهرة البغاء المدرسي بما فيه القائم على بدعة " زوجتك نفسي " و تعاطي المخدرات و الاتجار فيها و التسيب في تأويل دروس مواد معينة و في تحويل حصص الدعم و التقوية إلى دروس خصوصية مؤدى عنها و إحالة كل ما يتعلق بالاستيعاب على الأشغال البيتية ،،،

12 ـ ما أقصده ، هو أنه في مقابل انطلاق كل تربية قيمية و من بينها التربية المدرسية على السلوك المدني من مبدإ      " الجماعة و كل واحد " ، لا تعترف مدرستنا إلا بالجماعة و من أمثلة ذلك إطلاق التسمية التالية : تلامذة القسم كذا ،   و ترتيب التلميذ(ة)  أو الطالب(ة) ليس بناء على تقدمه تجاه تعلماته هو و إنما تجاه المقرر و تجاه مكتسبات غيره . و أنه في مقابل اعتراف كل تربية قيمية بأن لدى كل فرد طاقة كامنة تحتاج إلى حافز لإنمائها و إظهارها و إشراك الآخرين في تقاسمها معه ، تصر مدرستنا على تصفيف تلامذتنا و طلبتنا طيلة عمرهم المدرسي الواحد خلف الآخر يناوب كل واحد نظره بين قفا الذي أمامه و المدرس / العالم الواقف على المصطبة أو الجالس إلى المكتب أمام الجميع . و أنه في مقابل إقرار التربيات على القيم بلزوم تنظيم جلوس  المتدربين في شكل دائرة أو نصف دائرة أو في شكل الحرف اللاتيني U أي في شكل يسمح لهم بالنظر إلى بعضهم و التداول في ما بينهم حول القضايا ذات الصلة بالدرس المقرر أو غيره مع توزيع مهام التسيير و تحرير التقرير و ضبط الوقت المرصود و الحرص على الأهداف من النقاش بينهم إعمالا مصغرا بذلك للمواطنة ، تستمر مدرستنا في ألا تعتمد كأثاث مكاني سوى الطاولات الخشبية الثقيلة و الغالية الملتصقة بكراسيها بواسطة أذرع حديدية أو المنغرسة في الأرض ، و ذلك بدل اعتماد غيرها من الأثاث المرن – السهل ( موائد خفيفة       و كراسي منفصلة عنها ) و السريع التحريك و المنخفض التكلفة و الميسر لأعمال الصيانة . و بالتالي حرمان الأطفال    و اليافعين من تعرف بعضهم و إدراك الخاصيات الفردية لكل منهم و إقصاء الجميع خلال زمن قد يتراوح من 13إلى 18 سنة من عمليات التنشئة على رصد القواسم المشتركة و تدبير الاختلافات و فض النزاعات الناشئة بطرق غير عنيفة .   و أنه في مقابل ما توصي به هذه التربيات بأن تكون الحجرات و المدرجات الدراسية بمثابة المشاغل المفعمة بالحياة العملية تحرص مؤسستنا التربوية التعليمية على أن تفصل بين العدة الديداكتيكية و البيداغوجية الموضوعة رهن إشارتها ، بحيث تسهر على تخزينها داخل مستودعات خاصة ، و بين تلك الحجرات و المدرجات الدراسية فترهن الأمر بمدى القبول بتوظيفها و كذا بمدى القبول بالتنقل بها في كل مرة ،،

و في الأخير ، إذ لا تزعم هذه الملاحظات و الاقتراحات المتضمنة فيها بأنها تقدم حلا سحريا لما يتطلبه إنجاح مسار التربية على السلوك المدني و تصحيح مسار التربية على حقوق الإنسان و التربية على المواطنة ، فإنها مع ذلك ، و هي تستحضر متغيرات أخرى جد متعددة لم تتناولها حاليا ، تجدد تأكيدها على أن أي إصلاح إما أن يكون شموليا ، و إن بالتدريج , أو لا يكون . أما الجانب الذي لم ينعم أبدا بأي محاولة للإصلاح ضمن بنيتنا التربوية التعليمية فهو هذا الجانب الذي تم التأكيد عليه ، هنا في النقطة 12 ، و هو المتعلق بالبنية المعمارية و الأثاث مكاني  للحجرات الدراسية و عدتها البيداغوجية . و أما الجوانب الأخرى فإن الرسالة الملكية الموجهة للندوة قد نبهت إلى أغلبها .

 

* المصطفى صوليح  El Mostafa Soulaih ، كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان         و المواطنة – من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان ( باريس ، فرنسا ) .  elmostafa.soulaih@menara.ma

 

(1) ـ الجلسة الثانية " التربية على المواطنة ، أية قيم إنسانية ، أية قيم أخلاقية ؟ " من اليوم الدراسي " التربية على المواطنة " المنظم بمقر المركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم – الرباط  من قبل اللجنة المركزية للتربية على حقوق الإنسان و المواطنة و مرصد القيم و المركز الوطني لتكوين المفتشين .

 

بيانات

مقالات

تقارير

دراسات

حملات

كتب

وجهة نظر

أخبار

إصدارات

نشاطات

كتب سلسلة براعم

   موريتانيا    


هيثم مناع

منصف المرزوقي

فيوليت داغر

المصطفى صوليح

ناصر الغزالي


 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها