عندما وصلتني لائحة الاتهام بحق ميشيل كيلو ومحمود عيسى
وقرأت فيها
1-
جناية إضعاف الشعور القومي وإثارة النعرات الطائفية
والقومية والمذهبية وفق أحكام المادة 285
2-
جناية تعريض سورية لأعمال عدائية وفق أحكام المادة278 من
قانون العقوبات السوري.
3-
الظن عليه من جنحتي إذاعة أنباء كاذبة والذم والقدح وفق
أحكام المواد 307 -376 من قانون العقوبات.
قلت في نفسي: كيف اتفق ميشيل ومحمود على إثارة النعرات
الطائفية في بيان مشترك وقعه مثقفون من كل الطوائف
والمذاهب في سورية ولبنان دون استثناء؟
ألا تسأل قيادة حزب البعث في سورية نفسها السؤال: هل
الشعور القومي مصاب بنقص المناعة الذاتية حتى يهتز من
عريضة للمثقفين والمدافعين عن الحقوق المدنية؟
منذ قرابة عام وميشيل كيلو ومحمود عيسى وأنور البني
(والقائمة لم تعد حصرية للأسف)، يتناوبون على جناح جرائم
الاغتصاب وهتك العرض والشرف في سجن عدرا. ذلك في عملية
تنكيل وإيذاء نفسي ومحاولة تحطيم معنوي لأنهم في لحظة من
حياتهم العامة قرروا تحديد موقف من العلاقات السورية
اللبنانية. قرار مستقل عن كل مراكز القرار في البلدين.
صرخة مدنية تقول بأن الجار قبل الدار وأن التكامل العربي
ممارسة سلمية للتعدد السياسي والتنوع الثقافي والتصاهر
والتبادل والتشبيك بين الناس. وقبل أن يكون قرارا فوقيا
مفروضا من أي طرف على آخر.
كلاهما سبق واعتقل. ولمحمود في ذمة السلطة التسلطية، قبل
اعتقاله الأخير، ثماني سنوات سجن وحرمان من الحقوق المدنية
والسفر والعمل في القطاع العام. الجريمة دائما، الخلاف في
وجهة النظر مع السلطة السياسية الأمنية في البلاد.
إعلان دمشق بيروت- بيروت دمشق لم يكن قرآنا مقدسا بل وجهة
نظر. ترجمة طبيعية عن الحق الأساسي للبشر في التعبير
السلمي عن وجهة نظرهم في قضية لا يمكن أن يوضعوا خارج قوس
فيها بقرار من الأمن السياسي. مشاركة من المواطن في واجبه
المواطني، ضمن حقه المنطقي في الخطأ والإصابة.
لا يمكن حصر موقف السلطات السورية بما يسميه بعض أعضاء
الجبهة الحاكمة بمؤشر لفلتان الأمور فيما يتعلق بالملف
اللبناني داخل سورية. خاصة وأن معظم مكونات المعارضة
السورية لم تدخل في مماحكات المزايدات والمناقصات الخاصة
باغتيال الفقيد رفيق الحريري أو التعويل على سقوط النظام
في دمشق من بيروت أو باريس أو واشنطن. لكن هناك نوع من
الخلط المتعمد بين كل مكونات المعارضة ومشروع التدخل
الخارجي، خاصة بعد أن حصل نوع من الإنفراج العربي والدولي
تجاه الحكم السوري. بحيث تضرب أجهزة الأمن الخطاب
الديمقراطي الأكثر نزاهة ووطنية وأمانة لمقومات مشروع قومي
حديث جدير بالتسمية. وذلك باسم ارتباط هذا الخطاب بالخارج
ووهن الأمة وإضعاف العروبة وضرب سيادة الدولة.
لم تتوقف الاعتقالات على رموز النشاط المدني، بل شملت
نشطاء الأنترنيت وإسلاميين من عدة اتجاهات ونشطاء أكراد
وعائدين للوطن لا يوجد بحقهم أي حكم قضائي. وأخيرا شبيبة
تحت سن البلوغ ومواطنين غير مسيسين إثر اضطرابات مدينة
الرقة. وقد رصدت اللجنة العربية لحقوق الإنسان مثول أكثر
من ستين ناشطا أمام القضاء السوري في الأشهر الثلاثة
الأخيرة.
في حفلة الملاحقة والمتابعة ونقل المعارضة الداخلية لمواقع
الدفاع، تتم حفلة أخرى من نوع مختلف خلال هذا الربيع
الخريفي المعالم اسمها: آخر استفتاء في التاريخ السياسي
المعاصر على تسمية رئيس جمهورية للبلاد في ترشيح واحد أحد.
تذكرت ما قالته لي أمي التي انتسبت لحزب البعث قبل ولادتي
وتركته قبل وصوله السلطة: "يا إبني شو تشرشح الشعور القومي
في هذا الزمان"! |