french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr

International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations


فيوليت داغر

القوة العظمى ونحن

2007-05-02

 
 

 

من جديد تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة شديدة التوتر، حيث تنام وتصحو على إيقاع التهديدات بحرب أميركية أخرى، تستهدف هذه المرة إيران التي أعلنت تمكنها من الإنتاج الصناعي للوقود السائل النووي للأغراض السلمية ولأجهزة الطرد المركزية المستخدمة في هذه العملية.

نعلم أنه منذ تفكك الاتحاد السوفياتي تضاعفت شراسة الولايات المتحدة كقوة عظمى دون منازع حيث لم تجد الصين أو أوروبا أو أي طرف آخر القدرة على الوقوف بوجهها كقوة مضادة تخفف من غلوائها وتحدث توازنا دوليا جديدا تنشده سائر شعوب المعمورة.

فأوروبا التي عُلّقت الآمال على تكتلها ضمن اتحاد يفترض أن يتحلى بدينامية وفعالية واستقلالية دولية، لم تفعل إلا أن تلعب -في أكثر الأزمات الدولية خطورة- دور التابع الذي تملي عليه واشنطن إرادتها.

 

لقد تورطت مع الضغوط الأميركية في مواقف مرغت أنفها في الوحل، بحيث لم تضيّع استقلاليتها السياسية وإنما خسرت أيضا سمعتها الأخلاقية إلى جانب تأكيد تبعيتها الاقتصادية.

صمتها ما زال مدويا بخصوص الحصار الاقتصادي المفروض من الولايات المتحدة حتى الساعة على كوبا منذ بداية الستينيات. هذا إذا لم نتحدث عما بات يعرفه الجميع من مشاركة في المظالم على الشعبين الفلسطيني والعراقي ومن تدخلات في السودان والصومال وفي الشؤون اللبنانية بتحرك بغيض على أساس المذهب والطائفة.

تبعيتها لأميركا بشأن ما يحصل في الشرق الأوسط محبطة بالخصوص لآمال من عقد على مواقفها الديمقراطية والمنادية باحترام حقوق الإنسان الآمال.

المجال لا يتسع هنا لتعدادها وهي كثيرة جدا، لكن نتوقف عند واحدة منها. ذلك عندما وقّعت الحكومات الأوروبية يوم 7 فبراير/ شباط الماضي على اتفاقية الأمم المتحدة ضد الاختفاء القسري والتي تجرّم وجود سجون سرية، وهي التي تورطت على مدار السنوات الماضية مع وكالة الاستخبارات المركزية في حوادث اختفاء قسري واختطاف معارضين، كما أشار إلى ذلك البرلمان الأوروبي في تقريره الذي أصدره بعد أسبوع من هذا التوقيع.

طائرات السي.آي.أي التي نقلت دون أي شرعية الأشخاص المشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية إلى مراكز الاحتجاز في غوانتانامو وأفريقيا وأوروبا، حطت في المطارات الأوروبية ما لا يقل عن 1245 مرة، بمعرفة حكومات أوروبا التي لم يخف عنها الطابع الإجرامي لهذه الرحلات السرية.

وقد سبق أن كُشف عن وجود مراكز تعذيب في كل من رومانيا وبولونيا وغيرها تفتح أبوابها لأميركيين يخضعون أسراهم للتعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية.

كما كُشف عن دور بعض الحكومات الأوروبية الأخرى مثل المملكة المتحدة وألمانيا والنمسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وحتى الدانمارك والسويد، في اختطاف مشتبه فيهم من أراضيهم باسم محاربة الإرهاب وانتزاع اعترافاتهم تحت التعذيب.

المسؤولون الكبار -بمن فيهم المسؤول عن السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا- كانوا على علم بهذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

بموجب قوانين محاربة الإرهاب التي فرضتها الولايات المتحدة على حكومات العالم، يمكن لأي قاضٍ أن يوجه تهمة لأي شخص يشتبه فيه أو يراد تصفية حساب معه ولو كان بريئا.

فعولمة حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية لم تكن إلا كارثية على حقوق الإنسان وبكل المعايير، حتى أن النوايا أو ما يفترض أنه كذلك بات مدعاة للمطاردة والاقتصاص.

كما أنها منحت غطاء لم يحلم به حكام بلداننا حيث بات بالإمكان التستر بمقولة "التلم الأعرج من الثور الكبير" والسخرية من تعابير دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان!

عولمة جنون العظمة هذه أعطت المبررات لكل ما يخطر ببال الظالمين والمستبدين والخارجين عن القانون لشن حروب تسمى بالاستباقية، بما يطمئنهم على عروشهم لفترة أخرى من الزمن.

من ناحية أخرى لم تطوّع الثقافة الأميركية فقط أفراد المجتمع الأميركي رغم اختلافاته على أنماط تفكير وسلوك خاصة بها، وإنما طوعت العوالم الأخرى أيضا.

فالتمازج الثقافي -أو التثاقف كما يسميه المختصون- والعولمة الزاحفة فرضتها بوسائل متعددة وصورتها فوق ذلك كنموذج يحتذى. لقد سيطرت النظرة المادية للأشياء، كما تم تشييء ما أمكن بتحويله إلى سلعة ذات قيمة خاضعة للبيع والشراء، ما منح الشعور بالارتياح لتحقيق الكسب والاغتناء من اقتنائها. كما أن إضفاء قيمة إيجابية عليها جعلها تفرض نفسها دون جدال وكثير تفكير.

والأنكى من هذا وذاك أن تحصل عملية التدجين ضمن مناخ يقود المرء لاعتبار خياراته نابعة من ذاته وتصديق أكذوبة تمتعه بالحرية التي تسمح له بقبول أو رفض ما يشاء وحق الاختيار.

ذلك أن المقولة القائلة بأن نظم المجتمعات التقليدية تفرض نفسها في سائر أمور الحياة هي على عكس ثقافة الحداثة التي تترك هوامش كبيرة للتعبير عن الفردانية، ليست صائبة أو دقيقة في تشخيص الإشكالية.

صحيح أنه لم يعد فيها من أسبقية للمجتمع على الفرد، لكن الوسائل التي ملكتها النظم الحاكمة الاقتصادية والسياسية جعلت من الفرد أشبه بحجر الشطرنج الذي تديره وفق مصالحها وتوجهاتها، وأحيانا كثيرة بوسائل غير مرئية أو مدركة.

فلجأت إلى طرق كفيلة بتدجينه كشفت عنها دراسات العلوم الإنسانية، تعتمد على الليونة والإقناع أكثر منه على القوة خاصة عندما تتوجه إلى الداخل.

وإن كان تضخم الأنا يزداد على حساب النحن، فلم يتم الاستغناء عن النحن التي تصبح الملاذ المنشود في حالات الأزمات والتهديد الخارجي.

والتهديد قد يكون مزعوماً، لكن على وسائل الإعلام كما على مراكز البحث المسؤولية في تسويق الخطر المحدق بالنحن على أساس أن مصداقيتها وموضوعيتها ليست غالبا موضع شك.

رغم التمنع الشفهي لبعض مظاهرها، تم الترويج لهذه الثقافة في مجتمعاتنا العربية -والخليجية منها بنوع خاص- بشكل كبير، بحيث بات كل ما يأتي من بلاد العم سام مدعاة للاقتباس أو على الأقل جديرا بالتأمل، انطلاقا من الشعور بعقدة النقص التي لا تعالج إلا بمحاكاة المثال الأعلى واستبطان نموذجه، وهو ما أسماه ابن خلدون في مقدمته بولع المغلوب بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده.

هذا النموذج الذي كرس مفاهيم تفوق الأبيض المدجج ليس فقط بأفضل ما توصل له العلم من تقنيات تضفي على

مثاله قيمة عليا، وإنما أيضا بأفضل السلاح الذي يجعل من نموذجه حاضرا بالقوة.

والحملات الإعلامية والدعائية التي تهدف إلى التأثير على عواطف البشر لتصريف الشركات عابرة الحدود لبضائعها، يصرف عليها في الدول العربية ما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار، ما جعل 80% من المشتريات في الحد الأدنى تتعدى الحاجة الاستهلاكية لهذه الشعوب.

لقد تعددت الطرق لصرف البشر عن الاهتمامات الأساسية. كما اختلطت عليهم الأولويات بحيث اعتقدوا فيها نشدان السعادة وتحقيق الذات أو على الأقل تأمين مكان لائق تحت الشمس في عالم يزداد تكالبا وفقرا وتهميشا لبني جنسهم.

تحولت الكماليات إلى ضروريات بحيث يستمر المرء في الجري وراء حاجات بات ينظر لها وكأنها جزء مكمل للهوية الفردية لا يستقيم العيش من دونها.

والمصيبة الكبرى هي عندما نجد من المثقفين والسياسيين العرب -المفترض امتلاكهم نوعا من الحصانة التحليلية لاستيعاب العلاقة بين الإدارة الأميركية والديمقراطية- من يستجدي رضا هذه الإدارة، من الاتجاه الإسلامي أو من بلغ به الأمر الترويج لديمقراطية الدبابة من قدماء الماركسيين الذين تيتموا بسقوط المعسكر السوفياتي واعتادوا البحث عن خلاص خارجي، بحيث باتت كلمة الديمقراطية وحقوق الإنسان مفردات مكروهة في الكثير من الأحيان، رغم أن كل صاحب حدس أولي يدرك أنها شعارات استعملت لتضليل وخداع من يسهل خداعه، في عملية إعادة طلاء جديدة أكثر جاذبية لوسائل هيمنة كلاسيكية ومعروفة.

لقد سمحت الأطباق الفضائية المنتشرة فوق بيوت الفقر في كل أصقاع الأرض لكل ضحايا الأمية والجوع والمرض بمتابعة قرارات مجلس الأمن مباشرة وتفهم آليات السيطرة على المنظمة الأممية.

ولم تعد تنطلي على أحد سياساتُ البنك الدولي الذي عهدت إدارته لمهندس العدوان على العراق (جاء وولفويتز بدعوى محاربة فساد تورط به هو نفسه).

هم يدركون أن هذه الإدارة ما زالت تصر على حكامٍ لفظتهم شعوبهم ولم يبقوا في كراسيهم إلا بمقدار ما ترضى عنهم. لكنها تستعين بهم لينفذوا سياساتها ويأتمروا بأوامرها شاءت ذلك شعوبهم أم كرهت.

غالبية الدول العربية ترزح -حسب التقرير الاقتصادي العربي لعام 2006- تحت وطأة ديون متراكمة وصلت قيمتها عام 2005 إلى 149.3 مليار دولار، في حين أن بعض هذه الدول تستحوذ على القسم الأكبر (59% على أقل تقدير) من احتياطي النفط في العالم، وتساهم بنحو 31.7% من إجمالي إنتاجه. كما أنها تستأثر بـ29.4% من إجمالي احتياطي الغاز وتساهم بنحو 11.4% من إنتاجه.

ألم يشر كيسنجر في خطته المسماة (NSSM200) إلى أن معدلات النمو السكاني في الدول النامية الغنية بالمصادر الخام الإستراتيجية هي مبعث قلق الأمن القومي الأميركي؟

المشروع الأميركي الذي يخطط للمدى البعيد لا يتوقف عند آلام الشعوب المستباحة، بل يعمل على نهب المزيد من ثرواتها. سياساته الليبرالية الجديدة تراهن أيضا على المضاربات المالية (الأموال الموظفة في هذا المجال تقدر بثلاثة تريليونات دولار حسب بعض الإحصاءات) أكثر منه على الإنتاج (نصف تريليون دولار).

كذلك على تعميم الفساد، كما على نشر تجارة المخدرات، فقد وصلت الصفقات المالية الناجمة عن هذه

التجارة في الثمانينيات إلى 1.5 تريليون دولار. ووجهت أصابع الاتهام إلى الإدارة الأميركية وإلى 250 مصرفاً أميركياً تورطوا في نشاط غسل أموال المخدرات مع علم مسبق بمصدر الأموال وبالأطراف التي كانت تتعامل معها. وفي عام 2000 ارتفع الرقم إلى ثلاثة تريليونات دولار.

بالتأكيد، صورة أميركا وجبروتها تراجعت بقوة بفعل هذا الاستعمال المفرط والمجنون للقوة. شعوب الشرق لم تتضرر وحدها من هذه الحروب التي طحنتها، فالشعب الأميركي دفع أيضا غاليا سياسات حكامه.

الجنود الذين يسقطون في العراق أكثر بكثير من المعلن، أما التكلفة فستتجاوز الـ500 مليار دولار في نهاية هذا العام، وهي تقترب من كلفة حرب فيتنام خلال 12 عاما.

صحيح أن الاستثناء الأميركي يتغذى من التفوق العلمي والتقني والتقدم الاقتصادي الذي عرفه هذا البلد الحديث العهد، خاصة أنه جنى ثمرات الحربين العالميتين اللتين أنهكتا أوروبا وانهيار المعسكر السوفياتي.

لكن ما ليس مقبولا ولا مفهوما أن يستمر الحكام العرب بتنفيذ مخططات الإدارة الأميركية في المنطقة -والتي هي قطعا ضد مصالحها- ويقدموا لها الخدمات اللوجستية والسياسية وأحيانا الدعم المادي لتنفيذ هذه السياسات التي هي -كما يعلم الجميع- بتآلف مع السياسة الإسرائيلية واللوبي الموالي لها.

والمعني أكثر من هذه الدول ما صار يعرف بدول الرباعية، وهي دول أهمها في مواجهة مباشرة مع القوة العسكرية والإستراتيجية الإسرائيلية.

إزاء كل هذا يفترض معالجة عامل الخوف الذي اعتادته الشعوب بمواجهة العسف الأعمى الذي تتعرض له، بالإضافة إلى العمل على التأمل الذاتي ومراجعة الخيارات وتعميم ثقافة المسؤولية.

لم يعد يكفي فضح هذه الأنظمة وسياساتها، حيث بات بحكم المستعجل ملاحقتها قضائيا بجرائم الفساد والتعذيب والاختفاء وانتهاك الحقوق.

كذلك يجب الضغط عليها من أجل إغلاق القواعد العسكرية الأميركية ووقف سياسات الهدايا المجانية للدولة العبرية التي تقضم الحقوق الفلسطينية المشروعة كل يوم بمنشار عنجهيتها واستعمالها الفائق للقوة.

لعل من الضروري أكثر من كل وقت مضى أن يطالب الحقوقيون العرب بما طالب به الحقوقيون الفرنسيون الفصائل الوطنية الديمقراطية وحركات المقاومة والتعبيرات النقابية والمدنية على اختلافها عام 1936: العودة إلى فكرة السيادة المواطنية ودولة العقل والعدل محليا، مع مناصرة وتوسيع جبهة مناهضة الحرب في المنطقة والعالم.

مطلوب منا اليوم، الاحتراز من عدم السقوط في فخ صراع الثقافات والحضارات وفي شرك التمييز ضد الأقليات، والحرص على العقد المجتمعي العام.

فالإقصاء والتهميش لا يمكن أن ينتج إلا الحقد الأعمى والرغبة في الانتقام ممن كانوا سببا في الاضطهاد. ووقف التدهور يتطلب التوقف عن المشاركة في سيرورته, ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.
___________
كاتبة لبنانية

عن الجزيرة نت 2/5/2007 

 

بيانات

مقالات

تقارير

دراسات

حملات

كتب

وجهة نظر

أخبار

إصدارات

نشاطات

كتب سلسلة براعم

   موريتانيا    


هيثم مناع

منصف المرزوقي

فيوليت داغر

المصطفى صوليح

ناصر الغزالي


 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها