|
* الورقة في الاصل بحث مقدم الى ورشة عمل في جامعة
دمشق (مركز رضا سعيد للمؤتمرات) في 5 آذار (مارس)
2007، اقامتها مجموعة عائدون بالتعاون مع عدد من
الخبراء الدوليين والمنظمات الدولية.
بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق نحو
40.000 (أربعون الف) لاجئ، وكان السبب الأساسي
لتشردهم هو طردهم من ديارهم بعد قيام دولة إسرائيل
1948 وممارستها عمليات إجلاء وتهجير قسري وعقوبات
جماعية، ويشمل هذا الرقم القسم الاكبر من اللاجئين
الفلسطينيين، أما القسم الثاني، فقد وصل الى
العراق بعد عدوان حزيران(يونيو) عام 1967، والقسم
الثالث جاء الى العراق بعد غزو القوات العراقية
للكويت 1990 وما بعدها وما تبعها من اضطرار
الفلسطينيين الى الهجرة من الكويت.
منذ احتلال القوات الامريكية- البريطانية للعراق
في 9 نيسان (ابريل) 2003 وأوضاع اللاجئين
الفلسطينيين في العراق في تدهور مستمر، فإضافة الى
ما عانوه مثل اشقائهم العراقيين من ويلات الحروب
والحصار والارهاب والاحتلال، فقد تعرضوا الى هجمات
منظّمة ومستمرة لدوافع شتى سياسية ومذهبية وطائفية
وعرقية واقتصادية واجتماعية، ومن جانب دوائر
مختلفة دولية واقليمية وجهات أخرى من داخل الحكومة
العراقية ومن خارجها، دون توفير أية حماية لهم
وفقاً لقواعد القانون الدولي الانساني واتفاقيات
جنيف لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977
حول حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة،
وضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.
واستهدفت الجماعات المسلحة الرسمية أو شبه الرسمية
وبعضها يرتدي بدلات وزارة الداخلية أو وزارة
الدفاع ويستخدم آلياتهم وبمساعدة القوات المحتلة
إذلال الفلسطينيين في العراق والسعي لإخراجهم من
بيوتهم وملاحقتهم بتهم شتى، بعضها جاهزة لكونهم
كانوا يعيشون في العراق، فالاستنتاج المنطقي اذاً
هم من المحسوبين على النظام السابق او يتعاطفون
معه، والاّ لماذا يحصلون على بيوت وامتيازات، ولم
تخلُ تلك النزعات من تحقير للعرب والعروبة،
بإعتبارها أمراً مرذولاً وصفة منبوذة!
وبثأر وكيدية وانتقام تعرّض نحو 250 فلسطينياً
للاغتيال المنهجي، وإضطرت أعداد كبيرة منهم الى
الهجرة من العراق في ظروف بالغة القسوة والسوء بعد
عشرات السنين عاشوها في العراق معززين مكرّمين،
وساهموا مع أشقائهم في بناء العراق ونهضته وتقدمه،
سواءاً في العهد الملكي أو العهد الجمهوري الأول
(بزعامة عبد الكريم قاسم) الذي أسهم في تأسيس جيش
التحرير الفلسطيني، أو في العهود الجمهورية التي
أعقبته سواءاً عهد الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن
عارف أو حكومتي البعث، مشاطرين العراقيين أفراحهم
وأتراحهم، وكدحهم وعطائهم، متلازمين ومتآخين في
السرّاء والضرّاء.
وللأسف فقد تبدّلت المعاملة الرسمية للفلسطينيين
بعد الاحتلال، وجرت حملات إعلامية منظمة ضدهم وضد
أي وجود عربي سواءاً كان من السوريين أو
اللبنانيين أو غيرهم، ولعل الضجيج الاعلامي والهوس
العدائي وصل الى حد مساواة كل عربي بالارهاب، وكأن
العرب مرتع خصب لذلك بتعميمات ساذجة، ودون تمييز
بين حالة وأخرى، فالولايات المتحدة هي التي فتحت
أبواب العراق على مصراعيها مستقدمة أنواعاً مختلفة
من "الارهابيين " والمرتزقة، والضالعين في أعمال
الجريمة المنظمة، بمن فيهم من داخل العراق، بما
جعل العراق بؤرة جاذبة لكل أشكال العنف والقتل
والجريمة، وكان الفلسطينيون ضحية من الضحايا
المستهدفة.
ولعل التبريرات التي كانت تقال همساً أو علناً
وعلى لسان مسؤولين حكوميين، أن الفلسطينيين لم
يكونوا " معنا" أيام النظام السابق، وأن العرب
"خذلونا"، وأننا لا نريد مساعدتهم ولا نريد
تدّخلهم بما فيهم جامعة الدول العربية، خصوصاً في
الفترة الأولى، وكأنهم هم المسؤولون عمّا حصل
للعراق، وليس الاحتلال. والذريعة الأخرى أن العرب
والفلسطينيين بشكل خاص هم من يرفد "المقاومة"
بالمسلحين، الذين يأتون من خارج الحدود، ويقومون
بالتفجير وتفخيخ السيارات والعمليات الانتحارية،
الى غير ذلك من التبريرات والذرائع التي كانت تقال
بدم بارد، ولكن بفعل عنيف ودموي ضد الفلسطينيين
والعرب، منذ اليوم الاول للاحتلال، وكأن الأمر لا
علاقة له بوجود إحتلال مرفوض من جانب ميثاق الأمم
المتحدة والقانون الدولي وشعب عراقي توّاق الى
الحرية والاستقلال واستعادة السيادة كاملة وغير
منقوصة وبالتالي استخدام جميع الوسائل السلمية
والعنفية لطرد المحتلين، سواءاً كان هناك وجود
لفلسطينيين في العراق أو عدم وجود لهم.
إن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في العراق
هي:
1- تحدي الاحتلال، الذي لم يوّفر لهم الحماية،
ناهيكم عن كونه لم يوفرها للعراقيين، فقد دخل
العراق بوابة جهنم بالانفلات الامني وغياب مؤسسات
الدولة وبخاصة حلّ القوات المسلحة والقوى الامنية،
تلك التي تركت الحبل على الغارب لتفشي الارهاب
واستفحال الجريمة المنظمة والفلتان الامني.
2- صعود تيار طائفي ومذهبي وعرقي مناوئ للعرب
والعروبة وللفلسطينيين بشكل خاص، وهؤلاء الطائفيون
يحسبون الفلسطينيين على مذهب معين، فيذهبون ضحية
الطائفية المقيتة، خصوصاً في ظل التوتر والاحتقان
والعنف المذهبي وغياب الهوية العراقية الجامعة.
وفي هذا الاطار يصِّنف هؤلاء الطائفيون،
الفلسطينيين كطابور خامس لانهم يرفضون الاحتلال
الذي عانوا منه في فلسطين وفي العراق اليوم،
والأكثر من ذلك تستبطن تلك الدعوات المناوئة
للفلسطينيين فكرة كانت قد راجت منذ سنوات حول "
توطينهم" في العراق، لكي لا يؤثروا على تغيير
التركيب الديموغرافي والسكاني المذهبي والطائفي،
وليس من دوافع واعتبارات مبدئية، ترفض التوطين
وتدعو الى تمكينهم من العودة الى وطنهم طبقاً
للقرار 194.
3- تفشي ظاهرة الارهاب المنظم، الذي تقوم به
جماعات مسلّحة بشكل روتيني ولا يستبعد أن يكون
بينها بعض الجماعات المأجورة، أو التي تعمل لصالح
جهات خارجية ليس بعيدا عنها الموساد الاسرائيلي،
وقد نشطت جماعات عراقية بزيارات خاصة الى اسرائيل
وأقامت مكاتب لها في العديد من المدن العراقية
بأسماء تجارية أو مكاتب مهنية، وجاء قسم منها عبر
بعض منظمات المجتمع المدني أو الجمعيات الخيرية
والانسانية، إضافة الى أن بعضها عمل في شركات
الحماية الخاصة للأفراد أو لحماية المنشآت النفطية
والكهربائية، وقسم كبير منهم يحمل جنسية امريكية
او جنسيات أخرى. وهناك طابور إعلامي ومراكز أبحاث
تحاول بما تبثه من سموم النيل من الفلسطينيين،
ويُذكر أن الذي وضع مسودة قانون إدارة الدولة
العراقية للمرحلة الانتقالية هو نوح فيلدمن الذي
هو من أصل يهودي وتوجهه صهيوني.
4- استهداف المؤسسات الفلسطينية في العراق، بما
فيها السفارة الفلسطينية وإشعار الفلسطينيين بأنهم
غير مرغوب فيهم. ورغم محاولات السفارة الفلسطينية
في بغداد الاتصال بالمسؤولين ومناشدة رئيس
الجمهورية ورئيس الوزراء، الاّ ان محنتهم تعاظمت
وازدادت، ولم تستطع الجهات الرسمية من توفير أي حد
ولو أدنى من الحماية لهم. وكانت زيارة أسعد عبد
الرحمن مسؤول ملف اللاجئين في منظمة التحرير
الفلسطينية الى بغداد والمسؤول الامني الفلسطيني
جبريل الرجوب الى كردستان تصب في هذا الاتجاه،
خصوصاً بإرتفاع المطالبة بتوفير حماية دولية
للاجئين الفلسطينيين في العراق. وما يزال العديد
من الفلسطينيين مغيبين أو مختفين قسرياً وتحتفظ
السلطات المحتلة أو العراقية بقسم منهم في السجون.
وفي الوقت الذي يتطلب الامر وضع حد عاجل وسريع
وانساني لمأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق،
فان الواجب يقتضي الضغط على منظمة الاونروا ووكالة
الغوث لتحمل مسؤولياتهما، إضافة الى المفوضية
العليا لشؤون اللاجئين حتى وإن كانت الاونروا هي
الجهة المناط بها متابعة أوضاع اللاجئين
الفلسطينيين طبقا للقرار 194 لعام 1948 الخاص بحق
العودة. والامر يقتضي أيضاً أن يأخذ مجلس حقوق
الانسان التابع للامم المتحدة مسؤوليته إضافة الى
جميع المنظمات الدولية للسلام، ملفتين نظر مؤسسات
حقوق الانسان العربية والدولية والمجتمع المدني
العالمي، الى خطورة الوضع الفلسطيني في العراق،
الذي وصل الى حد المأساة الخطيرة.
وبهذه المناسبة فإن الامم المتحدة تتحمل
مسؤولياتها، لوقف القمع والاضطهاد والاعتقال
والتنكيل الجماعي والقتل اليومي، خصوصاً وان قوات
الاحتلال طبقاً للقرار الاممي 1546 الصادر في 8
حزيران(يونيو) 2004 والمؤسس على القرار 1483
الصادر في 22 ايار (مايو)2003 الذي "شرعن"
الاحتلال ووفقاً لقواعد القانون الدولي تتحمل
مسؤولية ما يحصل للفلسطينيين، الذين يحق لهم رفع
شكاوى دولية لملاحقة المرتكبين والمسؤولين عن
مأساتهم.
كما تتحمّل الجهات الرسمية العراقية ما يتعرض له
الفلسطينيون من تنكيل جماعي، فهي مسؤولة عن حماية
أرواح وممتلكات الفلسطينيين وفي الوقت نفسه فإنها
مسؤولة أيضا عن ملاحقة المرتكبين وتقديمهم الى
القضاء لينالوا جزاءهم العادل. وتشير المعلومات
المتوفرة الى أن هناك جماعات وميليشيات وقوات
حكومية وشبه حكومية وبمساعدة القوات المحتلة قامت
بعمليات دهم واسعة وتخريب وطرد المئات من
الفلسطينيين من بيوتهم والاستيلاء عليها دون وجه
حق، إضافة الى قتلهم على الهوية.
ان العدد المتبقي من اللاجئين الفلسطينيين حالياً
في العراق هو نحو 15 ألف فقط، والأغلبية هاجروا
وقسم كبير منهم موجود على الحدود العراقية –الاردنية
(منطقة الروشيد والمنطقة العازلة) أو الحدود
العراقية -السورية في منطقة طريبيل العراقية،
ومخيمي الهول والتنف السوريان وهؤلاء جميعاً
يحتاجون الى مدّ يد العون لهم وتوفير الحماية
الانسانية الدولية الضرورية لهم.
لقد عانى فلسطينيو العراق من الطرد والتهجير
الصهيوني وهم يعانون اليوم من التنكيل الجماعي
بسبب الاحتلال الامريكي- البريطاني للعراق، وحتى
قوانين الاحتلال وقواعد القانون الدولي الانساني
واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977
والاتفاقية الدولية بشأن اللاجئين لعام 1951
وملحقها لعام 1967، اضافة الى الشرعة الدولية
لحقوق الانسان، تستوجب حماية أرواح السكان
المدنيين الابرياء العزّل والحفاظ على ممتلكاتهم
وعدم جواز اتخاذ اجراءات من شأنها تغيير المركز
القانوني للاجئين المعترف بهم دولياً ، كما أن من
مسؤولياتها حفظ وضبط الامن والنظام العام وعدم
إجراء تغييرات دستورية أو بنيوية تؤثر على الاقليم
المحتل، وهو الأمر الذي تتحمله أيضاً الحكومة
العراقية. وقد أقدمت الحكومة العراقية (في عهد
حكومة الجعفري) على إجراءات من شأنها التضييق على
الفسطينيين فيما يتعلق بوثائق السفر أو معاملات
الإقامة وتجديدها أو غير ذلك من الاجراءات "
الاحترازية" كما تم تبريرها!
ولا بدّ للأمم المتحدة والأنروا والمفوضية العليا
لشؤون اللاجئين وجميع الوكالات الدولية المعنية من
تأمين ملاذ آمن للفلسطينيين والعرب سواء من بقي
منهم في العراق أو الذين يريدون مغادرة العراق أو
الموجودين على الحدود وفي المخيمات او الذين
ساعدتهم الظروف ووصلوا الى بلدان أخرى، وتعويضهم
عمّا أصابهم من أذى وما لحق بهم من أضرار وتوفير
كامل الحماية الدولية الانسانية لهم، ولعل في ذلك
أبسط حقٍ من حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي
والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وبخاصة للنساء
والاطفال والمرضى والشيوخ ناهيكم عن شمولها لجميع
اللاجئين.
* * *
وكما قلت سابقا في أكثر من محفل دولي وحقوقي أحمل
المسؤولية الاساسية بعد اسرائيل الى الاحتلال
الامريكي للعراق فضلاً عن الحكومة العراقية
والجماعات المسلحة الارهابية، وأجد نفسي أخلاقياً
وشخصياً وإنسانياً أطلب من الاشقاء الفلسطينيين
قبول اعتذار اشقائهم العراقيين، الذين هم
يشاطرونهم المحنة والمأساة ذاتها، ونحن هنا اذ
نستنكر هذه الاعمال المنافية لحقوق الانسان
ولقواعد وأصول الضيافة للاشقاء الفلسطينيين في
بلدهم العراق، فإن من الواجب الاستذكار والتذكير
لكل من يحاول الجحود أو يستمرء الوضع الجديد تحت
ذرائع شتى، بالمساعدات السخية المادية والمعنوية
التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية(م.ت.ف)
ومنظمات المقاومة الفلسطينية الى القوى الوطنية
العراقية، وبخاصة في سنوات السبعينات والثمانينات،
ونعتبر تلك المحاولات التي تريد النيل من
الفلسطينيين، انما هي ذاتها التي تريد اذلال
العراقيين لكي يصبح الامر الواقع واقعاً، (أي عراق
بعيد عن العرب والعروبة) مشددين على عرى الاخوة
والمصير المشترك الفلسطيني – العراقي، معتبرين كل
نجاح او انتصار أو انتكاسة أو هزيمة في أي بلد من
بلدان الامة العربية، انما هو يعني ويخص الجميع!
dr_shaban21@hotmail.com
|
|
|
|
|