انتظرت
السلطات الأمنية السياسية نهاية عملية إعادة اختيار أعضاء
مجلس الشعب. وأقول إعادة اختيار لأن 170 عضو على قائمة
الجبهة الوطنية التقدمية تمت تسميتهم سلفا من أصل 250. لكي
تصدر حكما على المحامي أنور البني بالسجن لمدة خمس سنوات
بتهمة نشر أنباء كاذبة من شأنها وهن نفسية الأمة.
وقفت وأنا أقرأ نص الحكم الصادر عن محكمة الجنايات الأولى،
أبحث عن دمع أذرفه على أمة يمكن أن تصاب بالوهن من تصريح
مدافع عن حقوق الإنسان؟ وقفت أسأل نفسي، أي انحطاط يعادل
فكرة خوف الأمة من تصريح؟
لكن لماذا الاستغراب، وأجهزة الأمن تخاف من أن يختلط عارف
دليلة بغيره من السجناء وراء القضبان؟ لماذا الاستغراب
واعتقال نزار رستناوي تبع نقاشا عاما في حقوق الناس،
محاكمة محمود عيسى وميشيل كيلو تجري لتوقيعهم عريضة؟ ثم من
يسأل اليوم لماذا بقي أكرم البني وياسين الحاج صالح
وسليم خير بيك
وأصلان عبد الكريم ورياض الترك وفاتح جاموس وأحمد فايز
الفواز ونور الدين الأتاسي أكثر من قرن من الزمن وراء
القضبان؟ هل يمكن لمسئول سوري أن يقدم تفسيرا مقنعا لبقاء
المهندس عبد الستار قطان قرابة عشرين عاما في الاعتقال
تعّرف فيها على أهم مراكز التحقيق والاعتقال، ووقف أمام
أهم المحاكم الاستثنائية في البلاد وبفضل "العناية
المتميزة" يعيش النصف الثاني من عقده الستيني مع تصلب
الشرايين والسكر وارتفاع الضغط القصور الكلوي الحاد إضافة
إلى صداع اللا عقلانية التسلطية التي حولت حياته إلى جحيم؟
أرسل لي معارض سوري نصا يقترح فيه العودة لدستور 1950.
وبغض النظر عن قيمة هذا الدستور التاريخية، شعرت بعمق
عملية التعقيم والتجهيل السياسي والإتلاف المدني التي
تعرض لها المجتمع السوري، بحيث صارت العودة إلى دستور سبق
كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، إنجازا ومكسبا نسبة
لدستور وقوانين ومحاكم وأجهزة أمن الجنرال الأسد وورثته؟
|