نشطاء حقوق الإنسان العرب و النضال الديمقراطي اليوم

هيثم مناع

 

في بداية الثمانينات، دخل عدد كبير من السياسيين والمثقفين  حركة حقوق الإنسان في البلدان العربية التي تصورتها أغلبية المنضمين إلى لواء الحركة الصيغة الجبهوية التي تجمع الحزبيين والمستقلين للعودة إلى شرعية عمل منعته السلطات التسلطية ونقطة لقاء بين القوى ذات البرنامج الديمقراطي من اجل تدعيم عملية الانتقال إلى وضع ديمقراطي طال انتظاره. وليس من الغريب والحالة كذلك أن نرى غيابا واضحا للتخوم بين السياسي والحقوقي وبين المهمات والبرامج. وأذكر أننا أجرينا في 1989 مقارنة بين البرنامج السياسي لعدة أحزاب في الأردن واليمن ومصر وسورية وتونس والجزائر والسودان مع برنامج عمل أكثر من منظمة محلية لحقوق الإنسان فلم نجد فارقا يذكر. ولا يعود ذلك فحسب إلى ضعف عملية الوعي المجتمعية والسياسية وإنما أيضا إلى حقيقة أن العديد من المهمات كانت بالفعل تتقاطع وأن من هموم الحركة السياسية وحركة حقوق الإنسان كلاهما مثلا رفع حالة الطوارئ وإقرار دستور تعددي ودمقرطة الحياة السياسية والنقابية كذلك الإفراج عن كافة معتقلي الرأي الخ.

يوجد تكامل و تداخل واضح في النضال الثقافي لتعزيز الوعي الديمقراطي، ولا غرابة في أن ينظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مؤتمرا عربيا لدراسة أسباب تعثر الديمقراطية وأن يصدر أكثر من كتاب في الموضوع . أو أن يقدم منصف المرزوقي كتاب " الاستقلال الثاني: من أجل الدولة العربية الديمقراطية الحديثة ". أو أن تولد جماعة تنمية الديمقراطية من رحم المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. إلا أن الخروج من عالم الصراع الثقافي والفكري إلى المهمات وتقسيم العمل وتحديد المواقع يعيدنا باستمرار إلى ضرورة تخطي الحقبة العفوية إلى حالة نضج مدنية وسياسية يتحدد فيها من يعمل ماذا ؟

لقد اكتسبت حركة حقوق الإنسان مصداقية في مرحلة عاشت فيها الأحزاب السياسية أزمة هوية و شقاق مع مجتمعاتها. وتكاد نقاط الاهتمام الجماهيرية تنحسر في عدة بلدان بين الحزب الحاكم بالترهيب والحركة الإسلامية بخطاب الترغيب. ومن هنا توجهت الأنظار لنشطاء حقوق الإنسان كتعبير عن رفض مزدوج في الغالب أو ملجأ حماية أخلاقية. ومن من رموز الحركة لم يعرض عليه وزارة أو منصب قيادي في حزب أو جبهة، وقد خاض في هذا الخيار عدد من النشطاء في أكثر من بلد. و كانت النتائج كارثية على أصحابها وعلى حركة حقوق الإنسان و الديمقراطية .

لماذا ؟

لأن لنشطاء حقوق الإنسان دور أساسي في عملية الوعي وفي النضال ولكن برأينا ضمن ثلاثة منارات أساسية

المنارة الأولى ، هي اعتبار حقوق الإنسان ، وليس البرنامج الديمقراطي السياسي الناظم الأساسي لعمل النشطاء. ناظم باعتبارها مرجعية قانونية دولية لمراقبة قوانين وإجراءات الحكومة، أية حكومة، والحركة السياسية أينما كان خندقها. فهي ليست رهينة تصويت الأغلبية، أية أغلبية. ولا يكفي اجتماع 90 % من الجزائريين على العقوبات الجسدية لتقبل بها ولا يكفي وجود أغلبية أمريكية مع حكم الإعدام لتسلم فيه.

وهي قاسم مشترك : باعتبارها تدعم كل معركة سياسية ديمقراطية في المجتمع تهدف إلى دمقرطة الأوضاع الدولانية والمجتمعية وحماية حقوق الأفراد والمجتمعات السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. من هنا ستتقاطع حينا مع قوى ليبرالية تطالب بحقوق سياسية محددة ومع قوى اشتراكية تصر على حق التعليم والصحة والتنمية ومع قوى نقابية تؤكد على حق العمل وأنسنة العمل ومع مصلحين إسلاميين يعتبرون الأخلاق منظما أساسيا للعلاقات السياسية والتضامن حقا أساسيا من حقوق الإنسان . سنتقاطع بالتأكيد مع قوى متعددة تشاركنا نقاط أساسية من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ولكن واجبنا هو الإصرار على تحديد نقاط التقاطع والتخوم بيننا بوضوح  ودون مجاملة.

وأخيرا كسلطة مضادة : بالإصرار على رفض الاندماج في الجسم السياسي الحزبي مهما كانت الغاية نبيلة. فلا مجال للخلط بين أهدافها ووظائف السياسيين باعتبارهم مرشحين تلقائيين للسلطتين التشريعية والتنفيذية. في حين تشكل عملية البناء المدنية للقوى الاجتماعية من نقابات و جمعيات وأشكال تضامن واندماج أهليين ومبادرات قاعدية الهدف الأسمى لنشطاء حقوق الإنسان الذين يهمهم الإنتاج الواسع للإنسان السياسي والمدني اكثر مما يهمهم قيادته.

 و أظن أن هذا الفصل واضح إلا لمن لا يشاء أن يراه بين العمل السياسي الحزبي وعمل المدافعين عن حقوق الانسان. ففي كل حزب أوربي ديمقراطي مسؤول أو لجنة مختصة بحقوق الإنسان ولكن لم نسمع بواحدة منها تتجاوز سقفا محدودا هو سقف الحزب وحساباته. وللأسف في البلدان العربية، فان وجود عناصر خلطت بين الاثنين قد خلق إشكاليات كثيرة. ومثل المنظمة العربية غني عن التعبير ونحن نعتقد أن عدم تحديد التخوم والانتقال من موقع لآخر كان من أسباب تمزق الرابطة التونسية لحقوق الإنسان التي أعطت بن علي وزيرين من رؤسائها وأكثر من نائب ؟ وكم تراجعت مصداقية الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان مع ترشيح رئيسها نفسه لانتخابات نيابية في ظروف غير ديمقراطية.  وقد خلق تعيين رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الأستاذ علي يحيي عبد النور الناطق الرسمي لاجتماع روما السياسي مع احتفاظه بمنصبه إشكالية للنشطاء

1-لأن هناك أطرافا في اتفاقية روما لم تتخل عن العمل المسلح، ما يمكن أن يخلقه ذلك من خلط بين حقوق الإنسان واستعمال العنف.

2-لأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت تتطلب منظمات غير حكومية قوية ومستقلة للدفاع عن الضحايا.

وكان جديرا بالزميل علي يحيي أن يتحول إلى رئيس فخري للرابطة، تجنبا لجمع المهمتين، أو أن يتوقف دوره عند منسق في المؤتمر وموجه لخطه السياسي فيما ينسجم مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان..

إن عدم لعب دور حزبي لا يعني أن النشطاء مجموعة من الأغبياء سياسيا، بل على العكس فهم بحاجة إلى درجة نضج سياسي و مدني جد متقدمة لفهم الخارطة السياسية في البلد و تحديد الأولويات و إبصار موقعهم في المعارك الديمقراطية الأساسية.