إن كان العام المنصرم هو عام
التفجيرات والملاحقات الأمنية، فإن عام 2004 هو دون شك عام محاصرة المجتمع المدني
الأهلي، كما نحب تسميته في جزيرة العرب. فقد شهد هذا
العام لأول مرة مواجهة مفتوحة بين رواد الإصلاح الدستوري السلمي والسلطة الأمنية
والحكومة. فبدأت السنة بتصريحات غريبة تعتبر رواد
الإصلاح الدستوري وحملة السلاح وجهان لعملة واحدة. تم التضييق على الصحافة
والصحفيين والتهديد والوعيد لمن يتحدث لوكالة أنباء أجنبية، ثم قامت أجهزة المباحث
العامة بحملة 17 آذار (مارس) التي شملت اعتقال 12 إصلاحيا بقي منهم ثلاثة في معتقل
عليشة هم الدكتور متروك الفالح والدكتور عبد الله الحامد والشاعر علي الدميني
(وجميعهم من المعروفين عربيا وعالميا ولهم باع هام في اللجنة العربية لحقوق
الإنسان والكتابة الفكرية والأدبية). تبع ذلك اعتقال
المحامي عبد الرحمن اللاحم لمدة أسبوع لتدخله من أجل الدفاع عن صحبه. ومنع عدد
كبير من السفر منهم من هو ممنوع حتى يومنا هذا
مثل الأستاذ محمد سعيد طيب والدكتور خالد الحميد والأستاذ نجيب الخنيزي
والدكتور توفيق القصير والمحامي القاضي سابقا سليمان الرشودي والدكتور عدنان الشخص
والأستاذ أمير أبو خمسين.
قامت السلطات السعودية هذا العام أيضا
بضرب الجمعيات الخيرية والإنسانية عبر مشروع يستهدف حلها واستبدالها بمؤسسة حكومية
معينة. وقد أصدرت المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية بعدة لغات عالمية كتاب
الدكتور هيثم مناع : "صرخة قبل الاغتيال" الذي
يعرف بهذه المأساة التي تودي بأهم الأشكال المسموح بها من جمعيات.
استمرت المضايقات رغم الحملة العربية والدولية للتضامن
مع المجتمع المدني الأهلي في المملكة، فتراجعت الحكومة عن علنية محاكمة الشخصيات
الإصلاحية، وطلبت من سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا في الرياض رسميا عدم إرسال
أي مراقب لجلسات المحكمة حتى لا يتم تعنيفه باعتباره شخص غير مرغوب فيه، ومنعت
المحامين والمراقبين العرب والدوليين من الحضور ورفضت الاعتراف بجبهة المحامين
التي سمتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان من العرب والغربيين بدخول أراضي المملكة.
وعندما توصل المحامون من أبناء الجزيرة لتكوين هيئة يتناوبون على رئاستها، اعتقلت
المتحدث باسمها المحامي عبد الرحمن اللاحم، وهو أيضا ناشط حقوقي وكاتب وعضو في
اللجنة العربية لحقوق الإنسان ووضعته في الزنزانة الانفرادية في سجن الحاير.
حاولت السلطات خنق كل الأصوات التي رفضت الحل الأمني
للاضطرابات التي تعصف بالبلاد والعباد، فاعتقلت الشيخ الدكتور سعيد بن زعير وابنه
مبارك واحتفظت بابنه سعد في السجن، ثم حكمت في محكمة جائرة على الشيخ سعيد بالسجن
خمس سنوات وعلى مبارك بالسجن لمدة عام.
كانت آخر جلسة لمحاكمة الإصلاحيين مهزلة تخللها اعتقال
تسعة أشخاص بقي في المعتقل منهم السيدين عيسى حامد الحامد وأحمد عبد الرحمن
القفاري، ثم تبع ذلك اعتقال المساعد الاجتماعي مهنا الفالح في اسكاكة (منطقة
الجوف) ليصبح عدد المنادين بالإصلاح الدستوري في السجن سبعة.
تحاول السلطات الأمنية فعل كل شئ لإسكات أصوات
المتضامنين مع المعتقلين، وهي تعرض عليهم إغراءات عديدة لوقف حملة التضامن. وعندما
تفشل تضع تهمة الإرهاب. وهي تحاول الآن بالتنسيق مع بريطانيا
والولايات المتحدة لإعلان سعد الفقيه متعامل مع الإرهاب وبالتالي تجميد أمواله
ومحاصرة تلفزيونه الذي يبث من لندن.
كذلك هددت العديد من عائلات المعتقلين
من مغبة التعاون مع منظمات حقوق الإنسان ووعدت مقابل مقاطعتها بدراسة أوضاع
أبنائهم المعتقلين.
لقد كان للتضامن الكبير الذي أبداه المدافعون العرب عن
حقوق الإنسان بالغ الأثر في تعريف العالم بهذا الوضع البائس. فأصدر
دعاة الإصلاح السياسي كتابا من 323 صفحة بعنوان "ربيع السعودية ومخرجات
القمع" تم توزيعه للتعريف بمبادئ الحركة الإصلاحية الدستورية. وأصدرت اللجنة
العربية لحقوق الإنسان ثلاثة كتب لرواد الإصلاح (نعم في الزنزانة لحن لعلي
الدميني، الإصلاح الدستوري في السعودية للدكتور متروك الفالح واستقلال القضاء في
السعودية للدكتور عبد الله الحامد) وتم تعريف المفوضية العليا لحقوق الإنسان بقضية
الإصلاحيين وتبنيها لهم.
إننا في نهاية هذه السنة القاسية وبداية
العام الميلادي الجديد، نتوجه إلى كل الأصدقاء في العالم العربي لنقول لهم: عليكم
مضاعفة الجهود والوقوف معنا في محنتنا. لأن أي نصر
لإصلاحي في بلد هو نصر للإصلاح في كل البلدان.