اللجنة
العربية لحقوق الإنسان ARAB
COMMISSION FOR HUMAN RIGHTS COMMISSION
ARABE DES DROITS HUMAINS DEFENDING
UNIVERSAL VALUES IN THE ARAB WORLD
الزواج
المدني في لبنان
حق
.. و ضرورة تقرير
من إعداد الدكتورة فيوليت داغر الأمينة
العامة للجنة العربية لحقوق الإنسان نهاية
نيسان (أبريل) 1998 تستعر
حدة النقاش في لبنان اليوم حول قضية
الزواج المدني، خاصة بعد أن حصل "مشروع
قانون الأحوال الشخصية
الاختياري" بتاريخ 18/3/1998على
أغلبية في مجلس الوزراء تسمح وفقا لوثيقة
الوفاق الوطني الموقعة في الطائف في
تشرين الثاني /أكتوبر 1989 بتبني هذا
المشروع. و
كما يحدث في كل قضية يحاول فيها المفهوم
الحديث للحقوق الإنسانية أن يأخذ حيزا
اكبر في المجتمع على حساب امتيازات
تاريخية لمؤسسات تمييزية ذات طابع
طائفي، قامت الدنيا ولم تقعد بعد احتجاجا
على "الإباحية والإلحاد". ووقف تجار
الدين يحاربون المشروع دون هوادة
ويتهمون كل من يوافق عليه بالارتداد. و
بدأت عملية تعبئة ديماغوجية ضد فكرة
الزواج المدني الاختياري في الشارع
المسلم والمسيحي على السواء، فكما في كل
مرة تتعرض فيها الامتيازات الطائفية،
اتفقت القيادات الروحية الرئيسية على
موقف يسعى لعزل التيار الديمقراطي
العلماني. و معروف أن المشروع لا يهدف
بحال لإلغاء الزواج الديني وإنما لحل
مشكلة اجتماعية وإنسانية كبرى يعيشها
لبنان منذ بداية القرن تتمثل في غياب
قانوني لتنظيم أحوال قطاع واسع من الأسر
التي لم تجد في الزواج المذهبي ما يقبل
بها. واضطرت باستمرار إلى الذهاب خارج
الأراضي اللبنانية للزواج، مع العلم أن
هناك تعقيدات تنشأ عن هكذا خيار في
القوانين اللبنانية المحلية التي خطت
نصف خطوة نحو السماح بهذا النوع من
الزواج دون أن تؤمن الحماية الكافية لكل
من يختاره لبناء أسرة. من
المؤسف أن يحصر البعض النقاش حول هذا
الموضوع في توقيت المشروع أو في جزئيات
الصراع السياسوي. فالزواج المدني
الاختياري حاجة موضوعية وحق من حقوق
الإنسان. وبوصفه كذلك، فان أي تأخر في
إقراره يعني انتهاكا صارخا
لهذا الحق وتقوية للمؤسسات الطائفية
القائمة على التمييز بين المواطنين . هل
نتصور حزب سياسي يؤمن بالديمقراطية
وحقوق الإنسان ويرفض صدور قانون ينص على
منع الاعتقال التعسفي بحجة أن الوقت غير
مناسب لذلك ؟ في فرنسا، عندما قرر الرئيس
الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران إلغاء
عقوبة الإعدام، لم يكن في البلاد أغلبية
تؤيد قراره. وتبين بعده لكل عاقل أن هذا
القرار لم يؤد إلى ارتفاع نسبة الجريمة
كما أدعى وما زال يدعّي اليمين المتطرف.
في لبنان نحن أمام مقترح قانوني تحاول
الأجهزة الدينية أن تقاومه بالتهديد و
بخطاب ديماغوجي بحجة الدفاع عن الوطن
حينا وعن الدين أحيانا أخرى. ومنذ متى
تشكل المطالبة بكرامة المواطن
وحقوقه الأساسية ضربا
من ضروب العدوانية على الوطن وعلى الدين
؟ في
هذا التقرير سنحاول الانطلاق من خلفية
تاريخية تعطي فكرة موجزة عن التغيرات
القانونية التي عرفها العالم العربي
ولبنان في هذا المجال، ثم التعريف ببعض
جوانب الأزمة منذ استقلال لبنان وتناول
مواقف أهم أطراف الصراع. إن التوصية التي
يمكن لنشيط حقوق الإنسان أن يطالب بها في
وضع كهذا، هي أن يبقى حق المواطن فوق كل
اعتبار طائفي أو سياسوي. إننا وكما نرفض
الاعتداء على الإكليل في كنيسة أو عقد
القران عند شيخ، نرفض حرمان المواطنين من
الزواج وفقا للقانون دون فرض المؤسسات
الطائفية كوسيطة
بين المواطن والدولة. إننا في اللجنة
العربية لحقوق
الإنسان نبصر ونؤيد النقاط الإيجابية في
مشروع القرار هذا خاصة: منعه تعدد
الزوجات (المادة 9) و مساواته المرأة
بالرجل في حق طلب الطلاق واقراره لمبدأ
التبني (الباب الثاني: الفصل السادس،
المادة 73) وتحويله النظر في قضايا الإرث
والوصية وتحرير التركات للمحاكم المدنية
(المادة 110). نحن نعتبره بالتأكيد الأقرب
للشرعة الدولية لحقوق الإنسان و اتفاقية
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
من جملة القوانين المذهبية الموجودة في
لبنان، ولو أن لدينا تحفظات حول بعض
المسائل التي لم يتجاوزها المشرّع مثل
مسألة ولاية الطفل (المادتين 86 و 42) أو
الغموض في الصلة بين نظام الأحوال
الشخصية المذهبي ومشروع قانون الأحوال
الشخصية الاختياري.
إلا أن هذا التحفظ وغيره لا يمكن أن
يغيبا الرهان الجوهري لمشروع قانون
الأحوال الشخصية الاختياري كخطوة هامة
جدا من أجل المساواة بين الجنسين وفي
مناهضة الطائفية والتمايز بين المواطنين
على أساس المعتقد.
بين
الحداثة و معاودة التأقلم كانت
قوانين الأسرة المعقل الأكثر صلابة في
التشريعات التقليدية. فقد اعتبر رجال
الدين والحركة الإسلامية السياسية
بتياراتها المختلفة هذه المسألة مقدسة
لا يجوز المساس بها، في حين أن الوقائع لم
تكن في يوم من الأيام كما يدعي حراس
الإيديولوجية. فمنذ القرن الماضي نشهد
تغيرات في التكوين كما في الإجراءات
القضائية. و لا شك بأن خطوات هامة قد تمت
منذ قانون الأحوال الشخصية العثماني عام
1917 وحتى قانون الأسرة التونسي في 1957. لكن
من الصعب الحديث عن تطور مخطط وعقلاني،
ففي أغلب الأحوال يلاحظ وجود قرارات حادة
أو ديماغوجية أكثر منه عملية تراكم و
بناء في ظل روح انفتاح. و هكذا مثلا تبنت
المؤسسة العسكرية في تركيا
قانون الأحوال الشخصية السويسري
بقرار من فوق في 1927، في حين فرملت المؤسسة
نفسها في سورية والجزائر إمكانية إقرار
قانون متقدم للأحوال الشخصية في عامي 1975
و 1984 على التوالي. من
الجدير بالذكر أن أحكام النكاح في
الإسلام كانت ضمن المدارس التقليدية
أحادية القاضي و الإجراء : فهي محاكم
مكونة من قاض واحد، و لم يكن ثمة مراتبية
في المحاكم أو نظام استئناف. وقد كانت
التدخلات بعد الأحكام عبر جهاز سياسي
الطابع أكثر منه حقوقي : ديوان المظالم. أن
هذا الشكل البدائي لم يعد قائما في أي
مكان من العالم. وحتى في المملكة العربية
السعودية و إيران والسودان، دخل مبدأ
الاستئناف وتعدد القضاة في محاكمة كل
قضية مهمة. لقد
ألغت مصر في 1955 و تونس في 1956 بشكل كامل
المحاكم الشرعية المستقلة أصبحت قوانين
الأسرة والقانون المدني
والجنائي تخضع لمحاكم وطنية موحدة، و
لو أن الأحوال الشخصية بقيت تطبق قواعد
إسلامية معروفة. أما في الجزائر، فإن
محاكم القضاة تعمل بوصفها محاكم بدائية
ويتولى حالات الطعن قضاة في المحاكم
المدنية العادية. أما
فيما يتعلق بالمحتوى، فان هناك معطيات
تقع في نطاق "التابو" و المحرم في
معظم الدول العربية كزواج المسلمة من غير
المسلم أو مسألة توزيع الإرث. و هي مازالت
ضمن الأحكام الإسلامية التقليدية. إلا
أنه وباستثناء العربية السعودية ومن
اختار مثلها من الدويلات الجارة، يصعب
الحديث عن زواج ديني أو عن زواج مدني
بمعنى الكلمة. والأصح الحديث عن حالة "تجميع"
أحيانا معقولة وغالبا تعسفية بين القديم
والجديد، بين الانتماء العضوي والانتماء
المواطني، بين "الحق الإلهي" وحقوق
الإنسان. أن
الاستشراس بحق الاتجاهات الإصلاحية في
الإسلام تترك دون شك أثارها على التحديث
الديمقراطي للتشريعات في البلدان
العربية. ومن هنا أهمية النقاش الدائر
حاليا حول الزواج المدني في لبنان. أن
تلخّص الموقف بالنسبة لنشيط حقوق
الإنسان بأن هذا الزواج حق لا يناقش، ففي
الواقع اللبناني تأتي
قوة هذا الاقتراح من الطريق المسدود الذي
وصلت إليه مؤسسة الزواج المذهبي
المنغلقة والطائفية في هذا البلد. إنها
الضرورة وحاجة المجتمع التي تفرض نفسها
على المشرّع أكثر
منها وزن التيار العلماني والديمقراطي
في لبنان. الأحوال
الشخصية و مدنية الزواج "
في كل العلاقات، كتب ادمون رباط، مرجع
الأسرة الطائفة، مثلها مثل الأشخاص، حيث
لا تتكون أو تنمو أو تضمحل إلا حول المحور
الديني والعقلي الذي تفرضه الطائفة. أن
التدخل الإلزامي للسلطات الطائفية من
كهنة ومشايخ وحاخامات يجب أن يتم في كل
مرحلة من مراحل حياتها الجماعية. والزواج
يبقى كذلك مؤسسة حصرا طائفية و إخراج
القيد يثبته. فالطائفة لا تشرف فقط على
تكوينه و إنما أيضا على المسائل
التمهيدية وتبعاتها. فالخطبة والبنوة
والوصاية والحق برعاية الأطفال والنفقة،
كلها من اختصاص الطائفة. مما يشكل كلا
يعرف بالأحوال الشخصية التي تغذي وتعطي
القوة للتشريعات الطائفية" .(1) ليس
الزواج المدني قضية جديدة الطرح. ففي عام
1910 أجرت صحيفة البرق التي كان يرأس
تحريرها الشاعر الأخطل الصغير استفتاءا
حول الزواج المدني بين أبناء كل الطوائف
واتت معظم الإجابات بالموافقة عليه وعلى
الزواج المختلط. و قد أجاب الفيلسوف
اللبناني أمين الريحاني : " أن الزواج
بين الطائفتين (الإسلامية
والمسيحية) من أهم شروط صلاحنا و
تقدمنا" (2). في
عام 1926 ظهر مشروع قرار عن المفوض السامي
الأعلى هنري دوجوفينيل في الصحيفة
الرسمية (قرار رقم 261 الصادر في 28 أبريل/نيسان
1926) يخول المحاكم المدنية بالمقاضاة في
قضايا الخلاف في الأحوال الشخصية ويقلل
من الصلاحيات القضائية الطائفية، بما
فيه المحاكم الشرعية، في الأمور
المتعلقة بالزواج (تشكله وحله والنفقة).
وكان من المفترض أن يكتمل هذا القرار
بتقنين عامة القوانين الطائفية وإقامة
تشريع مدني للأحوال الشخصية وتثبيت
الزواج المدني. إلا أن الاحتجاجات أتت جد
عنيفة من قبل قيادات كل الطوائف، مما
اضطر المفوض إلى تأجيل القرار (3). لقد
أدى ظهور قانون 2 نيسان /أبريل 1951 الذي أكد
على مذهبية الزواج إلى ردود فعل مختلفة.
فجرت تعبئة عامة للمثقفين التقدميين
الذين طالبوا بالزواج المدني، ونظمت
نقابة المحامين إضرابا عاما في 12/1/1952
استمر 84 يوما بقيادة نقيبها نجيب الدبس.
ووصفت صحيفة الحياة الحدث بالقول : "
الأمر واضح لا لبس فيه هو أن فريقا من
رجال الدين يشعر
اليوم بخطر يتهدد هم ويطال مورد رزقهم"
(4). ودعمت صحيفة "العمل" إضراب
المحامين حيث
كتبت " أن قانون 2 نيسان يجعل للمراجع
المذهبية كيانا مستقلا عن كيان الدولة.
إنه باطل وزائل كل قانون يرجع بالمجتمع
إلى الوراء" (5). أن
المنفذ الذي تم تقديمه في المادة 26 من
قانون 7/12/1951 المتعلق بتسجيل قيد النفوس
والأحوال الشخصية، يفرض على اللبنانيين
الذين يتزوجون في الخارج أن يقوموا
بتسجيل زواجهم في لبنان بغض النظر عن
طبيعته، دينيا كان أم مدنيا. ويتم ذلك في
القنصلية الأقرب الهم
بالاعتماد على وثيقة تثبت هذا الزواج.
بعد هذا الإجراء يسجل الزواج في الأحوال
الشخصية اللبنانية ويعترف عليه. أما
النتائج المترتبة عن عقد الزواج هذا فهو
ليس له أي وجود قانوني بنظر أي من الطوائف
التي ينتمي إليها الزوجين، مما يخلق
مشاكل لا نهاية لها لكل من يختار هذا
المنفذ. شكل
غياب الزواج المدني طيلة سنوات عديدة
مأساة اجتماعية حقيقية وكان مصدر آلام
وتعقيدات وأوضاع خارجة عن القانون بسبب
دكتاتورية الزواج الطائفي. وقد اقترح
الاتجاه الديمقراطي العلماني في لبنان
في الستينات مشروع قانون حول الزواج
المدني الاختياري لحل هذه المعضلة دون
مواجهة المؤسسات الطائفية. ودافع
الزوجان لور وجوزيف مغيزل عن مشروع قانون
بهذا الصدد تقدم به المحامي مغيزل عندما
كان رئيسا للحزب الديمقراطي. وقد تبنت
فيما بعد الجمعية اللبنانية لحقوق
الإنسان هذا المبدأ منذ ولادتها وكتبت
المحامية لور مغيزل تقول : " قوانين
الأحوال الشخصية في لبنان هي قوانين
مختلفة يرعى كل منها أبناء طائفة معينة،
وهذه القوانين مجحفة بحق النساء وان
بدرجات متفاوتة، فهي تميز ليس بين النساء
والرجال فحسب، بل بين النساء أنفسهن و
تضع الحواجز بين الإنسان والإنسان
والمواطن والمواطن، مما يحول دون قيام
التناظم و يخالف مبادئ الديمقراطية
الصحيحة وشرعة حقوق الإنسان. و الحل هو في
وضع قانون واحد للأحوال الشخصية يستند
إلى شرعة حقوق الإنسان ويرعى اللبنانيين
جميعا. وهذا القانون يمكن أن يكون
اختياريا، فيترك اللبناني بين اتباعه
وبين الخضوع لقانون الطائفة التي ينتمي
إليها "(6). أما
مؤسس "الحركة العلمانية الديمقراطية"
الدكتور محمد ميشال الغريب فكان مدافعا
عنيدا عن مشروع الزواج المدني. لكن
الجغرافية السياسية لم تكن دائما منسجمة
مع نفسها في هذا الموضوع، حيث دافعت عنه
اتجاهات ليبرالية محافظة أحيانا أكثر من
بعض قوى "اليسار". و
تعيد الأزمة الحالية فصول المأساة بشكل
مطابق. مما يولد إحساسا بأن هناك معابد لا
تتزحزح و لا ترغب بأن تتقدم أو أن تترك
فرصة للآخرين ليكونوا على مستوى تحديات
عصرهم. في
الثاني من شباط/فبراير 1998، وبعد مشاورات
طويلة تم تقديم مشروع زواج مدني اختياري
إلى مجلس الوزراء أثناء اجتماعه بحضور
رئيس الجمهورية الياس هراوي ووفقا لطلبه
واستنادا إلى المادة 53:11 من الدستور. وقد
طلب الرئيس إلى المجلس التصويت عليه
وصوت عليه 21 وزيرا، في حين لم يدعم
رئيس الوزراء رفيق الحريري هذا المشروع. الحجة
و الحجة المضادة أثار
تصويت مجلس الوزراء على مشروع القرار
نقاشا واسعا في البلاد بما لم يخلو من
مقدار كبير من الديماغوجية
وخاصة من جانب خصوم المشروع. و قد وجد
"التحالف المقدس" بين رجال الدين
عزيمته السابقة بحيث
أدانت بالإجماع قيادات الطوائف
الدينية الكبرى مشروع الزواج المدني.
وصرح مفتي الجمهورية اللبنانية محمد
رشيد القباني: " لقد سبق وعبرت عن موقفي
وموقف دار الفتوى وموقف المسلمين وموقف
الشريعة الإسلامية في رفض الزواج المدني.
و هذا الموقف ليس موقف المسلمين وحدهم ،
بل هو موقف اللبنانيين جميعا، مسلمين
ومسيحيين متمثلا برؤساء الطوائف
الإسلامية والمسيحية جميعا (...)
قضية الزواج المدني، أثارت ما أثارت
وما كان ينبغي أن يتكرر طرحها، لأنها
طرحت في العام 1951 وما بعده، وكان يجب أن
يدرك الجميع موقف اللبنانيين من هذا
الموضوع، فلا يعاد طرحه مرة ثانية وثالثة.
وإذا رفضه الجيل السابق، فالجيل اللاحق
أكثر رفضا له (…) الحدود هي حدود الدين
والحدود أيضا هي حدود الأسرة، فإذا
انتهكت حدود الدين أو انتهكت حدود الأسرة
التي أمر الله بالمحافظة عليها، فلا يمكن
السكوت أبدا ". إن
مفتي الجمهورية المعروف بمواقفه
المحافظة البعيدة عن الاجتهاد قد وجد
الفرصة التي تجعل منه نجم المواقف الضحلة.
وبدعم من القيادات الروحية الأخرى أخذته
الحمية لينطق بفتوى لم تستوقف حتى مقربيه
يعتبر فيها "كل من يعتقد بجواز تطبيق
أحكام الزواج المدني ولو اختياريا على
المسلمين هو مرتد وخارج عن دين الإسلام".(انظر
الصحف اللبنانية صباح 23/3/1998). أما
محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان
فقد صرح : "أن غاية المشروع ليست
إلغاء الطائفية وانما إلغاء الدين " (7).
عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس
الشيعي الأعلى اعتبر من ناحيته الزواج
المدني يمس الشريعتين الإسلامية
والمسيحية ودعى لإعطاء الأولوية للأوضاع
الاقتصادية والمعيشية الصعبة (8). كذلك
رفضت الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في
اجتماع عقدته في عبيه (20/3/1998) تطبيق أحكام
الزواج المدني على أبنائها متمسكة
بقانون أحوالها الشخصية (9). وأكد راعي
أبرشية جبيل المارونية المطران بشارة
الراعي أن الزواج المدني لا يتفق مع
الزواج المسيحي الذي هو سر من أسرار
الكنسية. غير أنه طالب بوجود زواج مدني
إلزامي للأفراد غير المؤمنين
والذين لا مرجعيات دينية لهم ، لكي لا
يسبب ذلك الانفلاش
الأخلاقي (10). وقد انضم البطريرك الماروني
الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير
للسلطات الروحية الإسلامية في شجب
المشروع. باستثناء
حزب الله والجماعة الإسلامية وحزب
النجادة والمؤتمر الشعبي
الذين رفضوا المشروع جملة و تفصيلا،
كان موقف سليم الحص رئيس الوزراء الأسبق
والاتحاد المسيحي الديمقراطي اكثر حذرا
حيث ربطا رفضهما بالظروف التي تجتازها
البلاد. وقد
أيدت المشروع منظمات حقوق الإنسان ولجنة
حقوق المرأة وعدد كبير من المحامين من
النبطية حتى طرابلس، ووقف عدد من
المثقفين والجامعيين والصحفيين وشرائح
أخرى من كل الطوائف موقفا مبدئيا مؤيدا
للزواج المدني منهم عدد كبير من النساء.كذلك،
تبنت الأحزاب والقوى السياسية الكبيرة
في لبنان موقفا مؤيدا للمشروع منها :
المجلس الوطني اللبناني، الحزب
الاشتراكي التقدمي، الكتلة الوطنية،
الحزب الشيوعي، الحزب القومي السوري
الاجتماعي، الحزب الديمقراطي الشعبي،
حزب الكتائب اللبنانية، حزب الوطنيين
الأحرار، التيار الوطني الحر، الحزب
العلماني الديمقراطي،
الحزب العربي الديمقراطي، رابطة
الشغيلة وحركة أمل . وفي
3/4/1998 عقد لقاء ضم 11 حزبا مؤيدا لمشروع
الزواج المدني تقرر فيه تشكيل لجنتين :
الأولى لتنظيم الاتصالات والنشاطات
والثانية حقوقية لبلورة مشروع مدني
اختياري للأحوال الشخصية تلتقي عليه
الأحزاب مجتمعة . من
المواقف السياسية التي تستحق التعريج
عليها مواقف رئيس الجمهورية الياس هراوي
ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس
الوزراء السابق الجنرال ميشيل عون. يقول
رئيس الجمهورية انه تزوج في الكنيسة ولكن
ذلك لا يلزم اللبنانيين بشيء. ويعتقد أن
بطولة رجل الدين هي في أن يقنع أبناء
طائفته بأن الزواج المدني ممنوع. ويضيف:
"كان ممنوعا علينا نحن الموارنة أن
نصافح الأرثوذكس، إلا أن الأحوال تغيرت
اليوم، وحتى تحت قبة روما في الفاتيكان
اصبح هناك زواج مدني".(11) في
مقابلة مع الجنرال ميشيل عون أجرتها
صحيفة النهار، قال بأن "غالبية ردود
الأفعال تميزت بالفجور والتصنع لأن
الموضوع ليس مطروحا لإقراره بصفة جماعية
وشاملة فهو اختياري وتكريس للمادة 16 من
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا يحق
لأحد الاعتراض عليه. ولبنان وافق على
الشرعة، ومبدأ الزواج المدني الاختياري
هو حل لبعض المشاكل التي يواجهها
المواطنون. واعتقد أن الردود كما لاحظنا
تدل على فوضى مصطنعة وفجور وتسلط وتضليل
إذ شبهه البعض كأنه عملية إباحة جنسية (…)
البطريرك يدافع عن موقف كنيسته، ولكنني
اذكر القارئ بأن الزواج المدني لم يقر في
بلد ما بموافقة الكنيسة أو رجال الدين.
وهذا الأمر ينطبق أيضا على الدول
الإسلامية حيث اقر الزواج المدني
الإلزامي من دون موافقة رجال الدين
والعلماء. أما في لبنان فهو ليس إلزاميا".
وأجاب ردا على من شبه أولاد الزواج
المدني "بأولاد الزنا " : "هذا
الكلام يعتبر انتقادا لله عز وجل لأنه
يوحي بأنه تعالى تأخر كثيرا لإرسال
شرائعه السماوية الخاصة بعقد الزواج
وبالتالي يصبح جميع البشر أولاد زنى لأن
عقود زواج آبائهم وأجدادهم لم تكن وفق
هذه القواعد". (12) في
حين وصف نبيه بري الوضع في لبنان بالقول :
" إننا سكارى حتى النخاع في الطائفية"
وأكد أن الناس أصبحت تخاف من إيجاد ثقب في
"جدار برلين" إلا وهو الطائفية،
واصفا ما يجري بأنه ليس بكاء على الدين بل
بكاء على الطائفية مثلما يحكى عما يحصل
في ذكرى عاشوراء بأنه ما من أحد يبكي على
الحسين بل يبكي على الهريسة ". (13) لقد
أعادت أزمة الزواج المدني فتح جروح الحرب
الأهلية في لبنان، حيث دفع المجتمع
اللبناني ثمن الحروب الصغيرة المتتابعة
التي قاسى منها بشكل واسع ومزقته في
أعماقه وحرمته
من وسائل دفاعه. مما حد من قدرته على بناء
مستقبله بشكل خلاق. لم تعد الطائفية
اليوم واحدة من الصفات الأكثر تخلفا
فحسب، فهي ما زالت "ملجأ الحماية" في
مجتمع صودرت أحلامه و فرض عليه
انسجام اجتماعي مصطنع. لقد حلت
الضمانة الطائفية مكان الضمانة
الاجتماعية وحال التماثل العضوي دون أية
محاولة تجديد مدنية.
فبالإضافة لعوامل التقييد والتصلب
المتعددة، ينصب الاحتلال الإسرائيلي
كفزاعة ليبرر مواجهة كل محاولة اعتراض أو
إرادة تغيير. من الضروري التذكير بأن حجة
أعداء الزواج المدني وإلغاء الطائفية
بمحاولاتهم الديماغوجية هي أن كل الجهود
يجب أن توظف من أجل تحرير الجنوب. لكن
من يستطيع إغماض العين عن تفعيل الطاعون
الطائفي ؟ ألم يلفت النظر رئيس المجلس
الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام محمد
مهدي شمس الدين إلى "نمو الروح
الطائفية و المذهبية إلى درجة هما أخطر
ما يهدد لبنان وهما
من الثغرات الكبرى التي تولدت بالفتنة و
لم تقض عليها مؤسسات الدولة التي أنتجها
اتفاق الطائف"(14) ؟ من
الصعب علينا إدراك مدى مخاطر الطائفية
على المجتمع اللبناني
والقبول بخطاب المدافعين عنها. "
هناك في التاريخ لحظات اختيار وجودية،
لقد كان إلغاء النظام الطائفي أما الابن
الشرعي لاصلاح عام في لحظة ثورية ، أو
نتيجة وفاق بين الأفراد والجماعات الذين
لم يتعافوا بالضرورة من هذا المرض، و
لكنهم يملكون إحساسا مشتركا بضرورة
التوصل إلى وفاق تاريخي للتخلص من نتائجه
المدمرة"(15) . أن
التخلص من الطائفية في لبنان ليس مسألة
جراحة تجميلية وإنما طب إسعاف و طوارئ.
ففي هذه المسيرة الضرورية، يشكل الزواج
المدني خطوة جوهرية
لا مناص منها. " فإذا كانت الأسرة
هي الخلية الطبيعية والأساسية في
المجتمع، و لها الحق بحماية المجتمع و
الدولة " فان " للرجل و المرأة، متى
أدركا سن البلوغ، حق التزويج و تأسيس
أسرة ، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية
أو الدين. و هما يتساويان في الحقوق لدى
التزوج وخلال قيام الزواج و لدى انحلاله"
( المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان) . (*)
الدكتورة فيوليت داغر الأمينة العامة
للجنة العربية لحقوق الإنسان. 1-ادمون
رباط، التكوين التاريخي للبنان السياسي
والدستوري، محاولة لفهم تركيبه، منشورات
الجامعة اللبنانية، بيروت، 1986، ص
140 (بالفرنسية). 2-
محمد
ميشال الغريب، الزواج المدني و العلمنة
في لبنان، السفير، 1/9/1986. 3-
ادمون
رباط، مذكور أعلاه ، صفحة 101-102. 4-
الحياة،
11/1/1952. 5-
العمل،
2/2/1952. 6-
مجلة
حقوق الإنسان، صادرة عن الجمعية
اللبنانية لحقوق الإنسان، عدد 2 سنة
أولى، أبريل /نيسان 1991. 7-
السفير
31/3/1998. في سلسلة مقالاتها المؤيدة للزواج
المدني، تنوه الباحثة الجامعية دلال
البزري إلى أن العدد الأكبر من ردود
الفعل السلبية أتت من رجال الدين السنة (
النهار 19 ك2(يناير)1998). ونلاحظ كيف تغيرت
بعض المواقف اثر تصويت مجلس الوزراء.
يبقى من الضروري الإشارة إلى موقف
المطران جورج خضر المناهض للطائفية
والمؤيد للفكرة والمشروع والذي صرح : "من
يملك سلطان إسقاط كلمة الله في حقل
الدولة والمجتمع وفي قراءة التاريخ وفي
ربط التاريخي بالأبدي"؟ ( النهار 28/3/1998)و
قبوله المشروط من قبل الروم الكاثوليك و
قبول مجلس البطاركة و الأساقفة
الكاثوليك به لغير المؤمنين (النهار
4/4/1998). والملاحظة التاريخية الهامة للسيد
محمد حسن الأمين المستشار في المحكمة
الجعفرية التي تذكرنا بموقف الشيخ عبد
الله العلايلي المؤيد للزواج المدني :
" لا تشترط الشريعة أن يبرم عالم الدين
الزواج وبمجرد أن يتحقق العقد بين
الزوجين يصير صحيحا وشرعيا(…)
في الإسلام يمكن إجراء عقد زواج أمام
هيئة مدنية " (انظر : النهار
11آذار/مارس 1998). من المفيد التذكير
بقول العلايلي : " العقد الزواجي في
الإسلام، عقد مدني بكل معناه" ( أين
الخطأ، طبعة ثانية 1992، بيروت، الجديد، ص
117). 8-
الأنوار،
طبعة انترنيت، 21/3/1998. 9-
السفير
21/2/1998. 10-
السفير
31/3/1998. 11-
السفير31/3/1998. 12-
النهار
3/4/1998. 13-
الأنوار
21/3/1998. 14-
السفير
23/3/1998. 15-هيثم مناع، الإسلام والعلمانية، مداخلة في ندوة الإسلام وحقوق الإنسان، الرابطة التشادية لحقوق الإنسان، نجامينا، فبراير 1995.
|