اللجنة العربية لحقوق الإنسان

ARAB COMMISSION FOR HUMAN RIGHTS

COMMISSION ARABE DES DROITS HUMAINS

مصادرة جمعية المحامين البحرينية

تقرير حول النظام القانوني والسياسي في البحرين وحرية تشكيل ونشاط الجمعيات

 من إعداد

 اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة حقوق الإنسان في البحرين

BHRO & ACHR

BAR ASSOCIATION CONFISCATED IN BAHRAIN

أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 1998

 

BAHRAIN HUMAN RIGHTS ORGANIZATION (BHRO)

Main Office : Sturlasgade 14C, 2300 Copenhagen S, Denmark   UK Branch : P.O.Box, London W3 7WJ, UK

e.mail : bhro@hotmail.com  http://Welcome.to/bhro   Fax : 00 45 32549944

مصادرة جمعية المحامين البحرينية

يسر اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة حقوق الإنسان في البحرين تقديم هذا التقرير باللغتين العربية والإنجليزية، لتعريف نشطاء حقوق الإنسان على وجه من أوجه انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. وهو يقع في نطاق سعي اللجنة العربية للتعريف بنضالات المنظمات القطرية وخلق جسور التفاعل والتكامل الضرورية لتقدم الحركة العربية لحقوق الإنسان.

من جهة أخرى، تسعى اللجنة العربية لحقوق الإنسان لإقامة دعوى بحق جزار البحرين إيان هندرسون الذي تولى إدارة العسف في البحرين لأكثر من ربع قرن ارتكب خلالها جرائم تجعل منه موضوع ملاحقة قضائية في بلده بريطانيا. وهي تستغل مناسبة صدور هذا التقرير لاستنفار  كل نشطاء حقوق الإنسان في العالم للتضامن معنا من أجل هذه المحاكمة.

تطورات قضية جمعية المحامين البحرينية:

يواصل القضاء في البحرين النظر في قضية جمعية المحامين البحرينية. فقد وافقت المحكمة في جلستها بتاريخ 7 أكتوبر 98 على طلب المدعى عليه (وزارة العمل والشؤون الاجتماعية) بتأجيل الجلسة لغرض استدعاء الشهود فيما يرتبط بالندوة التي رعتها جمعية المحامين العام الماضي. فيما طالب المحامون الذين أقاموا الدعوى بالنظر في الجلسة القادمة في طلبهم بوضع جمعية المحامين تحت الحراسة القضائية.

وكان سبعون محاميا قد رفعوا في  مارس الماضي دعوى ضد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لإصدارها قرار أدى إلى حل مجلس الإدارة المنتخب لجمعية المحامين وتعيين مجلس إدارة بديل. ويعتقد بأن الحكومة قد اتخذت القرار المذكور بغرض الحد من استقلالية الجمعية ودفعها لاتخاذ موقف مؤيد للإجراءات الأمنية التي تمارسها الحكومة ضد المعارضين لها الذين يطالبون بالإصلاحات السياسية.

من ناحية أخرى تمارس الحكومة ضغوطا متواصلة على المحامين لسحب القضية من القضاء وانصياع الجمعية للقيود المفروضة على نشاطاتها في مقابل أن يسمح للجمعية من جديد بان تنتخب مجلس إدارتها. وينوي مجلس الإدارة الذي عينته الحكومة تقديم مشروع قرار لوزير العمل يفرض على جميع المحامين الانضمام لجمعية المحامين وهو قرار إن صدر سيكون مخالفا للدستور وللقوانين الدولية التي تحرم ذلك.

ويخشى أن لا يأتي قرار القضاء عادلا ومحايدا نظرا  لتشدد القوانين المرتبطة بالحريات في البحرين وافتقاد النظام القضائي للاستقلالية وللمقاييس المعترف بها دوليا بشأن نظام عمل القضاء.

هذا التقرير:

ونظرا لما تأخذه قضية جمعية المحامين من أبعاد كبيرة فيما يرتبط بالحريات وحقوق الإنسان في البحرين، فان التقرير التالي يسعى لإلقاء الضوء على هذه القضية من خلال عرض تفاصيلها في سياق الأوضاع العامة في البحرين ومواضيع حقوق الإنسان وذلك ضمن العناوين التالية:

1) خلفية سياسية وقانونية عامة Political And Legal Background

 2) التشريع Legislation

3 ) النظام السياسي الفعلي القائم The Factual Political system

 4) القضاء The Judiciary

5 ) ممارسات حقوق الإنسان والقوانين المتعلقة بذلك Human Rights Practices and Related Laws

 6) حرية تشكيل وعمل المؤسسات Freedom of Association

7 ) قانون الجمعيات البحريني لعام 1989 The 1989 Law on Associations

8 ) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط بحرية تشكيل ونشاط الجمعيات

 9) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط بحرية التعبير

10) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط بالقضاء وكيفية سيره

11) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط  باستقلالية القضاء

12) القوانين والإجراءات المرتبطة بعمل ونشاط المحامين في البحرين

أولاً: خلفية سياسية وقانونية

البحرين إمارة وراثية محظورة فيها المؤسسات الديمقراطية و الأحزاب السياسية. وتحكم أسرة آل خليفة البحرين منذ أواخر القرن الثامن عشر، وتسيطر على الاقتصاد وسلطة الدولة فيها؛ وليس لمواطنيها لا حق ولا أهلية تغيير حكومتهم أو نظامهم السياسي، في حين تسيطر الحكومة سيطرة  كاملة على العمل السياسي.

كانت السنوات التي أعقبت الاستقلال مباشرة، أي منذ عام 1972 وحتى العام 1975، كانت سنوات استثنائية.  فبعد الاستقلال عن بريطانيا في العام 1971، وافق المجلس التأسيسي المنتخب بشكل جزئي على دستور يقرّ عدداً كبيراً من الحقوق السياسية والمدنية المعترف بها عالمياً، وتشكيل مجلس وطني يتكون من ثلاثين نائباً منتخباً ومن أربعة عشر وزيراً معيناً، ويتمتع بالحق في النظر في التشريع (وبالتالي ليس الصياغة) وبمساءلة الحكومة.

استمر خلال انتخابات المجلس الوطني ودورته التشريعية (1973-1975) حظر الأحزاب السياسية وحظر النساء من المشاركة في الاقتراع. وفي العام 1975 وصلت العلاقة بين أسرة آل خليفة الحاكمة والمجتمع المدني الممزّق حد القطيعة وذلك كنتيجة لسلسلة من الخلافات. وكان أكثرها خطورة في العام 1974 بخصوص مرسوم قانون أمن الدولة الذي يتيح الاعتقال الإداري من غير توجيه أية تهمة أو محاكمة لمدة تصل حتى ثلاث سنوات بحق أي شخص يشتبه فيه أنه يهدد أمن الدولة؛ كما يتيح تشكيل محكمة أمن ذات نظام خاص، مغلق، وتتمتع بصلاحيات النظر في حالات الأنشطة المناهضة للحكومة. وقد عارض النواب المنتخبون في المجلس الوطني هذا القانون وقاموا بحملة ضده باعتباره غير دستوري.

علق الأمير عدداً من مواد دستور عام 1973، بما في ذلك تلك المواد التي تتصل بالمجلس الوطني الذي جرى حله ولم يُعَدْ تشكيلُه أبداً. ومع أن الدستور قد بيّن أنه يتوجب في مثل هذه الحالة إجراء انتخابات جديدة خلال مدة شهرين، غير أن الأسرة الحاكمة رفضت ذلك كلية، الأمر الذي يشكل سبباً رئيساً من الأسباب التي أدت إلى الاضطرابات الحالية.

ثانياً: التشريع

بحسب الدستور الصادر في العام 1973، فإن الشعب هو مصدر السلطات، وإن النظام السياسي في البحرين يقوم على مبدأ فصل السلطات، وإن السلطة التشريعية خُوِّلت لكلا الأمير والمجلس الوطني (المادة 32-ب)، وإن القوانين لا تصبح نافذة إلا بعد أن يقرها المجلس الوطني ويصادق عليها الأمير (المادة 42).

 في 26 تموز (يوليو) 1975 صدر القرار الأميري رقم 14 بحل المجلس الوطني. وبحسب المادة 65 من الدستور، للأمير الحق بحل المجلس الوطني، غير أنها نصت على أنه في مثل هذه الحالة فإنه يتوجب تشكيل مجلس وطني جديد خلال مدة شهرين. أما في حالة عدم إجراء انتخابات خلال هذه الفترة، فإن المجلس الوطني المنحل يسترد سلطاته كلها ويباشر اجتماعاته كما لو أن الحل لم يحدث، ويواصل أعماله لغاية حدوث انتخابات جديدة (المادة 65 من الدستور). لكن المرسوم الأميري رقم 4/1975 قرر تعليق العمل بالمادة 65 من الدستور والمواد الأخرى التي تتعلق بتنظيم الحياة النيابية، وحصرَ سلطةَ التشريع بيد الأمير ومجلس الوزراء المعيّن. ويشكل هذان القراران الأميريان (رقم 14 ورقم 4/1975) اللذان مازالا ساريا المفعول، يشكلان خرقاً للمواد 65، 32-أ، و42 من الدستور.

ثالثاً: النظام السياسي الفعلي

منذ قام بحل المجلس الوطني في العام 1975، والأمير الحالي الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة يمارس حكماً مطلقاً. وهو يحكم بمساعدة أخيه الأصغر الذي يشغل منصب رئيس الوزراء، وابنه وهو ولي العهد، ومجلس وزراء معين. ويحتل أفراد أسرة آل خليفة المراكز المفتاحية في الحكومة ودوائر الدولة بما في ذلك وزراء الداخلية والدفاع والعدل.

رابعاً: النظام القضائي

ينص الفصل الرابع من الدستور على استقلال القضاء. لكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً. فلم يتشكل المجلس الأعلى للقضاء الذي نصت عليه المادة (102-د) أبداً. إذ يُعيّن رئيس وأعضاء محكمة الاستئناف العليا وكذلك رئيس المحكمة المدنية العليا بموجب قرار أميري بناء على اقتراح وزير العدل. أما قضاة المحكمة المدنية العليا والمحاكم الأخرى فعينهم مجلس الوزراء بناء على توصية من رئيس الدائرة العدلية.

بالإضافة إلى وزير العدل، يوجد عدد كبير من أفراد أسرة آل خليفة الحاكمة في الجهاز القضائي. وهؤلاء يكفون نظرهم عن القضايا التي تمس الدوائر الحكومية. وهناك اتهامات دورية تتصل بالفساد في النظام القضائي. وتخضع المحاكم لضغط الحكومة التي تتدخل في الأحكام والدعاوى.

خلق قانون أمن الدولة الصادر في العام 1974 محكمة خاصة بأمن الدولة تنظر في قضايا الأنشطة المناهضة للحكومة. وتجري محاكمة هذه الحالات بصورة سرية من قبل محكمة الاستئناف العليا التي تمارس صلاحيات محكمة أمن الدولة. أما محامو الدفاع فيعينون من قبل وزارة العدل والشؤون الدينية. ويشكو عدد من المحامين وأفراد أسر المتهمين من تدخلات الحكومة في إجراءات المحاكمة بهدف التأثير على قراراتها أو لمنعها من إخلاء سبيل المتهمين المعتقلين. ولا يسمح عادة لأفراد أسر المتهمين بحضور المحاكمة إلا وقت صدور الحكم. وتفتقد محكمة الأمن حتى لأبسط الضمانات، وهي لا تراعي إجراءات التقاضي المعمول بها في المحاكم الجنائية.

خامساً: الممارسات الماسة بحقوق الإنسان والقوانين المتصلة بها

في عام 1976، وهو العام التالي على حل المجلس الوطني المنتخب، أصدرت الحكومة قانوناً جنائياً جديداً ألغت فيه العديد من الحريات المدنية والحقوق السياسية التي يكفلها الدستور، مُحوِّلة بذلك عدداً كبيراً من الأنشطة السياسية السلمية إلى جرائم. وقد صدرت خلال مدة تنوف عن عقدين من الحكم غير الدستوري بناء على المرسوم سابق الذكر، صدرت مراسيم أخرى تعرضنا لها في هذا التقرير فاقمت من تدهور الحقوق السياسية والقضائية. هكذا  غدا البحرين منذ العام 1975 بلداً المواطن (ة) فيه عرضة دائمة لخطر الملاحقة والاعتقال والتوقيف من غير تهمة أو محاكمة، لمجرد التحدث العلني بطريقة تعتبرها الحكومة مناهضة أو انتقادية لها. أما الدفاع العلني عن إعادة تشكيل المجلس الوطني الذي أقره الدستور فينظر إليه على أنه يندرج في صنف الجرائم سابقة الذكر. وفي حين أن اتصالات الناس بين بعضهم وبينهم وبين الأشخاص في خارج البحرين تخضع لرقابة شديدة، و الأحزاب السياسية والمنظمات محظورة مثلها في ذلك كمثل النقابات المهنية. وتخضع الاجتماعات العامة وجمع التبرعات لتصريح مسبق يتعذر الحصول عليه عملياً. وتشرف الدولة على الإذاعة والتلفاز، حيث يتحكم مزيج من الرقابة المباشرة للدولة والرقابة الذاتية بمناقشات السياسة المحلية أو تلك المتصلة بالعلاقات بالدول المجاورة. أما الانتهاكات التي يحظِّرها الدستور وكذلك القانون الدولي، كمثل التعذيب والنفي القسري، فتمارس بصورة روتينية باعتبارها سياسة معتمدة من قبل الدولة.        

سادساً: حرية الجمعيات

مع أن الدستور يبيح حرية تأسيس الجمعيات، فإن الحكومة تضع القيود علىحرية الجمعيات. ولئن لعبت بعض الجمعيات المهنية والنوادي الثقافية والرياضية تقليدياً دور منابر للتعبير السياسي، فقد حظر عليها القانون ممارسة الأنشطة السياسية. وتوضع العراقيل في وجه تشكيل جمعية للصحافيين، وكذلك فيما يتعلق باجتماعات ومناقشات الجمعيات الأخرى.

إن تشكيل الأحزاب والمنظمات السياسية محظور كلية، ويتعرّض الذين يحاولون تشكيلها لأقصى العقوبات. وقد حدد القانون الجنائي عقوبة عضوية التنظيمات بجزاء يصل حتى عشر سنوات من السجن.

وليس ثمة منظمات محلية لحقوق الإنسان. وبسبب القيود المفروضة على حرية الاجتماع والتعبير فإن القيام بجمع المعلومات وتقصي الحقائق حول انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان يواجه صعوبة هائلة. وتقوم مجموعات خارج البلاد بتقديم التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

مع أن دستور العام 1973 الذي جرى تعليقه جزئياً يعترف بحق العمال في التنظيم، غير انه لا يوجد تنظيمات نقابية في المواصفات المعترف عليها دوليا. مع العلم أن الدستور يقر بـ"حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة وبما ينسجم مع القانون" وينص على أنه "لا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها".   

سابعاً: قانون الجمعيات لعام 1989

أصدر الأمير في العام 1989 القانون بمرسوم بشأن الجمعيات. وطبقاً لهذا القانون، لا يمكن تأسيس الجمعيات من غير الحصول على تصريح إداري مسبق. ويمكن حجب التصريح إن كانت أهداف الجمعية تهدد النظام العام أو القيم الخلقية أو أمن الدولة أو نمط الحكومة أو النظام الإجماعي (المادة 3). ويتعرّض كل شخص يشرع في ممارسة أنشطة خاصة بجمعية قبل صدور التصريح بها في الجريدة الرسمية لعقوبة السجن لمدة أقصاها ستة أشهر أو لغرامة مالية لا تتجاوز 500 ديناراً أو لكليهما (المادة 89).

وللسلطات الحق في حجب التصريح بجمعية مرخصة إذا اعتبرت أن المجتمع ليس بحاجة إليها أو إذا كانت هناك جمعيات أخرى تقوم بالنشاط نفسه (المادة 11). هكذا يمكن للسلطات أن تدمج جمعيتين أو أكثر إذا اعتبرت أن أهدافها متطابقة (المادة 24).

ويحظر القانون على الجمعيات المرخص لها التدخل في السياسة (المادة 18) أو الاتصال بنظيراتها من الجمعيات خارج البلاد من غير الحصول على تصريح مسبق (المادة 20). ويحظر القانون تنظيم المهرجانات والاحتفالات أو المباريات الرياضية أو جمع التبرعات من غير الحصول على تصريح رسمي (المادة 21).

ويتيح القانون للسلطات التدخل في الشؤون الداخلية للجمعيات. فهو يتيح لها التفتيش في أي وقت في وثائق ومراسلات أية جمعية بغرض التيقن من أن نشاطها لا يتعارض مع القانون (المادة 15). ويتوجب تسليم نسخة من محاضر جلسات الجمعية إلى السلطات للتدقيق (المادة 38). وقد ترفض السلطات أي قرار تأخذه الجمعية إذا اعتبرت أن تنفيذه يشكل تهديداً للنظام العام أو الأخلاق (المادة 25). ويمكن للسلطات حل أية جمعية أو تجميد أنشطتها لمدة لا تتجاوز 40 يوماً إن مسّت النظام العام أو الأخلاق (المادة 50).

8) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط بحرية تشكيل ونشاط الجمعيات

إن قرار وزير العمل والشؤون الاجتماعية (رقم 4 لسنة 1998 بشأن تعيين مجلس إدارة مؤقت لجمعية المحامين)(1)  قد اتخذ استنادا للمادة (23) من قانون الجمعيات الصادر بمرسوم رقم (21) لسنة 1989(2) وهذا القانون يعطي الوزير صلاحيات واسعة ويقيد بشكل كبير تشكيل الجمعيات وحرية عملها. ورغم أن جمعية المحامين البحرينية التي تأسست عام 1977 كانت مضطرة لإعادة تسجيل نفسها عام 1991 وفقا لقانون الجمعيات المذكور، إلا أن الجمعية رغم ذلك لم تقبل القانون ودافعت أمام القضاء بنجاح بان بعض فقرات القانون تعيق قيام المحامين بواجباتهم المهنية. ويخشى أن المحامين لا يمتلكون هامشا حقيقيا لكسب هذه القضية بشكل قاطع أو الدفاع عن استقلال جمعيتهم في المستقبل إذا لم يتم إعادة النظر في قانون الجمعيات المذكور.

9) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط بحرية التعبير

ذكر وزير العمل في قراره ثبوت مخالفة جمعية المحامين لأحكام قانون الجمعيات وعلى وجه الخصوص المادة (18) "وذلك في قيامها بمباشرة نشاط سياسي يخرج كلية عن نشاطها المهني والثقافي والاجتماعي المصرح به للجمعية.." وجاء في مذكرة دفاع وزارة العمل أمام المحكمة أن النشاط السياسي الذي استدعى صدور قرار الوزارة بحل مجلس الإدارة هو قيام الجمعية باستضافة شخصيتين بحرينيتين لإلقاء محاضرة بعنوان "نتائج قمة طهران الإسلامية والقمة الأخيرة في الكويت". أما المحامون فقد قالوا للمحكمة بأن الندوة التي وصفتها وزارة العمل بأنها نشاط سياسي محظور هي جزء من برنامج ثقافي اعتادت جمعيتهم القيام به في شهر رمضان كل عام، وان الجمعية كانت قد أعلنت عن عنوان الندوة المذكورة وأسماء المحاضرين في الصحف المحلية وتم عقد الندوة  بمعرفة الوزارة. أما بخصوص آراء المحاضرين فقد رفض المحامون أن يكون ذلك دليل إدانة ضد جمعيتهم وقالوا بأنها آراء لا تلزم إلا أصحابها مثلما ينطبق ذلك على الذين اختلفوا مع تلك الآراء ونشروا آراءهم في الصحف. ويعتقد بان السبب الرئيسي لغضب الحكومة تجاه الندوة المذكورة أن أحد المحاضرين - وهي موظفة سابقة في وزارة العمل- قد كشفت بان الإحصائيات التي توردها الحكومة غير صحيحة وخصوصا فيما يتعلق بالعاطلين عن العمل، كما أن المناقشة في الندوة قد أخذت منحى نقدياً للحكومة فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات. ومن المفارقات المهمة في موضوع الحظر على الجمعيات التدخل في القضايا السياسية، إن الحكومة نفسها كانت في وقت سابق قد مارست ضغوطا كبيرة على جمعية المحامين لكي تصدر بيانا مؤيدا للإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة في الأحداث الأخيرة. ولكن مجلس إدارة الجمعية رفض ذلك باعتبار انه يخل بالتزاماته المهنية، وقد أدى ذلك إلى استقالة رئيس مجلس الإدارة الذي كان قد التقى برئيس الوزراء أدلى بتصريحات مؤيدة للحكومة دون الرجوع إلى مجلس إدارة الجمعية. وقد ظهر حينها رد فعل الحكومة ضد الجمعية في الصحافة حيث كتبت جريدة الأيام المقربة من الحكومة في افتتاحيتها بتاريخ 3/10/1997 بان الصمت الذي مارسته جمعية المحامين في البحرين طوال الفترة السابقة يجب أن يوضع له حد ويجب أن يكون هناك موقف واضح وصريح وإلا سوف لن يستحق أي متردد أو متخاذل الانتماء لهذا الوطن. أما  الرئيس الأسبق الذي أقصاه مجلس الإدارة لتجاوزه صلاحياته فقد عينته الحكومة عضوا في مجلس الشورى، ثم اختاره وزير العمل عضوا في مجلس إدارة جمعية المحامين المعين بعد حل المجلس المنتخب.

10) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط بالقضاء وكيفية سيره

ليس هناك في البحرين محكمة إدارية أو نظاما خاصا بالنظر في المنازعات مع الحكومة. وقد قررت وزارة العمل في معرض دفاعها بعدم قبول الدعوى لعدم جواز الطعن في القرار رقم (4) لعام1998. فيما رد ممثلو جمعية المحامين على ذلك بمبدأ المشروعية الذي يعني أن تسود القاعدة القانونية فوق ارادات الأشخاص القانونية في الدولة سواء كانوا من أشخاص القانون العام أو الخاص، مما يعني أن يسود حكم القانون وان يلزم الحاكمون جميعا به فتخضع مؤسسات الدولة وسلطاتها سواء كانت سلطة حكم أو سلطة إدارة لحكم القانون تحت رقابة قضاء أمين. واستند المحامون إلى المبدأ الذي اقره الفقه الدستوري في كافة الدول المتحضرة واقره دستور البحرين في المادة (20) وهو أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة واعتبروا أن ذلك توكيدا للرقابة القضائية على القرارات الإدارية وغيرها وباعتباره الوسيلة الوحيدة التي تكفل للناس التمتع بحقوقهم ورد أي عدوان عليها.

11) قضية جمعية المحامين فيما يرتبط  باستقلالية القضاء

إن حكومة آل خليفة تهيمن على القضاء من ناحية تعيين وزير العدل وكبار المسؤولين والقضاة بمراسيم خاصة وكذلك من ناحية التدخل في سير ونتائج  المحاكمات وخصوصا في القضايا المتصلة بمعارضين للحكومة والتي توصف عادة بأنها ترتبط بأمن الدولة. ورغم أن المحامين قد رفعوا قضيتهم ضمن القضاء الاعتيادي إلا انه تم تحويلها على المحكمة الكبرى المدنية  - الغرفة الثالثة - والتي يرأسها الشيخ خليفة بن راشد آل خليفة وهو ذاته رئيس محكمة أمن الدولة - الغرفة الثالثة - والتي عرف عنها إصدار أحكام جائرة ومتجاوزة للقانون.

12) القوانين والإجراءات المرتبطة بعمل ونشاط المحامين في البحرين

نظرا لافتقاد البحرين للمؤسسات الديمقراطية والنقابية، وحظر عمل الأحزاب ومنظمات حقوق الإنسان، يجد المحامون أنفسهم في الواجهة فيما يتعلق بتحسين أوضاع حقوق الإنسان وخصوصا فيما يتصل بمجال عملهم، إلا أن مجموعة من القوانين التي تحكم عمل المحامين ونشاط جمعيتهم جعل الظروف التي يعملون فيها صعبة جدا وجعلهم معرضين لتدخل وبطش الحكومة في أي وقت. وفي تقرير مفصل أصدرته لجنة المحامين لحقوق الإنسان الأميركية في فبراير 1992،(3) خلصت اللجنة إلى النتيجة التالية:

"إن مهنة المحاماة في البحرين تعاني من سيطرة حكومية خانقة. فالقوانين المتشددة المتعلقة بالجمعيات تكبح المحامين البحرينيين في أداء واجباتهم المهنية وتعزيز العدالة. ولا يسمح للمحامين أو مؤسساتهم بالمشاركة في مناقشات عامة تتعلق بقضايا القوانين والحقوق الأساسية وحقوق الإنسان. وقد تم وبشكل حاد تقليص فرص التمثيل الفعال للمتهمين وخصوصا في القضايا السياسية. فمن المحظور على المحامين وبشكل روتيني الاطلاع على الوثائق الضرورية، وملفاتهم معرضة وبطريقة غير شرعية للتفتيش والمصادرة. ولا يسمح للمحامين بالتشاور مع موكليهم على انفراد وفي كثير من القضايا لا يسمح لهم برؤية بعضهم إلا في قاعة المحكمة بعد بدئ المحاكمة وبعد أن يكون قد تم الحصول على الاعترافات من المتهم. ورغم أن القانون يقضي بحق الحصول على المساعدة القانونية إلا أن الإجراءات التطبيقية جعلت القانون بلا معنى. فالحكومة لا تعلم المواطنين بحقهم في الحصول على المساعدة القانونية ولا يسمح لجمعية المحامين القيام بذلك. ولا يشترط القانون بوجوب حصول المتهم عونا قانونيا من محام تتناسب مؤهلاته مع الجرم الذي اتهم به. وهكذا فأن حق الحصول على المساعدة القانونية وفي جميع الوجوه تقريبا حق مفرغ من محتواه. من ناحية أخرى فأن القانون لا يضمن لمنظمات المحامين بالمشاركة في نظام معاقبة المحامين كما انه يخفق في توفير محكمة استئناف مستقلة ومحايدة للنظر في قرارات معاقبة المحامين. ويتعرض المحامون إلى أنواع مختلفة من التخويف من ضمنها الاعتقال الاحترازي لمدد طويلة بسبب القيام بنشاطات متعلقة بأداء واجباتهم المهنية. كذلك فأنهم قد يتعرضون للإبعاد من الوطن، أو المنع من مغادرته وفق ما تهوى الحكومة."

وقد أورد تقرير جمعية المحامين الأميركية عشر حالات لمحامين تعرضوا للإجراءات التعسفية المذكورة، كما حدد التقرير لحكومة البحرين الخطوات التي يلزم اتخاذها لجعل التشريع والممارسة في البحرين متوافقين مع المبادئ الأساسية لدور المحامين التي تبنتها الأمم المتحدة عام 1990. وتتابع اللجنة الدولية للحقوقيين (ICJ) في جنيف في تقاريرها السنوية الأوضاع المقلقة المستمرة للمحامين والقضاء في البحرين. أما مقرر الأمم المتحدة الخاص باستقلال القضاة والمحامين فانه قد أوضح في تقريره هذا العام بأنه قد توفرت لديه أدلة قاطعة على صحة ما ورد في تقريره للعام الفائت من قلق بشأن انتهاك ما ورد في المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المحاكمات التي تجري أمام محكمة أمن الدولة (البحرينية). ومن الأدلة التي أوردها المقرر الخاص: انه لا يتاح للمحامين الوقت الكافي لإعداد دفاعهم عن موكليهم، كما لا يسمح لهم بالاتصال بموكليهم أثناء المحاكمة إلا في حدود ضيقة. وقال المقرر الخاص انه ابلغ أيضا بأنه من ثلاث محاكم أمن دولة هناك محكمتان يرأسهما أفراد من أسرة آل خليفة الحاكمة ( E/CN.4/1998/39 ). (4)

 

الهوامش:

(1) نص قرار وزارة العمل بشان تعيين مجلس إدارة مؤقت لجمعية المحامين البحرينية - قرار رقم (3) لسنة 1989 م.

(2) قانون الجمعيات البحريني الصادر بمرسوم القانون رقم (21) لسنة 1989 م ( نصوص المواد من 20 إلى 26 ).

(3) تقرير جمعية المحامين الأميركية الصادر في فبراير 1992 م.

(4) تقرير المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين ( E/CN.4/1998/39 ).

 

منشورات اللجنة العربية لحقوق الإنسان - حقوق إعادة النشر مباحة شرط ذكر المصدر