حرب مفتوحة  حول الناس والعدوان

  عزمي بشارة

 

تمسك الناس أعصابها عندما تسمع محاميا من الدرجة الرابعة، مشغولا باختيار ربطات العنق وإثبات أنه الأكثر فهلوية و(تشبيحاً)  في الصف المدرسي الذي لم يغادره عقلا، وهو يهدد بقتل رجل بحجم السيد حسن نصر الله وغيره من قيادات المقاومة اللبنانية. ومن حيث كثافة التجربة والعمق الإنساني والتواضع يساوي سهر قيادات المقاومة ليالي معدودات عمره كله. تضبط الناس أعصابها لأنها لا تعرف كم هو تافه ونصاب ومتوسط الذكاء وصغير ومغرور ذلك الشخص المسمّى روني بار أو أن الذي أصبح وزير داخلية، لأنه خائن وعديم الولاء لمن صنعه وشم رائحة ترشيح وكرسي ومنصب عند شارون.

لا عبقرية ولا شجاعة ولا ذكاء، بل رجال متوسطون وجبناء وانتهازيون، ولكنهم يملكون تفوقا عسكريا ويديرون ماكينة دولة، دولة فعلا، دولة مرتاحة في هويتها ولديها أمن قومي وتعبئة قومية. لا ذكر لتفوق فردي بل مؤسساتي. مزعومة أم غير مزعومة، مشروع دولة قومية للأسف، في مقابل دول قامت على أنقاض الهوية القومية. وفي المقابل حركة مقاومة في مجتمع طائفي مذهبي ودولة محيدة إلا عن الطائفية، ونظام عربي يشجع جزء منه إسرائيل على تنفيذ ما عجز هو عن تنفيذه: التعامل مع المقاومة كميليشيا، ومع <الشرعية الدولية> ككلمة أخرى لانعدام الشرعية الوطنية والإنسانية عندهم.

ليس السؤال اختيار المقاومة هذا التوقيت، فقد قامت بمحاولات أسر فاشلة عدة في الأشهر الماضية. الفرق أن هذه نجحت. وأن جنودا إسرائيليين قتلوا ليس في القتال خلال الأسر بل لأن دبابتهم صعدت على لغم وهي تلاحق الخاطفين بمبادرتها. السؤال هو لماذا اختارت إسرائيل هذا التوقيت لفتح معركة شاملة؟

الجواب عند العرب وأميركا الذين لم يتمكنوا من تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم ,1559 وهو ما تبقى من الشرعية الدولية عند أنظمة تنقصها الشرعية الوطنية والإنسانية. وجاءت إسرائيل تنفذ. والغطاء قائم. والفرق بين هذه الأيام وأيام القصف والغضب من أيام الحساب إلى عناقيد الغضب 1993-1996 هو وجود مشروع سياسي بديل مطروح للبنان، لبنانياً وعربياً. وقد تعثر المشروع في الأشهر الأخيرة، ولم يعد قادراً على طرح ذاته بأدواته. على هذا تراهن إسرائيل، والرد العربي القادم من دول رئيسية يؤكد رهانها. أما الساحة اللبنانية فسوف تفاجئهم.

الهدف الإسرائيلي تغيير قواعد اللعبة بين إسرائيل ولبنان، وفي داخل لبنان أيضا. هذا هو وجه الشبه الوحيد مع حرب .1982 الفرق السلبي هو في الظروف الدولية والإقليمية، والفرق الإيجابي يكمن في قوة المقاومة، وهي لبنانية هذه المرة، وليست فلسطينية، أكرر يكمن الفرق في قوة ودرجة تنظيم المقاومة، ولا بأس أن نكرر أيضاً الإشارة إلى فرق آخر هو أن لبنان ليس مقبلا على 17 أيار بل يعتبر تلك التجربة خلفه لا يريد أن يتذكرها. المبادرة بيد لبنان، شعبا ومقاومة. هو وحده القادر على إحباط المؤامرة. سوف تتقاطر وفود دولية لقطف نتائج العدوان، سوف تحضر وفود دولية لتعد لبنان بوقف إطلاق النار إذا نفذ القرار ,1559 وأنه لم يعد هنالك مبرر بعد أن صور الجيش الإسرائيلي للمجتمع اللبناني النتائج، وبعد أن قام بإضعاف المقاومة مباشرة بضربها، كما يعتقدون أو يتوهمون، واقصد بالمقاومة أيضا مناعة البلد.

أميركا ترشِّد الضربات الإسرائيلية بحيث تمس بالمقاومة دون المس بمشروعها في لبنان، وبحيث تبتز وتخيف حلفاء أميركا من دون أن تحطمهم أو تبعدهم أو تدفع جمهورهم إلى أحضان المقاومة. والفرق بين إسرائيل وأميركا هنا فرق تكتيكي لكنه مهم، فهو مرتبط بدرجة الضغط على حلفاء أميركا ومتى يتحول التخويف إلى تكسير. وهي في الوقت ذاته تشجع إسرائيل على توسيع حلقة التهديد إلى سوريا. فأميركا تريد من إسرائيل ان تساعد مشروعها في لبنان ضد المقاومة، لا أن تهدمه خلال عملية ضرب المقاومة.

لقد اتخذت إسرائيل قرارا أن التوقيت الآن مناسب، وان تأجيل المواجهة يفاقم الوضع ويمنح وقتا للمقاومة لتعزيز قوتها كما حصل منذ العام .2000 إنها معركة مفصلية إذاً. صمود وصلابة المقاومة وقدرتها على الرد، ووحدة المجتمع اللبناني في رفض القرار الإسرائيلي للبنان، والذي سرعان ما سوف يتحول إلى خيار إسرائيلي في لبنان هي ليست فقط أسلحة، بل هي ضمان لفشل العدوان بالتكلفة، ولتحول عربي ودولي وانتصار الناس.