مسألة الإصلاح الدستوري في المغرب ــ تعقيب المصطفى صوليح

 

المصطفى صولــــــــيح

El Mostafa Soulaih                                                                                                       

في إطار الندوة التي نظمتها ، في يوم الأربعاء 15 فبراير 2006 بمقر " الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمدينة الرباط"، كل من جمعية " حركة المطالبة بدستور ديمقراطي" ومجلة "الآداب" البيروتية حول مسألة الإصلاح الدستوري في المغرب، بمشاركة أربع فاعلين سياسيين و ثلاث باحثين أكاديميين ، كان علي إلى جانب آخرين أن أقدم تعقيبا ينصب على الجوانب الحقوقية من مداخلات المشاركين . فجاء هذا التعقيب متكونا من خمسة ملاحظات كالتالي :

1 ـ هل نحن بصدد نظام للحكم يستمد شرعيته من دستور ديمقراطي أم أننا نعيش حالة رتيبة لنظام حكم يوصف بأنه دستوري فقط لأن له دستور ؟ و هل المطلوب هو الاستمرار على نفس المنوال السابق منذ الاستقلال السياسي للبلاد في المطالبة بتعديل الدستور أم الكف عن ذلك و التحول إلى المطالبة بتغييره ؟ هل لمجرد أننا أمام دستور يوصف بأنه دستور مرن نواصل الحديث في كل مرة و حين عن تعديل متوقع و ذلك في الوقت الذي تأكد فيه بحكم التكرار أن أي تعديل لن يمس جوهر الأشياء ؟ أ لم يحن الوقت لإدراك أنه لم يعد في البلد أي جهة عليا محايدة لتكون حكما فالمحايد و الحكم لا يجوز أن تكون له مصالحه الاقتصادية و المالية التي تجعله يحتكر بدل أن يحترم قواعد التنافسية فبالأحرى أن يساعد على إقرار الشفافية و وضع البلاد فوق سكة الديمقراطية ؟

2 ـ شتان بين مقاصد و مضمون الدستور المدون الممنوح و مقاصد و مضمون الدستور الموضوع  إما في سياق تعاقد أو ميثاق أو اتفاق بين الحاكم و المحكومين أو تمت صياغته من قبل لجنة وطنية موسعة أو هيئة تأسيسية أو برلمان مؤقت .

ففي حين يحيل الدستور الممنوح على وجود طرفين هما الراعي ( أي الأمير ، أو الملك ، أو السلطان ، أو الرئيس المدني أو العسكري ،، ) و الرعية ( جمع لا مفرد له ) ، و لا يقر إلا بأن هذا الراعي قد قرر أن يتنازل طواعية عن بعض سلطاته التسييرية لنخبة من رعيته و بالتالي يشرعن لنظام سياسي له دستور ،،، فإن الدستور التعاقدي أو المؤسسي ، و بالنظر إلى أنه لا يحرز الصفة الديمقراطية رغم تمثيل الجميع في المشاركة في صياغته و مناقشته و إبداء الرأي في مكوناته ، إلا عبر إجازته بواسطة استفتاء حر و نزيه و خال من كل المعيبات ، يحيل على نظام سياسي للحكم يستند على الشرعية الدستورية .

3 ـ إن الدستور الديمقراطي ( أو التعاقدي ، أو الاتفاقي ، أو التوافقي ،، ) هو فقط الدستور المؤهل لإنشاء نظام سياسي من خاصياته :

ــ أنه لا تختل فيه التوازنات لفائدة أي كان ،

ــ أنه يحسب فيه لكل مواطن ألف حساب ،

ــ أنه لا يعترف لأي كان بقدسية فوق قدسية باقي الناس ،

ــ أنه قد يمنح  لفرد أو أسرة بعض الامتيازات الوراثية الرمزية المحدودة و المحددة كما هو الحال في بريطانيا  و إسبانيا و بلجيكا و غيرها ،،، و لكنه لا يركز لدى هذا الفرد أو تلك الأسرة سلطة أوتوقراطية مركزية تعلو            و لا يعلى عليها ،

ــ أنه يقوم على تكامل السلطات و فصلها و عدم تمركزها ،

ــ أنه تكون فيه السيادة للشعب ، وحده لا شريك له ، بشكل مباشر أو عبر ممثليه ،

ــ أنه يكون فيه الشعب ، وحده لا شريك له بشكل مباشر أو عبر ممثليه ، هو مصدر جميع السلطات و هو الممثل الأسمى لها و المعبر الأعلى عنها و الممارس الأول و الأخير لها ،

ــ أنه ، بما أنه لا مكان فيه للملائكة ، لا يوفر لأي كان فرصة للإفلات من الخضوع للرقابة و المساءلة               و العقاب،

ــ أن الدستور الديمقراطي هو الذي يمنح للسلطات صلاحياتها و ليس العكس ، أي أن الدستور الديمقراطي لا يزكي صلاحيات سلطة قررت ، بناء على منطق الغالب أو أي منطق آخر غير شرعي ، أن تكون السلطة التي لا يعلى عليها .

4 ـ أكيد أن هناك تمييز بين حقوق الإنسان و المواطنة و لكنه تمييز لا يجب أن يتجاوز الحدود التي ترى أن المواطنة هي الوجه السياسي لحقوق الإنسان ، و بالتالي فإن الدستور هو الوثيقة التي من المفروض أن تجمع في النهاية أحكاما تهم الوجهين معا ، بل إنه بدون إقرار دستوري بحقوق الإنسان و حرياته و بدون ضمانات دستورية لكفالتها و بدون أحكام دستورية لتجريم مختلف الاعتداءات التي يمكن أن تؤدي إلى انتهاكها لن تتمتع المواطنة ، هي كذلك ، بحقوقها و حرياتها  و لن تجد أي سند دستوري لحمايتها .

5 ـ ما هي الحقوق و العلاقات بينها التي من اللازم أن ينص عليها الدستور الديمقراطي ؟ سأغض النظر عن تلك التي يمنحها لنا الدستور الحالي بيده اليمنى و ينتزعها منا بيده اليسرى و أقول إنه :

ــ يجب أن يتضمن الدستور تنصيصا محددا على أن القانون الدولي هو أحد مصادر التشريع الوطني ، و على أنه في حالة وجود تعارض بين القانون الوطني و القانون الدولي يجب أن يؤخذ بالقانون الدولي ، مع التنصيص على تعديل القانون الوطني في حالة وجود مثل هذا التعارض ،

ــ بما أن المغرب طرف في معظم الصكوك الدولية لحقوق الإنسان ، فإن المادة 27 من اتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات ، لا تجيز له التذرع بقانونه الداخلي ليتقاعس عن مراعاته لواجباته الدولية ،

ــ يجب أن تشكل جميع الحقوق و الحريات المرصودة للإنسان في الصكوك الدولية إياها بما فيها تلك المشار إليها في القانوني العرفي الدولي جزءا لا يتجزأ من الدستور ،

ــ يجب أن يشدد الدستور على أن جميع الحقوق و الحريات ، سواء المفيئة في إطار الجيل الأول أو الثاني أو الثالث ، هي حقوق و حريات غير قابلة للتجزيء و تتمتع جميعا بالحماية،

ــ يجب أن يصرح الدستور على أن حقوق الإنسان و حرياته هي مكفولة في جميع الأوقات ، و أن يتم احترام المعايير الدولية لهذه الحقوق و الحريات كلما دعت الضرورة إلى الانتقاص منها أو تقييد بعضها ،

ــ يجب أن يحظر الدستور بألفاظ واضحة التعذيب و غيره من أشكال المعاملة القاسية و اللاإنسانية و المهينة ،           و أن ينص بنفس الوضوح على تجريم ممارسي ذلك و الضالعين فيه ، 

ــ يجب أن يجرم الدستور كل تعدي على تلك الحقوق و الحريات حتى و لو صدر هذا التعدي عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية ،

ــ يجب أن يكفل الدستور سبلا فعالة للتظلم ضد هذا التعدي و أن ينمي إمكانيات التظلم القضائي ،

ــ يجب أن يكفل الدستور استقلال القضاء و نزاهته و عدم فسخ أحكامه ، و يرقيه إلى درجة سلطة تحرس الدستور و تضمن المحاكمة العادلة ،

ــ يجب أن يكفل الدستور بشكل آمر و ملزم حرص السلطات المكلفة بإنفاذ الأحكام الصادرة ضد التعدي على حقوق الإنسان و حرياته على القيام بهذا الإنفاذ ، مع تجريم كل تقاعس أو إخلال بهكذا مسؤولية ،

ــ  يجب أن ينص الدستور على أحكام تتناول الجوانب المتعلقة بالضبط المالي و الشفافية و عدالة توزيع الموارد .