هيئة الإنصاف و المصالحة

 تتملص من مسؤوليتها في إثبات هوية رفات ضحايا الانتهاكات الجسيمة في المغرب

 

المصطفى صولــــــيح  ٭ El Mostafa Soulaih

elmostafa.soulaih@menara.ma     

 

يبدو أن ما كان متوقعا قد بدأ يتوضح بالملموس حتى بالنسبة للذين سبق لهم أن أساؤو التقدير إزاء غيرهم ممن ظلوا و مافتئوا يطالبون بإحداث لجنة وطنية مستقلة للحقيقة و المساءلة ، بدل الهيئة الحالية التي انبثقت ، كلجنة وظيفية ، عن توصية لمؤسسة " وطنية " هي المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي يفتقد هو بدوره لصفة الاستقلالية. و من المؤشرات التي تؤكد هذه التوقعات أن الضحايا ، أو أفراد عائلاتهم أو الإطارات الحقوقية ذات الصلة ، وجدوا أنفسهم أمام هيكل يلتقط منهم المعلومات و لا يستجيب لأسئلتهم و حاجاتهم ، و يحول جلسات الاستماع المسماة عمومية من جلسات منقولة عبر التلفزيون بشكل مباشر ( جلستان فقط ) إلى جلسات منقولة ، بعد توضيبها ، بشكل غير مباشر . و لا يدمج ضمن صفحات موقعه على الويب سوى نصوص البرامج الإذاعية و المقالات الصحفية التي تشيد بنشاطه . و لم يختر للمشاركة في الجلسات الموضوعاتية ، التي نقلت هي كذلك للعموم بشكل غير مباشر ، إلا من أثبتت التحريات و الاستشارات حوله ، السابقة لدعوته ، أنه لن يتخط خطوطا حمراء ترسم له في حفل عشاء قبيل الشروع في تسجيل البرنامج الخاص بالموضوع المعني . و على غير العادة قام بحشد عشرات الأفراد و الجمعيات لإعطاء الانطباع على الصعيدين الوطني و الدولي بأن التوصيات التي رغم أنه سبق له أن جمعها منذ مدة بخصوص جبر الضرر الجماعي هي وليدة " ملتقى وطني " . و على غير العادة ، أيضا ، فاجأ الملتقين بليه لعنق الملتقى ليصبح مدخلا من مداخل " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية "،          و فوق ذلك ها هو هذا الإطار ( الهيئة) ، على مبعدة أقل من شهر و نصف من إنهائه لأجندته بصياغة التقرير النهائي و تقديمه للملك، يكتفي بإعادة إنتاج نفس المعلومات الشائعة و يتملص من مسؤوليته في إثبات هوية رفات ضحايا الانتهاكات الجسيمة في المغرب .

 

محتوى بلاغ هيئة الإنصاف و المصالحة

 

ففي بلاغ  وزعته هيئة الإنصاف و المصالحة بتاريخ 09 أكتوبر 2005 ، جاء أن هذه الهيئة قد توجت جهودها التي استغرقت عدة شهور " من التحريات في موضوع مصير الضحايا المتوفين داخل مراكز الاحتجاز غير النظامية " بـ " تحديد المدافن التي دفن بها من توفي منهم بمعتقلات تاكونيت و أكدز و قلعة مكونة ، ممن تعرضوا للاختفاء القسري خلال السبعينات و الثمانينات و بداية التسعينات من القرن الماضي ، و يبلغ عددهم خمسون شخصا " ، كما توجت هذه الجهود ، يضيف نفس البلاغ ، بـ " تحديد تواريخ الوفاة و أماكن الدفن بهذه المناطق بناء على اطلاعها على المعطيات المقدمة لها من طرف السلطات المركزية ، و الوثائق المتوفرة لدى السلطات الإقليمية ، و استماعها للشهادات التي تقدم بها أمامها موظفون سابقون عاينوا ظروف الوفاة و الدفن ". و اختتمت الهيئة بلاغها بكونها " كلفت عددا من أعضائها و من أعضاء الطاقم الإداري ، بالانتقال ، في المقام الأول ، لدى العائلات المعنية في مقرات إقامتها ، من أجل إخبارها بنتائج تحرياتها و بإمكانية زيارة المدافن في أي وقت تختاره ( ... ) و ستواصل الهيئة إخبار عائلات ضحايا الاختفاء القسري و الرأي العام بنتائج تحرياتها تباعا " .

 

بلاغان مضادان : إعادة طرح سؤال حقيقة الضحايا

 

و فيما لم تعر النخب السياسية التقليدية الموضوع أي اهتمام يذكر ، أصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في نفس اليوم ( 09 أكتوبر 2005 ) بيانا مضادا أعلنت فيه أن مكتبها المركزي " يعتبر أن الكشف عن بعض المعطيات بشأن خمسين من المختطفين السابقين الذين أعلن عن وفاتهم وعن تحديد مكان دفنهم مسألة إيجابية قد يكون من شأنها التخفيف من وطأة الألم بالنسبة لعدد من عائلات الضحايا " ، مسجلا بهذه المناسبة " ( ... )              1- أن عدد قبور ضحايا الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالقمع السياسي المعلن عنه وهو خمسون، يظل محدودا بالقياس مع عدد الضحايا الذين تقدره الجمعية بالآلاف إذا أخذنا بعين الاعتبار كافة ضحايا الانتهاكات الجسيمة منذ الاستقلال سنة 1956 إلى سنة 1999 سواء تعلق الأمر بضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو بالإعدام خارج نطاق القانون أو بالتقتيل الجماعي أثناء الهزات الاجتماعية الكبرى في نهاية 1958 وبداية 1959 بالريف، في مارس 1965 بالدار البيضاء ، في يونيه 1981 بالدار البيضاء، في يناير 1984 بشمال المغرب وتحديدا في مناطق الريف، في دجنبر 1990 بفاس وفي 1975 - 1991 بمنطقة الصحراء.وإن الكشف عن الحقيقة يقتضي تحديد المقابر الفردية والجماعية لكافة الضحايا وليس فقط لخمسين من بينهم.

 2 - إن الجمعية تؤكد ضرورة صيانة بعض الحقوق الأساسية لعائلات الضحايا وأبرزها:
ــ تمكين عائلات الضحايا من نقل رفات ذويها إلى المكان الذي ترغب فيه قصد تقريب الرفات من العائلة وتسهيل مراسيم الترحم على المتوفين. وطبعا فإن مفهوم جبر الأضرار يقتضي تسهيل الدولة إداريا وماديا لهذه العملية .

ــ تمكين عائلات الضحايا المتشككة في هوية الرفات من القيام بالتحليل العلمي للرفات قصد إثبات الهوية وذلك على حساب نفقة الدولة. " .

كما أصدر بعد ذلك ، أي بتاريخ 12 أكتوبر 2005 ، المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف بدوره ، و هو جمعية تتكون كامل عضويته من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و أفراد عائلات " المختفين " منهم قسرا ، علما بأن عددا مهما من أبرز أعضاء هيئة الإنصاف و المصالحة و موظفيها كانوا أعضاء قياديين سابقين فيه ، بلاغا أوضح فيه " أن جزءا من النتائج المعلن عنها، تتطابق مع المعلومات المتوفرة لدى العائلات ولدى منتدى الحقيقة والإنصاف " ، و في مقابل تقديره لمدى " إيجابية الإقرار الرسمي عن المدافن المعلنة والضحايا المتوفين بالمعتقلات السرية الثلاثة" ، طالب " الهيئة بمباشرة والقيام بكل التدابير العملية والعلمية بالاعتماد على الطاقات المغربية والاستعانة بالخبرات الأجنبية من أجل الحسم في تحديد هوية المتوفين " ،  مؤكدا " على الحق المشروع للعائلات وذوي الحقوق في تسلم الرفات واختيار المدافن وإقامة مراسيم النعي والجنازة؛ و( طالب ) الهيئة سلوك الإجراءات التي من شأنها تمكين العائلات وذوي الحقوق من الرفات " ، كما لم يفته أن يثمن صمود عائلات الضحايا وذوي الحقوق وتشبثهم بالكشف عن الحقيقة الكاملة " ، مشددا على " أن الكشف عن المسؤولين عن ارتكاب أعمال الاختفاء والتعذيب والقتل، وعدم التستر على الجثمان جزء لا يتجزأ من الحقيقة؛ وليس من شأن القفز على ذلك ، إلا أن يفتح ملف الانتهاكات الجسيمة على أسس جديدة " ، و مطالبا " الهيئة بتحديد المسؤوليات الجماعية والمؤسساتية وفق اختصاصها " ، معبرا" عن استعداد المنتدى للنضال من أجل مساءلة المسؤولين عن جرائم الماضي، في أفق مناهضة الإفلات من العقاب ".

و في أمسية تكريمية للأم حبيبة ( والدة " المختفي " مجهول المصير سالم ) نظمها حزب " النهج الديمقراطي " في مقره بمدينة الدار البيضاء يوم الجمعة 14 أكتوبر 2005 لم يفت المشاركين أن يلحوا في كلماتهم على تشبثهم بحق عائلات الضحايا في التعجيل بإطلاق سراح أقربائهم الأحياء و في تسلم رفات المتوفين منهم  و في التأكد من هوية هذه الرفات .

و الواقع أن بلاغ الهيئة إياه يشكل فرصة جديدة و نادرة أمام مختلف مكونات الإطار الحضاري المغربي من أجل إعادة طرح سؤال الحقيقة حول ما جرى خلال سنوات " الجمر و الرصاص [1] " و خلال السنوات التي تلت 1999 إلى  الآن و تعميق النقاش حولها . و هو السؤال  الذي يشمل حقيقة الانتهاكات الجسيمة التي رعاها عهد الملك السابق الحسن الثاني ، و حقيقة الانتهاكات التي ما تزال سارية ، و حقيقة الجناة ، و حقيقة الضحايا و من ضمنها حقيقة رفات المتوفين منهم ، ثم حقيقة الذاكرة الفردية و الجماعية بصدد ذلك ، و كذا حقيقة جبر الضرر اللازم في شأنه .

 

ما حقيقة رفات الضحايا و لماذا ؟ و كيف يتم التثبت من هويتها ؟

( الـ " دي إن إيه " DNA )

 

قد يلتجئ البعض إلى ادعاء أن نبش قبور الأموات هو من الأعمال التي يحرمها الدين الإسلامي ، فيفتون بمنع ذلك . أما هؤلاء فيكفي إفحامهم بأن هذا " النبش " لا علاقة له بذلك الذي يقوم به " الحفظة " في شتى مقابر المملكة بحثا عن الكنوز ، و بأن جموع الرفات المعنية هي لضحايا لم يسترشد ، أصلا ، في عملية دفنهم بأي من الفرائض الدينية أو الأعراف ذات الصلة التي توارثها المغاربة عبر تاريخهم الروحي و المجتمعي . و بأن القضاء المغربي لم يتوان بخصوص تحقيقات تدخل في إطار قضايا الحق العام أن أمر باستخراج جثث و إخضاعها للتشريح الطبي .

و قد يلتجئ البعض الآخر إلى الزعم بأنه لم يعد هناك أي داع للتحقق من هوية رفات الضحايا مادامت الهيئة           ( أي هيئة الإنصاف و المصالحة ) قد نابت عن الجميع ، بفعل ماراكمته من شهادات " تقدم بها أمامها موظفون سابقون عاينوا ظروف الوفاة و الدفن " ، في توثيق كل واحد من رفات هؤلاء الضحايا . و أما هؤلاء ، فلابد من تذكيرهم بما يلي :

أولا - لقد أثبتت كشوفات التحقيقات التي أجريت في عديد من بلدان الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، في أوروبا الشرقية و أمريكا اللاتينية و جنوب إفريقيا ، كانت آخرها حاليا الكشوفات المتعلقة بمواقع المقابر الجماعية المكتشفة حديثا في أنحاء متعددة من العراق ، أن بعضا من هذه المواقع قد يكون تعرض في آخر لحظة لعمليات إتلاف مقصودة ؛

ثانيا – إن الدولة المغربية، و هي الأعرف بخبايا أرشيفات أجهزتها ، لم تصدر إلى حد الآن أية خريطة لمواقع المقابر الفردية أو الجماعية التي دأب موظفوها على حفرها لوأد أو طمر جثت قتلاهم أو المتوفين تحت مراقبتهم. و أن الهيئة إياها لم تلتمس، وفق ما تخولها صلاحياتها المسطرة لها قانونا ، من السلطات العمومية المعنية القيام بصورة مستعجلة بوضع مثل هذه الخريطة و بإنجاز إجراءات عملية لحماية هذه المواقع و الحفاظ عليها ؛

ثالثا – إنه إذا كانت نسبة الإتلاف قد لا تكون كبيرة بخصوص مدافن الخمسين ضحية المعلن عنهم أخيرا بواسطة بلاغ الهيئة و كذا بخصوص رفاتهم ، و ذلك بسبب انتشار المعلومات حولهم و حول تلك المدافن بين رفاقهم المزامنين لهم في المعتقلات السرية و بين ذويهم و في لوائح المنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية ، و ذلك منذ سنوات طوال ؛ فإن نسبة هذا الإتلاف لا يمكن التكهن بحصيصها إزاء باقي المدافن و المقابر التي قد تهم مئات من الضحايا و في نفس الوقت لا يعلم بمواقعها إلا الله و الأجهزة الأمنية التي قامت بتدبيرها ؛

رابعا -  إنه حتى في حالة وجود عائلات تم إقناعها بالرضوخ للأمر الواقع ، فقبلت ما صرحت لها به وفود الهيئة على أنه المثوى الأخير لمفقوديهم ، لا يحق لهذه الهيئة أن تترك باقي العائلات المتشككة تلقى مصيرها بعد الاكتفاء بمدها بقائمة تبين لها المسطرة البيروقراطية التي عليها أن تتبعها من أجل توثيق رفات مفقوديها و إثبات رفاتهم ؛

خامسا -  إن الإصرار على التملص من مسؤولية التوثيق العلمي لرفات الضحايا إذا كان ، من جهة ، يعزز أطروحة الإفلات من العقاب التي تراهن الهيئة على انتصارها ، فإنه لا أحد يمكنه أن يزعم بأنه هذا التملص هو بمثابة إهانة مضاعفة لكرامة الضحايا و كرامة ذويهم و كذا إهانة لا تغتفر لكل المجتمع المغربي و باقي الإنسانية؛

سادسا – لنغض الطرف عن مسألة عدم الإفلات من العقاب التي تؤرق أجندة الهيئة و الموالين لها ، و لنفكر بصوت مرتفع في الإيجابيات التي تتيحها لكل البلد عملية التوثيق العلمي لرفات الضحايا المعلن عنهم و رفات ضحايا " الاختفاء " القسري الذين تقول الهيئة في بلاغها ، إياه ، إنها  ستواصل إخبار عائلاتهم " و الرأي العام بنتائج تحرياتها تباعا " بصددهم :

أ -  من هذه الإيجابيات ، بالنسبة لذكرى الضحايا أنفسهم كما بالنسبة لإشباع الرغبة الطبيعية لأفراد عائلات هؤلاء الضحايا في استرداد رفاتهم الحقيقية ، أن " دي إن إيه  DNA  "[2]  و تكنولوجياته الحديثة يوفر هذه الخدمة دون أن يحدث في الرفات أية آثار جانبية كبيرة شبيهة بتلك التي يخلفها تشريح الجثث ، إذ يكفي أخذ عينة مهما صغر حجمها ، حتى و لو لم تكن مرئية بالعين المجردة ، من بقايا الرفات لتصبح " بصمة أمينية " يمكنها قياسا إلى البصمة الأمينية لأحد والديه أو إخوته ، لكي يتكون اليقين من هوية صاحب هذا الرفات. و لا داعي في هذا الشأن للتذرع بغلاء آليات و برمجيات هذه التكنولوجيا  و بالنقص في عدد خبرائها، فالبلد الذي يستطيع تجهيز نفسه بتكنولوجيا عالية التقنية للتنصت على مواطنيه و التجسس على فردانياتهم و بتكنولوجيا إنتاج الأنظمة البيومترمية، هو قادر بالضرورة على تجهيز نفسه بهذه التكنولوجيا كذلك، و على تحمل مسؤوليته في استخدامها لفائدة العائلات المعنية ، و ذلك بالمجان . كما أن الدعم الدولي في هذا المجال هو سخي و لا يحتاج سوى إلى التقدم بطلب إحرازه ؛

ب – و من هذه الإيجابيات ، بالنسبة لكامل المجتمع أن هذه الفحوصات ستوفر للدولة المغربية ، في سياق مزاعم انتقالها الديمقراطي ، قاعدة بيانات حول موظفيها السابقين أو ما يزالون في الخدمة الذين نفذوا ، على مراحل ، الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات " الجمر و الرصاص " . فبالإضافة إلى الثقوب التي تخلفها العيارات النارية و باقي الحزات أو الندوب التي يخلفها التعذيب على سطح العظام ، و غيرها ،،، إن أية قطعة جانبية أخرى يمكن العثور عليها إلى جانب الرفات يمكنها أن تفيد في تعرف أسباب الوفاة و تاريخه ، بل و منفذه و كذا الحال بالنسبة للذي تكلف بالطمر في ظروف غير بشرية .

ج – و من هذه الإيجابيات ، كذلك ، أن استخدام الجيل الثاني من فحوص الـ " دي إن إيه " ، المعروف باسم           " فحص الأحماض الأمينية الغضروفية " سيمكن من إحداث ثورة في ميادين البحث الجنائي و سيخرج أجهزتنا الأمنية من سبات الأمية ، و يجعلها تبتعد عن استعمال الأساليب المحظورة في إثبات الجرائم ، و في تيسير عملها بخصوص العدد الهائل من جرائم القتل و غيرها المسجلة ضد مجهول و التي ما تزال عالقة رغم مرور أكثر من عقد من الزمن على ارتكابها ؛

د – للتدليل على كل هذه الإيجابيات ، التي لا شك أن لدى الخبراء الميدانيين الكثير و المتنوع منها ، لا بأس من إعادة تلخيص رواية حدث بيداغوجي ، ذا صلة ، يعرفه الجميع ، مؤداه أنه في ليلة 16 يوليوز 1918 ،                   و بالضبط بعد قيام البلاشفة بإعدام قيصر روسيا نيكولاس رومانوف الثاني و زوجته أليكساندرا و أطفالهما، لم يتمكن الذين قاموا بعملية نقل الجثث من دفنها في المكان الذي كان متفقا عليه سابقا ( مدخل أحد المناجم ) ، حيث   بدل ذلك أسرعوا بحفر قبر غير عميق في نفس المكان ، من منطقة اكيتينيزنيبرج ، الذي تعطلت فيه سيارة النقل، و طمروا فيه الجثث . و حين اكتشفت السلطات الروسية ، في ما بعد ، هذه الجثث لم تتمكن ، رغم الحشد الكبير من الأدلة الجنائية التي جمعتها ، من تعرف هوية أصحاب الرفات. فظل اللغز قائما إلى أن طلبت هذه السلطات في السنوات الأخيرة من مركز خدمات العلوم الجنائية البريطاني إجراء تحرياته في الموضوع . فكان أن أوضحت نتائج تحاليل الأحماض الأمينية أن الأمر يتعلق بقيصر روسيا السابق و عائلته .

فهل ستستجيب السلطات المغربية لمطلب الأمهات و الآباء و الزوجات و الأزواج و الأبناء و باقي الأقارب              و الأصدقاء ، الذين جعلهم بطش الدولة يفقدون أحد أو أكثر من أفرادهم ، الرامي إلى تمكينهم من تسلم رفات  الضحايا و من الـتأكد من حقيقة هذه الرفات ؟ أم سيبقى على هذه العائلات مدعومة من قبل الشرفاء من الحقوقيين، أفرادا و هياكل ، أن تستمر في الضغط من أجل إحداث اللجنة الوطنية الموسعة للحقيقة و المساءلة ،  و ذلك خصوصا بعد أن نفضت الهيئة الحالية ( هيئة الإنصاف و المصالحة ) يدها من هكذا مهمة نبيلة ؟  

 

٭ من المغرب . كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة .

من كوادر اللجنة العربية لحقوق الإنسان

elmostafa.soulaih@menara.ma

 



[1] - مصطلح يتم تداوله في المغرب للإحالة على الفترة الممتدة من 1956 ( تاريخ استقلال البلد ) إلى  1999 ( تاريخ وفاة الملك الحسن الثاني و اعتلاء ولي عهده محمد السادس عرش المملكة ).

[2] - أو الشفرة الجينية أو تركيب الحامض النووي المنقوص الأوكسجين ، و هو مكون رئيسي للصبغيات يحمل المعلومات الوراثية ،              و يشكل خزانا من رموزها التي تنتقل عبر الأجيال . يتكون من جزيئات سكر و فوسفاط و قاعدة نيتروجينية، تم اكتشاف ضفيرته المزدوجة داخل نواة الخلية  في يوم 28 فبراير ( شباط ) 1953 من قبل العالمين جيمس واطسون و فرانسيس كريك بجامعة كمبريدج البريطانية