هل انتهت أزمة
دارفور؟
عبدالرحيم صابر
ما تزال أزمة دارفور
تعرف حركة مد وجزر، فحالات العنف والاقتتال أضحت أقل بالمقارنة مع السنوات الأولى
من اندلاع الأزمة. لكن هذا لا يعني أن الأمور تبشر
بالخير أو أن وضعية المرحلين تتحسن، بل على العكس من ذلك تزداد وضعية المعسكرات
سواء يوما بعد يوم. وقد استفحل الأمر أكثر بعد تراجع وسائل الإعلام الدولية عن
الاهتمام بأزمة دارفور، وانشغال الرأي العام الدولي أكثر بالسلام الشمالي –
الجنوبي، وبمحاكمة ال 51 متهما بارتكاب جرائم جسيمة وضد الإنسانية.
تعتبر
أزمة دارفور أزمة إنسانية بكل المقاييس، ذلك أن أزيد من مليون دارفوري، بمن فيهم
الأطفال والنساء، يعيشون في أسوأ الظروف، حيث تنعدم التغذية الصحية اللازمة
والتطبيب. غير أن الأزمة هي كذلك سياسية، وتتطلب حلولا
سياسية. فقد أدى العنف والعنف المتبادل إلى ترحيل مئات الآلاف من المواطنين السودانيين
العزل إلى معسكرات تفتقر إلى أبسط شروط العيش؛ والمستفيد من هذه السياسة هو
الحكومة وحركات التمرد. فالحكومة تريد أن تظهر للرأي العام الدولي أن الحركات
المتمردة ترفض استئناف المفاوضات؛ لذلك فهي لا تعمل لإيجاد حل لأزمة النازحين؛ كما
أن المتمردين يعتبرون بقاء معسكرات النازحين رأسمال لا ينبغي التفريط فيه، فضلا عن
كونه ورقة ضغط في المفاوضات مع حكومة حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
إن حالات
القتل و الاغتصاب والاعتداءات المتكررة ما تزال موجودة في دارفور. لكنها ليست
بالحجم الذي تدعيه بعض المنظمات الدولية الإنسانية، بما فيها برنامج إفريقيا في
المجموعة الدولية للأزمات ( IGC) فالسودان لا يعرف شهريا موت
والحالة
هذه فإنه لإيجاد مخرج لأزمة دارفور، يتطلب الأمر حكومة مرنة ومستعدة تماما للتفاوض
مع حركات التمرد وسد الهوة الفاصلة، وهذا يتطلب من جهة الإقرار بمشروعية المطالب
والعمل على تلبيتها وتوفير الحلول اللازمة، كما يتطلب ذلك من جهة الحركات المسلحة
نوعا من البراغماتية وعدم التعصب. إن الحكومة تراهن لا
محالة على عامل الزمن، وهذا لن يجدي ولن يحل المشكلة. ما دامت المأساة قائمة
واحتمال اندلاع الحرب ممكنا. وقد أدرك حزب المؤتمر
الوطني الحاكم أن الطريق إلى التنمية وإخماد فتيل الحرب، التي امتدت أكثر من عشرين
عاما، أتت فيها على الحابل والنابل، يقتضي إيجاد حل لأزمته مع الجنوب، والقبول
بالمطالب المشروعة لأهل الجنوب؛ وفعلا صفق العالم أجمع للنتائج التي أسفرت عنها
اللقاءات بين حركة/جيش تحرير السودان (A/SPLM) والحزب الحاكم والتي انتهت بالتوقيع على اتفاقية السلام بنيروبي, كينيا بتاريخ 9 دجنبر
(ديسمبر)2005. غير أنه، وللأسف الشديد، ما تزال
هذه الروح غير متوفرة، حتى الآن في المحادثات بين الطاقم الحكومي ومتمردي دارفور.
إن السياسة هي فن الممكن واقتناص الفرص، وقد جاء الوقت للدخول في مفاوضات جادة،
بين الأطراف، من أجل سودان جديد لكل السودانيين، سودان تنعدم فيه النزعة القبلية،
وتكون فيه العلاقة بين المواطن والدولة أساسا كافيا لتدبير الحقوق والحفاظ عليها.
بالفعل فالسودان دخل مرحلة حاسمة يجب التركيز فيها على بناء
المؤسسات ونظام مواطنة يحتفظ لكل سوداني فيه بجميع حقوقه، بغض النظر عن انتمائه
الديني أو القبلي. إن النزعة القبلية ستؤدي، إذا استمرت، إلى توالد نزعات قبلية
أخرى ومصالح ضيقة يضيع فيها حق المواطن والهوية السودانية. وليس أمام القوى
السياسية السودانية وحركات التمرد بدارفور والحزب الحاكم سوى تبني الديمقراطية،
أهدافا وممارسات، لإعادة الثقة داخل النسيج الاجتماعي، وبناء المواطنة على أساس
التعددية وليس على الانتماء القبلي الضيق. إن السودان، الذي ينشد البقاء وتأمين
استمرارية وحدته، مطالب أن يعمل على نشر وترسيخ ثقافة الانفتاح والتعدد، و تجنب
المخاطر الجيوسياسية التي تحدق به، عبر الاعتماد الصارم على مبادئ العدالة والسلام
وتبني لغة الحوار والتسامح.
إن ما
يحتاجه السودان من المجتمع الدولي، في الوقت الراهن، هو تقوية الدور الذي يمكن أن
يلعبه الاتحاد الإفريقي وتعزيز قوات حفظ السلام حتى تصبح لها صلاحيات تتعدى دور
المراقبة إلى دور فرض مناطق آمنة خالية من السلاح حتى تتاح الفرصة لإعادة الثقة
بين المهجرين والسلطات المحلية والوطنية، وبالتالي خلق إمكانية العودة، والتزام
حركات التمرد والحزب الحاكم بوجود منطقة خالية من السلاح واحترام حدودها، وعدم
تجنيد أو تعبئة النازحين. وهذا يلزم الدولة أيضا بوقف أي هجوم يمكن أن يؤدي إلى
خلق نازحين جدد. لكن ذلك لا يعني أن يتحول دور الأمم المتحدة من وسيط إلى طرف في
المواجهة، كما حصل في الصومال عام 1993، حين دخلت قوات حفظ السلام في مواجهة مع
الجينرال عيديد محمد أفقدتها وضعية الحياد. ينبغي أن تتجنب قوات حفظ السلام
الأممية في السودان حصول ذلك مهما كان الثمن، ومن جهة أخرى لا بد من إيجاد حل
سياسي، بمشاركة وموافقة جميع الأطراف حتى يتحمل كل طرف مسؤوليته.
أما فيما
يخص المحاكمات الدولية، التي أقرها مجلس الأمن مؤخرا، فإن الظرف الراهن لا يساعد
على إجرائها، غير أن هذا لا يعني التغاضي عنها بصفة نهائية، وإنما يستحسن إرجاؤها
لأن البلد على وشك الدخول في مرحلة انتقالية، وينبغي تسهيل دعم أسس البناء
الديمقراطي والتعددي الذي سيتيح مستقبلا توفير قضاء نزيه ومستقل، هو وحده الكفيل للقيام
بمتابعة ومحاكمة جميع من يثبت تورطهم في جرائم ضد الإنسانية.
عبدالرحيم صابر
من كوادر اللجنة لعربية لحقوق الإنسان، مراقب حقوقي سابق
مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بدارفورالسودان