لا خوف بعد اليوم....
الدكتور منصف المرزوقي
اعتقلت
السلطات السورية في حركة قمع واسعة النطاق محمد رعدون
وسهير الأتاسي
وناهد بدوية وحسين العودات وجهاد مسوتى وحازم نهار ومحمد محفوض وعبد الناصر كحلوس
ويوسف جهماني
وعلى العبد الله وكلهم من مناضلي الحرية المعروفين. يأتي هذا بعد أسابيع
قليلة من الحكم القاسي على الإصلاحيين السعوديين علي الدميني ومتروك الفالح وعبد الله الحامد، كذلك توقيف عصام العريان وأكثر من ألف من حركة
الإخوان المسلمين في إطار الاعتقالات
العشوائية المصرية، وأخيرا من المواجهة
الحادة المتواصلة إلى الآن في تونس بين السلطة والمحامين حول قضية المحامي المعتقل
محمد عبّو.
وبهذا
نكون قد دخلنا منعطفا
خطيرا لأزمة النظام السياسي العربي ككل.
لقد
اكتفينا إلى حدّ الآن كمناضلين خبروا طبيعة أنظمة الاستبداد بالشكّ العميق في إمكانية تراجعها تلقائيا
عن سياستها التي أدت بها إلى الطلاق بالثلاث مع شعوبها.
كذلك اعتبرنا أن الضغوط الأمريكية جاءت متأخرة،
ضعيفة، مشبوهة،عديمة الجدوى وكالعادة مزدوجة المعايير، ومن ثمة انتهينا جميعا إلى رفضها.
أخير اقتنع حتى أكثر الناس تمسكا بالوفاق والتهدئة
والمصالحة والخطوة خطوة بعد مهزلة الاستفتاء والرئاسة المؤيدة في سوريا و تونس وفي
مصر بأننا أمام منهج في الحكم لا يَصلُح
ولا يُصلَح
لكن ما
فاتنا هو تبعات هذا التشخيص أي حتمية استشراس أنظمة
مطوقة للدفاع عن وجودها.
إن هذه
الأنظمة التي لا تملك الأدوات الذهنية والسياسية للحوار مع شعوبها ونخبها ولا
تتصور نفسها لحظة واحدة تفاوض المعارضة، لذا فهي مبرمجة بطبيعتها، لجولة أخيرة من العنف يقودها الوهم أنها أمام
أزمات عابرة يمكن أن تسيطر عليها.
وثمة
دوما داخلها من يعتقد- ويطمئن نفسه- أن جرعة جديدة من الإرهاب سترجع الأمور، التي
أفلتت لحظة، إلى نصابها. وهؤلاء السذّج لا يعلمون أن
هناك لحظة في التاريخ ينتهي فيها مفعول الترهيب وتعود حتى لأجبن جبان الرغبة في الانتهاء من الإذلال. إننا نعيش اليوم في سوريا
وتونس ومصر والجزيرة العربية وكل مكان نهاية التحكم فينا
بالخوف وكل محاولة لإرهابنا لن تزيد إلا في توسيع قاعدة الرافضين للعيش تحت جزمة المخابرات. بل يمكن القول أن الخوف قد انتقل اليوم إلى
الجانب الآخر وأن شبح المحاسبة هو الذي يجعلهم ينامون ويفيقون على الكوابيس.
ومن
المعروف في الاستراتجيات العسكرية أنك إذا طوقت عدوّا، فلا يجب
أن تطوقه من الجهات الأربع وإلا استمات في الدفاع عن نفسه وسبب لك خسارة زائدة في
الأرواح حتى ولو كتب لك النصر.
لكن غباء النظام السياسي العربي هو أنه طوق المجتمع من الجهات الأربع وطوق نفسه من أربع جهات فلم يترك للصلح بابا و
للمصالحة فرصة و للإصلاح أملا.
إن هذه
الأنظمة المرعوبة
والمرتبكة التي طوقتنا وحاصرت نفسها هي اليوم مصدر أكبر خطر علينا جميعا والتخلص منها سيكون
مكلفا فالقوم عزموا فتوكلوا على المضي
قدما في نفس الطريق المسدود يقودون أنفسهم ويقودونا معهم إلى التهلكة. لكن بقدر ما يتمسكون بشعار ''وداوني
بالتي كانت هي الداء'' بقدر ما يجب أن نتمسك نحن بشعار '' لا خوف بعد اليوم''.
وبانهيار الخوف سينهار الاستبداد
كما ينهار صرح الورق المقوى.
إن إشكالية
المناضل والسياسي المسئول ليست في التعلق بوهم المصالحة والصلح
والإصلاح لتفادي عنف مدمّر للجميع وإنما
في البحث عن طريقة تطويق خوف هذه الوحوش المحشورة في الزاوية. إن الموقف السياسي
المسئول والوحيد القادر على جعلنا نتقدّم دون تكلّف ثمن حمام دم هو أنه لا مساومة في قضية عودة السيادة
للشعب والشرعية للسلطة والكرامة للمواطن عبر رحيل نمط حكم بائد في العقول وفي
القلوب.
لكن إذا قبلت داخلها قوى معينة بنقلة سلمية للديمقراطية فإنه من واجب المعارضة تفضيل الحياة على العدل
والقبول بمبدأ'' الانتقال السلمي مقابل عدم المحاسبة'' وذلك عملا بمقولة نابليون'' أبني قنطرة من ذهب للعدو الفار'' . أما إذا أصرت
الوحوش الهرمة على العض إلى النهاية فإنها لن تمنع المصير المحتوم
وكل ما في الأمر أنها ستكلفنا
آلاما ما كان لها أن تكون أصلا لو تعلموا من البداية
'' أنما العاجز من يستبدّ ''.
-----------------------------------
مفكر
وحقوقي عربي من تونس