حسين العودات
إعلان عودة رفعت الأسد، البحث عن مخارج غير
إصلاحيّة
ان عودة رفعت الاسد الى سوريا بعد غياب عشرين عاما ان حصلت ليست امرا
عبثيا او ظرفيا، وانما لا بد ان تكون نتيجة رغبة ودراسة واتصالات وحوار مع الداخل
والخارج. فالرجل مطرود من بلاده منذ عقدين، يعيش في اوروبا، ويشرف على تشغيل
امواله واملاكه في اكثر من بلد اوروبي. وهو لا يستطيع الاجابة عن سؤال "من
اين لك هذا؟" اذا عاد الى بلده اضافة الى انه يرزح تحت عشرات الاتهامات منها
الابتزاز والمصادرة والكسب غير المشروع والقاء مئات المواطنين السوريين في السجن
وربما اتهامات اخرى بارتكاب مذابح جماعية وغيرها. وسواء أكانت هذه الاتهامات صحيحة
كليا او جزئيا او مضخمة او ملفقة فانها قائمة بدون شك، وينتظر ابناء المجتمع
السوري من رفعت الاسد تبرئة نفسه او ادانتها، وتحمّل نتائجها او الاعتذار عنها،
والاهم من ذلك كله هو ان رفعت الاسد يعرف خطورة هذه التهم ومخاطر العودة وعبء آلاف
الدعاوى التي سيقيمها عليه المتضررون ان سمحت السلطة بذلك، ولا اظنها تسمح لأنها
ستكون سابقة لدعاوى مماثلة على غيره وامثاله. فعودته والحال هذه هي مغامرة بحد
ذاتها ومجازفة لا يبررها الا اعتماده على اتفاق او صفقة مع آخرين في الداخل او مع
قوى خارجية شديدة التأثير والنفوذ.
لهذا وذاك فوجىء السوريون بالاعلان عن العودة القريبة، وكانوا دائما لا يأخذون
التصريحات الصادرة عن مكتب رفعت الاسد على محمل الجد، سواء منها باعلانه عن حقه
بخلافة اخيه الراحل حافظ الاسد في ذكرى وفاته ام مناداته بالحرية للشعب السوري
وبالتعددية والديموقراطية والغاء الاحكام العرفية وقوانين الطوارىء وتحويل النظام
السياسي السوري الذي كان هو "سرايا دفاعه" الى نظام آخر ببنية اخرى
ومناهج عمل مختلفة. اما هذه المرة فكان الاعلان وما زال اقرب الى التصديق منه الى
اللغو المعهود من مكتب رفعت الاسد طوال العقدين الماضيين. ولذلك لا بد من تناول
الموضوع بالجدية التي يستحقها والبحث عن خلفيات الاعلان واهدافه وانعكاساته ليس
على السلطة السورية فحسب، بل ايضا على سوريا وشعبها وظروفها القائمة وتطورها
المقبل. خاصة ان سوريا على ابواب تغيير بعيد انتهاء اعمال المؤتمر القطري الشهر
المقبل.
يبدو ان الاوروبيين مهما كانت مصالحهم والاميركيين مهما كان تطرفهم لن يوقعوا
انفسهم في تحالف مع رفعت الاسد ولن يراهنوا عليه، على الاقل لأنه حصان رهان خاسر.
فصفحته في سوريا لا تحتاج الى مزيد من السواد وممارساته السابقة ما زالت في ذاكرة
السوريين. وهي اي الممارسات لم تترك للعرب بقية ولا مزيد لمستزيد. وعلى اية حال
فان رفعت الاسد لا يصلح ليكون عنوانا لـ"الديموقراطية" التي ينادي بها
الاميركيون، ولا لحقوق الانسان التي يلح عليها الاوروبيون الذين اقلقهم مجرد وجوده
في ديارهم وأربكهم وسكتوا على مضض على استمراره. سواء بسبب استثماراته في اوروبا
او مراعاة للرئيس الراحل حافظ الاسد، او لعدم خلق اشكالات مع النظام السوري. وفي
ضوء هذا كله فانه من المستبعد ان يكون قد عقد صفقة مع قوى خارجية لأنها قد تضر بها
اكثر مما تنفعها ولا تصلح لتنفيذ مخططاتها، فمن يراهن على ورقة محروقة؟ ولا تصح
المقارنة هنا مع التحالفات الاميركية مع قوى المعارضة العراقية قبل الغزو، لاختلاف
بنى القوى العراقية وشعبيتها في الداخل واختلاف الظروف برمتها.
اذا كان الامر كذلك فعلى اي شيء يراهن رفعت الاسد ولماذا يعلن عن عودته القريبة
الى سوريا "لمواصلة دوره السياسي والوطني، ولاقامة مجتمع العدل والحرية
والمساواة، ولتحقيق الوحدة الوطنية" كما صرح مكتبه في اعلانه عن قرب العودة؟
وهل حقا سيعود لتحقيق هذه الاهداف التي لم يهتم بها عندما كان حاكما لا يحلل ولا
يحرم، ام انها مظلة يريد العودة تحت ظلالها؟ ويطرح سؤال نفسه على اية قوى يراهن
اذا ما عاد الى سوريا؟
رفعت الأسد اما يوجه بمثل هذا الاعلان رسالة واضحة لبعض من اهل النظام يعرض من
خلالها نفسه للتعاون معهم وتشكيل سند جديد للسلطة التي يراها تواجه وضعا خطيرا،
ويعتقد واهماً او مخدوعا انه ما زال ذا قوة على المساندة. او انه يوجه رسالة الى
فصائل في داخل النظام تمعن في البحث عن حلول للمصاعب التي تواجهها السلطة دون ان
تغير نهجها واساليبها. ويعرض تاليا اقامة حلف معها يتيح له الدخول شريكا يعزز موقف
شركاء آخرين وقدرتهم، ويؤهل النظام السياسي لتشديد قبضته مجددا، ومواجهة ازماته
الداخلية والاقليمية باقتدار وبالنهج والاسلوب القديمين. وتكون بذلك رسالة عرض
عطاءات لا لبس فيه حتى لو كان مبنيا على افتراضات او اوهام او خداع النفس.
بقي الامر الاكثر خطورة وهو ان يكون قد اجرى اتصالات فعلية مع بعض القوى في الداخل
ولاقى منها قبولا اعتقادا منه ومنها ان عودته تشكل تحالفا جديدا قادرا على القبض
على الامور بيد حديد متجاهلا المستجدات كلها والظروف المحيطة كلها ومن خلال قصر
نظر وعمى مشهودين وبهذا يكون هو وشركاؤه المحتملون يعيشون اوهاما ويتجاهلون مخاطر
خططهم ويقودون النظام السياسي وسوريا الى ما لا تحمد عقباه.
وسواء اخذنا اعلان العودة على محمل الجد ام لا فان له دلالات كثيرة ليست في مصلحة
النظام على اية حال، حيث يصدق الافتراض انه يواجه مأزقا يلمسه دون ان يعترف به.
وان بعض اهله ما زالوا يبحثون عن حلول خارج اطار الحل الاسهل والاوضح اعني الاصلاح
الجدي والعودة الى الناس والاستقواء بهم، واعادة هيكلة الدولة والحزب بما يستجيب
للمستجدات ويستوعبها ويعالج صعوبات الداخل ويقطع الطريق على الضغوط الخارجية.
هذا
المقال الذي نشر في جريدة النهار اللبنانية لكاتبه حسين العودات خرج في 24-05-2005
أي صبيحة اعتقاله من قبل الأمن السياسي في دمشق.
الأستاذ حسين العودات
كبير مستشاري اللجنة العربية لحقوق الإنسان
عضو مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي
حاصرت مفرزة تابعة للأمن السياسي منزله الساعة
السادسة إلا الربع بتوقيت دمشق صباح الثلاثاء
ولد
حسين العودات عام 1937
في قرية أم المياذن – محافظة درعا، جنوبي سورية.
التحصيل العلمي:
1 – ليسانس
بالجغرافية.
2 – ليسانس
باللغة الفرنسية.
3 – دبلوم
بالصحافة.
الأعمال
والمهمات التي شغلها:
1 ـ مدرس، ثم
مفتش، ثم مدير تربية في محافظة درعا 1964 ـ 1966
2 ـ مدير عام وكالة الأنباء السورية ـ
سانا 1966 ـ 1970، وهو مؤسسها.
3
ـ مستشار رئيس الوزراء لشؤون الصحافة، ثم لشؤون الثقافة 1971 ـ 1985
4 ـ محاضر في
قسم الصحافة جامعة دمشق منذ عام 1985 ولسنوات
5 ـ مدير عام دار الأهالي
للطباعة والنشر والتوزيع
6 ـ خبير غير متفرغ لدى المنظمة العربية
للتربية والثقافة والعلوم ( الأليكسو)
7 ـ مدير تحرير جريدة أخبار العرب (أبو
ظبي) عام 2000
8 ـ المسئول عن رصد الحريات
التابع لاتحاد الصحفيين السوريين.
9 ـ عضو ناشط في لجان إحياء
المجتمع المدني في سورية.
10 ـ عضو مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي
للحوار الوطني.
11 ـ عضو مجلس اتحاد الصحفيين السوريين.
12 ـ عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين
السوريين.
13- من أهم مستشاري اللجنة العربية لحقوق
الإنسان
نشر العديد من
الكتب والدراسات والأبحاث حول شؤون الإعلام والثقافة والمجتمع والسياسة في البلدان
العربية لصالح هيئات ومنظمات عربية ودولية متعددة. من مؤلفاته "الموت في
الديانات الشرقية" و"النصارى العرب" و"المرأة العربية في
الدين والمجتمع".
الحرية لمعتقلي أيار
الأسود، الحرية لمعتقلي خريف دمشق، الحرية لجميع المعتقلين السياسيين في سورية