ردود ودفوع الدكتور متروك الفالح

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 ردود ودفوع الدكتور متروك الفالح على دعاوى المدعي العام (الاتهامات) الموجهة إليه منفرداً أو مجتمعاً مع زميليه الدكتور عبدالله الحامد والأستاذ علي الدميني الواردة في ( لأئحة الإتهام ) والمعدة من هيئة التحقيق والادعاء العام، من قبل ممثلها المدعي العام! عوض بن علي الأحمري المؤرخة في 17/6/1425هـ، وكذلك التهم الإضافية اللاحقة.

المحتويات

 

أولا: شكر وتقدير

ثانياً: الجواب على دعاوي المدعي العام.

ثالثاً: الردود والدفوع الموضوعية.      

أ) الردود والدفوع التوضيحيه

             1 - الجزء الأول

             2 - الجزء الثاني

             3 - الجزء الثالث (ملحق أضافي)

 

      ب) خلاصة الدفوع الموضوعيه العامه (الجزء الرابع)

 

1- انتفاء الاساسي الشرعي والنظامي للاتهام

2- انتفاء القصد (الركن المعنوي في الجريمه)

3- فساد الاستدلال في محضر التحقيق والتناقض مع لائحة الادعاء

 

رابعاً: مرفقات الدفوع والردود (_الدراسات والابحاث والمذكرات) والكتب.....الخ.

1-   وثيقة " نداء للقيادة والشعب معاً " الإصلاح الدستوري أولاً.

2-   وثيقة " رؤية لمستقبل الوطن وحاضره ".

3-    مذكرة " سـداد ".

4-    مذكرة : " تعزيز أستقلال القضاء (المعايير الشرعية والدولية).

5-    دراسة: (أولاً) الدستور : المكونات والجوهر والروح. (مسودة)

6-   دراسة: (ثانياً) الملكيه الدستوريه : إقصاء أم إعادة تأسيس. (مسودة)

7-   دراسة: (ثالثاً)الاسلام والدستور : تعارض أم توافق. (مسودة)

8-  دراسة: (رابعاً)" العنف في السعوديه: من التفسير إلى الإحاطة ( الإصلاح الدستوري هو الحل ) "

9- مذكرة : مسودة مقترحه نحو " دستور إسلامي "للدولة الاسلاميه الحديثه: المملكه العربيه السعوديه نموذجا.

10-  شريط فديو تلفزيوني : مقابله تلفزيونيه أجريت معي في 14 /1/ 2004م  مساءاً : قناة المنار (بيروت / لبنان ) برنامج ماذا بعد: اعداد عمرو ناصف : المقابله عن الاصلاحات الدستوريه والحوار الوطني.

11-   المستقبل السياسي للسعوديه في ضوء 11/9/2001م : الاصلاح في وجه الانهيار و أو التقسيم " نشرت في 26 أبريل _ 1مايو 2003م.

12-   كتاب: التنمية والتحديث وتحولات التخبه في الريف العربي السعودي: سكاكا الجوف في نهاية القرن العشرين ( بيروت: دار بيسان ، 2000م).

13-   كتاب: الدوله والديمقراطيه في البلدان العربيه: دراسة مقارنه لاشكالية المجتمع المدني في ضوء تريف المدن العربيه (بيروت: مركز دراسات الوحده العربيه ط1 ،2003).

 

 

 

أولاً

 

 

" شـكـر وتـقـدير"

 

كل الشكر والتقدير لكل من المحامين والوكلاء، المحتسبين في الدفاع عنا، والتالية أسمائهم لما قاموا به من جهد وما بذلوه من وقت لتقديم الأراء والمقترحات وهم:

 

1-     الشيخ والمحامي والقاضي السابق: سليمان الرشودي

2-     المحامي والشيخ: إبراهيم المبارك

3-     المحامي الأستاذ: عبدالله الناصري

4-     الشيخ: عبدالعزيز الوهيبي

5-     المحامي: خالد المطيري

6-     المحامي: عصام بصراوي

7-     المحامي والدكتور: باسم عالم

8-     المحامي: عبدالرحمن اللاحم

9-     الوكيل: علي  الغذامي

10-    الوكيل: عبدالرحمن الحامد

11-    الوكيل: عيسى الحامد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(  ثانياً )

              الردود والدفوع الموضوعية التوضيحية                                     1- (  الجزء الاول )                    ردود ودفوع ا.د./ متروك الفالح على الاتهامات الموجهة إليه منفردا أو مجتمعا مع زميله أ.د/ عبدالله الحامد وأ./ علي الدميني الواردة في" لائحة دعوى عامة" المعدة من هيئة التحقيق والإدعاء العام، من قبل المدعي العام/عوض بن علي الأحمري المؤرخة في 17/6/1425ه. 

 

الحمدلله والصلاة على محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه اجمعين ،  أما بعد؛   

أصحاب الفضيله ، رئيس واعضاء الهيئه القضائيه :

ورد في خلاصة "لائحة دعوى عامة" المؤرخة في 17/6/1425ه .(ص6-7) ما يلي :                                                      

        " وأنتهى التحقيق إلى توجيه الاتهام لهم: بالضلوع في المشاركة في تبني إصدار العرائض المشار إليها ، وتزعم الموقعين عليها، وحث غيرهم على توقيع العرائض،....وتشكيل جماعات ضغط على الدولة وتزعمها وعقد الإجتماع لهذا الغرض ومن ذلك ما عقد بفندق الفهد كراون بتاريخ 5/1/1425ه....." (ص6-7 من لائحة دعوى عامة). وفي إشارة إلى هذه الجزئية من خلاصة التهمة، ذكر المدعي العام العبارة التالية في ص5 من "لائحة دعوى عامة"؛                            

       " وكان مما أفاد المدعي عليه الثاني إقراره بالإشتراك مع المدعي عليه الأول في التوقبع على بياني (رؤية لحاضر....ونداء للقيادة ) وأنه قد تم توقيع بعض الأشخاص بناء على مشورته وقيامه بمشاركة المدعي عليه الأول وآخرين ومراجعة التواقيع التي جمعت من مدينة الرياض وأنه أحد الداعين للإجتماع والتباحث في أمور الإصلاح العامة وقد تضمنت أقواله ما يفيد تبنيه لما ورد في البيانين المشار إليهما والذي قام بالتوقيع عليهما وبما يطالب به رفاقه." (ص5 من لائحة دعوى عامة).                                        

 وردي على ماتقدم ،أقـول:                                        أنني في إجابتي أثناء التحقيق (والتي اعتبرها وأطلب من المحكمة الموقرة وفضيلة الشيخ/محمد بن خنين رئيسها ، أن تكون كلها جزءاً لا يتجزأ من ردي على هذه الاتهامات ) ، قلت وأقول أنني من الموقعين على وثيقتين أو عريضتين فقط ، وليس "عرائض"  كما يزعم المدعي العام ، وأنهما صدرا في أوقات متباعدة تصل إلى حدود سنة فيما بينهما، وليس " بين الحين و الآخر....أشبه ما يكون بمضمار يتنافس فيه هؤلاء...." كما يزعم المدعي العام، الأولى وهي "الرؤية ..." تم توقيعها وإصدارها في حدود شهر ذي القعدة 1423ه ، والثانية وهي " نداء للقادة والشعب معا : الإصلاح الدستوري اولا" صدرت في الثلث الأخير من شهر شوال 1424ه. وقد قلت أنني خلافاً لهاتين العريضتين لم أوقع على  شيء.      

        بناءً على ما تقدم ، فإنني واحد من بين #104 شخصيات موقعة ومؤمنة بما ورد في الأولى العريضة ومشاركة في أفكارها، وكذلك واحد من بين #ادة والشعب معا....". وقلت وأقول أن هناك من الأشخاص الذين وقعوا 116 شخصية من الموقعين والمشاركين والمقتنعين بما ورد في " نداء للقي ربما بناء على اقتناع من نقاشات واستشارة. أما القول " بالتزعم " فهذا شرف لم أدعيه ولم أقل به كما يزعم المدعي العام.                                                        

        بناءً عليه، فأنني أقول، وهذا ما أفهمه أيضا، أن كل الذين وقعوا في تلك الوثيقتين، " الرؤية..." و" نداء للقيادة والشعب معا..." ، وهم أكثر من مائتين (#220) شخصية وقعت عليهما بعد المشاركة والمساهمة في الأفكار بطريقة أو بأخرى ومؤمنين بما ورد فيهما، وأن هناك مجموعات متعددة في الوسطى والشرقية والغربية مسؤولة ومشاركة في تدقيق التواقيع وجمعها كل حسب مجموعته و/أو منطقته. وبالنسبة لمن أخذت توقيعاتهم من الرياض فقد دقق التوقيعات كل من : الشيخ سليمان الرشودي، ود. توفيق القصير، ود.عبدالله الحامد، وأنا كذلك بالنسبة لوثيقة الرؤية؛ واما بالنسبة لوثيقة " نداء للقيادة والشعب معا...." فقد قام بالتدقيق كل من الشيخ سليمان الرشودي، ود.عبدالله الحامد والأستاذ عبدالله الناصري، وأنا كذلك. لذلك فشمولية المشاركة والاقتناع والتدقيق هي شاملة للجميع ولمجموعات متعددة في كل منطقة، وليس فقط خاصة بي أو بالثلاثة كما يزعم المدعي العام بحصرها في الثلاثة.   

 

 

                             

                                   (2)

أما ما يتعلق بما ورد في خلاصة الاتهام بالقول ".....وحث غيرهم على توقيع العرائض ..." ، فإنني أقول: أنني، وهذا ينطبق على جميع الموقعين على الوثيقتين " # 104في الأولى ؛ و#116في الثانية"، أعتبر ما ورد فيهما وخاصة في ماورده الثانية أنما قد عرض على من عرض علية وقدم لولي الأمر، من باب النصح لكونة بموجب ما ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال "الدين النصيحة. قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وكذلك توافقاً مع رغبة القيادة، والتي أفصح عنها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بالقول في لقاءه بنا والموقعين على وثيقة "الرؤية..."، أن هناك حاجة لإنضاج المجتمع وأما " مطالبكم فهي مشروعي"، ولذلك أتت  الوثيقة الثانية، وهي،" نداء للقيادة والشعب معا:الإصلاح الدستوري أولا"، موجهة النصح طبقا لحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم للقيادة والشعب (....لأئمة المسلمين وعامتهم). وقلنا ونقول أن مسألة الإنضاج والتوعية، باعتبارها من الدعوة إلى الخير والحض عليه لقولة تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وكذلك القيام بواجب النصيحة، الذي أمرنا الله و رسوله به، في الاحتساب على السلطة، (وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام) بل هذا حق واجب على من تتوفر لديه القدرة المعرفية (أهل الخبرة والرأي والعلم) والثبات على ذلك مشروع. وفي الإحتساب على السلطة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام) أدلة نوردها كما يلي:

                             

(أ) من القرآن الكريم:                                            

          (1) قال الله تعالى:" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " (آية عمران#104)

          (2) قال تعالى:" كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"(آل عمران #110).

          (3) قال تعالى:" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..." (التوبة #71)

          (4) قال تعالى:" فلما نسوا ما ذكروا به ،أنجينا الذين ينهون عن السوء، وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون " (الاعراف#165).

 

(ب) الادلة من السنة على الاحتساب على السلطة والسلطان ((أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام )):

     (1) قال رسول الله (ص):" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " (رياض الصالحين ط3، 1422هـ، ص93)

     (2) قال رسول الله (ص):

     " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون واصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمرة، ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، يفعلون ما لا يأمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة من خردل "( المصدر نفسه ، 93-94).

   

(3) وعن عدم تناهي بني اسرائيل عن المنكر ، كما ورد في الايات ((78-81 من سورة المائدة ))، وان علماءهم أخذوا يجالسونهم ... .قال الرسول (ص)، في حديث رواه ابن مسعود (رضي الله عنه)، قال:

        " كلا، والله لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرأ، ولتقصرنه على الحق قصراً، او ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم " ( المصدر نفسه ، ص96) .

   

(4) قال رسول الله (ص): " والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " (المصدر نفسه ،95).

 

      ولذلك فإنه من أجل انضاج المجتمع، وبما يدعم القيادة ويعينها على الاصلاح، وفي سياق النصح للمجتمع (عامة الناس) في الدعوة الى الخير -،( وهذا في ذاته ردا على زعم المدعي العام بإن ما نقوم به هو " من اثارة الفتن... والتضليل والتدليس على الناس ... وتأليب الرأي  العام المحلي والدولي ....")– فكان التوجه في الخطاب او الوثيقة الثانية " نداء للقيادة والشعب معا: الاصلاح الدستوري اولا " وهو في نطاق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اللفظي الكلامي (اللسان، كما ورد في الحديث آنفاً ) إلى أن يقوم بهذه المهمة، علناً وليس سراً طبقاً لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن النصيحة (...لأئمة المسلمين وعامتهم) وهم، أهل الرأي والخبرة والعلم من علماء الشريعة وخطباء وأئمة مساجد ومثقفين وإعلاميين ... الخ. وذلك بما يتوفرلديهم أولاً: من قدرة معرفية وأخلاقية وصِدقية عند الجميع ( الناس والسلطة )؛ وثانياً: قدرتهم ومعرفتهم وإلتزامهم باتباع المنهج الشرعي والسلمي بالاقناع والدعوة إلى الخير والنصح؛ وثالثاً: أتصالهم ولقاؤهم مع الناس وما يترتب عليهم من مسؤولية يقدرونها في ذلك، وضمن استخدام الأسلوب والمنهج الصحيح والمعرفة السليمة في عملية الانضاج والنصح والدعوة. وهذا المنهج وهذه الطريقة تدل على حسن المقصد وسلامة النية في كل ما نقوم به. من منطلق شرعي.

 

     وتأكيداً على دحض مزاعم المدعي العام وأنها غير صحيحة، فإن ما قمت به ومعي زملائي والآخرون الذين وقعوا وشاركوا في اصدار تلك الوثيقتين إنما يقع في حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام (وهو الاحتساب على السلطة (السلطان) وهو ما صرح به شيوخ الاسلام مثل الغزالي وأبن تيمية وابن القيم وابن حزم... الخ، من أنه يتم بموافقة السلطة أو بدونها. اضافة إلى ذلك فإن ما قمت به ومعي زملائي يقع في نطاق وحدود حقوقنا في التعبير وإبداء الرأي في صور متعددة من مكتوبة أو مقروءة أو مسموعة أو مرئية، طالما هي في سياق المنهج السلمي العلني. وهذا الحق كفلته، والحمد لله شريعتنا الاسلامية قبل أن تكفله المواثيق الدولية والعربية والاسلامية لحقوق الانسان، بما في ذلك الميثاق العربي لحقوق الانسان والذي أقرته القمة العربية في ( 22ـ 23 / مايو / 2004م )، ووقعت عليه المملكة العربية السعودية وأودعت وثائق توقيعه لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في 2/8/2004م، والذي سيصبح نافذاً خلال شهرين من تاريخه وتصبح الدولة المودعة وثائق التوقيع علية ملزمة بما ورد فية (( أنظر الحياة # 15103 في 3/8/2004م  ص 1 )). ( أنظر المادة # 26 من الميثاق آنف الذكر، والتي كفلت بموجبها، حرية التعبير والفكر والرأي ... الخ ).

                               (3)

وردنا أعلاه، ينطبق أيضاً على ما يتصل باجتماع " الفهد كراون " وزعم المدعي العام في خلاصة اتهامه أن هذا الاجتماع غرضه تشكيل جماعات ضغط على الدولة حيث يقول المدعي العام ما نصه: "...وتشكيل جماعات ضغط على الدولة وتزعمها وعقد الاجتماع لهذا الغرض ومن ذلك ما عقد بفندق الفهد كراون بتاريخ 5/1/1425هـ...." ( ص 7 من لائحة دعوى عامة)، وكذلك ما أورده المدعي العام في ص 5 من لائحة دعوى عامة حيث قال:" وكان مما أفاد المدعي عليه الثاني....وأنه أحد الداعين للإجتماع الذي عقد في فندق الفهد الكراون للاجتماع والتباحث في أمور الاصلاح العامة".... ( ص 5).

 

وردنا على هذه الجزئية من الاتهام ما يلي:

       1. بالنسبة للفقرة الأخيرة، الواردة في ص 5 من لائحة دعوى عامة، فإنني أقول كما  قلت؛ أنني أحد الداعين لاجتماع فندق الفهد كراون في 5/1/1425هـ ولكن المدعي العام ذكر أنني قلت بالنسبة لهدف الاجتماع هو" التباحث في أمور الاصلاح العامة..."، ولكنه لم يكمل الأسباب الأخرى التي ذكرتها بمحضر التحقيق، حيث قلت؛ إن الهدف من الاجتماع " هو التباحث في أمور ذات صلة بالاصلاح، وكيف يمكن التواصل مع القيادة من أجل أنجح السبل إلى تحقيق مبادرات الاصلاح ".

هذا ما قلته نصاً ولدي النص مكتوب  في دفتر ملاحظاتي حيث كنت أسجل الأسئلة وقت التحقيق وأكتب الاجابات رداً عليها، ويمكن الرجوع للتحقيق نفسة. كذلك لم يقل المدعي العام أنني لم أحضر الاجتماع أصلاً رغم أنني من الداعين إليه. وكذلك لم يقل المدعي العام أنني أرى أنه لا مانع من الاستئذان من الجهات الرسمية، ويمكن للدولة أن تضع لذلك الاستئذان والموافقة تنظيم له، وكذلك قلت، ولم يذكر المدعي العام، أنه ورغم أنه لا مانع من الاستئذان في حالة وجود تنظيم لذلك، مع العلم أنة لايوجد في الشريعة أو النظام الأساسي أو أي نظام آخر ما يمنع من عقده أصلاً. إذاً، والمدعي العام، الذي يتهمني وزميلي " بالتدليس... والتشويش... (ص7 من لائحة دعوى عامة)"، هو الذي يمارس عملية التدليس والتضليل على المحكمة وأصحاب الفضيلة القضاة فيها، ولذلك فإنني أتوجه إلى أصحاب الفضيلة القضاة، رئيس المحكمة ومساعديه الموقرين، بالانتباه إلى ذلك والتحوط من محاولة المدعي العام الإيهام أو الإيحاء بتهم غير صحيحة أوعن طريق اغتصاب أو بتر النصوص وإخفاء ما تبقى منها والتي تفضح وترد على اتهاماته ومزاعمه.

 

2. أيضاً وفي سياق ما تقدم، لم يذكر المدعي العام سبب اجتماع فندق الفهد كراون وكيف تم، ولماذا؟ وكذلك يحاول التضليل والتدليس والإيهام من خلال محاولة الربط بين اجتماع فندق الفهد كراون وتشكيل جماعات ضغط. لذلك نرد فنقول، كما قلنا، في التحقيق، ما يلي:

    أ – بالنسبة لسبب وفكرة عقد الاجتماع أعلاه:

تعود فكرة عقد اجتماع الفهد كراون إلى لقاء اجتماعي كان من المقرر، على فطور أو سحور في حوالي الثاني عشر من رمضان 1424هـ ، عند الأستاذ محمد سعيد طيب والذي تفضل مشكوراً باستضافته، ولكن صاحب السموالملكي الامير عبدالعزيزبن فهد طلب من محمد سعيد طيب عدم عقد اللقاء، على الأقل في رمضان، وهذا ما تم فعلاً حيث ألغي اللقاء. وعندما اجتمعنا مع الامير عبدالعزيز بن فهد ليلاً في منزل الدكتور/توفيق القصير وكان في ذلك اللقاء، اضافة إلى المضيف والضيف، كل من الشيخ سليمان الرشودي، وأ. د .عبدالله الحامد، والشيخ عبدالعزيز القاسم، أ.صالح الصويان، ود.عبدالعزيز الصالح، ود. عبدالرحمن الحبيب، وكذلك أنا، اضافة إلى أحد الامراء برفق الامير عبدالعزيز بن فهد، عندما اجتمعنا مع الامير عبدالعزيز بن فهد في تلك الليله، وكانت الليله التاليه لانفجار المحيا، أثرنا القضيه، قضيه الغاء الاجتماع المقرر عند محمد سعيد طيب، فقال أن ذلك تم بناء على نصيحة ووجهة نظره، وان الامر يتعلق فقط في رمضان. لذلك فُـهـم أنه لا مانع من عقده بعد رمضان وهو ما تم فعلاً في فندق الفهد كراون وعلناً وسلمياًَ وتحت مرأى ومسمع ونظر الدولة . وكان الهدف ، رغم أنني لم أحضر الاجتماع ذاته ولا أعرف ما الذي جرى فيه أصلاً ، هو التعارف والتباحث في أمور ذات صلة بالإصلاح، وكيف يمكن التواصل مع القيادة من أجل أنجح السبل إلى تحقيق مبادرات الاصلاح.

 اضافة إلى ذلك، أقول إن حق الاجتماع والتجمع السلمي مكفول للإنسان والمواطن بالشريعة إذ ليس هناك نص شرعي اونظامي يمنع ذلك، فالأصل إذاً الإباحة، بل هذا يتضمنة قولة تعالى(وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان) وفي هذا الاجتماع وغيره لم يثبت أثم ولاعدوان بحمد الله تعالى في ذلك، كما أن النظام الأساسي للحكم أو أي نظام آخر لا يوجد به نصاًَ يمنع ذلك. كذلك فإن المادة # 28 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه السعودية في 2/8/2004م، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، فضلاً عن ربط ذلك الميثاق العربي بالميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، واعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام ( أنظر ديباجة الميثاق العربي لحقوق الإنسان رقم # 5427 في 15/9/1997م ) تنص المادة # 28 منه على التالي:

        " للمواطنين حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية ولا يجوز أن يفرض من القيود على ممارسة أي من هاتين الحريتين إلا ما تستوجبه دواعي الأمن القومي أو السلامة العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم ".

          

         وحيث أن هدف اجتماع فندق الفهد كراون هو، " التباحث بأمور ذات صلة بالإصلاح والتواصل مع القيادة من أجل أنحج السبل إلى تحقيق مبادرات الإصلاح "، فإنه عمل مشروع يقع في نطاق التعاون على البر والتقوى والدعوة إلى الخير والنصح للقيادة لمساعدتها في أنجح السبل لتحقيق مبادرات الإصلاح، وهذا يقع أيضاً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام وبطريقة سلمية. ولذلك فإن عقده بهذه الصفة ولهذا الغرض لايهدف الى، ولا في نية الداعين اليه، " تشكيل جماعات ضغط على الدولة " كما يزعم المدعي العام فيما أورده في نهاية فقرات خلاصة الاتهام ((ص 7 من لائحة دعوى عامة)).

   

        إن مفهوم جماعات الضغط ومصطلحها تختلف اختلافاً جذرياً عما زعمه المدعي العام وأورده، آنف الذكر. ولتوضيح الفكرة للمحكمة الموقرة وأصحاب الفضيلة القضاة، ولتفنيد مزاعم المدعي العام وفهمه ((الخاطئ تماماً كما هو فهمه عن عدد من المصطلحات والمفاهيم التي وردت بالوثيقتين وخاصه ما ورد في وثيقة " نداء للقياده والشعب معاً: الاصلاح الدستوري أولاً " حيث أنه ردد كلمات ونطقها أمام المحكمه نطقاً خاطئاً مثل "المُلْكِيِه  الدستوريه " " والمجمع المدني " مما يدل على أحد من أمرين، اما انه المدعي لم يكتب هو " لائحة الاتهام " أصلاً واما أنه يفتقر الى المعرفة السياسيه والحقوقيه لفهم تلك المصطلحات ))

      وعن تعريف جماعات الضغط، أقول: حيث أنني استاذ بالعلوم السياسيه، فإن مصطلح مفهوم جماعات الضغط وأحياناً يقال لها جماعات المصالح، تتكون من عدة أنواع حسب التصنيفات المتداوله في العلوم السياسيه وهي:

1. جماعات الضغط والمصالح غير المنضبطة؛ وهذه تشمل المظاهرات وأعمال الشغب والتي عادة ما تقع بشكل مفاجئ ودون تخطيط ودون ترابط نتيجة لرد فعل تلقائي على سياسة حكومية ما أو قرار... الخ.

2. جماعات الضغط أو المصالح الأساسية: وهذه تشمل العائلات والقبائل والطوائف والجماعات العرقية والتي عادة الإنتماء إليها اجبارياً وليس اختيارياً. وهذه موجودة في كل الدول، وسواء يسمح لها أو لا يسمح بعملها، وهذه موجودة في السعودية كما هي موجودة في كل البلاد العربية، بغض النظر عن فعاليتها أم عدمها. وهذه تكثر في الدول المتنوعة الأعراق والطوائف والمذاهب والقبائل وغالباً ما يكون لها تأثير في هذه الدول بطريقة أو أخرى مباشرة أو غير مباشرة.

3. جماعات الضغط أو المصالح المؤسسية، وهذه تتكون من مجموعات من الأفراد وتكتل الموظفين في دائرة أو قسم أو وزارة أو مؤسسة حكومية. وهذه موجودة في كل الدول بما في ذلك السعودية، وغالباً ما تعمل هذه بشكل أكبر هي وسابقتها بالدول التي لا تسمح بالنوع الرابع التالي.

4. جماعات الضغط والمصالح الاتحادية، وهذه تمثل الجمعيات المهنية والراوبط والنقابات والجمعيات التضامنية والاقتصادية والاجتماعية والخيرية ... الخ. وجزء من هذا النوع موجود في السعودية ، وخاصة الجمعيات المهنية العلمية والخيرية، ولم يبقى سوى الجمعيات المهنية والنقابات التي تحتاج عادة إلى موافقة الدولة. هذا وقد وافقت الدولة منذ عام 1999م، وقبل اجتماع الفهد كراون على تأسيس أول جمعية أهلية لحقوق الإنسان، وهذه الجمعية يفترض أنها بالفعل جمعية ضغط عامة، قبلت بها الحكومة وتقول أنها أهلية ومستقلة ولا علاقة للدولة بتشكيلها، وقامت فعلياً قبل اعتقالنا بفترة ليست طويلة.

إذاً نخلص مما سبق ونقول: لا علاقة لعقد اجتماع الكروان فهد بتشكيل جماعات ضغط لا من قريب ولا من بعيد، ولو أردنا تشكيل جماعة ضغط لتقدمنا إلى الدولة بطلب السماح والموافقة على تأسيس مثل هذه الجمعية. إذاً، الاجتماع لم تكن منه الغاية ذلك ولو كانت هناك غاية (على فرضها) لتقدم من يريد إلى الحكومة بطلب الموافقة على ذلك، علماً بأن عدد من الناشطين في الاصلاح والحقوق، من عدة مناطق وأطياف، سبق لهم وقبل هذا الاجتماع بأكثر من ستة أشهر، وبعد تقديم خطاب ووثيقة " الرؤية ... " لسمو ولي العهد أن تقدم عدد منهم بطلب خطي معلن وموقع منهم وقدموه إلى وزير العمل آنذاك، وفيه يطلبون الترخيص لهم بتأسيس جمعية أهلية لحقوق الإنسان وقبل اشهار الأخيرة بوقت لا يقل عن ستة أشهر وقام وزير العمل، بعد عدة اتصالات معه من قبل المعنيين بذلك الطلب، بتحويل طلبهم إلى مجلس الوزراء.

اضافة إلى ذلك، فإن المملكة العربية السعودية كما أشرنا سابقاً قد وقعت وأودعت وثائق التوقيع لدى جامعة الدول العربية لحقوق الإنسان والذي تنص مادته رقم 29 على ما يلي:

"تكفل الدولة الحق في تشكيل النقابات والحق في الأحزاب في الحدود الذي ينص عليها القانون".

وللمعلومية فإن أصل هذا الميثاق هو في 15/9/1997م برقم 5427، كما أن ديباجته المقره في مؤتمر القمة العربية في تونس (مايو/2004) قد ربطت التأكيد على احترام حقوق الانسان الواردة في الميثاق بما أكدته أيضاً، الشريعة الإسلامية من حقوق، وكذلك ما نصت عليه المواثيق الدولية، بما في ذلك الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، وأحكام العهدين الدوليين بشان الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية، واعلان القاهرة، حول حقوق الإنسان في الإسلام.

 

 

         

 

 

                        2 - ( الجزء الثاني )

الحمدلله والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

أصحاب الفضيله رئيس وأعضاء الهيئة القضائية:

أولاً :                                                         

   ورد في خلاصة الاتهام (6-7) من " لائحة دعوى عامة "  مايلي:     

       " وأنتهى التحقيق إلى توجيه الاتهام لهم :بالضلوع ...... وحث غيرهم  على توقيع هذه العرائض المتضمنة؛

 - التشكيك في نهج ولي الأمر وكيان الدولة القائم على تطبيق الكتاب والسنة، وفي إثارة الفتن وتبرير العنف والإرهاب.

 - والتشكيك في استقلال القضاء.

- والتدليس على الناس بهدف التشويش على أرائهم وتأليبهم على ولي الأمر.

- وتأليب الرأي العام المحلي والدولي لمصادمة السياسة الشرعية لولي الأمر.

- والتشكيك في المبادئ الشرعية التي تقوم عليها بلادنا.

- وتشكيل جماعات ضغط على الدولة وتزعمها وعقد الاجتماع لهذا الغرض ومن ذلك ما عقد بفندق الفهد كراون بتاريخ 15/1/1425هـ.           

- وكل هذه الأمور تؤدي إلى الإساءة إلى سمعة الدولة وعصيان ولي الأمروالخروج عليه " (ص6-7 من لائحة دعوى عامة).

                                   (1)

وردي على تلك المزاعم والتهم مايلي: أقول ان ماورد في العريضتين التي وقعت عليهما وهما وثيقة " لحاضر الوطن ومستقبله " و" نداء للقادة والشعب معا: الاصلاح الدستوري أولا"، والمرسلتين إلى ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله، الأولى في ذي القعدة 1423ه والثانية في شوال 1424ه، وعلى قناعة، مع كل الذين وقعوا عليهما، فيما ورد فيهما، ليس فيهما مما يزعمه المدعي العام من " تهم" يقول عنها أن العرائض تضمنتها.                       

لذلك فإنني أقول أن تلك" التهم" المزعومة، وبهذه الصياغات، المحرفة الواردة من قبل المدعي العام، مرفوضة تمامًا ولاصحة لها على الاطلاق. ولكي لا يتم تشويه ما تضمنته تلك العريضتين، فاننا لابد من أن نوضح العناصر الاصلاحية الدستورية التي تضمنتها العريضتين لأصحاب الفضيلة القضاة والمحكمة الموقرة، والله والناس شهود على الجميع.

                                    (2)                                            

إذاً نقول ونشدد على أن ما تضمنته الوثيقتين ("الرؤية لحاضر الوطن ومستقبله؛ ونداء للقيادة والشعب معا: الاصلاح الدستوري)، هي وبخلاف ما يزعم به المدعي العام من تهم، عناصر إصلاح دستورية لصالح وخير البلد (سلطة ومجتمعا)، انطلاقا أولا من حسن القصد وسلامة النية، وثانيا من باب النصيحة الواجبة علينا كما ورد في الحديث الشريف (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة . قلنا لمن؟ قال لله وكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم")، وثالثا من حيث هو احتساب على السلطة بما هـو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر بالشأن العام وبما هو حق في الرأي والتعبير، كفلته لنا الشريعة الإسلامية قبل المواثيق الدولية التي وقعت عليها المملكة العربية السعودية.                                   

       وتلك العناصر الاصلاحية الدستورية، قدمت وطرحت على أنها الحل الصحيح والسليم لما تتعرض له الدولة من مشكلة تتمثل في تداخل المخاطر الداخلية والخارجية وتقاطعاتها سواء تمثلت بالاختناقات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية وكذلك بتنامي العنف ومصادره الداخلية والخارجية. وقلنا ونقول أن أساس كل تلك الاختناقات هو غياب المشاركة الشعبية في القرار وتهميش حق وحرية التعبير والرأي، وذلك كله يتصل بسيادة واستمرار العامل الأساسي وراء ذلك كله وهو"الاستبداد" والانفراد بالسلطة ذلك أن صاحب القرار الانفرادي، ربما لايدري أنة يحدث ظلماً وأضطراباً في ميزان العدل، بسبب عدم صلاحية الاجراءات والنظم الادارية المعمول بها الان، والتي تستدل على نصوص قابلة للاجتهاد بين وقت وآخر بسبب تغيير الزمان والاحوال والاشخاص، وهذه قاعده شرعية ودون وجود رقابة أو محاسبة مما أدى إلى الإخلال بالعدل والعدالة وهو ما يعني اقصاء للشورى الملزمة فيما ليس فيه نص شرعي.

      بناء على ما تقدم فقد تم تقديم الرؤى والمقترحات والمطالب بالعناصر الاصلاحية الدستورية باعتبارها الحل لتلك المشكلة والعلة "الاستبداد". وتلك المطالب والرؤى تقوم على أن الاصلاح المنشود هو إصلاح دستوري، إصلاح يقوم على اعتماد نظام حكم ملكي دستوري وذلك بالتوجه للقيادة بإعلان عن مبادرة ذات منظومة من عناصر اصلاحية دستورية محددة سوف تحدد عناصرها تاليا، وفي سياق تلك المبادرة من قبل القيادة هو الإعلان عن مبادرة لتطوير نظام الحكم إلى "ملكية دستورية" ،انطلاقا من الأخذ بالدستور وعناصره ومحاوره الأساسية، والمؤسس على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باعتبار أن الأخذ به، كآليات وهياكل وإجراءات، هو المجسد الحقيقي للمشاركة الشعبية، ولأنة يحقق مقاصد الشريعة في ضمان وتحقيق العدل والحقوق والكرامة ويقضي على الظلم والاستبداد والعنف والتطرف، ويحقق التوازن بين الدولة والمجتمع ويؤسس شرعية صلبة قوية لإستمرار وتواصل "الأسرة الحاكمة" وبما يحقق اعلان حقبة ممتدة يمكن أن يطلق عليها " الدولة السعودية الرابعة". هذا الاصلاح الدستوري الذي هو منظومة إصلاح دستوري شامل يتكون من العناصر التي تضمنتها تلكما الوثيقتين، وبشكل مفصل ومحدد وثيقة " نداء للقيادة والشعب معا: الاصلاح الدستوري أولا "، وهي التالية:     

1. إقرار الحقوق والحريات العامة للمواطنين، التي قررهاالإسلام قبل أربعة عشر من تنادى الأمم الحديثة إليها، ثقافية واقتصادية وسياسية، على اختلاف مناطقهم ،وطوائفهم ،ومذاهبهم...إلخ واتخاذ الإجراءات التي تضمن احترامها.                                                  

2. انتخاب مجلس لنواب الشعب، فالنواب من أهل العلم والخبرة والرأي والإيثار، الذين ينتخبهم الشعب، هم الأمناء على مصالحه ومحل ثقته، في الحل والعقد، وحل إجماعه، بما يضمن قيام مجلس النواب بالرقابة والمحاسبة على أعمال وسياسات الحكومة داخليا وخارجيا، بما في ذلك الحفاظ على المال العام. وتمكين المجالس المحلية والبلدية من ممارسة المهام والصلاحيات المنوطة بمثلها دستوريا.                        

3. تطبيق مبداالفصل بين السلطات الثلاث؛ التنفيذية والنيابية والقضائية وذلك لتحقيق آليات التراقب والتحاسب بين السلطات وتجاه بعضهم البعض.                                                      

4. السعي الحثيث لتعزيز استقلال القضاء، وذلك من خلال تبني واعتماد اجراءات وهياكل تضمن حيادة ونزاهته مؤسسيًا، وبما يمنع التدخلات في شؤن القضاء والمحاكم وأحكامها من قبل السلطة التنفيذية خاصة، ولا سيما في القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها، مثل القضايا السياسية، وتلك الإجراءات والهياكل لها معايير محددة من أهمها؛ تحديد القواعد القضائية وتوحيدها وإعلانها وخاصة في قضايا التعزير، وسرعة البت في القضايا، والتنفيذ الفوري لأحكام المحاكم، وإنشاء محكمة دستورية شرعية عليا، تكون مرجعا لمشروعية وشرعيه الأنظمة ولتفسيرها ولتلقي الطعون فيها، والاستقلال المالي للقضاة وعدم تعرضهم للفصل أو النقل التعسفي، وتعدد مصادر ترشيح القضاة عند الاختيار، والاشراف على السجون .....إلخ.                                  

5. اقرار قيام وعمل هياكل وجمعيات المجتمع الأهلي المدني ، ثقافية واقتصادية ومهنية واجتماعية من نقابات وجمعيات وجماعات . الالتزام بحق الناس في الاجتماع والتعبير السلمي، وبما يحقق مصالح الأفراد والجماعات وتنميتها وكذلك للإحتساب على السلطة في الشأن العام موسسياً للافراد والجماعات وفيما بينهم.                              

  وحيث أن الدستور ، هو آليات وهياكل وإجراءات وعناصر حديثة يتحقق بموجب الأخذ بها مقاصد الشريعة من إقامة العدل وحفظ الحقوق والحريات والكرامة، فإنه من الدين طبقا لما يقول ابن قيم الجوزية في ( الطرق الحكيمة، ط1403ه : ص25) " فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ........."                                                    

لذلك كان التوجه للقيادة بأن تعلن مبادرة اصلاحية دستورية وذلك بتحويل نظام الحكم إلى " ملكية دستورية " وذلك بتبني الدستور، وهو ما يعني ان  تتضمن العناصرالأساسية في منظومة الاصلاح الدستوري الشامل (ذات العناصر الخمسة آنفة الذكر). وهذا يتطلب أن توافق القيادة على تشكيل هيئة وطنية مستقلة لإعداد دستور للبلاد مؤسس على الشريعة، متضمنا العناصر الدستورية الخمسة آنفة الذكر، وذلك من الخبراء والفقهاء والعلماء في الشريعة والفقه الدستوري والاختصاصات الأخرى، ثم يعرض على الشعب للاستفتاء عليه (التصويت) عليه خلال فترة محددة بحدود سنة من تاريخ صياغته ويصبح، بالموافقة عليه، وثيقة وميثاق جديد بين المجتمع والدولة، على أن يبدأ تطبيقه في خلال فترة محددة من تاريخ التصويت عليه (الإستفتاء).                        

(3)

ولدحض مزاعم المدعي العام في "التهم" التي حاول الصاقها بنا فيما أورده  في خلاصة اتهامه (ص 6-7 من لائحة دعوى عامة)، فإننا نود أن نوضح بشكل جلي ومفصل بعض العناصر التي وردت في الوثيقتين والتي اعتبرها المدعي العام تهماً ضدنا. من تلك العناصر ما يلي:

1) خلافا لما يزعمه المدعي العام من أننا نشكك في أستقلال القضاء، فإننا نطالب بتعزيز أستقلال القضاء عن طريق تبني واعتماد اجراءات ومعايير وهياكل محددة تضمن ذلك الاستقلال وتعزيزه ونود أن نلفت النظر الى ان المملكه العربيه السعوديه وقعت على الاصلاحات العربيه في قمة تونس الاخيره (مايو /2004م)، وهي تتضمن اصلاحات سياسيه اساسيه منها: (1) اقرار وتوسيع المشاركه الشعبيه في القرار (2) تعزيز استقلال القضاء وتأكيده، والمملكه بهذه القرارات العربية وهي بنفسها، وعن طريق مبادرة سمو الامير الملكي /عبدالله بن العزيز، مشاركه ومساهمه في تقديم صياغه وتبني تلك الاصلاحات العربية، تقرمبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء وتعزيزه اضافه الى ذلك فأن تلك الاصلاحات العربية الاخيرة، وكذلك موافقة المملكة العربية السعودية على ميثاق حقوق الانسان العربي الذي اودعت وثائق التصديق عليه في 2/8/2004م، علماً بانه يعود الى 1997م، وأقرت المملكة مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء حيث أقرت ووقعت على الماده # 19 من الميثاق والتي تؤكد على أن الشعب مصدرتفويض السلطات. وحيث الأمر يتطلب توضيح تلك المسألة واعتبارها أحد العناصر الإصلاحية الدستورية المطالب بها في الوثيقتين، فإن هناك ورقة (بحث) معدة خصيصاً عنها توضح ما قصدناه تحديداً. ***ورقة: (رؤيه لتعزيز إستقلال القضاء).

2) وخلافاً لما يزعمه المدعي العام من أننا نبرر العنف بالأرهاب وإثارة العنف، فإننا نقدم تفسيراً للعنف في عوامله الداخلية والخارجية وان الأصلاح الدستوري وعن طريق إقرار هياكل وعمل المجتمع الأهلي المدني، هو ما نعتقده المجدي في محاصرة العنف والقضاء عليه وعلى التطرف. وحيث ان الامر يتطلب معالجة وتفسير للعنف وعلاقة ذلك بالاصلاح والمجتمع الاهلي المدني، فإن هناك ورقة بحث ( مسودة تحت التطوير والمراجعة ) عن ذلك توضح ما قصدناه مؤسسة على نظريات علم السياسه والاجتماع السياسي،***ورقة مسودة: (العنف في السعوديه: من التفسير إلى الإحاطة (الإصلاح الدستوري هو الحل)).

3) وخلافا لما يزعمه المدعي العام من أننا نشكك في كيان الدولة القائم على تطبيق الكتاب والسنة وكذلك التشكيك في المبادئ التي تقوم عليها بلادنا، فإن هذا يتطلب توضيح مسألة المطالبة بالدستور والملكية الدستورية وان الاخذ بها بتبني الدستور من حيث الآليات والهياكل والاجراءات والعناصر المؤسسه على الشريعه، هو مما يؤسس التواصل واستمرار الاسرة الحاكمة وتأسيس " الدولة السعودية الرابعة" وتحقيق مقاصد الشريعة في إقامة العدل وضمان الحقوق والكرامـــة، لذلك فإن هناك ورقة (بحث) معده خصيصاً لذلك، نوضح حسن قصدنا وسلامة نوايانا لمصلحة الدولة والمجتمع سوية ***ورقــة((الدستور والملكية الدستورية والاسلام )). وكذلك انظر مسودة مقترحة نحو دستور إسلامي " للدولة الإسلامية الحديثة: المملكة العربية السعودية نموذجاً"، والذي قمنا نحن الثلاثة بإعداده لتأكيـد إسلامية الدستور الذي نطالب به.

                                     (4)

هذا وقد قلنا و نقول أننا انطلقنا في كل من الوثيقتين من قناعة ووضوح تام وليس تدليس او تشويش كما يزعم المدعي العام، من مرتكزات وثوابت ثلاث هي:

(1)   الانطلاق بفكرة الاصلاح من التمسك بالعقيدة الاسلامية، ولذلك تم تأصيل الوثيقتين على المرتكزات والمفاهيم والشريعه  الاسلامية. لذلك فإن اكثر من خمسة وعشرين (#25) شخصية اسلامية اكاديمية وقضاة وطلبة علم شرعيين (( من اساتذه اصول الفقه والحديث وعلوم القرآن والعقيدة، البارزين في كليات الشريعة واصول الدين ومن تولوا أقسام وعمادات كليات شرعيه أوادارة جامعات اسلاميه، فضلاً عن عدد من المحامين الشرعيين الذين يحملون شهادات عليا من كليات الشريعه )) ، وقعوا على الخطاب العريضة الثانية (( نداء للقيادة والشعب معا: والاصلاح الدستووري اولا ))، ولو كان غير اسلامي فهل يعقل ان يقبل به هؤلاء، وهذا ما يرد على مزاعم المدعي العام الذي يحاول إلصاق التهم بإن ما نقوم به ضد مبادئ الشريعة. وذلك فأن قيام المدعي العام بألصاق " التهم " لنا وتجريمنا الثلاثه الموقعين، هو في الوقت ذاته الصاق تهم وتجريم لكل الموقعين على الوثيقتين، وأن هيئه الادعاء العام تكون بهذا قد جرمت كل هؤلاء الفقهاء وأساتذة الشريعة والعقيدة في الجامعات السعودية وأتهمتهم بالجهل، بل بالعدوان على الشريعة.

(2)   التمسك بالوحدة الوطنية؛ وقد اجمع الموقعون على تلكما  الوثيقتين على التمسك بتلك الحقيقه طوعا لا جبراً، ولعل ما قام به دعاة الاصلاح الدستوري والمجتمع الاهلي المدني من الجمع بين هذه الشخصيات من كافة الاطياف والمدارس والمناطق والمذاهب، لدليل ناصع على اننا نقوم بجهود اساسية ومعتبرة في مساعدة الدولة والقيادة في التمسك بهذه الثوابت وبالحرص على وحدة الوطن، وعلى عكس ما يزعم به المدعي العام من التلاعب بالالفاظ والقول بإثارة الفتن وتأليب الرأي العام المحلي والدولي (ص6-7) او الزعم باننا نسعى لزعزعة الامن والاستقرار والوحدة الوطنية (ص3).

(3)   الألتفاف حول القيادة " الأسرة الحاكمة" باعتبارها صمام امان بعد الله سبحانه وتعالى، وهذا في ذاته يدل  دلالة  قاطعة على اننا الموقعين على هاتين الوثيقتين ("رؤية لحاضر الوطن ومستقبله"؛ و" نداء للقيادة والشعب معا: الاصلاح الدستوري اولاً ")، متمسكين بالقيادة السعودية وان هذا التمسك بها يأتي في سياق الطاعة في المعروف والعمل على صالح المجتمع في سلوك طريق الاصلاح الدستوري لصالح المجتمع  والسلطة ( القيادة – الاسرة ) على حد سواء. لذلك فإن ما يزعمه المدعي العام من" تهم " بتأليب الرأي العام المحلي والدولي والاساءة إلى سمعة الدولة وعصيان ولي الامر والخروج عليه، إنما هي" تهم" باطلة ولا اساس لها من الصحة البتة.

وهذه الثوابت الثلاث اكدنا عليها في كل ما قمنا به من تصريح اوكتابة او مقابلة. وقد قلنا وشددنا على هذه الثوابت امام وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الامير/ نايف بن عبدالعزيز، في لقائة مع ثمانية عشر (#18) من دعاة الاصلاح الدستوري والمجتمع الاهلي المدني، في مكتبه يوم الاثنين 22/1/2004م. كذلك فقد شددنا بالتأكيد على تلك الثوابت في محضر التحقيق، وكانت هذه الثوابت الثلاث أخر الفقره (العباره) في التحقيق معي، ولكن المدعي العام وفي محاوله لطمس الحقائق لم يشر لها ولم يعرها بالاً ولذلك نطلب من اصحاب الفضيله القضاة التأكد من ذلك والتدقيق في كل ما قلته في محضر التحقيق معي والذي قام المدعي العام باغفال معظم ان لم يكن كل أقوالي. ولازلنا عند قولنا، كما هو مبين من خلال الوثيقتين بالذات وتحديداً ما يلي:

(أ) في خطاب التغطية لوثقية " رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" - (المرسلة إلى ولي العهد في ذي القعدة من العام 1423هـ، وقد استقبل سموه اكثر من أربعين شخصية من الموقعين عليها وقال لهم أن " مطالبكم هي مشروعي" )- وردت العبارة التالية:

 "... وقد بدأ اخوانكم وابناؤكم يبلورون رؤية استراتيجية لحاضرهذا البلد ومستقبله ، منذ شهر رجب 1423هـ ويرجون ان تسهم مع غيرها من الاجتهادات في الوصول إلى الهدف المنشود ، ضمان وحدة البلد واستقراره  وقوته ".

وفي هذه العبارات التشديد على:

(1) أن هذه الرؤية أجتهاد ضمن أجتهادات من يريد الاصلاح لقولة تعالى( إنْ أريدُ إلاَ الاصلاح ما أستطعتُ ...)، وبالتالي فإننا لم نزعم ولم نقل أننا أوصياءعلى المواطنين، كما يزعم ويتهم المدعي العام في(لائحة دعوى عامة .. ص1)

(2) التشديد على " وحدة البلد واستقراره وقوته "، وهو ما يؤكد تمسك جميع الموقعين على الوثيقة، بمن فيهم الثلاثة، بالوحدة الوطنية، وهو ما ينفي مزاعم المدعي العام واتهامه بالقول: " كما ان من لازم تحركاتهم ... زعزعة الامن والاستقرار والوحدة الوطنية (ص3من لائحة دعوى عامة). ولم يبين لنا المدعي العام كيف يمكن لثلاثه أشخاص، أن يهددوا ويزعزعوا أمن واستقرار بلد بحجم وكبر المملكة العربية السعودية؟ رغم أننا ننكر هذه التهم جملة وتفصيلاً.

(ب) وفي خطاب التغطية للوثيقة الثانية " نداء للقيادة والشعب معا :الاصلاح الدستوري اولاً"، والمرسلة الى صاحب السمو الملكي الامير/عبدالله بن عبدالعزيز في شوال من العام 1424هـ، وردت العبارة التالية:

 "...ويعتبرون مساهمتهم هذه جزء لا يتجزأ من الولاء والتضامن مع القيادة  في التصدي للاخطار الداخلية والخارجية".

وفي هذه العبارة، فضلا عما ورد في الوثيقة نفسها، التأكيد على: الولاء والتضامن مع القيادة، وهذا ينفي زعم المدعي العام، باتهامنا، وهو ما يعني اتهام الموقعين جميعا على الوثيقتين، ب: "....عصيان ولي الامر والخروج عليه (ص7من لائحة دعوى عامة).

إضافة الى ذلك، فإنه وبعد اعتقالنا وفي 25/1/1425هـ الموافق 16/3/2004م تم التوصل الى صيغة أتفاق توافقي بيننا الثلاثة من جهه ، وبين هيئة التحقيق والادعاء من جهة أخرى، وبوجود ومصادقة المحامي عصام البصراوي، وبموافقه المحققين وهم أ.سعود العتيبي وأ. إبراهيم الفنتوخ، و أ.فهد السبيعي (الاخيرالمحقق مع علي الدميني)، يتم الافراج بموجبها عنا. وقد اكدنا في تلك الصيغة التوافقية والتي لم تلتزم بها الجهات المعنية، بالمحافظة على" طاعة القيادة في المعروف "  في كل النشاطات التي نقوم بها. ومع ذلك فإن المدعي العام لم يشر الى تلك الصيغة والى ذلك الاتفاق مع هيئة التحقيق والادعاء العام ، ولذلك فإننا نطلب من أصحاب الفضيلة القضاة والمحكمة الموقرة الاطلاع على نص ذلك الاتفاق واعتباره ضمن المرفقات وجزء لا يتجزأ من التحقيق المعروض على المحكمة الموقرة، للاطلاع على تلك الصيغة وخاصة على تأكيدنا والتزامنا " بطاعة القيادة في المعروف". وبما يحفظ ويصون حقوقنا الاساسيه في ابداء الرأي والتعبير والنصح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالشأن العام وبما هو حق وواجب بالاحتساب على السلطه لنا شرعاً قبل أن تضمنة المواثيق الدوليه التي التزمت بها الدوله السعودية.

ثانياً : المدعي العام أ.عوض بن علي الأحمري، استخدم كلمات أو عبارات للخلط بين الوقائع والمزاعم أو للتاويل والتحريف والدخول في  النوايا وصولاً  للإيحاء والتأثير والتدليس على المحكمة في الصاق "التهم" ومن ذلك 1) سرده للأدلة على مايزعم إنها "التهم " الموجهة إلي                                                ولزميلي   ذكر المدعي العام..............

يقول  المدعي  العام: " وذلك للأدلة التالية: ما ورد في أقوالهم  واعترافاتهم المدونة في محاضر التحقيق المرفقة المعلقة بكل منهم.."(ص7 من لائحة دعوى عامة).

فهو يحاول الزج بكلمة "واعترافاتهم" في عطفها على "أقوالهم" قارناً  الاعترافات بالأقوال. وردي على ذلك: إن ماورد في محاضر التحقيق  معي، هي أقوال وردود على أسئلة وليس فيها اعترافات بأي تهمة من "التهم" التي يزعم بهما المدعي العام.

ب.  يستخدم المدعي العام كلمات من مثل.

1-  " تؤدي... إلى الإساءة إلى سمعة الدولة "  ص7 

2.  " ما اتضح من خلال أقوالهم  ...  "  ص7

3.  " ما ورد في العرائض  ...  " ص7

4.  " المستشف  من عباراته واسلوب حديثه  ...  " ص4

5.  "  بما مؤداه نزع يد الطاعة  ...  " ص4

6.  "  ومؤداه قولهم بهذا نزع يد الطاعة ... "  ص2

7.  "  يشابهون التكفيريين من جانب  آخر  ... "

                                                     (1)

وردنا على تلك الكلمات (الموضوع تحتها خط) من مثل (تؤدي...  ماورد...مااتضح... المستشف...مؤداه...مؤدى...يشابهون...من جانب آخر...)، إن هذه الكلمات كلمات افتراضية ليست بينات تقوم بها الحجة الدامغة أوالبرهان، كما أنها إيحائية فيها تعالم بغيب النوايا للايقاع بنا والتدليس بها على المحكمة لإعطاء مصداقية "للتهم" غير الصحيحة التي  زعم بها المدعي العام دونما سند من حقائق أو أدلة دامغة. 

ثالثاً: تناقضات أقوال المدعي العام مع ما يزعمه من "تهم" قد وجهها  لنا، ومن ذلك ما يلي:

1.  بينما ينكر على دعاة الإصلاح فكرة "المجتمع المدني" والدعوة لها  باعتبارها أحد الوسائل والأطر السلمية للافصاح عن الرغبات والآراء  والمصالح وبما يتضمن الحق في إنشاء مكوناتها (الهياكل) للمجتمع  الأهلي المدني وبما يسهم مساهمة جادة في محاربة العنف والتطرف،  فإن المدعي العام يقر بأن الدولة تقوم بإقامة "هياكل المجتمع المدني  الأهلي" (ص4 من لائحة دعوى عام)، مع ملاحظة أن المدعي العام  يستخدم تقريباً نفس المصطلحات التي وردت في وثيقة " الإصلاح  الدستوري أولاً"، دون أن يعي معانيها، ذلك بأنه أورد كلمة "المجتمع  المدني"، في لائحة دعوى عامة مكتوبة ونطقها أمام الجميع وصححوه،  قائلاً: "المجمع  المدني" (ص4 من لائحة دعوة عامة).

2. بينما ينكر المدعي العام على دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع  المدني، ونحن الموقوفين الثلاثة من بينهم، الدعوة إلى المشاركة الشعبية  في مجلس الشورى والمجالس البلدية، فإنه مؤمن بأن الدولة تتجه لها؟.

 

3. في موضوع تعزيز استقلال القضاء: بينما يوجه المدعي العام لنا " التهمة " بالتشكيك باستقلال القضاء (ص7 من لائحة دعوى عامة)، إلا أنه يقر ويؤكد على إنه وحسب النظام الأساسي للحكم في المادة # 44(ص3 من لائحة دعوى عامة)، ينص على الآتي فإن الملك هو مرجع  السلطات الثلاث. إذن، فإن المدعي العام يعترف بإن القضاء سلطة غير منفصلة وبالتالي غير مستقلة مؤسسياً، وحيث إن الأمر كذلك، فإن القول  بأن لا سلطة على القضاء إلا للشريعة الإسلامية يعتبر قولاً نظرياً، لأنه  لكي يصبح فعلياً يحتاج إلى ضمانات وإجراءات عملية ومن أهمها  مسألة  فصل السلطات أولاً، والدولة السعودية قد وافقت عليها بدليل تصديقها  على ميثاق حقوق الإنسان العربي والذي يؤكد على إن الشعب  مصدر تفويض السلطات، وكذلك باقرارها بالمشاركة الشعبية، ولكن هذا الإقرار  والإلتزام لكي يكون واقعاً يحتاج إلى الهياكل والإجراءات العملية  الخاصة التي بتطبيقها والأخذ بها يضمن تعزيز استقلال القضاء  كمؤسسة وليس كقضاة في ذاتهم، حيث إن القضاة بذاتهم، كما قلنا ونقول  يتمتع الكثير منهم بالنزاهة والأمانة، ولكن المسألة تتجاوز الأشخاص  إلى الاستقلال المؤسسي. 

4. ثم يرتكب المدعي العام تناقضاً غريباً آخر، حيث يشكك في دعوتنا  للإصلاح وحسن النوايا ويرفض أن نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن  المنكر في الشأن العام والقيام بواجب النصيحة والدعوة إلى الخير  والحض عليها في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنه  يطالبنا في الصفحة  الأخيرة من (من لائحة دعوى عامة، "بوجوب  طاعة ولي الأمر والنصح له... " (ص8  من لائحة دعوى عامة).  وردنا على ذلك، إنه بالنسبة للطاعة  فقد قلنا  ونقول  إنها "  طاعة  في المعروف"، فهل يريدنا المدعي العام أن نطيع بالمعصية؟ وأما النصح  والنصحية فهذا ما نقوم به وندعو إليه، فكيف يشكك المدعي العام في  كل ما نقوم به ويمنعنا من حقنا، وفي الوقت ذاته يطالبنا " بالنصح "!!؟

 

رابعاً: المدعي العام وتحريم ما أحله الله وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من حيث "القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح  والدعوة إلى الخير"؛ 

     ثم يصل المدعي العام إلى الكارثة الكبرى باقترافه بهتاناً وزوراً  بتحريم ما أحله الله وما أمر به رسوله، بقوله، إن ما نقوم به هو "فعل حرام" (ص8 من لائحة دعوى عامة).

                                    (1)

 

     فهل الدعوة إلى الخير والحض عليه والنصح والأمر بالمعروف  والنهي عن المنكر والاحتساب على السلطة في الشأن العام، وهو صلب  ما نقوم به وندعو إليه، امتثالاً لأمر الله ورسوله، في الادلة التي أوردناها سابقا، فهل هذا فعل حرام!؟ كما يزعم المدعي العام ويفتري على الله  الكذب "بالتحريم"، والله سبحانه وتعالى يقول: 

      " قل من حرم زينة الله التي أخرج  لعباده والطيبات من الرزق،   كذلك نفصل الآيات لقوم يعملون (آية 32) قل إنما حرم ربي الفواحش  ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وإن تشركوا بالله ما لم  ينزل به سلطاناً وإن تقولوا على الله ما لا  تعلمون" (آية 33) (الآيات ـ سورة الأعراف). ويقول سبحانة وتعالى: (ولا تقولوا لما تصف السنتكم هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون) (النحل: أيه116)

 

 

نعرض هذا  الأمر على أصحاب الفضيلة القضاة والذين نثق في نزاهتهم   في الفصل في القول؛ هل ما نقول به من دعوة للخير ونصح واحتساب  هو "فعل حرام" كما يزعم المدعي العام؟ وهل ورد في القرآن والسنة ما يحرم هذه الأفعال؟

                                          (2)

 

ونذكر أصحاب الفضيلة، ثانياً إن صاحب السمو الملكي الأميرعبدالله، ولي العهد وهو الرجل الثاني في القيادة السعودية، سبق وإن استقبل  ورحب بدعاة الإصلاح، ونحن كنا منهم، وقال لنا "مطالبكم مشروعي"،  كيف يُجرم المدعي العام ما أقر ولي العهد. ونذكر أصحاب الفضيلة  القضاة، ثالثاً، إن وثيقة " الإصلاح الدستوري أولاً" وقد أسست وأُصلت  تأصيلاً شرعياً قد وقعها أكثر من #25 أستاذ في أصول الفقه والعقيدة والتربية الإسلامية وعدد من القضاة والمحاميين الشرعيين، وكيف يُجرم المدعي العام، دعوات أقرها علماء بارزين في الشريعة؛ هل يعقل إن يقر مثل هؤلاء: "فعل حرام" كما يزعم المدعي العام!؟

                                    (3)

 

نذكر أصحاب الفضلية أخيراً، إن هيئة كبار العلماء سبق لها في عام 1413هـ ـ 1993م، أن اصدرت فتوى بعدم شرعية قيام "لجنة حقوق الإنسان الشرعية" وقامت الدولة بناءً على تلك الفتوى بفصل وطرد واعتقال عدد من أعضائها ومنهم واحد منا الآن وهو، الدكتور عبدالله   الحامد ثم بعد عشر سنوات تقريباً، تقر الدولة وتوافق على قيام وعمل "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان" وحتى بدون أن تحمل مسمى "الشرعية". فهل دعوة الإصلاح الدستوري لخير ومصلحة المجتمع والدولة في الاستفادة من الوسائل والطرق الحديثة في تحقيق وتطبيق  مقاصد الشريعة بإقامة وإشاعة العدل ومحاربة الظلم والفساد والجور، وإبن قيم الجوزية يقول: " فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من  الدين..."  (1423هـ ـ 2002م  ص25) فهل هذه دعوة "لفعل حرام" هذه الأيام؟ كما يزعم بها المدعي العام، ثم تكون غداً دعوة حلال بل وواجبة شرعاً، عندما يقررها المدعي العام؟ 

 

وأخيراً نذكر بقول الله سبحانه وتعالى: 

        " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون"

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

                       3 – ( الجزء الثالث )

ملحق إضافي لردود ودفوع الدكتور متروك الفالح على " التهم الإضافية " المتصلة في " العنف والإصلاحات الدستورية " والتي طلب المدعي العام، أستاذ/ عوض الأحمري، ممثل هيئة التحقيق والإدعاء العام اضافتها إلى لائحة الإتهام العامة، ضد دعاة الدستور الإسلامي والمجتمع الأهلي المدني ( د.عبد الله الحامد، أ.على الدميني، ود.متروك الفالح )

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه وبعد:

أولاً: الدراسات والأبحاث التي يشير إليها المدعي العام إن كانت متطابقة مع ما عندي من دراسات، وهو أمر يحتاج إلى تدقيق هي دراسات وأبحاث أكاديمية ((لا زالت في طور المسودات)) من متخصص في العلوم السياسية وبالذات في السياسة المقارنة والتنمية السياسية ونظريات العنف والإستفرار السياسي. الدراسات التي أعددتها وهي تشمل ( المسودات ) منها:

1.    (الدستور والملكية الدستورية ، والاسلام )

2.  (العنف في السعودية: من التفسير إلى الإحاطة (الإصلاح الدستوري هو الحل))

وهذه الدراسات والإبحاث والتي تم القيام بها بمنهجية بحث علمي وأسس معرفية ونظرية، انطلاقا من النظريات السياسية في الأنظمة السياسية والعنف والإستقرار السياسي، تم إعدادها أصلا للرد على بعض الأسئلة المتصله بالقضايا الاصلاحية، ومن ثم تطويرها أو توظيفها للرد على ما ورد في "لائحة الإتهام العامة" الأساسية ضدنا نحن دعاة الدستور والمجتمع الأهلي المدني بما في ذلك في ما يتعلق بتوضيح أولا؛ فكرة الدستور وعناصره وانه يمثل آليات وهياكل عصرية لتحقيق مقاصد الشريعة في العدل والشورى، وانه بهذا المعنى والأساس المرتكز على إحكام الشريعة الإسلامية انما لا يخالف الشريعة الإسلامية بل يحقق مقاصدها، ومن هنا كانت الدراسة الثالثة (الدستوروالإسلام) لتوضيح الفكرة، وإن اقامة حكم ملكي دستوري (الملكية الدستورية) هي ايضا للتأكيد على حقيقة قيام إدارة عصرية للدولة السعودية تتحقق بها مقاصد الشريعة الإسلامية من عدالة وحقوق وكرامة ومشاركة للمواطنين في السياسات الحكومية ومراقبتها، فضلا عن تأكيد تواصل دور الأسرة " آل سعود " في قيادة الدولة واستمرارها على نحو متصل وعلى أسس قوية اسلامية وعصرية ولفترات زمنية غير محدودة.

ومن هنا فإن اتهامات المدعي العام بالتشكيك بالدولة أو بإثارة الفتنة وتأليب الناس على الدولة، أمر مرفوض وهذا مخالف لما هدفت إليه تلك الدراسات من سلامة وحسن النية والقصد. ولذلك فإننا كنا عازمين على إرفاق تلك الدراسات ((المسودات)) المرفقة من قبلي ضمن ردودي ودفوعي منذ البداية، وأتوجه لأصحاب الفضيلة، رئيس وأعضاء الهيئة القضائية بإعتبار تلك الدراسات في كلياتها ومقاصدها ضمن الردود والدفوع، ولكي يطلع اصحاب الفضيلة على المقاصد الحقيقية السليمة والايجابية من وراء كتابة هذه الدراسات، وقد ورد في أحدها عنوان "الملكية الدستورية، إقصاء أم إعادة تأسيس" وهذا ما يثبت حسن النوايا والقصد من تلك الدراسات وليس كما يزعم المدعي العام بإغتصاب بعض النصوص لمحاولة التشويش والتدليس، كما فعل أصلا في "لائحة الإتهام العامة"

ثانيا: دراسة " العنف في السعودية: من التفسير إلى الإحاطة ( الإصلاح الدستور هو الحل) ": وهذه دراسة إن كان ما أوردها المدعي العام متطابقة مع ماعندي من دراسة، فإنها دراسة لا زالت في طور التطوير والمراجعة لكي تصبح في النهاية دراسة أكاديمية متخصصة من متخصص في العلوم السياسية وبالذات في نظريات العنف وعدم الإستقرار السياسي، وإبحاث عديدة في هذا المجال نذكر منها على سبيل المثال:

1. نظريات العنف والثورة : دراسة تحليلية تقومية وهي منشورة من مركز الإبحاث في جامعة القاهره 1411هـ / 1991 م.

2. ابن خلدون ونظريات العنف والثورة ومفهوم العصبية ، وهذه دراسة منشورة في مجلة " دراسات " الأردنية في 1416هـ / 1996م ( مجلة الجامعة الإردنية ).

3. "الصين : الأستقطاب الإجتماعي والسياسي لبرنامج التحديث والإصلاح "، منشور في مجلة العلوم الإجتماعية (جامعة الكويت) 1412هـ / 1992م.

وهذه الدراسة المتصلة بالعنف، تم إعدادها للرد على ما جاء في لائحة إتهام عامة، والتي يزعم بها المدعي العام بأننا " نبرر " " الإرهاب "، وقد كان الغرض من هذه الدراسة كما أوضحنا أصلا في التحقيق معنا منذ البداية، إننا نفسر العنف من حيث تحديد عوامله وأسبابها الداخلية والخارجية، لذلك أتت هذه الدراسة "العنف في السعودية: من التفسير إلى الإحاطة (الإصلاح الدستوري هو الحل)" لتقدم تفسير علمي موضوعي لظاهرة العنف، على أساس من نظريات العنف، وهذه نظريات ودراسات مقارنة تم الإشارة إلى بعض من أهمها في الدراسة بإعتبارها مصادر ومراجع وتم توثيقها في هوامش الدراسة. على هذا الأساس تم تفسير ظاهرة العنف في السعودية إلى:

1. عوامل داخلية  2. عوامل خارجية، إنطلاقا من تحديد دقيق لمفهوم العنف من حيث عناصرها وخصائصه وإرتباطه بالبيئة الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسية المولدة له. في النهاية توصلنا وبعد تفصيل في العوامل الداخلية والخارجية إلى تحديد الإستراتيجية المثلى للخروج من دائرة العنف، وكانت إستراتيجية الإصلاح وبالذات الإصلاح الدستوري بما في ذلك قيام وعمل مؤسسات المجتمع الأهلي المدني هي المخرج من هذه الدائرة العنيفة، بإعتبار أن الإستراتيجية الأمنية والحل الأمني والقوة لوحدها لا تكفي.

 

أصحاب الفضيلة: أولاً: للرد على ما يزعم به المدعي العام، فإن ذلك يتطلب أولاً تطابق ما قدمه المدعي العام من دراسة مع ما لدي من دراسة عن الموضوع تطابقاً كاملاً. إذا قبلنا جدلاً بهذا التطابق، وهو امر لا نقره فإننا نقول ما يلي:

1. إن المدعي العام لم يتطرق للتعريف الواردة في مقدمة الدراسة عن مفهوم العنف ولذلك نحيل بداية إلى التعريف المحدد عن العنف بعناصره وخصائصه وعوامله وأثاره وبيئته.

 

2. وكذلك، رغم إن الدراسة إن كانت متطابقة بما عندي، تتناول تفسير ظاهرة العنف في عوامله الداخلية والخارجية فإن المدعى العام لم يتطرق إلى هذه العوامل وإنما إبتسر بعض النصوص من بعض العوامل الداخلية لمحاولة إلصاق تهم وتلفيقها، وترك وإهمال ما ورد من نقاشات وتحليل في إغلب العوامل الداخلية، ولم يتطرق كليا إلى مناقشات التحليلات الواردة في العوامل الخارجية، وكل ذلك يعني إنه يقوم بمحاولة التدليس على أصحاب الفضيلة القضاة، كالذي يقرأ الاية الكريمة " ويل للمصلين " ويترك بقية الآية. ورغم أن الدراسة في تفسيرها للعنف لم تبرى أهل العنف من مسئوليتهم ودورهم في دائرة العنف، حيث وردت العبارة التالية: " وهذه المعادلة لا تنفي ولا تلغي دور أهل العنف في تلك الدائرة من العنف والعنف المضاد" (انظر المقطع الثالث من الفقرة ثالثاً) ص23 تقريباً من (المسودة). ولكن المدعي العام لم يذكر هذه العبارات ولا يريد لأنها تبطل اتهاماته ومزاعمه، وبذلك فهو يقوم جاهداً لمحاولة التضليل والتدليس.

 

3. ذكر المدعي العام "تهما ومزاعم" حول ما ورد من مناقشات في بعض العوامل الداخلية المفسرة للعنف وبالذات بما يتعلق بالعوامل الثقافية ( البيئة الثقافية )، وما يتصل بالخطاب الرسمي، ومثله الغلو والتطرف لدى أولئك المنخرطين في أعمال العنف، وارتباط ذلك بالقول إنه مرتبط بعناصر من الخارج.

أصحاب الفضيلة: المناقشات والتحليل الواردة تحت هذا العامل الداخلي، يدور حول توضيح أن تفسير أي ظاهرة إجتماعية أو سياسية، ومنها العنف والإرهاب لا يمكن تفسيرها بعامل واحد وهو الغلو والتطرف لوحده؛ وإنما الظاهرة مهما كانت، تتكون من إلتقاء عدة عوامل وأسباب وليست سبب واحد. ثم بعد هذا كان النقاش والتحليل إنه حتى لو قبلنا بهذا التفسير الأحادي الرسمي، فإن هذا الخطاب في الغلو والتطرف متصل في بيئة ثقافية وفي المؤسسات الجامعية والتعليمية.

أصحاب الفضيلة: بالنسبة إلى مزاعم المدعي العام بالنسبة إلى نقد المنهجية التعليمية والثقافية والإعلامية من حيث غياب الرأي الآخر والإقصاء للأفكار والمدارس الأخرى، فإن هذه الإنتقادات اصبحت من وقت إلى آخر حتى في الصحف السعودية وكذلك بالمؤتمرات عن العنف والإرهاب ومنها المؤتمر الذي نظمته جامعة الإمام قبل أكثر من عام حول الإرهاب وأسبابه، وكذلك في مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي عقد مؤخرا في الرياض ودعت إليه الدولة ورعته. وأما التلقين والحفظ في المنهجية التعليمية، وغياب الفهم والتحليل، واستمرار سيطرة الرؤية والمدرسة الأحادية في التدريس وفي الممارسات الثقافية بكافة تجلياتها، فهذا أمر يعرفه كل من يعمل في الجانب التعليمي أو الثقافي في المؤسسات الثقافية أو التعليمية، ولم يعد أحد ينكر هذه الظاهرة في التعليم في السعودية، ولذلك هناك إتجاهات في الدولة رسمية وبالذات من مجلس التربية والتعليم والذي اوصي مؤخرا على التركيز على المواد العلمية وعلى الفهم والتحليل في تعديل المنهجيات في التعليم، وهذا ما أكدت عليه اللقاءات الأربعة في سياق " الحوار الوطني " والتي شددت في توصياتها وبالذات في اللقاء الأول والثاني والثالث على الحوار والتنوع وعدم الإقصاء، بما في ذلك بما يتعلق بالمدارس الفقهية والمذهبية، وهو ما يعني إن الدولة نفسها أخذت تراجع المرحلة السابقة رسميا ونخبوياً ((مجتمعياً)) ومحاولة تجاوز سلبياتها.

أصحاب الفضيلة: ومع ذلك، فإن المدعي العام وهو يلفق الإتهامات ضدنا، نسي أو تناسى إن الدولة السعودية أقدمت على الخطوات التالية:

1. هناك تعديلات في بعض المنهاج التعليمية والتربية وخاصة ما يتعلق ببعض عناصر منهجية المواد الدراسية الدينية، ومنها ما يتعلق بالموقف من الاخر وتقديم تخريجات وقراءات جديدة لها.

2. إن الدولة وبإلإتفاق مع الحكومة الأمريكية، قيدت نشاط عدد من المؤسسات الخيرية، واعتبرت بعضها إرهابية، ومنها مؤسسة الحرمين الخيرية، وقيدت التبرعات والتحولات المالية.

3. فصلت الدولة أعدادا غير قليلة من أئمة المساجد والتي ترى الدولة فيهم مثل تلك التوجهات في الغلو والتطرف وقد ذكر عادل جبير، مستشار ولي العهد في السفارة السعودية في واشنطن، أكثر من مرة إنه تم فصل أكثر من 2000 إمام.

4. ترفض وتمنع الدولة السعودية ذهاب الذين يرغبون في القتال والجهاد "المجاهدين" من السعودية إلى العراق أو أفغانستان، بل وتعتقلهم.

أصحاب الفضيلة: هذه التعديلات والتوجيهات الجديدة للسياسات الحكومية أصبحت محل عدم رضى من فئات من المجتمع في السعودية والتي قد تدفع ببعض العناصر إلى العنف نظراً لما قد ينظرون إليه من أن تلك التعديلات تمس هويتهم وعقيدتهم الإسلامية.

أصحاب الفضيلة: أما ما يتعلق بالإقصاء وغياب الرأي والتعبير في وسائل الإعلام والثقافة في السعودية فإن كان هذا ينكره المدعى العام فعليه إثبات الدليل بوجود حرية التعبير والرأي والإختلاف والتنوع في تلك الوسائل؛ ألم نعتقل نحن الثلاثة من دعاة الدستور والمجتمع المدني الأهلي، لأن المطلوب هو أسكاتنا ومنعنا من حق التعبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام؟

ثالثا: العوامل الداخلية – السياسات الأمنية وعلاقتها بالعنف والإرهاب

أصحاب الفضيلة: تجاهل المدعي العام الإشارة إلى إنعكاسات السياسات الأمنية على تطور وتزايد العنف. من تلك السياسات الأمنية:

1. كثرة الاعتقالات واتساعها لتشمل الحاضرة والبادية في كافة المناطق، وهذه الاعتقالات بهذه الكيفية والكمية غير مسبوقة في تاريخ المملكة، والسجون في السعودية.

2. وفي هذه السجون وبالذات في سجون المباحث، هناك انتهاكات لحقوق الإنسان (المعتقلين) والتي تتراوح بين التعذيب الجسدي والنفسي لإنتزاع إعترافات بالإكراه، مخالفة بذلك نظام الإجراءات الجزائية وكذلك المواثيق الدولية والتي وافقت عليها المملكة، وقد شاهدنا بعض من هذه الممارسات في التعذيب والمهينة للكرامة الانسانية في سجن المباحث الرياض في عليشة.

3. هناك العشرات من المعتقلين على الشبهة ودون وجود تهم محددة، ولهم مدد تجاوزت الفترة النظامية للإعتقال ولم يحاكموا ولم يفرج عنهم.

4. هناك أعداد من المعتقلين في تهم تتصل بالعنف وقد صدرت أحكام بحقهم وإنتهت تلك الأحكام ولم يفرج عنهم.

5. إن الاعتقالات كافة من حيث امر القبض أو الإستدعاء لا تتم وفق ما نص عليه نظام الإجراءات الجزائية، وأيضا ما يتم من حالات التفتيش مخالفة للنظام. وهذه الممارسات فيها قدر غير قليل من الإهانة للكرامة الإنسانية والتي شدد نظام الإجراءات الجزائية على عدم القيام بها، ولكن النصوص شىء والممارسة شىء آخر.

6. إن من يقوم بالتحقيق في معظم، أن لم يكن كل حالات الأعتقال هم ضباط المباحث، وهذا الإجراء ايضا مخالف لنظام الإجراءات الجزائية، إذ إن ضباط المباحث هم سلطة قبض وتحرى وتقديم معلومات وادلة سرية، أما التحقيق فهو مناط بجهاز هيئة التحقيق والادعاء، ومع ذلك فإنما يتم فعلياً فيه مخالفة صريحة للنظام.

7. لا يسمح للمعتقلين والمتهمين في القضايا العامة بالإستعانة بمحامين أو وكلاء لهم، وهذا أيضا مخالف لمواد نظام الإجراءات الجزائية وخاصة المادة # 4 والمادة 64، وكذلك للتوجيه السامي من صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد إلى وزير العدل، بإخبار المتهم بحقوقه وذلك التوجيه مرفق بالصفحات الأولى من نظام الإجراءات الجزائية.

8. لا تتم للمعتقلين أو المتهمين محاكمات علنية، وكل ما يتم هو أخذ المتهم إلى القاضي والمحكمة وتصديق أقواله، وإن تراجع المتهم أو رفض الإعترافات على إنها تحت الأكراه أعادته أجهزة المباحث ومارست عليه ضغوطا حتى يوافق على تصديق أقواله أو إعترافاته أمام القاضي. وبعد التصديق يستمر بإلإعتقال دون صدور أحكام في كثير من الحالات ويستمر في الإعتقال لفترات غير محددة قصيرة أو طويلة؟ وفي بعض الحالات تصدر أحكام في جلسة سرية واحدة.

9. هناك حالات غير قليلة من المعتقلين والمتهمين، يوضعون في زنازين إنفرادية لمدد تتجاوز المدة النظامية المقررة في نظام الإجراءات الجزائية (وهي # 60 يوما بحد أقصى).

أصحاب الفضيلة: هذه الممارسات الأمنية والتي تنتهك الحقوق الشرعية وتخالف الأنظمة المعمول بها في المملكة، فضلا عن المواثيق الدولية والتي وافقت عليها المملكة، والتي تزيد من الأحتقانات وعدم الرضا ومن ثم الدفع من ببعض من هؤلاء إلى دائرة العنف من جديد. هذه الممارسات ليس وحدنا الذين لاحظناها فقط، فقد ورد في تقرير الجميعية الوطنية لحقوق الإنسان لعام 1425 هـ الموافق 2004 م، رصد لعدد من المخالفات ومنها 1.انتزاع اعترافات بالإكراه 2.عدم إفراج منتهية أحكامها، وانظر ما صرح به عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان د. صالح الخثلان، في جريدة الرياض الأحد 11/1/1426هـ الموافق 20/2/2005م ص22، عن تلك المخالفات ومنها: أن ثلث السجناء في أحد مناطق المملكة لهم أكثر من سنة ولم تصدر بحقهم إحكام فضلا عن عدم تمكين السجناء من محامين فماذا يقول المدعي العام للدكتور الخثلان؟

 

أصحاب الفضيلة: هذه الممارسات والتجاوزات الأمنية والمخالفة لنظام الإجراءات الجزائية في حق المعتقلين والمتهمين لم يذكرها المدعي العام ولم يشر إليها وهذه الممارسات والتجاوزات وهي تتصل بالسياسات الأمنية المتبعة وفي سياق العوامل الداخلية المفسرة للعنف، هي أحد العوامل، وليس كلها، التي تولد لدى بعض المساجين والمعتقلين مزيدا من النزوع لما يتولد لديهم من عدم رضا وكراهية لممارسات الأجهزة الأمنية. لذلك فإن هناك عدد من الذين خرجوا من السجن، ومروا ببعض تلك الممارسات الأمنية، خرجوا وانخرطوا في أعمال العنف والتفجيرات وآخرها كانت تفجيرات وزارة الداخلية، حيث كان أحد المشاركين فيها قد خرج قبل حدوث ذلك بشهرين من السجن. وقد أشرنا في الدراسة إلى أن هناك بعض الدراسات عن أحوال السجون وإنها قدمت إلى وزارة الداخلية من أجل تطوير أوضاعها وتحسينها، ورغم أن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف معروف أنه رجل إصلاحي ويحاول تحسين أوضاع السجون إلا أن استمرار عدم تطبيق نظام الإجراءات الجزائية على المعتقلين يعيق من تلك التوجهات.

 

رابعا: العوامل الداخلية ( الإختلالات الإقتصادية والعنف ): سوء توزيع الثروة وتهميش المناطق..........الخ.

أصحاب الفضيلة: المدعي العام ينكر إن هناك أختلالات في توزيع الثروة وتهميش بعض المناطق او بعض الأطراف في المدن حتى الرئيسية منها. ولكن ماذا يقول المدعى العام حول التالي:

1. المنطقة الشمالية والجوف تحديدا. أنا مطلع على الأحوال الإقتصادية للمنطقة الشمالية وبالذات لمنطقة الجوف، وقد كتبت في ذلك كتابات ودراسات موثقة بالأرقام (( للمزيد: يمكن الإطلاع على كتابي: سكاكا الجوف في نهاية القرن العشرين – بيروت بيسان 2000)) وهي تعكس حالة من التخلف الإقتصادي مقارنة بغيرها من المناطق:

1. من حيث الخدمات التعليمية، لا توجد جامعة في كل المناطق الشمالية، ولذلك هناك أعداد متزايدة من أبناء الجوف والمنطقة الشمالية يتلقون تعليمهم الجامعي والعالي في الجامعات الأردنية، وما على المدعى العام إلا أن يتصل على الملحقية الثقافية السعودية في الإردن ليعرف مجموع وعدد الطلبة من المناطق الشمالية والتي تجد صعوبات في عدم قدرتها على مواصلة الدراسة بالداخل.

2. الخدمات الصحية يوجد مستشفي مركزي في سكاكا يعود بناءه إلى أكثر من أربعين سنة ومستوى الخدمات الصحية في وضع لا يمكن مقارنته ابدا بما عليه المستشفيات وخاصة بالرياض وجدة والدمام . لذلك فإن غالبية من المواطنين من أهل الجوف والمنطقة الشمالية والذين لا تتوفر لهم إمكانيات التحويل إلى المستشفيات التخصصية في الرياض لا سبيل لهم سواء الذهاب إلى الأردن للعلاج على حسابهم الخاص، وليسأل المدعي العام مستشفيات عمان ليعرف كم عدد المرضى والمراجعين من أبناء المناطق الشمالية، وليعرف حقيقة الوضع الصحي للمنطقة الشمالية.

3. نتيجة لعدم وجود صرف صحي في المناطق الشمالية وبالذات في الجوف ومنها سكاكا والتي تكتنز أعذب المياه في المملكة، فإن تسربات الصرف الصحي إلى القشرة الأرضية، أدت إلى تلوث المياه السطحية وأدت إلى ان تكون الجوف وسكاكا تحديدا من المناطق التي فيها معدلات كبيره من وباء الإلتهاب الكبدي، وعلى المدعي العام أن يراجع السجلات الصحية في المنطقة ليتأكد من ذلك.

4. أوضاع الكهرباء وخاصة المزارع بالآلاف لم تصلها رغم الطلبات المتكررة منذ أكثر من عشرة سنوات؟

5. وسوء الأوضاع الصحية في المنطقة الشمالية عموما، ومنطقة الجوف خصوصا شهد عليها صاحب السمو الملكي الأمير عبد الإله بن عبد العزير والذي أدلى بتصريحات صحفية علينة مكتوبة وموثقة، عن تدهورها وقال إنه عندما قدم إلى منطقة القصيم أميرا لها قبل حوالي خمسة وعشرين عاما، كانت القصيم من الناحية الصحية افضل بكثير من حال الجوف في نهاية القرن العشرين. وقال أيضا الأمير عبد الإله في تصريحات موثقة صحفية. إن منطقة الجوف متخلفه، وحالها أنها وكأنها بالقرن التاسع عشر الميلادي! فماذا يقول المدعى العام ويرد على أمير المنطقة والذي اتي إليها ما بين 1419 – 1423 هـ (1999 -2003م)، وقد أعلن عن وعود بمبالغ استثنائية لتنمية المنطقة لكي تلحق ببقية المناطق، ومع ذلك فقد إنتظر أربعة سنوات ومع ذلك لم يستطع أن يفي بوعده لأن هناك من القوى في المركز من عملت على عدم تقديم تلك المبالغ إلى المنطقة، مما أضطر الأمير عبد الإله لتقديم إستقالته كأمير للمنطقة لأنه شعر بعدم قدرته على الوفاء بما وعد به. فماذا يقول المدعى العام وماذا يرد المدعى العام على أقوال وتصريحات واحد من أبناء الملك عبد العزيز... أعترف بتخلف المنطقة وتهميشها؟  

6. هذا ما تقدم بإيجاز لحالة الجوف وتدهور اوضاعها الإقتصادية وبشهادة واحد من أبناء الملك عبد العزيز، وكذلك اعترف به وزير التخطيط الأسبق هشام ناظر في مقابلة له بمجلة الرجل قبل عدة سنوات، حيث أقر إن خطط التنمية أهملت المنطقة الشمالية، فما بالك بالمناطق الأخرى. ليتذكر المدعى العام، منطقة جيزان وتخلفها الإقتصادي، وما آلت إليه الأوضاع من ظهور وباء حمى الوادي المتصدع قبل عدة سنوات.

7. منطقة الإحساء الهفوف لم تشرب من المياه المحلاة إلا قبل ايام معدودة من بداية العام الهجري الجديد 1426هـ رغم أن تحلية المياه تعمل منذ اكثر من عقد في المنطقة الشرقية، وتصل مياهها إلى الوسطى والرياض تحديدا حتى أحياء بالظهران لاتصلها إلى آلان.

8. ديار بنى مالك، تعاني من قلة مياه الشرب، رغم إن أنابيب تسحب منها إلى مناطق أخرى، كذلك أوضاع الإتصالات والمواصلات والكهرباء ؟

      وليقارن المدعى العام بين الخدمات الصحية والتعليمية والطرق والمواصلات والإتصالات في مناطق المعذر والعليا وشمال الرياض وبين مناطق النظيم والدار البيضاء والدخل المحدود أليس هذا تهميش لإطراف المدن؟

9. ماذا يعرف المدعي العام عن البطالة في السعودية. التقديرات، تتراوح بين 15% إلى 35%، هذا فضلا على إن 6% من نصف المجتمع نساء فقط يشاركن في القوة العاملة. وزير العمل السعودي د. غازي القصيبي يقول إن هناك الان أكثر من 150.000 شاب عاطل عن العمل وهذه تقديرات لا وضاع وفئات محدده، فضلا إن سوق العمل يدخله سنويا أعداد قريبة من هذا العدد.

10.وماذا يقول المدعي العام لواقع وحالة عدم حصول 50 بالمائه من المواطنين على سكن خاص لهم انظر ما ورد في جريدة الرياض في 20/3/2004م عن اوضاع السكن في السعودية.

1. الأمير عبد الله في زيارته قبل سنتين لبعض أحياء الرياض وكشف مستويات الفقر والتهميش فيها فماذا يقول المدعى العام عن تلك الزيارة ؟

  2. وإذا كان هذا لا يكفي فماذا يقول المدعي العام عن ما ورد في الصحف المحلية من المسح الأستطلاعي التالي:

المسح الاستطلاعي يكشف رداءة السكن في القنفذة وسرقات بالليث ومخدرات في حقل: صناديق للمعيشة في قرى الباحة وعشش في جيزان وثقافة اللامبالاة في الإحساء والقطيف ( الوطن: الاثنين 12/1/1426هـ الموافق 21/2/2005م عدد # 1606ص1:

كشف المسح الأستطلاعي للتجمعات السكانية والتي أعدتها مؤسسة الأمير عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي أوضاع السكنى في أماكن متعددة وإزدياد نسبة الفقر في أماكن أخرى، وارتفاع معدل الجريمة في بعض المحافظات.

- ففي محافظة القنفذة منطقة مكة المكرمة، توصلت فرق البحث إلى وضع السكن سىء وردىء جدا وحالته مزرية، فضلا عن معيشة أكثر من عشرة أشخاص في غرفة واحدة وأثبتت الدراسة حاجة بعض التجمعات وفقرها لأسباب متعددة ابرزها إنتشار البطالة وضآلة مخصصات الضمان الاجتماعي.

- وفي محافظة الليث وجد فريق العمل إنها تعاني من مشكلة الجريمة خاصة مركزي أضم والحائرة الذين يعانين من مشكلة سرقات الأغنام، فيما يعاني مركز يلملم من جرائم المخدرات.

وفي محافظة الجموم لوحظ معاناة مركز عسفان من غياب البنية التحتية كالكهرباء والماء والتعليم والطرقات.

- وفي مركز ثول التابع لمحافظة جدة لاحظ الفريق ضعف الإنتاج الزراعي وهجرة السكان للمدن الكبرى.

 وفي محافظة ينبع لاحظ الفريق معاناة السكان في العثور على وظائف كافية وضعف الإقتصاد رغم توفر ينبع على مشروع صناعي ضخم أقامته الهيئة الملكية لتطوير ينبع.

- وفي محافظة الوجه منطقة تبوك لوحظ كثرة البيوت الآيله للسقوط وإنتشار البيوت الشعبية والعشش والصنادق وذلك في المراكز التابعة للمحافظة، كما تعاني منطقة محافظة الليث من نقص حاد بالخدمات الأساسية فضلا عن تدهور الوضع الإقتصادي.

- وفي محافظة حقل لوحظ معدل إرتفاع الجريمة خاصة تعاطي المخدرات والتهريب بسبب قرب الموقع الحدودي، وانتشار البطالة لدى عدد كبير من الشباب وبروز ظاهرة تعدد الزوجات.

- وفي محافظة الباحة لاحظ الفريق إنتشار صناديق الصفيح والعشش في المناطق ذات الطابع البدوي وخاصة في منطقتي يبس والجرين.

- وأستنتج الفريق تركز المناطق الفقيرة في منطقة تهامة الباحة في المناطق ذات الطابع البدوي في كل من يبس والجرين، بينما تقل نسبة الفقر في المناطق القروية ذات الطابع الزراعي واتضح إن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها معظم قرى المنطقة هي صعوبة الطرق الداخلية التى تربط القري ببعضها البعض.

- وفي منطقة عسير تتركز المناطق الفقيرة في الشريط الساحلي تهامة وشرق المنطقة، بينما تقل كلما اتجهنا إلى الوسط في منطقة جبال السراة

"واتضح من خلال المسح إن المشكلة التي تعاني منها الأهالي هي مشكلة الطرق وفي منطقة جيزان تبين إن الفقر يتركز بشكل في مناطق الجبال ومناطق الساحل أي بين فئتين الصيادين والبدو والرعاة وتعاني المنطقة من نسبة عالية من المتسللين والمقيمين بصفة غير شرعية مما يزيد من معاناة المنطقة ويؤدي إلى المشاكل الأمينة ووفقا للمسح مازالت المنطقة الوحيدة التي توجد بها العشش الرديئة المبنية من القش وقصب الذرة.

- وفي محافظتي الإحساء والقطيف لوحظ أزدياد المهن التقليدية للإسرة القاطنة الفقيرة وعدم وجود فرص وظيفية أو إستثمارية للأسرة، وارتفاع معدلات الخصوبة، وازدياد الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب وإزياد ثقافة اللامبالاة" المصدر: الوطن ( السعودية ) 12/1/1426هـ الموافق 21/2/2005م ص1.

11.أما عن الفساد المالي والإداري والذي ينكره المدعي العام، فنقول إن الفساد المالي والإداري موجود في كل الدول بما في ذلك الدول المتقدمة، ولكن الفرق بين الدول النامية والدول المتقدمة، هو أنه في الأخيرة هناك آليات للرقابة والمحاسبة وفي حالة توفر المعلومات عن المتورطين في الفساد المالي أو الإداري فإن آلية الرقابة والمحاسبة ومؤسسات المجتمع الأهلي المدني، تقوم بواجبها في الحد من ومحاسبة المتورطين فيها. أما في البلاد النامية ومنها بلدنا السعودية فأين تلك الآليات للرقابة والمحاسبة، ولم نعرف في تاريخ المملكة أن مسئولا كبيرا أو وزيرا أو جهة حكومية تم محاسبته على سوء التصرف والفساد المالي أو الإداري أو الرشوة أو المحسوبية. ليقول لنا المدعي العام، لماذا لم نسمع عن محاسبة وزراء أو مسئولين كبار على ممارسة من ذلك النوع؟ هل إنه لا يوجد فساد مالي أو إداري ولا يوجد رشاوي أو محسوبيات في العمل الحكومي ؟ أما إنه لاتوجد مؤسسات رقابية ومحاسبة شعبية تستطيع القيام بالمهمة ؟

12. مداخيل (عائدات) الدولة من النفط ومصروفاتها وأين ذهبت الفروقات ؟

ليقل لنا المدعى العام ويعطينا تفصيلات دخول الدولة من المنتجات النفطية ومشتقاتها، فضلا عن المنتجات الأخرى، خلال فترة الثلاثة عقود فقط 1970-2003، وكم صرف منها على الأمن والدفاع مقابل كم صرف منها على التعليم والصحة والخدمات؟ ليقل لنا المدعى العام كم من مليارات الدولارات على التسلح والسلاح. ومع ذلك عندما أتت الحاجة إليها في أزمة الخليج الثانية 1990 – 1991 لم يكن لدينا القدرة بالدفاع عن البلد وكان التوجه والقرار بالإستعانة بالقوات الأميريكية وهذا قرار أعد بمعزل عن رأي الشعب والناس، ثم ما هي تداعيات ذلك التواجد الأمريكي في البلد وفي المنطقة؟ ليقل لنا المدعي العام من يتحمل تلك المسئولية؟ ليقل لنا المدعى العام ماذا يمثل الفرق بين الدخول الحقيقية لمبيعات النفظ ومشتقاته والمنتجات الأخرى، وبين المصروفات الحقيقية في كافة المجالات؟ أين ذهب هذا الفرق من الدخول والمبالغ ولمصلحة من!؟ نحن نريد من المدعي العام تقديم جرد حساب عن الدخول والمصروفات الحقيقية لكي تتضح مسألة الفساد المالي والإداري،  هذا فضلا عن معرفة توزيع العقود في التوريدات من الخارج في كافة المجالات الحكومية تحديدا وفي العقود للمشاريع والقائمين عليها داخليا ومدى تداخلها مع القطاع الخاص هذا في الإجمال، أما في التفصيلات فإن الأمر يحتاج إلى تفحص دقيق لمداخيل ومصروفات الأجهزة الحكومية نفسها. وطالما ليس هناك آليات للرقابة والمحاسبة ذات المرجعية الشعبية الدستورية، فلا سبيل أمام المدعي العام أن ينكر تلك الأختلالات من الفساد المالي والإداري ، فضلا عن الرشاوات والمحسوبيات في الأجهزة الحكومية .

13. الأمير بندر بن سلطان قال للتلفزة الأمريكية قبل إعتقالنا بأن أكثر من اربعمائة مليون دولار تم تسربها بتلك الإتجاهات وهذه المبالغ تمثل قطرة في بحر من تلك التسريبات، فماذا يقول لنا المدعى العام حول هذه الأقوال؟

14. وإن كان هذا لا يكفي فماذا يقول المدعى العام للصكوك بمئات الآلاف والملايين من الأمتار من الأراضي على أمتداد الطرق السريعة والسواحل والمناطق التجارية والتي تمنح لفئات محدودة وخاصة جدا؟ وماذا يقول المدعى العام للإستيلاء على أراضي تصل إلى عشرات الكيلومترات بالأطوال والأضلاع ويتم تسويرها وتحويطها ؟ ثم يتم تحويلها إلى مخططات للبيع على حساب الفئات الشعبية والفئات الدنيا من الطبقة المتوسطة من الشعب والأثراء على حسابهم أو تحويطها كمحميات بالبر على حساب المواطنين من أهل البادية.

15.وإذا كانت تلك الامثلة لا تكفي، فماذا يقول المدعي العام لاعتراف الدولة بوجود هدر للمال العام واساءة استخدام المال العام في الاجهزة الحكومية، حيث صدر أخيراً أمر ملكي يقضي بتأسيس وحدات للرقابة الداخلية في كافة الجهات المشمولة برقابة ديوان المراقبة العامة من أجل حماية المال العام وترشيد استخدامه.....الخ.( المصدر: الرياض: في الاثنين 4/2/1426ه الموافق14/3/2005م ص1). وماذا يقول المدعي العام على ما صادق عليه مجلس الشورى مؤخراً من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، والموافقة على إستراتيجية محلية موازية لمكافحة الفساد؟ فهل هذا اعتراف بوجود الفساد؟ وماذا عن الفترة السابقة؟ وماذا يقول المدعي العام لمداخلات الدكتور صالح المالك في مجلس الشورى (بثت تلفزيونياً يوم الجمعة مساءً 22/2/1426هـ الموافق1/4/2005م) حول المناقشات التي كانت تدور حول المقترحات  المتصلة بـ" نظام المشتريات والمنافسات الحكومية " والذي يضم # 80 مادة، وقدمها عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة الشئون المالية، محمد الشريف، فقال عنها د.صالح المالك: انه يؤيد بشدة هذا النظام ويعتبر إن تم تطبيقه وتنفيذه مانعاً من تفشي الفساد المالي والإداري والرشاوي....إلخ، فماذا يقول المدعي العام؟

 

أصحاب الفضيلة: التساؤلات حول الفساد ومعالجته بكل أشكاله والتشديد على العدالة في توزيع التنمية، أصبحت من الأمور المطروقه، حتى في الندوات المحلية والصحف المحلية وفي ذلك يقول أحد الأساتذة الأستاذ محمد بن صنيتان بن تنباك، رئيس مركز ساس الوطني لإستطلاع الراي العام والاستشارات، في ندوة عن الإرهاب. مفهومه وأسبابه في نادي المدينة، مساء يوم الثلاثاء 6/1/1426هـ الموافق 15/2/2005م ووردت مقتطفات من أقواله في جريدة الوطن الجمعة 9/1/1426هـ الموافق 18/2/2005م العدد 1603ص19، يقول في إستراتيجية مكافحة الإرهاب " والبعد الداخلي، في تحقيق العدالة في توزيع الإهتمام التنموي والإجتماعي بين كافة الناس ومعالجة الفساد بكل أشكاله والمعالجة الأمنية". فماذا يقول المدعى العام عن هذا الكلام وهل يوجه للدكتور بن تنباك تهم التحريض والفتنة وتأليب الناس على الدولة!؟ وهل يجلبه إلى المحاكمة ويعتبره فعلا محرما ويطالب بتطبيق أقصي العقوبة عليه!؟

خامسا: العوامل الخارجية والعنف: القاعدة/ والسياسات والأمريكية والصهيونية في المنطقة/ والشعب السعودي:

أصحاب الفضيلة: زعم المدعى العام إنني أقول إن 80% من الشعب السعودي يؤيدون القاعدة في أعمال العنف وهذا تحريض وتدليس إنما ورد من إحصاءات ومناقشات حول تلك النقاط تتصل بالاتي:

1. إن الإحصاءات المتعلقة بالتأييد للقاعدة، فكانت الإشارة أولا إلى ما صدر من إحصاءات ونسب على موقف الكويتين من القاعدة في عدائها للسياسات الأمريكية والصهيونية في المنطقة وكانت أحد الصحف الكويتية قد ذكرت إن 70% من الكويتين يؤيدون القاعدة في مواقفها ضد أمريكا وإسرائيل. وكانت هناك إحصاءات إستخبارتية غربية تشير إلى إن القاعدة تحصل على تأييد وتعاطف في مواقفها ضد السياسات الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وإن تلك النسب تصل إلى 80% في المشرق العربي ومنها بلدان الخليج والسعودية. وهذا التأييد هو ضد السياسات الأمريكية في المنطقة والعالم العربي والإسلامي وليس بالضرورة تأييدا للعنف المحلي. ومعروف أنه بعد أحداث 11سبتمبر 2001، كانت هناك موجة من التأييد للقاعدة ولأسامة بن لادن ليس من البلدان العربية والإسلامية فحسب، ضد مواقفها من السياسات الأمريكية، وإنما أيضا حتى في بلدان أمريكا اللاتينية وقد أورت صحيفة "لوس انجلس تايمز" "وواشنطن بوست" في تلك الفترة تقارير عن تلك التوجهات في تلك البلدان والتقطت صورا لأسامة بن لادن واعدادا من الشباب والرياضيين في البرازيل والأرجنتين وكوبا يضعونها على ملابسهم الداخلية (الفنائل). وتعترف الاستخبارات الأمريكية نفسها بأن هناك أغلبية في المغرب والأردن والسعودية تعتقد إن للولايات المتحدة سياسات سلبية تجاه العالم العربي، وإن سياستنا في منطقة الشرق الأوسط تعزز الإستياء الإسلامي. هذا ما يقوله الأدميرال لويل جاكوبي مدير وكالة إستخبارات الدفاع أمام لجنة الإستخبارات لمجلس الشيوخ، كما وردت في الشرق الأوسط الجمعة 8/2/2005ص7.

2. لقد اشرنا إلى أن هذه النسبة لربما إنخفضت مع إستهداف التفجيرات في السعودية للإحياء السكنية وسقوط ضحايا من المدنيين والأطفال.

3. كانت الإشارة إلى إن الأختلالات في البيئة الثقافية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية وصلتها بالبيئة الخارجية والسياسات الحكومية ذات الصلة قد تؤدي إلى نزوع وميل نحو العنف لدى فئات متضررة أو متأثرة، وأطلقنا عليه " مخزون " وقدرناه بحوالي أربعين الف شخص وهؤلاء قد يكونوا جاهزين للإنخراط في أعمال العنف وهو ما يعتمد على محفزات إضافية. وهذا التقديرات هي تقديرات تم التوصل إليها بمعادلة إحتمالية ولا تعني بالضرورة إنها حقيقية، ولقد أشرنا إلى ذلك في الهامش من دراسة العنف آنفة الذكر، ولكن المدعى العام لا يرى إلا بعين واحدة وعوراء، إنه يبتر النصوص من سياقاتها ويوظفها لتلفيق التهم وللتدليس.

4. بالنسبة للعوامل الخارجية وبالذات التواجد الأمريكي والصلة بالسياسات الحكومية والإستبداد فهي تشمل التالي بإيجاز.

أ‌.      العداء تجاه السياسات الأمريكية والصهيونية عموما بالمنطقة.

ب.العدوان على أفغانستان والعراق وما هي المواقف والسياسات السعودية والشعبية تجاهها ؟

ج. من الذي سمح للقوات الأمريكية بالتواجد على الأراضي السعودية ؟ هل هو الشعب السعودي ؟ ولماذا هذا الإستمرار إلى أكثر من ثلاثة عشر سنة منذ عام 1990 فصاعدا.

د. من الذي سمح للقوات الأمريكية بإلإنطلاق من الأراضي السعودية لضرب كل من أفغانستان والعراق؟ هل الشعب السعودي موافق على ذلك !؟ هل صوت الشعب السعودي على ذلك؟ ليقل لنا المدعي العام

هـ . من الذي قدم التسهيلات؟ من الذي أوقف دخول المقاتلين للجهاد في أفغانستان والعراق؟ ومن الذي أوقف الأئمة وخطباء المساجد من الدعاء والقنوت على القوات الغازية؟ ليقل لنا المدعي العام؟ هل هو الشعب السعودي، أم الإنفراد بالسلطة واحتكارها.

 

أصحاب الفضيلة: لنأخذ الحالة التركية (تركيا) والقوات الأمريكية والغزو الأمريكي للعراق، ونقارن بين السياسات الحكومية والشعبية في تركيا لنعرف الفرق بين حالنا وحالهم. في مارس 2003، عندما قامت القوات الأمريكية بغزو العراق ولحاجة قواتها لضرب العراق من الشمال وحاجتها للأراضي التركية لعبورها، طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الحكومة التركية الموافقة على عبور قواتها الأراضي التركية، لم ترفض الحكومة التركية الطلب الأمريكي ولكن ربطت تنفيذها بموافقة الشعب التركي عن طريق مجلس النواب (البرلمان) ولكن مجلس النواب البرلمان ممثل الشعب رفض طلب أمريكا، وبهذا تخلصت الحكومة التركية من الحرج وأكدت على حق الشعب وكان رد الولايات المتحدة نفسها إنها لم تغضب، بل قالت الحكومة الأمريكية إنها تتفهم الديمقراطية التركية وتحترمها.

أصحاب الفضيلة: هذه حالة تركيا، فهل لو كان للشعب السعودي رأي في مثل هذه السياسات والقرارات المصيرية هل يقول لنا المدعى العام، إن الشعب السعودي سيوافق على إستخدام اراضيه من قبل القوات الأمريكية لغزو العراق وأفغانستان!؟ 

سادسا: العفو ومسالة الغموض وعدم الوضوح:

أصحاب الفضيلة: المدعى العام يسعى إلى التلفيق والتدليس لإلصاق التهم، وذلك ببتر نصوص من سياقاتها، لذلك فإن ملاحظاتنا على ذلك نضعها على النحو التالي:

1. إن المدعي العام أغفل الإشارة إلى قولنا إن العفو يمثل خطوة جيدة ، ولكن المدعى العام ترك هذا وذهب إلى جزء من  النص لحاجة في نفسه وذلك كمن يقرأ الاية "ويل للمصلين" ويترك بقية الآيات

2. وبعد أن قلنا إنه يمثل خطوة جيدة، فإنه يحتاج إلى إزالة الغموض وعدم الوضوح من خلال تحديد بعض الأمور ومنها:

أ‌.  يحتاج العفو إلى تحديد فترات محددة من الأعتقال (السجن) أو الأحكام التي قد تطمئن المنخرطين بالعنف لتسليم أنفسهم.

ب. تمكين الذين يستسلمون من المنخرطين في العنف من محامين ووكلاء طبقا لنظام الإجراءات الجزائية في فترات التحقيق والمحاكمة، وأن تكون المحكامات علنية.

ج. ربط ذلك بالخطوات الإصلاحية (الإصلاح)

أصحاب الفضيلة: هذه وجهة نظرنا في العفو ومن حقنا أن نقدم رأينا وملاحظتنا، والعفو الملكي ليس نصا مقدسا لايجوز إبداء الملاحظات عليه، وهذه الملاحظات في مجال إعطاء العفو أكثر فعالية وتأثير على أولئك المستهدفين به، حيث أن مزيد من التطمين يساعدهم على إتخاذ قراراتهم في تسليم أنفسهم.

 

أصحاب الفضيلة: ما ورد في نهاية الفقرة خامسا أعلاه يشير إلى غياب دور المشاركة الشعبية لإتخاذ القرارات وبالتالي فإن العامل الحاسم بين العوامل المفسرة للعنف والتي مررنا على بعض منها في دراسة العنف، هو احتكار السلطة والإنفراد بها وعدم مشاركة الشعب فيها وهو ما يعني تلاقي العوامل كلها في ذلك العامل الحاسم ألا وهو الإستبداد "إحتكار السلطة والإنفراد بالقرارات". ومن هنا، فإن عدم وجود دستور إسلامي (عقد إجتماعي) يتحدد بموجبه العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبما يحقق حقوق وكرامة الناس ويوفر آليات وهياكل للرقابة والمحاسبة الشعبية لتحقيق مقاصد الشريعة في العدالة والشورى، ويسمح للناس بحق التعبير وإبداء الرأي، وتكوين الجمعيات الأهلية المدنية ليمارس الناس حقهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام وفي حماية حقوقهم ومصالحهم تجاه الدولة وتجاه أنفسهم وينخرط الشباب فيها لتصريف أمورهم ومصالحهم وآرائهم وأقاتهم بما يبعدهم عن العنف، غياب ذلك كله كان إذاً مرتبط بالاستبداد، وبالتالي العلاقة بين العنف والاستبداد، وهذا ما قمنا بمناقشته وتحليله من خلال العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة به، والنظريات والمفاهيم السياسية في العلوم السياسية وفي علم الإجتماع السياسي.

 

أصحاب الفضيلة: هذا التحليل يلتقى وتوصيات المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب المنعقد في مدينة الرياض في السعودية في الفترة من 25 ذو الحجة إلى 28 ذو الحجة 1425 الموافق من 5 إلى 8 فبراير 2005 م والذي رعته الدولة (السلطة السعودية)، وساهمت في صياغة توصياته وقبلتها. من هذه التوصيات نورد، ما ورد في "إعلان الرياض": إن الدول المشاركة في المؤتمر وتدعو إلى تشجيع الجهود الذاتية بهدف توسيع المشاركة السياسية وتحقيق التنمية المستدامة، وتلبية متطلبات توازن إجتماعي وتفعيل دور ومؤسسات دور المجتمع المدني، للتصدي للظروف المساعدة على إنتشار العنف والفكر والتطرف. وفي مكان آخر يقول إعلان الرياض " نشيد بروح التفاهم... وظهور توافق في الرؤى والمواقف حول خطورة ظاهرة الإرهاب، وحتمية التصدي لها عبر جهد دولي موحد ومنظم ودائم، يحترم مبادىء الشرعية الدولية، خصوصا حقوق الإنسان واللاجئين والقانون الإنساني ويرسخ الدور المركزي والشامل للأمم الممتحدة ويتنبنى معالجة شمولية متعددة الجوانب "

(المصدر نفسه)

أصحاب الفضيلة: هذا ما يقول مؤتمر مكافحة الإرهاب في الرياض وهو ما يلتقى مع ما نحلله ونفسره عن ظاهرة العنف في السعودية من حيث تعدد عوامله والحاجة إلى معالجة شمولية متعددة الجوانب بما في ذلك المشاركة الشعبية وتحقيق التنمية المتوازنة وتفعيل دور مؤسسات المجتمع الأهلي المدني، وليست فقط المعالجة الأمنية.

من هنا نقول من خلال تلك الدراسة إن إستراتيجية السياسة الأمنية لوحدها لا تكفي لمعالجة الظاهرة، وإن الحل وهذا هو الجزء الهام مما هدفت إليه الدراسة، هو يكمن في إنه، إضافة إلى سياسات أمنية معقولة يحتاج البلد إلى إصلاح شامل دستوري ليضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم (الشعب) بما يوفر آليات للرقابة والمحاسبة الشعبية للسياسات الحكومة الداخلية والخارجية ويصون الحقوق والكرامة الإنسانية، ويسمح للناس والفئات الإجتماعية بتشكيل وتكوين الجمعيات الأهلية المدنية للحفاظ على المصالح والتعبير والإفصاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام تجاه السلطة وتجاه بعضهم البعض.

 

أصحاب الفضيلة: من هنا كان الربط بين العنف من حيث تفسيره وعوامله الداخلية والخارجية، وبين الحل وهو كما نقترح "الإصلاح الدستوري" باعتبار إن الإصلاح الدستوري هو الحل والمخرج من دائرة العنف وتداعياته لذلك قمنا نحن الثلاثة الموقوفين منذ 25/1/1425هـ بصياغة مسودة نحو دستور إسلامي مقترحة في صياغة إسلامية تؤكد على أولية الشريعة الإسلامية وإلا يصدر أي تنظيم أو نظام أو قرار يخالف الشريعة الإسلامية لذلك فإننا نرفق نسخة من هذه المسودة المقترحة نحو دستوري إسلامي كنموذج للدولة السعودية، باعتبارها أفكارا أولية تعبر عن عناصر الإصلاح الدستوري المرغوب فيه، وتساعد على فهم حسن القصد وسلامة النية، وإن الدعوة للدستور "والملكية الدستورية" ليست دعوة ضد الإسلام ولا دعوة لإقصاء الأسرة "آل سعود" عن الحكم كما يزعم المدعى العام، بل هي دعوة لتقوية الدولة والمجتمع والأسرة (آل سعود) ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية وذلك في سياق المشاركة الشعبية والإصلاح وما ورد في سياق دعوتنا للإصلاح الدستوري. وايضا يرد على مزاعم المدعى العام، بمحاولة تلفيق التهم لنا والتدليس على أصحاب الفضيلة القضاة.

أصحاب الفضيلة: هل ما نقوم به وندعو إليه "فعل محرم" كما يزعم المدعى العام أم أن ما نقوم به هو واجب شرعي وسلمي وعلني ويقع في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام ؟

أصحاب الفضيلة: نتوجه لكم ونضع الأمر بين يديكم ولضمائركم، والله مطلع على ما نبديه ونخفيه، وسوف نلاقي ربنا يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا جاه ولا سلطان "إلا من أتي الله بقلب سليم" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ردود ودفوع الأستاذ الدكتور/ متروك الفالح

 

الجـزء الرابـع

 

ب. خلاصة الردود والدفوع الموضوعية العامه

 

 

 

أولاً: انتفاء الأساس الشرعي والنظامى للاتهام.

 

ثانياً: انتفاء القصد (الركن المعنوي في الجريمة).

 

ثالثاً: فساد الاستدلال في محضر التحقيق والتناقض فيه مع لائحة الادعاء.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاةو السلام على رسوله وآله وأصحابه أجمعين ، أمابعد

أصحاب الفضيله/ رئيس وأعضاء الهيئه القضائبه..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

نقدم خلاصة ردودي ودفوعي الموضوعيه على النحو التالي :

أولاً :انتفاء الأساس الشرعي والنظامي للاتهام :

 

إن أول ما يلفت النظر في لائحة الدعوى العامة التي بنيت عليها هذه القضية أنها قد احتشدت بكم هائل من التهم التي ألقيت جزافاً عليّ (المتهم) بغير أساس شرعي أو نظامي.

 

1 -  انتفاء الأساس الشرعي:

 

مما لا شك فيه أن ما نسب إلي (المتهم) في هذه الدعوى لا يدخل في إطار الحدود وإنما هو من قبيل الجرائم التعزيرية، والأصل الشرعي الثابت من الكتاب الكريم والسنة المطهرة وإجماع أهل العلم في الأمة، أن الأصل في الأفعال الإباحة وأن التجريم والتأثيم هو الاستثناء، وهذا الاستثناء ضيق للغاية يحده من كل جانب، مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي قطعي الدلالة. وأن الشريعة الإسلامية وإن طبقت هذا المبدأ بشئ من السعة في مجال التعزير، إلا أن هذا التوسع قد جاء في إطار العقوبة وليس في إطار الجريمة.

2/ انتفاء الأساس النظامي:

إذا كان الأساس الشرعي للاتهام في هذه الدعوى منهاراً كما رأينا فليس أقل منه إنهياراً الأساس النظامي.. ذلك أن أنظمة المملكة العربية السعودية مستقاة من الشريعة الإسلامية الغراء. ولذلك إذا كان الأصل الشرعي ألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فإن هذا الأصل قد تردد في كل جنبات النصوص النظامية ذات الصلة بهذه الدعوى. ولعل أولها نص المادة (38) من النظام الأساسي للحكم والذي جاء فيه (( لا جريمة ولا عقوبة إلى بناء على نص شرعي أو نظامي)) كما جاء ذلك في المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية (( لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً ونظاماً وبعد ثبوت إدانته بناء على حكم نهائي بعد محاكمة تجري وفقاً للوجه الشرعي)).

وهكذا نجد الاقتضاء الوارد في هاتين المادتين شديداً في وجوب وجود نص شرعي أو نظامي يسند التهمة المنسوبة إلى المتهمين، والواقع أنه ليس في نصوص الكتاب أو السنة أو حتى في اجتهاد أهل العلم في الأمة، وبالتالي ليس في نصوص الأنظمة السعودية نصاً واحداً يديننا فيما قمنا به، مما يفقد الاتهام أساسه فينهار تماماً..مما كان معه حرياً بالمحقق أن يحفظ الأوراق، حفظاً للمصلحة العامة، وصيانة للعدالة.خاصة أن ما أتيته أونحن (المتهمون) ينسجم تماماً مع نص المادة التاسعة والثلاثين من النظام الأساسي للحكم والتي جاء فيها (( تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة أو يسئ إلى كرامة الإنسان وحقوقه)).

وكل ما فعلته أنا أو بالاشتراك مع الزملاء(المتهمون) هو محاولة تثقيف الأمة بالكلمة الطيبة التي لا تستهدف إلا الإصلاح والتطوير ومناشدة القيادة أن تأخذ في حسبانها وهي في سبيل ما تقوم به من جهود مشكورة في هذا السبيل آراءنا فإن وجدتها خيراً أعملتها وإن وجدتها دون ذلك أهملتها ولنا في الحالتين أجر المجتهدين من أمة خير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم.

ثانياً-

       انتفاء قصد العصيان(انتفاء الركن المعنوي في العمل الاجرامي).

من الثابت شرعاً ونظاماً أن لكل جريمة، سواءً كانت من جرائم الحدود أو القصاص أو التعزيز – ركنان – ركن مادي يتمثل في الفعل المؤثم، وركن معنوي يتمثل في القصد أو الخطأ.

فإذا كنا قد انتهينا في عدم انطباق وصف الجريمة على ما أتيته أوأتيناه (المتهمون)، وبالتالي انعدام الركن المادي فيها، فإن انعدام الركن المعنوي المتمثل في القصد ليس أقل بياناً بل أكثر إنعداماً، إن جاز لنا أن نتصور أن للعدم درجات.

فالمتفق عليه شرعاً أن الجرائم أما أن تكون مقصودة أو غير مقصودة. والأخيرة تقوم على فكرة الخطأ. والخطأ كما جاء في المغني لابن قدامة (ج 9 ص 320) على نوعين:-

الأول: هو ما يقصد فيه الإنسان الفعل ولا يقصد الجريمة ومع ذلك هو مخطئ إن كان الفعل في ذاته مؤثماً.

الثاني: هو ما لا يقصد فيه المرء الفعل ولا يقصد فيه الجريمة. والثابت أن يمتنع العقاب كلية على النوع الثاني والأخير..كما جاء في نهاية المحتاج (ج 7 ص 235).

وهذا ما ينطبق تماماً على ما قمت به أوقمنا به (المتهمون) في هذه القضية، فما قامنا به من إصدار وثيقتين وتقديمهما وعقد اجتماع علني وجمع توقيعات ليس فيه من الجريمة شئ؛ ذلك أن النية التي هي مناط القصد لم تكن سوى نية حسنة الهدف منها خير البلاد والعباد من التطوير والإصلاح إيماناً منا بأن ذلك قد يحقق مصلحة الدين والوطن قيادة وشعباً فكنا ندعوا إلى الخير ونأمر بالمعروف مصداقاً لقوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران 104).

فإذا كان الثابت شرعاً أن ثمة فارقاً هائلاً بين العصيان، وهو ارتكاب فعل محرم بغير قصد وبين قصد العصيان وهو ارتكاب فعل محرم بقصد، فإن هذا الفارق وهو نفسه بين البراءة والإدانة، ينطبق في الدعوى الماثلة تماماً.. فلم يكن ثمة عصياناً بالمعنى المادي وليس ثمة قصد عصيان بالمعنى المعنوي، فأين الجريمة إذن في هذه الدعوى؟!!، إلا أن تكون تصوراً خاطئاً في ذهن من حرر لائحتها.

فالله تعالى نسأل أين الجريمة ؟؟، في حق أناس هُم من أهل الرأي والثقافه والفكر والخبره و العلم مارسوا حقاً وواجباً في آن معاً..يسمى شرعاً بالدفاع الشرعي العام أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام وردت في وثيقتين تتضمن الدعوة الى الخير والإصلاح،ونحن لسنا كغيرنا ممن يحاولون الصيد في الماء العكر، إيماناً منا بقوله تعالى (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً        ( النساء 114).

فلم يكن هدفنا سوى ابتغاء مرضاة الله، وليس بغياً ضد الحاكم كما تصور المحقق، أوالمدعي العام وليس شقاً للصف أو نزعاً ليد الطاعة. فلسنا من ذوي الشوكة ولم نأخذ ما أرادنا غلاباً مما يحقق جريمة البغي ونحن وإن استعنا بغيرنا عندما وقعنا الوثيقتين فليس في ذلك ما يحقق بغياً ضد الحاكم. فالثابت شرعاً أنه يجوز لمن يمارس الدفاع الشرعي العام المتمثل في الأمر بالمعروف والاحتساب علىالسلطه أن يستعين بغيره دون حاجة إلى إذن الأمام لأنه ما من وسيلة غيرها، إلا وقد يؤدي استعمالها إلى التضارب والتضارب يدعو بالطبيعة إلى التعاون، وهذا ما يدخل في باب التعاون على البر وليس تعاوناً على الإثم والعدوان عملاً بقوله تعالى (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ))...الآية.أضف إلى ذلك أنه ليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من القول بأن كل من قدر على أمر بمعروف أو نهي عن منكر أن يدفعه فليدفعه بنفسه أو بغيره.

لذلك ينتفي قصد الفتنة الذي تصوره المدعي العام وكذلك قصد تهميش دور ولي الأمر وتجاهله كما زعم في دعواه. بل هو تعاون بين الشعب والقيادة من أجل الدين والوطن.

والقول بغير ذلك يعني أن كل من مد يد العون بالرأي والمشورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده قد تجاهل دور الحاكم أو الخليفة أو نزع يد الطاعة أو شق صف الأمة.. ولسنا هنا في معرض التباهي بما زخرت به كتب السيرة والفقه من أمثلة رائعة ونماذج مشرقة لإسداء النصح والمشورة للحاكم في الدولة الإسلامية منذ فجرها الأول، في عهد سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم،ثم في عهد الخلافة الرشيدة و الأموية والعباسية حتى في أشد الظروف التي مرت بها هذه الدولة العظيمة، فهل كان ثمة أقسى من ظرف غزوة بدر الكبرى حيث سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسـلم (( أهذا منزل أنزلكه الله يا رسول الله أم هي الحرب والرأي والمشورة، فقال صلى الله عليه وسلم بل هي الحرب والرأي والمشورة ؟، فقال الصحابي الجليل، إذن فليس هذا بمنزل وأشار على رسول الله المعصوم بمنزل آخر، فنزل سيد الخلق على رأي الصحابي ولم يكن ذلك فتنة أو اضطرابا أو نزعاً ليد الطاعة أو إساءة لسمعة الدولة الإسلامية أو غير ذلك من الأوصاف الجسيمة التي ألقاها محرر لائحة الدعوى هذه، بهذه السهولة العجيبة في وجهي وزملائي (المتهمين) بغير دليل أو بيان، إلا أن يكون ذلك بهتاناً مبيناً.

ثالثاً:الفساد والتناقض في الاستدلال:

إن لائحة الدعوى الماثلة قد احتشدت بما لا يمكن تصوره من التهم مما يعجز فرد أو نفر قليل كنحن (المتهم)  وزملائي أن نرتكبه ولو أطال الله بقاءنا سنين عديدة.

 ورغم كثرة هذه التهم الجزافية..فلم يكن عليها دليل واحدا مؤد إليها..أخذ فيه المحقق بصحيح الرؤية والروية. بل جاءت الأدلة مهترئة واستنتاجاته واهية متناقضة يشوبها الخطأ ويعتريها العوار من كل جانب. وسوف نكتفي هنا ببعضها للدلالة على صحة قولنا:-

جاء في لائحة الدعوى أن ما قامنا به (المتهم) ((يدل على تهميش دور ولي أمر هذه البلاد والاعتراض على ما نص عليه النظام الأساسي للحكم في المادة (44) منه من أن الملك هو مرجع سلطات الدولة الثلاثة التنفيذية والتنظيمية والقضائية وأن ذلك من شأنه إثارة الفتنة وتجاهل ولي الأمر)) أنتهي كلام المحقق.

والحقيقة التي كان ينبغي إبرازها وهي غايته ومناط وظيفته..أنه ليس فيما صدر من بيانات ما يدل على ذلك البتة. بل أن لائحة الادعاء قد تجاهلت تماماً ما أدليت به أو أدلى به الزملاء (المتهمون) في محاضر التحقيق من أن أساس الخطاب إلى القيادة هوالانطلاق من ثلاث ثوابت ومنها (( الالتفاف حول القيادة السعودية باعتبارها صمام الأمان لوحدة البلاد في إطار مشروع إصلاحي مؤسس يعزز قيم العدالة والشورى))..فكيف – بالله العظيم – أن يكون الالتفاف حول القيادة تهميشاً لدورها وتجاهلاً لها ؟!!!.

إن أخطر ما جاء في هذه اللائحة المشينة ما نسب إلي (المتهم) من تشجيعه الإرهاب والعنف وقد أستدل المدعي العام على ذلك بعبارة وردت بالاشتراك مع زميلي الدكتور/عبدالله الحامد بأن (( الثقافة في السعودية على حالين إما الصمت المطبق أو العنف المنفلت)) أوماورد في ورقة عن العنف فكيف يشجع على الإرهاب والعنف من يصفه بأنه منفلت ؟ وكيف يعتبر ذلك – كما تصور المحقق – تبريراً للإرهاب. وقد غفل المحقق عن حقيقة أن ثمة فارقاً هائلاً بين تفسير الظاهرة وتداعياتها وكيفية مواجهتها وبين تبريرها و إلا كان باب التعليل في الفقه الإسلامي هو تبرير لارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن !!! لذلك هناك ورقة (مسودة تحت التطوير والمراجعة) عن "العنف في السعودية: التفسير والإحاطة (الإصلاح الدستوري هو الحل) " وهي دراسة لتفسير العنف ومن خلال تحديد العوامل الداخليه والخارجيه ، وليس فيها أية تبريرات للعنف أوالارهاب " أنظر المرفقات"

جاء في لائحة الدعوى أنني (المتهم) قد أساء إلى القضاء وشكك في نزاهته واستقلاله، وهذه تهمة أخرى جزافية ثقيلة لم يقم دليل واحد على حملها جاءت متناقضة مع ما أدلى به المتهم على صفحات محضر التحقيق من إجلاله وتقديره للقضاة كأشخاص لا غبار عليهم وأن المطالبة بمبدأ أو التنادي به وهو مبدأ استقلال القضاء كمؤسسه في سياق توفير معايير واجراءات لضمان اجراءات العداله والمحاكمه ومنع تدخل السلطه التنفيذيه،  هو شأن كل الإصلاحيين من أهل العدل والعلم من لدن سيد الخلق أجمعين وحتى تقوم الساعة. ولم يكن سيد الخلق يشكك في نزاهة واستقلالية علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال (( لا تقضي بين الخصمين إلا إذا سمعت من الآخر كما سمعت من الأول)) ولم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكك في نزاهة واستقلالية أبي موسى الأشعري عندما وجه له الخطاب الذي يعد ميثاقاً لقضاة الأمة.

كما جاء في لائحة الادعاء أن مناداتنا (المتهم) بإيجاد ما يعرف "بالدستور" هو محاولة منه لتغيير مرجعية المملكة العربية السعودية التي هي القرآن الكريم على اعتبار استخدام كلمة دستور للدلالة على القرآن الكريم مع أن الثابت أن الله تعالى منزل القرآن، وكذلك من نزل على قلبه صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيراً وبشيراً لم يسمه دستوراً، فأعجب العجب أن يظل المحقق مصراً على هذه التسمية المجازية للقرآن الكريم التي لم ينزل الله بها من سلطان وقد استخدمت حديثاً استخداما مجازياً غير دقيق، فالقرآن الكريم أعظم من أن يسمى دستوراً. فالدستور في علم السياسة والقانون هو وثيقة مكتوبة يضعها رئيس الدولة أو جماعة تسمى بالجمعية التأسيسية تبين العلاقة بين السلطات الثلاث والحقوق الأساسية للمواطنين وتدرس في كليات القانون والحقوق كمادة تدريسية، نهيب بألا تستخدم للدلالة على القرآن العظيم.. فكل الدول الحديثة لديها دساتير بغض النظر عن مرجعيتها الدينية، وينبغي أن ننزه القرآن المجيد عن هذه التسمية الوضعية المغلوطة التي لو كان أول من استخدمها قد علم بما سوف تحدثه لأستغفر الله تعالى عسى أن يغفر له.ولتوضيح فكرة أن الدستور الذي نطالب (المتهم) به هو دستور أسلامي ، (مؤسس على الشريعه الاسلاميه) ، وهو اجراءات وآليات وهياكل وعناصر ، يتحقق بموجبها مقاصد الشريعه في العدل والشورى والكرامه الانسانيه فقد تم صياغه مسوده دستور أسلامي بالاشتراك مع زميلي المتهمين الاخرين (انظر : المرفقات :مسودة مقترحه نحو دستور أسلامي....الخ ،وانظر كذلك المرفقات:الدستور والملكيه الدستوريه والاسلام)

أن المناداة بالملكية الدستورية (أنظر المرفقات : الملكيه الدستوريه : إقصاء أم إعادة تأسيس) لا تعني بحال من الأحوال مناوأة الحكومة أو محاولة تغيير نظامها السياسي، وإنما الهدف هو تطوير وإصلاح النظام الأساسي للحكم الذي هو من وضع بشر يقبل التغيير والتعديل في كل وقت مثلما يحدث في كل دول العالم، وخاصة دول الجوار مثل قطر والبحرين والكويت ذلك أن المملكة العربية السعودية وهي من الدول الرائدة في الوطن العربي، بل وأكبر وأهم الدول الخليجية، ولها البعد الإستراتيجي في العالم أجمع بما لا يخفى على أحد لا ينبغي أن تكون أقل تطوراً في هذا المضمار.

فمن المعروف في علم القانون والسياسة أن الدستور الذي يسمى عندنا بالنظام الأساسي للحكم على نوعين: من حيث قابليته للتغيير والتطوير. أما أن يكون الدستور جامداً وأما أن يكون مرناً. وفي الحالتين هو قابل للتغيير غاية ما هنالك أن وسيلة هذا التغيير تختلف بحسب ما إذا كان جامداً أم مرناً ولما كان نظامنا الأساسي ( الدستور السعودي) من الدساتير الجامدة التي لا تتغير إلا بتدخل القيادة السياسيه ( رئيس الدولة ) كان خطاب المناداة بالتطوير موجهاً إليها باعتباره أن القياده المعنيه بالأمر في المقام الأول. مع التأكيد على ثوابت النظام الأساسي السعودي الذي يعتمد الشريعة الإسلامية كمرجعية أساسية في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية واعتبار (( الملكية الدستورية )) هي محور النظام السياسي، وبما لا يحول دون الأخذ بالأفكار الشرعية والنظامية المعاصرة المواكبة لسنة التطور في هذا الشأن وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وفق ما دل عليه الكتاب الكريم والسنة الشريفة.

جاء في لائحة الدعوى تهمة لا معنى لها، التوى فيها عنق حقيقة قصدنا (المتهمين) بغير دليل مؤد إلى ما انتهت إليه ومفاد هذه التهمة، أن عقد (المتهم) اجتماعات منها الاجتماع الذي عقد في فندق الفهد كراون بمدينة الرياض في 5/1/1425هـ وذلك كما جاء في اللائحة (( بقصد تهيئة الحلول لأنفسهم في التأثير على حكومة هذه البلاد وحملها على تحقيق مطالب وأهداف ومصالح قاموا بتحديدها مسبقاً تتضمن في مجملها تهميش دور ولي أمر هذه البلاد)).

و الواقع أنه ليس في نصوص الشرع أو النظام ما يحرِّم أو يجرم عقد اجتماع عام في مكان عام يرتاده العامة. فهو من ناحية لم يكن اجتماعا سرياً بل علينا كان الهدف منه – من ناحية أخرى ـ أتاحة الفرصه للعناصر المؤمنه بالاصلاح في المناطق الثلاث الوسطى والغربية والشرقية، بقصد الالتقاء والتشاور في سبيل دعم الاصلاح ومؤازرة القيادة في هذا الاتجاة في سياق وأخلاقيات التعامل السلمي المكشوف العلني وبما لا يضر بالمجتمع أو يهز الثقة في نظام الحكم القائم، وخاصة في المرحلة الحرجة الحالية التي تمر بها البلاد، ذلك أن عمل المنادين بالإصلاح كان في المرحلة السابقة فضفاضاً انبثق عنه عدة اتجاهات كل اتجاه يحدوه هدف فرعي قد يتعارض مع الهدف العام، الأمر الذي دعا إلى ضرورة الالتقاء والتشاور لدعم مسيرة الاصلاح ودعم القيادة في ذلك وفي سياق تلك الغايات والوسائل التي هي في ذاتها مشروعة ـ غايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشأن العام والوسائل السلمية والشرعية والثقافية والعقلانية ـ بعيداً عن كل تطرف أو عنف أو تهميش لدور حكومة هذه البلاد بل على العكس الالتفاف حول القيادة السعودية بالمؤازرة والمعاونة إيماناً منهم بأهمية دور المواطن في الحياة السياسية المعاصر، الأمر الذي يحول دون اعتبار أي من هذه العناصر الاصلاحيه جهة معارضة للحكومة، بل اعتبارها جميعاً عناصر إصلاحية لخدمة الدولة و المجتمع..ولضمان ذلك، و ضمان عدم خروج أي عنصر أصلاحي من المناطق الثلاثة آنفة الذكر عن أخلاقيات وأسس النهج الإصلاحي العلني السلمي كان اجتماع فندق الفهد كراون. للتأكيد على اعتبار الشريعة الإسلامية المرجعية الأساسية..وعلى وجوب التعامل بأسلوب سلمي وعلني وثقافي و حضاري، بعيد عن كل أشكال العنف.

وهكذا يبدو لنا من خلال هذه الدفوع انهيار الأساس الشرعي والنظامي للاتهام، الذي ورد في لائحة الدعوى، فضلاً عن انتفاء قصد( المتهم)، بما يعني انتفاء الجريمة أصلاً في كل ما صدر عنا، مما أدى إلى تحرير لائحة دعوى بنيت على أدلة خاطئـة غير مؤدية، وتناقض جلي مما يؤكد ضرورة صرف النظر عن هذه الدعوى.

المرفقات

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المستقبل السياسي للسعودية

( في ضوء أحداث 11 سبتمبر 2001م)

الإصلاح في وجه الانهيار  و/ أو التقسيم***

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

** أ. د . متروك الفالح

أستاذ السياسة المقارنة و العلاقات الدولية

قسم العلوم السياسية- كلية العلوم الإدارية

جامعة الملك سعود – الرياض-السعودية

 31  -  مارس  – 2002م

 

 

 

 

...................................................................................................................................................................

 

*** إن هذه الورقة و بما ورد فيها من أفكار و مشاهد مستقبلية تفتح المشروع والأسئلة ذات الصلة بالدولة والمجتمع في السعودية تحديداً ولربما في البلاد العربية الأخرى قياساً - (  بالقدر الذي  يمس  و يفسر الحالة  السعودية و مستقبلها   فأنة  لربما يقترب زيادة أو نقصا من  ذلك القدر الذي يمس و يفسر الحالة العربية  لمعظم الدول العربية أن لم يكن كلها  و خاصة تلك الدول التي  تتعرض لتحديات داخلية مترافقة مع ضغوطا خارجية )-  على الآخرين المناصرين والمناهضين وسواء من أهل الثقافة أو الفكر أو أهل القرار وقواه  وذلك للتعامل معها وبالطريقة التي قد تصل بهم إلى  الأجوبة  و أبوابها  و أدواتها  التطبيقية  أو لربما لفتح مزيد من الأسئلة و  البحث في النماذج الإصلاحية .                                          

 

بسم لله الحمن الرحيم

 

المستقبل السياسي للسعودية

( في ضوء أحداث 11 سبتمبر 2001م)

الإصلاح في وجه الانهيار و / أو التقسيم**

                                                **أ. د. / متروك الفالح

أستاذ السياسة المقارنة و العلاقات الدولية

قسم العلوم السياسية- كلية العلوم الإدارية

جامعة الملك سعود – الرياض-السعودية

 31 - مارس – 2002م

 

العلاقات السعودية الغربية وبالذات  بطرفها الأمريكي كانت تتسم بشكل عام بالتميّز طوال العقود الخمسة الماضية وحتى بداية الألفية الثالثة الميلادية . غير ان ذلك التميّزلم يكن ،بالضرورة على وتيرة واحدة إذ شهدت العلاقات الغربية _السعودية، ومنها الأمريكية تحديدا، حالة من التوتر وعدم الاتساق وخاصة في الفترة لما بعد 1995/1996 حيث تفجيرات الرياض والخبر ضد القوات الأمريكية والتي أسست و أرخأت لبداية تقلق شعبي من الوجود الأمريكي وكذلك عدم ارتياح رسمي من التدخل في الشؤون الداخلية و خاصة في إطار التحقيقات في تلك الأحداث (1). تلك الحالة العامة من العلاقات السعودية _ الأمريكية والتي كانت على ما يبدو متميّزة، وان لم تخلو من توتر كما أسلفنا،  بدأت تتبدد على نحو لم يكن مسبوقا من قبل و ذلك بعد الهجمات المميتة في واشنطن ونيويورك وبنسلفاينا في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م.

 

ذلك الحدث وتوابعه في سياق ما سمي "الحملة ضد الإرهاب "بما في ذلك الحرب ضد أفغانستان -  ولربما مستقبلا، ضد دول عربية أو إسلامية وكل ذلك يشير إلى ان المسلمين ومنهم العرب تحديدا هم  المستهدفون بدرجة واضحة من كل تلك الحملة واتجاهاتها- فتح ملف العلاقات الغربية العربية ومنها السعودية- الأمريكية تحديدا على مصراعيه باتجاه إعادة صياغتها أو تغييرها وعلى نحو بدا أنة يؤسس لأزمة ذات مخاطر على البلاد العربية عموما ومنها الدولة والمجتمع في السعودية تحديدا. تلك المخاطر تبدو هذه المرة مخاطر حقيقية وجدية وبالتالي تتطلب في المقابل معالجة حقيقية وجدية ولكن على أسس وصيغ جديدة لتتواكب وتتعامل مع مرحلة جديدة ومختلفة تماما عن سابقتها .

 

إن ما يهمنا في هذه الورقة ليس معالجة العلاقات ، الأمريكية السعودية بذاتها وإنما ملاحظتها في سياق ارتباطها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001م والحملة الأمريكية على ما سمي "الإرهاب " وانعكاس ذلك على أو ارتباطه في المسألة الداخلية في السعودية ألا وهي علاقة الدولة  بالمجتمع  وما يرتبط بذلك بما يمكن تسميته بالمستقبل السياسي للسعودية. ولكي نصل إلى هذه  وتلك الغاية لابد من ملاحظة ما يمكن تسميته بالأزمة في العلاقات الأمريكية السعودية وعناصرها ومدى صلة ذلك كله بمعادلة الدولة والمجتمع في السعودية وما هي المعالجات لها إن وجدت؟ وهل تلك المعالجة تمثل معالجة سليمة وشافية؟ أم أنها تحتاج إلى معالجات بديلة اكثر ملائمة مع تلك التحديات والتطورات وذلك من اجل الإمكانية والاستمرارية والبقاء  للدولة والمجتمع على حد سواء. من هنا فأن المشاهد للازمة الداخلية وفي سباق الأزمة الخارجية واحتمالاتها المفتوحة تحتاج الى  تحديد بما في ذلك المشاهد التي تمثل مخاطر حقيقية  وكذلك المشاهد البديلة للخروج من الأزمة على الصعيد الداخلي.

 

أولا: في الحملة الأمريكية على السعودية

وأحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م .

 

هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م والتي أسست لأولى حروب القرن الواحد والعشرين، - وما انطوت علية من مزاعم أمريكية بأن منفذيها هم في اغلبهم من السعودية حيث أشير آلي خمسة عشر شخصا سعوديا من بين تسعة عشر متهما بتلك العمليات الهجومية – ولدت توجهات وانتقادات حادة من قوى ونخب إعلامية وفكرية وسياسية ذات صلة قوية بمراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الدولة السعودية إلي  درجة التعريض بشخصيات سعودية رسمية كانت خلال العقد المنصرم وحتى تلك الهجمات تحظى بقبول واحترام كبيرين داخل الإدارة الأمريكية وقواها السياسية(2). تلك الحملة الأمريكية وبصلة بعناصر قيادية رسمية وخاصة في السلطة التشريعية ،بدأت متواضعة في البداية ولكنها أخذت تكسب زخما وقوة مع مرور الوقت وخاصة قبيل الحرب الأمريكية على أفغانستان وما بعدها (3). ان تلك الحملة المناهضة للسعودية والتي أسست لأزمة في العلاقة مع السعودية دولة ومجتمعا وكذلك كشفت عن تراكم أزمة بين الدولة والمجتمع في السعودية – وتلك الأخيرة حرصت القيادة السعودية وخاصة بقيادة الأمير عبداللة على محاولة احتوائها –تمحورت حول عدة عناصر ومنها:

(أ) الزعم الأمريكي بتورط سعوديين في الهجمات آنفة الذكر مما فتح باب أسئلة أمريكية جديدة حول التفريخ السعودي للتطرف و "الإرهاب" لعناصر مجتمعية ذات توجهات إسلامية تحديدا ولكن بالإشارة آلي كونها محفوفة بسياسات حكومية رسمية.

(ب) ثم لاحقا المطالبة الأمريكية بالمراقبة المالية وتجميد بعض الحسابات والأرصدة التابعة لمجموعات إسلامية بما فيها بعض الجمعيات الخيرية والمطالبة بتعديل مناهج التعليم في سياقها الإسلامي والتي تزعم أطراف أمريكية بأنها تحض وتحرض على التطرف والكراهية والعداء للآخر وخاصة للغرب .

(ج) ومع اقتراب الحرب الأمريكية وعدوانها على أفغانستان بحجة مكافحة "الإرهاب الإسلامي"كانت الإدارة تطالب بمزيد من التعاون السعودي الرسمي في السياق العسكري وخاصة استخدام قاعدة الخرج كمركز للتحكم والسيطرة والقيادة للعمليات الحربية ضد أفغانستان.

(د) ترافق ذلك كله وتردد  سعودي رسمي تجاه مسألة الرقابة المالية ومسالة الزج بأسماء السعوديين في الهجمات دونما تقديم  دليل وكذلك الحرج من مسألة التعاون العسكري العلني وخاصة السماح باستخدام قاعدة الخرج مما ولد ردود فعل عنيفة من قبل القوى الإعلامية والسياسة الأمريكية تجاه الدولة السعودية وكذلك المصرية واتهامهما بأنهما تلعبان أدوارا مزدوجة في التعامل مع حرب أمريكا على "الإرهاب"(4).

(ه) ترافق ذلك كله مع حالة شعبية في السعودية غير مسبوقة من المناهضة للسياسات الأمريكية تجاه مزاعمها وكذلك مطالبها الرقابية المالية وتعديل المناهج وكذلك السخط الشعبي من الحرب الأمريكية على أفغانستان باعتبار تلك الحرب كما نظر لها شعبيا ودعمت من علماء إسلاميين محليين ومن البلاد العربية الإسلامية(5) على أنها حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين وفي  القلب منهم العرب  .

(و) ومما زاد من السخط الشعبي أن معظم المعتقلين والمحتجزين داخل أمريكا من باب الشبهة وتحت ما سمي باستراتيجية البعثرة Disruptive Strategy  (6) داخل الولايات المتحدة هم من العرب بما فيهم السعوديين وكذلك ما لحق  "بالعرب الأفغان"  والمجازر التي ارتكبت ضدهم من قبل القوات الأمريكية وقوى التحالف الشمالي الأفغاني وتوابعها لاحقا بما في ذلك مسألة الأسرى العرب والمعاملة المشينة وغير الإنسانية التي تلقوها على أيدي الأمريكيين سواء  في أفغانستان  أو في معتقل "جوانتنامو" في كوبا لاحقا.

(ز) ووصل الأمر بالحملة الأمريكية على السعودية في منتصف يناير عام2002م بقيام  عناصر من الإدارة الأمريكية (كارل ليفن مثلا ) بالتلويح تهديدا بإعادة النظر بالتواجد العسكري الأمريكي في السعودية أو بسحب قواتها استنادا إلى تلميحات بأن تلك الخطوة  مرتبطة بوجود رغبة سعودية غير محددة المصدر والتي لم تدم أو تصمد طويلا أمام تصريحات سعودية رسمية أو أمريكية علنية  بعكس  ذلك (7). إضافة إلى ذلك كله وفي سياقه ومنذ البداية وحتى ألان كانت هناك تصريحات عن وتلميحات الى وتهديدات بمسألة الاستبداد والفساد  السياسي للنظام في السعودية والدعوات الى الحاجة إلى إيجاد صيغ اكثر ملائمة تأخذ بحسبانها حقوق الإنسان والمشاركة والحريات وان بشكل تدريجي وتلك الإشارات بدأت منذ خطاب بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17/11/2001م وفي كتابات وتعليقات وانتقادات إعلاميين ومفكرين ودبلوماسيين (8).

 

ثانيا: الحملة الأمريكية على " الإرهاب "

و السعودية  : جذور الأزمة الداخلية

 

الموقف الرسمي السعودي من أحداث 11-9-2001م وما بعدها، بدا أنه -  ورغم ادانتة تلك العمليات وتوظيف بعض التخريجات الدينية من بعض علماء الدولة(9) يميل إلى التردد وخاصة في مسألة قبول الزج بأسماء سعوديين وكذلك تجاه التعاون الأمني والعسكري وكذلك المالي الرقابي(10).  ورغم ان السعودية من الناحية الرسمية كانت تعلن تعاونها وموقفها ضد الإرهاب(11)، إلا أنها كانت تشعر بالحرج من مسألة الموافقة علنا على استخدام قاعدة الخرج وكذلك من التوجهات الشعبية الداخلية المعادية للولايات المتحدة وخاصة بعد بداية العمليات الحربية ضد أفغانستان وحكومة طالبان مما جعلها، وتحت ضغط إعلامي أمريكي متزايد، إلى ان تقوم بالطلب من أئمة المساجد بوقف دعاء القنوت فجرا ومغربا ضد الولايات المتحدة والمساند  لحركة طالبان بالنصر (12).

 

في المقابل كانت التوجهات الشعبية تزداد حدة وعداء للولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الأحداث (11سبتمبر2001) حيث كان الملاحظ ان هناك نوع من الابتهاج(13) بما حدث في أمريكا وضدها وذلك تشفيا بما يرى للعناصر و الفئات الشعبية وشرائحها المتنوعة في السعودية بأن ذلك يشكل ردا على أمريكا وسياساتها المناهضة للعرب والمسلمين وخاصة في فلسطين والعراق وأماكن أخرى. تلك المواقف الشعبية أخذت بالزيادة المطردة ضد الولايات المتحدة من اغلب الفئات الشعبية بما في ذلك الشرائح اللبرالية وخاصة مع بداية العمليات الحربية ضد أفغانستان وأحداثها المتعاقبة وكذلك في سياق الحملة الأمريكية على السعودية وأيضا في سياق التوجهات الأمريكية – الداعمة لحكومة وسياسات الكيان الصهيوني في عملياتها التدميرية ضد الشعب الفلسطيني ومقدرا ته وممتلكاته ومقدسا ته –والتي أخذت بالتزايد إلى درجة إدراج حركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس والجهاد ضمن قائمة الإرهاب الأمريكي  عندما بدا لها(أمريكا) أنها تتجه آلي حسم الأمور في أفغانستان مكافأة للعدو و إذلالا  للعرب  على وجه الخصوص. الموقف الرسمي السعودي بدأ يستفيد من الحملة الأمريكية المتزايدة على السعودية و ذلك بتوظيفها و ذلك للإحاطة بالمسألة الداخلية وفي محاولة لردم الفجوة بينها وبين التوجه الشعبي والذي بدأ   ولأول مرة بأنة بالفعل  يتخذ مواقف متعارضة مع التوجهات الرسمية وخاصة فيما يتعلق بالموقف من أحداث سبتمبر والتعاون مع أمريكا في مسالة مكافحة ما سمي "بالحملة على الإرهاب" وكذلك في سياقها "المسألة الأفغانية" بما هي حرب على بلد مسلم خاصة في سياق التوجه الإسلامي المدعوم من بعض القيادات العلمية الإسلامية المحلية والعربية المناهضة للتعاون مع الأجنبي والتحالف مع الكفار والمشركين ضد العرب والمسلمين (14). القيادة السعودية وخاصة توجهات الأمير / عبد الله (ولي العهد)، بدأت تتعامل مع الحملة الأمريكية على أنها حملة ضد المسلمين و عقيدتهم (15)، وكذلك مرتبطة بحملة صهيونية ذات صلة بالجماعات الصهيونية الضاغطة (اللوبي الصهيوني) في واشنطن والبلاد الغربية ضد مواقف المملكة من القضية الفلسطينية والإشارة إلى أن السعودية قد وصلت  آلي طريق  مسدود مع الإدارة الأمريكية في مسألة موقفها من وتحيزها مع الكيان الصهيوني في معالجة القضية الفلسطينية. وفي محاولة للإحاطة بالمسالة الداخلية عن طريق بوابة الحملة الأمريكية والبعد الصهيوني فيها ،قام الأمير عبداللة بالاجتماع، وعلى مراحل، بعدد من الفئات والشرائح وبعض القوى السعودية من أساتذة الجامعات والمعلمين والتجار والمشايخ والعسكريين وذلك في محاولة لكسب تلك المجموعات من الحملة السعودية المناهضة للحملة الأمريكية وفي محاولة للتأكيد على الوحدة الوطنية وأهميتها للتعامل مع انعكاسات تلك الأزمة وتوابعها على الأوضاع الداخلية (16).

 

وبتوافق ولربما تناغم مع تلك الحملة السعودية المناهضة للحملة الأمريكية عليها بدا ان السلطات السعودية تتيح لعناصر من الشعب السعودي ذات توجهات متباينة و بعضها غير متسق مع الخط الرسمي للدولة  للتحدث علنا في إطار الأزمة ورؤيتها لها وخاصة من خلال الأدوات والقنوات الإعلامية العربية وبالذات الفضائية منها وبدرجة اكبر قناة الجزيرة الفضائية (قطر) (17). في المقابل، بدا ان السلطات السعودية وهي تواجه التحدي الأمريكي وخاصة مع حسم الأمور في أفغانستان لصالح أمريكا –تتجه إلى محاولة التخفيف من الضغط الأمريكي عليها وذلك من خلال التناغم معها وذلك بقبول المزاعم الأمريكية بتورط سعوديين في الهجمات السبتمبرية على أمريكا (18)، وكذلك بالتعامل مع الساحة الأمريكية مباشرة من خلال الأقلام الأمريكية الزائرة أو المستكتبة من خلال شركتي الاتصالات والعلاقات العامة داخل الولايات المتحدة الأمريكية(19). وكذلك من خلال العناصر القيادية السعودية في سياق الوفد السعودي الكبير لاجتماعات "منتدى دافوس" في أوائل فبراير 2002 حيث رأس الوفد رئيس الاستخبارات السعودية (الأمير نواف بن عبد العزيز) ورافقة عدد من الأمراء والذين أدلى بعضهم بتصريحات أجرى مقابلات تلفزيونية داخل أمريكا محاولين على ما يبدو التأكيد على الدور التعاوني للسعودية في الماضي وفي الحاضر المستمر وفي القادم المحتمل (20). ويلاحظ  مع ذلك كل، ان تلك الردود السعودية على الحملة الأمريكية انتهت إلى الدفاع عن علاقات السعودية مع أمريكا والتعامل مع تلك العناصر الإعلامية الأمريكية الموصوفة بالمعادية للمملكة (مثلا، نيويورك تايمز وال واشنطن بوست تحديدا) والمتحيّزة للصهيونية، وصولا آلي  تقديم مبادرة " التطبيع  الكامل مقابل الانسحاب الشامل لإسرائيل من الأراضي العربية المحتلة منذ 1967" رغم ما جرى عليها لاحقا  من تعديلات باتجاه "السلام الشامل مقابل الانسحاب الكامل" نتيجة للردود العربية تجاهها، ثم إقرارها على صيغة اكثر توازنا عربيا بالإجماع في مؤتمر القمة العربية في بيروت 27-28-مارس-2002م (21).

 

تلك المعالجة السعودية الرسمية اللازمة على الصعيد الداخلي لا يبدو أنها طرقت العناصر الأساسية للازمة وجل مافعلتة أنها لامست بعض منها ملامسة غلب عليها الشكلية والمعالجة الآنية(Add-hoc)    وغلبت البعد الخارجي (الأمريكي والغربي وتوابعه) على البعد الداخلي المجتمعي المتصل بمسألة العلاقة بين الدولة والمجتمع. وبينما بدا أن السلطات السعودية تشعر بالارتياح آلي عدم تطور أحداث داخلية تتسم بالعنف وبالحدية- باستثناء أحداث بدا أنها عارضة (مثل التفجير الذي وقع في الخبر، وكذلك محاولة التعرض لبعض الأجانب في الرياض) وكذلك الأدعية (القنوت) في صلوات الفجر والمغرب ضد الكفار والمشركين وتلك أوقفتها السلطات السعودية عنوة لمن لم يتوقف طوعا، وكذلك بالارتياح الرسمي السعودي إلى ما بدا انه نهاية للمسألة الأفغانية بإنهاء حركة طالبان وتدمير القاعدة وعناصرها بدرجة كبيرة –و أن كانت هذه  و  تلك مسألتين لازالتا  فيهما  نظر (22)، مما خفف من الغليان الداخلي والذي ترافق مع العمليات الحربية الأمريكية ضد أفغانستان والذي انعكس بدرجة واضحة على أحاديث ومناقشات كثير من الفئات والشرائح الشعبية وما اتصل بتقلقل الرأي العام المحلي بما في ذلك التوجه نحو الدعاء غير المحدد (الدعاء بالنصر للمجاهدين من كل مكان دون تحديد أفغانستان) عندما اصبح الدعاء الصريح ممنوعاً. وبالقدر الذي بدا  للسلطات السعودية أنها تحسم أمرها بمزيد من التعاون والاتساق مع الغرب وأمريكا تحديدا بما في ذلك ما يبدو أن له صلة  بطرح المبادرة "التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل"، رغم ما جرى عليه من تعديل أقرته قمة و بيان بيروت لاحقا، مضطرة أو مقتنعة بذلك، فقد بدا للمجتمع و فئاته أن ذلك الخيار تم على حساب مشاعره وتوجهاته و دونما أن يكون له الصوت المسموع في تلك السياسات والتوجهات مما زاد في سعة الفجوة بين الدولة والمجتمع وعكس بدورة تراكم جذور أزمة في العلاقة كانت تتشكل منذ عقد ونيف ولكن تلك الأحداث أفصحت عن مظاهرها. و بالقدر الذي أخطأت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في معالجتها لإحداث 11 سبتمبر باتباع استراتيجية " إرهابية " خارجية ودون الالتفاف(مراجعة) حول سياساتها الخارجية والداخلية التي ولدتها، فان السعودية هي الأخرى، و بمراهنتها على الخارج وعلى الوقت لتجاوز المسألة الداخلية، جازفت  في عدم التنبه آلي مسألة الأزمة الداخلية وجذورها ومعالجتها معالجة حقيقية تنطلق من رؤية صحيحة للخلل في العلاقة بين الدولة والمجتمع ومن ثم تصويبها بشكل صلب يؤسس لمرحلة قادمة.

 

رغم ان تفاعلات الدولة والمجتمع في السعودية وفي سياق الأزمة،  من حيث كونها تفاعلات كانت تميل آلي ان تكون غير متسقة وغير متوازنة ومتوازية وإنما بدرجة واضحة تبدو اكثر متعارضة أو متفارقة،  بدأت تخف مع مرور الوقت وما بدا  انه يتوافق مع  حسم الأمور عسكريا في أفغانستان، إلا  أن الأزمة الداخلية والعلاقة بين الدولة والمجتمع لا يبدو أنها طرقت على الإطلاق وما تم فيها كان معالجة وقتية ظرفية ذات اتجاه واحد يركز على التعبئة الإعلامية الرسمية ولكن بالنهاية التوافق مع الخارج . ليس هناك على،  ما يبدو، رغبة أو رؤية في النظر بان تلك الأحداث و توابعها ذات "منبع و مكّون داخلي" بحيث تحلل على مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع وبالبحث مع القوى الاجتماعية على حلول لها. وكما كانت أزمة الخليج الثانية، فأن المعالجة للازمة الداخلية المتصلة بأحداث 11سبتمبر كانت المراهنة على الوقت مرة أخرى وان الداخل ليس هو المشكلة وإنما الخارج والخارج فقط.

 

وحيث الأمر كذلك من حيث ان جذور الأزمة في العلاقة بين الدولة والمجتمع وكونها لم تعالج البتة، فان المسألة لازالت مفتوحة الاحتمالات والبدائل والتي قد تحمل معها نذر غير محمودة. ويبدو ان المشكلة في التحليل النهائي ترتبط بدرجة اكثر تحديدا بان هناك أولا سوء تقدير أو تصور خاطئ لأهداف الحملة الأمريكية على السعودية وحصرها ببعدها الصهيوني –أو هكذا قيل – والمسألة الدينية أو التعليمية. وثانيا أن هناك تجاوزا للمسألة الداخلية ذاتها والتركيز على البعد الخارجي لها وذلك في سياق التصور الخاطئ وعدم معالجة الشأن الداخلي معالجة تبدو فعلية وجدية وذات جرأة بما يعني ويتضمن الملائمة مع متطلبات التكيّف للنظام السياسي في إطار المحافظة على استمراره واستقراره  ولكن بصيغ أخرى مستحدثة.

 

 

ثالثا: الدولة والمجتمع والغرب : في البدائل والاحتمالات

 

1-              في الحملة الأمريكية على السعودية

ومشروع التقسيم

 

بداية يمكن التساّؤل هل يمكن حصر الحملة الأمريكية على السعودية في مسألة اللوبي الصهيوني والموقف العدائي من المواقف السعودية تجاه المسألة الفلسطينية ؟ للإجابة على ذلك يمكن القول بداية  أن ذلك قد يكون جزئيا صحيحا ولكنة ليس الأهم  والأبرز في الرؤية الأمريكية من وراء تلك الحملة وعناصرها. ما هو مطلوب أمريكيا هو أولا، أن الدولة والسلطة السعودية على مستوى القرار السياسي يجب أن لا تتردد بل ويجب أن لاتفكر بذلك طالما أن الولايات المتحدة ترى أنها هي التي توفر الحماية والأمن للدولة والنظام وبالتالي فان التردد أو الحرج بذاته لم يكن مقبولا على الإطلاق خاصة وان ذلك قد يعني أن التحالف في الحرب ضد  "الإرهاب " سيتعرض للتشكيك والاهتزاز وهو ما لم تكن الإدارة الأمريكية ترغب فيه ولا العناصر التي تقود تلك الحملة – ومن هنا كان التردد الظاهري للسعودية يمثل جرأة غير مقبولة من دولة – هي مدينة، في الرؤية الأمريكية، في وضعها الأمني تحديدا (23) وتوابعه بما في ذلك الاقتصادي والنفطي للدولة والقوة الأمريكية. وثانيا وهذا يمثل النقطة الاهم والأبرز، أن المخطط الأمريكي اصلا في الحرب التي اعلنتها ضد أفغانستان وفي سياق ما أسمتة الحرب ضد "الإرهاب" يتجاوز أفغانستان إلى الاحاطة الكونية وبنقاط مركزية منها ذات صلة بالأبعاد الاستراتيجية للنفط والغاز في دائرة محورها  يمتد من أسيا الوسطى شرقا وحتى منطقة الخليج العربي غربا.  ومن هنا فأن الحاجة ستكون لاحقة باتجاه إعادة صياغة الخرائط للمنطقة العربية تحديدا وبالتالي فأن العودة لها ستكون أمر قائما تتطلبه تلك المهمة خاصة وان المشروع الأمريكي هذا للمنطقة وبتوافق مع المشروع الصهيوني لها لم يتم بعد. وإضافة إلى ذلك  ثالثا،  فأن صورة الشعب السعودي وفئاته بدأت تتهاوى في الرؤية الأمريكية وخاصة في سياق ما سمي بالتفريخ "للإرهاب " بشرا وعقيدة (الوهابية) وتمويلا خاصة إذا ما قبلنا فكرة أن الذين قاموا بعمليات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م هم في غالبيتهم من السعوديين.  إضافة إلى  ذلك وفي  صلبة فأن النظام السياسي السعودي  بما هو الحاضن  لتلك التوجهات اصبح هو الأخر يمثل ،  في الرؤية الأمريكية، عبئا لا رصيدا وبالتالي فأن السعودية (دولة ومجتمعا) أصبحت مستهدفة في إطار المشروع الأمريكي للإحاطة الكونية و المتلاقي مع المشروع الصهيوني بالمنطقة والذي لم ينجز يعد وبالتالي يحتاج آلي تعويم ضمن إتمام المشروع الأمريكي ذاته. هذا الاستهداف للمنطقة العربية وبما هو تلاقي بين المشروعين الأمريكي والصهيوني يؤكده وزير الخارجيةالامريكي كولن باول إذ، يقول، في خطابه أمام جامعة لويزفيل في 19-11-2001م،  ان " الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط ستكون بعيدة المنال ما لم تكن إسرائيل و جيرانها في حالة سلام ...."(24).

 

 إن الوصول إلى  هذه النقطة من تعويم المشروع الصهيوني في المنطقة بإقامة  المشروع الشرق الأوسطي في إطاره الاقتصادي والمتداخل مع المشروع الأمريكي للسيطرة على منطقة الغاز والنفط (السيطرة هنا قد تكون للاحتياج الذاتي أو للتحكم بالعالم من خلال التحكم بالموارد النفطية ) والممتدة من شرق أفغانستان وبحر قزوين وحتى منطقة الخليج العربي (25) يتطلب بشكل أساسي أن تتواصل الحرب الأمريكية على " الإرهاب" بما في ذلك إزالة المعوقات القائمة في المنطقة  وهي الحالة العراقية  ومن ثم السورية . ولكن قبل الوصول إلى هذه الغاية لا بد من البدء من " الحلقات ألا ضعف " في المنطقة العربية ( والتي قبلها أو معها قد تكون الادراة الأمريكية مشغولة  في احتواء أو تصفية ما تسميه " الإرهاب " و "إرهاب القاعدة "  في حلقاته ألا ضعف على المستوى العالمي من الفلبين إلى جورجيا وهكذا....) لتنفيذ المخطط الاستراتيجي للمنطقة والعالم. وبالتالي ستكون البداية الصومال واليمن بدرجة احتمالية كبيرة ( والتي بوادرها بالفعل قد بدأت في الصومال حيث تضيق الخناق على السواحل الصومالية بالأساطيل الغربية الأمريكية والألمانية تحديدا بحجة منع عناصر القاعدة وكذلك محاصرة المؤسسات الاتصالية والمصرفية لشركة البركات  بحجة علاقتها بالتحويلات المالية للقاعدة، وكذلك ما يجري في اليمن منذ  يناير2002م حيث القوات اليمنية وبدعم أمريكي تطارد ما تسمية عناصر ذات صلة بالقاعدة مع تأكيد أمريكي بلسان بوش بأن أمريكا تعمل على منع ان يتحول اليمن إلى أفغانستان أخرى للقاعدة وهو ما رحبت به القيادة اليمنية (26) و ذلك كله للإحاطة الجيوبوليتكية بالصومال و/ أو بالنفط اليمني في تلك المعادلة الأمريكية الكونية وان تشكلا (الصومال و اليمن) خلفية لمنطقة الجزيرة العربية -  بما  فيها و بدرجة أساسية منها  منطقة الخليج العربي -  وكذلك لمحورها في أسيا الوسطى (بحر قز وين وأفغانستان حاليا).

 

 

 ومع إخضاع تلك الحلقات الأضعف، فعندها ولربما  معها أو بعدها سيكون العراق هو المستهدف لإلحاقه هو الأخر بالمنظومة الأمريكية في إطار مشروعها الكوني وذلك من خلال إقامة نظام حكم موالي لها كما هي الحالة الأفغانية وتحت ذرائع ومسوغات تتراوح بين التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وحقوق الإنسان ....الخ. أن الدائرة النفطية وعناصر الطاقة الممتدة من روسيا ومرورا ببحر قز وين وأفغانستان وإيران والخليج العربي بما في ذلك العراق تمثل الدائرة الأكبر والاهم للحياة الاقتصادية العالمية المستقبلية. و العراق، إضافة إلى كونه مع الحالة السورية والفلسطينية يمثل عائقا للمشروع الصهيوني أصلا، يمتلك بذاته احتياطيا هائلا من تلك الموارد، لذلك يبدو أن الهدف الأمريكي، هو اختطاف هذا البلد ووضع اليد على موارده النفطية والحاقة تماما بالدائرة النفطية للنفوذ الأمريكي (27). علية فان الولايات الأمريكية كانت منذ البداية ومع مرور الوقت  تخطط للوصول إلى استهداف العراق تحت ذرائع " محور الشر" و"أسلحة الدمار الشامل" و بتنسيق متناغم بين كل من" بوش " و " بلير "  و رغم ما يتعرض له الأخير من ضغوط داخلية -بما في ذلك عناصر متزايدة من حزبه -  بعدم الانسياق التلقائي  وراء مخطط الأول  لضرب العراق (28).

 

 من هنا فان المطلوب أن تكون السعودية وقرارها السياسي في نفس الاتجاه، بداية، وكذلك فأن الخوف كل الخوف هو أن الحملة الأمريكية على السعودية ليست فقط حملة صهيونية كما تراها السعودية وقياداتها وبعض من عناصرها الإعلامية، وإنما هي أيضا وبدرجة اكبر واخطر الضغط على السعودية لكي تحصل منها أمريكا على ما يمكن تسميته "الاسترضاء" Appeasement السعودي تجاه العملية القادمة بضرب العراق. تلك المسألة "مسألة استرضاء" السعودية نحو المسألة العراقية بدا  أنها في مراحلها  التحضيرية الأولى تقترب من  تحقيق بعض من ثمارها حيث؛  أولا أن تصريحات رئيس الاستخبارات السعودي السابق (الأمير تركي الفيصل) ومقابلته مع  وسائل الأعلام الأمريكي تشير إلى أن السعودية سوف تتعاون مع أمريكا تجاه إسقاط النظام العراقي وان شدد على أن يكون ذلك من الداخل (29).  وثانيا ان طرح المبادرة السعودية -  في إطار " التطبيع الكامل  مقابل الانسحاب الكامل " ورغم ما جرى عليها من ردود فعل واتجاهات بتعديلها وهو حدث  بالفعل  في مؤتمر القمة العربية في بيروت  (27-28-مارس 2002، بيروت) وكذلك رغم احتمال ربطها بالمسالة السياسية الداخلية من حيث محاولة التأكيد على تراتب  السلطة و النفوذ – في هذا الوقت وعلى مابدات أول مرة علية  فأنها تمثل لربما محاولة من قبل بعض القوى والتي قد تقف وراء الدفع بها إلى التعامل مع البعد الخارجي في سياق الحملة الأمريكية أو الصهيونية أو أنها تمهد للتطبيع القادم المحتمل. ومهما يكن من أمر حول مستهدفات و نوايا  تلك المبادرة وضر وفها  و منابعها الداخلية أو الخارجية، فان قبول ضرب العراق-  أو أي بلد عربي أخر- والمساهمة في تغيير النظام بغض النظر عن طبيعة النظام و الموقف منه، سيكون بذاته سابقة خطيرة وورقة ترفعها الدول الغربية وبالذات الأمريكية في وجهة أي نظام عربي بما في ذلك حلفاءها في المستقبل ومنهم السعودية تحديدا.  و من هنا فان المصالحة العربية التي تمت في أثناء مؤتمر القمة العربية في بيروت (27-28-مارس-2002م) و خاصة بين السعودية و العراق و إلى حد ما بين العراق و الكويت والإجماع العربي في القمة و قراراته على  الرفض القاطع  لضرب العراق  أو أي بلد عربي آخر، يشكل أحد المداخل الأساسية  لسد تلك الثغرة (ضرب العراق و الملف العراقي و الحالة العراقية الكويتية) في وجه المخطط الأمريكي المحتمل للمشرق العربي ومنه ما يتصل باحتمال التعرض للسعودية لاحقا. و لذلك فان الخطوة التي اقدم عليها كل من  الأمير عبد الله  و عزت إبراهيم تستحق الإشادة، إذ أنها تمثل الخطوة الأهم و الأساس في الطريق الصحيح و الذي يحتاج إلى مزيد من تلك الخطوات للبناء عليها  للوصول آلي  تطبيع العلاقات العربية – العربية و منها و بدرجة أساسية السعودية- العراقية و كذلك الكويتية- العراقية.

 

إذا تمت تلك العملية – عملية ضرب العراق - (وهو ما نتمنى أن تكون القمة العربية و قراراتها في بيان بيروت وفي إطارها المصالحة السعودية – العراقية و كذلك الكويتية، قد أسست لأرضية تحول دون حدوثه و أن لازال هناك بعض المخاطر و كذلك البدائل التي قد تستغلها أمريكا لتنفيذ العملية مستقبلا) و في سياقه أو (معه أو قبله الصومال و الذي لا يبدو يثير شجون و هموم العرب على نحو كاف) وإسقاط النظام العراقي تحت أي حجة وهي ستكون سابقة خطيرة، كما أشرنا آنفا، وقد تكون السلاح الذي  يشهر بوجه الحلفاء الحاليين مستقبلا،- فان النقطة القادمة والأبرز في إتمام المشروع الأمريكي من الهيمنة على المنطقة وبما يتضمن تعويم المشروع الصهيوني ثم العودة إلى استهداف الخليج والسعودية تحديدا ستكون سوريا هي المستهدفة ثانيا (بعد العراق) إذ ستكون محاصرة من جميع الجهات بقوى إما معادية كما هي إسرائيل وتركيا أو أنها تقع في النفوذ الأمريكي كما هي الأردن والعراق –البديل إذا تم، أو ضعيفة وهي الحالة اللبنانية. عندها سيمكن إخضاع سوريا طوعا أو كرها؛ أما طوعا فيتم الضغط عليها بتوقيع اتفاقية تسوية مع إسرائيل كما هي اتفاقيات التسوية مع الأردن 1994ومصر 1979. وأما كرها فأن الأمر ليس هو الأخر مستبعدا وما لائحة الخيار النووي إلا تمهيدا لذلك الخيار وأحتمالاتة رغم أن الأمر سيكون اسهل من ذلك بكثير إذا ما تم تحييد المسألة العراقية أصلا (في حالة ضرب العراق وتغيير النظام وإقامة نظام موالي). إن خيار اللائحة النووية الأمريكية والذي سربته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز "قبل فترة و رغم انه فيما ورد أصلا في التقرير يستهدف سبعة دول هي الصين وروسيا وكوريا الشمالية والعراق وسوريا وإيران وليبيا إلا انه من الواضح فأن استهداف الصين وروسيا بقنابل نووية صغيرة أمر لا يمكن القبول أو التصديق به ذلك أن اللعب بنار نووية وان كانت صغيرة مع دولة نووية أمر لا يمكن التحكم به وبالتالي فانه خيار لا يمكن إلا أن يكون لدول غير نووية أصلا وخاصة الدول العربية المعنية ومنها تحديدا سوريا كما هي العراق ولربما ليبيا ثم لاحقا المسألة الإيرانية وحتى باكستان والتي عدم إدراجها اسمها في تلك القائمة يثير علامات استفهام واستغراب في الوقت ذاته(30). فوق هذا و ذاك فان ذلك التلويح  باللائحة النووية والخيار النووي المحدود وهو يستهدف دول عربية (سوريا العراق ليبيا)، قد يراد به دول عربية أخرى كما هي مصر والسعودية تحديدا للحصول على الاسترضاء لكي يتم إخضاع تلك الدول العربية ومنها سوريا –هنا- عنوة أن لم يكن طوعا.

 وإذا ما تم إخضاع سوريا عنوة أو طوعا وفي إطار الإحاطة الكونية الأمريكية والمشروع الأمريكي الصهيوني للمنطقة فان تسوية القضية الفلسطينية أو تصفية لها سيكون أمرا  ممكنا و ان كان لا يخلو من صعوبات ليست بالأمر السهل. وفي سياق محاولة تصفية القضية الفلسطينية يلاحظ أن الإدارة الأمريكية  و في ضوء عدم رضاها على نتائج القمة العربية و بيان بيروت و خاصة فيما يخص الإجماع العربي، بما فيه الموقف السعودي والكويتي، الرافض لضرب العراق وبدرجة اكبر المصالحة السعودية و الكويتية مع العراق جعلها (الإدارة الأمريكية) تتأمر مع شارون للإطاحة بعرفات وتدمير السلطة الفلسطينية بعدوانها الهمجي منذ صباح اليوم التالي لانتهاء مؤتمر القمة العربية في بيروت و ذلك للحصول منه على تنازلات تحت الضغط  وكذلك معاقبة للعرب الآخرين و تعويضا لربما  لتلك الخسارة الأمريكية في المسألة العراقية. لذلك ليس مستغربا أن توجه الإدارة الأمريكية وعلى لسان وزير خارجيتها "كولن باول" في تصريحاته الصحفية (29-3-2002م)، و بشكل اكثر وضوحا وفجاجة على لسان الرئيس الأمريكي "بوش" نفسه، في تصريحاته (31-3-2002م)، الاتهام لعرفات و تحميلة مسؤولية العدوان الصهيوني الذي يجري منذ 29-3-2002م، وتبدي في المقابل تعاطفها مع شارون و إسرائيل وان من حقها الدفاع عن نفسها.

 

 غير أن النقطة الأهم انه وفي سياق ذلك المشهد الاخضاعي (إذا تم  إخضاع سوريا بعد إخضاع العراق و هي حالات و أوضاع نتمنى أن تكون  القمة العربية الأخيرة في بيروت، مارس 2002م، و قياداتها  قد وضعت قيدا قويا و مسافة بعيدة للوصول أليها و تحقيقها) أو في ثناياه ستكون المهمة الأمريكية التالية هي إعادة إدماج العناصر مع بعضها البعض وخاصة إدماج منطقة الخليج العربي ودولة بما فيه السعودية تحديدا في ذلك التوجه وتلك الصياغة. وإذا ما تمت تلك المشاهد اعتمادا على فكرة تكسير "الحلقات الأضعف" أولا، فعندها ستكون مصر والأردن ولربما لبنان وكذلك العراق خارج المعادلة وبالتالي ستكون السعودية هي المستهدفة وفي وضع لا تستطيع فيه أن تقاوم ذلك الإدماج. ان ذلك الاستهداف الأمريكي للسعودية وبتناغم مع  الرؤية الصهيونية يعني ببساطة شديدة  ان تقبل دول الخليج العربي  وعلى رأسها وفي المقدمة منها السعودية مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني (والذي يبدو ان السعودية في طرحها مبادرتها الأخيرة تحاول لربما إما التمهيد له أن لم تكن تحاول التخفيف من الحملة الأمريكية "استرضاء " والنتيجة النهائية في الحالتين في حالة عدم التحصين الداخلي و العربي على أية حال واحدة) وإحياء فكرة الشرق أوسطية وبالتالي تعويم المشروع الصهيوني مندمجا مع المشروع الأمريكي. إننا أمام عودة إلى الأصول والأساسيات للحملة الأمريكية على "الإرهاب" والسعودية باعتبار ان الأخيرة (السعودية في الرؤية الغربية و الأمريكية تحديدا) هي "المركز للإرهاب" وهي "المشكلة" وهي "الخطر" على الغرب عموما وعلى الولايات المتحدة خصوصا وبالتالي فان إعادة هيكلة السعودية أو تفكيكها هي المهمة الأساس المؤجلة في بداية الحملة لضرورات إتمام المشروع الأمريكي في سياق الإحاطة الكونية وضمن تكتيك إنجاز المهام مرحليا طبقا " للحلقات ألاضعف " ولكنها المهمة الأساس الناجزة في نهاية مطاف " الحلقات الأضعف".

 

 

 في حالة ممانعة السعودية لذلك التوجه في حلقاته النهائية وهو التطبيع، فأن الأمر سيكون بالتلويح بأمر أخر اكبر واكثر خطورة مما يتوقعه الكثيرون؛ انه مشهد التقسيم والتفتيت للدولة والمجتمع في السعودية ولربما  في منطقة الجزيرة العربية كلها وإعادة رسم خرائطها على نحو أخر.

 

 إن فكرة مشهد التقسيم والتي لاتبدو في عناصرها جديدة(31)، تقوم في توجهاتها ومرتكزاتها الجديدة، والتي حاولنا منذ عدة  سنوات خلت  الإشارة لها ولفت أنظار المعنيين من صناع قرار و مثقفين في البلاد العربية(32)، على إمكانية استغلال  معطيين أساسيين هما: النفط والإسلام (الأماكن المقدسة). إن النفط موجود بدرجة أساسية بالمشرق العربي من العراق شمالا و مرورا  بالسعودية ومنطقة الخليج العربي جنوبا. وإما الأماكن المقدسة (الإسلام) فانه في الجزء الغربي من المشرق العربي من الحجاز (المنطقة الغربية) في غرب السعودية  بدرجة كبيرة و حتى فلسطين (القدس) شمالا. و بقدر ما يتعلق الأمر بالخليج العربي عموما و السعودية بدرجة اكبر خصوصا، فان مشروع التقسيم سيكون في مشهده الاحتمالي على النحو التالي: إقامة مناطق أو دويلات عازلة أولا: في المنطقة الشرقية وما يتصل بها من مناطق بترولية خاصة بامتداد الربع الخالي (و لربما تربط بالشرق العربي من جنوب شرق الجزيرة و حتى العراق  شمالا  في مرحلة من المراحل) وحتى مشارف وادي الدواسر. ثانيا: في الحجاز دولة إسلامية مفتوحة للجميع لأداء المشاعر الإسلامية وهذا الخيار الأخير و بما قد تفعله أمريكا لإقناع أو إكراه بعض من المسلمين و / أو دولهم  لربما قد  يجد صدى عند  بعض المسلمين من الناحية الإسلامية ولربما سيكون مرحب به من قبل بعض الدول على الأقل. و قد تسند تلك التوجهات بمدينة "القدس" مدّولة لكل الأديان بما في ذلك الإسلام و بحلول مفروضة على العرب و الفلسطينيين ان أمكن ذلك. ثالثا: أما المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية فأنها تترك لقدرها تتطاير أو تتذرذر وبالشكل الذي تريده أو يراد لها أما على شكل إمارات أو محميات أو على شكل ملاحق لكيانات أخرى. عندها سيكون الجميع خاسر دولة ومجتمع ومناطق بما في ذلك الوضعية العربية وتلك حالة لا أحد يرغب بحدوثها ولكن الرغبة شيء والعمل على تفعيلها بممانعة جادة شيء آخر.

 

 ولعل السؤال الأكثر أهمية في ذلك السياق، هو هل هذا المشهد التقسيمي  واحتمال حدوثه أمر ممكن أم لا؟ إن الإجابة عليه باليقين أمرا ليس ممكنا ولكن الاقتراب منه أمرا قد لا يكون عسيرا. ان ذلك احتمال قد يحدث و قد لا  يحدث و لكن  كل المؤشرات والدلائل تشدد على ان الولايات المتحدة الأمريكية لن تترك السعودية في مرحلة ما قادمة على ما كانت عليه وان إعادة هيكلة السعودية سيكون أمرا قادما لا محالة وان كان مؤجلا للمرحلة الآنية وهي الانتهاء من "الحلقات الأضعف"). وبينما كان هناك من يصرح بان هناك توافق أمني استخباراتي  أمريكي – روسي  للتخلص من الحالة العراقية و الإيرانية أولا ثم   التفرغ للمهمة الأهم  في النهاية في الجزيرة العربية و تحديدا في السعودية و" الإرهاب السعودي " حتى و أن تطلب ذلك التخلص من أنظمة الحكم القائمة و هو ما أشير آلي ضرورته في النهاية، فان هناك من طرح فكرة  إقامة سياج حول المنطقة الشرقية من السعوديةFencing Eastern Province  (33).

 

 و في سياق تلك الإمكانية و ذلك المشهد على أية حال، ليتركز الأمر على  بعض من تصورها في سياق مشروطياتها: انطلاقا من تلك التلميحات ىو التصريحات، ماذا لو  قررت الولايات المتحدة وأعلنت خطوط الطول وأجزاء من العرض - (بدلا من خطوط العرض كما هي الحالة العراقية)- لشرق الدهناء وغرب الحجاز، فمن الذي سيمنع الولايات المتحدة الأمريكية من تنفيذ ذلك؟ هناك من لا يصدق أو لربما لا يريد ان يصدق بان ذلك قد يكون ممكنا باعتبار ان ذلك وفي سياق المسالة النفطية السعودية والاستقرار السياسي في المنطقة لن يكون في مصلحة هذا الخيار. ولكن في المقابل يمكن القول انه ورغم ان مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية هي في الاستقرار السياسي للمنطقة في إطار المسالة البترولية و هي ما تراهن عليها عناصر و أطراف عربية وغربية واهمة أو متوهمة أن أمريكا سوف تتركها و شأنها علي ما كانت عليه، فان هناك أيضا من يرى و من عناصر متنفذة  في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا - (و خاصة في سياق الفكرة المهيمنة بان ترك " الحالة السعودية" على ما كانت علية  أمر لا يمكن القبول به ويجب معالجتها معالجة جذرية و إلى الأبد) - انه من الممكن و في المصلحة الأمريكية تنفيذ ذلك المشروع التقسيمي وان ذلك أمر ممكن وفي إطار صياغة التقسيمات الصغيرة والضامنة للمسالة البترولية. أو ليس الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة- على الأرض الضامنة حاليا لتلك المسالة البترولية؟  

 

يجب أن نقول أن المسالة ليست في تهويلها ولا في تضخيمها ولا في القول بان تلك الإمكانيات لن تلقى مقاومة أو ممانعة محلية أو إقليمية أو حتى دولية ولكن أيضا نشدد على أن القول بان ذلك أولا :احتمال ومشهد مستقبلي ويمكن إذا ما تمت لحظة الحسم باتجاه السعودية والخليج العربي وفي سياق الإدماج في المشروع الأمريكي والمتناغم مع المشروع الصهيوني عندها لن تكون المسالة تخيّلية وعند هذه اللحظة لربما تلتقي الرؤية الصهيونية بالحملة الأمريكية على السعودية تحديدا كما يتصورها الرسميون السعوديون حاليا. أما لماذا الإمكانية لتحقيق مشروع التقسيم فالأمر يرتبط أساسا بعدة عناصر منها ما هو خارجي مرتبط بدوافع القوى الكبرى وحلفاءها بالسيطرة على المنطقة وكذلك بالقوى الإقليمية وخاصة في سياق العلاقات العربية العربية و طبيعة عناصر ومكونات القوة العربية و فاعليتها وعدم متانتها أو تمتينها، ومنها ما هو داخلي يرتبط بالأوضاع الداخلية تحديدا.

 

 ورغم أهمية العناصر الخارجية والتي قد نتعرض لبعض منها لاحقا، فان ما يهمنا هو البعد والعناصر الداخلية في إمكانية تحقيق مشروع التقسيم. و نود التأكيد بداية على ان ذلك المشهد وعوامله العربية والداخلية تحديدا بالقدر الذي يمس و يفسر الحالة السعودية ومستقبلها فانه لربما يقترب زيادة أو نقصا من ذلك القدر الذي يمس و يفسر الحالة العربية لمعظم الدول العربية ان لم يكن كلها و خاصة تلك الدول التي تتعرض لتحديات داخلية مترافقة مع ضغوطا خارجية.

 

   بناء عليه فان ما هو داخلي  يتصل و يمس مسا جوهريا مسالة أزمة الدولة والمجتمع أو العلاقة بين الدولة والمجتمع على ضوء عدم قدرة أو رغبة تكيّف النظام السياسي أو القائمين عليه وما يرتبط بذلك من مقومات لا نجاح المشروع التقسيمي وخاصة في سياق ضعف أو هشاشة ما يتصل بمسألة "الاندماج" وغموض فكرة المواطنة وغياب الشعور بالمسؤوليات لدى الأفراد والجماعات في البلد وذلك لان سياسات الدولة اتسمت بعدم التوازن من حيث التنمية وتوزيع مخرجاتها وذلك لغياب أصلاً الإشراك المتوازن في المسؤوليات  في إنتاج   تلك السياسات المتوازنة المطلوبة. وتتداخل تلك الأمور مع تزايد تلك المشاكل الاقتصادية والفساد المالي والإداري في سياق استشراء المصلحة الخاصة وعلى حساب المصلحة العامة أو بفقدانها أصلا، وكذلك مترافقة والبطالة وتزايد السكان مع عدم وجود قوانين ومؤسسات لمواجهة تلك التحديات(34).

 

إن كانت تلك تحديات حقيقية، فمن الذي يمنع الولايات المتحدة إذا ما أعلنت أن شرق الدهناء من شمال الخليج آلي جنوبه، على سبيل المثال منطقة محظورة على التجاوز ؟من الذي سوف يحارب الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل أبناء تلك الدول لديهم الإحساس بتلك المسؤولية و يتوافرون على القدرة والتعبئة المطلوبة؟ ان المواطنين في بلدان الخليج العربي و منهم أبناء  السعودية، لربما لا يقلون عن أقرانهم  الآخرين في العالم في رغبتهم في الدفاع عن بلادهم. ولكن لكي يحصل ذلك فلابد من مقومات وتلك المقومات لا يبدو متوفرة؛ إذ أن المواطن العادي لا يعرف بشكل عام استخدام المسدس فكيف بمقاتلة دولة كبرى وتحدي قرارها ؟ ألم تستطيع أمريكا أن تفرض مناطق عازلة في شمال وجنوب العراق وعلى بلد هو العراق وهو يعتبر أقوى بكثير من السعودية مثلا ؟ وفوق هذا وذاك إننا أمام مناطق ومجموعات لم تتولد لديها فكرة " الدمج " و "المواطنة " وبسبب من السياسات التنموية غير المتوازنة والقائمين عليها.  إنها مناطق ومجموعات تبدو معزولة اكثر عن بعضها البعض و لدرجة أن كثيرا من الأهالي، أفرادا و جماعات لا يعرفون و لم يزوروا تلك المناطق أو مدنها على الإطلاق، بل أن هناك من لاحظ و باستغراب و تساّؤل عن أن أبناء البلد يعرفون مدنا عربية و أجنبية اكثر بكثير  من معرفتهم لمدن و مناطق بلدهم و بالتالي  فهو يرى الحاجة ماسة إلى التواصل الاجتماعي والثقافي (35). وإذا ما تم تواصل بينها فان ذلك لبعض ضرورات العمل أو المرور. وحتى المدن الرئيسية والتي تستقطب معظم سكان البلد (وهي الرياض ومكة وجدة والدمام والخبر)، فأنها ورغم إنها تستقطب  مجموعات من مناطق مختلفة وتبدو ظاهريا اكثر اندماجا أو دمجا من الناحية الشكلية، إلا أن واقعها الاجتماعي يشير إلى أنها مجتمعات مسكونة بتقاسمات مجموعات غير مندمجة. ورغم ان الموروثات الاجتماعية قد تكون مسؤولة إلى حد ما عن تلك الوضعية إلا إن السياسات التنموية غير المتوازنة بين المناطق والمجموعات وحتى في المدن وأطرافها والرؤية الاستراتيجية للقائمين عليها بما هي منظومة ناظمة ضاغطة قد تكون بدرجة اكبر مسؤولة عن تواصلها وبالتالي بالتعاضد مع عوامل سالبة لبيئة وبنية نظام تتسم بالجمود، تقفان وراء تكّون البنية – التحتية الانقسامية ومن ثم البذرة التي قد تسهل عملية مشروع التقسيم في حالة الإصرار على تنفيذه وفي غياب مشروع الإصلاح واستمرار مشهد الانهيار وهو ما  نعالجه و نفصل فيه تاليا.

 

 

 

 

ثالثا-2:  في طبيعة  الأزمة الداخلية

 ومشهد (بديل) الانهيار

 

 

ان طبيعة الأزمة الداخلية ليست عارضة كما بدأت وتبدو للوهلة الأولى أوانها متصلة فقط في سياق الموقف من السياسات الأمريكية ذات الصلة بالحملة على الإرهاب والمشكلة الأفغانية في سياقها. ان تلك الأحداث منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م وصاعدا وحتى هذه اللحظة--ولربما تتصاعد مستقبلا على ضوء التقدم على مسار المشروع  الأمريكي في إطار "الحلقات الأضعف" وبالذات ما يخص المنطقة العربية – هي بعض منها أو مظاهرها وقواها المحفزة . ان طبيعة الأزمة تتصل بالعلاقة بين الدولة والمجتمع على خلفية عدة محاور منها محور "الشرعية ومصادرها" ومحور "التنمية والعدالة" و "الإدماج " ومسألة  "الفساد " المالي والإداري  ومحور " الأمن والعلاقة بالأجنبي"  ومحور "المشاركة السياسية" و ما يتصل بالتكوينات الجديدة وصناعة القرار والميدان السياسي و نطاقه عموما . كل هذه المحاور تتصل أساسا وبدرجة كبيرة  بمسألة " بناء الدولة " وما يتصل بذلك من مسألة قدرة الدول والأنظمة السياسية ونخبها على التحول أو التكيّف مع التحديات الداخلية والخارجية. ان واقع الدولة السعودية من حيث النظام وقدراته وامكانياتة الحالية هو الذي يقبع وراء الأزمة الداخلية أو انعكاسات الأزمة الخارجية (العلاقات السعودية – الغربية ومنها الأمريكية وحملتها تحديدا).

إن العلاقة بين الدولة والمجتمع في السعودية كانت بداية وفي بداية التأسيس علاقة تقوم على فكرة "المساهمة والمشاركة" بين الفاعليات والتكوينات الاجتماعية آنذاك سواء كانت حضرية / قروية أو قبلية أو مناطقية من جهة وبين السلطة السياسية ممثلة بالملك عبد العزيز آنذاك والذي مثل  الزعامة التاريخية ونال شرعيتها. تلك المعادلة وصياغتها كانت ترتكز على عملية التوازن بين السلطة وتلك القوى وكأنها عقد اجتماعي غير مكتوب يترك القرار السياسي وصناعته للملك والأسرة الحاكمة (المحدودة آنذاك) ولكنة في نفس الوقت يترك مجالا للتوازن مع تلك القوى من حيث فكرة " المساهمة والمشاركة " على الطريقة الخلدونية (36).

 

 تلك الصيغة يبدو أنها وخلال العقود الخمسة الماضية عبرت عن تلك المرحلة وقواها الاجتماعية، غير ان التحولات في طبيعة القوى الاجتماعية والمتصلة بالتحولات المادية والتحديثية ذات الصلة بآثار مداخيل النفط بدأت وكأنها تتغير من طرف واحد إلا وهو تشكل و تّكون قوى جديدة بتطلعاتها ورغباتها (رغم ما لحقها هي الأخرى من تأكل أو فساد أو انحرافات نتيجة تعطل قدراتها أو تعطيلها بسبب جمود الطرف المقابل والأبعاد الاجتماعية المتداخلة معه)، بينما الطرف الآخر وهو المجال السياسي ولمن الحق في المشاركة فيه بقي كما هو دون تغير يذكر عدا لمسات تجميلية شكلية (النظام السياسي – ومجلس الشورى – والمناطق) وهذه الأخيرة لم تكن تتوافق وتغيرات العلاقة الجديدة المتكّونة. وخلال تلك الفترة السابقة بدا أن المعالجة المالية للأمور تأخذ الحيز الأكبر من عملية تعديل الاختلال في العلاقة علما بان ذلك أيضا تركز على فكرة الاحتواء التوظيفي وبعض المشاريع والبنى الأساسية غير المتكاملة أصلا وبشكل عام وغير المتوازنة تحديدا وبشكل خاص على مستوى أو بين المناطق والمجموعات.

 

ومع أزمة الخليج التالية 1990/1991 وتوابعها بدأت الأسئلة المجتمعية في البروز، وخاصة من قبل القوى و الفئات و العناصر الجديدة وسواء كانت لبرالية أو إسلامية وحتى التقليدية، عن الأمن والعلاقة مع الأجنبي وكذلك إدارة موارد الدولة وتوازنها والحاجة إلى مؤسسات سياسية وقانونية عصرية.  ومع ان  تلك الأزمة كانت فرصة  ثمينة لتكيّف النظام السياسي بصياغة اكثر استجابة مع تطلعات القوى الجديدة واستمرار تقدم المجتمع ككل واستقراره، إلا أن المراهنة على الوقت كانت لها الأولوية. ومع تزايد الانكشاف الأمني المتصل في العلاقة مع الولايات المتحدة وفي سياق المسألة العراقية وتواصلها وخاصة منذ 1995 فصاعدا، بدا ان هناك توجه تقلل من فئات اجتماعية وصل بها الأمر إلى قضية التفجيرات في 1995/1996 م. تلك التفجيرات ورغم إعدام بعض مرتكبيها وخاصة منفذي عملية 1995، بدأت تؤسس لموقف شعبي معاد للوجود الأمريكي في الخليج وفي السعودية تحديدا. ورغم ان السلطة  السعودية نفسها بدأت هي الأخرى تقلل من تأثيرات ذلك الوجود ومسألة التدخلات في الشؤون الداخلية (مسألة التحقيقات في التفجيرات وخاصة تفجير الخبر1996م و الذي لم تكن التحقيقات في إطاره قد انتهت حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م)  وكذلك رغم الاتفاق الناتج عن تلك التفجيرات بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية على إعادة نشر القوات الأمريكية وتجميعها في منطقة الخرج تحديدا إلا أن تلك المعالجات لم تكن لتكفي ردم الفجوة الداخلية بين رغبات وتطلعات الفئات والقوى الشعبية وبين رؤية النظام وضروراته أو خياراته للتعامل مع تلك القضية.

 

إن الحل الأمني لتلك المسائل وخاصة الاعدامات للعناصر المعارضة والمتصلة بالتفجيرات لم يحل المشكلة بل أن المسألة أخذت بالتطور وخاصة بعد 1996 ثم لاحقا بعد أحداث 1998 بضرب العراق والسودان وأفغانستان ثم انفجار الانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني منذ 28 سبتمبر 2000م وما رافق ذلك كله من بعض التقلقلات على صعيد بعض الأحداث الاجتماعية كا لمظاهرات التي حدثت في الجوف والى حد ما في جدة والرياض والدمام (وان كانت الأخيرات قليلة في حجمها) وكذلك اختطاف الطائرة إلى بغداد. كل ذلك – مع استمرار الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال والحملة الوحشية الصهيونية المتواصلة، وصلة ذلك كله بالسياسات الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني بدون حدود، - أدى، بالتعاضد مع التراجع الاقتصادي و قلة فرص العمل و تزايد البطالة وصلة ذلك بموارد الدولة و إدارتها، إلى تكوّن و تعزز بيئة  تتنامى فيها أسئلة مجتمعية مفتوحة عن تلك الأوضاع وكذلك إلى تزايد العناصر المعارضة للوجود الأمريكي ولسياساتها في المنطقة والمنحازة للكيان الصهيوني. ثم وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتهام السعوديين بالهجمات، بدأ أن الأمر يتعلق بمسألة أساسية لم يفكر فيها كثيرا إلا وهي أن هناك مجموعات سعودية تجاوزت مجموعة ال1995 عددا وعدة وتخطيطا ومتجاوز، فوق ذلك الدولة السعودية من حيث إعطاء الانتماء والولاء السياسي لمجموعة ومركز غير الدولة وهذه الأخيرة لا تعترف بها بل و تناصبها العداء. وإذا افترضنا أن هؤلاء الخمسة عشر مهاجما  بالفعل  سعوديون – كما يبدو أن السلطات السعودية أقرت به مؤخرا كما سبق الإشارة أليه – وكذلك ما بدا من تفاقم الأزمة الأفغانية و ما بعدها من أعداد متزايدة متعاطفة مع تلك المجموعة من تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن فأن الأمر يعني فيما يعنيه، ولا يقتصر فقط عليه، أن الدولة السعودية من حيث هي "سلطة ومركز" سياسي تعاني بالفعل من ما يمكن تسميته بـ"أزمة الشرعية". أن الافتراق الشعبي مع الحكومة السعودية في إطار سياساتها الخارجية والمستند على اختلالات في السياسة الداخلية خاصة في سياق انغلاق الأفق  السياسي واختلالات في التنمية  وعدم توازنها خاصة بين المناطق إضافة آلي مشاكل اقتصادية عامة ذات صلة بإدارة الموارد بشكل عام، قد اصبح واضحا جدا في ثنايا أزمة أحداث سبتمبر 2001ومابعدها.

 

 إن الشرعية لأي نظام سياسي غالبا ما تأتي من رضاء وقبول الناس لذلك النظام وسياساته ومخرجاته. ومصادر الشرعية عادة ما ترتكز إلى عدة عناصر منها الزعامة التاريخية العقيدة الدين (الأيديولوجيا) والهوية وكذلك الإنجازات التنموية وتوفير الحماية والأمن وبشكل عام قدرة النظام على التعامل والتكيّف مع الاحتياجات الشعبية والتحديات بكافة تجلياتها. وحيث ان الزعامة التاريخية (الملك عبد العزيز) للدولة السعودية لم تعد هي الماثلة و القائمة في المرحلة الحالية و ذلك  بانقضاء مهامها أصلا مع بداية تكوين الدولة، وكذلك مع تغليب المصالح السياسية على مسألة العقيدة والدين والهوية وخاصة بالانسياق وراء العلاقات الدولية وبالذات الغربية والأمريكية تحديدا، وكذلك حيث ان الدولة منذ 1990 فصاعدا بدأت وبشكل مكثف تعتمد على الحماية الأجنبية والأمريكية تحديدا وبالتالي عدم قدرتها أو لربما رغبتها في توفير الحماية الذاتية، ومع تنامي عجز الدولة في أداء متطلبات التنمية وتوازنها بين كافة المناطق والمجموعات وعلى أسس تحقق العدالة والكرامة والرفاهية للجميع وبشكل متوازن، وكذلك مع تزايد البطالة والتي سوف تتفاقم مع تزايد السكان، ومع انعدام الشفافية والمكاشفة تجاه تلك القضايا والمسائل ، فان أزمة الشرعية للدولة السعودية لم تعد منطقة غير واضحة. وبغياب الأنظمة والقوانين المؤسساتية وإلتي توازن بين تلك الحاجات وتحقق الرضا والتوازن والاستقرار ، ومع سيطرة قوى ونخب مغلقة ذات إمتدادات عائلية (عدد من العائلات والأسر )ومناطقية بعينها (وعدد من قرى أو مدن من تلك المناطق وليس بالضرورة كلها) على صياغة السياسيات التنموية وتوزيعات مخرجاتها وعلى نحو يأخذ في حسبانها مصالحها هي بدرجة أساسية أو امتداداتها المناطقية إلي حد ما، فأن الفساد والمحسوبية أصبحت هي الأخرى مستشرية في الدولة والمجتمع على حد سواء. وبموازاة ذلك كله، أصبحت المصلحة الخاصة والخاصة جدا هي معيار العمل وعلى حساب المصلحة العامة وخاصة في مرافق الدولة ومؤسساتها. كل ذلك أدى إلى انحرافات من قبل فئات اجتماعية متنامية سواء على مستوى الأفراد أو المجموعات أو المناطق وتلك الانحرافات بدأت تأخذ أشكالا متعددة بما في ذلك الانحرافات الأخلاقية والمادية وكذلك الانحرافات في الولاءات السياسية وتجاوز الدولة. وحيث ان الأفراد والمجموعات الشعبية ليست مشركة في العملية السياسية على نحو واضح ومحدود بحيث  تدخل في عملية صناعة القرار وإنتاج السياسات المطلوبة وتتحمل مسؤولياتها ،فأنها لن تكون بمنأى عن تلك الانحرافات وبالذات السياسية منها بما في ذلك  التطرف والنزوع للعنف ضد الدولة وسلطتها وسياساتها وارتباطاتها الخارجية ومنابعها الداخلية. وبالتالي فان الأزمة الداخلية، ان لم يتم تداركها على نحو يقترب  مما سوف نفصل  فيه تاليا، سوف تتفاقم مع الوقت ولربما تعجل بنمو بذرة الانهيار وبروز مشهدة.

 

 

ثالثا-3: الإحاطة بالأزمة
 الداخلية و الخارجية:
 بديل الإصلاح
 

 

إن جوهر الأزمة بين الدولة والمجتمع يرتبط كما أسلفنا بانغلاق الأفق والنطاق السياسي للنظام في وجه القوى والفئات الاجتماعية والشعبية وما ولدته تلك الحالة من افتراق بين الطرفين. ان معالجة الأزمة الداخلية لا تتم من خلال المعالجة لبعدها الخارجي مع الغرب بمزيد من الاتساق معه وهو ما يعمق ذلك الافتراق و يزيد أزمة الشرعية للنظام تعقيدا، وليس عن طريق الحلول الأمنية والقسرية ومحاولة المراهنة على الوقت بمعالجات وقتية وظرفية. ان معالجة الأزمة الخارجية وكذلك الأزمة الداخلية تتجه جوهريا إلى  الإحاطة بمسألة ذلك الافتراق و ما يتطلبه بالفعل من الاتجاه إلى إصلاح الدولة وإعادة بنائها بصياغة جديدة للأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية.

 

إن نظريات التنمية السياسية بكافة تياراتها وتشعباتها (مدخل بناء الدولة القومية، ومدخل معضلة الخيارات ومسألة التحديث والاستقرار السياسي ومدخل قوة وضعف الدولة) تؤكد جميعها، و برغم الملاحظات عليها، ان قدرة النظام السياسي لأي دولة على الاستمرار والبقاء والارتقاء بالمجتمع ومقدراته، تقوم على قدرة ذلك النظام والدولة على التكيّف مع التحديات الداخلية والخارجية  وضروراتها. كل ذلك مرهون بمرحلة من المراحل بقدرة ورغبة النخب الحاكمة على المضي في ذلك الاتجاه وليس الوقوف عند فكرة اللحظة التاريخية لتولد ذلك النظام باعتبار أنها وصياغاتها فكرة خالدة أو يجب إن تستمر كذلك.

 

ان إدارة البلد وعلى الطريقة التقليدية حتى وان استندت إلى  تكنوقراطية و بيروقراطية  تبدو حديثة- لم تعد تتناسب والتغيرات المجتمعية المحلية وكذلك المعطيات الدولية والإقليمية المحيطة. كانت تلك الإدارة مناسبة لربما لفترة ما قبل نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أما ومنذ العقد الأخير للقرن الماضي وبدرجة اكبر منذ دخولنا الألفية الثالثة فان تلك الإدارة ليست فقط غير مناسبة بل ان استمرارها يشكل عبئا وتكلفة باهظة ليس على القائمين عليها فقط وإنما على البلد دولة ومجتمع. ورغم ما يقال عن ديموقراطية الصحراء لتلك الإدارة ومجالسها فان تلك لم تعد تمثل الإطار المناسب و كذلك  فان مرتادوها هم في الغالب من كبار السن وليس من الأجيال الجديدة والذين قد لا يجدون فيها الخلاص. ورغم الجانب الإنساني في تلك المجالس بان يقابل أعلى قيادي في البلد مواطنيه (وبعض منهم بشكل دوري كما هي الحال مع سمو ولي العهد الأمير عبد الله) فان الأمر لا يخلو من آثار سلبية في الوقت ذاته، ذلك ان عدد من الذين يرتادون تلك المجالس غالبا هم من كبار السن والشيوخ والذين يأتون من أماكن بعيدة للبحث عن حلول لمشاكلهم والتي لو وجدت الآليات والإجراءات والمؤسسات المركزية والمحلية ذات الصلاحيات والأطر القانونية، لما كان لهذه المعاناة ان تحدث وتستمر. أضف إلى ذلك حقيقة بشرية و هي  عدم إمكانية و قدرة  ان تستطيع القيادة، أي قيادة مهما أوتيت  من قدرات و رغبات في ذلك الاتجاه (رغم احتمال وجود مستوى عال من الرغبة في ذلك) ان تحل مشاكل أفراد المجتمع وفئاته بهذه الطريقة والتي أيضا، ان وجدت، قد تبقى أسيرة للحاجب والوسيط والذي يتحكم بمن يدخل ومن لا يدخل ثم بعد ذلك للشارح والمنفذ والمتابع وكلها حلقات يصعب التحكم بكفاءاتها وبالتالي إضعاف تلك الأخير عموما لدرجة أنها تولد نقيضها من حيث عدم قدرتها على الاستجابة لتلك الحاجة الاجتماعية العامة و بالتالي  تصبح فعليا غير ملائمة.

 

 ولحل الأزمة الداخلية في السعودية - و لربما في البلدان العربية الأخرى المماثلة قياسا -  وبما هي علاقة بين الدولة والمجتمع فان المخرج هو بديل الإصلاح والذي يتطلب التفهم و إمعان النظر فيه من قبل المعنيين ببقاء الدولة والمجتمع على حد سواء. وحيث ان بديل الإصلاح يتطلب إصلاح بنية الدولة وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس تكيّف قدرات النظام في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فان الآليات بحاجه إلى تحديد الخطوط العامة للإصلاحات المطلوبة في تلك المجالات.

 

ثالثا-3-1: في المجال السياسي

 

يجب الانطلاق من فكرة جوهرية وهي الانطلاق من المواطن نفسه و إعادة الاعتبار أليه  و الثقة فيه بحيث يكون الأساس  و الجوهر هو  إشراك المواطن في الحكم بمعنى إدخال المواطن آلي دائرة الحكم وصناعة القرار بدلا من يكون خارجها كما هو حاليا. تلك تقتضي معالجة مسالة المشاركة السياسية وهذا يتطلب إيجاد صياغة حقيقية لفصل السلطات (التشريعية،والتنفيذية،والقضائية) منطلقة من قيام نظام دولة ملكية دستورية بحكومة رئاسية وهذا يعني وبما يضمن بقاء و استمرار الملك على قمة هرم الدولة وهو ما يعني أو لربما التأكيد على بقاء الأسرة السعودية باعتبارها القوة الأعلى في هرم قيادة وإدارة هذه الدولة. وهذا يعني أو لربما إمكانية كون الملك ستكون له سلطات سياسية أصيلة واضحة تعطيه الحق الدستوري عن طريق "الإرادة الملكية" في تكليف تشكيل الحكومة أو إقالتها إذا لم تنسجم مع السلطة التشريعية والقيام بمهامها "أي برنامجها الحكومي" بحيث تكون الحكومة أصلا مسؤولة أمام السلطة التشريعية بحيث يمكن للأخيرة من التصويت على الحكومة بالثقة من عدمها وبمحاسبة الوزراء وكذلك المساّءلة القانونية ومناقشة الميزانية والمصادقة عليها أو رفضها. وأما من يكون الملك وهو رئيس هذه الدولة فهذا أمر يترك " للأسرة السعودية " وقد يكون من المناسب ان يقوم" مجلس الأسرة  " - والذي يفترض ان يتشكل بّالية ترضى الأغلبية منها أو أنها تتوافق عليها- بعملية اختيار الملك. وتلك العناصر السابقة واللاحقة يجب ان ينص عليها دستور محدد النصوص وبموافقة  شعبية عليه" استفتاء شعبي "  ثم يربط ذلك الدستور للمراجعة سواء بالتعديل أو الإضافة أو الحذف فيه  بالسلطة التشريعية باعتبارها صاحبة الصلاحية في تلك الأمور.

 

 وتلك السلطة التشريعية والتي تأتى عن طريق آلية الانتخابات هي المؤسسة التي يتم من خلالها إشراك المواطن في الحكم وصناعة القرار. والسلطة التشريعية تلك يمكن ان تتكون من مجلسين بحيث يمكن إدخال القوى الاجتماعية الجديدة والشعبية وكذلك إيجاد التوازن مع القوى الاجتماعية التقليدية والأعيان والمشايخ وبعض الاقليات والعلماء. ولإتمام تلك العملية فان مجلس الشورى الحالي يتطلب التطوير إلي سلطة تشريعية أصيلة وتحويلة إلي مجلسين؛ مجلس شورى منتخب للشعب و آخر للأعيان. ويمكن للأخير أن يتم اختيار أعضاءه بالتعيين بحيث يضمن دخول تلك القوى التقليدية ومن في حكمها من اجل الموازنة وكذلك للإحاطة بالمسألة الاجتماعية.

 

وفي سياق تطوير مجلس شورى منتخب لربما هناك من يثير مسالة التخوف أو التخويف من الأبعاد القبلية والطائفية وكذلك الإشارة آلي عدم وعي الشعب في تلك الاتجاهات . وتلك حجة ليست قوية إذ أن بعض البلدان العربية (لبنان – الأردن- الكويت- اليمن-) وكذلك الأفريقية وحتى في الهند ومناطق أخرى أتاحت المجال للانتخابات رغم التنوع القبلي أو الطائفي والعرقي ولم تتعطل العملية السياسية. فوق هذا، فإننا نزعم أن القبيلة، كمؤسسة ناضمة مهيمنة على و محركة لمن ينتمون إليها، في السعودية قد ضعفت وضعفت بدرجة كبيرة. وهذه الوضعية تنسحب على كافة القبائل في السعودية وان كانت بنسب متفاوتة إذ هي بالشمال اضعف منها في الجنوب والوسطى. و بغض النظر عن الفوارق تلك و أسبابها (ولعل هذه النقطة الأخيرة  بما هي ظاهرة تحتاج إلى  إعمال النظر و الدراسة المعمقة لها) فان فاعلية القبيلة في السعودية لم تعد واضحة إلا في مسالة الانتساب الاجتماعي وحل بعض المشاكل مثل الديات وتلك الأخيرة ليست أساسا مسالة سلبية بل إنها قد تكون إضافة في إطار بعض التكوينات  للمجتمع الأهلي.

 

ومهما يكن من أمر فان فاعلية  القبيلة من حيث حركتها السياسية ومدى تحكم شيخها في تلك الحركة لم تعد محسوسة تماما . كذلك فان القبيلة من حيث هي بنية ذات نظام سياسي واجتماعي وقانوني "عرف" و ديناميكية  في إطار الحمى "الإقليم" والغزو باعتبار الأخير أحد وسائل الحياة والعيش لم تعد قائمة أبدا ذلك أن الدولة أصبحت ليست فقط المنافسة بل المهيمنة خاصة وان الأخيرة هي المتحكمة بالموارد بكافة عناصرها.  إضافة آلي ذلك فان الانتخابات ومسالة البعد الاجتماعي منها إنما تحتاج إلى مزيد من الولوج  باعتبار ان تلك  تجربة تحتاج آلي المساهمة في إنضاجها. ان ذلك يتطلب البدء فيها وليس الانتظار لأنه ليس هناك نقطة نهائية للقول بالوصول عندها. أضف آلي ذلك كله ان تلك المخاوف يمكن تحييدها عن طريق أليه إيجاد المجلسين لكي تعطى  الفرص المتوازنة لتلك القوى التقليدية مع القوى الأخرى وذلك من خلال مجلس "شورى" الأعيان وعن طريق التعيين لنسبة ما من أعضاء  أن كان ذلك ضروريا و خاصة في المراحل الأولى من العملية السياسية بصيغتها الإصلاحية. إضافة آلي ذلك كله فان هناك من يرى وبناء على ملاحظة التجارب العالمية تاريخيا وحاضرا بان التركيب القبلي أو الطائفي لم يكن عائقا تجاه التحول آلي المشاركة السياسية الانتخابية ذلك ان التوازنات القبلية بحد ذاتها و هي في سياق الندية  والمساواة ستعمل على موازنة بعضها البعض وبالتالي قد تكون دعامة قوية ضد الطغيان والاستبداد ذاته (37).

 

 

إضافة آلي السلطة التشريعية بشقيها (شورى الشعب والآخر للأعيان) فان الحكومة (السلطة التنفيذية) يجب أن تشكل دائما بناء على اتجاهات الانتخابات في السلطة التشريعية ويكلف الملك الشخصية سواء أحد الأمراء أو أحد أبناء الشعب ويفضل الأخير وذلك بما يعفي الأسرة من مسؤوليات وتبعات إخفاق الحكومة وأدائها التي تشكل الحكومة من المجموعات أو القوى أو الكتل الأكثر وزنا (عدد المقاعد) داخل السلطة التشريعية لمجلس الشورى المنتخب.  ويغض النظر عن من يرأس الحكومة فان تشكيل الحكومة يجب ان يربط ببرنامج محدد ومسؤولية قانونية أمام مجلس شورى الشعب و الأعيان  بحيث يمكن التصويت على الحكومة وبرنامجها بالثقة أو سحبها ومساءلة الوزراء ومحاسبتهم وكذلك مناقشة الميزانية والموافقة عليها أو رفضها. وفي حالة تشكيل أي حكومة سواء في أعقاب الانتخابات التشريعية أو في حالة إحلال حكومة بدل أخرى نتيجة التصويت والأخيرة يجب أن تقدم استقالتها  أمام الملك فان ذلك يستند آلي صدور إرادة ملكية وبخطوط عامة للبرنامج الحكومي والذي يتحدد لاحقا بشكل تفصيلي لإقراره من السلطة التشريعية. ويمكن التأكيد على أن يحتل بعض المناصب الوزارية عدد من أفراد الأسرة السعودية وخاصة بعض الوزارات السيادية (مثل الداخلية والدفاع والخارجية) وعلى نحو متعارف عليه والى فترة تشعر فيها الأسرة بنوع من الاطمئنان بان الإصلاح لا يستهدف الإقصاء وإنما يستهدف التطوير وتمتين العلاقة بين الدولة والمجتمع بحيث يكون الأخير جزء ومركب أساسي من أساسيات النطاق السياسي واتخاذ القرارات ومصدر مشروعيتها. وفي حالة التوجه آلي هذا البديل الإصلاحي فانه على مستوى برنامج الحكومة، فان مكافحة الفساد بكافة أشكاله وتجلياته،-- باعتبار ان الفساد اصبح سرطانا يشمل الجميع ولا يستثني أحدا  تقريبا  وخاصة في الأبعاد  المالية والإدارية والمحسوبية وكذلك  التأكيد على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة--، يجب ان تحظى بأولوية قصوى لأي حكومة بهذا الاتجاه.

 

ارتباطا ببديل الإصلاح في بعدة السياسي والذي يرتكز على فكرة قيام نظام ملكي دستوري رئاسي وهو ما يعني تنمية سياسية مطلوبة للتكيّف مع التحديات الخارجية والداخلية فان قيام نظام وسلطة قضائية مستقلة يعتبر من مكونات ذلك البديل وأركانه الأساسية .

ان هذا يعني فيما يعنيه قيام وإيجاد نظام قانوني دستوري يحدد تلك السلطات والاختصاصات وعلاقاتها وبما يؤكد على سيادة القانون والذي يتمحور حول الإنسان وكرامته وحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية في مقابل الواجبات الملقاة عليهم . ولكي يصار آلي هذا النظام القضائي فيمكن الدمج بين المصادر التشريعية الإسلامية باعتبارها المصادر الأساسية ولها الأولوية وبين المصادر القانونية الإنسانية و تلك الأخيرة أصبحت ضرورات الحياة تحتاجها ولا تقوم بدونها ولا تتعارض بالمطلق مع الأولى.

 

 وفي سياق تلك المسالة وتحقيقها فان هناك حاجة ماسة آلي إعادة هيكلية وتأهيل الطاقم القضائي كاملا بحيث يجمع بين متطلبات الشريعة وضرورات القوانين العالمية وان يكون لدى القاضي إلمام قانوني فقهي إسلامي وعالمي مقارن. وفي هذا السياق يؤكد على مساهمة كافة العلماء والمشايخ من كافة المدارس والمذاهب الإسلامية في تلك المؤسسات القضائية وبما يعني الانفتاح على المذاهب الفقهية الأخرى وان لا يكون حكرا على فئة أو مدرسة فقهية بعينه.

 

 وينطبق هذا على التوجه بالانفتاح الديني على كافة الاتجاهات العامة بحيث يمكن للمواطنين من مختلف المدارس والمذاهب الفقهية المساهمة في المسالة الدينية وشعائرها بما في ذلك مهام الدعوة والإرشاد وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك في إمامة الصلوات و خاصة في  قائمة  أئمة وخطباء المساجد وبالذات الجمع. ان تلك الإصلاحات القضائية و الدينية ذات الصلة في سياق بديل الإصلاح وخاصة وجود نظام قضائي دستوري متطور ومنفتح هو أيضا اصبح من متطلبات التوجهات العالمية وخاصة فيما يتعلق بتسهيل انظمام المملكة آلي منظمة التجارة العالمية والتي تشترط أساسا حدوث إصلاحات جوهرية في تلك الأبعاد وبما يضمن الحقوق والممتلكات للمستثمرين ويسهل من مهمتهم، قبل قبول  الانضمام.

 

 

 

 

 

ثالثا-3-2: في المجال الاقتصادي

 

ورغم ان هذا مرهون بعمل الحكومة وبرنامجها الحكومي لفترة عملها فان التأكيد هنا يكون على التشديد على مسالة التعامل مع قضية التنمية الاقتصادية وأبعادها كافة بما يحقق العدالة الاجتماعية والرفاهية والتقدم والكرامة للجميع أفرادا وجماعات ومناطق وهذا يتطلب ان تعاد صياغة أولويات التنمية والخدمات المتصلة بها(تعليميا-اجتماعيا-صحيا-مائيا-زراعيا..........الخ) بحيث يكون هناك توزيع عادل ومتوازن للموارد وان تتاح الفرصة الكاملة والمتساوية لأبناء البلد ومناطقها للحصول على تلك  الخدمات والحاجات من خلال؛ أولا، توزيعها على المناطق وليس حصرها في مناطق أو مدن منها بعينها والذي يعني، في حالة استمرار انحرافها كما هي عليه ألان، هو مزيد من التشوهات الاقتصادية والاجتماعية وبما يزيد من الهجرات من مدن ومناطق بعينها وبما يراكم مشاكل ومتطلبات لا تستطيع معها تلك المدن أصلا ولا أجهزتها سواء خدماتية أو أمنية على السيطرة عليها. وثانيا إشراك المواطن على مستوى الدولة المركزية و على مستوى المناطق والمحافظات والمراكز بعملية صياغة السياسات التنموية ومخرجاتها وتقويمها. وفي هذا السياق فان وجود لامركزية في مسائل المالية والصلاحيات في اتخاذ القرارات على مستوى المناطق قد يكون هو الخيار الأفضل مع توفير قدر كاف من الموارد المالية للمناطق حسب احتياجاتها التنموية حتى تصل آلي درجة معقولة من التوازن مع المناطق الأخرى ثم تصبح المسالة لاحقا حسب الاحتياجات النسبية لكل منطقة .

ان الاختلالات التنموية بين المناطق وخاصة التدني في مستوياتها في المناطق الجنوبية والشمالية هو الذي يفسر آلي حد ما نزوع بعض الأفراد والجماعات من تلك المناطق آلي العنف أو تجاوز الدولة وهذا الربط بدأت تلحظه حتى المصادر الغربية. ورغم ان الدولة وقياداتها وخاصة بتوجيهات الأمير عبداللة تحاول منذ اكثر من سنتين توجيه الاهتمام آلي تلك المناطق وبالذات الجنوبية على اثر انتشار حمى الوادي المتصدع (38)، وبدرجة اقل الشمالية، فان الأمور لازالت تسير ببطء. ان حالة نزوع الأفراد آلي العنف نتيجة الفقر والإفقار والاختلالات الاقتصادية لا يجب أن ينظر أليها في بعد التظلم الفردي للفقر والافقاروتلك حالة وان كانت عامة (39)، إلا أنها وفي سياق الربط بالتظلم الجماعي أو المناطقي – قد تكون هي المحرك لذلك النزوع العنفي حتى وان كان بعض الأفراد المنخرطين فيه من موسري الحال. وفي سياق المعالجة الاقتصادية فان معالجة البطالة والتوظيف والديون وتطوير إدارة موارد الدولة يجب أن تحظى بأولوية قصوى لحكومة الإصلاح.

 

 

 

ثالثا-3-3 : في المجال الاجتماعي:

 

وفي المجال الاجتماعي هناك حاجة ماسة لتطوير قوى ومكونات المجتمع الأهلي في كافة الفضاءات والاشغالات الاجتماعية وان لاتربط بتشكيلات رسمية  أو قيود وبما يعني ويضمن إنهاء الوصاية الفوقية على تلك التكوينات (الجمعيات) الاجتماعية بحيث يمكنها القيام بمهام واد وار أصبحت الحاجة أليها في هذا العصر وفي سياق تقديم خدماتها في كافة المجالات التنموية المعنوية والمادية لكثير من الأفراد والمجموعات –ضرورة من ضرورات الحياة والعيش المشترك خاصة مع تراجع قدرات الدولة في تقديم تلك الخدمات ومع تزايد الأدوار والمهام للقطاعات الخاصة الأهلية في كافة الدول وبما يتماشى  واتجاهات العولمة وتحدياتها. ان ذلك التطوير والتفعيل لمكونات المجتمع الأهلي في كافة الفضاءات والاشغالات الاجتماعية يعني فيما يعنيه وبدرجة جوهرية تفعيل جمعيات أهلية مستقلة للإنسان في مجال الحقوق والحريات وكذلك البيئة والصحة والاستهلاك آلي جانب  وجود جمعيات رسمية أو حكومية  .إن إعلان الحكومة السعودية منذ اكثر من سنتين  عن تشكيل جمعيات حقوق إنسان أهلية ورسمية خطوة في الطريق الصحيح والتي يجب ان يؤكد عليها مرة أخرى ولكن بشكل يتطلب فكرة اكتساب المشروعية الأهلية والقانونية وذلك بان يشرع لها،  من قبل " السلطة التشريعية " المتكونة في سياق بديل الإصلاح ، وبما يحدد مهامها أو ضوابط عملها انطلاقا من صدور "تشريع" أو قانون لتلك الجمعيات وقوى المجتمع الأهلي. وفي سياق الإصلاح الاجتماعي، يجب التأكيد على مراجعة جدية و حقيقية لا وضاع و أدوار المرأة في العملية التنموية بكافة أبعادها وكذلك في الأبعاد الأخرى ذات الصلة من العملية الإصلاحية.

 

 

ثالثا-3-4 : في المجال التعليمي

 والثقافي والإعلامي

 

إضافة آلي ما تقدم من عناصر "بديل إعلان" فان على الحكومة وبرنامجها الحكومي، إعادة هيكلة التعليم والانفتاح على التعليم الحديث ووسائطه وتقنياته والأطر الفكرية من الإسلامية آلي العالمية ذات الوجوه الإنسانية مع التأكيد على الهوية العربية الإسلامية في هذا التوجه. وفي سبيل المضي قدما في تحقيق هذا التوجه ، فان الأمر أيضا يتطلب ويحتاج آلي إعادة تأهيل شبه شامل لكافة الكوادر التعليمية وخاصة في مستويات التعليم مادون الجامعي وحتى الابتدائي بحيث تكون الكفاءة والالتزام بأخلاقيات العمل والعلم هي الأساس للعمل في المجال التعليمي والتربوي. ان على الحكومة في سياق برنامجها الحكومي المتصل بالعملية الإصلاحية التربوية العمل على  تفعيل كافة  القطاعات الإنتاجية  بما يتوافق  مع ان  تكون الدورة التعليمية  ذات مخرجات  متنوعة وعصرية  تدخل في كافة العمليات  الإنتاجية و ليس كما هي ألان  دورة مقفلة يعاد إنتاجها لامتصاص بعض من البطالة  و التي تدور في حلقة مفرغة بتركيزها على استيعاب مخرجات الدورة التعليمية في القطاع التعليمي نفسه (العمل كمدرسين أو مدرسات) أو في الوظائف الحكومية و التي يبدو أنها تجاوزت درجة التشبع  آلي التخمة المفرطة و التي وصلت آلي عدم القدرة على المضي في تلك العملية الاستيعابية والتي ستنعكس سلبا بإعادة إنتاج البطالة مرة أخرى. طبعا هناك مخرجات متنوعة بعض الشيء في الدورة التعليمية في حلقاتها العليا، و لكن يلاحظ انه و باستثناء بعض من التخصصات، خاصة العلوم الطبية، فان معظم الخرجين و الخريجات من كافة التخصصات من الجامعات يبحثون عن عمل في القطاع التعليمي (التدريس) أو في الأجهزة الحكومية. إضافة آلي ذلك هناك حاجة ماسة للتوسع في القطاع التعليمي الجامعي والتطبيقي الرسمي و الإصلاح مع التأكيد على رفع القيود على مثل تلك التوجهات و التركيز بدرجة اكبر على المناطق  الأخرى  والتي لازالت تعاني من نقص في المجال التعليمي و خاصة الجامعي منه.

 

 ولعل الخطوة الأخيرة  (الأمر الملكي في 24-3-2002م) التي أقدمت عليها القيادة السعودية بدمج الرئاسة العامة لتعليم البنات  بوزارة المعارف خطوة تمثل محاولة للتعامل مع معضلة التعليم و إعادة هيكلته في سياق الانفصام الذي كان قائما  بين المؤسسات التعليمية للبنين و للبنات و ما يتصل بالازدواجية غير المبررة في المجالات الإدارية و المالية و المنهجية. ان كانت تلك الخطوة تستهدف إعادة هيكلة التعليم بحيث يحقق قدرا عاليا من تمتين مستويات التعليم  وجودة عالية لادارة الموارد في تلك المجالات، فان ذلك يعتبر خطوة في الطريق الصحيح لكنها تحتاج إلى التعزيز في السياقات التعليمية الإصلاحية الأخرى. وان كانت تلك الخطوة تستهدف  التمهيد لتعديلات في المنهجيات للتعامل مع الضغوط الخارجية الغربية و الأمريكية تحديدا فان ذلك لا يبدو ينظر إلى إعادة هيكلة التعليم باعتبارها أحد متطلبات بديل الإصلاح  لمعالجة الأزمة الداخلية. 

 

 

   وفي السياق الثقافي العام فيجب ان يكون هناك انفتاح ومكاشفة وشفافية  مع النخب الفكرية والمثقفة والمتعلمة في البلد بحيث تكون الأخيرة قادرة على المساهمة في بناء الدولة والمجتمع والأمة وان تتجاوز القيود المفروضة عليها في سبيل تلك المساهمات سواء على مستوى الداخل أم الخارج وفية وفي درجة هامة النطاق العربي. وفي سياق المسالة الثقافية  ومساهمة المثقفين فانه من المثير للملاحظة ان هناك شبة انعدام للمؤتمرات والندوات عن القضايا الملحة داخليا (40). وإذا وجدت فإنها وفي سياقها الرسمي، غالبا ما  تفتقر آلي الهامش المطلوب للرأي الآخر. وأما بالنسبة لمشاركات المثقفين والمفكرين في النشاطات الخارجية وخاصة في المنطقة العربية فإنها تخضع لقيود صارمة وتتطلب الحصول على موافقات رسمية والتي غالبا ما تتأخر أو تأتي بالرفض. ولعلة من المفارقات العجيبة ان هذا البلد يحتضن  طاقات وكوادر متعلمة مثقفة لربما قل نظيرها في كثير من البلدان العربية وذلك في كافة التخصصات ولكنها ولعدم قيامها بمهامها وتعطيل فاعلتها أدى بها آلي غيابها بل آلي تراجع في إمكاناتها ومخزونها المعرفي والثقافي مع مرور الوقت. ولعلة من المثير للملاحظة وغريب الأمور أن تجد عناصر في البلد  ممن يشيرون آلي مواقف المثقفين والمفكرين الآخرين وهم عادة من العرب اوالاجانب باعتبارها مواقف سلبية تجاه السعودية وان تلك المواقف تمثل نوع من الحسد أو الحقد ...الخ. ان تلك المسالة وان صحت جزئيا ليست صحيحة على الجملة وان ما فيها من صحة مردها، أيضا، عدم إتاحة الفرصة للمثقفين من البلد للقيام بمسؤولياتهم من حيث المساهمة والمشاركة والحوار مع أولئك المثقفين وبالتالي تبديد الصورة النمطية عن الإنسان والدولة والمجتمع في السعودية ان وجدت.

 

 وفي الجانب الثقافي الإعلامي ، فيجب ان تكون هناك مكاشفة وشفافية تجاه الرأي العام وبالتالي انفتاح الصحافة وتوسيع ان لم يكن إطلاق هامش الحرية لديها بحيث تتسع للرأي والرأي الآخر وان تكون أحد وسائل وأدوات أطر إتاحة المعلومات وطرح ومناقشة القضايا الملحة محليا وعربيا ودوليا في كافة المجالات ، خاصة وان الأمر لم يعد يحتمل في ضوء وجود بدائل وقنوات ومساحات وساحات للمناقشات والحوار وتبادل المعلومات وإيصالها للمواطنين من الإعلام العالمي والإقليمي والعربي ووسائل الاتصال الحديث المتصل بشبكة المعلومات العالمية الإنترنت وفضائياتها غير المحدودة وكذلك القنوات الفضائية ...الخ .

 

إن إلقاء نظرة على الإعلام المحلي سواء المرئي أو المكتوب وخاصة واقع الصحافة السعودية يبين أنها تعيد إنتاج نفسها في كل منطقة بحيث انك لاتحد من الفوارق إلا ما تعلق بمحليات  المناطق تحديدا ، أما الخطوط العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمتصلة بالشان العام المحلي فان قراءة صحيفة واحدة تكفيك عناء الاطلاع على البقية.

 

  ولعل الأكثر وضوحا في كل ذلك هو انعدام الرأي الآخر انعداما يكاد يكون كاملا – رغم وجود أقلام ومواهب وكوادر تمتلك مقومات التحليل والنقد والتقويم والتعامل مع الأفكار الجديدة والمستجدة – وذلك بسبب من معوقات العمل وخاصة انعدام أو الضيق الشديد لهامش الحريات. ان ذلك  يؤدي آلي حجب أو تغييب تلك الإمكانات والعناصر الثقافية والمعرفية وأصحابها ويضطر بعض منها آلي النفاق السياسي والرؤية الاحاديه شديدة – الانغلاق وبالتالي يفسح المجال فقط و فقط لاؤلئك من الكتاب والذين لا يرون غضاضة في التماهي مع تلك التوجهات والمساهمة في استدامتها على نحو قد يساهم جهلاً أو عمدا في تواصل إمكانية بروز مشهد الانهيار.

 

إن الرأي الآخر سواء على مستوى الثقافة والمثقفين والمفكرين في نطاق الندوات والمؤتمرات والمساهمة فيها أم على مستوى الإعلام المقروء والمكتوب وفي المسموع يجب ان يعطي الفرصة والضمانات المشروعة بأن يؤدي دوره منظور أليه ليس على انه هدام أو معارضه هدامة كما هو شائع في عقول من هم ينتسبون آلي الحقول  والقوالب والحقب الماضية، وإنما يجب إن  ينظر أليه على انه رأي مختلف يقدم قراءة مختلفة ولربما يشكل على هذا النحو ، وحسب مقولة وليم زارتمان دعامة للحكم(41) أكثر من أولئك الذين لا يستطيعون إلا إن يقدموا القالب والرؤية ألا حادية و والواحدة  والتي تتماشى مع ما يعتقدون انه الخط العام المقبول. ان الاختلاف في الراي والنقد هو الذي يبين السلبيات ويطرح والخيارات؛ واما الرأي الواحد المماشي (الذي لا يستطيع طرح مناقشة إلا قضايا ومشاكل الخارج بما فيها مشاكل البلدان العربية من حيث حقوق الإنسان ومشاكل الاقليات والاستبداد السياسي والاخفاق والاقتصادي، ولكنه  لايريد أو لايقدر أن يتعامل مع تلك القضايا على مستوى الداخل )،  فانه وان كان يرى بأم عينيه المخاطر والحفر والمزالق فانه إما لايستطيع أو لايريد إن يقول ذلك ،انه دائما راكبا للسفينه العمومية  وزاعما الولاء لها محرضا على استعداء الرأي الآخر على طريقه كسب مزيد من الود والترقي .

 

لعل من المثير للملاحظة والاستغراب أن آلرأي لآخر في مستواه الاقصي  محارب كما تمثلها  بشكل صارخ حالة ما تعرض له مؤخرا الشاعر عبدالمحسن المسلم من مساّءلة واعتقال في السجن بسبب قصيدة " المفسدون في ألا رض "  و التي ينتقد فيها بعض القضاة و نشرها في صحيفة " المدينة " في 10-3-2002م ، و كذلك اقالة رئيس تحريرالصحيفة نفسها (محمد مختار الفال) بسبب نشرة لتك القصيدة( 42). أن تلك المعالجات القاسية للرأي ألا خر ، و هي ليست حالات معزولة على اية حال،  تعيد دوامة السياسات الامنية و التي لا  تزيد الامور إلا تعقيدا، بل انها تساهم  بانتاج  دوامة التطرف و تزيد من اتساع  دائرة المعترضين على الدولة و سياساتها و بما ينعكس سلبا على علاقة الدولة بالمجتمع و يفاقم من ازمتها بدلا من حلها. ان مثل تلك الحادثة و مثيلاتها و التي لا تبدو معزولة و محدودة، تثير الاستغراب حقا، ذلك ان هناك عناصر في اجهزة الدولة تساهم  بجهل أم بوعي  في خلق ألا عداء  للدولة و تلك مفارقة يجب ان يعاد النظر فيها  لانها لا تزيد الازمة الداخلية إلا تفاقما.

 

       و لعل الأكثر غرابة و اثارة للملاحظة في سياق التعامل مع الرأي ألا خر أنه ليس فقط محارب و  مغيب بل و إنما   فوق هذا و ذاك  منكر عليه صمته و  ابتعاده عن الساحة الاعلامية والثقافية في إطار قياساتها وقوالبها وحدودها القائمة، وقد يصل الامرالى ابعد من ذلك بان يثار صراحة أو تلميحا إلى  فكرة  تخوين أولئك الصامتين واثارة الشكوك حول وطنيتهم. ان تلك الحالة والوضعية الثقافية سواء على مستوى الثقافة العامة أم على مستوى ألا علام وبما هي وضعية متدنية أو مفقرة وشديدة الضيق بالرأى ألا خر عكست هي الاخرى جانب من ازمة الدولة والمجتمع في السعودية على محور الثقافة والمثقفين.

 

  و مع تلك الازمة الثقافية بانسداد ألا فق الثقافي أمام المثقفين والمفكرين – ( إذ لا ندوات ولامناقشات ولاحوارات وقليل جدا من معارض الكتب والفعاليات الثقافية حتى في الجامعات  ومؤسسات التعليم العالي والتي وصلت آلي حالة يمكن توصيفها بانها تمثل مدارس ثانوية كبيرة لااكثر ولا اقل) -  فقد افضى ذلك كله إلى أن ترى أعداداً متزايدة من المثقفين والمفكرين من  السعودية يطرقون الساحات العربية (بيروت والقاهرة والبحرين ،ودبي والدار البيضاء) بحثا عن الفكرة والكتاب ومعارضها وندواتها والكتابة في وسائلها والثقافية والاعلامية وحتى العيش فيها لما تتيحة بعض منها من بيئة اجتماعية وثقافية وسياسية ذات هوامش للحريات أوسع وارحب من تلك البيئة التي ترعرعوا فيها والتي بدأوا يشعرون بالاغتراب  معها. و مع تلك البئية الطاردة،  فانك أمام موسم دائم "لهجرة الطيب صالح للشمال"،  ونضيف عليها بعض من  حلقاتها الجديدة الخليجية والمغربية.

 

 وحتى تلك الهجرة و طرق ساحاتها الثقافبة العربية محفوفة ببعض المخاطر اذ لا تخلو من توترات ازمة الدولة والمجتمع في سياقها الثقافي ، ذلك ان أعداداً من المثقفين يتعرضون بين الحين والاخر لمضايقات لاتخلو من غرابة ومفارقة في نفس الوقت. فاما الغرابة فيها فان من يمارسها هم عناصر واطر لاعلاقة لهم بالثقافة ولربما يتجاوزون بها حتى الانظمة واطرها واصحاب الشأن بها؛ واما المفارقة فيها فان تلك المضايقات بما هي تجاوزات تصادر الحقوق والابداع تساهم بقصد اوبجهالة بتعميق الازمة بين الدولة والمثقفين وذلك من خلال ممارسة الكبت والحرمان والقهر وبما يعني التفنن  بخلق وتزايد العناصر المعادية و المعارضة  للدولة.

 

  إن استمرار تلك الوضعية الجامدة والمجمدة على ما يبدو في وجه أصحاب القلم و الرأي  في سياق المعلومة و الإعلام و الثقافة و الرأي الآخر داخليا من جهة و بين انفتاح آفاق غير محدودة للمعلومة و اطرها من أطراف خارجية من جهة أخرى لا يؤدي الا آلي  مزيد من ابتعاد كثير من المواطنين،  و خاصة المثقفين  و المفكرين و أصحاب الرأي و القلم، عن الدولة و اطرها و سياساتها  باعتبارها متفارقة  معهم على نحو  يخلق و يعمق و يعزز الفصام و القطيعة بلا رجعة بين الطرفين. ان تفعيل الاطر الثقافية ومكوناتها سواء على مستوى الثقافة العامة و المنتديات والجامعات أم على مستوى الاعلام وبما يضمن هامش قانوني واسع لتفاعل الاراء دون مضايقة على بعض منها ودونما تجريم أو منع سيكون أحد الدعامات الاساسية لمشروع وبديل الاصلاح.

 

 

ثالثا-3-5 : بديل الإصلاح

 والمجال الخارجي

 

إن السياسات في المجال الخارجي وخاصة في إطار المجالات الأمنية والعسكرية والعلاقات مع الخارج الغربي منها والعربي تحتاج آلي مراجعة وإعادة نظر. وفي السياق الدفاعي والأمني والعسكري للدولة فان المسالة ببساطة تحتاج آلي الاعتماد على القوة الذاتية من أبناء البلد والذين لا تنقصهم الرغبة في القيام بمهام حفظ الدولة والمجتمع إذا ما أتيحت لهم الأرضية الملائمة.

وتأسيسا على ذلك فان الحاجة أصبحت ماسة آلي إعادة النظر بتواجد القوات الأجنبية الغربية والأمريكية تحديدا ويجب ان يكون الهدف هو التخلص منها وان بشكل تدريجي و مرحلي. ان إحدى أزمات الدولة – المجتمع هي أزمة الشرعية المتصلة بالاعتماد على الحماية الأجنبية وتلك مسائل تقلق أبناء البلد إذ يشعرون بفقدان الكرامة الإنسانية، إضافة آلي فقدان سيادة الدولة أو تقييدها بدرجة كبيرة. وفي هذا السياق فانه وفي سبيل الوصول آلي نهاية لتلك الحماية الأجنبية الأمريكية فيجب التنبيه إلى أن ذلك لا يتطلب بالضرورة المواجهة مع الغرب وأمريكا تحديدا وإنما إيجاد آليات وصيّغ للوصول النهائي أليها وخلال فترة تتراوح بين خمس آلي سبع سنوات كحد أقصى.

 

  ويتطلب ذلك العمل الجاد على تقوية علاقات الدولة مع كافة الدول الأخرى شرقية كانت أم غربية وعلى نحو متنوع ومتوازن بما يحقق أيضا تنويع العلاقات الاقتصادية وكذلك تنويع مصادر الأسلحة وكذلك العمل على تطوير صناعة أسلحة محلية أو عربية في هذا الاتجاه للخروج من مسالة الاعتماد على السلاح والمصدر الواحد. وقد يكون من المناسب أيضا تطوير قوة عربية خليجية للاعتماد عليها.

 ولضمان هذا التوجه فان مرتكز العلاقات الخارجية سيكون إعطاء أهمية حاسمة للدائرة العربية والخروج من ملف الأزمات العربية وبدون عقد أو الانتظار حتى يقرر الآخر (الغرب). لذلك فان الحاجة ماسة لإعادة النظر بالمسالة والحالة العراقية الكويتية على نحو يقفل هذا الباب نهائيا وبما ينقذ كافة البلدان العربية وشعوبها من التورط في عمليات لا تستهدف في النهاية سوى العرب بمن فيهم الذات. ان ضرب العراق واستهداف النظام  فيه وإسقاطه  وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه قد يكون البوابة الواسعة التي يدخل منها الغرب و الولايات المتحدة تحديدا والورقة السابقة -- التاريخية التي ترفقها ضد الدول العربية الواحدة تلو الأخرى كما حاولنا ان نبين مخاطر ذلك سابقا . ان على السعودية ومصر وسوريا العمل على إقناع الدول العربية الأخرى من خلال القمة العربية القادمة أو الاتفاق فيما بينها على الأقل على عدم التعاون مع الولايات المتحدة في ذلك التوجه والعمل على إنهاء الملف العراقي و الحالة العراقية الكويتية بشكل نهائي ولمصلحة كل الأطراف و الأمة  العربية  عموما وذلك بالانطلاق من حكم شرعي إسلامي طبقا وتطبيقا للآية الكريمة: ((  وان طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فاصلحوا بينهما، فان بغت إحداهما على الأخرى  فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و اقسطوا ان الله يحب المقسطين <9> إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم و أتقوا الله لعلكم ترحمون <10> سورة  الحجرات)). أن المصالحات التي تمت في أثناء مؤتمر القمة العربية في بيروت و قراراتها التي صدرت  وهي تتصل بالاتجاه نحو إغلاق الملف العراقي تعتبر أمور مهمة و مشجعة  و تستحق الثناء و التقدير. أن الحاجة أصبحت ماسة الآن إلى البناء على تلك الاتجاهات  بخطوات تعزيزية اكبر و أهم للوصول آلي تطبيع كامل للعلاقات العربية العربية   و كذلك التنبه آلي بعض المنافذ العالقة و التي قد تستغلها أمريكا في توتير الأجواء العربية من جديد و استخدام بعض المواقع  و القواعد العسكرية العربية الأخرى  و التي تعمل أمريكا على ما يبدو تجهيزها (حيث التوجه الأمريكي بنقل أجهزة إلكترونية و حاسبات  لسلا ح الجو الأمريكي آلي قطر و هو ما يعني نقل مقر سلا ح الجو و قيادة العمليات التشغلية  هناك)  كمنطلق لشن الضربة على العراق. لذلك فان على الدول العربية الرئيسية و منها السعودية مصر و سوريا  مساعدة تلك الدول العربية الصغيرة و الوقوف معها، مثل قطر، والتي قد تتعرض مستقبلا للضغط عليها لإتمام المشروع الأمريكي بضرب العراق و بالتالي فتح مشاريع التفتيت و التقسيم و خاصة في الشرق العربي و منه الخليج و السعودية في مقدمته.

 

 وفي السياق العربي فان الحاجة تدعو آلي تطوير الأطر العربية وتفعيلها بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي باتجاه كيان فيدرالي وكذلك مؤسسة القمة العربية والجامعة العربية للوصول آلي ميثاق ومبادئ يمكن أن تؤطر بفعالية   للعمل العربي المشترك والخروج من ملف الأزمات بما في ذلك أيجاد آلية للتصويت في مؤسسة القمة العربية تأخذ بالأغلبية المطلقة أو أغلبية الثلثين  في اتخاذ القرارات بحيث تكون ملزمة للجميع بمن فيهم المعارضون طالما هم أقلية. وفي هذا السياق يجب التركيز على تفعيل المحاور الاقتصادية والثقافية ومناطق التجارة الحرة والمساهمة في قيام مؤسساتها إنهاء دعم وتفعيل ماهوقائم منها.  ان تلك التوجهات بما فيها التوافق والاتفاق مع العناصر والأطراف العربية المعنية على إدارة الصراع العربي الصهيوني إدارة تكفل الحقوق الشرعية و المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك الوصول آلي إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس مع التأكيد على  حق العودة للاجئين و بما تتضمنه تلك الإدارة من دعم شامل للانتفاضة وحمايتها حتى الوصول إلى تلك الغايات – سيكسب الدولة شرعية محلية وعربية وإسلامية.

 

رابعا : معوقات بديل الإصلاح

 ومحفزاته

 

أن تلك العناصر والتي فصلنا في بعضها، تشكل في شموليتها مشروعا يبدو هائلا وثقيلا ولربما  من الصعب تحقيقه في كلياته وفي أن واحد . ومع ذلك فأننا وان كنا لا نقلل من أهمية المصاعب التي قد تواجه وبالتأكيد ستواجهه ،  فأننا نرى في الوقت ذاته أن تنفيذ العناصر الأساسية من بديل الإصلاح أمر جوهري لإنقاذ البلد سلطة ومجتمع وآلا فان مشهد الانهيار سيكون البديل –الإمكانية. ومشهد الانهيار هو استمرار الأوضاع كما هي علية اعتقادا من القائمين على اتخاذ القرار بان الأزمة تم تجاوزها من خلال المعالجات الظرفية والمؤقتة ذات الصبغة المهدئة والمسكنة والتي ترافقت  لربما وحالة سكون ظاهرية لكنها قد تكون حالة خادعة ذلك بان تلك المعالجة لم تكن معالجة فقط شكلية وإنما كأنها وأصحابها لا تعترف  إنها لا تريد أن تعترف بوجود أزمة  بالفعل في العلاقة بين الدولة والمجتمع والتي وصلت إلى حالة يمكن وصفها بأنها شجرة وصلت آلي شيخوختها قبل أوانها بفعل النخر الذي بدا يسري فيها  من الفروع إلي الجذع و العكس صحيح  وأنها فقط مرحلة أخرى لربما لن تطول لكي تأتى بعض من  الرياح ( أزمة أخرى ) لتودي بها لكي يتأكد مشهد الانهيار.

 

هذا المشهد بالانهيار يمكن تجاوزه فعليا ببديل الإصلاح وكذلك قطع مشهد التقسيم أو التفتيت إذا وصل الأمر آلية قبل مشهد الانهيار وهذا الأخير سيكون الحافز والعامل الحاسم في مسالة التسريع والتسهيل بتنفيذ مشهد التقسيم. ويجب التشديد هنا ان طرح ومناقشة بديل الإصلاح إنما يعكس توجهات ونقاشات عامة وخاصة ودعوات فردية ضمن مقابلات و منابر أطر إعلامية متنوعة (43). في هذا الصدد ولربما حتى بين أفراد الأسرة السعودية المالكة وخاصة دعوات الأمير الوليد بن طلال والذي دعى آلي أيجاد نوع من الانتخابات لمجلس الشورى وان قصرت في مراحلها الأولى على الرجال دون النساء قياسا بالتجربة الكويتية وكذلك دعوات والدة الأمير طلال بن عبد العزيز والذي كان ولا يزال في كثير من مقابلاته وتصريحاته يدعو آلي تطوير وإصلاح تلك المؤسسات السياسية في السعودية. ومما قاله الوليد بن طلال، في دعوته للديمقراطية في السعودية 30/11/2001م في حوار مع صحيفة " نيويورك تايمز"، انه لمعالجة  عدم الرضى الداخلي خصوصا بعد التطورات الأخيرة فانه (" إذا سمح للناس الحديث بحرية ومشاركة بقدر اكبر في العملية السياسية فسيكون بالإمكان احتواءهم وجعلهم جزء من العملية ")، وقال انه كلما تمت عملية انتخابات مجلس الشورى بسرعة كلما كان افضل للمملكة. وقال انه يفضل إلغاء المخصصات الملكية السنوية والتي  قال أنها تصل إلى 180،000 دولار أمريكي وذكر بأنة وهو يطرح تلك الأفكار فانه يساهم في النقاشات داخل الأسرة حول فكرة الانتقال إلى ديمقراطية محدودة والتي تطرح علنا فيما بين أفرادها وان لم تطرح علنا إعلاميا. وذكر في النهاية ان الأسرة لازالت بصدد دراسة ان تقول (نعم)أو(لا) (44).

 

و رغم ان الوليد لم يكشف مواقف أفراد الأسرة المالكة تجاه تلك الديمقراطية المحدودة، إلا انه  يبدو أن هناك عناصر من الأسرة المالكة ، وان لم يكن بالإمكان حصرها،  أما أنها تشاطر هذا التوجه، أو أنها لا تمانع من سلوكه.  ويبدو ان تلك العناصر والتي يصعب حصرها أو تحديد أعدادها تنطلق من مواقفها هذا من فكرة ان توسيع دائرة المشاركة السياسية في صنع القرارلايمس فقط الأبعاد الشعبية وإنما يمسها هي كذلك؛ إذ أنها وعناصر أخرى داخل الأسرة تشكل حلقات بعيدة أهمية مبعدة عن مراكز القرار وبالتالي عن دائرة ومقتسمات والثروة و / أهمية النفوذ. وكذلك يبدو ان لهذه العناصر مصلحة في توسيع دائرة المشاركة انطلاقا من مصالح ( المصالح ليست بالضرورة مادية وقد تكون معنوية أهمية ذات صلة بالمكانة والنفوذ)   لها تبدو غير محققة في ظل الوضع الراهن حتى وان حصلت على بعض الامتيازات الهامشية بالمقارنة بالامتيازات الضخمة للحلقات ومراكز القوة الأساسية . والبعض الآخر  منها ينطلق من إدراك ووعي بان الأمور أخذت بالفعل بالتغيير في إطار علاقة الدولة بالمجتمع ومكونات  الأخير و قواه، وان افضل طريقة لتماسك البلد بما هو دولة ومجتمع هو التنازل عن بعض الأشياء مقابل الاحتفاظ بالأشياء الأخرى أو ببعضها على الأقل.

 

 ومع ذلك فان هذه العناصر المنفتحة على التغيير و ولوج الإصلاح، لا يبدو أنها مسموعة في صوتها أوانها كما هي العناصر الشعبية مغيّبة أو غير قادرة على البوح والمخاطبة والدفع بهذا التوجه، ولربما تشعر بالضغوط والقوة الممارسة عليها ضد هذا التوجه. في هذا السياق يلاحظ ان الأمير طلال والذي يبدو اكثر الأصوات داخل الأسرة ارتفاعا في إطار التوجه الإصلاحي، هو الآخر يشعر بتلك  القيود ولربما بعض من معاناتها عندما يقول في حلقة ضمن برنامج بلا حدود (قناة الجزيرة الفضائية/ قطر) والتي خصصت لردود الفعل على  حلقات شهادته على العصر، وذلك في 6/12/2000م انه بعد هذا اللقاء فانه لا يريد أن يتكلم عن الشان العام وذلك لأنه: الآن عرف...؟ ان هناك ثلاثة أشخاص مصرح لهم بمثل هذا الحديث وهم الملك فهد والأمير عبداللة والأمير سلطان (45). ورغم أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وتوابعها وصلة ذلك بما سمي الحملة الأمريكية على الإرهاب وعلى السعودية ، قد أتاحت حديثا آخر للأمير طلال ، إلا انه و في مقابلة في برنامج بلا حدود – مرة  أخرى (قناة الجزيرة الفضائية/ قطر)  (في 23/1/ 2002م) لم يشأ الخوض بالشأن العام الداخلي وركز جل همة على معالجة الأزمة من طرفيها الخارجي (الأمريكي تحديدا) عارضا فكرة استخدام ضغط المجتمع المدني العربي ومن خلال شركة للعلاقات العامة تؤمن الدخول آلي الساحة الأمريكية، علما بان الأمير طلال يعلم بان مؤسسات المجتمع المدني العربي ليست موجودة في عدد من البلدان العربية و منها بالذات السعودية، وبالتالي فان الإصلاح لا يكون من الخارج بل من الداخل بما في ذلك تفعيل ذلك التوجه(تنشيط عمل مؤسسات المجتمع المدني أو الأهلي  كما نفضل تسميته) داخليا وأولا وقبل كل شيء (46).

 

وحيث تلك هي التوجهات داخل الأسرة  وخاصة في إطار عدم الإفصاح عن مدى حجم وعدد الأصوات تجاه دعوات الإصلاح وكذلك عدم خروجها إلى العلن من  أصوات عناصر واضحة، إضافة إلى أن المسالة  كانت لا تزال تدور في إطار دراسة هل  نقول "نعم" أم "لا لفكرة "الديموقراطية المحدودة " وخاصة الوصول إلى سلطة تشريعية منتخبة ، وكذلك مع حالة السكون وما تعكسه من شعور بهدوء الأوضاع، فان ذلك كله يشير إلى ان هنالك ما يبدو انه معوّق بنيّوي ضد الإصلاح والديموقراطية المحدودة في ثنايا أطر العائلة المالكة وحلقاتها.

 

وعليه، فان الأمر  يبدو انه  وفي ثنايا تلك الحلقات من العائلة، فان معوق كبير للإصلاح والديموقراطية يبدو مرتبط بعناصر من الأسرة والتي تسودها وتطغى عليها رؤية  أو عقلية مغرقة بالماضوية؛ تلك هي "عقلية ملكية الجميع"، بمعنى ان البلد ومن فيه بشر وأرض وموارد ومؤسسات ومخرجات هي ملك خاص في قبضة اليد والتي لها الحق دون غيرها بالتصرف بما تشاء و  كيفما تشاء ومتى تشاء. تلك العقلية بالملكية الخاصة للجميع تستند إلى وتنطلق من مقولة أخرى اكثر ضيقا في رؤيتها إلا وهي أن إقامة الكيان والدولة السعودية إنما تمت(بالقوة وبحد السيف) وان من يريد اخذ شيء فليستخدم نفس الأسلوب والأداء، أن كان يستطيع طبعا . وتلك مقولة خطيرة لا من حيث التلويح بالقوة ولا باستعداء الآخرين بالولوج لها باعتبار ان الإصلاح باب مقفل. فوق هذا وذاك فان تلك العقلية تنسى أو تتناسى أن تلك القوة التي كانت  وراء تكوين الدولة السعودية (في السياق الداخلي فقط مع عدم إغفال أهمية العامل والقوى الخارجية في ذلك) لم تكن إلا من القوى المجتمعية والشعبية آنذاك سواء الحضرية منها "القروية والفلاحية" في بداية النواة الأولى للتكوين أم من القوى القبلية (رغم التصادم مع بعضها لاحقا عندما قامت شوكة الدولة) وكذلك دور بعض العائلات في المدن والأرياف والتي تحالفت مع الملك عبد العزيز وسهلت تلك المهمة بدرجة كبيرة في القصيم وحائل والاحساء والحجاز وعسير والجوف في مرحلة التمدد والتوحيد . لذلك تميزت المرحلة الأولى لقيام الدولة السعودية " بالمشاركة والمساهمة  " لتلك القوى أو من يمثلونها في مقابل الاستقرار وإنهاء حالة الصراع الأهلية البينية المتعددة والمتواصلة قبل ذلك.

 

 وفي إطار ذلك التوازن كانت تلك "العقلية بالملكية" لربما مقبولة قي الفترة الماضية، فترة التكوين وحتى لربما نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، أما في المرحلة الحالية وخاصة منذ أزمة الخليج الثانية 1990 فصاعدا ومع التحولات في تركيبة المجتمع وقواه -  والمتصلة بحركة التحديث  منذ نهاية عقد الخمسينيات من القرن العشرين فصاعدا وكذلك مع التطورات المحلية والإقليمية والدولية بما في ذلك ثورة المعلومات والاتصالات -، فان تلك العقلية ورؤيتها ليست فقط غير صالحة للمرحلة بل أنها ستكون عبئا على الجميع "دولة ومجتمع" بمن فيهم أصحاب وعناصر تلك الرؤية والعقلية.

 

 إضافة إلى تلك العقلية المهيمنة والمنتمية إلى الماضي ولكنها فاعلة في الحاضر ولو إلى حين، فان هناك عقبة بنيوية أخرى لربما تصل إلى ان تكون متساوية مع ان لم تكن اكبر من عقبة" عقلية الملكية" وبالتالي ستكون الأكثر فاعلية ضد بديل الإصلاح.  تتمثل تلك العقبة الأخرى بالقوى المتنفذة في أجهزة الدولة ومؤسساتها "البيروقراطية" وخاصة في مستوياتها العليا وأيضا حول عدد من العناصر القيادية في الدولة. هذه القوى المتنفذه هي ذات امتدادات مناطقية محددة وترتبط بعائلات بعينها من مدن أو قرى محدودة من تلك المناطق المحدودة رغم أنها ليست بالضرورة ممثلة لها  أو لأهلها على الجملة.

 

 تلك العائلات وأبنائها وامتداداتها بدأت تسيطر على المناصب الرئيسية في القطاعات المهمة من  الدولة وتستحوذ بالتالي على نفوذ لربما يتجاوز كثيراً  من أفراد الأسرة المالكة، بل أن أعداداً من الأخيرة لربما لا يجدون مفرا من التعامل مع تلك الأسر وعن طريقها للوصول إلى دائرة القرار في مدخلا ته أو  مخرجاته. تلك القوى المتنفذة والمرتبطة بعائلات بعينها وذات امتدادات بقرى أو مدن من مناطق بعينها وان كانت لا تمثلها بالضرورة، أخذت تستحوذ على النفوذ ورسم السياسات وتوزيع المناصب داخل الهياكل الحكومية وبالتالي أصبحت هي وبشكل متعاضد هي التي تعد وترسم وتنفذ سياسات الدولة وخاصة الداخلية منها. من هنا  يمكن ملاحظة ان السياسات التنموية لم تكن متوازنة بين المناطق و اشغالاتها  الاجتماعية. لذلك فان ما يتضح من تلك الاتجاهات هو انه رغم ان "الأسرة السعودية" لا زالت بيدها القرار النهائي لتلك السياسات إلا أن من يقوم بالفعل بإدارة البلد هي تلك القوى من العائلات المتنفذة .

 

أن تلك القوى المتنفذة هي ما يمكن ان يطلق عليه" الحرس القديم-الجديد" . أما كونه قديما فليس المقصود به هو انه من القوى القديمة من الناحية الزمنية وإنما لأنه يمثل الاعتراض على الجديد "الإصلاح"؛ و أما كونه جديدا فالمقصود به ليس لأنه يمثل التكوينات الاجتماعية الجديدة بالضرورة، وإنما لأنه في مرحلة ما وهي السبعينيات من القرن العشرين كان قد اخذ يحل وبشكل تدريجي محل النخبة السابقة والتي كانت  تنتمي آلي عائلات من منطقة أخرى  بعينها التي كانت لها الهيمنة في بيروقراطية الدولة أنذراك. تلك القوى المتنفذة هي التي تنعم بمكتسبات الدولة وخدماتها من مالية وخدماتية ومعنوية بما في ذلك وبدرجة مهمة مسالة النفوذ والمكانة، باعتبار أن النفوذ ذاته جالب للخيرات والملذات كما يقول بذلك ابن خلدون (47). إنها تحصل على مرتبات ومخصصات عالية ، وتحصل على تعليم عالي   ولربما خاص، وتحصل على خدمات صحية عالية حكومية  وخاصة  و لربما على حساب الدولة ونفقاتها و كذلك  تحصل في مناطق سكنها على خدمات بلدية لا يمكن أن  تجدها في أي من الأحياء الآخر غير المشغولة بتلك الفئات وعناصرها. لذلك فان تلك الفئات والعائلات وقواها المتصلة بها لن تكون مع الأصلاح بل إنما ستكون العائق الأكبر لربما في هذا الاتجاه.

 

 من هنا فان استمرار تلك العقبة ذات الصلة بالقوى المتنفذه والمتعاضدة والمتحالفة مع العقبة الأولى عمداً أو جهلاً منهما أو كلاهما، سيشكل العامل الحاسم والمحوري في تواصل عملية النخر في ظل تواصل عقبة أخرى هي الفساد بكافة تجليا ته وبالذات المالية والاداريه والمحسوبيه واستشراء المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة  وفي غياب القانون والمحاسبة. وبالتالي ستكون تلك العقبات وخاصة الأولى والثانية المسؤولة عن تعويم  بديل الانهيار و/ أو  الوصول بالبلد إلى مشروع التقسيم والتفتيت.

 

وحيث الأمر كذلك، فان بديل الإصلاح المطروح ينبه إلى ضرورة الالتفاف  آلي خطورة تلك العقبات وبالتالي معالجتها معالجة تفضي إلى إيقاف مخاطرها تلك. وعليه في هذا السياق فان الحاجة ماسة إلى معالجه المعضلة المتمثلة بتلك القوى المتنفذة و وقوفها ضد العملية الإصلاحية وما تمثله تلك العقبات و مواقفها من  بقاء الأوضاع  كما هي.  وتلك الأخيرة تمثل البيئة التي تترعرع و تنمو  فيها بذرة الانهيار ولربما تمهد في تنامي فرص مشهد التفتيت خاصة و أن الغرب و تحديدا  الولايات المتحدة عازمة جازمة هذه المرة على أما ألا تترك السعودية على ما كانت عليه و أما ذلك فقط يحتاج آلي الانتهاء من الأولويات في سياق مشروعها الكوني  وتسلسل حلقاته.

 

 والمعالجة تلك وأمرها لا يجب أن يفهم منهما بأن ما هو مطلوب هو استبدال  تلك العناصر بعناصر اكثر طيبة ونظافة ونزاهة  لتقويم الأداء الحكومي والذي بدا أن القيادة بدأت تلحظ قصورا واضحا فيه وتحذر من أثاره على  المواطنين، و ذلك أمر محمود بذاته،  كما فعل و نبه إليه الأمير عبد الله  ولي العهد وخاصة مؤخراً (48)، وإنما الأكثر أهمية في المعالجة يتركز على الإحاطة بجوهر المشكلة.

 

 إن المعالجة لها والوصول أليها لا  يتم  فقط بالرجال الأكفاء وان كان ذلك مهم و لا يقلل من شأنه في ذاته، وإنما بوجود مؤسسات واليات ذات صلة بالتكيّف السياسي للنظام وأبعاده الأخرى بحيث تتكون آليات ومؤسسات تستطيع القيام بمهام المسؤولية والمحاسبة القانونية تجاه تلك العناصر والممارسات أي كان مصدرها وبغض النظر عن أصاحبها وذلك ضمن إطار قانوني ودستوري يعتمد على إشراك المواطن في دائرة الحكم ولا يقصيه أو يستثنيه كما هو قائم حالياً. إن الثقة في المواطن و إعادة الاعتبار أليه في كل تلك الحلقات هو الذي يؤسس إلى إقامة علاقة متوازنة بين الدولة والمجتمع والتي تستطيع  بالتكيّف للنظام طبقاً للاتجاهات وظروفها أن تصمد أمام التحديات داخلية كانت أم خارجية، خاصة و إن القادم منها وبالذات  الأمريكي منها  على وجه التحديد -  و في سياق توجهاتها المستقبلية للمنطقة و هي  تشدد على إن الحالة السعودية  يجب أن لا تبقى كما كانت حتى ولو تتطلب ذلك تفكيكا لها أو إعادة هيكلة على نحو ما  -  هو اكبر مما يتصوره  البعض. إن الخوف كل الخوف إن تستمر عقلية التوهم بان الخطر زال و إن  الأزمة انقشعت و إن الأوضاع و أطرافها  ساكنة هادئة و بالتالي لا ضرورة لمعالجة  أو لإصلاح.

 

إن الانتظار مطولاً عند فكرة الإصلاح أو التردد تجاهها قد يكلف البلد (الدولة والمجتمع) ثمنا باهضاً قد يصل إلى فناءه وبالتالي يجب عدم الانتظار حتى تفرض الأمور من الخارج بهذا الاتجاه أو ذاك. أليس الأجدى والأكثر كرامة ولربما استحقاقاً للتقدير إن تأتي الإصلاحات من وعي و رغبة وقدرة وجرأه  للنخب الحاكمة؟ إن الأمل معقود على انه هناك عناصر من النخب المسؤولة  من لديهم بالفعل من العقلانية والحكمة والرشاد ما يؤسس لمثل هذه  التوجهات الإصلاحية. إن الأمر بدرجة كبيرة يرتبط  بوجود رؤية  لمشروع دولة بحيث أنها  لا تقصي و لا تستثني و إنما تقوم على  فكرة " المساهمة و المشاركة "  للجميع أفرادا و جماعات و مناطق و بصيّغ وآليات و مؤسسات عصرية   تصون الحقوق و تحفظ الكرامة و تحقق العدالة و الرخاء و التقدم.

 

 في النهاية نقول إن هذه الورقة، وبما تضمنته من أفكار انطلقت من تصورات و متابعات أكاديمية موضوعية و أيمانا بالمكاشفة المصارحة للمساهمة في إنقاذ البلد والأمة، لا تدعي إن صيغة الإصلاح المقدمة ،هي الصيغة الوحيدة أو الكاملة. إن هناك بالتأكيد طاقات وقدرات في أبناء هذا البلد وأبناء البلاد العربية  عموما والذين إذا ما أتيحت  لهم الفرصة فانهم بلا شك سيعملون على صياغة مشروع وعقد(مثياق إجماعي جديد) لبلدانهم و أمتهم. إن كل ما تسعى إليه الورقة هو أنها تريد أن تلفت إلى المخاطر والتحديات ومنها الداخلية بدرجة اكبر وكذلك الخارجية ذات الصلة على بنيان وتماسك الدولة والمجتمع و الأمة في الحاضر و المستقبل. وثانياً فإنها وبتلك الأفكار تفتح المشروع والأسئلة ذات الصلة بالدولة والمجتمع في السعودية تحديداً ولربما في البلاد العربية الأخرى قياساً على الآخرين المناصرين والمناهضين وسواء من أهل الثقافة أو الفكر أو أهل القرار وقواه  وذلك للتعامل معها وبالطريقة التي قد تصل بهم إلى  الأجوبة  و أبوابها التطبيقية أو لربما لفتح مزيد من الأسئلة و البحث في النماذج الإصلاحية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإسلام والدستور:ـ

الدستور : هــو الآليات العصرية المؤسسية للأحتساب على السلطات فيما بينها لإقامــة حــياة مدنية اســلامية عــادلة شوروية

 

        من أكثر القضايا ذات الحساسية هي قضية الإصلاحات الدستورية في السعودية، وعلى وجه التحديد، قضية مدى تعارض أم توافق الدستور مع الشريعه الاسلاميه " القرآن والسنة ". ففي بلد عربي مسلم مثل السعودية بني مجتمعها وسلطانها على ثقافة اسلامية محددة ، تولد لدى عامتها ونخبها السياسية والثقافية والدينية تصوراً. قد يكون متعمداً أو تغطية ، خاصة من قبل النخب السياسية والدينية ، أو قد يكون جهلاً من عامة الناس ومثقفيهم ، بأن دستورنا ودستور البلاد هو " القرأن والسنة " وإن أي حديث عن دستور للبلاد أو المطالبة بالدستور يعني احلال دستور بديل ينافي " القرآن والسنة " ، وبالتالي فإن ذلك يعني في ما يعني إن تلك مفاهيم واطروحات علمانية ، بمعنى انها تهدف إلى فصل الدين في الأحكام الشرعية عن الحياة العامة ، أي خروجاً عن المجتمع وثقافته وعلى الدولة وسلطانها. فهل هذا التصور أو سوء الفهم صحيح أم لا من الناحية الموضوعية لمفهوم الدستور والعلاقة الصحيحة مع الإسلام ؟.

          بداية نقول إننا بهذا الحديث لا نهدف إلى تقديم تأصيل نظري في الفقه السياسي الإسلامي، وإنما طرح بعض الأفكار للمساهمة في إزالة اللبس في مسألة العلاقة بين الدستور و " القرآن والسنة "، وثانياً نتوجه بشكل أساسي للنخب الدينية،  والتي غالباً ما يكون لديها فهم خاطئى عن ، التعارض بين الدستور والإسلام " القرآن والسنة "، وذلك لنوضح عدم صحة ذلك التصور. وثالثاً سيكون هذا الحديث رداً على النخب الدينية والسياسية، والتي تدرك في تصورها، التعارض ليس صحيحا، وإنما تهدف إلى التدليس على الناس وعامتهم لاستخدام الدين سلاحاً ضد الإصلاح والتقدم ودعاته، من أجل إبقاء الأوضاع على ما هي، خدمة لمصلحة استمرار نفوذها واستبدادها.

       بداية، لننطلق من الجانب النظري وبالذات فيما ورد في " القرآن والسنة " ونسأل: هل الإسلام مع الظلم أم ضده؟. هل الإسلام مع العدل أم ضده وهل الإسلام مع الاستبداد والطغيان أم ضدهما؟ هل الاسلام مع الحرية أم العبودية  "غير العبودية لله " ؟ هل الاسلام مع المساواة وكرامة الإنسان أم ضدهما ؟ . لعل أهم قضية أرسل الرسل بها لتبليغها للناس والعمل بها هي، إقامة العدل " القسط " قال الله سبحانه وتعالى : " لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " ( آية 25 من سورة الحديد ). ويقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً المؤمنين ، ومطالبتهم باقامة العدل : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الأقربين: فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا " ( آية 135 من سورة النساء ). ويقول الله تعالى مطالباً الناس " المؤمنين " بالعدل حتى مع الخصوم : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يحرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" ( آية 8 سورة المائدة ).

        القسط بمعنى العدل الوارد في الآيات، ليس المقصود به فقط ما يتعلق بالتقاضي والتخاصم في مسائل الحقوق، وإنما هو اضافة إلى ذلك يشمل اقامة التوازن العادل  في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من مناحي الحياه الروحيه والمدنيه، في سياق إقامة حياة مدنية اسلامية. نظام مدني اسلامي ينسجم مع الحاضر المتطور انطلاقاً من قاعده صلاحيه الاسلام لكل زمان متوازنة ومستقرة قابلة للتطور والتقدم.        

         وعن الموقف ضد الظلم أو الفسق أو البطر أو الترف وهي امور تعني غياب العدل وانتشار المفاسد، يقول الله سبحانه وتعالى، رابطاً بين الظلم والهلاك، فيقول:  " وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً " ( الآية 59 من سورة الكهف ). ويقول الله تعالى في نفس الاتجاه: " وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون " ( الآية 59 من سورة القصص ). وعن الربط بين البطر واهدار المال العام  وسوء الإدارة وبالتالي تدهور الحياة، يقول الله سبحانه وتعالى: " ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ( الأية 112 من سورة النحل ). وفي الربط بين الترف والفسق والهلاك يقول الله تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً " ( الآية16 من سورة الإسراء ).

       والظلم هنا ليس محصوراً فقط بمسألة الكفر وعدم الإيمان، وهو ما  يشمله ، وإنما يتجاوز ذلك إلى عدم وجود الحياة الصالحة، وحسن الإدارة ، والأعمال الصالحة ، بما في ذلك غياب العدل وانتشار المفاسد. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد أهلك قوم " لوط " ليس لكفرهم وحده، وإنما لفسادهم الأخلاقي، وتجاوزهم في ممارساتهم الحياتية، الحياة الكريمة الصالحة مع العلاقات الزوجية مع النساء، المستقيمة مع الفطرة، إلى العلاقات الجنسية الشاذة مع الرجال. لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: " ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين "  ( آية 28). " إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ... "  (أية 29 ).  " ولما جاء ت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين " ( الآية 31).  " إنا منزلون على أهل هذه القرية رجساً من السماء بما كانوا يفسقون " ( الآية 34 والآيات لسورة العنكبوت ) .

          وفي الموقف من الطغيان باعتباره مفضياً إلى الفساد والاستعباد، فأن الله أهلك فرعون وقومه لما طغى، فقال الله تعالى مخاطباً موسى أولاً: " اذهب إلى فرعون إنه طغى " ( آية 24) ، ثم مخاطباً موسى وهارون سوياً " اذهبا إلى فرعون إنه طغى " ( 43 الآيات من سورة طه).  واستعبد فرعون الناس واستبد بهم ، واستخف قومه وأطاعوه ، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: " ونادى فرعون قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي افلا تبصرون " ( الآية 51 الزخرف ). وحيث أن قومه لم ينكروا عليه هذا الزعم وقبلوا بالذل فاستخفهم، فأطاعوه، وفي ذلك يقول الله تعالى: " فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين " ( الآية 54 ). " فلما اسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم جميعاً " ( آية 55 الزخرف). وفي الربط أيضاً بين الطغيان المفضي للفساد فالعذاب، يقول الله تعالى في الإشارة إلى أقوام عاد وثمود وفرعون، فيقول سبحانه وتعالى: " الذين طغوا في البلاد *  فأكثروا فيها الفساد *  فصب عليهم ربكم سوط عذاب ". (11-13  الآيات من سورة الفجر).

          وفي التأكيد على المساواة، وإن أصل البشر واحد، مع ملاحظة فكرة التنوع والإختلاف لإقامة العلاقات الاجتماعية، وإن الفروقات بينهم فيما يخص العلاقة مع الله هي في " التقوى " قال الله تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" ( آية 13 سورة الحجرات ). ويقول الله تعالى: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ... "(آيه 189 سورة الأعراف ). إضافة إلى ذلك فقد أكد القرآن على الكرامة الإنسانية " بني آدم "، حيث قال تعالى:" ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً " (آيه 270 الاسراء) . وهذه المساواة، في الأصل بين الناس، لا تلغي فكرة التفاضل والتراتب في  الحياة والعلاقات الاجتماعية، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: " اهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون " ( 32 الزخرف ). و"السخريا"  الوارده هنا لا تعني تحول البعض الى عبيد وسخره وانما الفكره ترتبط بالتفاوت بين الناس في قدراتهم وامكاناتهم وطبائع نفوسهم وبالتالي احتياجاتهم لبعضهم البعض في تقديم الحاجات والخدمات وتلك مما يؤسس لإقامه حياه مدنيه (دوله) وفي السياق نفسه تفاضل الناس بالرزق،  يقول الله سبحانه وتعالى: " والله فضل بعضكم على بعضكم في الرزق .... " ( 71 النحل ). والمساواة في الاصل بين البشر، لا تلغي أيضاً التمايز بين الرجال والنساء نتيجة الاختلاف في تكوينهم الفسيولوجي والنفسي ولذلك ترتب عليه اختلاف في بعض الحقوق والواجبات، كما أشار إلى ذلك القرآن في قضايا الإرث والشهادة والطلاق.

         وفي الحرية، يؤكد القرآن على آفاق واسعة من الاختيار والتصرف،  المربوط بالمسؤولية في الثواب والعقاب الدنيوي والأخروي، بما في ذلك حرية الإيمان وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " ( 99 يونس )، ويقول الله سبحانه وتعالى: " لا إكراه في الدين قد تبين  الرشد من الغي .... " (256 البقرة)  ويقول سبحانه وتعالى : " وهديناه النجدين "(10 البلد) . وكذلك يقول الله سبحانه وتعالى: " لست عليهم بمسيطر " (آية 22 الغاشية). وفي سياق الحرية بما هي ضد الاستعباد، ومع التحرر من العبودية، في غير الله، فإن الله أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون، في جزء من رسالته، بمطالبة فرعون أن يخلي سبيل بني اسرائيل من الإذلال والعبودية والقهر، فقال سبحانه وتعالى: " اذهبا إلى فرعون إنه طغى"  ( آية 43 من سورة طه)... " فاتياة  فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني اسرائيل ولا تعذبهم ..." (آية 47 طه).

         وفي سياق الحرية بما هي التحرر من العبودية والرق فقد تعامل معها القرآن، بالحث على التخلص تدريجياً، باعتبارها كانت ضمن الواقع الاجتماعي في بداية الرسالة. يقول سبحانه وتعالى: " لا يؤخذكم الله باللغو في إيمانكم ولا يؤاخذكم بما عقدتم الإيمن فكفارته.... أو تحرير رقبة.... " (آية 89 المائدة)،  ويقول الله تعالى أيضاً: " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئأ ومن قتل مؤمناً خطئأ فتحرير رقبة مؤمنة .... فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة... وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق... وتحرير رقبة مؤمنة.... (الآية 92 سورة النساء)

        وفي هذه المعاني للحرية الجسدية والنفسية، كانت مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة، في معرض مسآءلة ابن عمرو بن العاص، والذي أشتكاه أحد أقباط مصر إلى الخليفة عمر، حيث قال " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ".  وإذا كانت حرية التعبير لم تذكر مباشرة في القرآن الكريم، إلا إن حرية الاعتقاد والرأي، آنفة الذكر، وكذلك ما ورد من آيات بالحث على التفكير والتأمل العقلي "أفلا تعقلون"   ... " إفلا تتفكرون " ...  " وكذلك ما ورد في آية " وأمرهم شورى بينهم"  (آية 38 سورة الشورى)، تتطلب بيئة لطرح الآراء وتنوعها والحق في قولها للوصول إلى الرأي المجتمع عليه. وفي حديث رسول الله (ص) كما ورد في صحيح مسلم: "  من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس "، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:  " أفضل الجهاد قول كلمة حق أو( عدل) أمام سلطان جائر، "  إشارة واضحة إلى الحق والحض على المجاهرة بالرأي وبالحق ، وهو ما يرقى إلى أن تصبح حق و حرية الرأي والتعبير واجب طرحه طالما تتعلق بالحقوق .

        ورغم أن القرآن والسنة اشتمل كل منهما ، أيضاً على منظومة من الحقوق والواجبات والقيم في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، لم نشا التطرق لها، مثل قضايا الزكاة والإرث والموقف من العدوان والعلاقة مع الآخر، ومحاربة الفساد المالي والرشوة والتجسس والعلاقة مع الآخر... "، إلا أن التركيز كان على الأسس والقضايا والمبادئ الكبرى لإقامة حياة مدنية اسلامية ، وأهمها التشديد على إقامة العدل ومحاربة الظلم والفساد في كافة  المجالات والحقوق المادية والمعنوية وكذلك على التركيز على أصل المساواة المنسجمة على مسألة التفاضل والتمايز الطبيعي، وكذلك الحرية في وجه الاستبداد والطغيان بكافة أشكاله ومجالاته وكذلك حرية ومشيئة التصرف بما في ذلك حرية الإيمان وكذلك ابداء الآراء والتشاور حولها.

           ومع ذلك فإن القرآن والسنة في أغلب الأحيان لم يحدد الآليات والهياكل والإجراءات، باستثناء الشورى، والتي طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم، والتزم بها الخلفاء الراشدون والخليفة عمر بن عبد العزيز، لذلك امكن ضمان العدل إلى حد كبير في أزمانهم، لإقامة الحياة المدنية الإسلامية، لتحقيق تلك المقاصد والمبادئ. إذا ترك  القرآن والسنة  تلك الآليات، باستثناء الشورى التي لم ترسخ آلياتها بسبب قصر فترة الخلافه الراشده، والتي تم اقصائها بتجاهلها، أو بتهميشها بالقول بعدم الزاميتها وذلك من قبل الحكام والسلاطين والأمراء وفقهائهم، بما في ذلك عدم تحديد آلية وكيفية انتقال السلطة " الخلافة " وكذلك لم يتطرق القرآن ولا السنة إلى الأنظمة والأساليب الإدارية والتنظيمية في قضايا الاجتماع والاقتصاد والادارة والعلاقات فيها. وما دام المبدأ موجوداً، فان ترك وسائله ناتج عن تقصير المسلمين، على أن هذا الترك وعدم التحديد، ليس عيباً بذاته، بل مقصودا هدفه إنسجام الاسلام مع متطلبات وتطورات العصور ذلك أنه مما حسب للإسلام بصلاحيته للزمان والمكان ، وذلك بأن ترك للناس الذين هم أعلم بأمور دنياهم كما جاء في الحديث الشريف تقرير تلك الآليات والهياكل والتنظيمات والأنظمة في كافة المجالات لإقامة حياة مدنية إسلامية حسب مقتضيات ظروفهم الإجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، بحيث يصار إلى إيجاد الوسائل والآليات المناسبة والمتوازيه مع تطور الاحوال.

      كان لدى الفقهاء وعي بأن للحكومه الشرعيه شرطان ؛ العدل والشورى وهذا ما تحقق في  فترة الخلافة الراشدة وإلى حد ما  في عهد عمر بن عبد  العزيز، والذي وصف بأنه راشد لأنه " عدل وشاور "، هي الاستثناء في الدولة العربية الإسلامية  " الخلافة " والتي تم فيها إقامة العدل بسبب أنه ربط بآلية الشورى المرتبطة والنابعه من إرادة المجتمع " المسلمين والأمة " آنذاك خاصة وإن طريقة وآلية تسلم  الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه كانت مسنودة إلى الآلية المؤسسية الشورية وهي " سقيفة بني ساعدة "، تلك المؤسسة والتي للأسف لم تتطور كمؤسسة انتخابية لأنتقال السلطة بحيث تعبر عن إرادة شعبية " مجتمع وأمة ".

         مع اقصاء الشورى عن السلطة في قيامها وانتقالها، اصبحت مسألة العدل غير مربوطة بآلية يمكن أن يضمن تحققها في آفاقها. عندما اسست السلطة الوراثية تم اقصاء الشورى فحدث الخلل، الاستبداد على حساب العدل والشورى والحرية. كانت في الدولة الاسلامية، منذ الخلافة الأموية ، باستثناء عهد عمر بن عبد العزيز، كما أسلفنا ،وهي السبب الاساسي لما شهده التاريخ الاسلامي من توالي ثورات على الاستئثار بالسلطه والثروه والقرار طوال قرون اتسمت بأنعدام الاستقرار ونجم عنها تشظي الدوله لدويلات. وحتى وقتنا الحاضر تقريباً، وخاصة في عدد من البلاد العربية، كانت هناك ثلاثة آليات لإدارة الدولة والعلاقات الإجتماعية بكافة أبعادها.

1) وجود حاكم أو خليفة أو سلطان أو أمير يأمل أن يكون عادلاً؟ حتى لو كان مستبداً، ومن هنا كان اقصاء الشورى في عملية اختيار وانتقال السلطة وإدارتها.  تم حصر السلطة والسياسة في اشخاص بعينهم، وبالتالي اعطائهم الحق دون غيرهم، ومن هنا كانت شمولية السلطة مشفوعة بفكرة ونظرية طاعة " ولي الأمر ". وشمولية سلطاته وعدم الفصل بينهم، بررت عن طريق قياس ذلك على حال الخلفاء الراشدين، باعتبار أنهم يجمعون بين سلطة  القيادة وسلطة القضاء في أحيان متكررة. ومع ذلك فإن كان صحيحاً بالنسبة لعدد من الخلفاء الراشدين، ومن في صفتهم وهم محدودون على أية حال ، فإن نقاء وتقوى ونزاهة أولئك الخلفاء، وقربهم من عهد رسول الله ومن بداية الدولة، وكذلك عدم تعقيداتها في معظم المجالات ، فقد مكنهم ذلك الجمع بين السلطات ولكن في نفس الوقت كانوا ملتزمين بآلية الشورى. أما غيرهم، وهو القياس مع الفارق بدرجة كبيرة، فإنهم أولاً لا يتحلون بصفات أولئك الخلفاء ولم يتمسكوا بها،  ثانياً، آلية الشورى لتضمن إقامة العدل والحياة المدنية الإسلامية المتوازنة وحيث أن السياسة بقت فقط " الرئاسة " والإمارة، فإن الأمير أصبح هو كل شئ ، وأما بقية الناس فليست سوى رعايا لا شأن لها بالسياسةوخاصه في ظل وتبرير ذلك فقهياً، ثم استخدام مفاهيم في سياق فقه التغلب والضرورة بنيت على أحاديث عن الرسول (صلىالله عليه وسلم)، لتطور أيضاً فكرة وشمولية الحكام والسلاطين والأمراء إلى آخره.  في ضوء تلك الخلفية من اقصاء الشورى وبعده المجتمعي إرادة " المجتمع  ـ الأمة " والتي كانت نواته المغيبة هي مؤسسة " سقيفة بني ساعدة "، فإن فكرة الصراع والتنافس والتعاون بين الأفراد والجماعات، وكذلك فكرة المساهمة والمشاركة في إدارة الشئون العامة في الدولة الإسلامية، لم تؤخذ على محمل الجد، بل نظر إليها على أنها محاولة لاغتصاب السلطة. من هنا، كانت حالة من عدم الاستقرار في الدول الإسلامية ، حيث التصفيات ومحاولة الانتقام والتغلب على السلطة ، على حساب آلية ، سلمية لإدارة الصراع  والتنافس والتعاون على توزيع الموارد و إقامة العدل ، وبالتالي على حساب إرادة وسلطة المجتمع والأمة، والتي لم تتطور ولم تتاح لها فرصة التطور رغم وجود بذور امكاناتها. إذاً، مع اقصاء آلية الشورى المسئولة أو المناط بها، ضبط العدل ومنع الاستبداد ومع استبعاد مركزها الجماعي في الإدارة (الأمة والمجتمع) المتمثل في نواة مؤسسة "سقيفة بني ساعدة " وحصر السلطة بوكلأ الوالي *[1] والذي يجمع السلطات كلها بيده، مبعداً نفسه عن المحاسبه والشموليه الوارده في الحديث الشريف وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وأما الشعب والمجتمع فهم الرعيه فما عليهم إلا أن يتبعوا ما يريده الراعي"الولي" . تطور الاستبداد وغياب العدل في ظل ثقافة أساسها لم تكن مدنية، جمعت بين البطش والقسوه. من هنا أصبحت الدولة هي السلطان والخليفة والأمير ... الخ  ولكنها " الدولة- الفـرد ".

           وللأسف فأن الكتابات الحديثه في الفقه السياسي لم يتغلغل اجتماعيا ولم يتيح لها التطبيق الفعال وكذلك حتى الفكر السياسي العربي الحديث، و المهتم بقضايا الدولة ، لم يعطى فكرة الدولة والمؤسسات المدنية كثير إهتمام، ولم يتبنها إلا منذ وقت قريب جداً، ولا زال هناك من يفكر بنفس  الطريقة القديمة، في تبرير وجود"الدولة ـ الفرد " وكذلك " الفرد ـ البطل"  " والمحرر"  " العادل ـ المستبد "  وغيرها من مسميات تبجيليه خادعه. من هنا فإن ثقافة الحياة المدنية وآليات الدولة المعاصرة باعتبارها مؤسسات وليست افراداً، أهملت واغفلت عمداً أو جهلاً بل إن هناك مع الأسف من لا زال يؤصل للإستبداد والطغيان بالتشديد على شمولية سلطة الحاكم في الدولة الإسلامية وعدم الفصل بين  السلطات.

2) الآلية الأخرى والتي كانت ولا زالت مستمرة في كثير من البلدان العربية والإسلامية هي وجود " قاض أو قضاة " يتميزون بالنزاهة والأمانة والصدق وعن طريقهم يتم تطبيق  العدل وخاصة في نقاط التقاضي والتخاصم بين الناس. كان القاضي أو القضاة في السابق وفي فترات  الدولة الإسلامية غير الحديثة، وبتلك المواصفات ولعدم تعقيدات الحياة  يمكن أن يحققوا قدراً مقبولاً من العدل ولكن في ظروف الدولة الحديثة وتكاثر سكانها وتنوع وتضارب مصالحها والاحتياجات، فإن هذه الآليات بالتأكيد لن تكون كافية، وستكون قاصرة عن تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، وخاصة لن تحقق القدر اليسير من العدل. لذلك بدأ أنه مع تزايد الاستبداد لدى " الدولة ـ الفرد"، فإن استقلال القضاة ـ ليس من  حيث القضاة انفسهم فقط وإنما بوجود معايير وآليات تمنع تدخل الحاكم " السلطة التنفيذية " واجهزتها بشئون القضاة كسلطة قضائية وكمؤسسة. وطبقاً لنظرية ولي الأمر ، فإن الحاكم. كما هي مطبقة في بعض من البلاد العربية ومنها السعودية على وجه التحديد ، يعتبر هو القاضي الأول وما القضاة إلا وكلاء ينوبون عنه، وبالتالي فإن الحاكم ـ الملك يستطيع في العقوبات التعزيرية رفض الأحكام وطلب تغييرها، هذا فضلاً عن عدم وجود مدونة لأحكام وعقوبات التعزير معروفة وواضحة  "محددة وموحدة ومعلنة".  

 3)  آليات الاحتساب على السلطة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "

           لنبدأ أولاً بأدلة من القرآن والسنة على الاحتساب على السلطة أو السلطات والأمر وبالمعروف أو النهي عن المنكر:

 أولاً : الادلة من القرأن الكريم:

1) قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " ( 104 سورة آل عمران ). ويلاحظ في هذه الآية الكريمة ان الامر لم يقتصر فقط على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على العموم، وإنما قدم لها بالدعوة إلى الخير وتلك يمكن الإستدلال فيها على القيام بكل الأعمال الخيرة بما في ذلك مسألة تقديم الاقتراحات والاراء والأفكار الاصلاحية لخير المجتمع وتقدمه.

2) وقال الله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ( 110 آل عمران ). ويلاحظ في هذه الآية الكريمة إن القيام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق متاح لاي فرد في المجتمع وليس فقط كوظيفة لفئة محددة كما هي الآية الأولى.

1) قال الله تعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ( آية 71 التوبة ). 

2) قال تعالى " فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون " ( آية 165 سورة الأعراف). وفي الآية الكريمة فإن الذين ينهون عن السوء فهم أولئك الذين ينكرونه وبالتالي نجاهم الله فسلموا، وأما الذين ظلموا منهم، فهم أولئك الذين فسقوا " ايماناً أو سلوكاً " وأيضاً الذين سكتوا ولم ينهوا عن الظلم والفسق فعذبوا عذاباً شديداً.

ثانياً : الأدلة من السنة على الاحتساب على السلطة " السلطات "   الأمـر بالمعروف والنهي عن المنكر:

1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "  رواه مسلم.[2]

      ويلاحظ في هذا الحديث أن حق الإنكار واجب على كل فرد وكل حسب طاقته ، ولذلك فإنه بالنسبة " لدعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع الاهلي المدني" فإن الوسيلة هي الكلمة والاراء والمقترحات والتعبير عنها " باللسان "  لأن ذلك مما يقع في قدرتهم وامكاناتهم المعرفية والقدرة على التعبير عنها بالرأي كتابة أو خطابة .... الـ.

2) عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يأمرون، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " رواه مسلم.[3]

       ويلاحظ في الحديث اعلاه ان الرسول صلى الله عليه وسلم ، يجعل من الاحتساب، بكافه وسائله، بما في ذلك الاحتساب عن طريق الكلمه " اللسان"، جهادا ومجاهدة.

 

       والمقصود من وتعرفون وتنكرون ، أي تعرفون افعالهم الموافقة للشريعة وتنكرون بعضها لمخالفتها لها. وأما المقصود بقول " من رضي وتابع أي من رضي بفعلهم وافقهم عليه فهو العاصي. [4]

3) وعن عدم تناهي بني اسرائيل عن المنكر كما وردت في (الآيات 78 ـ 81 .. المائدة )،  وإن علمائهم أخذوا يجالسونهم ولا ينكرون عليهم ... قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه ، محذراً المسلمين أن يكونوا مثل أولئك من بني اسرائيل، " كلا"  والله لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه عن الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم رواه داوود والترمزي [5] 4) وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي (ص): " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " رواه الترمذي  . [6]   

5) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله يقول: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعميهم الله بعقاب منه" رواه أبو داوود والترمذي والنسائي[7] والمقصود بأن يأخذوا على يده، أن يمنعوه من الظلم باليد او باللسان أو بالقلب. [8] 

          في سياق الاحتساب على السلطة، بما هي امر بالمعروف ونهي عن المنكر، بما في ذلك القيام بالنصيحة والدعوة إلى الخير متوجهاً في تحقيق ذلك إلى السلطة والمجتمع والشعب (الأمه)، وهو ما قد يشمل القاء الخطب والمحاضرات  والندوات في مختلف المنابر العامة وبما يشمل طرح الآراء والرؤى في قضايا الإصلاح وتوعية الناس في أمورهم ومصالحهم ، فهناك حديث الرسول (ص) يقول فيه: " الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ". [9]

        وكلمة النصيحة هنا كلمة جامعة، تعنى بأمور الدين الروحيه والمدنيه " قولاً وعملاً " وبالنسبة لعامة الناس فالنصيحة تشمل ارشادهم لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم ، بما في ذلك دفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم ، والذب عن أموالهم ، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل[10].

        والنصيحة بهذا المعنى الواردة بالحديث، تعني أولاً إنها وهي تتوجه ليس فقط للحكام، وإنما لعامة الناس فإنها لا يمكن أن تكون سرية بل علنية، وحق للناس على من لديهم المعروفة والإمكانية في تقديم النصيحة في أمور حياتهم، ومنها بدرجة أساسية الدفاع عن قضايا العدل ومحاربة الظلم والفساد وما ينتهك حرياتهم وحقوقهم المادية والمعنوية، في كافة المجالات، بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتوعيتهم لها بكل وسيلة سلمية ممكنة.

         تلك الأدلة من القرآن والسنة على الاحتساب على السلطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونود أن نشير إلى ان الاحتساب على السلطة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويركز على الأمر بالمعروف السياسي والنهي عن المنكر السياسي، وأهم أمر بالمعروف السياسي، هو اقامة العدل والأمر به، والدعوة إليه كتابة أو خطابة أو تقديم رؤى، ولتحقيق ذلك، بما في ذلك ما يتعلق بالوسائل والآليات والهياكل والطرق والأساليب السياسية الحديثة لتحقيق ذلك. وأما النهي عن المنكر السياسي فإنه يشمل أيضاً النقد، ومحاربة الفساد والظلم والمظالم والمحسوبية وتبيان ذلك للسلطة وعامة الناس بكل طريقة ووسيلة سلميه ممكنة. ورغم إن الأدلة القرآنية والسنن النبوية الشريفة تقدم تلك الإمكانية للاحتساب على السلطة لصالح الأفراد والجماعة وفي سبيل اقامة حياة اسلامية عادلة شورية، إلا إن الممارسة بهذه الإمكانية كانت أولاً تـتـم فـي:

  أولاً: إما على شكل فردي يحاذر السلطة.

  ثانياً: أو على شكل هيئة ولكنها خاضعة للدولة أو السلطان، وبالتالي غير مستقلة وعادة تركز تلك الهيئة على أمور الاحتساب الاخلاقي والآداب والسلوك الإسلامية وهذا أمر هام ، كما هو حال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، ولكنها  لم تكن تمارس الاحتساب السياسي " الأمر بالمعروف، الأمر بالعدل والنهي عن المنكر، عن الظلم ". بل فوق ذلك فإن تاريخ الدولة الاسلامية في قديمها وحديثها، كما هي حالة السعودية وبعض البلدان العربية، لا تسمح بالاحتساب عليها، من قبل الأفراد من أهل العلم والرأي والخبرة والاختصاص في كافة المجالات، والذين يمتلكون القدرة المعرفية والتحليلية لتقديم الرؤى والمقترحات والإصلاحات، من خلال الهياكل والآليات المحايدة، والتي في حالة تبنيها يمكن أن تساهم في ضمان اقامة العدل ومحاصرة الظلم والفساد وإقامة حياة مدنية اسلامية شورية عادلة. وعادة ما تنظر مثل هذه الدول للاحتساب الفردي عليها بحساسية مفرطة، وغالباً ما تحاول تقييده ومحاصرته واتهام من يقوم به بالتحريض والفتنة، رغم إن أراء بعض الفقهاء تشدد على إن الاحتساب على السلطة في المجال السياسي لا يحتاج إلى اذن وموافقة منها، كما قال في ذلك عديد من الفقهاء كابن تيمية وابو حامد الغزالي وغيرهم، لأن القيام بالاحتساب حق للفرد والجماعة، بل إنه يتجاوز الحق إلى كونه واجباً لمن لديه قدرة، ولذلك فإن القيام به تجاه الاستبداد والسلطة الجائرة اعتبر على إنه يوازي الجهاد حيث إن في ممارسته " اثمان ومشقة " يمكن للمحتسب والمصلح أن يدفعها بأي لحظة.

        إذن الاحتساب الفردي غير مسموح به من قبل السلطات والدول، وخاصة في عدد من الدول العربية، وإذا قبلت به فتقبله على مضض وتحاول أن يكون في أضيق الحدود (وغير علني ... سري ... النصيحة والمناصحة سراً)، وذلك للتحكم واغفال المجتمع وعامتهم، رغم ما لهم من حق على المحتسبين بالنصح لهم وتوعيتهم كما مر بنا في الحديث السابق.

 واذا كان الاحتساب على السلطة فردياً وغير مسموح به من تلك  الدول ، فإنها في المقابل ، سوف تشعر بقلق أكبر من الاحتساب الجماعي " المجتمعي- المؤسسي " على السلطة. ولضمان عدم حدوث الاحتساب المجتمعي المؤسسي عليها، قامت معظم  الدول العربية، أ كانت تقول أنها  تطبيق الشريعة الإسلامية أم لا، ولضمان عدم حدوث الاحتساب المجتمعي المؤسسي عليها، بشكل كبير ومنهجي وخاصة بعضها، بمنع أي إمكانية لقيام تكوينات المجتمع الأهلي المدني " الجمعيات والاتحادات والنقابات" المهنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والسياسية اوبالهيمنه عليها وتحويلها الى مؤسسات شكليه. وفي حالة قيامها أو وجودها، فإن تلك الدول والسلطات تعمل على عدم فعاليتها الاحتسابية " الامر والنهي عن المنكر"  وخاصة في المجال السياسي في قضايا الحقوق والحريات والمصالح والعدالة في كافة مجالاتها، وكل حسب مجاله واهتماماته  وتتم عادة عدم الفعاليات لتلك التكوينات الأهلية المجتمعية، من خلال محاولة تلك الدول السيطرة عليها باختراقها أو  التضييق عليها.

        بموازاة ذلك عملت عديد من الدول العربية، بوعي أو بجهل بتدمير التكوينات الاجتماعية الأهلية التقليدية ( الأسر والعشائر والطوائف... الخ). نتج عن هذه وتلك نتيجتان متلازمتان:  الأولى، من خلال غياب الرقابة والمحاسبة سواء أكانت مؤسساتياً على مستوى تركيب السلطة نفسها "عدم وجود فصل السلطات والرقابة فيما بينها " أم على مستوى الاحتساب الفردي أو المجتمعي المؤسسي، مدعوماً دعماً واضحاً في استقلال القضاء، أصبحنا أمام دول عربية، ومنها من يقول إنها تطبق الإسلام وإن دستورها القرآن والسنة، وفيها الاستبداد " الانفراد بالسلطة" والسلطة المطلقة والاستئثار بها هو السائد المهيمن ، فاستشراء الظلم والمظالم، بما في ذلك الفساد المالي والإداري وسيطرة نخب من عائلات متحالفة مع السلطة أفرغت قضايا التنمية وتوزيع الموارد لمصلحتها ونفوذها، وانتهكت الحقوق، والحريات تم مصادرتها، فضاعت الكرامة الإنسانية للمواطنين، وقل الاهتمام بالمصلحة العامة، وتناقص الإنتماء والولاء، فاصبحنا أمام دول هشة غير قادرة على مسايرة ومواجهة التحديات الداخلية والمخاطر الخارجية مما يجعلها تعرض مجتمعاتها لأشد أحتمالات الخطر إلا وهو التفتيت ومشاريع التقسيم ومشاريع اعادة صياغة خرائط واخضاع المنطقة بما ينطوي على تلك من مخاطر حقيقية.

 ثانياً: كان ولا زال اندلاع الصراع الاجتماعي والحرب الأهلية والعنف، في عدد من الدول العربية، نتيجة متلازمة للاستبداد وغياب المشاركة الشعبية تماما مثلما كان في الدولتين الاموية والعباسية، عن طريق إقصاء آلية الشورى  الملزمة والمنتخبة دورياً وبتفويض من المجتمع (الأمه)، وبالتالي خلل أو غياب العدل في كافة المناحي والمجالات. ولذلك فإن انخراط اعداد متزايدة من الشباب في العنف، كان نتيجة طبيعية ولربما حتمية للاستبداد السياسي، مع غياب المشاركة وآلياتها، وكذلك عدم وجود اطر وتكوينات مؤسسات المجتمع الأهلية والمدنية، لكي يتيح لهؤلاء الشباب الانخراط فيها والافصاح عن رغباتهم وآرائهم ورؤاهم ومطالبهم وإمكانية ايجاد أطر تقدم لهم التوجه والقيادة والمشاركة والأمل في حياة أفضل.

        ولكي نضمن تحقيق العدل والقضاء على الاستبداد، فإننا بحاجة إلى آليات وهياكل وإجراءات تتضمن عناصر أساسية من خلالها يمكن أن نصل إلى انتظار الوسائل المناسبه للتحقيق الأمثل لمقاصد الشريعة الإسلامية والتي لم تعد الوسائل والأدوات السابقة الماضية كافية أو قادرة على تحقيقها وضمان تطبيقها وتلك الوسائل والآليات والهياكل والاجراءات والعناصر التي يمكن أن تحقق لنا العدل وتقضي على الاستبداد وتضمن حقوق  الناس وحرياتهم يوفرها ويتضمنها "الدستور".

 والدستور بهذا المعنى " ليس كفراً ولا إيماناً "، بل هو آليات وهياكل واجراءات وعناصر محايدة لإقامة حياة مدنية اسلامية( أو سواها حسب المرجعيه)، وهنا المرجعية الإسلامية " القرآن والسنة". وقبل أن ندخل في تفصيل عام عن هياكل وآليات الدستور، نقول إن الدستور يمكن أن يقاس على تنظيمات وأنظمة وآليات وهياكل، تستخدمها الدول للمساعدة في تسيير بعض شئون الحياة ، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر نظام المرور. ونظام  المرور يتكون من عناصر تتعلق بالقيادة للسيارات، والإشارة الضوئية التلقائية، وكميرات المراقبة، وأجهزة رصد السرعات  " الرادار " والشبكات الإلكترونية إضافة إلى نظام العقوبات والجزاءات للمخالفات ..... الخ.  وفي السعودية، وقبل أكثر من خمسين عام أو حولها، لم يكن هناك نظام مرور ، ولا مسارات ولا طرق معبدة ولا رقابة على السير. ومع الوقت اصبحت الحاجة ملحة لاستخدام تلك المنظومة من عناصر نظام  المرور ، وهذه لم تكن أصلاً موجودة في البلاد العربية أو الإسلامية، وإنما تطورت في الغرب، كنتيجة طبيعة لتطور مجتمعاتها وتقنياتها، بما في ذلك السيارات والآليات والنقل والحاجة إلى تنظيمها. فهل نظام المرور " حرام أم حلال "؟ وهل نظام المرور " إيمان أو كفر "؟ وإذ لم يرد في القرآن والسنة فهل يعني إن أي نظام أو تنظيم حياتي يأتي من تجارب الآخرين والحضارة الإنسانية ، يعتبر مخالفاً للقرآن والسنة والدستور؟. 

         والدستور في جوهره آليات وهياكل واجراءات وعناصر، تضمن العدل، وتقضي على أو تحد من الإستبداد، وصولاً الى إن الدستور ما هو في  النهاية إلا " السلطة  المقيدة "  " الحكومة المقيدة" ( أ والملتزمة) بذلك، من خلال الممارسة وتطبيق تلك الآليات والهياكل ، مسنوداَ ذلك بدعم شعبي يصوت عليه، بحيث يكون المجتمع ـ الشعب " الأمة وارادتها " الأمر بإعتبار السلطه للامه في تحقيق مقاصد الشريعة، فهي أي الأمه المخوله بتقرير مصالحها وأتخاذ الوسائل المناسبه لتحقيق مقاصد الشريعه والتي تتجلى من خلال الانتخابات العامة الدورية النزيهة للمواطنين مع ضمان حرية التصويت. والدستور من حيث هو آليات وهياكل وعناصر يتكون ببساطة من العناصر والهياكل الآتية:

1)   اقرار الدولة بالحقوق والحريات الأساسية.

2) فصل السلطات وآليات الرقابة والمحاسبة.  أ – السلطة التنفيذية  ب- السلطة النيابية ( الشورى المنتخبة الملزمة).ج- السلطة القضائية.

3) ضمان وتعزيز استقلال القضاء " تعزيز استقلال القضاء( السلطة القضائية عن طريق وجود معايير معترف بها دولياً تقبلها الدولة وتأخذ بها ).

4) السماح بتكوينات المجتمع الأهلي المدني من جمعيات واتحادات ونقابات بالتشكل والعمل والمحافظة على مصالح المنتمين لها والقيام بحماية الحقوق والحريات والرقابة في الشئون العامة والاحتساب على السلطات وعلى التكوينات الاجتماعية الأخرى.

           وبدون الدخول في التفاصيل [11]، فإن المهم في تلك الآليات والهياكل هو أن نصل بالفعل إلى " السلطة المقيدة " وذلك عن طريق:

1- آلية فصل السلطات وآلية الرقابة والمحاسبة أو يمكن تسميتها في الإسلام "التراقب والتحاسب المؤسساتي في الإسلام للسلطات على بعضها البعض وفيما بينها". إن كل سلطة من تلك السلطات الثلاث لها اختصاصها وصلاحياتها في آداء وظائفها ومهامها: " السلطة التنفيذية " أو الحكومة، تختص أساساً بالتنفيذ ورسم السياسات العامة وتصريف أمور إدارة الشئون العامة والخارجة عن طريق الأجهزة الحكوميه - الوزارات وفروعها ، وما تسمى " الإدارة العامة " أو البيروقراطية ؛ السلطة النيابية المنتخبة شعبياً ودورياً يتولد لها من تلك الانتخابات التفويض الشعبي ومشروعية ممارسة سلطتها نيابة عن المجتمع ـ الشعب أو الأمة، ومهمة هذه السلطة النيابية هو اصدار القوانين والقرارات وسنها طبقاً لأحكام الدستور ومرجعيته في مصادر الأحكام؛ والسلطة القضائية تقوم بتطبيق الأحكام المنصوص عليها دستورياً والمؤسسة على مرجعيات محددة في مصادر الأحكام، وكذلك بالبث بمشروعية وشرعية القرارات الصادرة من السلطات الأخرى، وذلك عن طريق وجود محكمة دستورية عليا  (شرعية)، بالفصل في المنازعات بين الأفراد والأطراف بما يحفظ ويصون الحقوق  وعلى قدم المساواة.

             اضافة إلى ذلك، وهذا هو المهم أيضاً، فإن تلك السلطات ورغم أنها تقوم في أداة وظائف واختصاصات كل في مجالها، إلا أن كل منها، مناط بها، طبقاُ للدستور، القيام بمراقبة عمل السلطات الأخرى  وإمكانية التدخل للحد من تجاوز الصلاحيات والمخولة دستورياً وعدم إساءة استخدام السلطة وهذه هي آليه ووظيفه يمكن تسميتها بالتراقب والتحاسب.  فالسلطة النيابية " ممثلة للشعب والمجتمع " تراقب أعمال وسياسات الحكومة وتحتاج الحكومة والسلطة التنفيذية إلى اقرار وموافقة السلطة النيابية على كثير من أعمالها ؛ فالميزانية العامة للدولة وصرفها تحتاج إلى موافقة من السلطة النيابية، وكذلك تعيين الوزراء ومسائلتهم عن أعمالهم وأيضاً المصادقة أو رفض توقيع الاتفاقات الدولية وخاصة الأمنية والعسكرية ... الخ. والسلطة القضائية عن طريق المحكمة الدستورية العليا الشرعية تراقب أعمال وقرارات كل من السلطات التنفيذية والنيابية، فإذا وجدت أن تلك القرارات تتعارض مع الدستور وأحكامه، بما في ذلك عدم انتهاك حقوق وحريات المواطنين الأساسية فإنها تصدر أحكاماً ملزمة تجاه السلطة المخالفة، بالغاء تلك القرارات أو القرار. إضافة إلى ذلك، تكون مؤسسات المجتمع الأهلي المدني وتكويناته المختلفة، والتي يضمن الدستور قيامها وعملها واستقلاليتها ، بالرقابة المؤسسية المجتمعية على السلطات، وهو ما يمثل  " آلية الاحتساب على السلطة" اسلامياً ولكن بطريقة مؤسسية وليست فردية وبكافة المجالات ذات الصلة بالعدل والحقوق والحريات والمصالح الخاصة والعامة وضد الفساد والمظالم ... الخ، وكذلك تقوم مؤسسات المجتمع الأهلي المدني بالاحتساب على بعضها البعض للحفاظ على الحقوق  والمصالح والتوازن في سياق المصلحة العامة.

         هناك عدة نقاط تحتاج إلى توضيح فيما يتعلق بتلك الآليات الدستورية وعدم تناقضها مع القرآن والسنة. الأولى تتعلق بمسألة الحقوق والحريات العامة للمواطنين " حقوق الإنسان " وكذلك بمصادر الأحكام ذات الصلة بالدستور أو بالحقوق أو بعمل السلطة النيابية. فنقول أن المرجعية ذات الأولوية في كل ذلك هي الأحكام القطعية الواردة في القرآن والسنة فيما يتعلق بالحقوق والحريات، ومصادر أحكام الدستور لعمل السلطات. إضافة إلى ذلك فإن الحقوق والحريات الأساسية التي تقرها السلطة النيابية المتصلة بالمواثيق الدولية المنسجمة مع الإسلام وغير المتعارضة تعتبر جزءاً من تلك المنظومة الحقوقية. الثانية: تتعلق بآلية فصل السلطات وخاصة فيما يتعلق بالسلطة النيابية فهذه في بعدها الإسلامي والقرآني وسنة النبي وسيرة الخلفاء الراشدين هي " الشورى الملزمة "  والمنتخبة شعبياً ودورياً في المجتمع.  وأما من المؤهل لذلك التمثيل " تمثيل  الناس والمجتمع"   " في تلك السلطة ـ الشورى الملزمة "  فهم من يطلق عليهم أهل الحل والعقد من أهل الرأي والخبرة والعلم والاختصاص في كافة المجالات الحياتية بما في ذلك أهل الاختصاص في الشريعة الاسلامية، وأولئك وهؤلاء جميعاً هم من يطلق عليهم القرآن " أولي الأمر " والذي تنطبق عليهم الآية الكريمة  التالية  قال الله تعالى: "  وإذا جاؤهم امر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، ولو لا فضل  الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً "  (الآية 83 من سورة النساء). "أولوا  الأمر" في الآية  السابقة هم، كما قال بذلك، النووي في شرح صحيح ومسلم ، أهل العلم والمعروفة والرأي . [12]، ويقول بذلك أيضاً الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، حيث يقول " أولي الأمر" المقصود بهم، أهل الرأي والعلم والنصح والرزانة الذين يعرفون الأمور. [13]

           والثالثة تتعلق بمؤسسات المجتمع الأهلي المدني وهذه تمثل الجمعيات والاتحادات والنقابات في المجالات المهنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ... الخ. والمهم هنا إن هذه الآلية تسمح للمجتمع والجماعات والافراد المنتمين لها بالاحتساب على السلطات بطريقة " مؤسسية سلمية ومشروعة"، وفي سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الشئون العامة، وما يتصل بالعدل باعتباره من أهم وأولويات الأمر بالمعروف، والنهي عن النظم والفساد باعتباره من أهم أولويات الانكار السياسي.  إذن تصبح هذه الآلية بالاحتساب على السلطة،  هي الآلية المؤسسية " المجتمعية " للأفراد والجماعات المنخرطين بها، للقيام بالاحتساب على السلطة، وفيما بين تلك المؤسسات الأهلية المدنية، وبطريقة سلمية دستورية مشروعة، وبما يحقق أيضاً آليات وأطر اجتماعية بانخراط المواطنين من ابناء المجتمع بما في ذلك الشباب منهم في تلك التكوينات، مما يساهم في الحد من العنف واتجاهاته، مع تكامل ذلك مع الحد من الاستبداد، عن طريق آلية فصل السلطات ودخول المواطن العملية السياسية، وأن يكون جزءاً أساسياً منها وبحق وضمان دستور مصوت عليه شعبياً يؤكد على " إرادة الامه والمجتمع في تحقيق مصالحه المشروعه في الشريعه " باعتبارها منبـع الولاية و مناط الحكم ومرجعيته ، ويشكل أساساً المشاركة الشعبية بآلية الشورى الملزمة ( السلطة النيابية المنتخبة ) .

           فإذا كان الدستور بهذه الآليات يصل بنا إلى ضمان تحقيق العدالة في آلية الشورى الملزمة، ضمن آليات فصل السلطات والقيام بالرقابة والمحاسبة والتراقب والمحاسبه بين السلطات وعلى بعضها البعض، وضمن آلية استقلال القضاء، وكذلك آلية المجتمع المدني في الاحتساب على السلطات من خلال الأمر بالمعروف والنهي المنكر، ويحد عن طريقها من الاستبداد ويصون الحقوق والحريات العامة ، والكرامة الإنسانية، اسناداً إلى مرجعية إسلامية بالأحكام ، حيث أن " أحكام الشريعة الاسلامية " تمثل المصادر الأولى وذات الاولية في التطبيق كلما كان هناك نصوصاً قطعية عليها، فهل الدستور بديل " القرآن والسنة " أم هو التطبيق الأمثل للشريعة الإسلامية وتحقيق مقاصدها؟ في تحقيق وضمان العدل ومنع الاستبداد، وإقامة حياة مدنية اسلامية عادلة، تؤسس لخير المواطن والمواطنين من أبناء المجتمع والأمة، بما يعمل على نموهم وتقدمهم، وإمكانية أن يتنافسوا فعلياً مع الأمم الأخرى في المساهمة في الحضارة الإنسانية، ولربما تقديم نموذج للتقدم والحياة وفي سياق روحي ومدني متوازن. وباختصار نقول إنه لا عدل من دون شورى، ولا شورى من دون الزام، ولا إلزام من دون محاسبة ومراقبة واحتساب، ولا محاسبة او مراقبة أو احتساب من دون دستور.

         الدول والمجتمعات الحديثة أصبحت معقدة في شئونها العامة والخاصة وفي كافة مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسكانية والثقافية والقيم والمعتقدات السياسية ... الخ، بحيث تطلب ادارتها على نحو فعال لتحقيق العدل والحياة الصالحة ومقاومة الظلم والفساد وتجلياتها إمكانات وآليات جديدة. والدستور هو الآليات والهياكل الحديثة التي تقدم هذه الإمكانيات. والوسائل القديمة لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، لم تعد في ضوء مثل هذه التعقيدات كافية أو قادرة على أن تحقق تلك المقاصد. من هنا فإن الحاجة ماسة إلى الاستفادة من الهياكل والآليات الدستورية التي تحقق ما عجزت عنه تلك الوسائل والآليات القديمة.  والدستور بمرجعية اسلامية اساسية وتطبيق آلياته يعيد الآلية " الشورى الملزمة " ، السلطة النيابية، فاعليتها وروحها في سياق الدستور الإسلامي. واذا كان الدستور يحقق العدل (القسط) الذي أمر الله الناس ليقوموا به، فأنه يعتبر من الدين، ذلك ان ابن القيم الجوزيه في تفسيره للايه (25 من سورة الحديد). يقول "...فأي طريق أستخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفه له، فلا يقال إن السياسه العادله مخالفه لما نطق به الشرع بل موافقه لما جاء به ، بل هي جزء من اجزائه" [14]

             وكما اشرنا سابقا إلى مثال نظام المرور وأهميته في تسيير المسألة المرورية ، وما يتعلق بها وأخذه من قبل تجارب وحضارة الآخرين، فإن تجربة الدولة الإسلامية الأولى في أيام الخلافة الراشدة أيضاً قد مرت بتجربة مشابهة ،  من حيث استيرادها لمفاهيم وآليات " الدواوين " او ما يمكن تسميته "بنظام الإدارة"،  ولم يكن ذلك يمثل تعارضاً مع القرآن والسنة، رغم إنه نظام استخدم من حضارة أخرى  وتلك الحضارة كانت كافرة. إن حسن الادارة والنظم والآليات في حياة مدنية متطورة قد تجعل أمماً كافرة أكثر عدلاً من أمم ودول مسلمة ، وكذلك أقدر على مقومات القوة والانتصار وهذا ما نراه هذه الأيام من قبل تلك الدول والأمم، وليس غريباً أن ينصر الله الفئة الكافرة على الفئة المؤمنة نتيجة امتلاك اسباب القوة والإدارة والتعامل مع معطياتها.

       انطلاقاً من ذلك التصور للعلاقة السليمة بين الدستور والاسلام " القرآن والسنة " ثم صياغة خطاب " نداء إلى القيادة والشعب معاً: الإصلاح الدستور أولاً"،  والذي قدم إلى القيادة السعودية بعد منتصف الشهر الأخير من العام 2003 م، وذلك على بناء صيغة اسلامية وعلى مرجعية اسلامية ولذلك فقد كان من بين الموقعين عليه، والذين بلغوا اجمالاً مائة وستة عشر شخصاً من أبرز النخب المعرفية والثقافية والشرعية والمهنية السعودية ـ أكثر من خمسة وعشرين من أساتذة عقيدة وتربية اسلامية وقضاة ودعاة ومنهم رموز وفعاليات اسلامية معروفة.

     وتمشياً مع مشروعية الاحتساب على السلطة، في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجال السياسي، فإن دعاة الإصلاح الدستوري السلمي والمجتمع الأهلي المدني قدموا وطرحوا تلك الرؤى الإصلاحية الدستورية للقيادة والشعب انطلاقاً من أنها تمثل دعوة للخير والإصلاح لإقامة حياة مدنية اسلامية شورية عادله، وعملاً بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم):" الدين  النصيحة  قلنا لمن ؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وهذه دعوة إصلاحية دستورية سلمية وأما تطبيقها وتنفيذها فيعود إلى الفعاليات الاجتماعية وإلى تفهم وإدراك القيادة لاغتنام الفرصة واعتبارها من ضرورات الانتقال إلى حياة مدنية اسلامية شوروية عادلة ، تنفي مع قيامها مسببات العنف والاحتقانات واحتمالات الصراع الاجتماعي المفتوح ومشاريع التفتيت والتقسيم أو الإعاقة او التبعية والاستعباد للبلد والمجتمع والمنطقة عموماً.

 

 

 

 

 

الملكية الدستورية : إقصاء أم إعادة تأسيس

 

          قبل سنتين عندما كتبت عن المستقبل السياسي للسعودية في ضوء أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م ، طرحت فكرة إن المشهد المنقذ في وجه احتمالات مشاهد الانهيار او التقسيم للبلد، هو ولوج الإصلاح الشامل وعن طريق البدء في الإصلاح السياسي أولاً وتبني اعلان " الملكية الدستورية " [15] وعندما تداعى دعاة الإصلاح والمجتمع الأهلي المدني الى فكرة الإصلاح الدستوري السلمي كانت مذكرة وخطاب " نداء للقيادة والشعب معاً : الإصلاح الدستوري أولاً " والتي وقعها أكثر 116 شخصاً من النخب المثقفة والأكاديمية بما في ذلك أساتذة بارزين في العلم الشرعي في عدة جامعات سعودية ، دعاة وقضاة وكذلك اعلاميين ورجال أعمال ، وقدمت إلى القيادة السعودية بعد منتصف شهر ديسمبر 2003 م . وقد طالبت تلك المذكرة باصلاحات سياسية شاملة تنطلق من المطالبة بالدستور ومن اعلان الملكية الدستورية ، وكان هناك آلية مقترحة لتشكيل هيئة وطنية مستقلة ، من أهل الرأي والخبرة والعلم في الفقه الدستوري والعلوم الاجتماعية الأخرى وكذلك أهل العلم الشرعي ، لكي يعدوا مسودة عناصر الدستور ، لعرضها بشكلها النهائي على الشعب للتصويت عليها ، لكي تشكل عقد اجتماعي لعلاقة قانونية ملزمة بين المجتمع والسلطة ، تتحدد بها الحقوق والواجبات وآليات الرقابة والمحاسبة على السلطات فيما بينها ، ويبدأ بتطبيق الاصلاح الدستوري في غضون ثلاثة سنوات .

            وإذا كان الأمر كذلك ، فهل يعني تبني الدستور وبالذات الملكية الدستورية أنه يهدف إلى إقصاء العائلة المالكة " الأسرة السعودية " عن الحكم ؟ لكي " تملك ولا تحكم "  وتكون كالأسرة المالكة البريطانية ، باعتبار إن بريطانيا ذات " ملكية دستورية " مجرد رمزية شرفية . هناك من المسئولين من طرح هذه التساؤلات مباشرة على بعض من دعاة الإصلاح الدستوري السلمي والمجتمع الأهلي المدني . وقال أنتم تريدون ملكية دستورية ، يعني تريدوننا " نملك ولا نحكم".  كذلك طرح آخرون من بعض الكتاب أطروحات قريبة من هذا وبعضهم هاجم مطلب الملكية الدستورية على إنه حرق للمراحل. هل هذه التساؤلات تنطلق من مخاوف مشروعة أم من محاولة لأحباط الاصلاح ؟ سؤال مفتوح ، ولكن جدلاً هل هذه التساؤلات صحيحة أم لا ؟  بداية نقول أن هذه التساؤلات والمخاوف ليست صحيحة البتة، وسبق إن قلنا ذلك، ولكن نعيد بعض النقاط للتأكيد عليها ولتوضيح فكرة الملكية الدستورية وإنها لا تعني البتة إقصاء " آل سعود عن الحكم ".  في مذكرة " الإصلاح الدستوري أولاً "  كانت العناصر الدستورية التي حددت :

1) اقرار الحقوق والحريات العامة والأساسية التي أقرتها الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية والتي التزمت بها الدولة السعودية بما في ذلك حق التعبير والرأي والاجتماع والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ( إدارة الشئون العامة ).

2) فصل السلطات وانتخاب سلطة نيابية " مجلس شورى ملزم " انتخاباً شعبياً مباشرة من أهل الرأي والخبرة والعلم والاختصاصات ، فهم الذين تنطبق عليهم " أولي الأمر " وإنهم أهل الحل والعقد . وهذه السلطة النيابية " مجلس شورى ملزم " المنتخبة شعبياً ودورياً تتمتع بسلطات رقابية ومحاسبة على السلطات الآخرى وخاصة السلطة التنفيذية، بمعنى رقابة أعمال وسياسات الحكومة " الوزارة "، على أن تكون لها امكانية القدرة على المسائلة بما في ذلك مسائلة الوزراء عن أعمالهم وكذلك مراقبة المال العام والميزانية.

3) وفي سياق فصل السلطات، مسألة تعزيز استقلال القضاء وذلك ليؤدي دوره في إقامة العدل عن طريق التقاضي والتخاصم دون أن تخضع لضغوط وتأثيرات من السلطات الأخرى وخاصة السلطة التنفيذية مما يدخل في العدالة القضائية. واستقلال القضاء الذي يراد الوصول إليه هو ليس استقلال القضاة أنفسهم وإن كان هذا مطلوباً وإنما استقلال القضاء كاستقلال " مؤسساتي " وهذا يتطلب معايير دولية على الدولة أن تضمنها للسلطة القضائية في حدود الصلاحيات  الدستورية لها.

4) وفي سياق الحقوق والحريات العامة، السماح بتكوينات المجتمع الأهلي المدني بالتشكيل والقيام من قبل الأفراد والجماعات في المجتمع على أسس مهنية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مرحلة لاحقة قد تكون السياسية مستقلة، والهدف من هذه الجمعيات الاهلية والمدنية أن ترعى مصالحها وحقوقها وما يتعلق بالاحتساب المؤسسي على السلطة في سياق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كل في مجاله وفي المجال العام. إضافة إلى ذلك فإن هذه التكوينات الاجتماعية الأهلية المدنية تقوم بدور هام وهي إنها تساهم في انخراط الأفراد والمواطنين وخاصة الشباب في تلك الأطر الاجتماعية، مما يتيح لها أن تفصح عن رغباتها ومطالبها وإيجاد منافذ لها في التعبير وطرح الآراء والمشاركة الاجتماعية بطريقة سلمية، تبعدهم عن الانحرافات والإتجاهات ووسائل العنف، والتي قد تكون الوسيلة المتاحة في غياب تلك المؤسسات الأهلية المدنية.

      هذا الدستور بهذه العناصر والآليات للرقابة والمحاسبة فيما بينها والاحتساب عليها، يصوت عليه شعبياً بأن تتم صياغته من هيئة وطنية مستقلة من أهل العلم والرأي والاختصاصات في كافة المجالات بما في ذلك الفقه الدستوري والشريعة الإسلامية لكي يؤصل على الإســلام.

     إذا تم التصويت عليه، يكون لدينا " عقد اجتماعي جديد "، يقنن العلاقة الملزمة بين السلطة والمجتمع، الشعب، الأمة، بحيث تحدد الحقوق والواجبات والحريات، وكذلك يصبح المواطن جزءاً أصيل داخل العملية السياسية وليس خارجاً عنها عن طريق ممارسة حق الترشيح أو التصويت لانتخاب ممثلي الشعب في السلطة النيابية"مجلس شورى منتخب ملزم "، وبالتالي يحقق حقه وحريته في المشاركة الشعبية وفي اتخاذ ورسم السياسات والرقابة عليها. وتكون المرجعية في هذه المشاركة وللرقابة وللسلطة النيابية " الشورى الملزمة " هي مرجعية شعبية، " "سلطه الامه في تحقيق مقاصد الشريعه "، وتتحقق دائماً بالانتخابات الدورية وهذه " المرجعية الشعبية " هي التي تعطي السلطة النيابية مجلس الشورى الملزم، الحق في ممارسة اتخاذ القرارات والقوانين والأنظمة، ولكن مصادر أحكام تلك القرارات والأنظمة في بلد اسلامي مثل السعودية، مثلاً، تبنى على أولوية النصوص القطعية في الكتاب والسنة " الشريعة الإسلامية في حالة وجودها ". ومع تحقيق قدر كبير من استقلال القضاء أيضاً وكذلك قيام وعمل تكوينات المجتمع الاهلي المدني لاتمام عملية المحاسبة والرقابة والاحتساب على السلطات، بما في ذلك على السلطة النيابية نفسها " مجلس الشورى المنتخب الملزم "، نكون بالفعل وصلنا إلى دولة وحكومة دستورية حيث تكون سلطتها مقيدة عن طريق الرقابة والاحتساب.

          عند الوصول إلى ذلك، نستطيع أن نضمن مزيدًا من العدل بكافة أشكاله ومجالاته في الاقتصاد والاجتماع والحقوق والتخاصم والتقاضي والإدارة... الخ، والذي أمر الله به وأنزل البينات على رسله ليقوم الناس به. عندها نستطيع أن نقضي على الفساد ونحارب الظلم والجور والرشوة والفساد المالي والإداري وهدر المال العام والإختلالات الاقتصادية في التنمية وسوء توزيع الثروة والموارد على المواطن والمناطق، وكذلك الاختلالات الاجتماعية والثقافية والفكرية والتعليمية والطغيان والاستبداد، عندها يمكن اصلاح التعليم، وإصلاح الثقافة والاقتصاد. أما قبلها وبدون الإصلاح السياسي القائم على " الدستور "  فإننا لا نستطيع، بل فوق ذلك لاندرك إننا نخادع  أنفسنا و أننا سوف نصل إلى انهيار عاجلٍ أم آجلٍ.

      نختصر القول عن لماذا الدستور، فنقول: إن لا عدل بكافة المجالات بدون شورى ولا شورى ملزمة دون أن تكون منتخبة شعبياً ودورياً وبسلطات رقابية ومحاسبة على المال وسياسات الحكومة " السلطة التنفيذية "، " الوزارة " ولا سلطات رقابية ومحاسبية بدون دستور مصوت عليه شعبياً ومتضمناً لتلك العناصر وتلتزم الدولة به باعتباره عقداً اجتماعياً لا يجوز ابداً الإخلال به.

        في المقابل فإن النظام الأساسي للحكم 1412هـ ـ 1992م في المملكة، ينص على أن الملك، هو الذي تنتقل إليه السلطة، بالوراثة، ومن أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز آل سعود. وهو ما يعني ان ليس بوسع الغالبية من آل سعود أن تتبوأ هذا المنصب ويحرمها الحق في هذا رغم إنها من الأسرة، - هو مرجع كل السلطات، السلطة التنفيذية وما يسمى بالسلطة التنظيمية " السلطة التشريعية في الدول الأخرى " والسلطة القضائية وهو الذي يعين ولي العهد. إذ نحن أمام أولى الأمر على أنه سلطة مطلقة كاملة مهيمنة على كل شئ بما في ذلك السلطة القضائية " المحاكم " حيث إن الملك من خلال نظرية " ولي الأمر " هو القاضي الأول والأساس وما القضاة المعينين سواء وكلاء او نواب عنه. ولذلك في قضايا " التعزير" ومنها القضايا السياسية والأمنية والتي ليس فيها نصوص قطعية، فإن الملك " ولي الامر " له الحق في عدم قبول الحكم ورده ورفضه وطلب تغييره، أما بالتشديد أو التخفيف. وإذا أضفنا إلى ذلك مشكلة تأثير وضغوط السلطة " ولي الأمر على السلطة القضائية "، رغم القول إنها مستقلة طبقاً للنظام الأساسي للحكم، وإن لا سلطات عليها سوى الشريعة الإسلامية، وكذلك عدم وجود معايير محددة واضحة لاستقلال القضاء كمؤسسة وليس كأفراد، فإن هناك خلل كبير في إقامة العدل على مستوى التقاضي والتخاصم، وخاصة عندما تكون الدولة هي الخصم المدعي تجاه المتهمين في قضايا سياسية،  فما بالك على مستوى عمل السلطة التنفيذية والتي تجمع في عملها، أعمال السلطة التشريعية أو التنظيمية. في الوقت نفسه الملك هو رئيسها ( رئيس مجلس الوزراء ) وهو المرجع لها، وهو الذي يصدر معظم القرارات إما بمراسيم أو بقرارات من مجلس الوزراء، ورئيسه وهو الملك أو من ينوب عنه، والسلطة القضائية بوضعها الحالي وضمن صلاحياتها لا سلطات لها على السلطة التنفيذية والتشريعية " مجلس الوزراء "، وأما مجلس الشورى " المعين " فهو بالنظام الاساسي للحكم وكذلك نظامه الاساسي أصلاً لا يتمتع بسلطات أو صلاحيات رقابية ولا في إصدار قرارات ملزمة تجاه الحكومة " مجلس الوزراء" باعتبارها سلطة تشريعية وتنفيذية، لها أن تأخذ بتوصيات مجلس الشورى او ترفضها، وللملك وحده الحق في أن يفصل في المسألة، علماً بأنه رئيس مجلس الوزراء، وفي موازاة ذلك عدم وجود جمعيات اهلية مدنية تقوم بالاحتساب على السلطة لمصالحها وحقوقها وللمصلحة العامة. إذا نحن أمام " سلطة مطلقة " في النظام الاساسي للحكم الحالي، يتمتع بها الملك، ولا توجد آليات للمحاسبة والرقابة، وحتى ديوان المظالم، هذا ديوان أو جهاز وإن كان يسمح نظامه بشكوى الموظفين الحكوميين لأجهزتهم الحكومية، إلا أنه جهاز أصلاً غير مستقل وبالتالي لا يوجد آلية للرقابة والمحاسبة المطلوبة.

        بناءً على ما تقدم، هل النظام الاساسي للحكم يعتبر دستورياً؟ الجواب، بالتأكيد لا، ذلك لأن النظام الأساسي للحكم أولاً، لا يتضمن الآليات والهياكل والعناصر الدستورية التي تضمن اقامة العدل من خلال وجود آليات المحاسبة والرقابة على السلطة التنفيذية " الحكومة " من قبل سلطة ذات مرجعية شعبية " الشورى المنتخبة الملزمة " وثانياً، إضافة إلى عدم اكتمال العناصر الأخرى من حيث الحقوق والحريات العامة والاساسية للناس وعدم وجود آلية ملزمة بها وكذلك خلل في استقلال القضاء لذلك فإن النقطة الأهم هي أن أي نظام للحكم لكي يصبح دستور أو دستورياً لا بد أن يحظى  بموافقة  شعبية عن طريق التصويت ليصبح الشعب وإرادته هي التي تقررمصالحه ،ويصبح دور الحاكم تنفيذيا، وليس أي مرجعية أخرى على أن تكون ممارسة الدولة  " الحكومة " تدل بوضوح على التزامها بالحقوق والحريات، والرقابة والمحاسبة عليها من قبل السلطات الأخرى او بالاحتساب عليها من قبل المجتمع، عبر هياكل ومؤسسات المجتمع الاهلي المدني  الجمعيات والاتحادات والروابط...الخ.

         إذ نحن أمام نظام للحكم ليس دستورياً على الإطلاق، بل ومن خلال الجمع بين السلطات الثلاثة، فإنه يؤسس لنظام الحكم الفردي بالسلطات الشمولية " سلطات مطلقة "، دون رقابة أو محاسبة لا من السلطات ولا من المجتمع ولا حتى مـن الأسرة نفسها.

        إذ نحن أمام حكم ملكي ذو سلطة مطلقة، وهذه بدورها تولد أنظمة استبداديه تسلطيه في الأجهزة والمؤسسات الحكومية، ولذلك يستشري الفساد والمحسوبية وعدم المبالاة وهدر المصلحة العامة، وذلك لغياب أيضاً آليات المحاسبة، والرقابة، ويصبح الخلل في كافة المجالات متغلغلاً إلى درجة يصعب السيطرة عليه، بل أيضاً في ظل غياب آليات المحاسبة والرقابة، تصبح عملية السيطرة أمراً مستحيلاً، ولذلك ليس غريباً أن تؤدي تلك الاختلالات إلي تنامي روح عدم الانتماء للوطن وغياب الشعور بالوحدة الوطنية وكذلك تنامي بذور العنف، واحتمالات مفتوحة من الصراع الاجتماعي ليست بعـيدة.

        وهـذه الإشكالية وتداعياتها، ليست عيباً لصيقاً " بالملكية المطلقة " فقط وإنما هي أيضاً عيباً ومشكلة حتى في الأنظمة العربية المسماة " جمهورية " طالما هي ايضاً أنظمة سلطوية استبدادية، حتى وأن كانت تزعم بوجود دساتير، ولكنها دساتير لا تقيد سلطات الحكومات ولا تعبر عـن إرادة شـعبية.

      إذن فنحن في السعودية أمام نظام حكم ملكي وملكية " ذات السلطات المطلقة "، بمعنى غير دستورية. في المقابل فإن الأخذ بالدستور، من حيث إننا نصل بالفعل إلى سلطة " غير مطلقة " يعني أننا سنصل إلى الملكية الدستورية، فما الذي يحدث بالنسبة للسعودية في هذه الحاله؟ هل ذلك يلغي  العائلة ( أو بعضاً منها لأنه ليس لكلها الحق في ذلك من خلال النظام الأساسي للحكم حيث يقتصر ذلك على أولئك الأبناء والأحفاد من أبناء الملك عبد العزيز فقط )، من الحكم ؟ أم ماذا؟.

     الذي يحدث من تبني " الملكية الدستورية " هو إعادة تأسيس وتجديد للدولة ومشروعيتها على أسس جديدة تقوم على " عقد اجتماعي " بحيث نكون أمام صياغة جديدة تسير العملية السياسية واتخاذ القرارات، يكون المواطن فيها جزءاً أصيلاً، عن طريق المشاركة الشعبية عبر جمعيات المجتمع الاهلي المدني عامة، وعبر مجلس النواب المنتخب في السلطة النيابية و خاصة المجالس الثانوية و البلدية، والمناطقيه وبذلك يصبح المجتمع هو الأدرى بمصالحة وله السلطة العليا في تحقيق مقاصد الشريعة.

        إذن تبني " الملكية الدستورية " يعني إعلان ميلاد وقيام " الدولة السعودية الرابعـة "[16]  إذ صح التعبير، باعتبارها دولة ذات حكومة دستورية، مما يجعلها شورية عادلة ذات شرعية جديدة، تقوم على التعاقد أو العقد الإجتماعي الملزم للطرفين بين المجتمع والأسرة " آل سعــود "، بحيث يصبح المجتمع عن طريق من يمثلونه " سلطة نيابية ـ مجلس شورى ـ منتخب ملـزم " شريكاً ومشاركاً في الحكم وليس بديلاً عن الأسرة أو مقصياً لها. هذه الصيغة الجديدة للدولة السعودية الدستورية " الشوروية العادلة " وعن طريق ذلك العقد الإجتماعي " الدستور " تمكن الأسرة " آل سعود من الاستمرار والتواصل لعقود بل لقرون مفتوحة، ضمن تلك الصيغة التشاركية مع المجتمع.

         إذن الذي يحدث في تبني ملكية دستورية في السعودية هو إنه بدلاً من نظام حكم ملكي" بسلطات مطلقة " فإننا نصبح أمام نظام حكم ملكي " بحكومة أو سلطة مقيدة ". هل يفقد الملك أو الأسرة حكمها؟ أو أن تحكم؟ طبعاً هذا ليس صحيحاً، الذي يحدث هو أن الملك لا يزال يتمتع بالسلطات قد تكون واسعة ولكنها ليست شاملة أو شمولية أو مطلقة، كما كانت في السابق، وذلك لإدخال البعد الشعبي في المشاركة في صناعة القرار والسياسات والرقابة والمحاسبة. إن الملك يبقى ضمن عناصر أخرى من الأسرة له القيادة العليا في الدولة، وهو المسئول الأول عن الدولة ويعين الوزارات ويقيلها ويجري عليها التعديلات لمقتضيات الضرورة والمصلحة العامة وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو المسئول عن السياسة العامة للدولة. ولكن هذه السياسة العامة للدولة باعتبار إن التي تعدها الحكومة " الوزارة " تخضع للرقابة والمحاسبة من قبل "سلطة نيابية مجلس شورى ملزم " يمثل الشعب. إذن بالقدر الذي تم التنازل عنه، هو القدر الذي أتاح للشعب والمواطن الحق بالمشاركة وصنع السياسات وأعمال الرقابة والمحاسبة. إذ هو تنازل في سياق تعاقد اجتماعي عن جزء من السلطة وبقيت أجزاء واســعة منها.

    وإذا كان هذا لا يوضح الصورة بمعنى أن تبني الملكية الدستورية في السعودية لا يعني اقصاء الأسرة الحاكمة من الحكم، فإن لدينا تجربة كل من الأردن والبحرين، فكل من الدولتين تبنت الملكية الدستورية وخاصة في تطبيقاتها الجديدة، في الأردن منذ 1989م وفي البحرين منذ 2002 م. فهل تطبيق الملكية الدستورية في كل من البلدين ازاح الأسرتين المالكتين عن الحكم ؟  الجواب طبعاً معروف، ملك الأردن وملك البحرين لا زالا يتمتعان بسلطات دستورية واسعة وكل ما حدث إنهما قبلا مشاركة الشعب والدخول في آلية المحاسبه والرقابة المجتمعية على أعمال الحكومة،  وإما مكانتهما والأسرة فقد زادت شعبياً وتاييداً والتفافاً أكبر عن ذي قبل. فلماذا إذن لا نقيس على هذه التجربة العربية في الملكية الدستورية؟ ولماذا نقيس على نموذج الملكية الدستورية البريطانية أو الأوروبية؟  هذه النماذج الأوروبية وبالذات البريطانية لها أكثر من قرنين من الزمن حتى وصلت إلى ملكية دستورية رمزية بالنسبة للاسرة المالكة. الذين يقيسون على الملكية الدستورية الأوروبية وبالذات البريطانية، والذين يقولون إن تبني الملكية الدستورية يعني حرق للمراحل، هؤلاء إما يريدون ايجاد مخاوف لدى الأسرة السعودية، أو أن تتخذ ذريعة لضرب مطالب الإصلاح الدستوري، أو أنهم يقدمون المبررات والمسوغات لتلك التوجهات وذلك لتداخل مصالحهم ونفوذهم ومحاولة استدامة الأوضاع، بكل ما يعني ذلك وما تحمله من مخاطر تواصل مشاهد الإنهيار وتزايد حالات الاحتقانات واتجاهات العنف. لذلك فإنهم يتحملون كل مسئولية تترتب على الاخلال بمستقبل هــذا البلد والمجتمع.

       نقطة قبل الأخيرة، بالنسبة للحديث عن الملكية الدستورية وماذا يترتب عليها في حالة تبنيها انطلاقاً من الموافقة على دستور مكتوب مصوت عليه شعبياً، بما يعني إنه يمثل " تعاقد اجتماعي ملزم " بين الأسرة المالكة والمجتمع، أي لتأسيس دولة دستورية شوروية عادلة يمكن أن يطلق عليها " الدولة السعودية الرابعة " تلك النقطة تتعلق بأن ذلك التبني للملكية الدستورية لا يعني فقط ايجاد حل لمسالة العدل والحقوق العامة للمجتمع، وإنهاء الاحتقانات والاختلالات وإيجاد حياة مدنية اسلامية شوروية عادلة متقدمة، وإنما أيضاً يساهم في حل دستوري داخل الأسرة المالكة نفسها، بحيث تقلل من الاختلافات والتنازع على المناصب وولايه العهد وغيرها، حسم هذا الأمر يجب أن يضمن في ذلك الدستور والذي يصوت عليه شعبياً بحيث تكون هناك شرعية دستورية شعبية مسبقة ومحددة تقضي على احتمالات الصراع والتنافس وتجعل هناك آلية دستورية مسبقة تطمئن الأسرة المالكة نفسها وكذلك المجتمع نفسه بأن لا تتفجر الأوضاع يوماً ما. 

           ختاماً نقول إذن من هو المستهدف من تبني الملكية الدستورية في السعودية؟  هل هو القضاء على الجور والظلم و الفساد وضياع الحقوق والثروات وكرامة الإنسان ؟ أم هو اقصاء آل سعود عن الحكم ؟ إن تبني " الملكية الدستورية " في سياق الإصلاح الدستوري يستهدف انقاذ البلد مجتمعاً وسلطة من أجل حياة مدنية اسلامية شوروية عادلة تقيم وتصون العدل والحقوق والكرامة الإنسانية. إنما نخشاه ويخشاه دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع الاهلي المدني، إن أي تأخير وعرقلة لقيام ملكية دستورية في السعودية في الوقت الراهن، قد يجعل منها مطلباً غير معروض أصلاً في المستقبل، بل قد يكون مرفوضاً من قبل قوى الاعتراض خارج السلطة حتى لو أن السلطة عرضت أو قبلت به في وقت لاحق حينئذٍ تكون الفرصة قد ذهبت ولربما بدون رجعة. فهل هناك من عاقل رشيد يبصر ويسمع ويبادر باتخاذ الخطوة التاريخية برؤية واضحة للمستقبل، ويطلق قيام الدولة السعودية الرابعة الدستورية الشوروية العادلة قبل فوات الأوان.

الدستور المكونات الجوهـر والــروح

 

       في البلاد العربيه تثار قضيه ان لديها دستور، او ان دستورها هو القرآن والسنه،  كما في السعوديه تحديدا، وان نظامها الاساسي يقوم ويؤسس على ذلك ، بل ان الدوله في قيامها ومشروعها أسست على ذلك، وبالتالي فإن هناك في السلطة أو خارجها ، من يثير فكره أن طرح الإصلاح السياسي وخاصة الإصلاح الدستوري بالتركيز على فكره "الدستور" لا يأتي بجديد ، أو إنه لاحاجه اليه باعتبار ان الاسلام والشريعه الإسلاميه ( القرآن و السنه ) هي دستور الدولة والمجتمع . فهل هذه المقوله، قناعه أم تشكيكا لغايه ضرب مشروع الاصلاح الدستورى هي مقوله يعتد بها ام لا ؟ واذا كانت هناك دساتير في بعض الدول العربيه لماذا ليست لها الروح الفاعله ؟

       بداية وقبل الاجابه على هذه التساؤلات لابد من تحديد المقصود بالدستور. ذلك ان هذه الكلمة غير مفهومه ليس فقط لدى عامه الناس، بل حتى من النخب الثقافيه والفكرية والدينية، بل وحتى السياسيه ، ورغم إن هذه الكلمة لربما تسمعها تلك الفئات وترددها وخاصة خلال العقد الأخير المنصرم وبالذات خلال السنوات الاخيره الماضية إلا أن الكثير منهم بمن فيهم بعض النخب المثقفه  لاتعي المعاني والدلالات الاساسيه السياسيه والحقوقيه لها . من هنا فان الحاجة ماسه إلى إعطاء تصور محدد عن ما هو المقصود "بالدستور" حيث ورد في الرؤى الإصلاحية وخاصة في وثيقة "الرؤية" لحاضر الوطن ومستقبله" وبشكل أكثر تحديدا، في وثيقة "الإصلاح الدستوري أولا" والذي قدمت إلى القيادة السعودية في منتصف الشهر الأخير من العام 2003م وانتشرت على نطاق واسع حيث وقعها أكثر من #116 شخصية من أبناء الوطن من مثقفين وعلماء وأساتذة جامعات وقضاة ورجال أعمال ومهتمين بالشأن العام ونشطاء في مجال الدعوة إلى المجتمع الأهلي المدني (1). الوثيقة آنفة الذكر، تطالب بإصلاح سياسي اقتصادي واجتماعي وثقافي شامل في السعودية يقوم على المطالبة بالدستور، وإعلان الملكية الدستورية ، في سياق مبادرة إصلاحية من منظومة متكاملة من العناصر الإصلاحية الدستورية، على أن يصوت على ذلك الدستور وعناصره ، والذي يفترض أن يصاغ بعناصره وبنوده من خلال هيئة وطنية مستقلة من بين أهل الخبرة والاختصاص في كافة العلوم وخاصة الفقه الدستوري والشريعة.

     ما هو الدستور؟ وما هي عناصره الأساسية، ولماذا الدستور وأهميته في الإصلاح الشامل والسياسي خاصة في السعودية ؟ وما هي روح الدستور؟

        هناك فهم سائد قديم في الفقه الدستوري بأن الدستور هو مجموعه أحكام وقواعد تحدد نظام الحكم (وشكله وطريقة انتقال السلطة) والسلطات واختصاصاتها وعلاقاتها ببعض ، والوظائف الاقتصادية والمدنية والاجتماعية والثقافية التي تقوم بها الدولة ، وكذلك حقوق وواجبات المواطن. ورغم أن هذا جزء من فهم الدستور إلا أن هذا الفهم لا يبين جوهر وروح الدستور والفهم السليم له، وهذا ما سوف نوضحه تاليا.                                         

     إذا كنت في جزيرة ما ، وأنت سلطانها الآمر الناهي المتحكم بكل شيء على سكانها ، فإن هؤلاء السكان يعتبرون رعايا وأقرب إلى العبيد ، ذلك ان سلطة مطلقة لا يحدها حد، ولا يقيدها قيد، وبالتالي فإن العدل والعدالة تصبح مفقودة وكذلك الحرية والحقوق بالنسبة الى سكان تلك الجزيرة. وحيث السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، فلا بد من وضع قيد عليها يمكن الناس من  حقوقهم وحرياتهم ، وكذلك من آفاق مجتمع العدل والمواطنة والعدالة الاجتماعية(توزيع الثروة). من هنا فإن الدستور هو، بهذا المعنى، يعني أن السلطة (في أي بلد كان ) هي " سلطة مقيدة"، وهذا يعني أن الرئيس أو الأمير او الملك وهو رئيس السلطة التنفيذية أو رئيس الدولة بشكل أساسي – يجب أن تقيد سلطاته، لكي تمنع مسألة الاستبداد "(الانفراد) بالسلطات واحتكارها " وبالتالي الحد من القمع ضد المواطنين وحقوقهم وحرياتهم وكذلك ضمان "العدالة والعدل".

       إذن الدستور هو في المعاني السياسية والحقوقية هو السلطة  أو "الحكومة المقيدة". وكل حكومة ملتزمة بذلك بالممارسة وليس بالنصوص تكون حكومة دستورية. ولكن كيف يتم ضمان ذلك، بأن تكون السلطة مقيدة ؟ ضمان ذلك يتم أولاً عن طريق آلية فصل السلطات وآليه المراقبة والمحاسبه(التراقب والتحاسب بين السلطات).

      السلطات في أي دولة تتكون بشكل أساسي من ثلاث سلطات لكل منها مجالها واختصاصها، السلطة التنفيذية، السلطة النيابية "التشريعية"، والسلطة القضائية. وبالتالي فإن السلطة المطلقة تقيد عن طريق آلية فصل السلطات ، وذلك بأن لا يكون الرئيس أو الأمير أو الملك جامع بين السلطات الثلاث، وإنما يقتصر سلطانه على "السلطة التنفيذية"، فيما السلطة النيابية "التشريعية"  يقوم بها نواب أو ممثلون منتخبون انتخابا مباشرا من الشعب، بحيث أن عملية الانتخاب والتمثيل تقدم التفويض والشرعية للسلطة النيابية "التشريعية" للقيام  بمهام اتخاذ القرارات وإصدار القوانين في كافة المجالات، وذلك وفقا لمصادر وأحكام الدستور، والذي في الإسلام يشكل القرآن والسنة المصادر الأساسية له، و التي لها الأولوية في الاعتماد والاستناد إليها في سن القوانين والتشريعات والتنظيمات وذلك بالانسجام مع تلك الأحكام القطعية الواردة في القرآن والسنه. إضافة إلى سلطه نيابيه (مجلس شورى منتخب)انتخابا شعبيا على فترات دوريه كل أربع سنوات إلى خمس، مثلا هناك أيضا انتخابات مباشره  ودوريه لمجلس الحكم المحلي والبلدية على مستوى المناطق والولايات الادارية. في موازاة ذلك تكون السلطة القضائية (المحاكم) ذات استقلاليه عن تدخلات السلطه التنفيذيه أو النيابيه، وتحتاج تلك الاستقلاليه لكي يشاراليها بالبنان إلى توفر معايير استقلال القضاء ومنها قرار نظريه الحقوق الاساسيه للمواطنين ومدونه معلنه محدده لاحكام التعزير، استقلال مالي للقضاة، عدم تدخل السلطه التنفيذيه بالاحكام، اشراف السلطه القضائيه على تنفيذ الاحكام، اشراف السلطه القضائيه على السجون والمعتقلين والمتهمين، توحيد المحاكم، وجود محكمه عليا دستوريه شرعيه للفصل في القرارات ومدى مشروعيتها ودستوريتها.(2)، وان تكون تلك العناصر منصوصا عليها في الدستور وكذلك مطبقه فعليا بالممارسه.

       واستقلال القضاء المقصود به هنا ، ليس نزاهه واستقلال القضاة انفسهم ،فذلك وان كان امرا مطلوباً ومحموداً، فان المقصود باستقلال القضاء وتعزيزه هو استقلال مؤسساتي (القضاء كمؤسسه وليس كقضاة). ومع ذلك فان استقلال القضاء لا يعني عدم إمكانية محاسبة القضاة في حاله التعسف او ارتكاب أخطاء، بل ان ذلك لابد من وجود آليه للمحاسبه عن طريق محاكم قضائية خاصة، مثلا باشراف من المحكمة العليا الدستورية الشرعية.

     ان آليه فصل السلطات تلك تتضمن امكانيه وآليه موازيه لها وهي الرقابة والمحاسبة بين السلطات وتجاه بعضها البعض. فالمحكمة العليا الدستورية الشرعية وهي جزء من السلطه القضائيه يمكنها ان تلغي قررات وقوانين وتشريعات "السلطه النيابيه " "التشريعيه "، اذا وجدت بنفسها، أوجهة ما رفعت اليها، بان تلك القوانين والقرارات مخالفه لاحكام الدستور، اواحكام مصادره الأساسية، مثلا اذا تعارضت مع احكام الشريعه الاسلاميه (القرآن والسنه).

     أيضا في التوازي، تستطيع السلطة النيابية (التشريعية) ان تخضع السلطه التنفيذيه او احد مسؤليها "الوزراء مثلا" للمحاسبة، وكذلك مراجعه ميزانيه الدوله والمال العام والمصادقة عليها، وكذلك على التعيينات، وكذلك بالموافقه اوعدم الموافقه السياسيه الخارجيه أوبعضها مثلا على الاتفاقيات الدوليه ، وخاصه منها الأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.....الخ ، وايضا الموافقه على تشكيل الحكومه او حجب الثقه، عنها، كما هي في بعض نماذج الحكومات أو الدول. في المقابل تستطيع السلطة التنفيذية ورئيسها تحديدا، ملكا أو رئيسا أو أميرا، من تقديم مشروعات وقوانين لربما تقرها السلطة النيابية عن طريق مناصريها ، او حق الاعتراض على قوانين تصدرها السلطه النيابيه في غضون فتره محدده ،  وكذلك اصدار بعض القوانين والقرارات من قبل السلطة التنفيذية في فترات محدودة (الاجازات للضرورات)، مع طلب تصديقها لاحقا، وكذك في بعض الدول الدستورية، تستطيع السلطه التنفيذيه أورئيسها حل السلطة النيابية والدعوة إلى انتخابات جديدة تعاد فيها تشكيل السلطه النيابيه لربما وفق توجهات السلطه التنفيذيه.

  ما الذي تعنيه أو تحققه آليه فصل السلطات المنبثقه عن الدستور؟

إنها  تحقق الاتي:

(1) محاصرة الاستبداد وتقييده والوصول الى السلطه أوالحكومة المقيده، وبالتالي إزالة القمع والقهر أو الحد منهما إلى أكبر درجه ممكنه، عن طريق السلطه النيابيه، الشورى المنتخبه والملزمه، شعبيا ودوريا (فترات محدده)، وكذلك انتخابات مباشره ودوريه لمجالس الحكم المحلي والبلديات لتصبح المشاركه الشعبيه امرا واقعا ويصبح المواطن جزء من العمليه السياسيه ومساهما فاعلا في اتخاذ القرارات، على مستوى هياكل السلطة المركزية (السلطة النيابية) أو(مجلس الشورى المنتخب الملزم)، أو على مستوى السلطات المحليه مجالس الحكم المحلي والبلديات، وهنا يجمع بين حريه وحق المشاركه وتحمل المسؤلية على مثل القرارات والسياسات المتخذه، وهو ما يعني ويساهم في نفس الوقت  بالغاء او تقليص الاستبداد ، ويقيد السلطة المطلقة، وفي مقابل ذلك يتم تحقيق الحقوق والحريات ويزداد هامشها.

    2)  إضافه الى ذلك فان المشاركة الشعبية المباشره تلك، سواء بالانتخابات،  أو بالتصويت، أو بالدخول للمجلس، بما يعنيه من تفويض شعبي للسلطة النيابية (الشورى المنتخبة الملزمة) وباعتبار ان الشعب مصدر السلطات، فان مسأله وقضيه العدل والعدالة الاجتماعية من توزيع الثروه والمال والفرص المتكافئة والمساواة القانونية والمواطنة، والتنميه بما يحقق تقدم كرامة الانسان والمواطن،  في كافه المجالات دون تمييز في كافه المناطق ، تصبح هي النتيجه المطلوبه الثانيه (العداله ) بعد أو مع الحرية.

    3)  إضافة إلى ذلك، فان استقلال القضاء وتأكيده، عن طريق تلك الآلية الدستوريه سيضمن حقوق المواطن، سواء فيما بينهم أو اتجاه الدوله، وكذلك ضمان مسألة المساواة والعدالة  بين المواطنين في التقاضي والترافع وتطبيق الاحكام.

     اضافه الى تحقيق العداله والحريه،  من خلال آليه فصل السلطات والمراقبه  ، وبالتالي الوصول الى فكره "السلطه المقيده "، والتي تعبر عن المعاني الاساسيه  والكبرى للمفهوم الحديث للدستور، فان عناصر ومحاور أي (دستور) لابد ان يتضمن اساسا الاقرار بالحقوق والحريات الاساسيه والعامه (حقوق الانسان) للمواطن، باعتبارها منظومه متكامله من الحقوق والحريات اللصيقه بالمكونات والفطره الانسانيه وايضا في اساس العلاقات الاجتماعيه . وتلك الحقوق والحريات الاساسيه العامه ابرزها الاسلام في القرآن والسنه وكذلك في الممارسات الإسلامية، مثل "الحريه" وخاصه بعض رموزها وخلفاءها ، كمقوله لعمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا". تلك الفكره التي للأسف لم تتبلور الا مع الطرح الفلسفي الاوروبي وخاصه مع مقولات (العقد الاجتماعي) للمفكر الفرنسي جان جاك رسو، كذلك فان المواثيق الدوليه كالميثاق الدولي لحقوق الانسان الصادرعن الامم المتحده  1948وكذلك العهديين الدوليين عن الحقوق المدنيه والسياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه ...الخ، قد اقرتها اغلب الدول بما فيها الدول العربية ومنها السعودية، رغم بعض التحفظات على ما ورد فيها .

      ومن اهم الحقوق والحريات إضافة إلى الحقوق الأساسية في العيش والتملك والعمل، فان هناك حقوق سياسية ومدنية، من أهمها حريه الراي والتعبير والمشاركه في اداره الشوؤن العامة وحق انشاء الجمعيات و النقابات والاتحادات والانضمام لها، وكذلك الحق في حريه الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلميه (3).

     تلك الحقوق والحريات، وخاصه الاساسيه منها، هي احدى مكونات وهيكل الدستور، والذي لابد ان تقره الدول نظريا وممارسة، وبموافقه شعبيه عليه، لكي يكون ضمن العناصر والاليات والضمانات، لكي يمكن لاليه الفصل بين السلطات والمراقبة والمحاسبة (التراقب والتحاسب). ان تصل بقصبتي العداله والحريه الى افاقها والقياس عليها، خاصه  فيما يتعلق بمسأله قيام القضاء بمهامه  ومن خلال استقلاله و(معايير استقلال القضاء)، ولتطبيق الاحكام ذات الصله بالحقوق والحريات وضمانها قضائيا وبالتالي الوصول الى فكره الدستور باعتبارها "السلطه المقيده " فعلا لا قولا.

       في هذا السياق وبالمقارنه، فان كثير من الدول العربيه تقر في دساتيرها اوفي نظامها الاساسي للحكم، السعوديه مثلا، عدد من الحقوق والحريات، ولكن تلك الحقوق والحريات اولا، تعتبر قاصره من حيث عدم اشتمالها لحقوق وحريات اساسيه خاصه في المجال السياسي والمدني، وثانيا، فان الممارسه في الحياه العمليه لا تسندها ولاتشير الى التزامها بتلك الحقوق والحريات ، فضلا عن  عدم اكتمالها أصلا. والسبب يعود إلى أن تلك الدول تفتقر إلى الاليه الدستوريه الحقيقيه وللفصل والمراقبه والمحاسبه بين السلطات وبالتالي الحد من السلطة، وذلك لأنها أصلا صادره بدون تفويض شعبي وبدون وجود آليات للرقابه الشعبيه (ارادة الشعب باعتبارها المرجعيه للسلطات، وليس الفرد اوالحزب اوالعائله سواء كان ملكا او رئيسا أو أميرا).

      ومن هنا فان هذه الدول، التي تزعم بانها تحافظ على الحقوق والحريات وتصونها في انظمه كلها او دساتيرها (شكلية)، إنما هي لا تخادع فقط  شعوبها وانما تخادع العالم، اذا ان الشعب، والعالم يعرف، ان حقوقه مهدوره وحقوقه مصادره، والممارسه خير برهان، في الاعتقالات والممارسات القمعيه، ضد الحقوق في التعبير او الاجتماع او حتى السفر، وهي ابسط الحقوق المصادره، او ليس مثل هذه الممارسات القمعيه الصارخه ضد دعاه الاصلاح والمشاريع الاصلاحيه داخليا وخارجيا وفي تناقض مفضوح مع اطروحات الاصلاحات العربيه الرسميه سواء على مستوى الدول أو جامعه الدول العربيه دليل صارخ على الاستبداد والقمع وبالتالي عدم الدستورية.

        وضمن عناصر ومكونات الدستور لكي يكون الدستور هو الترجمه الفعليه "للسلطه المقيده"، فانه وفي سياق اقرار الحقوق والحريات الاساسيه والعامه (السياسيه والاقتصاديه .....الخ )،  فان على الدوله (أي دولة) لكي يمكن وصفها بانها دولة دستورية، ان تقبل وتضمن قيام وضمان عمل تكوينات المجتمع الاهلي المدني.

       ومفهوم المجتمع الاهلي المدني هو ببساطه شديده يتكون من:

     (1) تكوينات وهياكل مدنيه واهليه (عامه وخاصه)

(2)منظومه من القيم (التسامح والحوار - التعدد، نبذ العنف) في التعامل والعلاقات والتنافس السلمي

(3)ارتباطه بالبيئه والهيكل الدستورى   

(4)الوظائف والاغراض والادوار (ومنها حمايه المصالح وتطويرها ، الاحتساب على السلطات وفيما بين المكونات الاهليه ، والافصاح عن الرغبات والاراء.......)

 والتكوينات والهياكل هي كل الانواع من الاطر (الجمعيات) الاجتماعيه والثقافيه والاقتصاديه والمهنيه وفي احيانا حتى السياسية وكذلك الخيرية والمنتديات والنوادي.....الخ ، والتي يقوم مجموعه من الافراد في مجتمع ما بتشكيلها للقيام بتحقيق اهداف اواغراض خاصة أو عامة، وتكون منسجمه مع الدستور. وتلك التشكيلات او التكوينات هي:

(1)الجمعيات والاتحادات والنقابات المهنيه الانتماء اليها بالمهنه مثل جمعيه المزارعين، جمعيه التجار، جمعيه المحامين ،جمعيه الاطباء ....نقابات واتحادات العمال، واتحادات الطلاب،....الخ. والانتماء لهذه التكوينات والجمعيات هو أساسا انتماء طوعي واختياري، وتقوم في عملها وأدائها لوظائفها وكذلك في العلاقة مع الآخرين والتعامل معهم على منظومه قيميه معينه ولكن اهمها السلميه، ونبذ العنف، وقبول الآخر، والتعدديه والحوار، والتسامح والتنافس السلمي، والتعاون وان تكون مستقلة عن السلطة. ويدخل في هذه التكوينات، ايضا،الجمعيات الخيريه والمنتديات والنوادي الثقافية والرياضية ..........الخ

 (2)القوى السياسية ومنها الاحزاب السياسية، وهذه التكوينات هناك خلاف بين علماء السياسة والاجتماع على احتسابها من ضمن مكونات المجتمع الاهلي المدني ، ففريق يرى باضافتها ،  وفريق يرى بعدم اضافتها ، باعتبار ان هناك تداخل بينها وبين السلطه ، بخلاف الجمعيات المهنيه والتي تبدو منفصله عن السلطه السياسيه.

(3) التكوينات والاطر الاجتماعية التقليدية (غير المهنية)، والتي تقوم على الرابطه بين من ينتمون لها ليس على أساس المهنة، وإنما على روابط أساسية كالدم والعرق والدين والطائفة (مثل بعض العائلات أو الأسر أو العشائر أو القبائل، المناطق أو الطوائف المذهبية، باعتبار ان الانتماء هنا ليس اختياري وانما اجباري).وهناك خلاف ايضا بين علماء السياسة والاجتماع السياسي على اعتبار هذه التكوينات من مكونات المجتمع المدني، والغالب على كثير من العلماء هو استبعاد تلك التكوينات من الانتماء الى المجتمع المدني، باعتبار أنها تفتقر إلى القيم المدنية، مثل التسامح، وقبول التعدد، والحوار، والتشديد على الندية والصراع أكثر من التعاون....إلخ. ولكن يذهب بعض علماء الدين والاجتماع، ونحن منهم إلى فكرة اضافة تلك المكونات التقليدية إلى المجتمع المدني، خاصة وان ممارسات كثير منها في البلدان العربية والأجنبية(مثل لبنان، "الطوائف"، واليمن، وعمان، والأردن، والسودان، والهند).....الخ. تبين أنها غير معادية للديمقراطية والتنافس السلمي، وأن "الندية" البارزة لديها وفيما بينها ليست بذاتها سيئة، وإنما قد تكون أحد عوامل التوازن ومنع الاستبداد من قبل كل منهما أو تجاه بعضهم البعض (5). ولذلك كنا من ذلك التوجه، خاصة مع شيوع وانتشار تلك التكوينات التقليدية (الأهلية) في البلدان العربية وفاعليتها الأكثر مقارنة وموازنة بالمكونات المدنية الحديثة في البلدان العربية والتي لا زالت تعاني من أسباب عدم الفعالية والتي يعود جزء كبير منها إلى بنية وطبيعة الدولة العربية التسلطية ، حيث اختراقها لتلك التكوينات وبالتالي عدم  استقلاليتها، كما هو واضح مثلا بالنسبة لعدد من الدول العربية، وكذلك بسبب سياستها التنموية غير المتوازنه بين المراكز والاطراف، بين المدن والارياف، مما ولد حاله متواصله من تداخل الارياف بالمدن بل وتحول المدن الى مجمعات سكانيه متريفه (6) نتيجه ذلك التداخل. ومع فكره قبول الانخراط بالعمليه الديمقراطيه من قبل التكوينات التقليد يه والاهليه كما بينتها تجارب بعض البلدان العربيه وخاصة في لبنان واليمن وكذلك، الهند فاننا واخرون نرى اعتبار تلك التكوينات الأهلية التقليدية جزء من تكوينات المجتمع المدني ولذلك اطلق الدكتور/عبدالله الحامد، أحد أبرز الباحثين والمهتمين بالشان العام والاصلاح الدستوري، مفهوم، المجتمع الاهلي المدني، كمخرج ومفهوم جامع(7).

" المجتمع الاهلي المدني آليه للاحتساب المؤسسي على السلطة وفيما بين مكـوناته"

      على ان النقطة الاهم المناطه بتكوينات المجتمع الاهلي المدني، ليس بذاتها وهياكلها وانما بما تقدمه من اهداف واغراض ووظائف وخاصه في المجال العام. بعض التكوينات المدنيه الاهليه ، تقوم لتحقيق وظائف خاصه للمتسببين لها وذلك بالحفاظ على مصالحهم وتنميتها وتطويرها سواء تجاه الدوله (السلطه )او المجتمع (التكوينات الأخرى). في المقابل فأن البعض يقوم بوظائف عامه ومن ذلك مثلا، جمعيات حقوق الانسان وجمعيات البيئة وحماية المستهلك ودعاة المجتمع المدني في فترات التكوين والمطالبة......الخ. وهناك البعض من التكوينات تجمع بين الغايات الخاصة والعامة ، مثلا اتحاد العمال فهو يقوم بدور حماية مصالح أعضاءه ، ولكنه في نفس الوقت، اذا يتعلق الامر بالسلطه والأجور والعمل، فقد يقوم بالاعلان عن مظاهرات سلميه احتجاجية ، وهولاء وأولئك من التكوينات التي تجمع بين الخاص والعام ، وكذلك حتى الخاصه، عندما تتوازن مع الاخرين أو السلطة، ويقومون بدور وآليات الرقابه والمحاسبة المجتمعية المؤسسية على السلطات وتجاه المكونات الاجتماعيه الاخرى، وبالتالي فان تلك التكوينات الاجتماعيه المدنية والاهليه تضيف ابعادا اضافيه وفعليه الى آليات الاحتساب الحديثه  على السلطه ، وذلك بالامر بالمعروف السياسي والنهي عن المنكر السياسي في قضايا العداله والحقوق  والحريات والمصالح . وهذه تناسب الطريقة الإسلامية بالاحتساب على السلطات وفيما بين المكونات الاهليه نفسها وبآليات حديثه تتحقق من خلالها مقاصد هامة وعديدة من مقاصد الشريعه، كل في مجاله ولكن بشكل مؤسسي لحساب الافراد والجماعات المنتمين لها، وبالتالي تسهم فعليا في الوصول الى "السلطه او الحكومه المقيده" فعليا، بما يحقق العداله ويصون الحقوق والحريات العامة الاساسية، وبالتالي ينهي ويحاصر الاستبداد والقمع والظلم والمفاسد، ويجد بالتالي المواطن نفسه في مجتمع ودوله تكفل له الكرامه والمساواه الانسانيه والفرص المتكافئه في التقدم والرقي في حدود وآليات قانونيه واضحه (دستور).

        إضافة الى ذلك فان وجود تلك التكوينات والتشكيلات الاجتماعيه الاهليه والمدنيه ولضمان استقلاليه عملها، فان وظيفه هامه جدا، تقدمها تلك التكوينات الاجتماعيه الإهلية المدنية، اضافه الى آليات أحتسابها على السلطات وفيما بين المكونات الاهليه الاخرى ، فانها اذا تقوم على نبذ العنف وتؤمن بالحوار والوسائل السلميه وقبول الاخر والتعددية والتسامح، فانها تتيح لأعضاء المجتمع افرادا او جماعات الانضواء تحت تلك الأطر وبالتالي تقوم بدور الموجه والمدرب وقيادة المواطنين وخاصة الشباب نحو التوجهات السلمية والافصاح عن رغباتهم من خلال تلك القنوات، وبالتالي المساهمة على نحو جذري في القضاء على اتجاهات العنف، والتي تبدو تتزايد مع غياب الأطر الاجتماعية المدنية الحديثة أو الأهلية القديمة – كما نلاحظ ما تمر به بعض البلدان العربية من عنف في الجزائر والسعودية وهذا مرتبط  في جزء هام منه بغياب تلك الهياكل (مكونات وعمل المجتمع الاهلي المدني المستقلة).

        تلك العناصر والمحاور الأساسية للدستور، والتي تشكل آليات وهياكل واجراءات تجعل من السلطة بالفعل" سلطة مقيدة" والحكومة حكومة دستورية بالفعل. عندها يمكن من خلال تلك الآليات وخاصة آليات الفصل والتراقب والتحاسب على السلطات وفيما بينها، وكذلك بالاحتساب من قبل التكوينات الاجتماعية، المجتمع الأهلي المدني على السلطات، وكذلك فيما بينها، تحقيق وضمان العدالة والحرية. على أن " روح الدستور" هو أن تتولد تلك العناصر الدستورية من خلال عقد اجتماعي مصوت عليه شعبيا، بحيث تكون"إرادة الشعب أوالامه هي مصدر سلطة الحكم" وأن تتجلى تلك الإرادة من خلال الانتخابات الدورية النزيهة سواء على مستوى السلطة النيابية المركزية (الشورى المنتخبة الملزمة )، أم على مستوى الحكم المحلي والبلديات، وذلك ضمن قانون انتخابي يقوم علىالاقتراع العام والرأي الحر للمواطنين وعلى قدم المساواة . إذن روح الدستور والذي يجعله فاعلا في الممارسة وليس فقط في النصوص هو العلاقة الجديدة القانونيه الملزمه، بين السلطة والمجتمع من خلال "العقد الاجتماعي "، والذي يمثل الدستور، وتكون أرادةالامه اوالشعب هي مصدرسلطة الحكم ويكون المواطن، فعلا لا قولا، جزءا من العملية السياسية وجزءا من السلطة، وخاصة في السلطة النيابية "الشورى المنتخبة الملزمة"، على مستوى المركز أو المجالس المحلية، ذلك من خلال المشاركة الفعلية في الممارسة السياسية في العملية الانتخابية، ترشيحا أو تصويتا أو تمثيلا، في تلك المجالس التي تمثل الإرادة المجتمعية ذات الآلة الرقابية والمحاسبة على أعمال الحكومة وسياساتها.

      إضافه الى ذلك فإن "إرادة الامه الشعب" باعتبارها منبع الولايه ومصدر سلطة الحكم، تجعل أيضا من خلال الانتخاب الدوري إن المواطن نفسه وخاصة الذي أصبح جزء من العمل السياسي داخل السلطات النيابية أو المجالس المحلية، هو نفسه أيضا عرضه للمحاسبة والمسآءلة، وإلى التغيير وعدم الدوام في المنصب، وبالتالي تكون المصلحة العامة دائما مقدمة ، وفي حالة الإخلال بها فإن هناك آلية المحاكمات والاحتسابات والمحاسبة....إلخ. هذا هو الفهم الصحيح للدستور، باعتبار انه "السلطة اوالحكومه ذات السلطة المقيدة" ضمانا لمنع الاستبداد، وتحقيقا للعدالة والحريات والمشاركة الشعبية، المتصلة بإرادة المجتمع، باعتبارها مصدرالسلطات ومرجعيتها العليا. 

       ورغم أن التحديد أعلاه لماهية وروح الدستور تقترب من جوهره، فإن الدول الدستورية تختلف من حيث الحدود القصوى والدنيا لحالة الممارسة الدستورية، وخاصة "السلطة اوالحكومه المقيدة"  ولذلك تجد نماذج متنوعه من، مثلا، الملكيات الدستورية والتي تترواح بين الحد الاقصى والحد الادنى من تقييد الحكومه فيها، غير أن الحد الأدنى الذي لا بد أن يدركه المواطنون هو وجود المشاركة الشعبية في القرارات والسياسات، عن طريق انتخاب سلطة نيابية "مجلس شورى منتخب ملزم" انتخابا حرا مباشرا ودوريا، له صلاحيات وسلطات رقابية على السلطة التنفيذية و الحكومة وكذلك وجود حد معقول من "استقلال القضاء " بما في ذلك وجود محكمة عليا دستورية ، والسماح بحرية التعبير والرأي بما في ذلك حرية الصحافة والإعلام والنشر، وكذلك السماح بتكوينات المجتمع الأهلي المدني، ووجود ضمانات لإستقلالية عملها.

       من هنا كانت الدعوة والمطالبة بالدستور " الإصلاح الدستوري" باعتباره الركيزة والأساس الذي يبني عليه أي إصلاح شامل في السعودية، لتحقيق غاياته في ضمان العدالة والحرية والكرامة للمواطن والمجتمع والسلطة على حد سواء.

        نقطة أخيرة لا بد من الإشارة إليها سريعا وهذه تتصل بمن يصوغ ويعد الدستور؟ جرت العادة في الدول التي تريد أن تتبنى حياة سياسية دستورية حقيقية أن تتكون هيئة وطنيه مستقلة من أهل الرأي والخبرة والعلم في كافة الاختصاصات، بما في ذلك الفقه الدستوري (والشريعة الاسلامية  في البلاد العربية والاسلامية)، لصياغة بنود وعناصر وآليات الدستور المشار إلى أهم عناصرها السابقة مع تفصيلاتها وفي شكل ابواب ومواد ، ثم عند الانتهاء من تلك الصياغة  تقوم الحكومة " الدولة " بعرض ذلك الدستور المقترح على الشعب للتصويت عليه ، وقد تكون صيغة التصويت بنعم أولا. ومتى صوتت الغالبية بنعم  فيعتبر عقدا إجتماعيا جديدا ملزماً للطرفين ، السلطة والمجتمع، ونافذا، وتتحدد بعدها مرحلة التنفيذ وآلياتها، خاصة فيما يتعلق باجراء الانتخابات العامة السلطة النيابية ( الشورى الملزمة ) والمحلية والبلدية، مع وجود قانون انتخابي مبني على احصاء سكاني حديث. ويناط بالسلطة النيابية لاحقاً حق تعديل أو الغاء الدستور جزئيا أو كليا وطبقا لآلية تصويت واضحة مثلا غالبية الثلثين. ويناط بالمحكمة الدستورية العليا المراجعة الدستورية، بمعنى البت فيما هو دستوري أو متعارض مع الدستور من القرارات والقوانين التي تسنها السلطة النيابية أو غيرها في حالات استثنائية.

       من أجل ذلك، طالب دعاة الاصلاح الدستوري والمجتمع الاهلي المدني في السعودية بتشكيل مؤتمر وطني للحوار الغاية منه هو الوصول، بالحوار بين التيارات مع الحكومة إلى تشكيل تلك الهيئة الوطنية المستقلة لصياغة الدستور. لذلك لم يكن الهدف من ذلك المطلب الاصلاحي هوإقامة مركز وطني للحوار كما تبنته الدولة، مهيمنة عليه دون ان تكون طرفا فيه ، و إنما كان الهدف هو الوصول إلى تلك الهيئة لصياغة الدستور من أجل البدء بتطبيقات الاصلاحات الدستورية في فتره لاحقه معقوله.

الهوامش :

 (1) في التفصيلات والاسماء الموقعه على الوثيقه انظر :" ندا الى القياده والشعب معا" "الاصلاح الدستوري اولا"ا16 |12|2003م.

(2) من معايير استقلال القضاء: اقرار نظريه الحقوق الاساسيه للمواطنين و مدونه معلنه محدده لاحكام التعزير ، استقلال مالي للقضاة ، عدم تدخل السلطه التنفيذيه بالاحكام ، اشراف السلطه القضائيه على تنفيذ الاحكام ، اشراف السلطه القضائيه على السجون والمعتقلين والمتهمين ، توحيد المحاكم ، وجود محكمه عليا دستوريه شرعيه للفصل في القرارات ومدى مشروعيتها ودستوريتها. في تفاصيل ذلك انظر ابو بلال، عبدالله الحامد، المعايير الدوليه لاستقلال القضاء في بوتقه الشريعه الاسلاميه، في طريقه للنشر، من الدار العربيه للعلوم، وكذلك عبدالله الحامد ، استقلال القضاء السعودي: عوائقه وكيفيه تعزيزه، بحث معدل، ومقدم في الاساس الى مؤتمر العداله الثاني ، المنعقد في القاهره في الفتره: 22-24/فبراير /2003م

(3) عن تفصيلات الحقوق والحريات للانسان في كافه المجالات وخاصه في مجال الحقوق السياسية، يمكن الاطلاع عليها من موقع الامم المتحده على الانترنت ولنظره موجزه عامه لميثاق حقوق الانسان الصادر في 1948انظر "الاعلان العالمي لحقوق الانسان" 1948........قرار# 217 في 10/12/1948.

(4) هناك ندوات ودراسات عن المجتمع المدني في البلاد والوطن العربي، لعل اهمها ندوه المجتمع المدني في الوطن العربي ( بيروت مركز دراسات الوحده العربيه 1992م ) عزمي بشاره، المجتمع المدني (بيروت، مركز دراسات الوحده العربيه) احمد صبيحي شكري، المجتمع المدني، متروك الفالح، المجتمع والدوله والديمقراطيه، دراسه مقارنه اشكاليه المجتمع المدني في ضوء تريف المدن (بيروت: مركز دراسات الوحده العربيه 2002م ) . أبو بلال /عبدالله الحامد ، المجتمع الاهلي المدني، 2003م

(5) عن تريف المدن وعلاقه ذلك بالمجتمع المدني انظر ، متروك الفالح المجتمع والدولة والديمقراطية .

 (6) اضافه الى دراستنا متروك الفالح، المجتمع والدوله والديمقراطيه في البلدان العربيه،  مصدر سابق انظر ايليا حريق، العرب والتراث والديمقراطيه، المستقبل العربي عدد # .بنابر 2002م.

(7)ابو بلال ، عبدالله الحامد المجتمع الاهلي المدني2003م .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

               العنف في السعودية: من التفسير إلى الاحاطة

( الإصلاح الدستوري هو الحل )

 

      العنف ظاهرة قديمة قدم البشرية، ولكنه مع تغيرات ضخمة في هيكلة وبناء المجتمعات وتنوعها وتقاطع أطرافها واحتياجاتها ومصالحها، ومع التقدم التقني بعناصر القوى المادية، وكذلك بعناصر نقل المعلومة بالصورة الفورية، أخذ يتزايد أولاً في انتشاره وفي آثاره وبالتالي ولد قلقاً واهتماماً متزايداً ومتابعة الناس في كل مكان. وإذا كان العنف ظاهرة موجودة في كل زمان وفي معظم المجتمعات بدرجة أو بأخرى، فإن الذي يهمنا هو ملاحظة أن منطقتنا العربية وبلداننا العربية تشهد في معظمها درجات متزايدة من العنف الذي وصل في بعضها إلى حالة من الصراع الاجتماعي المفتوح " الحرب الأهلية ". وحيث إن السعودية من البلدان العربية التي بدأت تشهد، وخاصة من أحداث سمتبمبر 2001م فصاعداًَ وبالذات منذ 12 مايو 2003م، أعمالاً متصاعدة من العنف، فإن معالجة الموضوع من حيث العلاقة بين العنف والاصلاح وخاصة مدى تأثير الأول على مستقبل الأخير، من القضايا الأساسية المتصلة بفكرة ومطالب الإصلاح الدستوري في السعودية.

 في مناقشة وتحليل العلاقة بين العنف والإصلاح الدستوري، ننطلق من محطات أساسية ذات صلة بالعنف ومنها:

أولاً: تعريف وتحديد مفهوم العنف.

ثانياً: مناقشة متغيرات العنف " تفسير العنف " في السعوديه

ثالثاً: العنف والإصلاح الدستوري.

أولاً: في مفهوم العنف:

      أي معالجة لقضية ذات صلة ببعض المفاهيم، تحتاج أن تحدد تلك المفاهيم من خلال تعريف يوضح مكوناتها وخصائصها. عليه يمكن، من خلال المعرفة في سياق علم الإجتماع السياسي، تعريف العنف على انه؛

      كل تصرف أو سلوك بشري ينزع إلى استخدام قدر من القوة القسرية ( بما في ذلك الإكراه والأذى الجسدي بما في ذلك الضرب والأذى النفسي) وخاصة استخدام السلاح وتقنيات التعذيب التقليدية والحديثة، غير المشروع أو المخالف " المنتهك لحقوق الإنسان الأساسية، التي أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية في التعامل مع أو إدارة العلاقات الانسانية ( بما في ذلك وبدرجة أساسية الاختلافات في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ) وبهدف تحقيق غايات في تلك المجالات تتراوح بين الاخضاع والضغط والتعديل والتهميش (الاقصاء)، وبين الاستئصال والتصفية والتغيير الشامل لتلك العلاقات وبالذات أطرافها " فواعلها "، وقد يطال أذاه آخرين غير مستهدفين. وهذا السلوك البشري القسري غير السلمي يحدث بين الأفراد أو الجماعات أو السلطات تجاه بعضهم البعض داخل مجتمع معين، أو بين مجتمعات معينة وعناصر معينة أو عناصر منها تجاه الأخرى، ويتولد أساساً من تقاطع أو تداخل أو تضافر عناصر من بيئات في تلك المجتمعات صغيرة كانت أم كبيرة رئيسة أو فرعية حبلى بتعقيداتها من اختناقات واختلالات في تلك المجالات. وفي مرحلة لاحقة قد يصبح العنف والعنف المضاد مغذياً لتلك البيئات المحفزة وربما مدمراًَ لها.                         

      بناءاً عليه فإن هذا التحديد أو التعريف للعنف يتضمن العناصر والمكونات والخصائص التالية الرئيسة الأساسية:

1)     سلوك بشري مع الآخرين ـ أو تجاههم أو بينهم.

2)     غير سلمي ( مسلح ـ قسوة ـ تعذيب... الخ ).

3)     غير مشروع وهذا يعني أن هناك عنفاً مشروعاً كمقاومة الاحتلال أو الاستعمار.

4)  مخالف أو منتهك لحقوق الإنسان الأساسية وهذا يعني إن الحق المشروع للدول والحكومات في ممارسة العنف من أجل فرض السلم الأهلي يجب ألا ينتهك حقوق الناس الأساسية بما في ذلك في وقائع الاعتقال والسجن وعدم التعذيب والتحقير والاكراه النفسي للمتهم...الخ.

  5) مجاله، العلاقات الإنسانية " الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ".

6) أهدافه وغاياته، إلحاق قدر من الأذى يترواح بين الاخضاع أو الضغط أو التعديل أو التهميش وبين الاستئصال والتصفية والتغيير الشامل لتلك العلاقات وأطرافها البشرية من أفراد او جماعات أو سلطات، أو بعضها على الأقل.

7) أطرافه، الأفراد والجماعات والسلطات " الحكومات " تجاه بعضهم البعض في مجتمع بعينه، وبين مجتمعات مختلفة أو بعض عناصرها مع الأخرى.

8 ) ومن خلال أهداف وأطراف العنف فإن هناك أنواعاً منه، فهناك العنف الأسري والعنف الثقافي والعنف السياسي والذي قد يأخذ أشكالاً متعددة، بما في ذلك الصراع أو العنف الاجتماعي المفتوح أو الحرب الأهلية.

9 ) إنه ناتج مركب من اختلال واختناقات بيئة مجتمعات تلك الأطراف أو بعضها، وفي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، أو عوامل داخلية، أو تقاطع أو تداخل بين عناصر من بيئات مجتمعات مختلفة "عوامل خارجية".

   10) إن للعنف تداعيات قد يلحق الأذى والضرر على غير مستهدفين أصلاً كالأبرياء الذين لا علاقة لهم بالأطراف مباشرة. وقد يؤدي العنف والعنف المضاد ودورته إلى أن يكون منتجاًُ ومغذياً لتلك البيئات المختلة وقد يؤدي إلى دمارها.

ثانياً : في تفسير العنف في السعودية [17]

1)    البيئة والعوامل  الداخلية .

          لكل حالة أو ظاهرة عوامل مكونة لها . والعنف كظاهرة اجتماعية هو الآخر منتج مركب من عوامل متصلة ببيئة داخلية أو بتداخل من عوامل بيئة خارجية ، أو بخليط منهما . والعنف الذي عرفناه آنفاً هو تعريف مجرد عام ، بمعنى أنه يشمل جميع أنواع العنف واطرافها المحتملة وغاياتها المحتملة . ولكننا هنا نريد أن نركز على حالة أو ظاهرة العنف التي تجري في السعودية ، وخاصة منذ مايو 2003 م فصاعداً ، رغم أن جذورها تمتد في بعض العقود إلى الوراء . العنف الذي يجري في السعودية هو من نوع العنف العام أو  السياسي ، ذلك إن أطرافه " بعض الفئات من المجتمع والسلطة وغاياته تبدو سياسية " ، رغم تداخل الغايات والأطراف الأخرى وكذلك البيئات المولدة لها .

         الخطاب الرسمي ، وكذلك الثقافي والفكري والاعلامي الموازي يقدم العنف " أو الارهاب " على انه ناتج عن الغلو والتطرف في الأفكار وبعض الخطاب الديني،  باعتبارها أفكاراً ضالة ومنحرفة وإنها تعود في جزء كبير منها إلى تأثر أطرافه " بما في ذلك عناصر من الخارج.

   ومع ذلك فإن هناك ملاحظة وهي إن الفئات المنخرطة في أعمال العنف والأرهاب الحالية في أكثرها، هي عناصر شابة لا يتجاوز أعمارهم ال 25 عاماً، وهو ما يدل على إن تلك الفئات والعناصر وليدة وانتاج البيئة السعودية ذاتها، حتى لو ركزنا على مسألة ثقافية بعينها وخطاب ثقافي بعينه. على أية حال في تعريف العنف ضمن أحد مكوناته كمفهوم، إنه منتج أو ناتج مركب من بيئة فيها اختلالات واختناقات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية، لذلك نقول إنه في سياق العوامل الداخلية فإن البيئة السعودية وانغلاقها وبتقاطعات وتضافر عواملها هي المولدة للعنف، رغم إن المجال السياسي، في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفي سياق الممارسات والسياسات الحكومية، تكون الأوفر حظاً في تولد ذلك العنف وهي المسؤولة عنه بدرجة أساسية. وسنبين ونفصل ذلك في ما يلي:

: في المجال الثقافي، يغيب في المدارس والجامعات السعودية سواء كانت دينية أو غيرها الحوار والمناقشات. و يسود عوضاً عنها التلقين والحفظ والتوجيه بدون مناقشة، فلا رأي أخر، ولا تركيز على تطوير وسائل أساليب الفهم.

     وفي الجانب الثقافي العام (والاعلامي الصحافي) تحديداً،  فأن هناك رؤية واحدة في الغالب تمثل الدولة وسياساتها مع غياب واضح ومتعمد للرأي الآخر. وفي موازاة ذلك هناك كبت وقمع ثقافي وخاصة على مستوى غياب الندوات والمحاضرات و المؤتمرات الداخلية، والتضييق على المثقفين في المشاركة في تلك المؤتمرات الموازية خارجياً، بما في ذلك المنع من المشاركة في البرامج الفكريه والثقافية والسياسية في القنوات الفضائية العربية. وكذلك قلة وندرة معارض الكتاب، والتي أصلاُ تخضع لدرجة كبيرة من الرقابة، كما هي وسائل المعلومات الحديثة مثلاُ الانترنت، ومواقعها حيث هناك منع وحذف الكثير من المواقع وأحياناً قفل ومنع لها، خاصة إذ كان مصدرها أو أصحابها من المثقفين أبناء البلد، هذا فضلاً عن غياب مراكز الترفيه. من هنا فإننا أمام منهجية مبرمجة من عملية متواصلة للتجهيل، تؤدي حتماً إلى انغلاق الرأي والبصيرة والحوار، وخاصة على مستوى الشباب الناشئ للتو. لذلك ليس غريباً عليهم التشدد والتطرف وعدم التسامح والجنوح أو النزوع باتجاه العنف، وخاصة في ضوء تضافر العوامل الأخرى في المجالات الأخرى كما سوف تتكشف، تالياً، في مناقشات الاجزاء المتبقيه من عوامل العنف.

2) في المجال الاجتماعي والاقتصادي والنفسي حيث أن هناك تداخلاً كبيراً بينهما، نلاحظ اختلالات في السياسات والممارسات الحكومية منها. هناك أولاً سوء توزيع للثروة والموارد في سياق التنمية لتوفير الخدمات والحاجات الأساسية للناس في كافة المناطق وعلى نحو متوازن. ثمة خلل كبير في بعض المناطق والأرياف ولحساب بعض المناطق أو أجزاء منها، وكذلك بالمراكز " المدن أو أجزاء منها". إذ ليس كل المدن بما فيها المدن الرئيسية مثل الرياض أو جدة مثلاً تخلو من هذا الخلل حيث لا تتوازن الخدمات في كافة أحيائها. إضافة إلى ذلك وفي موازاته، هناك هدر للمال العام سواء تعلق الأمر بإدارة الأموال العامة خاصة في سياق الميزانية العامة للدولة، أو ما هو خارجها، وهو ما يعني قدراً غير قليل من الفساد المالي تحديداً، طالما لا توجد آلية مجتمعية قانوية" دستورية " للرقابة والمحاسبة. لذلك ليس غريباً مع غياب أو خلل في العدالة الاجتماعية أن يكون هناك قدر متعاظم من التظلم والتضجر الاجتماعي الجماعي والحرمان النسبيCollective Social Injustice & Frustration and relative-deprivation[18]            لدى قطاعات متزايدة من السكان وخاصة في بعض المناطق ومنها الجنوبية والشمالية وكذلك قرى وأرياف المناطق الأخرى، إضافة إلى هوامش وأطراف حتى المدن الرئيسية. لذلك ليس غريباً أن تجد أعداداً من المنخرطين في أعمال العنف " الارهاب " ينحدرون من تلك الأجزاء أو الأحياء الاجتماعية أو المناطقية، ومن هنا يلاحظ تمركز فئات وعناصر من المطلوبين في أحياء من أطراف مدينة الرياض مثل السويدي، النسيم، الشفاء... الخ.

     عندما نتكلم عن حالة التظلم الاجتماعي والجماعي والحرمان النسبي لدى فئات وقطاعات من أبناء البلد، وخاصة في بعض المناطق وبعض الأجزاء الأخرى فإننا لا نتكلم بالضرورة عن الفقر والإفقار على المستوى الفردي. ذلك إن الافراد المنخرطين في العنف قد يكونون أغنياء بذاتهم، ولكنهم انطلاقاً من الاحساس بالتهميش والدونيه من قيل الدوله وإدراكه أو التفكير فيه بعمق، على مستوى البعد الجماعي لجماعة ما، في منطقة ما فإنهم غالباًُ ما ينفسون عن ذلك بالاتخراط أو الانحراف في عمليات العنف أن لم يكن في الانحرافات الأخرى. ولعل من المفارقات العجيبة ان الحكومة السعودية وحتى وقت قريب لم تتجاوز السنتين تقريباً اعترفت بوجود حالة الفقر داخل المدن الرئيسية بما في ذلك مدينة الرياض حيث قام ولي العهد الامير عبد الله بزيارة أحد الأحياء الفقيرة فيها. قبل ذلك لم يكن أحد من المسؤولين يعرف عن تلك المسألة بل لا يريد أن يثيرها وذلك لتناقضها الفاضح مع قدرات الدولة المالية الهائلة مقابل عدد سكان غير كبير في البلد.

    وإذا كانت تلك مفارقة عجيبة، فالأعجب أيضاً مفارقتان متلازمتان: المفارقة الأولى هي أن الإعلام السعودي لم يتطرق قبل هذه الزيارة إلى الواقع الاقتصادي المتردي لفئات اجتماعيه من المواطنين وخاصه في سياق حالة وواقع الفقر، وهو أثبات آخر على تبعية وعدم استقلاليه الاعلام في تناول المواضيع العامه والتي تدل على تهميش واضح للرأي الآخر، كما سبق الاشاره أليه. والمفارقة الثانية، هي أن الحكومة السعودية أقرت قبل وبعد زيارة الأمير عبد الله لذلك الحي الفقير في الرياض استرايجية لمكافحة الفقر في البلد. ولكن هذه الاسترايجية خصص لها أو جمع لها مبلغ يتراوح بين مائتين إلى ثلاثمائة مليون ريال سعودي. في المقابل ومع اندلاع أعمال العنف منذ مايو 2003 م خصصت الحكومة لمكافحة العنف والارهاب أكثر من 5 بليون ريال سعودي وذلك في ميزانية عام 1424 ـ 1425هـ  2003 ـ 2004م. وفي كل هذا وذاك يتكشف دور الاعلام المسيطر عليه بآحادية الرأي والتوجه الرسمي، فهو لا يثير القضايا إلا بالضوء الأخضر ويتوقف مع الضوء وعند الخط الاحمر.

       في سياق مسألة مكافحة الفقر ومكافحة العنف أو الإرهاب والمبالغ المخصصة لها، هناك عدة ملاحظات منها:

أ) رغم إن أحداً لا ينازع في حاجة الأمن إلى أموال وموارد تخصص، إلا أن الأمن يمكن الوصول إليه بطريقة التنمية المتكاملة المتوازنة لكافة المواطنين والمناطق وبما يعني ضمان حاجاتهم المادية الأساسية وكرامتهم الانسانية في مجال الحقوق والحريات. وهذا النهج حتى الآن لم يتبع بعد، وهل الأمن هو المنهج الأفضل لمعالجة قضية الإرهاب والعنف؟

      في ميزانية مكافحة الفقر وما خصص للعام 2003 ـ 2004 م نحن أمام المعادلة التالية:

 

=          1

           17  

 

 

=          1

          16.6

 

 
300.000.000                       

5.000.000.00

بمعنى إن هناك ريالاً واحداً مخصصاً للفقر، مقابل سبعة عشر ريالاً يصرف للأمن، وهذا الأخير فقط لميزانية عام واحد بينما الأول " الفقر " قد تكون ميزانيته تشمل عدة سنوات.

ب) في كل ذلك، من يقرر ماذا ومتى وكم تلك الأموال ؟ وكيف تصرف وعلى أي أساس؟ في النهاية  يبقى المواطن يتفرج على لجان تشكل باسمه بمعالجة اوضاعه وحاجاته دون ان يكون شريكاُ في عملية صنع تلك السياسات. ويبقى المواطن الفقير بشكل خاص خارج تلك الدوائر وصناعتها، وقد تصله،  تلك الأموال وقد لا تصله. وعلى أية حال فليس هناك ضمان قانوني أو دستوري لتحقيق ذلك. ومن ثم ليس غريباُ أن مجموعات من تلك المواطنين الفقراء والذين ازدادوا فقراً مع الوقت، قد يشكلون بيئة خصبة للاختطاف باتجاه العنف وبغض النظر عن المسوغات سواء أكانت دينية أو اقتصادية واعية او جاهلة.

3).في المجال الاجتماعي أيضاً هناك تهميش للناس من خلال هدم وتدمير البني الاجتماعية التقليدية من الأسر أو العائلات أو العشائر والقبائل… الخ. في المقابل لم تعمل الحكومة على إيجاد بدائل من بنى وأطر اجتماعية حديثة تستوعب الأفراد والفئات الاجتماعية بحيث يمكن أن ينخرطوا فيها مع الآخرين في نشاطات سلمية تدافع عن حقوقهم ومصالحهم وتفصح عن رغباتهم تجاه الدولة وفي نفس الوقت تقدم لهم امكانية أن يحددوا آلية للمشاركة والمحاسبة والرقابة سواء تعلق الأمر بهم كمجموعات أو بينهم وبين الدولة " السلطات " او ما يسمى بالاحتساب على السلطة، وفي ما بينهم من خلال جمعيات واتحادات أهلية مدنية. مع غياب تلك المؤسسات والجمعيات الحديثة في الوقت الذي تدمر فيه المؤسسات والبنى التقليدية، فإن كافة المواطنين والناس عموماً أفراداً أو جماعات، وخاصة الشباب لا يجدون وسيلة واطاراً يعملون من خلاله ويفصحون عن رغباتهم ومطالبهم وحقوقهم وبطريقة سليمة تجاه الدولة وتجاه بعضهم البعض. لذلك ليس غريباً إنه وفي سياق تلك الوضعية من فقدان الأطر الاجتماعية الأهلية والمدنية المستقله، وكذلك بالتلازم مع ضعف الدمج بين الجماعات والمناطق " الوحدة الوطنية " من خلال سوء إدارة الموارد وكذلك سوء إدارة التنمية وتوازناتها "خلل في العدل والعدالة الإجتماعية "، فإن هناك قدراً من الضعف في الانتماء والولاء للدولة والسلطة، وهو ما يفسر نزوع أفراد وفئات من المجتمع إلى اعطاء ولائهم لقيادات وزعامات خارج البلد كما هي ملحوظة عند أولئك المرتبطين بالقاعدة مثلاًُ.

4) في المجال السياسي تتبدى كل تلك الاختلالات السابقة وتتمظهر جلياً باعتبارها امتداداً وانعكاساً لبنية السياسة والدولة وممارساتها. ولعل المعضلة الكبرى في كل هذا وذاك من اختلالات، تعود إلى طغيان " الاستبداد " وشموليته لمناحي الحياة،  وفي مجالات كثيرة حتى أدق تفصيلاتها. نحن أمام دولة ذات " سلطة مطلقة " لا فصل فيها للسلطات ولا وجود لمشاركة شعبية من خلال سلطة نيابية لها سلطة رقابية ومحاسبة على السلطة التنفيذية. لا سلطة قضائية مستقلة عمليا، بأجراءات وهياكل ومعايير، لا وجود لآليات وأطر اجتماعية للاحتساب الجماعي على السلطة وفيما بينها. وبالتالي ليس غريباً أن يفتقد العدل لأسس إقامته،  ويختل تحقيق العدالة الاجتماعية، وتغيب الحريات وتنتهك، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير والتجمع المدني السلمي،  وتهدر الحقوق، ويستشري الفساد المالي والإداري، ويهدر المال العام دون حسيب أو رقيب طالما ليس هناك دستور وحكومة دستورية.

     والسؤال هنا، ما هي العلاقة بين قضية الاستبداد السياسي والعنف ؟

          يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال عدة محاور متصلة بمسألة الاستبداد وكون الدولة والحكومة " كسلطة " حكومة ذات سلطة مطلقة شمولية، وذلك على النحو التالي: 

 أ: الاستبداد يعني في الوقت ذاته القمع والقهر والاقصاء للمجتمع أفراداًَ وجماعة.  إن عدم وجود فصل السلطات، يعني إن صناعة القرار محصورة بفئة معينة ومقصورة عليه وأما الشعب فإنه خارج السلطة والعملية السياسية وبالذات صناعة القرار. إذن هناك اقصاء للمواطن من السياسة ومن صناعة القرار، أي إن هناك قرارات تتخذ في مجال السياسة الداخلية والخارجية في ظل تهميش لرأي الشعب، الأمر الذي يعني احتمال وجود قدر من الاعتراض الشعبي على عدد من القرارات،  ولكن الحكومة " السلطة " تتصرف دون استشارة شعبها. ومن ذلك مثلاً قرار الإذن بدخول القوات الأمريكية في الأراضي السعودية أثناء وبعد أزمة الخليج الثانية 1990 والتي استمرت حتى الآن. وكذلك ما يتصل بتواصل ضرب العراق ما بين 1991 و 2003 م في مناطق الحظر وخاصة الجنوبي انطلاقاً من الأراضي السعودية، وكذلك تحالفات الدولة وقراراتها فيما يتعلق بغزو افغانستان 2001م، والاحتلال الأمريكي للعراق مارس 2003م فصاعداً. وينطبق على ذلك قرارات القيادة السعودية " المبادرة للتطبيع مع اسرائيل " في مؤتمر قمة بيروت مارس 2002م. هذه القرارات المنفردة بمعزل عن الشعب، أثارت ولا زالت تثير كثيراً من تحفظ الناس عموماً وبعض الفئات خصوصاًُ، بما في ذلك المجموعات الدينية والتي ترى حدوداً للتعامل مع الاجنبي وبعضها يذهب الىعدم جواز دخول تلك القوات أرض الجزيرة العربية " السعودية " بلاد الحرمين أو التصالح والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولذلك فإن عناصر من الشباب "الجهادي" في هذا السياق هم من الذين انضموا إلى عناصر القاعدة في الاعتراض المسلح على الوجود الامريكي في السعودية.

       إضافة إلى ذلك فإن الاستبداد يقابله القمع والكبت والقهر في كافة المستويات وبالتالي فإن متنفساتها البديلة، هي العنف، وذلك في غياب المتنفسات المدنية السلمية وهي المشاركة وإبداء الرأي والتعبير والاعتراض السلمي. عندما يشارك الشعب من خلال من يثق بهم ممن يمثلونه، فإنه هو الذي يتحمل تلك القرارات إذا ما اتخذت؛ ذلك انه لا بد من أن يناقشها ويخضعها للمداولة والتعديل ولربما العدول عنها إذا وجد إنها تتعارض والمصلحة العليا للوطن.

ب: في الممارسات الحكومية الامنية والمسألة الحقوقية في ظل الاستبداد والسلطات الشمولية المطلقة، في أي بلد بما في ذلك السعودية، فإن هناك ميلاً واضحاً لانتهاج سياسات أمنية لمعالجة كثير من مظاهر عدم الرضا والاعتراض على السياسات الحكومية. هذه السياسات الأمنية، تميل إلى عدم وجود ضوابط وأنظمة محددة، إذ لا وجود لدستور مقيد للسلطات، وحتى عندما تتبنى الدولة " أنظمة ما " أو عندما تقر الدولة ـ السلطة " الحكومة السعودية " بعض المواثيق الدولية، مثلاً في مجال حقوق الإنسان، ومنها حقوق المتهم،  فإنها لا تلتزم بها، ومن ثم فأنه ليس غريباُ أن تنتهكها، وذلك لغياب الرقابة والمحاسبة الدستورية القانونية الشعبية. لقد مارست السلطات الامنية وخلال العقود الماضية، منذ الستينات من القرن الماضي فصاعداً انتهاكات في مجال حقوق الإنسان وبالذات في سياق حقوق المتهم والمعتقلين، ابتداءاً بطريقة الاعتقالات، ومروراً بأصناف ممارسات التعذيب،  والعزل الانفرادي الطويل والإهانات، والمدة الطويلة للسجن والاعتقال دون محاكمات، وانتهاءاً بالفصل والطرد من الأعمال والوظائف الحكومية. وتلك الممارسات الأمنية وخاصة في السجون تم تدوينها وكتابة تقارير مفصلة عنها من قبل بعض الذين تعرضوا للسجن أنفسهم وقدمت لمسؤولي وزارة الداخلية.

         إضافة إلى ذلك، فإن العناصر التي انخرطت في الجهاد " الجهاد الأفغاني " وعادت بعد خروج السوفيت، لم تجد معاملة تليق بهما من الدولة، بل لم تقم الدولة باستيعابهم واحتوائهم وانما تم اهمالهم وتهميشهم، رغم أن الحكومة كانت أساساً تدفع بهم إلى افغانستان لمقاومة السوفيت هناك. وإذا كان هذا أكثر حدوثاً في ما قبل صدور وتطبيق نظام الإجراءات الجزائية منذ مايو 2003، فإنه للأسف لا تزال هناك كثير من تلك الممارسات والانتهاكات المتواصلة، كما إن معظم ان لم يكن كل المعتقلين أو المتهمين لا يعرفون حقوقهم بما في ذلك حقهم في أن يكون لكل منهم محامي (وكيل) للدفاع عنه امام المحكمه وفي أثناء التحقيق معه. وكيف لهم أن يعرفوا وليس هناك ثقافة حقوقية في البلد وقد ساهمت الدولة أصلاًُ في غيابها. وحتى أولئك المعتقلين الذين يعرفون بعض حقوقهم، مثل حقهم في المحامي، فأنهم في الغالب يحرمون من هذا الحق أوأن تماطل الاجهزه الامنيه في تحقيقه، أو تعطيله وعرقله فاعليته اذا ماتم. ولعله من المفارقات ان هذه الممارسات الحكوميه الامنيه المنتهكه لحقوق الانسان ، تمارس بينما تعلن الدوله ممثله بوزاره الداخليه تطبيق نظام الاجراءات الجزائيه الذي يتضمن نصوصاً ومواد تمنع تلك الممارسات ، ذلك في تعارض صارخ مع ما وقعت عليه المملكه من اتفاقيات دوليه تمنع تلك الممارسات وخاصه اتفاقيه مناهضه التعذيب التي وقعتها السعوديه في عام 1997م. وإذا كانت تلك الانتهاكات تطال في الأصل أي مواطن، فإنها تركز على فئات من المواطنين وبالذات الفئات والعناصر " الجهادية ".  وبالتالي فإن الممارسات الأمنية التي تمثل انتهاكات لحقوق ولكرامة الإنسان، داخل السجن وفي الإقصاء خارج السجون، جعلت من هؤلاء الأفراد أو المؤيدين لهم ينزعون على نحو متزايد باتجاه العنف والانخراط فيه. طبعاً هذا التحليل لا يعفي أهل العنف من تحمل ممارساتهم، ولا يعني بأي حال من الأحوال إن ليس لهم دور ومسؤولية في تواصل العنف.

ج : السلطة القضائية والاحكام والتعزيرية المفتوحة  في موازاة الممارسات الأمنية القمعية داخل وخارج السجون، ودون ضوابط وقانون ومحاسبة، فإنه أيضا وفي سياق الاستبداد والسلطة المطلقة، وعدم وجود فصل السلطات وآلية الرقابة والمحاسبة على بعضها البعض وبالذات من السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية والنيابية ، فإن السلطة القضائية نفسها تعاني من اشكالية كبرى تتصل بمسألة عدم تمكينها من ممارسه  استقلالها عن السلطة التنفيذية. وفي غياب مدونة واضحة وفعلية ومحددة لأحكام وعقوبات التعزير، وبشكل عام في سياق غياب معايير دولية واجراءات وهياكل تعزز من استقلال السلطة القضائية كمؤسسة وتضمنها، بما في ذلك عدم علنية وشفافيه المحاكم وجلساتها السرية، ووجود محكمة دستورية عليا للبت في شرعية و مشروعية القرارات والأنظمة...إلخ، رغم أن نظام الإجراءات الجزائية المطبق منذ مايو 2003 فصاعداً يجيز ذلك، فإن القضاء خاصه في القضايا التعزيريه (ومنها على وجه التحديد القضايا السياسيه والمتصله بالشأن العام ) قد يصدر أحكاماً قاسية و طويلة الأمد في حالات بعينها تصل إلى درجة الإعدام. من هنا فإن الأحكام القاسيه و/ أو التعسفية التي صدرت ولا زالت تصدر بتأثيرات وتدخلات من الحاكم ضد المعتقلين وخاصة المنخرطين في نشاطات " جهادية " أو في الشأن العام قد ولدت عند أولئك العناصر وخاصة الفئات الأولى إحساساً بالتهميش والإقصاء من الدولة وعزز لديهم تصور أنه ليس هناك طريق سوى سلوك طريق العنف تحت أي مبرر أو مسوغ.

2 )البيئة والعوامل الخارجية والعنف في السعودية:

        البيئة الخارجية وعواملها وصلتها بالعنف في السعودية ترتبط أساساً ببعدي السياسات الأمريكية في المنطقة العربية وكذلك بالعلاقات السعودية الأمريكية وما تتصل بهما من تداخل، بما في ذلك ما يمكن تسميته بالتحالف السعودي الأمريكي أو التبعية السعودية للولايات المتحدة الامريكية من منظور مختلف، وتداخل كل من هاذين البعدين في البعد الداخلي، في العلاقة بين الدولة والمجتمع وعلى محور بنية الدولة والسلطة فيهما:

1)مرحلة ما قبل عام 2001 م : يمكن القول دون تفصيل إن هناك عدة عناصر ولدت تلك البيئة وتداخلها مع البيئة السعودية وعواملها وكان لها أثر واضح في اندلاع العنف بداية ثم تطوره وتصاعده في المرحلة الثالثة من تلك العناصر وهي ذات صلة قوية بالعلاقات السعودية الأمريكية وبالسياسات الامريكية في المنطقة :

  أ. مع أزمة الخليج الثانية 1990-1991ودخول القوات الأمريكية للأراضي السعودية واستخدامها للأراضي السعودية في الحرب على العراق 1991 م ، ثم لاحقاً ما بين 1991 وحتى 2003 بالضربات الجوية وفي تطبيق منطقتي الحظر الجوي وبالذات في  جنوب العراق ، وكذلك في تطبيق " الحصار "  القاتل على الشعب العراقي . كل ذلك تم بموافقة أو بغض النظر من  السلطات السعودية ، ولكن دون موافقة شعبية ، بل كان هناك عدم رضا وخاصة بعد انتهاء العمليات العسكرية في 1991م ، واستمرار القوات والطائرات الأمريكية باستخدام القواعد العسكرية والضربات الجوية ضد العراق ، وتطبيق الحصار على العراق . ذلك الحصار الذي دام أكثر من اثني عشر عاما  وقتل فيه مئات الآلاف من الاطفال والنساء والشيوخ كان محل استياء شعبي واضح حيث أخوانهم واشقاءهم في العراق يقتلون ويحاصرون دون ذنب ، بل في محاولة لاخضاع العراق والمنطقة وبمساهمة عربية بما فيها مساهمة من بلدانهم ودولهم تجاه العمليات الأمريكية في العراق .

ب. في الوقت نفسه كانت السياسات الأمريكية تدعم اسرائيل دبلوماسياً وعسكرياً ومالياً وتقنياً . وتلك السياسات تدعم ممارسات من نوع مصادرة الحقوق الفلسطينية ، من خلال مصادرة الأراضي،  وقتل  الفلسطينيين وهدم المنازل وقلع وقطع الاشجار و كلها كانت محل غضب متزايد من الشعوب العربية بما في ذلك الشعب السعودي . هذا الغضب ايضاً بدأ يتزايد مع محاولة السياسات الأمريكية سواء في العراق اوعبر دعم اسرائيل المتواصل ، اخضاع المنطقة ، وعن طريق اتفاقيات التسويه سواء تعلق بأوسلو أو بدول عربيه و مزيد من الترتيبات الاقتصادية " مشروع الشرق أوسطية وشمال أفريقيا " منذ 1994 فصاعداً،  والذي رغم انه توقف عام 1996 ، كان ينظر إليه على إنه امتداد لمشروع شمعون بيرز " الشرق الأوسط الجديد "  والذي طرح منذ أوائل التسعينات من القرن العشرين وبعد ضرب وتدمير القوة العراقية وارتكز على أربعة أسس أو قوى كلها تبدأ بحرف أل فور أم : 4 MS   وهي:

  أولاً : السوق ( المنطقة  العربيه )  MARKET

         المال الخليجي " العربي "  MONEY

         العقل اليهودي MIND

         واليد العامله  البشرية العربيه   MEN

 

ويلاحظ إن الذي يدير هو العقل اليهودي وله " الهيمنة " ، ومعادلتها على النحو التالي

    NEw Middle East = 4MS (Market +Money + Mind+Man)

   ومن ثم فقد ولدت السياسات الأمريكية في المنطقة بما انطوت عليه من هيمنة واخضاع وما يترافق عنها من إذلال ومآسي في العراق وفلسطين ، غضباُ عارماً لدى الشعوب العربية ومنها الشعب في السعودية ، الذي بدأت عناصر فيه ، بما في ذلك عناصر متصلة بالقاعدة ،  بالقيام بأول عمليات العنف في 1995 في الرياض ،  ثم بالخبر 1996م ضد التواجد العسكري في السعودية . ثم مع توالي الأحداث ما منذ 1998 تفجيرات نيروبي ودار السلام وما نتج عنها من ضرب افغانستان والسودان في أغسطس سبتمبر 1998م ،  ثم الضربات الصاروخية للعراق في ديسمبر 1998م ،  ولمدة ثلاثة أيام متواصلة وفي أثناء ايام رمضان الأولى ، ثم ما تلى ذلك من محاولة غزو العراق بعدها 1999-2000م وعلى خلفية أسلحة الدمار الشامل ، وعودة مفتشي الأسلحة ، وتفتيش كافة الاماكن حتى القصور الرئاسية في العراق ، وما ارتبط بتلك الأزمة من اهانات للشعب العربي عموماً  ، بما في ذلك أبناء السعودية ،  والذين نظروا إلى تلك السياسات الأمريكية في العراق على أنها لا تمثل أهانه للعراقيين فقط وإنما حتى لأنفسهم . من هنا بدأت مشاعر من  التعاطف في السعودية تتكون و تتعاظم مع أسامة بن لادن والقاعدة  وافغانستان والعراق والمقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها ومنها حماس والجهاد . ثم جاءت الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر 2000م  وعلى خلفية التعسف الصهيوني وتدنيس القدس الشريف والمقدسات ، وما يعقبها من عمليات مقاومة فلسطينية ، وارهاب اسرائيلي متواصل ضد البشر والشجر والحجر ،وكل مناحي الحياة ،  وفي ضوئها انطلق مزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة واسرائيل ، في البلاد العربية كما انطلقت مظاهرات شعبية منددة بالاحتلال الاسرائيلي بما في ذلك في السعودية في كل من الجوف والظهران والقطيف وقليل في الرياض " بنات جامعة الملك سعود"، وجده.

    2- مرحلة ما بعد 2001 م

       إذا كانت مرحلة ما قبل عام 2001 م قد هيأت تلك الأرضية من المشاعر المعادية للسياسات الامريكية في المنطقة ،  سواء تعلق الأمر بالعراق او فلسطين، ومن خلالهما بمحاولة فرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة ، فإن أحداث 11 / 9/2001 م ، والتي هي انعكاس لتلك السياسات أو رد عليها ، وما أسفرت عنه من هجمات قاتلة على مفاصل القوة المادية الاقتصادية والمالية الأمريكية ،  هيأت المزيد من السياسات المتشددة والعدوانية الامريكيه تجاه البلدان العربية والاسلامية وذلك على خلفية مشاركة ال19 شخصاً في تلك الهجمات وهم العرب والأكثرية منهم من السعودية تحديداً . من هنا أتت ما سميت "  الحرب الأمريكية على الارهاب " ، والمقصود بالإرهاب هو" العربي الإسلامي " وبالذات تلك الجماعات " الجهادية "ومن أبرزها عناصر القاعدة ، في كل مكان وبالذات في أفغانستان . وستكون السعودية ساحة جديدة لتلك الحملة الأمريكية على ما سمي " بالإرهاب " ولكن بطريقة مباشرة وعن طريق مزيد من الاستجابة الرسمية السعودية للطلبات الأمريكية في تلك السياقات . تلك الحرب الأمريكية على " الارهاب " كان ينظر لها اسلامياً وعربياً وتحديداً " شعبياً " على إنها حملة صليبية جديدة ، أو لم يقلها  الرئيس الأمريكي " الابن " ، حتى لو قيل أنها زلة لسان أو إنه لا يقصد معانيها ودلالاتها التاريخية ؟

 تلك الحملة الأمريكية على الارهاب  : شملت التالي :

1) غزو افغانستان في اكتوبر 2001 ، واحتلالها وتدمير حركة وحكومة طالبان وتشتت عناصر القاعدة وترحيل مئات من العرب الأفغان إلى معتقل قوانتنامو، وإن لم تستطع القضاء أوالقبض على أبرز قياداتها ومنها " أسامة بن لادن والظواهري " .

2)غزو واحتلال العراق في مارس أبريل 2003 وتدمير الدولة العراقية ومؤسساتها ونظامها والإطاحة بها وعلى مرأى من القيادات  العربية وشعوبها .

3)وما بينها وفي سياقها كانت هناك خطوات في محاصرة التحويلات المالية والتبرعات للعناصر والمنظمات الجهادية ،  بما في ذلك حركات المقاومة الفلسطينية " حماس والجهاد" ، ومصادرة الأرصدة والأموال باعتبارها ارهابية . وشملت أيضاً الجمعيات الخيرية الإسلامية والعربية ، التي كانت تنشط في المشاريع والاغاثة الإسلامية ، لعدد من البلدان الإسلامية وفي بعض دول الأقليات ، واعتقال كثير من العرب والمسلمين  في أمريكا وفي أروربا . كذلك كانت هناك ضغوط في تلك المجالات في معظم البلاد العربية وفي قضايا التعليم ومناهجه ، وتبادل المعلومات حول العناصر الناشطة في الجهاد في افغانستان أو الشيشان أو العراق أوجنوب شرق آسيا بما في ذلك العناصر في السعودية .

4)وفي ثنايا تلك الإجراءات والحروب العدوانية الأمريكية كانت الجرائم الصهيونية في فلسطين على قدم وساق ،  وصلت إلى تدمير البنى التحتية للسلطة الفلسطينية ، وعناصرها الأمنية وحصار رئيسها عرفات ، وفرض تغييرات اجبارية على هيكلة السلطة الفلسطينية . وقد تم جزء كبير منها أمام الرؤساء والملوك العرب في قمة بيروت مارس 2002 والتي قدمت السعودية فيها مبادرة " التطبيع مع اسرائيل " : السلام مقابل الأرض التي تبنتها القمة لتصبح مبادرة عربية ، وكلها كانت استجابه لضغط الادارة الأمريكية . واستمرت الممارسات القمعية الوحشية الصهيونية ضد الاهل والأراضي والممتلكات في فلسطين وبمباركة أمريكية ، منذ ذلك الوقت 2002 وحتى الان( 2004 ) م ، ولا زالت متواصله ، أمام أنظار حكومات الدول العربية ، خاضعة خانعة للخارج ، سيدة متوحشة على الداخل ، وهذا وذاك أصل البلاء والداء .

          وفي سياق ذلك كله ، وما يتصل بالمجتمع في السعودية وعلاقاته في السلطة ، كان المجتمع في قطاعات غير قليلة منه " غاضباً على ما تم في أفغانستان والعراق وخاصة استخدام القواعد والأراضي السعودية لتنفيذ بعض من أجزاء تلك الحروب والغزوات والاحتلال  . كل ذلك مثل ضربة لكثير من الناس في مشاعرهم تجاه حكومتهم وخضوعها للرغبات الأمريكية ،  وبالتالي تولد لديهم مزيد من الشعور لفقدان الدوله لسيادتها ومشروعيتها وخاصة من الزاوية  الدينية " الإسلامية " ، إذ كيف تقبل دولة وحكومة تقدم نفسها على إنها عربية مسلمة بضرب بلد اسلامي وثم بضرب بلد عربي مجاور ، هذا فضلاُ عن منع السلطات الدينية في السعودية ،ممثله في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية أئمة المساجد من القيام بدعاء القنوت ضد أمريكا في حربها على كل من أفغانستان والعراق والدعوة للأفغان والمجاهدين وكذلك للعراقيين بالنصر ضد الغزاة . إضافة إلى ذلك فإن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية ضد الجمعيات الخيرية والتبرعات المالية وجمعها وتوزيعها وبمراقبة مستشارين أمريكيين في البنوك وخاصة ما يتصل بقضايا تتصل" بالجهاد" ومنها ما يتعلق بفلسطين ، وكذلك باقفال جمعيات خيرية ، والتعديل في المناهج التعليمية حسب الرغبة والمطالب والضغوط الأمريكية ، وكذلك تنسيق معلوماتي مع الولايات المتحدة الأمريكية بشان عناصر ومواطنين قد يكون لهم صلة بالنشاطات" الجهادية "  السابقة ، وصولاُ إلى مزيد من التنسيق الاستخباراتي في ملاحقة ومطاردة تلك العناصر واعتقالها ،  وقد تتطور الايام لتكشف وجود قوة مهام مشتركة في هذه التنسيقات . كل ذلك أشعل مزيداً من المشاعر الغاضبة لدى قطاعات من المجتمع ضد الوجود الأمريكي وكذلك ضد تحالفات الدولة السعودية أو انصياعها للضغوط الأمريكية سواء تعلق الأمر منها بأفغانستان أو العراق أو فلسطين بما في ذلك ما يتصل " بمبادرة التطبيع " أو الاجراءات التي اتخذتها منذ نهاية 2001م فصاعداً في سياق الحملة الأمريكية على الارهاب . لذلك ينفجر العنف أو" الارهاب" بداية في الجوف " بمقتل  الدكتور حمد الوردي "  في 17/2/2003م ولكنه يأخذ البدايات الحقيقية له بتفجيرات الرياض في 12 مايو 2003 م وما بعدها ليطال أماكن عديدة في الرياض والقصيم والمدينة وجدة ومكة والجوف والرياض ، وبعض هذه المدن تتكرر فيها  أحداث العنف اوالارهاب أكثر من مره ، ويمتد إلى  المراكز النفطية في كل من ينبع ثم الخبر وقبلها بضرب دائرة الأمن السعودية ثم يتجه إلى قتل الأفراد الاجانب أو اختطافهم وقتلهم .ويبدو إن الهدف من ضرب تلك الأماكن الحيوية واختطاف الأفراد وقتلهم هو ضرب المقومات الاقتصادية للدولة وعلاقتها بالمستثمرين والعاملين الأجانب بما في ذلك العاملين في قطاعات ذات صلة بالأمن أو الجيش أو الحرس  الوطني . والهدف هو محاولة الضغط على الاجانب ودولهم بسحب رعاياهم وبالتالي تحييد الصراع بين السلطة وبين أهل العنف أو "الإرهاب" ،وإذا كان الأمر كذلك فإن السلطات السعودية سوف تقوم وبمساعدة أمريكية ،  أقلها معلوماتية ،  وإن كان هناك اعلان بعد ضرب دائرة الامن ، بتشكيل " قوة مهام مشتركة " [19] هذه السياسات الأمنية التعاونية ستفرز وقد تولد مزيداً من التعبئة لعناصر اضافية وخاصة في سباق النظر إلى تلك القوة المشتركة " قوة المهام المشتركة" على إنها تعطي ، لأهل العنف " الإرهاب " ، وفي نظر فئات اجتماعية مفترضة ، مشروعية مقاومة الوجود الأمريكي في السعودية ،  وكذلك ضد تحالف السلطة مع الأمركيين في هذه الحرب والحملة على الارهاب أو العنف .  من هنا فإن هناك خوفاً من أن دائرة العنف أو العنف المضاد وبغض النظر عن مبرراته ومسوغاته ومشروعيته او عدم مشروعيته، ستزداد يوماً بعد آخر لتصل إلى مرحلة الصراح الاجتماعي المفتوح " الحرب الاهلية ".

     وهذا الاحتمال الاخير يتوقف على أمور منها مدى الدعم المجتمعي للعنف أو الارهاب وأهله، وكذلك على مسألة الحلول التي يمكن أن تتبناها الدولة لمواجهة العنف على الارهاب وعناصره، وهل ستكون حلولاً أمنية فقط، أم تكون هناك حلول سلمية مدنية إصلاحية. قبل الوصول إلى مسألة العلاقة بين العنف والاصلاح نود الإشارة سريعاُ إلى مسألة الدعم أو التأييد الشعبي للعنف وأهله وعناصره. قبل تفجيرات مايو 2003 م  وفيما يخص القاعدة وخاصة أثناء حرب وغزو افغانستان وأيضاً في سياق الحرب والغزو الأمريكي للعراق فإن هناك تأييداً ملحوظاً من قبل فئات وقطاعات غير قليلة من المجتمع في السعودية للقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن. وهذا التأييد أو الدعم لا يعني بالضرورة إن الناس المتعاطفين يقبلون بكل معتقدات وتوجهات القاعدة ورموزها، ولكن التأييد والتعاطف يفسر بأن تلك الحركة وقيادتها وعناصرها وخلاياها تقوم بأعمال فيها مقاومة للسياسة الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية والإسلامية. ولذلك ليس غريباً أن يكون هناك أكثر من 70% من الكويتيين يتعاطفون مع القاعدة في سياستها المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، فكيف إذن بالسعوديين والذين أيضاً تشير بعض التقارير الاستخبارية إلى أن أكثر من 80% يؤيدون القاعدة في حربها ومقاومتها للسياسات الأمريكية في المنطقة. ولذلك فإننا نتذكر وهذا ما يقع في تلك النسبة، إنه أثناء الحرب والغزو الأمريكي لأفغانستان وكذلك ما بين 2001 ــ 2002 م كانت صور بن لادن تبث بشكل مكثف بين الجوالات في السعودية. طبعاًً مع بداية انفجارات الرياض في 12 مايو 2003 فصاعداً، وخاصة مع تضاعف التفجيرات في مجمع المحيا بالرياض ثم في دائرة الأمن، ثم في اختطاف وقتل بعض الغربيين، فإنه من المؤكد إن هناك انخفاضاً في نسبة التأييد لتلك العناصر الفاعلة في العنف أو الإرهاب، وأيضاً عدم موافقة أعداد متزايدة من الشعب بقبول بعض من هذه الاعمال على الأقل [20]

      ومع ذلك تبقى البيئة الداخلية كما أشرنا إليها وتقاطعها مع البيئة الخارجية وبالذات في سياق الاستبداد الداخلي وممارساته الداخلية وكذلك في سياق تقاطعاته مع الخارج الأمريكي، حاسمه في تولد العنف؛ كل ذلك يعني أن تلك البيئة واختلالاتها هي التي تعمل على تفريخ عناصر إضافية لجماعة وعناصر العنف. بل إن الاعتقالات المتزايدة منذ 2001 م فصاعداً،  وخاصة ما بين 2003 و 2004 م، والتي تجاوزت الآلاف [21] سواء في سياق الاعتقال، أو التحفظ المؤقت وبما يتضمنه من تجاوزات أمنيه بما في ذلك استمرار الانتهاكات لحقوق المتهم، تعني أن هناك نسبة من المجتمع وفئاته تشكل مخزوناً فيه قدر من الالتزام بالانخراط في تلك العمليات " العنف أو الارهاب " وليس فقط التعاطف. ذلك المخزون يمكن أن يقدر تقريباً مابين 10 آلاف إلى 40 ألفاً ممن لديهم " القابلية للانخراط " بالعنف وبتلك الجماعات [22] .

ثالثاً : في العنف والإصلاح" الدستوري

المحور الاخير في هذه الورقه يتناول العلاقة بين العنف والإصلاح وهل أهل العنف أو الارهاب يطالبون بالإصلاح الدستوري، وهل لديهم أصلاُ مشروح إصلاحي، وهل المخرج مـن العنف هـو باتباع السياسات الأمنية الصارمة أم بمـاذا ؟ 

        توصلنا في مناقشات وتحليل عوامل " العنف " إلى إن الاستبداد هو اصل الداء والبلاء في البلد، وكذلك منتجاته وفروعه في تلك الاختلالات في السياسات والممارسات الحكومية، في كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية،  والسياسية بدرجة أكبر وأساسية، وكذلك في تحالفاته وتقاطعاته مع البيئة الخارجية " الولايات المتحدة الأمريكيـة "، وتجاهل استشارة الشعب وموافقته وبغياب آليات المحاسبة الدستورية.

بناء عليه يمكن أختصار متغيرات العنف عن طريق المعادله التالية:

" الاستبداد "( والممارسات وكذلك في التحالفات الخارجية ) = الجهل و التجهيل + الفقر والإفقار + القمع والكبت والاقصاء والتهميش = ( العنف ). وهذه المعادلة لا تنفي ولا تلغي دور أهل العنف في تلك الدائرة من العنف والعنف المضاد. ولذلك من مخاطر تواصل العنف والعنف المضاد أن يتحول إلى دائرة عبثية تهلك الحرث والنسل، والأخضر واليابس، خاصة في احتمالات تحولها إلى حرب أو صراع اجتماعي مفتوح،  وهذا أمر وارد في ضوء،  أولاً استمرار نفس خلل السياسات الرسمية، وكذلك ثانياً، في احتمال فشل الإدارة الأمريكية في العراق وكذلك عدم ولوج الإصلاح الدستوري في السعودية.

       طبعاً أهل العنف لا يطالبون أصلاً بالإصلاح وليس لديهم مشروع إصلاحي، ولذلك فإن هناك مسؤلين وكتاباً وباحثين يستغربون الربط بين الإصلاح وبين العنف. المشكلة في هذا الفهم هي أنهم يعتقدون أن هناك عدداً من اهل العنف أذا ماتم قتلهم أواعتقالهم فسوف ينتهي الأمر. وهذا يعني إن أولئك لا ينظرون إلى البيئة المولدة والداعمة للعنف أو الارهاب وأهله. البيئة المولدة كما قلنا هي تلك البيئة السعودية في طبيعتها وانغلاقها وبصفة أساسية في بيئة الدولة ـ السلطة، في الاستبداد والسياسات الحكومية والممارسات المتولدة عنه والتي لا زالت لم تتغير، منذ ما بعد 2001 م وحتى 2004 م حيث تواصل أسس ومقومات وعناصر تلك السياسات الحكومية وبنيتها أصلاً، ألا وهي السلطة المطلقة والاستبداد.

      الاتجاهات الرسمية والسياسات الحكومية لا زالت ترى إن بإمكانها معالجة العنف أو الإرهاب من خلال سياسة أمنية صارمة يتم عبرها ملاحقة ومطاردة وقتل واعتقال أولئك العناصرالذين يبدو للجهات الرسميه أن عددهم عدد محدود، وفي سياق تعاون أمني محدود ومعلوماتي "سعودي امريكي" وحتى في سياق تشكيل " قوة مهام مشتركة " سعودية أمريكية، أعلنت مؤخراً.إضافة إلى ذلك، صدرت مبادرة جديدة تتضمن اصدار "عفو" عن العناصر المشاركة أو المرتبطة " بأهل العنف "، والتي لم تتورط في أعمال قتل، ولم يقبض عليهم، حتى الآن، إذا سلموا أنفسهم خلال شهر من تاريخ صدور القرار. وجاء في خطاب الأمير عبد الله الذي ألقاه نيابة عن الملك فهد بهذا الشأن: لذلك فإننا نعلن وللمرة الأخيرة بأننا نفتح باب العفو والرجوع للحق وتحكيم الشرع الحنيف لكل من خرج عن طريق الحق وارتكب جرماً باسم الدين وما هو الا الفساد في الأرض، ولكل من ينتمي إلى تلك الفئة التي ظلمت نفسها ممن لم يقبض عليهم في عمليات الارهاب فرصة الرجوع إلى الله ومراجعة أنفسهم، فمن أقر بذلك وقام بتسليم نفسه، طائعاً مختاراً في فترة أقصاها شهر من تاريخ هذا الخطاب فإنه آمن بأمان الله على نفسه وسيعامل وفق شرع الله فيما يتعلق بحقوق الغير [23]

          ولنا ملاحظات على ماتقدم هي:

1) بالنسبة للسياسات الأمنية الصارمة، فإننا لا نعتقد إنها هي الحل، بل لن تكون الحل، ذلك إن العنف يولد العنف. إضافة إلى ذلك هناك اعتقاد خاطئ لدى بعض المسؤولين وغيرهم أن العناصر المنخرطة في أعمال العنف أو الارهاب محدودة العدد يمكن استئصالهم بالقاء القبض عليهم أو قتلهم أو بالاعتقالات المكثفة. وهذه فكرة خاطئة، ذلك إن هؤلاء أصلاًََ إنما تقدمهم البيئة والبيئة لم تتغير بعد. ولذلك كما أشرنا سابقا فإن تلك السياسات الأمنية الصارمة ستولد أو تدفع بذلك المخزون من العناصر التي لديها " القابلية " للانخراط فعلاً. فوق هذا وذاك فإن مزيداً من التعاون الامني السعودي الأمريكي سواء في سياق تبادل المعلومات أو في أطر جديدة بالاعلان عن انشاء " قوة مهام مشتركة " لمحاربة الارهاب في السعودية يعني مزيداً من صب الزيت على النار، وهذا قد يكون كارثياُ في ضوء خروج أمريكا من العراق مهزومة أمام المقاومة العراقية والتي تضم عناصر عربية ولربما سعودية. كل ذلك قد يوفر مقومات ومسوغات إضافيه  لصراع اجتماعي مفتوح محتمل  في السعودية .

2) بالنسبة إلى العفو، فرغم أنه خطوة جيدة أن فيه قدراً من الغموض وعدم الوضوح ذلك إن العفو مشروط وقد يترتب عليه محاكمات وأحكام طويلة المدى. والأفضل لو1. إنه صدر عفواً صريحاً بإنهاء القضايا وتعليقها وان تحدد فترة حبس محددة معلنة. 2.وكذلك تمكين من يستسلم منهم من محامين أو وكلاء للدفاع عنهم في فترة التحقيق والمحاكمة، وأن تكون المحاكمات محاكمات علنية 3.إضافة إلى ذلك، فإن تلك الخطوة على كونها خطوة جيدة، لا يمكن أن تفي بالغرض دونما إصلاح وإصلاح حقيقي ترافق معها.

       المخرج الصحيح هو إضافة إلى وجود سياسات أمنية معقولة موازية هو (ا): ولوج الإصلاح الدستوري الذي يدخل المواطن إلى دائرة السلطة، فيحد من الاستبداد، ويقضي على الاختلالات في كافة المجالات، ويؤكد ويصون الحقوق والحريات العامة، من خلال فصل السلطات والسلطة النيابية المنتخبة " مجلس شورى ملزم " لها سلطات رقابية ومحاسبية"، يتيح للمواطن الحق في المشاركة في القرارات وصنع السياسات.

    يضاف إلى ذلك ضرورة ضمان وجود سلطة قضائية مستقلة بتمكينها من خلال اجراءات وهياكل ومعايير،  لتستطيع المساهمة في توفير العدالة والمساواة والكرامة وحفظ الحقوق والحريات للأفراد. على أن تكون السلطة القضائية مستقلة من خلال تلك المعايير والاجراءات والهياكل وفي سياق فصل السلطات ذات الصلاحيات الرقابية ضمن آلية وهياكل الدستور، والذي لكي يصبح له روح لابد أن يصوت عليه شعبياً.

       هذا الإصلاح الدستوري، سيولد بيئة جديدة من خلالها يمكن امتصاص تلك الاختلالات في كافة المجالات واعادة الاعتبار للمواطن من خلال اقامة العدل وضمان الحقوق والحريات والكرامة والحق في المشاركة والتعبير. هذه البيئة الدستورية والتي تعني حكومة دستورية ذات سلطات غير مطلقة، وفي سياق محاسبة ومراقبة ومشاركة شعبية على مستوى المؤسسات السلطة " خاصة النيابية مجلس الشورى المنتخب الملزم " وعلى مستوى المشاركة والمساهمة في تشكيل جمعيات المجتمع الأهلي المدني في كافة المجالات ليتاح للمواطنين الانخراط في تلك الجمعيات والاتحادات والافصاح عن رغباتهم وآراءهم. إذا وصلنا إلى سلطة مقيدة، حكومة دستورية، بإصلاح دستوري نستطيع أن نلغي عوامل ومكونات ودعائم وحوافز العنف في كافة المجالات. بما يتضمنه ذلك تصحيح للعلاقة بين الدولة والخارج على أسس تنطلق من مصالح الشعب وحقوقه وكرامته، عبر مشاركة المواطن في تلك السياسات،  بما في ذلك السياسة الخارجية للدولة، وبالتالي إنهاء سلبيات الممارسات الحكومية داخلياً وسلبيات تحالفها خارجياً باعتبارها (أي السلطه المقيده) ضوابط شعبية " إرادة ومشاركة شعبية ورقابة على تلك السياسات ". عندها يمكن أن تتولد أولاً شرعية جديده وصلبه للدولة والأسرة، تقوم على " تعاقد " بين المجتمع والسلطة " الأسرة "، تضمن حقوق وحريات المجتمع، وتوفر الفرص للأسرة لممارسة الحكم في السلطة بالمشاركة أو الشراكة الدستورية مع الشعب أو من يمثله. وثانياً في تلك البيئة نستطيع أن نلغي الاختلالات وأن نجفف بطريقة سلمية هادئة مصادر العنف وأسبابه. وبالتالي فإنه مع الوقت وتحقق تلك الإصلاحات على الأرض،  فإنك سوف تجد إن تلك العناصر المنخرطة في العنف بدأت تتقلص بشكل كبير،  وبدأت تتلاشى فعلياً، ذلك إن الدعم والمخزون القابل للعطاء ينتهي. طبعاُ وفي سياق الإصلاحات الدستورية لا يمنع من اتباع السياسات الأمنية الموازية، ولكن بطريقة تقلل من الأقصاء والتهميش المباشر، وأنتهاكات حقوق الانسان بما في ذلك حقوق المتهم وبنفس الوقت التركيز على الحلول الاصلاحية الدستوريه السلمية لتوفير الأمن، من خلال ادخال المواطن إلى صلب العملية السياسية، لكي يشعر أنه بالفعل جزء من السلطة، وإن السلطة جزء منه. عندها فقط يمكن لنا أن نخرج من دائرة العنف. أما أية طرق غيرها فإنها قد تطيل العنف وتزيده وتفجره إلى صراع اجتماعي مفتوح " حرب أهلية "، والتي يخشى في حالة اندلاعها أن تولد آثاراً أكبر على الدولة والمجتمع. كما أن الدول الكبرى حينها ومنها الولايات المتحدة قد ترفع يدها عن الوضع حتى يثبت. وعندها قد تقرر التدخل في الوقت المناسب. أن التأخر في دخول عملية الاصلاح الدستورية في الوقت الحاضر، ومع احتمال اندلاع " صراع اجتماعي مفتوح " سيعقد مهمة الحكومه مستقبلاً ويجعلها أكثر صعوبه اذ سوف يعتبر عرضها لو تم مستقبلاَ أمراً غير مقبول من قوى الاعتراض والعنف إذ ما أصبح لديها اليد الطولى في الساحة.



[1]  * ابعد نفسه عن المحاسبة والشمولية الواردة في الحديث الشريف وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، وأما الشعب والمجتمع فهم الرعية فما عليهم إلا أن يتبعوا ما يريده الراعي " الوالي " .

[2]  المصدر " رياض الصالحين .. حققه شعيب الأرناؤوط " بيروت " مؤسسة الرسالة طبعة 3/1422هـ  ـ   2001 م ص 93  .

[3]  المصدر نفسه 93 – 94

[4] المصدر نفسه ص 94

[5] المصدر نفسه ص 95

[6] المصدر نفسه 95

[7] المصدر نفسه  ص 97

[8] المصدر نفسه ص97 ، هامش  # 1 .

[9] صحيح مسلم يشرح النووي " بيروت " : دار ابن حزم ، ط 14231 هـ ـ  2002 م ص 161-163

[10] المصدر نفسه ص 162

[11]  للمزيد في التفصيلات أنظر الجزء الخاص بالدستور .

[12] عن رأي النووي في ذلك انظر صحيح ومسلم ، بشرح النووي " بيروت " دار بن حزم ط 11 ، 1423هـ 2002 م ص 1427 .

[13] وعن رأي  الشيخ السعدي أنظر ، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، تيسير الكريم الرحمن في تيسير كلام المنان ، " بيروت " : مؤسسة الرسالة ط 1 ـ 1423هـ ـ 2002 م .

[14] العلامة شمس الدين أبي عبد الله ، محمد بن القيم الجوزية ، الطرق الحكمية ، قدم له وشرحه وخرج أحاديثه ، زهير شفيق الكبي (بيروت) : دار إحياء العلوم ط 1 1423هـ /  2002م ص 25 .

[15] متروك الفالح " المستقبل السياسي للسعودية في ضوء 11/9/2001 م الإصلاح في وجه الانهيار أو التقسيم. موجودة على الانترنت على موقع صحيفة الشعب المصرية ويمكن الوصول إليها عن طريق موقع  GOOGLE  .

[16] فكرة قيام " الدولة السعودية الرابعة " المؤسسه على الدستور، هي في الأساس للدكتور ـ عبد الله الحامد.

[17] عن نظريات العنف وتفسيرها أنظر ، متروك الفالح ، نظريات العنف والثورة : دراسة تنوعية مقارنة " القاهرة " مركز البحوث ـ كلية الاقتصاد والعلوم  السياسية جامعة القاهرة ، 1991 . وعن تفصيلات شامله عن دراسات ونظريات وأبحاث العنف , هناك الدراسه الشامله التاليه:

Ekkart Zimmerman,Politicol violence , Crises and Revolutions, Theories  and Research (Cambridge, Massachusetts:Schenkman Publishing Co,1983)

[18] عن التعليم والتضجر الاجتماعي والحرمان النسبي وعلاقاتها بالعنف انظر ،

Rebel ( plinceton:Princeton Univ.Press   Ted Gurr Why Men

1970 )

, I.K.Feierabend,R.L Feierabend, and Ted R. Gurr (eds.), Anger, Vielence, and Politics (Englewood Cliffs, N.J. : Prentice Hall , inc. 1972).  Why Men

[19] عن قوة  المهام المشتركة بين السعودية وأمريكا في مجال مكافحة الارهاب أو العنف انظر إلى البيان الذي وزعته " السفارة السعودية في واشنطن" الرياض اعتقلت 600 مشتبه " الشرق الأوسط عدد# 9320 في الجمعة : 4/6/2004 ص 4

[20] ومع ذلك فإن استغراب عدد من  الكتاب الاعلاميين بعدم قيام أئمة المساجد بالقنوت على الارهابيين في السعودية ، يدل على وجود التعاطف ، وكذلك مطالبة الأمير عبد الله بعدم السكوت وخاصة من بعض القيادات الدينية ، ولذلك أصدر عدد منهم بيان في رفضهم للعنف ومنهم د. سلمان العودة ، وسفر الحوالي وناصر العمر ... الخ أضافة إلى إن وزارة الأوقاف أصدرت أمراً تلزم فيه أئمة المساجد بالقنوت ضد الارهابيين ، في ذلك أنظر " السعودية وزارة الشئون الإسلامية " تلزم الأمة والخطباء بالقنوت على الارهابيين " الحياة عدد # 15044 في السبت 5/6/2004 م  ص 1 , 2 .

[21] عن تلك الاعداد رغم أنها لا تكشف كل الحقيقة أنظر " السفارة السعودية في واشنطن " مصدر سابق .

[22] يمكن الوصول إلى تلك النسب بطريقة حسابية تقديرية افتراضية على النحو التالي سكان السعودية 20 مليون يستبعد منهم الأجانب والنساء والأطفال والشيوخ  20- 6% = 14 مليون  ال 14 مليون – 50% نساء = 7 مليون 7×70÷100 شباب بين عشرين و40 الناتج يساوي 5 مليون 5×80÷100 تعاطف عام = 4 مليون ولنفترض أن 1% من هؤلاء لديهم القابلية للإنخراط 4.000000 ×1 ÷100 الناتج 40.000 شخصاً تقريباً لديهم القابلبية للانخراط في العنف ولكن هذا العدد يحتاج إلى توفر معطيات محددة ليصبح حقيقية مؤكدة .

[23]  في 23 /6/2004م اعلن العفو في تفصيلات الخبر ، أنظر في كلمة ألقاها ولي العهد السعودية تمهل فلوف الفئات الضالة شهراً للرجوع إلى الحق وتحكيم الشرع " الشرق الأوسط ، عدد # 9340 في الخميس 24/6/2004 ص 4 . هذا وقد مرت المدة المحددة للعفو ولم يستسلم سوى عدد لا يتجاوز الأربعة ، منهم اثنان ، احدهم مقعد والآخر تاجر سلاح . ولم يستسلم من الأساسيين المطلوبين " القائمة المطلوبة " أحد حتى هذه اللحظة ، وقد اعتقل احدهم بعد تجاوز مدة العفو وهو الزهراني .