النص
الأصلي للمقابلة التي أجرتها مراسلة الراية
القطرية مع الدكتور هيثم مناع المتحدث باسم
اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومؤلف موسوعة
"الإمعان في حقوق الإنسان" حول مشروع
الدستور الدائم في دولة قطر. للأسف لم تذكر
الراية في عددها الصادر في 26/4/2003 وجهة نظر
المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان
بدقة ولذا نعيد نشرها كاملة
-
كلفت قبل اليوم بمراجعات
نقدية لعدة دساتير في العالم، هل يمكنك قبل
أن تحمل مبضع التشريح أن تحدثنا عن
الإيجابيات في مشروع الدستور الدائم لدولة
قطر؟
-
ليست مهمة مناضلي حقوق الإنسان النقد من أجل
النقد، بل النقد من أجل النفع العام وتعزيز
حقوق الأفراد والجماعات. والحقيقة، فإن قرار
دخول قطر مرحلة الإمارة الدستورية يشكل نقلة
نوعية على صعيد الدولة والمنطقة. فلا يمكن
تنظيم العلاقة بين المواطن والحاكم بشكل
حكيم دون تدوين عهد
ناظم لذلك. هذا العهد لا يمكن أن يكون مثاليا
وخارقا للمعتاد في أول محاولة، فهو حصيلة
جهد بشري، وبالتالي يحمل النقص وقابلية
التغيير بآن معا.
-
بتعبير مختصر، هل يمكن اعتبار هذا الدستور
قاعدة لدولة قانون في قطر؟
-
نعم، في حال إعطاء الدستور قوة في الحياة
العامة وعدم تحجيمه بقوانين مقيدة في كل
مكان حيث أحيل الحق والمسؤولية فيه
للقوانين، والحقيقة فإن أول ما استوقفني هو
مبدأ فصل السلطات وقد أقره الدستور في
المادة 60 وتوقفت
أيضا عند المواد المتعلقة بالسلطة القضائية
(129 إلى 140). هذا القسم برأيي يعطي ضمانات
للمجتمع في وجه عسف السلطة، يبقى أن تعزيز
القوانين مستقبلا لاستقلال السلطة القضائية
سيكون له أهمية كبيرة في حجم وطبيعة السلطة
القضائية وقدرتها على تحقيق توازن ما مع
السلطتين التشريعية والقضائية. فبرأيي لا
يمكن الحديث عن الديمقرطية بدون سلطة قضائية
جديرة بالتسمية.
-
ربط
مشروع الدستور الدائم بين مفاهيم إسلامية
ومفاهيم غربية، بين التراث والمعاصرة، فهل
وفق في هذا الربط؟
-
في
أكثر من مكان، يلاحظ وجود قراءة مجتمعية-ثقافية
أكثر منه قراءة قانونية. الأمر الذي يذكرنا
بأول الدساتير في البلدان الأوربية حين كانت
مشكلة الهوية مطروحة في صلب صياغة المنطق
القانوني للدولة وكان من الضروري تحقيق أكبر
إجماع على النص الدستوري، وبالتالي غمامة
النص قانونيا بحثا عن أكبر انتساب اجتماعي.
أعطي مثلا لذلك، حرص المادة 57 على احترام
الدستور من جهة، ومراعاة الأعراف المستقرة
من جهة ثانية. لا يمكن أن نعثر في أي بلد على
تعريف دستوري للأعراف المستقرة فيه بالمطلق
وضمانة بأن لا يكون في الدستور ما يختلف
معها؟ مسألة ثانية أكثر حساسية وأهمية: إذا
اعتبرت كلمة "المواطنون" في الدستور
تشمل المواطنون والمواطنات، يكون هذا
الدستور من أكثر الدساتير العربية إنصافا
للمرأة. أما إذا لم يكن هذا هو الحال، فليس
فيه لدينا أية ضمانات للحقوق الاجتماعية
والسياسية والثقافية والاقتصادية للمرأة من
وجهة نظر الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
فإقرار المساواة أمام القانون في المادة 35
لا يعني بالضرورة التساوي في الحقوق
والواجبات دون تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو
اللغة أو الدين؟
-
هل
يمكن الحديث عن ضمانات لحقوق المواطن
بالمعنى الموجود في إعلان حقوق الإنسان
والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789؟
-
لعل
هذا القسم من الدستور من أكثر الأقسام تبعية
للقوانين. فالفقرات الخاصة بالحقوق
والواجبات العامة تمتد من المادة 34 إلى
المادة 58. وفي هذه المواد 14 حالة يحددها
وينظمها القانون، بعضها منطقي وبعضها لا
معنى له. فما معنى السماح للقانون بالتدخل في
خصوصية
الإنسان أو شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته
أو أية تدخلات تمس شرفه أو سمعته؟
-
هل
يضمن الدستور توازن الحد الأدنى في العلاقة
بين السلطات الثلاث؟
-
أحيانا
وفي مسائل محددة يضمن ذلك، ولكن بشكل عام
النصوص الأكثر وضوحا هي تلك الخاصة بصلاحيات
السلطة التنفيذية. في حين ثمة مقيدات لقدرة
السلطة التشريعية مثلا على الفعل في مسائل
أساسية يمكن أن تحول دون عسف السلطة
التنفيذية. نأخذ على سبيل المثل لا الحصر ربط
الاستفتاء حصرا بالأمير (المادة 75) وإعلان
حالة الطوارئ حصرا بالأمير (مادة 69) أما
بالنسبة للمعاهدات والاتفاقيات فيبلغها (الأمير)
لمجلس الشورى مشفوعة بما يناسب من البيان (المادة
68). في غموض نلاحظه أيضا في المراسيم بقوة
القانون في الحالات الاستثنائية، حيث لها
قوة الفعل 40 يوما، بعدها يتطلب رفضها أغلبية
الثلثين. إذا تذكرنا أن الثلث يتم تعيينه،
يمكن القول أن الرفض يحتاج إلى معجزة.
-
هل
هناك مواد شعرت بارتياح نفسي لها في هذا
الدستور؟
-
نعم، المادة 36 التي تعتبر التعذيب جريمة
يعاقب عليها القانون والمادة 38 التي تنص على
عدم جواز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه
من العودة لها، والمادة 71 التي تعتبر الحرب
الهجومية محرمة والمادة (146) التي تقول : "الأحكام
الخاصة بالحقوق والحريات العامة لا يجوز طلب
تعديلها إلا في الحدود التي يكون الغرض منها
منح مزيد من الحقوق والضمانات لصالح المواطن".
وهل
هناك مواد تتمنى لو لم تراها في الدستور؟-
-
عدة فقرات في مواد مختلفة، ولكن المادة 148
التي تنص على : "لا يجوز طلب تعديل أي من
مواد هذا الدستور قبل مضي عشر سنوات من تاريخ
العمل به." مادة رديئة بكل المعاني.
-
كيف
تقيم تناول مشروع الدستور الدائم لالتزامات
قطر الدولية؟
-
يتعرض
المشروع لهذا الموضوع في المادة السادسة
التي تقول:"
تحترم الدولة المواثيق والعهود الدولية،
وتعمل على تنفيذ كافة الاتفاقيات والمواثيق
والعهود الدولية التي تكون طرفاً فيها".
هذه الجملة عامة ولا تلزم بما يعرف بالطابع
العلوي للاتفاقيات الدولية. فالالتزامات
الدولية باعتبارها خيارات طوعية للدولة،
تصبح جزءا أساسيا من مقومات دولة القانون.
وبالتالي تنص معظم الدساتير الحديثة اليوم
على ملائمة القوانين الوطنية مع مقتضيات
الاتفاقيات التي تمت المصادقة عليها.
-
هل
تفكرون برصد عملية الاستفتاء التي ستجري في
البلاد؟
-
الاستفتاء
عملية متكاملة تسبق وتواكب وتلحق ما نشاهده
من مشاركة شعبية في يوم واحد. بهذا المعنى
نحن نحاول تتبع ما يجري للخروج بتقييم هاجسه
الأساسي الموضوعية. سيكون من الإيجابي أن
تؤصل الدولة لتقليد حضور مراقبين مستقلين.
واللجنة العربية لحقوق الإنسان على استعداد
للمشاركة في مراقبة الاستفتاء.